الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
75
سُورَة الْقِيَامَة
مَكِّيَّة وآياتها أَرْبَعُونَ
الْآيَة 1 - 13
(8/342)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ
(2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ
يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ
أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ
(7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
(9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا
قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْقِيَامَة وَفِي لفظ: نزلت {لَا
أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت
سُورَة {لَا أقسم} بِمَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ:
حَدثنَا أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: من سَأَلَ عَن يَوْم
الْقِيَامَة فليقرأ هَذِه السُّورَة وَالله أعلم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي
قَوْله: {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} يَقُول: أقسم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {لَا
أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يقسم رَبك بِمَا شَاءَ من
خلقه قلت: {وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوّامة} قَالَ: من النَّفس
الملومة
قلت: {أيحسب الْإِنْسَان ألن نجمع عِظَامه بلَى قَادِرين على
أَن نسوي بنانه} قَالَ: لَو شَاءَ لجعله خفاً أَو حافراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {لَا أقسم
بِيَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يقسم الله بِمَا شَاءَ من خلقه
{وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوّامة} الْفَاجِرَة قَالَ: يقسم
بهَا
(8/342)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بِالنَّفسِ
اللوّامة} قَالَ: المذمومة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
{بِالنَّفسِ اللوامة} قَالَ: الَّتِي تلوم على الْخَيْر
وَالشَّر تَقول لَو فعلت كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {بِالنَّفسِ اللوامة}
قَالَ: تندم على مَا فَاتَ وتلوم عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {بِالنَّفسِ
اللوامة} قَالَ: تندم على مَا فَاتَ وتلوم عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي محاسبة النَّفس
عَن الْحسن {وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوامة} قَالَ: إِن
الْمُؤمن لَا ترَاهُ إِلَّا يلوم نَفسه مَا أردْت بكلمتي مَا
أردْت بأكلتي مَا أردْت بحديثي نَفسِي وَلَا أرَاهُ إِلَّا
يعاتبها وَإِن الْفَاجِر يمْضِي قدماً لَا يُعَاتب نَفسه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس {بلَى قَادِرين على
أَن نسوي بنانه} قَالَ: نَجْعَلهَا كفا لَيْسَ فِيهِ أَصَابِع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس {بلَى قَادِرين على أَن نسوي بنانه} قَالَ: لَو
شَاءَ لجعله كخف الْبَعِير أَو كحافر الْحمار وَلَكِن جعله
الله خلقا سوياً حسنا جميلاً تقبض بِهِ وتبسط بِهِ يَا ابْن
آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {على أَن نسوي
بنانه} قَالَ: يَجْعَل رجلَيْهِ كخف الْبَعِير فَلَا يعْمل
بهَا شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {على أَن نسوي بنانه} قَالَ:
إِن شَاءَ رده مثل خف الْبَعِير حَتَّى لَا ينْتَفع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {على أَن
نسوي بنانه} قَالَ: يَجْعَل رجلَيْهِ كخف الْبَعِير فَلَا
يعْمل بهما شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {على أَن نسوي بنانه} قَالَ:
إِن شَاءَ رده مثل خف الْجمل حَتَّى لَا ينْتَفع بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {على أَن نسوي بنانه}
قَالَ: على أَن نجْعَل يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ مثل خف الْبَعِير
(8/343)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {بلَى
قَادِرين على أَن نسوي بنانه} فَقَالَ: إِن الله أعف مطعم ابْن
آدم وَلم يَجعله خفاً وَلَا حافراً فَهُوَ يَأْكُل بيدَيْهِ
فيتقي بهَا وَسَائِر الدَّوَابّ إِنَّمَا يَتَّقِي الأَرْض
بفمه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يمْضِي
قدماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر
