الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (44)
سُورَة الدُّخان
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الدُّخان أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {حم} الدُّخان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الدُّخان
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ حم الدُّخان فِي لَيْلَة أصبح يسْتَغْفر لَهُ سَبْعُونَ ألف ملك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ حم الدُّخان فِي لَيْلَة أصبح يسْتَغْفر لَهُ سَبْعُونَ ألف ملك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ حم الدُّخان فِي لَيْلَة جُمُعَة أصبح مغفورا لَهُ
وَأخرج ابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ لَيْلَة الْجُمُعَة {حم} الدُّخان و {يس} أصبح مغفورا لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {حم} الدُّخان فِي لَيْلَة جُمُعَة أَو يَوْم جُمُعَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن الضريس عَن الْحسن: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الدُّخان فِي لَيْلَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه

(7/397)


وَأخرج الدَّارمِيّ وَمُحَمّد بن نصر عَن أبي رَافع قَالَ: من قَرَأَ الدُّخان فِي لَيْلَة الْجُمُعَة أصبح مغفورا لَهُ وَزوج من الْحور الْعين
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن عبد الله بن عِيسَى قَالَ: أخْبرت أَنه من قَرَأَ {حم} الدُّخان لَيْلَة الْجُمُعَة إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا بهَا أصبح مغفورا لَهُ
وَأخرج الْبَزَّار عَن زيد بن حَارِثَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِابْنِ صياداني: خبأت لَك خبيا فَمَا هُوَ وخبا لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الدُّخان فَقَالَ: هُوَ الدخ فَقَالَ: اخسه مَا شَاءَ الله كَانَ ثمَّ انْصَرف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْأسود بن يزِيد وعنبسة أَن رجلا أَتَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: قَرَأت الْمفصل فِي رَكْعَة فَقَالَ عبد الله: بل هذذت كهذ الشّعْر وكنثر الدقل وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ النَّظَائِر فِي رَكْعَة فَذكر عشر رَكْعَات بِعشْرين سُورَة عَن تأليف عبد الله آخِرهنَّ إِذا الشَّمْس كورت وَالدُّخَان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لقد علمت النَّظَائِر الَّتِي كَانَ يُصَلِّي بِهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذاريات وَالطور والنجم واقتربت والرحمن والواقعة وَنون والحاقة والمزمل وَلَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة وَهل أَتَى على الْإِنْسَان والمرسلات وَعم يتساءلون والنازعات وَعَبس وويل لِلْمُطَفِّفِينَ وَإِذا الشَّمْس كورت وَالدُّخَان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لِأَنِّي لأحفظ الْقَرَائِن الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بِهن ثَمَان عشرَة من الْمفصل وسورتين من آل حم
وَأخرج ابْن أبي عمر فِي مُسْنده عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْمغرب {حم} الَّتِي يذكر فِيهَا الدُّخان

الْآيَات 1 - 5

(7/398)


حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: أنزل الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقدر ثمَّ نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوماً بِجَوَاب كَلَام النَّاس

(7/398)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: هِيَ (لَيْلَة الْقدر)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْجلد قَالَ: نزلت صحف إِبْرَاهِيم فِي أول لَيْلَة من رَمَضَان وَأنزل الإِنجيل لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَأنزل الْفرْقَان لأَرْبَع وَعشْرين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: نزل الْقُرْآن جملَة على جِبْرِيل وَكَانَ جِبْرِيل يَجِيء بعد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: نزل الْقُرْآن من السَّمَاء الْعليا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا جَمِيعًا فِي (لَيْلَة الْقدر) ثمَّ فصل بعد ذَلِك فِي تِلْكَ السنين
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يكْتب من (أم الْكتاب) (الرَّعْد الْآيَة 39) (فِي لَيْلَة الْقدر) مَا يكون فِي السّنة من رزق أَو موت أَو حَيَاة أَو مطر حَتَّى يكْتب الْحَاج يحجّ فلَان ويحج فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: أَمر السّنة إِلَى السّنة إِلَّا الشَّقَاء والسعادة فَإِنَّهُ فِي كتاب الله لَا يُبدل وَلَا يُغير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن عِكْرِمَة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يقْضِي فِي (لَيْلَة الْقدر) (كل أَمر مُحكم)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُحَمَّد بن سوقة عَن عِكْرِمَة قَالَ: يُؤذن للْحَاج بِبَيْت الله فِي (لَيْلَة الْقدر) فيكتبون بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم فَلَا يُغَادر تِلْكَ اللَّيْلَة أحد مِمَّن كتب ثمَّ قَرَأَ {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم
وَأخرج سعيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {حم وَالْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين} {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يفرق {فِي لَيْلَة الْقدر} مَا يكون من السّنة إِلَى السّنة إِلَّا الْحَيَاة وَالْمَوْت يفرق فِيهَا المعايش والمصائب كلهَا

(7/399)


وَأخرج عبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير عَن ربيعَة بن كُلْثُوم قَالَ: كنت عِنْد الْحسن فَقَالَ لَهُ رجل يَا أَبَا سعيد (لَيْلَة الْقدر) فِي كل رَمَضَان هِيَ قَالَ: أَي وَالله إِنَّهَا لفي كل رَمَضَان وَإنَّهُ لليلة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} فِيهَا يقْضِي الله كل أجل وَعمل ورزق إِلَى مثلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر مولى غفرة قَالَ: يُقَال ينْسَخ لملك الْمَوْت من يَمُوت من (لَيْلَة الْقدر) إِلَى مثلهَا وَذَلِكَ لِأَن الله يَقُول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} إِلَى قَوْله {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} فتجد الرجل ينْكح النِّسَاء ويفرش الْفرش واسْمه فِي الْأَمْوَات
وَأخرج ابْن جرير عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ: كَانَ يُقَال انتظروا الْقَضَاء فِي شهر رَمَضَان
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: (لَيْلَة الْقدر)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّك لترى الرجل يمشي فِي الْأَسْوَاق وَقد وَقع اسْمه فِي الْمَوْتَى ثمَّ قَرَأَ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين} {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} يَعْنِي (لَيْلَة الْقدر) قَالَ: فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة يفرق أَمر الدُّنْيَا إِلَى مثلهَا من قَابل موت أَو حَيَاة أَو رزق كل أَمر الدُّنْيَا يفرق تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى مثلهَا من قَابل
وَأخرج عبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: عمل السّنة إِلَى السّنة
وَأخرج عبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يدبر أَمر السّنة إِلَى السّنة (فِي لَيْلَة الْقدر)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الجوزاء {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: هِيَ (لَيْلَة الْقدر) يجاء بالديوان الْأَعْظَم السّنة إِلَى السّنة فَيغْفر الله عز وَجل لمن يَشَاء أَلا ترى أَنه قَالَ: {رَحْمَة من رَبك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة فِي

(7/400)


قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: فِيهَا يفرق أَمر السّنة إِلَى السّنة وَفِي لفظ قَالَ: فِيهَا يقْضى مَا يكون من السّنة إِلَى السّنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي نَضرة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يفرق أَمر السّنة فِي كل (لَيْلَة قدر) خَيرهَا وشرها وَرِزْقهَا وأجلها وبلاؤها ورخاؤها ومعاشها إِلَى مثلهَا من السّنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن سوقة عَن عِكْرِمَة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان يبرم أَمر السّنة وينسخ الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات وَيكْتب الْحَاج فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم أحد
وَأخرج ابْن زَنْجوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تقطع الْآجَال من شعْبَان إِلَى شعْبَان حَتَّى أَن الرجل لينكح ويولد لَهُ وَقد خرج اسْمه فِي الْمَوْتَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر أَكثر صياما مِنْهُ فِي شعْبَان وَذَلِكَ أَنه ينْسَخ فِيهِ آجال من ينْسَخ فِي السّنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر أَكثر صياما مِنْهُ فِي شعْبَان لِأَنَّهُ ينْسَخ فِيهِ أَرْوَاح الْأَحْيَاء فِي الْأَمْوَات حَتَّى أَن الرجل يتَزَوَّج وَقد رفع اسْمه فِيمَن يَمُوت وَإِن الرجل ليحج وَقد رفع اسْمه فِيمَن يَمُوت
وَأخرج أَبُو يعلى عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَصُوم شعْبَان كُله فَسَأَلته قَالَ: إِن الله يكْتب فِيهِ كل نفس مبتة تِلْكَ السّنة فَأحب أَن يأتيني أَجلي وَأَنا صَائِم
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن رَاشد بن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان يوحي الله إِلَى ملك الْمَوْت بِقَبض كل نفس يُرِيد قبضهَا فِي تِلْكَ السّنة
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تقطع الْآجَال من شعْبَان إِلَى شعْبَان حَتَّى أَن الرجل ينْكح ويولد لَهُ وَقد خرج اسْمه فِي الْمَوْتَى قَالَ: الزُّهْرِيّ وحَدثني أَيْضا عُثْمَان بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من يَوْم

