الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
78
سُورَة النبأ
مَكِّيَّة وآياتها أَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
سُورَة {عَم يتساءلون} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت
{عَم يتساءلون} بِمَكَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الْعَزِيز بن قيس
قَالَ: سَأَلت أنسا عَن مِقْدَار صَلَاة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأمر أحد بنيه فصلى بِنَا الظّهْر وَالْعصر
فَقَرَأَ بِنَا المرسلات و {عَم يتساءلون {
الْآيَة 1 - 18
(8/389)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ
(1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ
مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا
سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ
لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا
سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ
مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ
مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ
أَفْوَاجًا (18)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن
قَالَ: لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلُوا
يتساءلون بَينهم فَنزلت {عَم يتساءلون عَن النبإ الْعَظِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{يتساءلون عَن النبإ الْعَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عَم يتساءلون عَن النبإ
الْعَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن
وَفِي قَوْله: {الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ} قَالَ: مُصدق
بِهِ ومكذب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
{عَم يتساءلون عَن النبإ الْعَظِيم الَّذِي هم فِيهِ
مُخْتَلفُونَ} قَالَ: هُوَ الْبَعْث بعد الْمَوْت صَار النَّاس
فِيهِ رجلَيْنِ مُصدق ومكذب فَأَما الْمَوْت فاقروا بِهِ كلهم
لمعاينتهم إِيَّاه وَاخْتلفُوا فِي الْبَعْث بعد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {كلا سيعلمون
ثمَّ كلا سيعلمون} قَالَ: وَعِيد بعد وَعِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {كلا سيعلمون} الْكفَّار
{ثمَّ كلا سيعلمون} الْمُؤْمِنُونَ وَكَذَلِكَ كَانَ يقْرؤهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله: {ألم نجْعَل الأَرْض مهاداً} قَالَ: فرشت لكم
{وَالْجِبَال أوتاداً} قَالَ: أوتدت بهَا لكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{ألم نجْعَل الأَرْض مهاداً} إِلَى قَوْله: {معاشاً} قَالَ:
نعم من الله يعددها عَلَيْك يَا ابْن آدم لتعمل لأَدَاء شكرها
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما
أَرَادَ الله أَن يخلق الْخلق أرسل الرّيح فنسفت المَاء حَتَّى
أبدت عَن حَشَفَة وَهِي الَّتِي تَحت الْكَعْبَة ثمَّ مد
الأَرْض حَتَّى بلغت مَا شَاءَ الله من الطول وَالْعرض
وَكَانَت هَكَذَا تميد وَقَالَ بِيَدِهِ وَهَكَذَا وَهَكَذَا
فَجعل الله الْجبَال رواسي أوتاداً فَكَانَ أَبُو قبيس من أول
جبل وضع فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: إِن الأَرْض أول مَا
خلقت خلقت من عِنْد
(8/390)
بَيت الْمُقَدّس وضعت طِينَة فَقيل لَهَا:
اذهبي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وخلقت على صَخْرَة والصخرة
على حوت والحوت على المَاء فَأَصْبَحت وَهِي تميع
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رب من يسكن هَذِه فَأَصْبَحت
الْجبَال فِيهَا أوتاداً فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رب أخلقت
خلقا هُوَ أَشد من هَذِه قَالَ: الْحَدِيد
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من الْحَدِيد قَالَ: النَّار
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من النَّار قَالَ: المَاء
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من المَاء قَالَ الرّيح
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من الرّيح قَالَ: الْبناء
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من الْبناء قَالَ: آدم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وخلقناكم أَزْوَاجًا}
قَالَ: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَفِي قَوْله: {وَجَعَلنَا
النَّهَار معاشاً} قَالَ: يَبْتَغُونَ من فضل الله وَفِي
قَوْله: {وَجَعَلنَا سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ: يتلألأ {وأنزلنا
من المعصرات} قَالَ: الرّيح {مَاء ثجاجاً} قَالَ: منصباً ينصب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن قَتَادَة
{وَجَعَلنَا سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ: الْوَهَّاج الْمُنِير
{وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: من السَّمَاء وَبَعْضهمْ يَقُول
من الرّيح {مَاء ثجاجاً} قَالَ: الثجاج المنصب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ:
مضيئاً {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: السَّحَاب {مَاء ثجاجاً}
قَالَ: منصباً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ: يتلألأ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وأنزلنا من المعصرات}
قَالَ: السَّحَاب يعصر بَعْضهَا بَعْضًا فَيخرج المَاء من بَين
السحابتين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
قَوْله: النَّابِغَة: تجْرِي بهَا الْأَرْوَاح من بَين شمال
وَبَين صباها المعصرات الدوامس قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله:
{ثجاجاً} قَالَ: الثجاج الْكثير الَّذِي ينْبت مِنْهُ الزَّرْع
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أَبَا
ذُؤَيْب يَقُول:
(8/391)
سقى أم عمر وكل آخر لَيْلَة غمائم سود
ماؤهن ثجيج وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وأنزلنا
من المعصرات} قَالَ: الرِّيَاح {مَاء ثجاجاً} قَالَ: منصباً
وَأخرج الشَّافِعِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه والخرائطي وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وأنزلنا من المعصرات
مَاء ثجاجاً} قَالَ: يبْعَث الله سحاباً فَتحمل المَاء من
السَّمَاء فتمر بِهِ السَّحَاب فتدر كَمَا تدر اللقحة والثجاج
ينزل من السَّمَاء أَمْثَال العزالي فتصرفه الرِّيَاح فَينزل
مُتَفَرقًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة {وأنزلنا من
المعصرات} قَالَ: السَّحَاب {مَاء ثجاجاً} قَالَ: صبا أَو
قَالَ كثيرا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس
{وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: من السَّمَاء {مَاء ثجاجاً}
قَالَ: منصباً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي
مصحف الْفضل بن عَبَّاس {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجاً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن
قَتَادَة قَالَ فِي قِرَاءَة ابْن عَبَّاس {وأنزلنا من
المعصرات} بالرياح
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن مُجَاهِد
{وأنزلنا من المعصرات} الرّيح وَلذَلِك كَانَ يقْرؤهَا:
بالمعصرات مَاء ثجاجاً منصبا
وَأخرج ابْن جرير ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {وجنات ألفافاً} قَالَ: مجتمعة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله: {وجنات ألفافاً} قَالَ: ملتفة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{وجنات ألفافاً} قَالَ: ملتفة بَعْضهَا إِلَى بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وجنات
ألفافاً} قَالَ: الزَّرْع إِذا كَانَ بعضه إِلَى بعض جنَّات
(8/392)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وجنات
ألفافاً} يَقُول: جنَّات الْتفت بَعْضهَا بِبَعْض
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
{إِن يَوْم الْفَصْل كَانَ ميقاتاً} قَالَ: هُوَ يَوْم عَظمَة
الله وَهُوَ يَوْم يفصل فِيهِ بَين الْأَوَّلين والآخرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَتَأْتُونَ
أَفْوَاجًا} قَالَ: زمراً زمراً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب: أَن معَاذًا
بن جبل قَالَ: يَا رَسُول الله مَا قَول الله {يَوْم ينْفخ فِي
الصُّور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} فَقَالَ: يَا معَاذ سَأَلت
عَن أَمر عَظِيم ثمَّ أرسل عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ: عشرَة
أَصْنَاف قد ميزهم الله من جمَاعَة الْمُسلمين وَبدل صورهم
فبعضهم على صُورَة القردة وَبَعْضهمْ على صُورَة الْخَنَازِير
وَبَعْضهمْ منكبين أَرجُلهم فَوق وُجُوههم أَسْفَل يسْحَبُونَ
عَلَيْهَا وَبَعْضهمْ عمي يَتَرَدَّدُونَ وَبَعْضهمْ صم بكم
لَا يعْقلُونَ وَبَعْضهمْ يَمْضُغُونَ ألسنتهم وَهِي مدلاة على
صُدُورهمْ يسيل الْقَيْح من أَفْوَاههم لعاباً يقذرهم أهل
الْجمع وَبَعْضهمْ مقطعَة أَيْديهم وأرجلهم وَبَعْضهمْ مصلبون
على جُذُوع من نَار وَبَعْضهمْ أَشد نَتنًا من الْجِيَف
وَبَعْضهمْ يلبسُونَ جِبَابًا سابغات من قطران لَازِقَة
بِجُلُودِهِمْ
فَأَما الَّذين على صُورَة القردة فَالْقَتَّات من النَّاس