أَمَامه} قَالَ: هُوَ الْكَافِر يكذب بِالْحِسَابِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} يَعْنِي الأمل
يَقُول: أعمل ثمَّ أَتُوب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الأمل وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان عَن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {بل يُرِيد
الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يقدم الذَّنب وَيُؤَخر
التَّوْبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
{بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يمْضِي أَمَامه
رَاكِبًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {بل يُرِيد
الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يمشي قدماً فِي معاصي الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
{بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: لَا تلقى ابْن آدم
إِلَّا تنْزع نَفسه إِلَى مَعْصِيّة الله قدماً قدماً إِلَّا
من عصم الله وَفِي قَوْله: {يسْأَل أَيَّانَ يَوْم
الْقِيَامَة} يَقُول: مَتى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يَقُول
سَوف أَتُوب {يسْأَل أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ:
يَقُول مَتى يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ: فَبين لَهُ {فَإِذا برق الْبَصَر} وَأخرج ابْن جرير عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَإِذا برق الْبَصَر} يَعْنِي
الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَإِذا برق
الْبَصَر} يَعْنِي الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِذا برق الْبَصَر} قَالَ: شخص
الْبَصَر {وَخسف الْقَمَر} يَقُول: ذهب ضوءه
(8/344)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَإِذا برق الْبَصَر}
قَالَ: عِنْد الْمَوْت {وَخسف الْقَمَر وَجمع الشَّمْس
وَالْقَمَر} قَالَ: كورا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله:
{وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} قَالَ: كورا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن يسَار فِي
قَوْله: {وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} قَالَ: يجمعان يَوْم
الْقِيَامَة ثمَّ يقذفان فِي الْبَحْر فَيكون نَار الله
الْكُبْرَى
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد
الله بن خَالِد قَالَ: قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس {أَيْن المفر}
بِنصب الْمِيم وَكسر الْفَاء
قَالَ: وَقرأَهَا يحيى بن وثاب {أَيْن المفر} بِنصب الْمِيم
وَالْفَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب
الْأَهْوَال وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا وزر} قَالَ: لَا حصن
وَلَا ملْجأ وَفِي لفظ لَا حرز وَفِي لفظ لَا جبل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {لَا وزر} قَالَ: الْوزر
الملجأ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عَمْرو بن كُلْثُوم وَهُوَ يَقُول: لعمرك مَا إِن
لَهُ صَخْرَة لعمرك مَا إِن لَهُ من وزر وَأخرج عبد بن حميد
وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَهْوَال وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {لَا وزر}
قَالَ: لَا حصن
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وعطية وَأبي قلَابَة
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {كلا لَا وزر}
قَالَ: كَانَت الْعَرَب إِذا نزل بهم الْأَمر الشَّديد
قَالُوا: الْوزر الْوَزير فَلَمَّا أَن جَاءَ الله بالإِسلام
قَالَ: {كلا لَا وزر} قَالَ: لَا جبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ
الرجل يكون فِي مَاشِيَته فَتَأْتِيه الْخَيل بَغْتَة فَيَقُول
لَهُ صَاحبه: الْوزر الْوَزير أَي أقصد الْجَبَل فتحصن بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا
وزر} قَالَ: لَا جبل
(8/345)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة {لَا
وزر} قَالَ: لَا غَار لَا ملْجأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {لَا وزر} قَالَ: لَا جبل
محرزة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا وزر} قَالَ:
لَا وزر يَعْنِي الْجَبَل بلغَة حمير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جريرعن مطرف {لَا وزر} قَالَ: لَا
جبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ {لَا وزر}
قَالَ: لَا جبل وَلَا حرز وَلَا ملْجأ وَلَا منجى {إِلَى رَبك
يَوْمئِذٍ المستقر} قَالَ: الْمُنْتَهى {ينبأ الإِنسان
يَوْمئِذٍ بِمَا قدم} قَالَ: من طَاعَة الله {وَأخر} قَالَ:
وَمَا ضيع من حق الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
وَإِبْرَاهِيم {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر}
قَالَ: بِأول عمله وَآخره
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: بِمَا
قدم من الذُّنُوب وَالشَّر والخطايا وَمَا أخر من الْخَيْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {ينبأ الإِنسان
يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} بِمَا قدم من عمله وَمَا أخر من
سنة عمل بهَا من بعده من خير أَو شَرّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} قَالَ: بِمَا عمل
قبل مَوته وَمَا يسن فَعمل بِهِ بعد مَوته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {ينبأ
الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} قَالَ: قدم من حَسَنَة
أَو أخر من سنة حَسَنَة عمل بهَا بعده علما علمه صَدَقَة أَمر
بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ينبأ الإِنسان
يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} يَقُول: بِمَا قدم من الْمعْصِيَة
وَأخر من الطَّاعَة فينبأ بذلك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المحتضرين عَن الْحسن فِي
قَوْله: {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} قَالَ:
ينزل ملك الْمَوْت عَلَيْهِ مَعَ حفظَة فَيعرض عَلَيْهِ
الْخَيْر وَالشَّر فَإِذا رأى حَسَنَة هش وأشرق وَإِذا رأى
سَيِّئَة غض وقطب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُجَاهِد قَالَ: بلغنَا أَن
نفس الْمُؤمن لَا تخرج حَتَّى يعرض عَلَيْهِ عمله خَيره وشره
(8/346)
الْآيَة 14 - 19
(8/347)
بَلِ الْإِنْسَانُ
عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
(15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
(19)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر من طَرِيق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بل
الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ: الإِنسان شَهِيد على
نَفسه وَحده {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: وَلَو اعتذر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ:
شَاهد عَلَيْهَا بعملها {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: وَاعْتذر
يَوْمئِذٍ بباطل لم يقبل الله ذَلِك مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
{على نَفسه بَصِيرَة وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: لَو جادل
عَنْهَا هُوَ بَصِير عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَلَو ألْقى معاذيره}
قَالَ: حجَّته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمرَان
بن جُبَير قَالَ: قلت لعكرمة: {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة
وَلَو ألْقى معاذيره} فَسكت وَكَانَ يستاك فَقلت: إِن الْحسن
قَالَ: يَا ابْن آدم عَمَلك أَحَق بك قَالَ: صدقت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بل
الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ: إِذا شِئْت رَأَيْته
بَصيرًا بعيون النَّاس غافلاً عَن عَيبه قَالَ: وَكَانَ يُقَال
فِي الإِنجيل: مَكْتُوب يَا ابْن آدم أتبصر القذاة فِي عين
أَخِيك وَلَا تبصر الجذل الْمُعْتَرض فِي عَيْنك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ: سَمعه وبصره
وَيَده وَرجلَيْهِ وجوارحه {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: وَلَو
تجرد من ثِيَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَلَو ألْقى معاذيره}
قَالَ: ستوره بلغَة أهل الْيمن
(8/347)
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي
فِي الْمَصَاحِف وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو
نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعالج من
التَّنْزِيل شدَّة وَكَانَ يُحَرك بِهِ لِسَانه وشفتيه
مَخَافَة أَن يتلفت مِنْهُ يُرِيد أَن يحفظه فَأنْزل الله {لَا
تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ إِن علينا جمعه وقرآنه} قَالَ:
يَقُول إِن علينا أَن نجمعه فِي صدرك ثمَّ تقرؤه {فَإِذا
قرأناه} يَقُول: إِذا أَنزَلْنَاهُ عَلَيْك {فَاتبع قرآنه}
فاستمع لَهُ وأنصت {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} بَينه بلسانك
وَفِي لفظ علينا أَن نقرأه فَكَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك إِذا أَتَاهُ جِبْرِيل أطرق
وَفِي لفظ اسْتمع فَإِذا ذهب قَرَأَ كَمَا وعده الله عز وَجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل
عَلَيْهِ الْقُرْآن تعجل بقرَاءَته ليحفظه فَنزلت هَذِه
الْآيَة {لَا تحرّك بِهِ لسَانك} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا يعلم ختم سُورَة حَتَّى ينزل عَلَيْهِ بِسم
الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفتر عَن
الْقُرْآن مَخَافَة أَن ينساه فَقَالَ الله: لَا تحرّك بِهِ
لسَانك {إِن علينا جمعه} أَن نجمعه لَك {وقرآنه} أَن تَقْرَأهُ
فَلَا تنسى {فَإِذا قرأناه} عَلَيْك {فَاتبع قرآنه} يَقُول:
إِذا يُتْلَى عَلَيْك فَاتبع مَا فِيهِ {ثمَّ إِن علينا
بَيَانه} يَقُول: حَلَاله وَحَرَامه فَذَلِك بَيَانه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {فَإِذا قرأناه} قَالَ: بَيناهُ {فَاتبع قرآنه}
يَقُول: اعْمَلْ بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك} قَالَ: كَانَ يستذكر
الْقُرْآن مَخَافَة النسْيَان فَقيل لَهُ: كفيناكه يَا
مُحَمَّد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {لَا تحرّك
بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} قَالَ: كَانَ نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُحَرك لِسَانه بِالْقُرْآنِ مَخَافَة
النسْيَان
فَأنْزل الله مَا تسمع {إِن علينا جمعه وقرآنه} يَقُول: إِن
علينا حفظه وتأليفه {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} يَقُول اتبع
حَلَاله واجتنب حرَامه {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} قَالَ: بَيَان
حَلَاله وَحَرَامه وطاعته ومعصيته
(8/348)
الْآيَة 20 - 25
(8/349)
كَلَّا بَلْ
تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
(23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ
يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
أخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد أَنه
كَانَ يقْرَأ / كلا بل يحبونَ العاجلة ويذرون الْآخِرَة /
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ كلا بل تحبون
العاجلة بِالتَّاءِ وتذرون الْآخِرَة بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: / كلا بل يحبونَ
العاجلة ويذرون الْآخِرَة / قَالَ: اخْتَار أَكثر النَّاس
العاجلة إِلَّا من رحم الله وعصم
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن
مَسْعُود فِي قَوْله: {كلا بل تحبون العاجلة} قَالَ: عجلت
لَهُم الدُّنْيَا سناها وَخَيرهَا وغيبت عَنْهُم الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وُجُوه
يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: ناعمة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والآجري فِي الشَّرِيعَة واللالكائي فِي
السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: يَعْنِي حسنها {إِلَى
رَبهَا ناظرة} قَالَ: نظرت إِلَى الْخَالِق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والآجري عَن مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: نضر
الله تِلْكَ الْوُجُوه وحسنها للنَّظَر إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
واللالكائي عَن مُجَاهِد {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ:
مسرورة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {وُجُوه
يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: بهجة لما هِيَ فِيهِ من النِّعْمَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وُجُوه يَوْمئِذٍ
ناضرة} قَالَ: النضارة الْبيَاض والصفاء {إِلَى رَبهَا ناظرة}
قَالَ: ناظرة إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والآجري واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن
عِكْرِمَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: ناضرة من النَّعيم
{إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر إِلَى الله نظرا