(7/401)


طلعت شمسه إِلَّا يَقُول من اسْتَطَاعَ أَن يعْمل فيّ خيرا فليعمله فَإِنِّي غير مكر عَلَيْكُم أبدا وَمَا من يَوْم إِلَّا يُنَادي مناديان من السَّمَاء يَقُول أَحدهمَا: يَا طَالب الْخَيْر أبشر وَيَقُول الآخر: يَا طَالب الشَّرّ أقصر وَيَقُول أَحدهمَا: اللَّهُمَّ أعْط منفقاً مَالا خلفا وَيَقُول الآخر: اللَّهُمَّ اعط ممسكاً مَالا تلفاً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان دفع إِلَى ملك الْمَوْت صحيفَة فَيُقَال اقبض من فِي هَذِه الصَّحِيفَة فَإِن العَبْد ليفرش الْفراش وينكح الْأزْوَاج وَيَبْنِي الْبُنيان وان اسْمه قد نسخ فِي الْمَوْتَى
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن عَائِشَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يفتح الله الْخَيْر فِي أَربع لَيَال لَيْلَة الْأَضْحَى وَالْفطر وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان ينْسَخ فِيهَا الْآجَال والأرزاق وَيكْتب فِيهَا الْحَاج وَفِي لَيْلَة عَرَفَة إِلَى الْأَذَان
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن النجار عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم شعْبَان كُله حَتَّى يصله برمضان وَلم يكن يَصُوم شهرا تَاما إِلَّا شعْبَان فَقلت يَا رَسُول الله: إِن شعْبَان لمن أحب الشُّهُور إِلَيْك أَن تصومه فَقَالَ: نعم يَا عَائِشَة إِنَّه لَيْسَ نفس تَمُوت فِي سنة إِلَّا كتب أجلهَا فِي شعْبَان فَأحب أَن يكْتب أَجلي وَأَنا فِي عبَادَة رَبِّي وَعمل صَالح وَلَفظ ابْن النجار يَا عَائِشَة إِنَّه يكْتب فِيهِ ملك الْمَوْت وَمن يقبض فَأحب أَن لَا ينْسَخ اسْمِي إِلَّا وَأَنا صَائِم وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَقومُوا لَيْلهَا وصوموا نَهَارهَا فَإِن الله ينزل فِيهَا لغروب الشَّمْس إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول أَلا مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ أَلا مسترزق فأرزقه أَلا مبتلى فأعافيه أَلا سَائل فَأعْطِيه أَلا كَذَا أَلا كَذَا حَتَّى يطلع الْفجْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: فقدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة فَخرجت أطلبه فَإِذا هُوَ بِالبَقِيعِ رَافعا رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ يَا عَائِشَة: أَكنت تَخَافِينَ أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله قلت: مَا بِي من ذَلِك وَلَكِنِّي ظَنَنْت أَنَّك أتيت بعض نِسَائِك فَقَالَ: إِن الله عز وَجل ينزل لَيْلَة النّصْف من شعْبَان إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيغْفر لأكْثر من عدد شعر غنم كلب

(7/402)


وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن أَبِيه أَو عَن عَمه أَو جده أبي بكر الصّديق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينزل الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر لكل شَيْء إِلَّا لرجل مُشْرك أَو فِي قلبه شَحْنَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان اطلع الله تَعَالَى إِلَى خلقه فَيغْفر للْمُؤْمِنين ويملي للْكَافِرِينَ ويدع أهل الحقد بحقدهم حَتَّى يَدعُوهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يطلع الله فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر لجَمِيع خلقه إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَو مُشَاحِن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا نَحوه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل يُصَلِّي فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَنه قد قبض فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك قُمْت حَتَّى حركت إبهامه فَتحَرك فَرَجَعت فَلَمَّا رفع رَأسه من السُّجُود وَفرغ من صلَاته فَقَالَ: يَا عَائِشَة أَو يَا حميراء ظَنَنْت أَن النَّبِي قد خاس بك قلت: لَا وَالله يَا نَبِي الله وَلَكِنِّي ظَنَنْت أَنَّك قبضت لطول سجودك فَقَالَ: أَتَدْرِينَ أَي لَيْلَة هَذِه قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: هَذِه لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر للمستغفرين وَيرْحَم المسترحمين وَيُؤَخر أهل الحقد كَمَا هم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع عَنهُ ثوبيه ثمَّ لم يستتم أَن قَامَ فلبسهما فَأَخَذَتْنِي غيرَة شَدِيدَة ظَنَنْت أَنه يَأْتِي بعض صُوَيْحِبَاتِي فَخرجت أتبعه فَأَدْرَكته بِالبَقِيعِ بَقِيع الْغَرْقَد يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالشُّهَدَاء فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي أَنْت فِي حَاجَة رَبك وَأَنا فِي حَاجَة الدُّنْيَا فَانْصَرَفت فَدخلت فِي حُجْرَتي ولي نَفَسٌ عالٍ ولحقني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا هَذَا النَّفس يَا عَائِشَة فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي أتيتني فَوضعت عَنْك ثوبيك ثمَّ لن تستتم أَن قُمْت فلبستهما فَأَخَذَتْنِي غيرَة شَدِيدَة ظَنَنْت أَنَّك تَأتي بعض صُوَيْحِبَاتِي حَتَّى رَأَيْتُك بِالبَقِيعِ تصنع مَا تصنع
قَالَ يَا عَائِشَة: أَكنت تَخَافِينَ أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله بل أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ هَذِه اللَّيْلَة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَللَّه فِيهَا عُتَقَاء من النَّار بِعَدَد شُعُور غنم كلب لَا ينظر الله فِيهَا إِلَى مُشْرك وَلَا إِلَى مُشَاحِن وَلَا إِلَى قَاطع رحم وَلَا إِلَى مُسبل وَلَا إِلَى عَاق لوَالِديهِ وَلَا

(7/403)


إِلَى مدمن خمر
قَالَت: ثمَّ وضع عَنهُ ثوبيه فَقَالَ لي: يَا عَائِشَة أَتَأْذَنِينَ لي فِي الْقيام هَذِه اللَّيْلَة فَقلت: نعم بِأبي وَأمي فَقَامَ فَسجدَ لَيْلًا طَويلا حَتَّى ظَنَنْت أَنه قد قبض فَقُمْت أَلْتَمِسهُ وَوضعت يَدي على بَاطِن قَدَمَيْهِ فَتحَرك وسمعته يَقُول فِي سُجُوده: أعوذ بعفوك من عُقُوبَتك وَأَعُوذ برضاك من سخطك وَأَعُوذ بك مِنْك جلّ وَجهك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك فَلَمَّا أصبح ذكرتهن لَهُ فَقَالَ يَا عَائِشَة: تعلمتيهن فَقلت: نعم فَقَالَ: تعلميهن وعلميهن فَإِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام علمنيهن وَأَمرَنِي أَن أرددهن فِي السُّجُود
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت لَيْلَة النّصْف من شعْبَان لَيْلَتي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدِي فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل فقدته فأخذني مَا يَأْخُذ النِّسَاء من الْغيرَة فتلفعت بمرطي فطلبته فِي حجر نِسَائِهِ فَلم أَجِدهُ فَانْصَرَفت إِلَى حُجْرَتي فَإِذا أَنا بِهِ كَالثَّوْبِ السَّاقِط وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده: سجد لَك خيالي وسوادي وآمن بك فُؤَادِي فَهَذِهِ يَدي وَمَا جنيت بهَا على نَفسِي يَا عَظِيم يُرْجَى لكل عَظِيم يَا عَظِيم اغْفِر الذَّنب الْعَظِيم سجد وَجْهي للَّذي خلقه وشق سَمعه وبصره ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ عَاد سَاجِدا فَقَالَ: أعوذ برضاك من سخطك وَأَعُوذ بعفوك من عقابك وَأَعُوذ بك مِنْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك أَقُول كَمَا قَالَ أخي دَاوُد أعفر وَجْهي فِي التُّرَاب لسيدي وَحقّ لَهُ أَن يسْجد ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارزقني قلباً تقياً من الشَّرّ نقياً لَا جَافيا وَلَا شقياً ثمَّ انْصَرف فَدخل معي فِي الخميلة ولي نفس عَال فَقَالَ مَا هَذَا النَّفس يَا حميراء فَأَخْبَرته فَطَفِقَ يمسح بيدَيْهِ على ركبتي وَيَقُول: وَيْح هَاتين الرُّكْبَتَيْنِ مَا لقيتا فِي هَذِه اللَّيْلَة هَذِه لَيْلَة النّصْف من شعْبَان ينزل الله فِيهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيغْفر لِعِبَادِهِ إِلَّا الْمُشرك والمشاحن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان ينزل فِيهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا نَادَى مُنَاد هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ هَل من سَائل فَأعْطِيه فَلَا يسْأَل أحد إِلَّا أعطي إِلَّا زَانِيَة بفرجها أَو مُشْرك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة النّصْف من شعْبَان قَامَ فصلى أَربع عشرَة رَكْعَة ثمَّ جلس بعد الْفَرَاغ فَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن أَربع عشرَة مرّة وَقل هُوَ الله أحد أَربع عشرَة مرّة وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق أَربع عشرَة مرّة وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس أَربع عشرَة مرّة وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة (لقد جَاءَكُم رَسُول من