وَأما الَّذين على صُورَة الْخَنَازِير فَأَكلَة السُّحت
والمنكسون على وُجُوههم فَأَكلَة الرِّبَا والعمي من يجور فِي
الحكم والصم الْبكم المعجبون بأعمالهم وَالَّذين يَمْضُغُونَ
ألسنتهم فَالْعُلَمَاء والقضاة من الَّذين يُخَالف قَوْلهم
أَعْمَالهم والمقطعة أَيْديهم وأرجلهم الَّذين يُؤْذونَ
الْجِيرَان والمصلبون على جُذُوع من نَار فَالسُّعَاة
بِالنَّاسِ إِلَى السُّلْطَان وَالَّذين هم أَشد نَتنًا من
الْجِيَف الَّذين يتمتعون بالشهوات وَاللَّذَّات وَيمْنَعُونَ
حق الله وَحقّ الْفُقَرَاء من أَمْوَالهم وَالَّذين يلبسُونَ
الْجبَاب فَأهل الْكبر وَالْخُيَلَاء وَالْفَخْر
الْآيَة 19 - 30
(8/393)
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ
فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ
سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)
لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا
حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ
كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ
{وَفتحت} خَفِيفَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي الجوزاء فِي قَوْله: {إِن
جَهَنَّم كَانَت مرصاداً} قَالَ: صَارَت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن
فِي قَوْله: {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصاداً} قَالَ: لَا يدْخل
الْجنَّة أحد حَتَّى يجتاز النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصاداً}
قَالَ: عَلَيْهِم ثَلَاث قناطر لَا يدْخل الْجنَّة أحد حَتَّى
يجتاز النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصاداً} قَالَ:
تعلمُوا أَنه لَا سَبِيل إِلَى الْجنَّة حَتَّى تقطع النَّار
وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: (وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها)
(سُورَة مَرْيَم الْآيَة 71) {للطاغين مآباً} قَالَ: مأوى
ومنزلاً {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الأحقاب مَا لَا
انْقِطَاع لَهُ كلما مضى حقب جَاءَ بعده حقب آخر قَالَ وَذكر
لنا أَن الحقب ثَمَانُون سنة من سني يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {لابثين فِيهَا
أحقاباً} قَالَ: سِنِين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ:
لَيْسَ لَهَا أجل كلما مضى حقب دَخَلنَا فِي الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: الحقب
الْوَاحِد سَبْعُونَ سنة كل يَوْم مِنْهَا ألف سنة
(8/394)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو
الشَّيْخ عَن الرّبيع {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: لَا
يدْرِي أحدكُم تِلْكَ الأحقاب إِلَّا أَن الحقب الْوَاحِد
ثَمَانُون سنة السّنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا
الْيَوْم الْوَاحِد مِقْدَارًا ألف سنة والحقب الْوَاحِد
ثَمَانِيَة عشر ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن بشير بن كَعْب فِي قَوْله: {لابثين
فِيهَا أحقاباً} قَالَ: بَلغنِي أَن الحقب ثَلَاثمِائَة سنة كل
سنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا كل يَوْم ألف سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وهناد وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد
قَالَ: سَأَلَ عليّ بن أبي طَالب هلالاً الهجري: مَا تَجِدُونَ
الحقب فِي كتاب الله قَالَ: نجده ثَمَانِينَ سنة كل سنة
مِنْهَا اثْنَا عشر شهرا كل شهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا كل يَوْم
ألف سنة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
مَسْعُود فِي قَوْله: {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب
ثَمَانُون سنة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه {لابثين فِيهَا
أحقاباً} قَالَ: الحقب ثَمَانُون سنة
وَأخرج هناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن أبي هُرَيْرَة {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب
ثَمَانُون سنة وَالسّنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا
وَالْيَوْم كألف سنة مِمَّا تَعدونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة {لابثين فِيهَا أحقاباً}
قَالَ: الحقب ثَمَانُون عَاما الْيَوْم مِنْهَا كسدس
الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن عمر العدي فِي مُسْنده وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي
أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {لابثين
فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب ألف شهر والشهر ثَلَاثُونَ
يَوْمًا وَالسّنة اثْنَا عشر شهر والشهر ثَلَاثمِائَة
وَسِتُّونَ يَوْمًا كل يَوْم مِنْهَا ألف سنة مِمَّا تَعدونَ
فالحقب ثَمَانُون ألف سنة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عمر
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالله لَا يخرج
من النَّار أحد حَتَّى يمْكث فِيهَا أحقاباً والحقب بضع
وَثَمَانُونَ سنة كل سنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا
وَالْيَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ
قَالَ ابْن عمر: فَلَا يتكلن أحد على أَنه يخرج من النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحقب ثَمَانُون سنة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن
عَمْرو وَفِي قَوْله: {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب
الْوَاحِد ثَمَانُون سنة
(8/395)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن
الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الحقب أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لابثين فِيهَا
أحقاباً} بِالْألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون أَنه قَرَأَ لابثين
فِيهَا أحقاباً بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن جرير عَن خَالِد بن معدان فِي قَوْله: {لابثين
فِيهَا أحقاباً} وَقَوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبك) (سُورَة هود
الْآيَة 107) أَنَّهُمَا فِي أهل الْجنَّة والتوحيد من أهل
الْقبْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: زمهرير جَهَنَّم يكون لَهُم من الْعَذَاب
لِأَن الله يَقُول: {لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا
إِلَّا حميماً وغساقاً}
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة
{لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميماً وغساقاً}
قَالَ: فاستثنى من الشَّرَاب الْحَمِيم وَمن الْبَارِد الغساق
وَهُوَ الزَّمْهَرِير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{إِلَّا حميماً وغساقاً} قَالَ: الْحَمِيم الْحَار الَّذِي
يحرق والغساق الزَّمْهَرِير الْبَارِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِلَّا
حميماً وغساقاً} قَالَ: لَا يستطيعونه من برده
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {لَا يذوقون فِيهَا بردا
وَلَا شرابًا إِلَّا حميماً} قَالَ: قد انْتهى حره
{وغساقاً} قَالَ: لقد انْتهى برده وَإِن الرجل إِذا أدنى
الإِناء من فِيهِ سقط فَرْوَة وَجهه حَتَّى يبْقى عظاماً
تقَعْقع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مرّة {لَا يذوقون فِيهَا بردا}
قَالَ: نوماً [] الممتلئة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {جَزَاء وفَاقا} قَالَ: وَافق أَعْمَالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {جَزَاء وفَاقا}
قَالَ: جَزَاء وَافق أَعمال الْقَوْم أَعمال السوء
(8/396)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله: {جَزَاء وفَاقا} يَقُول: وَافق الْجَزَاء الْعَمَل
{إِنَّهُم كَانُوا لَا يرجون حسابا} قَالَ: لَا يخافونه وَفِي
لفظ: لَا يبالون فيصدقون بِالْبَعْثِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله:
{إِنَّهُم كَانُوا لَا يرجون حسابا} قَالَ: لَا يرجون ثَوابًا
وَلَا يخَافُونَ عقَابا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عَمْرو
قَالَ: مَا نزلت على أهل النَّار آيَة قطّ أَشد مِنْهَا
{فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا} فهم فِي مزِيد من
عَذَاب الله أبدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن بن دِينَار
قَالَ: سَأَلت أَبَا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ عَن أَشد آيَة فِي
كتاب الله على أهل النَّار فَقَالَ: قَول الله {فَذُوقُوا
فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَرزَة
الْأَسْلَمِيّ عَن أَشد آيَة فِي الْقُرْآن فَقَالَ: قَول الله
{فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا} قَالَ: فَهُوَ
مِقْدَار سَاعَة بساعة وَيَوْم بِيَوْم وَشهر بِشَهْر وَسنة
بِسنة أَشد عذَابا حَتَّى لَو أَن رجلا من أهل النَّار أخرج من
الْمشرق لمات أهل الْمغرب وَلَو أخرج من الْمغرب مَاتَ أهل
الْمشرق من نَتن رِيحه
قَالَ أَبُو بَرزَة: شهِدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حِين تَلَاهَا فَقَالَ: هلك الْقَوْم بمعاصيهم رَبهم
وَغَضب عَلَيْهِم فَأبى إِذْ غضب عَلَيْهِم إِلَّا أَن ينْتَقم