(8/349)
وَأخرج الدارقطنى والآجري واللالكائي
وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: النضرة الْحسن
نظرت إِلَى رَبهَا فنضرت بنوره
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} يَقُول:
حَسَنَة {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر إِلَى الْخَالِق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وُجُوه
يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: مسرورة {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ:
انْظُر مَا أعْطى الله عَبده من النُّور فِي عَيْنَيْهِ أَن
لَو جعل نور أعين جَمِيع خلق الله من الإِنس وَالْجِنّ
وَالدَّوَاب وكل شَيْء خلق الله فَجعل نور أَعينهم فِي عَيْني
عبد من عباده ثمَّ كشف عَن الشَّمْس سترا وَاحِدًا ودونها
سَبْعُونَ سترا مَا قدر على أَن ينظر إِلَى الشَّمْس
وَالشَّمْس جُزْء من سبعين جُزْءا من نور الْكُرْسِيّ والكرسي
جُزْء من سبعين جُزْءا من نور الْعَرْش وَالْعرش جُزْء من
سبعين جُزْءا من نور السّتْر
قَالَ عِكْرِمَة: انْظُرُوا مَاذَا أعْطى الله عَبده من
النُّور فِي عَيْنَيْهِ أَن نظر إِلَى وَجه الرب الْكَرِيم
عيَانًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وُجُوه
يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر إِلَى وَجه
رَبهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {وُجُوه
يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: ينظرُونَ إِلَى
رَبهم بِلَا كَيْفيَّة وَلَا حد مَحْدُود وَلَا صفة مَعْلُومَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر والآجري فِي الشَّرِيعَة
وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَالْحَاكِم وَابْن
مرْدَوَيْه واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن
أدنى أهل الْجنَّة منزلا لمن ينظر إِلَى جناته وأزواجه ونعيمه
وخدمه وسرره مسيرَة ألف سنة وَأكْرمهمْ على الله من ينظر إِلَى
وَجهه غدْوَة وَعَشِيَّة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: الْبيَاض
والصفاء {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر كل يَوْم فِي وَجه
الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّاس يَا رَسُول الله هَل نرى
رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هَل تضَارونَ فِي الشَّمْس
لَيْسَ دونهَا سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ يَوْم الْقِيَامَة كَذَلِك يجمع
الله النَّاس
(8/350)
فَيَقُول من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه
فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس الشَّمْس وَيتبع منكان يعبد
الْقَمَر الْقَمَر وَيتبع من كَانَ يعبد الطواغيت الطواغيت
وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا منافقوها فيأتيهم الله فِي غير
الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول: أَنا ربكُم
فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك هَذَا مَكَاننَا حَتَّى
يأتينا رَبنَا فَإِذا أَتَانَا رَبنَا عَرفْنَاهُ فيأتيهم الله
فِي الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول: أَنا ربكُم
فَيَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا فيتبعونه
وَيضْرب جسر جَهَنَّم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: فَأَكُون أول من يُجِيز وَدُعَاء الرُّسُل يَوْمئِذٍ
اللَّهُمَّ سلم سلم وَفِيه كلابيب مثل شوك السعدان غير أَنه
لَا يعلم قدر عظمتها إِلَّا الله فتخطف النَّاس بأعمالهم
مِنْهُم الموبق بِعَمَلِهِ وَمِنْهُم المخردل ثمَّ ينجو حَتَّى
إِذا فرغ الله من الْقَضَاء بَين عباده وَأَرَادَ أَن يخرج من
النَّار من أَرَادَ أَن يُخرجهُ مِمَّن كَانَ يشْهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله أَمر الْمَلَائِكَة أَن يخرجوهم فيعرفونهم
بآثار السُّجُود فيخرجونهم قد امتحشوا فَيصب عَلَيْهِم مَاء
يُقَال لَهُ مَاء الْحَيَاة فينبتون نَبَات الْحبَّة فِي جميل
السَّيْل
وَيبقى رجل مقبل بِوَجْهِهِ على النَّار فَيَقُول: يَا رب قد
قشبني رِيحهَا وأحرقني ذكاؤها فأصرف وَجْهي عَن النَّار فَلَا
يزَال يدعوا الله فَيَقُول لعَلي: إِن أَعطيتك ذَلِك
تَسْأَلنِي غَيره فَيَقُول: لَا وَعزَّتك لَا أَسأَلك غَيره
فَيصْرف وَجهه عَن النَّار ثمَّ يَقُول بعد ذَلِك: يَا رب