(7/404)


أَنفسكُم) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 128) الْآيَة فَلَمَّا فرغ من صلَاته سَأَلته عَمَّا رَأَيْت من صَنِيعه قَالَ: من صنع مثل الَّذِي رَأَيْت كَانَ لَهُ ثَوَاب عشْرين حجَّة مبرورة وَصِيَام عشْرين سنة مَقْبُولَة فَإِذا أصبح فِي ذَلِك الْيَوْم صَائِما كَانَ لَهُ كصيام سنتَيْن سنة مَاضِيَة وَسنة مُسْتَقْبلَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يشبه أَن يكون هَذَا الحَدِيث مَوْضُوعا وَهُوَ مُنكر وَفِي رُوَاته مَجْهُولُونَ

الْآيَات 6 - 9

(7/405)


رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)

أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} بالخفض

الْآيَات 10 - 16

(7/405)


فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)

أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {فَارْتَقِبْ} أَي فانتظر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: آيَة الدُّخان قد مَضَت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي عُبَيْدَة وَأبي الْأَحْوَص عَن عبد الله قَالَ: الدُّخان جوع أصَاب قُريْشًا حَتَّى كَانَ أحدهم لَا يبصر السَّمَاء من الْجُوع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عتبَة بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الدُّخان قد مضى كَانَ أنَاس أَصَابَهُم مَخْمَصَة وجوع شَدِيد حَتَّى كَانُوا يرَوْنَ الدُّخان فِيمَا بَينهم وَبَين السَّمَاء

(7/405)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي وَائِل عَن عبد الله {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ: جوع أصَاب النَّاس بِمَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: مضى الدُّخان وَالْبَطْشَة الْكُبْرَى يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود: كل مَا وعدنا الله وَرَسُوله فقد رَأَيْنَاهُ غير أَربع: طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا والدجال ودابة الأَرْض ويأجوج وَمَأْجُوج فاما الدُّخان فقد مضى وَكَانَ سني كَسِنِي يُوسُف وَأما الْقَمَر فقد انْشَقَّ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما البطشة الْكُبْرَى فَيوم بدر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو نعيم واليهقي مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن مَسْرُوق قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عبد الله فَقَالَ: إِنِّي تركت رجلا فِي الْمَسْجِد يَقُول: فِي هَذِه الْآيَة {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان} {يغشى النَّاس} يَوْم الْقِيَامَة دُخان فَيَأْخُذ بأسماع الْمُنَافِقين وأبصارهم وَيَأْخُذ الْمُؤمن مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام فَغَضب وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ ثمَّ قَالَ: من علم مِنْكُم علما فَلْيقل بِهِ وَمن لم يكن يعلم فَلْيقل الله أعلم فَإِن من الْعلم أَن يَقُول لما يَقُول لما لَا يعلم الله أعلم وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن الدُّخان: إِن قُريْشًا لما استصعبت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبطأوا عَن الإِسلام قَالَ: اللَّهُمَّ أَعني عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف فَأَصَابَهُمْ قحط وَجهد حَتَّى أكلُوا الْعِظَام فَجعل الرجل ينظر إِلَى السَّمَاء فَيرى مَا بَينه وَبَينهَا كَهَيئَةِ الدُّخان من الْجُوع فَأنْزل الله {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم} فَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل يَا رَسُول الله: استسق الله لمضر فَاسْتَسْقَى لَهُم فسقوا فَأنْزل الله {إِنَّا كاشفو الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم عائدون} أفيكشف عَنْهُم الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة فَلَمَّا أَصَابَتْهُم الرَّفَاهِيَة عَادوا إِلَى حَالهم
فَأنْزل الله {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون} فانتقم الله مِنْهُم يَوْم بدر فقد مضى البطشة وَالدُّخَان وَاللزَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّاس إدباراً قَالَ: اللَّهُمَّ سبع كسبع يُوسُف فَأَخَذتهم سنة حَتَّى أكلُوا الْميتَة والجلود وَالْعِظَام فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان وناس من أهل مَكَّة فَقَالُوا يَا مُحَمَّد: إِنَّك تزْعم أَنَّك قد بعثت رَحْمَة وَأَن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم فَدَعَا رَسُول الله

(7/406)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسقوا الْغَيْث فأطبقت عَلَيْهِم سبعا فَشَكا النَّاس كَثْرَة الْمَطَر فَقَالَ: اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا فانحدرت السحابة على رَأسه فسقي النَّاس حَولهمْ
قَالَ: فقد مَضَت آيَة الدُّخان وَهُوَ الْجُوع الَّذِي أَصَابَهُم
وَهُوَ قَوْله: {إِنَّا كاشفو الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم عائدون} وَآيَة الرّوم وَالْبَطْشَة الْكُبْرَى وانشقاق الْقَمَر وَذَلِكَ كُله يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ: الجدب وإمساك الْمَطَر عَن كفار قُرَيْش
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم} قَالَ: الْأَلِيم الموجع {رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ} قَالَ: الدُّخان {أَنى لَهُم الذكرى} قَالَ: أَنى لَهُم التَّوْبَة {إِنَّا كاشفو الْعَذَاب قَلِيلا} يَعْنِي الدُّخان {إِنَّكُم عائدون} إِلَى عَذَاب الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَنى لَهُم الذكرى} قَالَ: بعد وُقُوع الْبلَاء بهم {ثمَّ توَلّوا عَنهُ} عَن مُحَمَّد {وَقَالُوا معلم مَجْنُون} ثمَّ كشف عَنْهُم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ: كَانَ يَوْم فتح مَكَّة
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ يَوْم فتح مَكَّة دُخان وَهُوَ قَول الله {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ قَالَ: إِن الدُّخان لم يمض بعد يَأْخُذ الْمُؤمن كَهَيئَةِ الزُّكَام وينفخ الْكَافِر حَتَّى ينْفد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: لم أنم هَذِه اللَّيْلَة فَقلت: لم قَالَ: طلع الْكَوْكَب ذُو الذَّنب فَخَشِيت أَن يطْرق الدُّخان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: يخرج الدُّخان فَيَأْخُذ الْمُؤمن كَهَيئَةِ الزكمة وَيدخل فِي مسامع الْكَافِر وَالْمُنَافِق حَتَّى يكون كالرأس الحنيذ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(7/407)