مِنْهُم
الْآيَة 31 - 40
(8/397)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ
أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ
فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ
عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا
يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ
صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ
اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ
عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ
يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا
(40)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِن لِلْمُتقين مفازاً}
قَالَ: فازوا بِأَن: نَجوا من النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن لِلْمُتقين مفازاً}
قَالَ: مفازاً من النَّار إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{إِن لِلْمُتقين مفازاً} قَالَ: منتزها {وكواعب} قَالَ: نواهد
{أَتْرَابًا} قَالَ: مستويات {وكأساً دهاقاً} قَالَ: ممتلئاً
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {حدائق وأعنابا} قَالَ:
الحدائق الباستين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: بِلَاد سَقَاهَا الله أما سهولها
فقضب ودر مغدق وَحَدَائِق قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {كأساً
دهاقاً} قَالَ: الكأس الْخمر والدهاق الملآن
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: أَتَانَا عَامر يَرْجُو قرانا
فأترعنا لَهُ كأساً دهاقاً وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن
الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وكواعب} قَالَ: العذارى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وكواعب} قَالَ: نواهد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{وكأساً دهاقاً} قَالَ: هِيَ الممتلئة المترعة المتتابعة
وَرُبمَا سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول: يَا غُلَام اسقنا وادهق
لنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس {وكأساً دهاقاً} قَالَ: ملأى
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة وَمُجاهد
وَالضَّحَّاك وَالْحسن مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وكأساً دهاقاً} قَالَ: يتبع
بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وكأساً دهاقاً}
قَالَ: المتتابعة
(8/398)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير
وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج هناد عَن عَطِيَّة قي قَوْله: {وكأساً دهاقاً} قَالَ:
ملأى متتابعة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة {وكأساً
دهاقاً} قَالَ: دمادم
قَالَ: الْمُؤلف فَارسي بِمَعْنى متتابعة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وكأساً دهاقاً}
قَالَ: متتابعة صَافِيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا كَانَ فِيهَا
خمر فَهِيَ كأس وَإِذا لم يكن فِيهَا خمر فَلَيْسَ بكأس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا} قَالَ:
بَاطِلا وَلَا مأثماً وَفِي قَوْله: {عَطاء حسابا} قَالَ:
كثيرا وَفِي قَوْله: {لَا يملكُونَ مِنْهُ خطابا} قَالَ:
كلَاما
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {جَزَاء من رَبك} قَالَ:
عَطاء مِنْهُ {حسابا} قَالَ: لما عمِلُوا وَفِي قَوْله: {لَا
يملكُونَ مِنْهُ خطابا} قَالَ: كلَاما
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن
مردوية عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: الرّوح جند من جنود الله لَيْسُوا بملائكة لَهُم رُؤُوس
وأيد وأرجل ثمَّ قَرَأَ {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة
صفا} قَالَ: هَؤُلَاءِ جند وَهَؤُلَاء جند
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد قَالَ: الرّوح خلق على صُورَة بني
آدم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو
الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الرّوح يَأْكُلُون وَلَهُم أيد
وأرجل ورؤوس وَلَيْسوا بملائكة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات
عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة
صفا} قَالَ: الرّوح خلق كالناس وليسو بِالنَّاسِ لَهُم أيد
وأرجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن
الشّعبِيّ فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة
صفا} قَالَ: هما سماطا رب الْعَالمين يَوْم الْقِيَامَة سماط
من الرّوح وسماط من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن
بُرَيْدَة قَالَ: مَا يبلغ الْجِنّ
(8/399)
والإِنس وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين
عشر الرّوح وَلَقَد قبض النَّبِي وَمَا يعلم الرّوح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي
قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا} قَالَ:
الرّوح أعظم خلقا من الْمَلَائِكَة وَلَا ينزل ملك إِلَّا
وَمَعَهُ روح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح} قَالَ: هُوَ ملك
من أعظم الْمَلَائِكَة خلقا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الرّوح فِي
السَّمَاء السَّابِعَة وَهُوَ أعظم من السَّمَوَات وَالْجِبَال
وَمن الْمَلَائِكَة يسبح كل يَوْم اثْنَي عشر ألف تَسْبِيحَة
يخلق الله من كل تَسْبِيحَة ملكا من الْمَلَائِكَة يَجِيء
يَوْم الْقِيَامَة صفا وَحده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك قَالَ:
الرّوح حَاجِب الله يقوم بَين يَدي الله يَوْم الْقِيَامَة
وَهُوَ أعظم الْمَلَائِكَة لَو فتح فَاه لوسع جَمِيع
الْمَلَائِكَة والخلق إِلَيْهِ ينظرُونَ فَمن مخافته لَا
يرفعون طرفهم إِلَى من فَوْقه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن حبَان
قَالَ: الرّوح أشرف الْمَلَائِكَة أقربهم من الرب وَهُوَ صَاحب
الْوَحْي
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن وهب بن مُنَبّه
قَالَ: الرّوح ملك من الْمَلَائِكَة لَهُ عشرَة آلَاف جنَاح
مَا بَين كل جناحين مِنْهَا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب لَهُ
ألف وَجه لكل وَجه ألف لِسَان وشفتان وعينان يسبح الله
تَعَالَى
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده: سبوح
قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي
قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن جِبْرِيل
يَوْم الْقِيَامَة الْقَائِم بَين يَدي الْجَبَّار ترْعد
فرائصه فرقا من عَذَاب الله يَقُول: سُبْحَانَكَ لَا إِلَه
إِلَّا أَنْت مَا عبدناك حق عبادتك إِن مَا بَين مَنْكِبَيْه
كَمَا بَين الْمشرق إِلَى الْمغرب أما سَمِعت قَول الله:
{يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا} وَأخرج الْبَيْهَقِيّ
فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{يَوْم يقوم الرّوح}
(8/400)
قَالَ: يَعْنِي حِين تقوم أَرْوَاح النَّاس
مَعَ الْمَلَائِكَة فِيمَا بَين النفختين قبل أَن ترد
الْأَرْوَاح إِلَى الأجساد
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{وَقَالَ صَوَابا} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَقَالَ صَوَابا} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وَقَالَ صَوَابا} قَالَ: حَقًا فِي الدُّنْيَا وَعمل بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن جَابر بن
عبد الله قَالَ: قَالَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يَا رَسُول
الله: مَا الْجمال قَالَ: صَوَاب القَوْل بِالْحَقِّ
قَالَ: فَمَا الْكَمَال قَالَ: حسن الفعال بِالصّدقِ وَالله
أعلم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه مآباً}
قَالَ: سَبِيلا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله:
{يَوْم ينظر الْمَرْء} قَالَ: الْمُؤمن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة
{يَوْم ينظر الْمَرْء مَا قدمت يَدَاهُ} قَالَ: هُوَ الْمُؤمن
الْعَامِل بِطَاعَة الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: يحْشر الْخَلَائق كلهم يَوْم الْقِيَامَة
الْبَهَائِم وَالدَّوَاب وَالطير وكل شَيْء فَيبلغ من عدل الله
أَن يَأْخُذ للجماء من القرناء ثمَّ يَقُول: كوني تُرَابا
فَذَلِك حِين يَقُول الْكَافِر: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن يحيى بن جعدة قَالَ: إِن
أول خلق الله يُحَاسب يَوْم الْقِيَامَة الدَّوَابّ والهوام
حَتَّى يقْضِي بَينهَا حَتَّى لَا يذهب شَيْء بظلامته ثمَّ
يَجْعَلهَا تُرَابا ثمَّ يبْعَث الثقلَيْن الْجِنّ والإِنس
فيحاسبهم فَيَوْمئِذٍ يتَمَنَّى الْكَافِر {يَا لَيْتَني كنت
تُرَابا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: تقاد المنقورة من
الناقرة والمركوضة من
(8/401)
الراكضة والجلحاء من ذَات الْقُرُون
وَالنَّاس ينظرُونَ ثمَّ يَقُول: كوني تُرَابا لَا جنَّة وَلَا
نَار فَذَلِك حِين يَقُول الْكَافِر: {يَا لَيْتَني كنت
تُرَابا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن شاهين فِي كتاب الْعَجَائِب الغرائب
عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: إِذا قضى بَين النَّاس وَأمر بِأَهْل
الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار قيل
لسَائِر الْأُمَم ولمؤمني الْجِنّ عودوا تُرَابا فيعودوا
تُرَابا فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول الْكَافِر حِين يراهم قد عَادوا
تُرَابا: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِذا حوسبت
الْبَهَائِم ثمَّ صيرها الله تُرَابا فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ
الْكَافِر: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ: الْجِنّ
يعودون تُرَابا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ:
ثَوَاب الْجِنّ أَن يجاروا من النَّار ثمَّ يُقَال لَهُم:
كونُوا تُرَابا
79
سُورَة النازعات
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَأَرْبَعُونَ
(8/402)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
سُورَة النازعات بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 14
(8/403)
وَالنَّازِعَاتِ
غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ
سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ
أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا
لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا
نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ
بِالسَّاهِرَةِ (14)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور ابْن الْمُنْذر
عَن عليّ فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ: هِيَ
الْمَلَائِكَة تنْزع أَرْوَاح الْكفَّار {والناشطات نشطاً}
هِيَ الْمَلَائِكَة تنشط أَرْوَاح الْكفَّار مَا بَين
الْأَظْفَار وَالْجَلد حَتَّى تخرجها {والسابحات سبحاً} هِيَ
الْمَلَائِكَة تسبح بأرواح الْمُؤمنِينَ بَين السَّمَاء
وَالْأَرْض {فالسابقات سبقاً} هِيَ الْمَلَائِكَة يسْبق
بَعْضهَا بَعْضًا بأرواح الْمُؤمنِينَ إِلَى الله {فالمدبرات
أمرا} قَالَ: هِيَ الْمَلَائِكَة تدبر أَمر الْعباد من السّنة
إِلَى السّنة
(8/403)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن
جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ:
هِيَ أنفس الْكفَّار تنْزع ثمَّ تنشط ثمَّ تغرق فِي النَّار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن
عَبَّاس {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {والناشطات نشطاً}
قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج جُوَيْبِر فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{والنازعات غرقاً} قَالَ: هِيَ أَرْوَاح الْكفَّار لما عَايَنت
ملك الْمَوْت فيخبرها بشخط الله غرقت فينشطها انتشاطاً من
العصب وَاللَّحم {والسابحات سبحاً} أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ مَا
عَايَنت ملك الْمَوْت قَالَ: اخْرُجِي أيتها النَّفس المطمئنة
إِلَى روح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان سبحت سباحة الغائص فِي
المَاء فَرحا وشوقاً إِلَى الْجنَّة {فالسابقات سبقاً} قَالَ:
تمشي إِلَى كَرَامَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله:
{والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً} قَالَ: هَاتَانِ
الْآيَتَانِ للْكفَّار عِنْد نزع النَّفس تنشط نشطاً عنيفاً
مثل سفود فِي صوف فَكَانَ خُرُوجه شَدِيدا {والسابحات سبحاً
فالسابقات سبقاً} قَالَ: هَاتَانِ للْمُؤْمِنين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {والنازعات
غرقاً} قَالَ: النَّفس حِين تغرق فِي الصُّدُور {والناشطات
نشطاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة حِين تنشط الرّوح من الْأَصَابِع
والقدمين {والسابحات سبحاً} حِين تسبح النَّفس فِي الْجوف
تَتَرَدَّد عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود
فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة الَّذين
يلون أنفس الْكفَّار إِلَى قَوْله: {والسابحات سبحاً} قَالَ:
الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {والنازعات
غرقاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة ينزعون نفس الإِنسان {والناشطات
نشطاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة ينشطون نفس الإِنسان {والسابحات
سبحاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة حِين ينزلون من السَّمَاء إِلَى
الأَرْض {فالسابقات سبقاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة {فالمدبرات
أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يدبرون مَا أمروا بِهِ
(8/404)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة عَن مُجَاهِد {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً} قَالَ:
الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن
مُجَاهِد {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً
فالسابقات سبقاً فالمدبرات أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {والنازعات غرقاً} قَالَ:
هُوَ الْكَافِر {والناشطات نشطاً} قَالَ: هِيَ النُّجُوم
{والسابحات سبحا} قَالَ: هِيَ النُّجُوم {فالسابقات سبقاً}
قَالَ: هِيَ النُّجُوم {فالمدبرات أمرا} قَالَ: هِيَ
الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء {والنازعات
غرقاً} قَالَ: القسي {والناشطات نشطاً} قَالَ: الأوهاق
{فالسابقات سبقاً} قَالَ: الْخَيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تمزق النَّاس فتمزقك كلاب
النَّار
قَالَ الله: {والناشطات نشطاً} أَتَدْرِي مَا هُوَ قلت يَا
نَبِي الله: مَا هُوَ قَالَ: كلاب فِي النَّار تنشط الْعظم
وَاللَّحم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {والسابحات
سبحاً} قَالَ: هِيَ النُّجُوم كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن ابْن
الكوّا سَأَلَهُ عَن {فالمدبرات أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
يدبرون ذكر الرَّحْمَن وَأمره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط
قَالَ: يدبر أَمر الدُّنْيَا أَرْبَعَة جِبْرِيل وَمِيكَائِيل
وَملك الْمَوْت وَإِسْرَائِيل فإمَّا جِبْرِيل فموكل بالرياح
والجنود وَأما ميكائل فموكل بالقطر والنبات وَأما ملك الْمَوْت
فموكل بِقَبض الْأَرْوَاح وَأما إسْرَافيل فَهُوَ ينزل
عَلَيْهِم بِالْأَمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت من طَرِيق أبي
المتَوَكل النَّاجِي عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فالمدبرات
أمرا} قَالَ: مَلَائِكَة يكونُونَ مَعَ ملك الْمَوْت يحْضرُون
الْمَوْتَى عِنْد قبض أَرْوَاحهم فَمنهمْ من يعرج بِالروحِ
وَمِنْهُم من يُؤمن على الدُّعَاء وَمِنْهُم من يسْتَغْفر
للْمَيت حَتَّى يصلى عَلَيْهِ ويدلي فِي حفرته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
(8/405)
قَوْله: {يَوْم ترجف الراجفة} قَالَ:
النفخة الأولى {تتبعها الرادفة} قَالَ: النفخة الثَّانِيَة
{قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: خائفة {أئنا لمردودون فِي
الحافرة} قَالَ: الْحَيَاة
وَأخرج عبد حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله: {يَوْم ترجف الراجفة} قَالَ: ترجف الأَرْض
وَالْجِبَال وَهِي الزلزلة {تتبعها الرادفة} قَالَ: دكتا دكة
وَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَالْحكم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب ربع
اللَّيْل قَامَ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا الله
اذْكروا الله جَاءَت الراجفة تتبعها الرادفة جَاءَ الْمَوْت
بِمَا فِيهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترجف
الراجفة رجفاً وتزلزل بِأَهْلِهَا وَهِي الَّتِي يَقُول الله:
{يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} يَقُول: مثل السَّفِينَة
فِي الْبَحْر تكفأ بِأَهْلِهَا مثل الْقنْدِيل الْمُعَلق
بأرجائه
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {يَوْم ترجف الراجفة} قَالَ:
النفخة الأولى {تتبعها الرادفة} قَالَ: النفخة الثَّانِيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَوْم ترجف الراجفة تتبعها
الرادفة} قَالَ: هما الصيحتان أما الأولى فتميت كل شَيْء
بِإِذن الله وَأما الأخرة فتحيي كل شَيْء بِإِذن الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَول الله
{يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} قَالَ: هما النفختان أما
الأولى فتميت الْأَحْيَاء وَأما الثَّانِيَة فتحيي الْمَوْتَى
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة (وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي
السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ نفخ
فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ) (سُورَة الزمر الْآيَة
68)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قُلُوب
يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: وَجلة متحركة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {قُلُوب
يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: خائفة