قربني إِلَى بَاب الْجنَّة فَيَقُول: أَلَيْسَ قد زعمت لَا
تَسْأَلنِي غَيره وَيلك يَا ابْن آدم مَا أغدرك فَلَا يزل
يَدْعُو فَيَقُول لعَلي: إِن أَعطيتك ذَلِك تَسْأَلنِي غَيره
فَيَقُول: لَا وَعزَّتك لَا أَسأَلك غَيره
فيعطي الله من عهود ومواثيق أَن لَا يسْأَله غَيره فيقربه
إِلَى بَاب الْجنَّة فَإِذا رأى مَا فِيهَا سكت مَا شَاءَ الله
أَن يسكت فَيَقُول: رب أدخلني الْجنَّة
فَيَقُول: أَلَيْسَ قد زعمت أَن لَا تَسْأَلنِي غَيره وَيلك
يَا ابْن آدم مَا أغدرك
فَيَقُول: رب لَا تجعلني أَشْقَى خلقك فَلَا يزَال يَدْعُو
حَتَّى يضْحك الله عز وَجل فَإِذا ضحك مِنْهُ أذن لَهُ فِي
الدُّخُول فِيهَا فَإِذا دخل فِيهَا قيل لَهُ: تمنّ من كَذَا
فيتمنى ثمَّ يُقَال لَهُ: تمنَّ من كَذَا فيتمنى حَتَّى
تَنْقَطِع بِهِ الْأَمَانِي فَيَقُول: هَذَا لَك وَمثله مَعَه
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَذَلِكَ الرجل آخر أهل الْجنَّة
دُخُولا الْجنَّة
قَالَ: وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ جَالس مَعَ أبي هُرَيْرَة لَا
يُغير عَلَيْهِ شَيْئا من حَدِيثه حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله:
هَذَا لَك وَمثله مَعَه
قَالَ أَبُو سعيد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: هَذَا لَك وَعشرَة أَمْثَاله قَالَ أَبُو هُرَيْرَة:
حفظت وَمثله مَعَه
(8/351)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَأَلَ النَّاس رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله: هَل نرى رَبنَا
يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر
لَيْلَة الْبَدْر لَيْسَ فِي سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول
الله قَالَ: فَهَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس عِنْد
الظهيرة لَيست فِي سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة ربكُم
عز وَجل كَمَا لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَتهمَا فَيلقى العَبْد
فَيَقُول: يَا عَبدِي ألم أكرمك ألم أسودك ألم أزَوجك ألم أسخر
لَك الْخَيل والإِبل وأتركك ترأس وتربع فَيَقُول: بلَى يَا رب
قَالَ: فاليوم أنساك مَا نسيتني ثمَّ يلقى الثَّانِي فَيَقُول:
ألم أسودك ألم أزَوجك ألم أسخر لَك الْخَيل والإِبل وأتركك
ترأس وتربع فَيَقُول: بلَى يَا رب
قَالَ: أفننت أَنَّك ملاقي قَالَ: لايارب
قَالَ: فاليوم أنساك كَمَا نسيتني
قَالَ: ثمَّ يلقى الثَّالِث فَيَقُول: مَا أَنْت فَيَقُول:
أَنا عَبدك آمَنت بك وبنبيك وبكتابك وَصمت وَصليت وتصدقت ويثني
بِخَير مَا اسْتَطَاعَ فَيُقَال لَهُ: أَلا نبعث عَلَيْك
شَاهدا فيفكر فِي نَفسه من الَّذِي يشْهد عَليّ قَالَ: فيختم
على فِيهِ وَيُقَال لفخذه انْطِقِي فينطق فَخذه ولحمه وعظمه
بِمَا كَانَ يعْمل ذَلِك الْمُنَافِق وَذَلِكَ بِعُذْر من
نَفسه وَذَلِكَ الَّذِي يسْخط الله عَلَيْهِ ثمَّ يُنَادي
منادٍ: أَلا اتبعت كل أمة مَا كَانَت تعبد فَيتبع أَوْلِيَاء
الشَّيْطَان الشَّيْطَان وَاتَّبَعت الْيَهُود وَالنَّصَارَى
أولياءهم إِلَى جَهَنَّم ثمَّ نبقى أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ
فَيَأْتِينَا رَبنَا عز وَجل وَهُوَ رَبنَا فَيَقُول: علام
هَؤُلَاءِ قيام فَيَقُولُونَ: نَحن عباد الله الْمُؤْمِنُونَ
عبدناه وَهُوَ رَبنَا وَهُوَ آتَيْنَا ومثيبنا وَهَذَا مقامنا
فَيَقُول الله عز وَجل: أَنا ربكُم فامضوا فَيُوضَع الجسر
وَعَلِيهِ كلاليب من نَار تخطف النَّاس فَعِنْدَ ذَلِك حلت
الشَّفَاعَة أَي اللَّهُمَّ سلم فَإِذا جَاوز الجسر فَمن أنْفق
زوجا من المَال مِمَّا يملك فِي سَبِيل الله وكل خَزَنَة
الْجنَّة يَدعُوهُ يَا عبد الله يَا مُسلم هَذَا خير فتعال
قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله إِن ذَلِك العَبْد لَا ترى
عَلَيْهِ يدع بَابا ويلج من آخر فَضرب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَنْكِبَيْه وَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تكون مِنْهُم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا جمع
الله الْأَوَّلين والآخرين يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ الرب عز
وَجل إِلَى الْمُؤمنِينَ فَوقف عَلَيْهِم والمؤمنون على كوم
فَيَقُول: هَل تعرفُون ربكُم عز وَجل فَيَقُولُونَ: إِن عرفنَا
نَفسه عَرفْنَاهُ