قَالَ: إِن الدُّخان إِذا جَاءَ نفخ الْكَافِر حَتَّى يخرج من كل مسمع من مسامعه وَيَأْخُذ الْمُؤمن مِنْهُ كالزكمة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: الدُّخان قد بَقِي وَهُوَ أول الْآيَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق الْحسن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: يهيج الدُّخان بِالنَّاسِ فَأَما الْمُؤمن فَيَأْخذهُ كَهَيئَةِ الزكمة وَأما الْكَافِر فينفخه حَتَّى يخرج من كل مسمع مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان مَرْفُوعا: أول الْآيَات: الدَّجَّال ونزول عِيسَى ونار تخرج من قَعْر عدن أبين تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر تقيل مَعَهم إِذا قَالُوا وَالدُّخَان قَالَ: حُذَيْفَة يَا رَسُول الله وَمَا الدُّخان فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} يمْلَأ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يمْكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة أما الْمُؤمن فَيُصِيبهُ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزكمة وَأما الْكَافِر بِمَنْزِلَة السَّكْرَان يخرج من مَنْخرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدبره
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ربكُم أنذركم ثَلَاثًا الدُّخان يَأْخُذ الْمُؤمن مِنْهُ كالزكمة وَيَأْخُذ الْكَافِر فينفخ حَتَّى يخرج من كل مسمع مِنْهُ وَالثَّانيَِة الدَّابَّة وَالثَّالِثَة الدَّجَّال وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يهيج الدُّخان بِالنَّاسِ فَأَما الْمُؤمن فَيَأْخذهُ كالزكمة وَأما الْكَافِر فينفخه حَتَّى يخرج من كل مسمع مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبيّ بن كَعْب وَمُجاهد وَالْحسن وَأبي الْعَالِيَة وَسَعِيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وعطية مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن يَوْم البطشة الْكُبْرَى يَوْم الْقِيَامَة

(7/408)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كُنَّا نتحدث أَن قَوْله: {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} يَوْم بدر وَالدُّخَان قد مضى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير بِسَنَد صَحِيح عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ: ابْن مَسْعُود {البطشة الْكُبْرَى} يَوْم بدر وَأَنا أَقُول: هِيَ يَوْم الْقِيَامَة

الْآيَات 17 - 28

(7/409)


وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد فتنا} قَالَ: بلونا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد فتنا} قَالَ: ابتلينا {قبلهم قوم فِرْعَوْن وجاءهم رَسُول كريم} قَالَ: هُوَ مُوسَى {أَن أَدّوا إليَّ عباد الله} قَالَ: يَعْنِي أرْسلُوا بني إِسْرَائِيل {وَأَن لَا تعلوا على الله} قَالَ: لَا تعثوا {إِنِّي آتيكم بسُلْطَان مُبين} قَالَ: بِعُذْر مُبين {وَإِنِّي عذت بربي وربكم أَن ترجمون} قَالَ: بِالْحِجَارَةِ {وَإِن لم تؤمنوا لي فاعتزلون} أَي خلوا سبيلي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَن أَدّوا إليَّ عباد الله} قَالَ: يَقُول اتبعوني إِلَى مَا أدعوكم إِلَيْهِ من الْحق وَفِي قَوْله {وَأَن لَا تعلوا} قَالَ: لَا تفتروا وَفِي قَوْله {أَن ترجمون} قَالَ: تشتمون

(7/409)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {رهواً} قَالَ: سمتاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: كَهَيْئَته وامضه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْحَارِث الْهَاشِمِي أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: طَرِيقا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: طَرِيقا يبساً
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: سَاكِنا
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: سهلاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: الرهو أَن يتْرك كَمَا كَانَ فَإِنَّهُم لن يخلصوا من وَرَائه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: دمثاً
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: جدداً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: طَرِيقا يَابسا كَهَيْئَته يَوْم ضربه يَقُول: لَا تَأمره أَن يرجع بل اتركه حَتَّى يدْخل آخِرهم
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {رهواً} قَالَ: سهلاً دمثاً
وَأخرج مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ {رهواً} قَالَ: طَرِيقا مَفْتُوحًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رهواً} قَالَ: طَرِيقا منفرجاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قطع مُوسَى الْبَحْر عطف ليضْرب الْبَحْر بعصاه ليلتئم: وَخَافَ أَن يتبعهُ فِرْعَوْن وَجُنُوده فَقيل لَهُ {واترك الْبَحْر رهواً} يَقُول: كَمَا هُوَ طَرِيقا يَابسا {إِنَّهُم جند مغرقون}

(7/410)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ومقام كريم} قَالَ: المنابر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ومقام كريم} قَالَ: مقَام حسن {ونعمة كَانُوا فِيهَا فاكهين} قَالَ: ناعمين أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حَتَّى أورطه فِي الْبَحْر كَذَلِك {وأورثناها قوما آخَرين} يَعْنِي بني إِسْرَائِيل وَالله أعلم

الْآيَات 29 - 31

(7/411)


فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)

أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية والخطيب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من عبد إِلَّا وَله فِي السَّمَاء بَابَانِ بَاب يصعد مِنْهُ عمله وَبَاب ينزل عَلَيْهِ مِنْهُ رزقه فَإِذا مَاتَ فقداه وبكيا عَلَيْهِ وتلا هَذِه الْآيَة {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} وَذكر أَنهم لم يَكُونُوا يعْملُونَ على وَجه الأَرْض عملا صَالحا يبكي عَلَيْهِم وَلم يصعد لَهُم إِلَى السَّمَاء من كَلَامهم وَلَا من عَمَلهم كَلَام طيب وَلَا عمل صَالح فتفقدهم فتبكي عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} هَل تبْكي السَّمَاء وَالْأَرْض على أحد قَالَ: نعم إِنَّه لَيْسَ أحد من الْخَلَائق إِلَّا لَهُ بَاب فِي السَّمَاء مِنْهُ ينزل رزقه وَفِيه يصعد عمله فَإِذا مَاتَ الْمُؤمن فأغلق بَابه من السَّمَاء فَقده فَبكى عَلَيْهِ وَإِذا فَقده مُصَلَّاهُ من الأَرْض الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَيذكر الله فِيهَا بَكت عَلَيْهِ وَإِن قوم فِرْعَوْن لم يكن لَهُم فِي الأَرْض آثَار صَالِحَة وَلم يكن يصعد إِلَى الله مِنْهُم خير فَلم تبك عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}

(7/411)


قَالَ: هم كَانُوا أَهْون على الله من ذَلِك
قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَن الْمُؤمن تبْكي عَلَيْهِ بقاعه الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا من الأَرْض ومصعد عمله من السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} قَالَ: مَا مَاتَ مُؤمن إِلَّا بَكت عَلَيْهِ السَّمَاء وَالْأَرْض صياحاً
قَالَ: فَقيل لَهُ تبْكي مَا تعجب وَمَا للْأَرْض لَا تبْكي على عبد كَانَ يعمرها بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَمَا للسماء لَا تبْكي على عبد كَانَ لتسبيحه وتكبيره دويّ كَدَوِيِّ النَّحْل وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْعَالم إِذا مَاتَ بَكت عَلَيْهِ السَّمَاء وَالْأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْبقْعَة الَّتِي يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمُؤمن تبْكي عَلَيْهِ إِذا مَاتَ وبحذائها من السَّمَاء ثمَّ قَرَأَ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الأَرْض لتحزن على العَبْد الصَّالح أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} قَالَ: لم تبك عَلَيْهِم السَّمَاء لأَنهم لم يَكُونُوا يرفع لَهُم فِيهَا عمل صَالح وَلم تبك عَلَيْهِم الأَرْض لأَنهم لم يَكُونُوا يعْملُونَ فِيهَا بِعَمَل صَالح
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: الأَرْض تبْكي على الْمُؤمن أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُقَال الأَرْض تبْكي على الْمُؤمن أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأَبُو الشَّيْخ عَن ثَوْر بن يزِيد عَن مولى لهذيل قَالَ: مَا من عبد يضع جَبهته فِي بقْعَة من الأَرْض سَاجِدا لله عز وَجل إِلَّا شهِدت لَهُ بهَا يَوْم الْقِيَامَة وبكت عَلَيْهِ يَوْم يَمُوت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير عَن شُرَيْح بن عبيد الْحَضْرَمِيّ مُرْسلا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الإِسلام بدا غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا أَلا لَا غربَة على مُؤمن مَا مَاتَ مُؤمن فِي غربَة غَابَتْ عَنهُ فِيهَا بوَاكِيهِ إِلَّا بَكت عَلَيْهِ السَّمَاء

(7/412)