(8/406)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: وَجلة وَفِي قَوْله:
{أئنا لمردودون فِي الحافرة} قَالَ: الأَرْض نبعث خلقا جَدِيدا
{أئذا كُنَّا عظاماً نخرة} قَالَ: مدقوقة
وَأخرج عبد بن حميد ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: وجفت مِمَّا عَايَنت {أبصارها
خاشعة} قَالَ: ذليلة {يَقُولُونَ أئنا لمردودون فِي الحافرة}
أننا لمبعوثون خلقا جَدِيدا إِذا متْنا تَكْذِيبًا بِالْبَعْثِ
{أئذا كُنَّا عظاماً نخرة} قَالَ: بالية
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {أئنا لمردودون فِي
الحافرة} قَالَ: خلقا جَدِيدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {أئنا لمردودون فِي الحافرة}
قَالَ: الْحَيَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {أئنا لمردودون فِي الحافرة
أئذا كُنَّا عظاماً نخرة} قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ
كفار قُرَيْش: لَئِن حيينا بعد الْمَوْت لنحشرن فَنزلت {تِلْكَ
إِذا كرة خاسرة}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن عمر بن الْخطاب
أَنه كَانَ يقْرَأ / أئذا كُنَّا عظاماً ناخرة / بِأَلف
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ ناخرة
بِالْألف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا
الْحَرْف إئذا كُنَّا عظاماً ناخرة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ:
سَمِعت ابْن الزبير يقْرؤهَا عظاماً ناخرة فَذكرت ذَلِك
لِابْنِ عَبَّاس فَقَالَ: أوليس كَذَلِك وَأخرج سعيد بن
مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طرق ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ الَّتِي فِي النازعات ناخرة بِالْألف
وَقَالَ: بالية
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ
وَعِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنهم كَانُوا يقرؤون
ناخرة بِالْألف
وَأخرج الْفراء عَن ابْن الزبير أَنه قَالَ على الْمِنْبَر:
مَا بَال صبيان يقرؤون {نخرة} إِنَّمَا هِيَ ناخرة
(8/407)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك عظاماً
ناخرة قَالَ: بالية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الناخرة الْعظم
يبْلى فَتدخل الرّيح فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {قَالُوا
تِلْكَ إِذا كرة خاسرة} قَالَ: إِن خلقنَا خلقا جَدِيدا لنرجعن
إِلَى الخسران وَفِي قَوْله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة
وَاحِدَة} قَالَ: صَيْحَة {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ:
الْمَكَان المستوي فِي الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قَالُوا تِلْكَ
إِذا كرة خاسرة} قَالَ: رَجْعَة خاسرة
قَالَ: فَلَمَّا تبَاعد الْبَعْث فِي أنفس الْقَوْم قَالَ
الله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذا هم بالساهرة}
قَالَ: فَإِذا هم على ظهر الأَرْض بعد أَن كَانُوا فِي جوفها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانُوا فِي بطن
الأَرْض ثمَّ صَارُوا على ظهرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَالشعْبِيّ مثله
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْأَنْبَارِي فِي
الْوَقْف والابتداء وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {فَإِذا هم
بالساهرة} قَالَ: الأَرْض كلهَا ساهرة
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: وفيهَا
لحم ساهرة وبحر وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: الساهرة وَجه الأَرْض
وَفِي لفظ قَالَ: الأَرْض كلهَا ساهرة أَلا ترى الشَّاعِر
يَقُول: صيد بَحر وصيد ساهرة وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد عَن الشّعبِيّ {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: إِذا هم
بِالْأَرْضِ ثمَّ تمثل بِبَيْت أُميَّة بن أبي الصَّلْت:
وفيهَا لحم ساهرة وبحر وَمَا فاهوا بِهِ أبدا مُقيم وَأخرج عبد
بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ:
بِالْأَرْضِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ:
بِالْأَرْضِ كَانُوا بأسفلها فأخرجوا إِلَى أَعْلَاهَا
(8/408)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي
قَوْله: {بالساهرة} قَالَ: تسمى الأَرْض ساهرة بني فلَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سهل بن سعد
السَّاعِدِيّ {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: أَرض بَيْضَاء عفراء
كالخبزة من النقى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه
قَالَ: الساهرة جبل إِلَى جنب بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِذا هم بالساهرة}
قَالَ: فِي جَهَنَّم
الْآيَة 15 - 26
(8/409)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ
طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى
رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)
فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ
فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {اذْهَبْ
إِلَى فِرْعَوْن إِنَّه طَغى} قَالَ: عصى وَفِي قَوْله:
{فَأرَاهُ الْآيَة الْكُبْرَى} قَالَ: عَصَاهُ وَيَده وَفِي
قَوْله: {ثمَّ أدبر يسْعَى} قَالَ: يعْمل بِالْفَسَادِ وَفِي
قَوْله: {فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ:
الأولى مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي وَالْآخِرَة قَوْله::
أَنا ربكُم الْأَعْلَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{فَأرَاهُ الْآيَة الْكُبْرَى} قَالَ: عَصَاهُ وَيَده وَفِي
قَوْله: {فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ:
صابته عُقُوبَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن صَخْر بن
جوَيْرِية قَالَ: لما بعث الله مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ:
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن إِنَّه طَغى} إِلَى قَوْله: {وأهديك
إِلَى رَبك فتخشى} وَلنْ يَفْعَله فَقَالَ مُوسَى: يَا رب
كَيفَ أذهب إِلَيْهِ وَقد علمت أَنه لَا يفعل فَأوحى الله
إِلَيْهِ أَن امْضِ إِلَى مَا أمرت بِهِ فَإِن فِي السَّمَاء
اثْنَي عشر ألف ملك يطْلبُونَ علم الْقدر فَلم يبلغوه وَلم
يدركوه
(8/409)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة فِي قَوْله: {هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} قَالَ: هَل
لَك إِلَى أَن تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {هَل لَك إِلَى أَن
تزكّى} قَالَ: إِلَى أَن تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {هَل لَك
إِلَى أَن تزكّى} قَالَ: إِلَى أَن تخلص وَفِي قَوْله: {ثمَّ
أدبر يسْعَى} قَالَ: لَيْسَ بالشد يعْمل بِالْفَسَادِ والمعاصي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع فِي قَوْله: {ثمَّ أدبر
يسْعَى} قَالَ: أدبر عَن الْحق وسعى يجمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا
فِرْعَوْن هَل لَك فِي أَن أُعْطِيك شبابك لَا تهرم وملكك لَا
ينْزع مِنْك وَترد إِلَيْك لَذَّة المناكح والمشارب
وَالرُّكُوب وَإِذا مت دخلت الْجنَّة وتؤمن بِي فَوَقَعت فِي
نَفسه هَذِه الْكَلِمَات وَهِي اللينات قَالَ: كَمَا أَنْت
حَتَّى يَأْتِي هامان فَلَمَّا جَاءَ هامان أخبرهُ فعجزه هامان
وَقَالَ تصير تعبد إِذا كنت رَبًّا تُعْبَدُ فَذَلِك حِين خرج
عَلَيْهِم فَقَالَ لِقَوْمِهِ وجمعهم {أَنا ربكُم الْأَعْلَى}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأَخذه الله
نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ: بقوله: {أَنا ربكُم
الْأَعْلَى} وَالْأولَى قَوْله: مَا علمت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ {فَأَخذه الله نكال
الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ: هما كلمتاه الأولى (مَا علمت لكم
من إِلَه غَيْرِي) (سُورَة الْقَصَص الْآيَة 38) وَالْأُخْرَى
{أَنا ربكُم الْأَعْلَى} وَكَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو
قَالَ: بَين كلمتيه أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن خَيْثَمَة قَالَ:
كَانَ بَين قَول فِرْعَوْن (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي)
وَقَوله: {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} أَرْبَعُونَ سنة
الْآيَة 27 - 46
(8/410)
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ
خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا
فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
(29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ
مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا
(32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ
الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ
مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ
ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا
أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا
(46)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {رفع سمكها} قَالَ: بناها {وأغطش