فَيَقُول لَهُم الثَّانِيَة: هَل تعرفُون ربكُم فَيَقُولُونَ:
إِن عرفنَا نَفسه عَرفْنَاهُ
(8/352)
فتجلى لَهُ عز وَجل فيضحك فِي وُجُوههم
فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا
قَالَ: هَل ترَوْنَ الشَّمْس فِي قوم لاغيم فِيهِ وترون
الْقَمَر فِي لَيْلَة لَا غيم فِيهَا قُلْنَا: نعم قَالَ:
فَإِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم عز وَجل حَتَّى إِن أحدكُم ليحاضر
ربه محاضرة فَيَقُول عَبدِي: هَل تعرف ذَنْب كَذَا وَكَذَا
فَيَقُول: ألم تغْفر لي فَيَقُول: بمغفرتي صرت إِلَى هَذَا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ترَوْنَ الله عز وَجل يَوْم
الْقِيَامَة كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر أَو
كَمَا ترَوْنَ الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سَحَاب
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله ليتجلى للنَّاس
عَامَّة وتجلى لأبي بكر خَاصَّة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله: هَل نرى رَبنَا
يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس
بالظهيرة صحواً لَيْسَ فِيهِ سَحَاب قُلْنَا: لَا يَا رَسُول
الله
قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر
صحواً لَيْسَ فِيهِ سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: مَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا
كَمَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة أَحدهمَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: يجمع الله الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة بصعيد
وَاحِد فَإِذا أَرَادَ الله عزوجل أَن يصدع بَين خلقه مثل لكل
قوم مَا كَانُوا يعْبدُونَ فيتبعونهم حَتَّى يقحموهم النَّار
ثمَّ يأتينا رَبنَا عز وَجل وَنحن على مَكَان رفيع فَيَقُول:
من أَنْتُم فَيَقُولُونَ: نَحن الْمُسلمُونَ فَيَقُول: مَا
تنتظرون فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِر رَبنَا عز وَجل
فَيَقُول: وَهل تعرفونه إِن رَأَيْتُمُوهُ فَيَقُولُونَ: نعم
فَيَقُول: كَيفَ تعرفونه وَلم تروه فَيَقُولُونَ: نعرفه إِنَّه
لَا عدل لَهُ
فيتجلى لنا ضَاحِكا ثمَّ يَقُول: أَبْشِرُوا يَا معشر
الْمُسلمين فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُم أحد إِلَّا جعلت لَهُ
مَكَانَهُ فِي النَّار يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي مُوسَى: سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مثل
لكل قوم مَا كَانُوا يعْبدُونَ فِي الدُّنْيَا وَيبقى أهل
التَّوْحِيد فَيُقَال لَهُم: مَا تنتظرون وَقد ذهب النَّاس
فَيَقُولُونَ: إِن لنا لرباً كُنَّا نعبده فِي الدُّنْيَا لم
نره
قَالَ: وتعرفونه إِذا رَأَيْتُمُوهُ فَيَقُولُونَ: نعم
فَيُقَال لَهُم: وَكَيف تعرفونه وَلم تروه
(8/353)
قَالُوا: إِنَّه لَا شَبيه لَهُ
قَالَ: فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله تبَارك
وَتَعَالَى فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا وَيبقى فِي ظُهُورهمْ مثل
صياصي الْبَقر يُرِيدُونَ السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
فَذَلِك قَول الله عز وَجل: (يَوْم يكْشف عَن سَاق وَيدعونَ
إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) (سُورَة الْقَلَم
الْآيَة 42) وَيَقُول الله عز وَجل: عبَادي ارْفَعُوا رؤوسكم
فقد جعلت بدل وَفِي لفظ فدَاء كل رجل مِنْكُم رجلا من
الْيَهُود أَو النَّصَارَى فِي النَّار
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أحد إِلَّا ويخلو الله
بِهِ كَمَا يَخْلُو أحدكُم بالقمر لَيْلَة الْبَدْر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: ليخلون
الله عز وَجل بكم يَوْم الْقِيَامَة وَاحِدًا وَاحِدًا فِي
الْمَسْأَلَة حَتَّى تَكُونُوا فِي الْقرب مِنْهُ أقرب من
هَذَا وَأَشَارَ إِلَى شَيْء قريب
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُقَال: يَوْم الْقِيَامَة أول يَوْم نظرت
فِيهِ عين إِلَى الله عز وَجل
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أبي
الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يسْأَل عَن الْوُرُود
فَقَالَ: نَحن يَوْم الْقِيَامَة على كوم فَوق النَّاس
فَتُدْعَى الْأُمَم بأوثانها وَمَا كَانَت تعبد الأول فَالْأول