وَالْأَرْض ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} ثمَّ قَالَ: إنَّهُمَا لَا يَبْكِيَانِ على كَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عباد بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رجل عليا هَل تبْكي السَّمَاء وَالْأَرْض على أحد فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ من عبد إِلَّا لَهُ مصلى فِي الأَرْض ومصعد عمله فِي السَّمَاء وَإِن آل فِرْعَوْن لم يكن لَهُم عمل صَالح فِي الأَرْض وَلَا مصعد فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْمسيب بن رَافع عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ مُصَلَّاهُ من الأَرْض ومصعد عمله من السَّمَاء ثمَّ تَلا {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من ميت يَمُوت إِلَّا تبْكي عَلَيْهِ الأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: إِن الأَرْض لتبكي على الْمُؤمن أَرْبَعِينَ صباحاً
ثمَّ قَرَأَ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا من عبد يسْجد لله سَجْدَة فِي بقْعَة من بقاع الأَرْض إِلَّا شهِدت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وبكت عَلَيْهِ يَوْم يَمُوت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد الْمكتب عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا بَكت السَّمَاء مُنْذُ كَانَت الدُّنْيَا إِلَّا على اثْنَيْنِ
قيل لِعبيد: أَلَيْسَ السَّمَاء وَالْأَرْض تبْكي على الْمُؤمن قَالَ: ذَاك مقَامه وَحَيْثُ يصعد عمله
قَالَ: وَتَدْرِي مَا بكاء السَّمَاء قَالَ: لَا
قَالَ: تحمر وَتصير وردة كالدهان أَن يحيى بن ذكريا لما قتل احْمَرَّتْ السَّمَاء وقطرت دَمًا
وَإِن حُسَيْن بن عَليّ يَوْم قتل احْمَرَّتْ السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن زِيَاد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما قتل الْحُسَيْن احْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بكاء السَّمَاء حمرَة أطرافها

(7/413)


وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بكاء السَّمَاء حمرتها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ يُقَال: هَذِه الْحمرَة الَّتِي تكون فِي السَّمَاء بكاء السَّمَاء على الْمُؤمن

الْآيَات 32 - 36

(7/414)


وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَلَقَد اخترناهم على علم على الْعَالمين} قَالَ: فضلناهم على من بَين أظهرهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: اخترناهم على خير علمه الله فيهم على الْعَالمين
قَالَ: الْعَالم الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَلكُل زمَان عَالم {وآتيناهم من الْآيَات مَا فِيهِ بلَاء مُبين} قَالَ: أنجاهم من عدوهم وأقطعهم الْبَحْر وظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى {إِن هَؤُلَاءِ ليقولون إِن هِيَ إِلَّا موتتنا الأولى} قَالَ: قد قَالَ مشركو الْعَرَب {وَمَا نَحن بمنشرين} قَالَ: بمبعوثين

الْآيَات 37 - 42

(7/414)


أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)

أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ قد أسلم
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ كَانَ قد أسلم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا يشتبهن عَلَيْكُم أَمر تبع فَإِنَّهُ كَانَ مُسلما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا تَقولُوا لتبع إِلَّا خيرا فَإِنَّهُ قد حج الْبَيْت وآمن بِمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تَقولُوا لتبع إِلَّا خيرا فَإِنَّهُ قد حج الْبَيْت وآمن بِمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن تبعا نعت الرجل الصَّالح ذمّ الله قومه وَلم يذمه
قَالَ: وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول: لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ كَانَ رجلا صَالحا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ تبع رجلا صَالحا أَلا ترى أَن الله ذمّ قومه وَلم يذمه وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تسبوا تبعا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن سبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سبّ أسعد وَهُوَ تبع
قيل: وَمَا كَانَ أسعد قَالَ: كَانَ عَليّ دين إبراهييم وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُصَلِّي كل يَوْم صَلَاة وَلم تكن شَرِيعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا أسعد الْحِمْيَرِي وَقَالَ: هُوَ أوّل من كسا الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ان تبعا كسا الْبَيْت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: كَانَ تبع إِذا عرض الْخَيل قَامُوا صفا من دمشق إِلَى صنعاء الْيمن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت كَعْبًا عَن تبع فَإِنِّي أسمع الله يذكر فِي الْقُرْآن قوم تبع وَلَا يذكر تبعا فَقَالَ: إِن تبعا كَانَ رجلا من أهل الْيمن ملكا منصوراً فَسَار بالجيوش حَتَّى انْتهى إِلَى سَمَرْقَنْد رَجَعَ فَأخذ طَرِيق

(7/415)


الشَّام فَأسر بهَا أحباراً فَانْطَلق بهم نَحْو الْيمن - حَتَّى إِذا دنا من ملكه طَار فِي النَّاس أَنه هَادِم الْكَعْبَة فَقَالَ لَهُ الْأَحْبَار: مَا هَذَا الَّذِي تحدث بِهِ نَفسك فَإِن هَذَا الْبَيْت لله وَإنَّك لن تُسَلَّط عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن هَذَا لله وَأَنا أَحَق من حرمه فَأسلم من مَكَانَهُ وَأحرم فَدَخلَهَا محرما فَقضى نُسكه ثمَّ انْصَرف نَحْو الْيمن رَاجعا حَتَّى قدم على قومه فَدخل عَلَيْهِ أَشْرَافهم فَقَالُوا: يَا تبع أَنْت سيدنَا وَابْن سيدنَا خرجت من عندنَا على دين وَجئْت على غَيره فاختر منا أحد أَمريْن إِمَّا أَن تخلينا وملكنا وَتعبد مَا شِئْت وَإِمَّا أَن تذر دينك الَّذِي أحدثت - وَبينهمْ يَوْمئِذٍ نَار تنزل من السَّمَاء - فَقَالَ الْأَحْبَار عِنْد ذَلِك: اجْعَل بَيْنك وَبينهمْ النَّار فتواعد الْقَوْم عِنْد ذَلِك جَمِيعًا على أَن يجْعَلُوا بَينهم النَّار فجيء بالأحبار وكتبهم وَجِيء بالأصنام وعمارها وَقدمُوا جَمِيعًا إِلَى النَّار وَقَامَت الرِّجَال خَلفهم بِالسُّيُوفِ فهدرت النَّار هدير الرَّعْد ورمت شعاعاً لَهَا فنكص أَصْحَاب الْأَصْنَام وَأَقْبَلت النَّار فأحرقت الْأَصْنَام وعمالها وَسلم الْآخرُونَ فَأسلم قوم واستسلم قوم فلبثوا بعد ذَلِك عمر تبع حَتَّى إِذا نزل بتبع الْمَوْت اسْتخْلف أَخَاهُ وَهلك فَقتلُوا أَخَاهُ وَكَفرُوا صَفْقَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لما قدم تبع الْمَدِينَة وَنزل بفناه بعث إِلَى أَحْبَار يهود فَقَالَ: إِنِّي مخرب هَذَا الْبَلَد حَتَّى لَا تقوم بِهِ يَهُودِيَّة وَيرجع الْأَمر إِلَى دين الْعَرَب
فَقَالَ لَهُ شَابُور الْيَهُودِيّ: - وَهُوَ يَوْمئِذٍ اعلمهم - أَيهَا الْملك إِن هَذَا بلد يكون إِلَيْهِ مهَاجر نَبِي من بني إِسْمَاعِيل مولده بِمَكَّة اسْمه أَحْمد وَهَذِه دَار هجرته إِن مَنْزِلك هَذَا الَّذِي نزلت بِهِ يكون من الْقِتَال والجراح أَمر كثير فِي أَصْحَابه وَفِي عدوهم
قَالَ تبع: وَمن يقاتله يَوْمئِذٍ وَهُوَ نَبِي كَمَا تزْعم قَالَ: يسير إِلَيْهِ قومه فيقتتلون هَهُنَا
قَالَ: فَأَيْنَ قَبره قَالَ: بِهَذَا الْبَلَد
قَالَ: فَإِذا قوتل لمن تكون الدبرة قَالَ: تكون عَلَيْهِ مرّة وَله مرّة وَبِهَذَا الْمَكَان الَّذِي أَنْت بِهِ يكون عَلَيْهِ وَيقتل بِهِ أَصْحَابه مقتلة عَظِيمَة لم تقتل فِي موطن ثمَّ تكون الْعَاقِبَة لَهُ وَيظْهر فَلَا ينازعه هَذَا الْأَمر أحد
قَالَ: وَمَا صفته قَالَ: رجل لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل فِي عَيْنَيْهِ حمرَة يركب الْبَعِير ويلبس الشملة سَيْفه على عَاتِقه وَلَا يُبَالِي من لَاقَى حَتَّى يظْهر أمره
فَقَالَ تبع: مَا إِلَى هَذَا الْبَلَد من سَبِيل وَمَا كَانَ ليَكُون خرابها على يَدي فَرجع تبع منصرفاً إِلَى الْيمن
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عباد بن زِيَاد المري عَمَّن أدْرك [] قَالَ: أقبل تبع يفْتَتح

(7/416)