لَيْلهَا} قَالَ: أظلم لَيْلهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رفع سمكها} قَالَ: رفع بنيانها
بِغَيْر عمد {وأغطش لَيْلهَا} قَالَ: أظلم لَيْلهَا {وَأخرج
ضحاها} قَالَ: ابرزه {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ:
بسطها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {رفع سمكها} قَالَ: رفع بنيانها {وأغطش
لَيْلهَا} قَالَ: أظلم لَيْلهَا {وَأخرج ضحاها} قَالَ: نور
ضوئها {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: بسطها {وَالْجِبَال
أرساها} قَالَ: أثبتها بهَا أَن تميد بِأَهْلِهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس {وأغطش لَيْلهَا} قَالَ: الْعشَاء {وَأخرج ضحاها}
قَالَ: الشَّمْس
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وأغطش لَيْلهَا}
قَالَ: أظلم لَيْلهَا {وَأخرج ضحاها} قَالَ: أخرج نَهَارهَا
(8/411)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: مَعَ ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن
رجلا قَالَ لَهُ: آيتان فِي كتاب الله تخَالف إِحْدَاهمَا
الْأُخْرَى فَقَالَ: إِنَّمَا أتيت من قبل رَأْيك اقْرَأ (قل
أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ) (سُورَة
فصلت الْآيَة 9) حَتَّى بلغ (ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء
وَهِي دُخان) (سُورَة فصلت الْآيَة 41) وَقَوله: {وَالْأَرْض
بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: خلق الأَرْض قبل أَن يخلق السَّمَاء
ثمَّ خلق السَّمَاء ثمَّ دحا بعد مَا خلق السَّمَاء وَإِنَّمَا
قَوْله: دحاها بسطها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ {وَالْأَرْض
بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: دحيت من مَكَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {أخرج
مِنْهَا ماءها} قَالَ: فجر مِنْهَا الْأَنْهَار {ومرعاها}
قَالَ: مَا خلق الله من نَبَات أَو شَيْء
وَأخرج ابْن بِي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي {دحاها} قَالَ:
دحيها أَن أخرج مِنْهَا المَاء والمرعى وشقق فِيهَا
الْأَنْهَار وَجعل فِيهَا الْجبَال والرمال والسبل والآكام
وَمَا بَينهمَا فِي يَوْمَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَتَاعا
لكم} قَالَ: مَنْفَعَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: بَلغنِي أَن الأَرْض دحيت
دحياً من تَحت الْكَعْبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عليّ قَالَ: صلى بِنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا
قضى صلَاته رفع رَأسه فَقَالَ: تبَارك رافعها ومدبرها ثمَّ رمى
ببصره إِلَى الأَرْض فَقَالَ: تبَارك داحيها وخالقها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} قَالَ: الطامة من
أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْقَاسِم بن
الْوَلِيد الهمذاني فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَت الطامة
الْكُبْرَى} قَالَ: إِذا سيق أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة
وَأهل النَّار إِلَى النَّار
(8/412)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
عَن عَمْرو بن قيس الْكِنْدِيّ {فَإِذا جَاءَت الطامة
الْكُبْرَى} قَالَ: إِذا قيل اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وبرزت
الْجَحِيم لمن يرى} قَالَ: لمن ينظر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَت الطامة} قَالَ: إِذا دفعُوا
إِلَى مَالك خَازِن النَّار وَفِي قَوْله: {فَأَما من طَغى}
قَالَ: عصى وَفِي قَوْله: {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة
أَيَّانَ مرْسَاها} قَالَ: حينها {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا}
قَالَ: السَّاعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل عَن السَّاعَة فَنزلت
{فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن مُشْركي أهل مَكَّة سَأَلُوا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: مَتى تقوم السَّاعَة
استهزاء مِنْهُم فَنزلت {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ
مرْسَاها} يَعْنِي مَتى مجيئها {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} مَا
أَنْت من علمهَا يَا مُحَمَّد {إِلَى رَبك مُنْتَهَاهَا}
يَعْنِي مُنْتَهى علمهَا {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر من يخشاها}
يَعْنِي من يخْشَى الْقِيَامَة {كَأَنَّهُمْ يَوْم يرونها}
يَعْنِي يرَوْنَ الْقِيَامَة {لم يَلْبَثُوا} فِي الدُّنْيَا
وَلم ينعموا بِشَيْء من نعيمها {إِلَّا عَشِيَّة} مَا بَين
الظّهْر إِلَى غرُوب الشَّمْس {أَو ضحاها} مَا بَين طُلُوع
الشَّمْس إِلَى نصف النَّهَار
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: مازال رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل عَن السَّاعَة حَتَّى
أنزل عَلَيْهِ {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا إِلَى رَبك
مُنْتَهَاهَا} فَلم يسْأَل عَنْهَا
وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة مُرْسلا
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَارق بن شهَاب قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر ذكر السَّاعَة
حَتَّى نزلت {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا إِلَى رَبك مُنْتَهَاهَا}
فَكف عَنْهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت
الْأَعْرَاب إِذا قدمُوا على النَّبِي
(8/413)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلُوهُ عَن
السَّاعَة فَينْظر إِلَى أحدث إِنْسَان فيهم فَيَقُول: إِن
يَعش هَذَا قرنا قَامَت عَلَيْكُم سَاعَتكُمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا يدْخل الْجنَّة من
يرجوها وَإِنَّمَا يجْتَنب النَّار من يخشاها وَإِنَّمَا يرحم
الله من يرحم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير فِي قَوْله: {إِلَى رَبك
مُنْتَهَاهَا} قَالَ: علمهَا وَفِي قَوْله: {إِلَّا عَشِيَّة}
قَالَ: من الدُّنْيَا {أَو ضحاها} قَالَ: العشية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{كَأَنَّهُمْ يَوْم يرونها} الْآيَة قَالَ: تدق الدُّنْيَا فِي
أنفس الْقَوْم حِين عاينوا أَمر الْآخِرَة
(8/414)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
80
سُورَة عبس
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: نزلت سُورَة عبس بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 16
(8/415)
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا
عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى
(8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا
إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي
صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي وَائِل: أَن
وَفد بني أَسد أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: من أَنْتُم فَقَالُوا: نَحن بَنو الزِّينَة أحلاس
الْخَيل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْتُم
بَنو رشدة فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ بن عَامر: وَالله لَا نَكُون
كبني المحوسلة وهم بَنو عبد الله بن غطفان كَانَ يُقَال لَهُم
بَنو عبد الْعُزَّى بن غطفان
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للحضرمي: هَل تقْرَأ
من الْقُرْآن شَيْئا قَالَ: نعم فَقَالَ: اقرأه فَقَرَأَ من
{عبس وَتَوَلَّى} مَا شَاءَ الله أَن يقْرَأ ثمَّ قَالَ:
وَهُوَ الَّذِي منَّ على الحبلى فَأخْرج مِنْهَا نسمَة تسْعَى
بَين شراسيف وحشا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزد فِيهَا
فَإِنَّهَا كَافِيَة
(8/415)
وَأخرج ابْن النجار عَن أنس قَالَ:
اسْتَأْذن الْعَلَاء بن يزِيد الْحَضْرَمِيّ على النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهُ فتحدثا طَويلا ثمَّ قَالَ
لَهُ: يَا عَلَاء تحسن من الْقُرْآن شَيْئا قَالَ: نعم ثمَّ
قَرَأَ عَلَيْهِ عبس حَتَّى خَتمهَا فَانْتهى إِلَى آخرهَا
وَزَاد فِي آخرهَا من عِنْده: وَهُوَ الَّذِي أخرج من الحبلى
نسمَة تسْعَى من بَين شراسيف وحشا فصاح بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَلَاء إنته فقد انْتَهَت السُّورَة
وَالله أعلم
أخرجه التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت:
أنزل سُورَة عبس وَتَوَلَّى فِي ابْن أم مَكْتُوم وَالْأَعْمَى
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يَقُول: يَا
رَسُول الله أَرْشدنِي وَعند رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رجل من عُظَمَاء الْمُشْركين فَجعل رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يعرض عَنهُ وَيقبل على الآخر وَيَقُول أَتَرَى
بِمَا أَقُول بَأْسا فَيَقُول لَا فَفِي هَذَا أنزلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مجْلِس من نَاس
من وُجُوه قُرَيْش مِنْهُم أَبُو جهل بن هِشَام وَعتبَة بن
ربيعَة فَيَقُول لَهُم أَلَيْسَ حسنا أَن جِئْت بِكَذَا
وَكَذَا فَيَقُولُونَ: بلَى وَالله فجَاء ابْن أم مَكْتُوم
وَهُوَ مشتغل بهم فَسَأَلَهُ فَأَعْرض عَنهُ فَأنْزل الله {أما
من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى وَمَا عَلَيْك أَلا يزكّى وَأما
من جَاءَك يسْعَى وَهُوَ يخْشَى فَأَنت عَنهُ تلهى} يَعْنِي
ابْن أم مَكْتُوم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى عَن أنس
قَالَ: جَاءَ ابْن أم مَكْتُوم إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يكلم أبيّ بن خلف فَأَعْرض عَنهُ
فَأنْزل الله {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} فَكَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك يُكرمهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَاجِي عتبَة بن
ربيعَة وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَأَبا جهل بن هِشَام
وَكَانَ يتَصَدَّى لَهُم كثيرا ويحرص أَن يُؤمنُوا فَأقبل
إِلَيْهِ رجل أعمى يُقَال لَهُ عبد الله بن أم مَكْتُوم يمشي
وَهُوَ يُنَاجِيهِمْ فَجعل عبد الله يَسْتَقْرِئ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة من الْقُرْآن
قَالَ يَا رَسُول الله: عَلمنِي مِمَّا علمك الله فَأَعْرض
عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَبس فِي وَجهه
وَتَوَلَّى وَكره كَلَامه وَأَقْبل على الآخرين
فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَجوَاهُ
وَأخذ يَنْقَلِب إِلَى أَهله أمسك الله بِبَعْض بَصَره ثمَّ
خَفق بِرَأْسِهِ ثمَّ أنزل الله {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ
الْأَعْمَى} فَلَمَّا نزل فِيهِ مَا نزل أكْرمه نَبِي الله
وَكَلمه يَقُول لَهُ: مَا حَاجَتك هَل تُرِيدُ من شَيْء
(8/416)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {عبس وَتَوَلَّى}
قَالَ: جَاءَهُ عبد الله بن أم مَكْتُوم فعبس فِي وَجهه
وَتَوَلَّى وَكَانَ يتَصَدَّى لأمية بن خلف فَقَالَ الله: {أما
من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الحكم قَالَ: مَا رُؤِيَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذِه الْآيَة متصدياً
لَغَنِيّ وَلَا معرضًا عَن فَقير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: لَو أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتم شَيْئا من الْوَحْي كتم
هَذَا عَن نَفسه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة
قَالَ: أقبل ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى وَهُوَ الَّذِي نزل
فِيهِ {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} فَقَالَ يَا
رَسُول الله: كَمَا ترى قد كَبرت سني ورق عظمي وَذهب بَصرِي
ولي قَائِد لَا يلائمني قياده إيَّايَ فَهَل تَجِد لي من رخصَة
أُصَلِّي الصَّلَوَات الْخمس فِي بَيْتِي قَالَ هَل تسمع
الْمُؤَذّن قَالَ: نعم قَالَ: مَا أجد لَك من رخصَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن عجْرَة: إِن الْأَعْمَى
الَّذِي أنزل الله فِيهِ {عبس وَتَوَلَّى} أَتَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع
النداء ولعلي لَا أجد قائداً فَقَالَ: إِذا سَمِعت النداء فأجب
دَاعِي الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} قَالَ: رجل من بَين فهر اسْمه عبد
الله بن أم مَكْتُوم {أما من اسْتغنى} عتبَة بن ربيعَة وأميه
بن خلف
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله:
{عبس وَتَوَلَّى} قَالَ: هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَقِي رجلا من أَشْرَاف قُرَيْش فَدَعَاهُ إِلَى
الْإِسْلَام فَأَتَاهُ عبد الله بن أم مَكْتُوم فَجعل يسْأَله
عَن أَشْيَاء من أَمر الإِسلام فعبس فِي وَجهه فَعَاتَبَهُ
الله فِي ذَلِك فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة دَعَا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أم مَكْتُوم فَأكْرمه واستخلفه
على الْمَدِينَة مرَّتَيْنِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه فِي شعب الإِيمان
عَن مَسْرُوق قَالَ: دخلت على عَائِشَة وَعِنْدهَا رجل مكفوف
تقطع لَهُ الأتراج وتطعمه إِيَّاه بالعسل فَقلت: من هَذَا يَا
أم الْمُؤمنِينَ فَقَالَت: هَذَا ابْن أم مَكْتُوم الَّذِي
عَاتب الله فِيهِ نبيه
(8/417)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: أَتَى
نَبِي الله وَعِنْده عتبَة وَشَيْبَة فَأقبل رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا فَنزلت {عبس وَتَوَلَّى أَن
جَاءَهُ الْأَعْمَى} ابْن أم مَكْتُوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مستخلياً بصنديد من صَنَادِيد قُرَيْش
وَهُوَ يَدعُوهُ إِلَى الله وَهُوَ يَرْجُو أَن يسلم إِذا أقبل
عبد الله بن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره مَجِيئه وَقَالَ فِي نَفسه:
يَقُول هَذَا الْقرشِي إِنَّمَا أَتْبَاعه العميان والسفلة
وَالْعَبِيد فعبس فَنزل الْوَحْي {عبس وَتَوَلَّى} إِلَى آخر
الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فِي صحف
مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة} قَالَ: هِيَ عِنْد الله {بأيدي سفرة}
قَالَ: هِيَ الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {بأيدي
سفرة} قَالَ: كتبة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه
{بأيدي سفرة كرام بررة} قَالَ: هم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: السفرة الكتبة من
الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بأيدي سفرة} قَالَ: كتبة
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
{سفرة} قَالَ: بالنبطية الْقُرَّاء
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كرام بررة}
قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج أَحْمد وَالْأَئِمَّة السِّتَّة عَن عَائِشَة قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يقْرَأ
الْقُرْآن وَهُوَ ماهر بِهِ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة
وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ
وَالله أعلم
الْآيَة 17 - 31
(8/418)
قُتِلَ الْإِنْسَانُ
مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ
نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ
يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا
شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا
صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ
شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا
وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ
غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ
وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي
قَوْله: {قتل الإِنسان مَا أكفره} قَالَ: نزلت فِي عتبَة بن
أبي لَهب حِين قَالَ: كفرت بِرَبّ النَّجْم إِذا هوى فَدَعَا
عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذه الْأسد
بطرِيق الشَّام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا كَانَ فِي
الْقُرْآن قتل الإِنسان إِنَّمَا عني بِهِ الْكَافِر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {مَا أكفره} قَالَ: مَا
أَشد كفره وَفِي قَوْله: {فقدره} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة
ثمَّ مُضْغَة ثمَّ كَذَا ثمَّ كَذَا ثمَّ كَذَا ثمَّ انْتهى
خلقه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي
قَوْله: {خلقه فقدره} قَالَ: قدره فِي رحم أمه كَيفَ شَاءَ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {ثمَّ السَّبِيل يسره} يَعْنِي بذلك خُرُوجه من بطن
أمه يسره لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {ثمَّ السَّبِيل يسره}
قَالَ: خُرُوجه من الرَّحِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {ثمَّ
السَّبِيل يسره} قَالَ: خُرُوجه من بطن أمه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {ثمَّ السَّبِيل يسره}
قَالَ: خُرُوجه من الرَّحِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{ثمَّ السَّبِيل يسره} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (إِنَّا هديناه
السَّبِيل إِمَّا شَاكر وَإِمَّا كفورا) (سُورَة الْإِنْسَان
الْآيَة 3) الشَّقَاء والسعادة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ قَالَ: قَرَأت فِي التَّوْرَاة أَو قَالَ فِي مصحف
إِبْرَاهِيم فَوجدت فِيهَا: يَقُول الله يَا ابْن آدم مَا
أنصفتني خلقتك وَلم تَكُ شَيْئا وجعلتك بشرا سوياً وخلقتك من
سلالة من طين ثمَّ جعلتك نُطْفَة فِي قَرَار مكين ثمَّ خلقت
النُّطْفَة علقَة فخلقت الْعلقَة مُضْغَة
(8/419)
فخلقت المضغة عظاماً فكسوت الْعِظَام
لَحْمًا ثمَّ أنشأناك خلقا آخر
يَا ابْن آدم هَل يقدر على ذَلِك غَيْرِي ثمَّ خففت ثقلك على
أمك حَتَّى لَا تتمرض بك وَلَا تتأذى ثمَّ أوحيت إِلَى الأمعاء
أَن اتسعي وَإِلَى الْجَوَارِح أَن تفرق فاتسعت الأمعاء من بعد
ضيقها وَتَفَرَّقَتْ الْجَوَارِح من بعد تشبيكها ثمَّ أوحيت
إِلَى الْملك الْمُوكل بالأرحام أَن يخْرجك من بطن أمك
فاستخلصتك على ريشة من جنَاحه فاطلعت عَلَيْك فَإِذا أَنْت خلق
ضَعِيف لَيْسَ لَك سنّ يقطع وَلَا ضرس يطحن فاستخلصت لَك فِي
صدر أمك عرقاً يدر لَك لَبَنًا بَارِدًا فِي الصَّيف حاراً فِي