الْمَدَائِن وَيعْمل الْعَرَب حَتَّى نزل الْمَدِينَة وَأَهْلهَا يَوْمئِذٍ يهود فَظهر على أَهلهَا وَجمع أَحْبَار الْيَهُود فأخبروه أَنه سيخرج نبيّ بِمَكَّة يكون قراره بِهَذَا الْبَلَد اسْمه أَحْمد وَأَخْبرُوهُ أَنه لَا يُدْرِكهُ فَقَالَ تبع لِلْأَوْسِ والخزرج: أقِيمُوا بِهَذَا الْبَلَد فَإِن خرج فِيكُم فآزروه وَصَدقُوهُ وَإِن لم يخرج فأوصوا بذلك أَوْلَادكُم وَقَالَ فِي شعره: حدثت أَن رَسُول المليك يخرج حقّاً بِأَرْض الْحرم وَلَو مدّ دهري إِلَى دهره لَكُنْت وزيراً لَهُ وَابْن عَم وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: لم يمت تبع حَتَّى صدق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ يهود يثرب يخبرونه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: أرِي تبع فِي مَنَامه أَن يكسو الْبَيْت فَكَسَاهُ الخصف ثمَّ أرِي ان يكسوه أحسن من ذَلِك فَكَسَاهُ العافر ثمَّ أرِي ان يكسوه أحسن من ذَلِك فَكَسَاهُ الوصائل وصائل الْيمن فَكَانَ تبع فِيمَا ذكر لي أول من كَسَاه وَأوصى بهَا ولاته من جرهم وَأمر بتطهيره وَجعل لَهُ بَابا ومفتاحاً
وَأخرج عبد بن حميد ابْن جرير عَن قَتَادَة {أَن يَوْم الْفَصْل ميقاتهم أَجْمَعِينَ} قَالَ يَوْم يفصل بَين النَّاس بأعمالهم يُوفي فِيهِ للأولين والآخرين {يَوْم لَا يُغني مولى عَن مولى شَيْئا} قَالَ: انْقَطَعت الْأَسْبَاب يَوْمئِذٍ وَذَهَبت الآصار وَصَارَ النَّاس إِلَى أَعْمَالهم فَمن أصَاب يَوْمئِذٍ خيرا سعد بِهِ وَمن أصَاب يَوْمئِذٍ شرّاً شقي بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {يَوْم لَا يُغني مولى عَن مولى شَيْئا} قَالَ: ولي عَن ولي

الْآيَات 43 - 59

(7/417)


إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)

أخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي مَالك قَالَ: إِن أَبَا جهل كَانَ يَأْتِي بِالتَّمْرِ والزبد فَيَقُول تزقموا بِهَذَا الزقوم الَّذِي يَعدكُم بِهِ مُحَمَّد فَنزلت {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والخطيب فِي تَارِيخه عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: {الأثيم} أَبُو جهل
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْأَنْبَارِي وَابْن الْمُنْذر عَن عون بن عبد الله أَن ابْن مَسْعُود أَقرَأ رجلا {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} فَقَالَ الرجل: طَعَام الْيَتِيم فرددها عَلَيْهِ فَلم يستقم بهَا لِسَانه فَقَالَ: أتستطيع أَن تَقول: طَعَام الْفَاجِر قَالَ: نعم
قَالَ: فافعل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن همام بن الْحَارِث قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء يقرىء رجلا {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} فَجعل الرجل يَقُول: طَعَام الْيَتِيم
فَلَمَّا رأى أَبُو الدَّرْدَاء أَنه لَا يفهم قَالَ: إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الْفَاجِر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {خذوه فاعتلوه} قَالَ: ادفعوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} يَقُول: لست بعزيز وَلَا كريم
وَأخرج الْأمَوِي فِي مغازيه عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا جهل فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن أَقُول لَك (أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى) (سُورَة الْقِيَامَة 34 - 35) قَالَ: فَنزع يَده من يَده وَقَالَ: مَا تَسْتَطِيع لي أَنْت وَلَا صَاحبك من شَيْء لقد علمت أَنِّي أمنع

(7/418)


أهل بطحاء وَأَنا الْعَزِيز الْكَرِيم فَقتله الله يَوْم بدر وأذله وعيره بكلمته {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: أيوعدني مُحَمَّد وَأَنا أعز من مَشى بَين جبليها فَنزلت {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن [] قَالَ: أخْبرت أَن أَبَا جهل قَالَ: يَا معشر قُرَيْش أخبروني مَا اسْمِي فَذكرت لَهُ ثَلَاثَة أَسمَاء عَمْرو والجلاس وَأَبُو الحكم قَالَ: مَا أصبْتُم اسْمِي أَلا أخْبركُم قَالُوا: بلَى
قَالَ: اسْمِي الْعَزِيز الْكَرِيم
فَنزلت {إِن شَجَرَة الزقوم} الْآيَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ لما نزلت {خذوه فاعتلوه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ أَبُو جهل: مَا بَين جبليها رجل أعز وَلَا أكْرم مني فَقَالَ الله {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} قَالَ: أَبُو جهل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب أَنه كَانَ يقرىء رجلا فارسياً فَكَانَ إِذا قَرَأَ عَلَيْهِ {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} قَالَ: طَعَام الْيَتِيم فَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قل لَهُ طَعَام الظَّالِم فَقَالَهَا ففصح بهَا لِسَانه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَعَمْرو بن مَيْمُون إنَّهُمَا قرآ (كَالْمهْلِ تغلي فِي الْبُطُون) بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {خذوه فاعتلوه} فاقصفوه كَمَا يقصف الْحَطب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {خذوه فاعتلوه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ: خذوه فادفعوه فِي وسط الْجَحِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {إِلَى سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ: وسط الْجَحِيم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} قَالَ: هُوَ يَوْمئِذٍ ذليل وَلكنه يستهزأ بِهِ كَمَا كنت تعزز فِي الدُّنْيَا وتكرم بِغَيْر كرم الله وعزه

(7/419)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين} قَالَ: أمنُوا الْمَوْت وَالْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فِي مقَام أَمِين} قَالَ: أمنُوا الْمَوْت أَن يموتوا وأمنوا الْهَرم أَن يهرموا وَلَا يجوعوا وَلَا يعروا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين} قَالَ أَمِين من الشَّيْطَان والأوصاب وَالْأَحْزَان وَفِي قَوْله {وزوجناهم بحور عين} قَالَ: بيض عين
قَالَ: وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود بعيس عين وَفِي قَوْله {يدعونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَة آمِنين} قَالَ: أمنُوا من الْمَوْت والأوصاب والشيطان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وزوجناهم بحور عين} قَالَ: أنكحناهم حوراً والحور الَّتِي يحار فِيهَا الطّرف بادياً يرى مخ سوقهن من وَرَاء ثيابهن وَيرى النَّاظر وَجهه فِي كبد إِحْدَاهُنَّ كالمرآة من رقة الْجلد وصفاء اللَّوْن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {وحور عين} قَالَ الْحَوْرَاء الْبَيْضَاء الممتعة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وحور كأمثال الدمى ومناصف وَمَاء وَرَيْحَان وَرَاح يصفق وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَطاء فِي قَوْله {بحور عين} قَالَ: سَوْدَاء الحدقة عَظِيمَة الْعين
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {بحور عين} قَالَ الْحور الْبيض وَالْعين الْعِظَام الْأَعْين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلق الْحور الْعين من الزَّعْفَرَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحور الْعين خُلِقْنَ من زعفران
وَأخرج ابْن جرير عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ: بَلغنِي أَن الْحور الْعين خُلِقْنَ من الزَّعْفَرَان
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: خلق الْحور الْعين من الزَّعْفَرَان

(7/420)


وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن زيد بن أسلم قَالَ: إِن الله لم يخلق الْحور الْعين من تُرَاب إِنَّمَا خَلقهنَّ من مسك وكافور وزعفران
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن حوراء بزقت فِي بَحر لجي لعذب ذَلِك الْبَحْر من عذوبة رِيقهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لشفر الْمَرْأَة أطول من جنَاح النسْر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو أَن حوراء أخرجت كفها بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لافتتن الْخَلَائق بحسنها وَلَو أخرجت نصيفها لكَانَتْ الشَّمْس عِنْد حسنه مثل الفتيلة فِي الشَّمْس لَا ضوء لَهَا وَلَو أخرجت وَجههَا لأضاء حسنها مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حور الْعين خَلقهنَّ من تَسْبِيح الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: ليوجد ريح الْمَرْأَة من الْحور الْعين من مسيرَة خَمْسمِائَة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وزوجناهم بحور عين} قَالَ: هِيَ لُغَة يَمَانِية وَذَلِكَ أَن أهل الْيمن يَقُولُونَ: زَوجْنَا فلَانا بفلانة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود لَا يذقون فِيهَا طعم الْمَوْت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يجاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فيعرفه هَؤُلَاءِ ويعرفه هَؤُلَاءِ فَيَقُول أهل النَّار: اللَّهُمَّ سلطه علينا وَيَقُول أهل الْجنَّة: اللَّهُمَّ إِنَّك قضيت أَن لَا نذوق فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى فَيذْبَح بَينهمَا فييأس أهل النَّار من الْمَوْت ويأمن أهل الْجنَّة من الْمَوْت
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله أَيَنَامُ أهل الْجنَّة قَالَ: لَا النّوم أَخُو الْمَوْت وَأهل الْجنَّة لَا يموتون وَلَا ينامون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك} يَعْنِي الْقُرْآن وَفِي قَوْله {فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مرتقبون} فانتظر إِنَّهُم منتظرون

(7/421)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (45)
سُورَة الجاثية
مَكِّيَّة وآياتها سبع وَثَلَاثُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الجاثية أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت بِمَكَّة سُورَة {حم} الجاثية
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة الشَّرِيعَة بِمَكَّة

الْآيَات 1 - 11

(7/422)


حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من رزق} قَالَ: الْمَطَر
وَفِي قَوْله {وتصريف الرِّيَاح} إِذا شَاءَ جعلهَا رَحْمَة وَإِذا شَاءَ جعلهَا عذَابا
وَفِي قَوْله {لكل أفاك أثيم} قَالَ: كَذَّاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لكل أفاك أثيم} قَالَ: الْمُغيرَة بن مَخْزُوم

الْآيَات 12 - 13

(7/423)


اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)

أخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه لم يكن يُفَسر أَربع آيَات قَوْله {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} والرقيم والغسلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لم يُفَسر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هَذِه الْآيَة إِلَّا لندبة القارىء {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} نور الشَّمْس وَالْقَمَر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} قَالَ: كل شَيْء هُوَ من الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والحاكمي وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا فَسَأَلَهُ مِم خلق الْخلق قَالَ: من المَاء والنور والظلمة

(7/423)


وَالرِّيح وَالتُّرَاب
قَالَ: فمم خلق هَؤُلَاءِ قَالَ: لَا أَدْرِي
ثمَّ أَتَى الرجل عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مثل قَول عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ فَأتى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَسَأَلَهُ: مِم خلق الْخلق قَالَ: من المَاء والنور والظلمة وَالرِّيح وَالتُّرَاب
قَالَ: فمم خلق هَؤُلَاءِ فَقَرَأَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} فَقَالَ الرجل: مَا كَانَ ليَأْتِي بِهَذَا إِلَّا رجلٌ من أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

الْآيَات 14 - 15

(7/424)


قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {قل للَّذين آمنُوا يغفروا} الْآيَة قَالَ: مَا زَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بِالْعَفو ويحث عَلَيْهِ ويرغب فِيهِ حَتَّى أَمر أَن يعْفُو عَمَّن لَا يَرْجُو أَيَّام الله وَذكر أَنَّهَا مَنْسُوخَة نسختها الْآيَة الَّتِي فِي الْأَنْفَال {فإمَّا تثقفنهم فِي الْحَرْب} سُورَة الْأَنْفَال 57 الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل للَّذين آمنُوا يغفروا} الْآيَة قَالَ: كَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض عَن الْمُشْركين إِذا أذوه وَكَانَ يستهزئون بِهِ ويكذبونه فَأمره الله أَن يُقَاتل الْمُشْركين كَافَّة فَكَانَ هَذَا من الْمَنْسُوخ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله}
قَالَ: اللَّذين لَا يَدْرُونَ أنعم الله عَلَيْهِم أم لم ينعم قَالَ سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ: بَلغنِي أَنَّهَا نسختها آيَة الْقِتَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله} قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة بقول الله (فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لجارية لَهُ: لَوْلَا أَن الله تَعَالَى يَقُول {قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله}

(7/424)


لأوجعتك
فَقَالَت: وَالله إِنِّي لممن يَرْجُو أَيَّامه فَمَا لَك لَا توجعني فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى يَأْمُرنِي أَن أَغفر للَّذين لَا يرجون أَيَّامه فعمّن يَرْجُو أَيَّامه أَحْرَى انطلقي فَأَنت حرَّة

الْآيَات 16 - 22

(7/425)


وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا بني إِسْرَائِيل الْكتاب وَالْحكم} قَالَ: اللب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة} قَالَ: على طَريقَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من الْأَمر} يَقُول: على هدى من الْأَمر وَبَيِّنَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من الْأَمر} قَالَ: الشَّرِيعَة الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَالْأَمر وَالنَّهْي

(7/425)


وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الضُّحَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ سُورَة الجاثية فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات} الْآيَة فَلم يزل يكررها ويبكي حَتَّى أصبح وَهُوَ عِنْد الْمقَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن بشير مولى الرّبيع بن خَيْثَم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ تَمِيم الدَّارِيّ يُصَلِّي فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات} فَلم يزل يُرَدِّدهَا حَتَّى أصبح
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَوَاء محياهم ومماتهم} قَالَ: الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مُؤمن وَالْكَافِر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَافِر

آيَة 23

(7/426)


أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: ذَاك الْكَافِر اتخذ دينه بِغَيْر هدى من الله وَلَا برهَان {وأضله الله على علم} يَقُول: أضلّهُ الله فِي سَابق علمه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: لَا يهوى شَيْئا إِلَّا رَكبه لَا يخَاف الله عز وَجل
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرجل من الْعَرَب يعبد الْحجر فَإِذا رأى أحسن مِنْهُ أَخذه وَألقى الآخر فَأنْزل الله {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ}

الْآيَات 24 - 26

(7/426)


وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكنَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَقَالَ الله فِي كِتَابه {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر} وَقَالَ الله: يُؤْذِينِي ابْن آدم يسب الدَّهْر وَأَنا الدَّهْر بيَدي الْأَمر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله عز وَجل: (يُؤْذِينِي ابْن آدم يسب الدَّهْر وَأَنا الدَّهْر بيَدي الْأَمر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر} قَالَ: الزَّمَان
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: لَا يقل ابْن آدم يسب الدَّهْر بأخيبة الدَّهْر فَإِنِّي أَنا الدَّهْر أرسل اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِذا شِئْت قبضتهما
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُول الله تَعَالَى: استقرضت عَبدِي فَلم يُعْطِنِي وسبني عَبدِي يَقُول وادهراه وَأَنا الدَّهْر

الْآيَات 27 - 37

(7/427)


وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)

أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه مرّ على قوم وَعَلِيهِ بردة حَمْرَاء حسناء فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِن أَنا سلبته بردته فَمَا لي عنْدكُمْ فَجعلُوا لَهُ شَيْئا فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن بردتك هَذِه لي
فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتهَا أمس
قَالَ: قد أعلمتك وَأَنت فِي حرج من لبسهَا
فخلعها ليدفعها إِلَيْهِ فَضَحِك الْقَوْم
فَقَالَ: مَا لكم فَقَالُوا: هَذَا رجل بطال
فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أخي: أما علمت أَن الْمَوْت أمامك لَا تَدْرِي مَتى يَأْتِيك صباحاً أَو مسَاء أَو نَهَارا ثمَّ الْقَبْر ومنكر وَنَكِير وَبعد ذَلِك الْقِيَامَة يَوْم يخسر فِيهِ المبطلون فأبكاهم وَمضى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَترى كل أمة جاثية} قَالَ: متميزة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَترى كل أمة جاثية} قَالَ: تستفز على الركب
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَترى كل أمة جاثية} يَقُول: على الركب عِنْد الْحساب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن باباه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَنِّي أَرَاكُم بالكوم دون جَهَنَّم جاثين ثمَّ قَرَأَ سُفْيَان {وَترى كل أمة جاثية}