الشتَاء واستخلصته لَك من بَين جلد وَلحم وَدم وعروق ثمَّ قذفت
لَك فِي قلب والدتك الرَّحْمَة وَفِي قلب أَبِيك التحنن فهما
يكدان ويجهدان ويربيانك ويغذيانك وَلَا ينامان حَتَّى ينوماك
ابْن آدم: أَنا فعلت ذَلِك بك لَا لشَيْء استأهلته بِهِ مني
أَو لحَاجَة استعنت على قَضَائهَا
ابْن آدم فَلَمَّا قطع سنك ووطحن ضرسك أطعمتك فَاكِهَة الصَّيف
فِي أوانها وَفَاكِهَة الشتَاء فِي أوانها فَلَمَّا أَن عرفت
أَنِّي رَبك عَصَيْتنِي فَالْآن إِذا عَصَيْتنِي فادعني
فَإِنِّي قريب مُجيب وادعني فَإِنِّي غَفُور رَحِيم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله: {لما يقْض مَا أمره} قَالَ: لَا يقْضِي
أحد أبدا كل مَا افْترض عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله:
{فَلْينْظر الإِنسان إِلَى طَعَامه} قَالَ: إِلَى مدخله ومخرجه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّوَاضُع من طَرِيق
الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {فَلْينْظر
الإِنسان إِلَى طَعَامه} قَالَ: إِلَى خرئه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {فَلْينْظر
الإِنسان إِلَى طَعَامه} قَالَ: ملك يثني رَقَبَة ابْن آدم
إِذا جلس على الْخَلَاء لينْظر مَا يخرج مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي قلَابَة قَالَ:
مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة يَا ابْن آدم انْظُر إِلَى مَا بخلت
بِهِ إِلَى مَا صَار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن بشير بن كَعْب أَنه كَانَ يَقُول
لأَصْحَابه إِذا فرغ من حَدِيثه: انْطَلقُوا حَتَّى أريكم
الدُّنْيَا فَيَجِيء فيقف على مزبلة فَيَقُول: انْظُرُوا إِلَى
عسلهم وَإِلَى سمنهم وَإِلَى بطنهم وَإِلَى دجاجهم إِلَى مَا
صَار
(8/420)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
{إِنَّا صببنا المَاء صبا} قَالَ: الْمَطَر {ثمَّ شققنا
الأَرْض شقاً} عَن النَّبَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {وَقَضْبًا} قَالَ: الفصفصة
يَعْنِي القت {وَحَدَائِق غلبا} قَالَ: طوال {وَفَاكِهَة
وَأَبا} قَالَ: الثمارالرطبة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: الحدائق كل ملتف والغلب مَا غلظ وَالْأَب
مَا أنبت الأَرْض مِمَّا يَأْكُلهُ وَالدَّوَاب وَلَا
يَأْكُلهُ النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَحَدَائِق
غلبا} قَالَ: ملتفة {وَفَاكِهَة} وَهُوَ مَا أكل النا س
{وَأَبا} مَا أكلت الْأَنْعَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: الغب
الْكِرَام من النّخل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {غلبا}
قَالَ: غلاظاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عنابن عَبَّاس
{وَحَدَائِق غلبا} قَالَ: شجر فِي الْجنَّة يستظل بِهِ لَا
يحمل مِنْهُ شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَب
الْحَشِيش للبهائم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: الْأَب الْكلأ والمرعى
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَأَبا} قَالَ: الْأَب مَا
يعتلف مِنْهُ الدَّوَابّ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ نعم أما سَمِعت قَول
الشَّاعِر: ترى بِهِ الْأَب واليقطين مختلطاً على الشَّرِيعَة
يجْرِي تحتهَا العذب وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن
حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بكر
الصّديق رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله: {أَبَا} فَقَالَ: أَي
سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِذا قلت فِي كتاب الله
مَال لَا أعلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن سعد وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان والخطيب وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن عمر قَرَأَ
على الْمِنْبَر {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حبا وَعِنَبًا
وَقَضْبًا} إِلَى قَوْله: {وَأَبا} قَالَ: كل هَذَا قد
عَرفْنَاهُ فَمَا الْأَب ثمَّ رفع عَصا كَانَت فِي يَده
فَقَالَ: هَذَا لعمر الله هُوَ التَّكَلُّف
(8/421)
فَمَا عَلَيْك أَن لَا تَدْرِي مَا الْأَب
اتبعُوا مَا بَين لكم هداه من الْكتاب فاعملوا بِهِ
وَمَا لم تعرفوه فكلوه إِلَى ربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: الحدائق
الْبَسَاتِين والغلب مَا غلظ من الشّجر وَالْأَب العشب
{مَتَاعا لكم ولأنعامكم} قَالَ: الْفَاكِهَة لكم والعشب
لأنعامكم
وَأخرج عبد بن حميد {وَقَضْبًا} قَالَ: الفصافص {وَحَدَائِق
غلبا} النّخل الْكِرَام {وَفَاكِهَة} لكم {وَأَبا} لأنعامكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ {غلبا} مشقة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْفَاكِهَة الَّتِي
يأكلها بَنو آدم وَالْأَب المرعى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْفَاكِهَة مَا
تَأْكُل النَّاس {وَأَبا} مَا تَأْكُل الدَّوَابّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: مَا طب واحلولى فلكم
وَالْأَب لأنعامكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَأَبا} قَالَ: الْكلأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي رزين {وَفَاكِهَة وَأَبا} قَالَ:
النَّبَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: الْأَب الْكلأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: الأبّ هُوَ التِّبْن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء ينْبت على
الأَرْض فَهُوَ الْأَب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد أَن رجلا
سَأَلَ عمر عَن قَوْله: {وَأَبا} فَلَمَّا رَآهُمْ يَقُولُونَ
أقبل عَلَيْهِم بِالدرةِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن
أنس قَالَ: قَرَأَ عمر {وَفَاكِهَة وَأَبا} فَقَالَ: هَذِه
الْفَاكِهَة قد عرفناها فَمَا الْأَب ثمَّ قَالَ: مَه نهينَا
عَن التَّكَلُّف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي وَائِل أَن عمر سُئِلَ عَن
قَوْله: {وَأَبا} مَا الْأَب ثمَّ قَالَ: مَا كلفنا هَذَا أَو
مَا أمرنَا بِهَذَا
(8/422)
الْآيَة 33 - 42
(8/423)
فَإِذَا جَاءَتِ
الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ
(39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ
الْفَجَرَةُ (42)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق
عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصاخة من أَسمَاء يَوْم
الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تحشرون حُفَاة عُرَاة
غرلًا فَقَالَت زَوجته: أينظر بَعْضنَا إِلَى عُرْوَة بعض
فَقَالَ: يَا فُلَانَة {لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن
يُغْنِيه}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن سَوْدَة بنت زَمعَة قَالَت: قَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْعَث النَّاس حفة عُرَاة
غرلًا قد ألجمهم الْعرق وَبلغ شحوم الآذان قلت يَا رَسُول
الله: واسوأتاه ينظر بَعْضنَا إِلَى بعض قَالَ: شغل النَّاس
عَن ذَلِك وتلا {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ
وصاحبته وبنيه لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مشَاة
حُفَاة غرلًا
قيل يَا رَسُول الله ينظر الرِّجَال إِلَى النِّسَاء فَقَالَ:
{لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن أم
سَلمَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عُرَاة حُفَاة فَقلت يَا
رَسُول الله: واسوأتاه ينظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَقَالَ: شغل
النَّاس
قلت: مَا شغلهمْ قَالَ: نشر الصحائف فِيهَا مَثَاقِيل الذَّر
وَمَثَاقِيل الْخَرْدَل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: يبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة غرلًا
قلت يَا رَسُول الله: فَكيف بالعورات قَالَ: {لكل امْرِئ
مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه}
(8/423)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ:
إِن أول من يفر يَوْم الْقِيَامَة من أَبِيه إِبْرَاهِيم وَأول
من يفر من أمه إِبْرَاهِيم وَأول من يفر من ابْنه نوح وَأول من
يفر من أَخِيه هابيل وَأول من يفر من صاحبته نوح وَلُوط وتلا
هَذِه الْآيَة {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ
وصاحبته وبنيه} فيرون أَن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ:
لَيْسَ شَيْء أَشد على الإِنسان يَوْم الْقِيَامَة من أَن يرى
من يعرفهُ مَخَافَة أَن يكون يَطْلُبهُ بمظلمة ثمَّ قَرَأَ
{يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مسفرة} قَالَ: مشرقة وَفِي قَوْله:
{ترهقها قترة} قَالَ: تغشاها شدَّة وذلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن
ابْن عَبَّاس {قترة} قَالَ: سَواد الْوُجُوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن
أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يلجم الْكَافِر الْعرق ثمَّ تقع الغبرة على وُجُوههم
فَهُوَ قَوْله: {ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة}
(8/424)
|