(7/428)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَترى كل أمة جاثية} كل أمة مَعَ نبيها حَتَّى يَجِيء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كوم قد علا الْخَلَائق فَذَلِك الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كل أمة تدعى إِلَى كتابها} قَالَ يعلمُونَ أَنه يدعى أمة قبل أمة وَقوم قبل قوم وَرجل قبل رجل ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول يمثل لكل أمة يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانَت تعبد من حجر أَو وثن أَو خَشَبَة أَو دَابَّة ثمَّ يُقَال: من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيكون أول ذَلِك الْأَوْثَان قادة إِلَى النَّار حَتَّى تقذفهم فِيهَا فَيبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل الْكتاب فَيُقَال للْيَهُود: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وعزيزا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم ثمَّ يُقَال لَهُم: أما عُزَيْر فَلَيْسَ مِنْكُم ولستم مِنْهُ فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَيَنْطَلِقُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ مكوثاً
ثمَّ يدعى بالنصارى فَيُقَال لَهُم: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله والمسيح بن مَرْيَم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَيُقَال: أما الْمَسِيح فَلَيْسَ مِنْكُم ولستم مِنْهُ فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَيَنْطَلِقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ مكوثاً
وَتبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَال: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وَحده وَإِنَّمَا فارقنا فِي الدُّنْيَا مَخَافَة يَوْمنَا هَذَا فَيُؤذن للْمُؤْمِنين فِي السُّجُود فَيسْجد الْمُؤْمِنُونَ وَيمْنَع كل مُنَافِق فيقصم ظهر الْمُنَافِق عَن السُّجُود وَيجْعَل الله سُجُود الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ توبيخاً وصغاراً وحسرة وندامة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} قَالَ: هُوَ أم الْكتاب فِيهِ أَعمال بني آدم {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام يستنسخون أَعمال بني آدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَقَالَ: إِن أوّل مَا خلق الله الْقَلَم ثمَّ خلق النُّون وَهِي الدواة ثمَّ خلق الألواح فَكتب الدُّنْيَا وَمَا يكون فِيهَا حَتَّى تفنى من خلق مَخْلُوق وَعمل مَعْمُول من بر أَو فَاجر وَمَا كَانَ من رزق حَلَال أَو حرَام وَمَا كَانَ من رطب ويابس ثمَّ ألزم كل شَيْء من ذَلِك شَأْنه دُخُوله فِي الدُّنْيَا حَيّ وبقاؤه فِيهَا كم وَإِلَى كم تفنى ثمَّ وكل بذلك الْكتاب الْمَلَائِكَة ووكل بالخلق مَلَائِكَة فتأتي مَلَائِكَة الْخلق إِلَى مَلَائِكَة ذَلِك الْكتاب فيستنسخون مَا يكون فِي كل يَوْم وَلَيْلَة مقسوم على مَا وكلوا بِهِ ثمَّ يأْتونَ إِلَى النَّاس فيحفظونهم بِأَمْر الله ويسوقونهم إِلَى مَا فِي أَيْديهم

(7/429)


من تِلْكَ النّسخ فَقَامَ رجل يَا ابْن عَبَّاس
ألستم قوما عربا {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} هَل يستنسخ الشَّيْء إِلَّا من كتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الله خلق النُّون وَهُوَ الدواة وَخلق الْقَلَم فَقَالَ: اكْتُبْ
قَالَ: مَا أكتب قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من عمل مَعْمُول بر أَو فَاجر أَو رزق مقسوم حَلَال أَو حرَام ثمَّ ألزم كل شَيْء من ذَلِك شَأْنه: دُخُوله فِي الدُّنْيَا ومقامه فِيهَا كم وَخُرُوجه مِنْهَا كَيفَ ثمَّ جعل على الْعباد حفظَة وعَلى الْكتاب خزاناً تحفظه ينسخون كل يَوْم من الْخزَّان عمل ذَلِك الْيَوْم فَإِذا فني ذَلِك الرزق انْقَطع الْأَمر وانقضى الْأَجَل أَتَت الْحفظَة الخزنة يطْلبُونَ عمل ذَلِك الْيَوْم فَتَقول لَهُم الخزنة: مَا نجد لصاحبكم عندنَا شَيْئا فترجع الْحفظَة فيجدونهم قد مَاتُوا
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: ألستم قوما عربا تَسْمَعُونَ الْحفظَة يَقُولُونَ {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وَهل يكون الاستنساخ إِلَّا من أصل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن لله مَلَائِكَة يتولون فِي كل يَوْم بِشَيْء يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعمال بني آدم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أول شَيْء خلق الله الْقَلَم فَأَخذه بِيَمِينِهِ وكلتا يَدَيْهِ يَمِين فَكتب الدُّنْيَا وَمَا يكون فِيهَا من عمل مَعْمُول بر أَو فَاجر رطب أَو يَابِس فأحصاه عِنْده فِي الذّكر وَقَالَ اقرؤوا إِن شِئْتُم {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَهَل تكون النُّسْخَة إِلَّا من شَيْء قد فرغ مِنْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: هِيَ أَعمال أهل الدُّنْيَا الْحَسَنَات والسيئات تنزل من السَّمَاء كل غَدَاة أَو عَشِيَّة مَا يُصِيب الإِنسان فِي ذَلِك الْيَوْم أَو اللَّيْلَة الَّذِي يقتل وَالَّذِي يغرق وَالَّذِي يَقع من فَوق بَيت وَالَّذِي يتردى من فَوق جبل وَالَّذِي يَقع فِي بِئْر وَالَّذِي يحرق بالنَّار فيحفظون عَلَيْهِ ذَلِك كُله
فَإِذا كَانَ الْعشي صعدوا بِهِ إِلَى السَّمَاء فيجدونه كَمَا فِي السَّمَاء مَكْتُوبًا فِي الذّكر الْحَكِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: تستنسخ

(7/430)


الْحفظَة من أم الْكتاب مَا يعْمل بَنو آدم فَإِنَّمَا يعْمل الإِنسان على مَا استنسخ الْملك من أم الْكتاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كتب فِي الذّكر عِنْده كل شَيْء هُوَ كَائِن ثمَّ بعث الْحفظَة على آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَذريته فالحفظة ينسخون من الذّكر مَا يعْمل الْعباد ثمَّ قَرَأَ {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: إِن الله وكل مَلَائِكَة ينسخون من ذَلِك الْعَام فِي رَمَضَان لَيْلَة الْقدر مَا يكون فِي الأَرْض من حدث إِلَى مثلهَا من السّنة الْمُسْتَقْبلَة فيعارضون بِهِ حفظَة الله على الْعباد عَشِيَّة كل خَمِيس فيجدون مَا رفع الْحفظَة مُوَافقا لما فِي كِتَابهمْ ذَلِك لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقيل الْيَوْم ننساكم كَمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا} قَالَ: تركْتُم ذكري وطاعتني فَكَذَا أترككم {كَمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا} قَالَ: تركْتُم ذكري وطاعتي فَكَذَا تركْتُم فِي النَّار
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عمر بن ذَر عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا قعد قوم يذكرُونَ الله إِلَّا قعد مَعَهم عَددهمْ من الْمَلَائِكَة فَإِذا حمدوا الله حمدوه وَإِن سبحوا الله سبحوه وَإِن كبروا الله كبروه وَإِن اسْتَغْفرُوا الله أمنُوا ثمَّ عرجوا إِلَى رَبهم فيسألهم فَقَالُوا: رَبنَا عبيد لَك فِي الأَرْض ذكروك فذكرناك
قَالَ: مَاذَا قَالُوا: قَالُوا: رَبنَا حمدوك فَقَالَ: أوّل من عبد وَآخر من حمد
قَالُوا: وسبحوك
قَالَ: مدحي لَا يَنْبَغِي لأحد غَيْرِي قَالُوا: رَبنَا كبروك
قَالَ: لي الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنا الْعَزِيز الْحَكِيم
قَالُوا: رَبنَا استغفروك
قَالَ: أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ رَفعه أَن لله ثَلَاثَة أَثوَاب: اتزر بِالْعِزَّةِ وتسربل الرَّحْمَة وارتدى بالكبرياء فَمن تعزز بِغَيْر مَا أعز الله فَذَلِك الَّذِي يُقَال لَهُ (ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم) (سُورَة الدُّخان الْآيَة 49) وَمن رحم رَحمَه

(7/431)


الله وَمن تكبر فقد نَازع الله الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ فَإِنَّهُ تبَارك وَتَعَالَى يَقُول: لَا يَنْبَغِي لمن نَازَعَنِي أَن أدخلهُ الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله عز وَجل: الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي فَمن نَازَعَنِي فِي وَاحِد مِنْهُمَا أَلقيته فِي النَّار وَالله أعلم

(7/432)