ثمَّ يأتينا رَبنَا بعد ذَلِك فَيَقُول: مَا تنتظرون
فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِر رَبنَا
فَيَقُول: أَنا ربكُم
فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُر إِلَيْك فتجلى لَهُم يضْحك
فَينْطَلق بهم ويتبعونه وَيُعْطى كل إِنْسَان مِنْهُم نورا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يتجلى لنا رَبنَا عز
وَجل ينظرُونَ إِلَى وَجهه فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا فَيَقُول:
ارْفَعُوا رؤوسكم فَلَيْسَ هَذَا بِيَوْم عبَادَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ليتجلى للنَّاس عَامَّة ويتجلى
لأبي بكر الصّديق خَاصَّة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ والخطيب عَن أنس أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اقرأه هَذِه الْآيَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ
ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: وَالله مَا نسختها مُنْذُ
أنزلهَا يزورون رَبهم تبَارك وَتَعَالَى فيطعمون ويسقون
ويتطيبون وَيحلونَ وَيرْفَع الْحجاب بَينه وَبينهمْ
فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْهِم عز وَجل وَذَلِكَ
قَوْله: عز وَجل (لَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشياً) (سُورَة
مَرْيَم الْآيَة 62)
(8/354)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم
الْقِيَامَة رأى الْمُؤْمِنُونَ رَبهم عز وَجل فاحدثم عهدا
بِالنّظرِ إِلَيْهِ فِي كل جُمُعَة وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنَات
يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: بَيْنَمَا نَحن حول
رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ [إِذْ قَالَ] :
أَتَانِي جِبْرِيل وَفِي يَده كالمرآة الْبَيْضَاء فِي وَسطهَا
كالنكتة السَّوْدَاء قلت يَا جِبْرِيل: مَا هَذَا قَالَ: هَذَا
يَوْم الْجُمُعَة يعرض عَلَيْك رَبك ليَكُون لَك عيداً
وَلِأُمَّتِك من بعْدك
قلت يَا جِبْرِيل: فَمَا هَذِه النُّكْتَة السَّوْدَاء قَالَ:
هَذِه السَّاعَة وَهِي تقوم فِي يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ سيد
أَيَّام الدُّنْيَا وَنحن نَدْعُوهُ فِي الْجنَّة يَوْم
الْمَزِيد
قلت يَا جِبْرِيل: وَلم تَدعُونَهُ يَوْم الْمَزِيد قَالَ:
لِأَن الله عز وَجل اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا أفيح من مسك
أَبيض فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ينزل رَبنَا على كرْسِي
إِلَى ذَلِك الْوَادي وَقد حف الْعَرْش بمنابر من ذهب مكللة
بالجوهر وَقد حفت تِلْكَ المنابر بكراسي من نور ثمَّ يَأْذَن
لأهل الغرفات فيقبلون يَخُوضُونَ كثائب الْمسك إِلَى الركب
عَلَيْهِم أسورة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَثيَاب السندس
وَالْحَرِير حَتَّى ينْتَهوا إِلَى ذَلِك الْوَادي فَإِذا
اطمأنوا فِيهِ جُلُوسًا نبعث الله عز وَجل عَلَيْهِم ريحًا
يُقَال لَهَا المثيرة فثارت ينابيع الْمسك الْأَبْيَض فِي
وُجُوههم وثيابهم وهم يَوْمئِذٍ جرد مكعلون أَبنَاء ثَلَاث
وَثَلَاثِينَ يضْرب جمامهم إِلَى سررهم على صُورَة آدم يَوْم
خلقه الله عز وجلز فينادي رب الْعِزَّة تبَارك وَتَعَالَى
رضوَان وَهُوَ خَازِن الْجنَّة فَيَقُول: يَا رضوَان ارْفَعْ
الْحجب بيني وَبَين عبَادي وزواري فَإِذا رفع الْحجب بَينه
وَبينهمْ فَرَأَوْا بهاءه ونوره هبوا لَهُ سجوداً فيناديهم عز
وَجل بِصَوْت: ارْفَعُوا رؤوسكم فَإِنَّمَا كَانَت الْعِبَادَة
فِي الدُّنْيَا وَأَنْتُم الْيَوْم دَار الْجَزَاء سلوني مَا
شِئْتُم فَأَنا ربكُم الَّذِي صدقتكم وعدي وَأَتْمَمْت
عَلَيْكُم نعمتي فَهَذَا مَحل كَرَامَتِي فسلوني مَا شِئْتُم
فَيَقُولُونَ: رَبنَا وأيّ خير لم تَفْعَلهُ بِنَا أَلَسْت
الَّذِي أعنتنا على سَكَرَات الْمَوْت وآنست منا الوحشة فِي
ظلمات الْقُبُور وَآمَنت روعتنا عِنْد النفخة فِي الصُّور
أَلَسْت أقلتنا عثراتنا وسترت علينا الْقَبِيح من فعلنَا
وَثَبت على جسر جَهَنَّم أقدامنا أَلَسْت الَّذِي ادنيتنا فِي
جوارك وأسمعتنا من لذادة منطقك وتجليت لنا بنورك فَأَي خير لم
تَفْعَلهُ بِنَا فَيَعُود عز وَجل فيناديهم بِصَوْتِهِ
فَيَقُول: أَنا ربكُم الَّذِي صدقتكم وعدي وَأَتْمَمْت عليكمن
نعمتي فسلوني فَيَقُولُونَ: نَسْأَلك رضاك
فَيَقُول: رضاي عَنْكُم أقلتكم عثراتكم وسترت
(8/355)
عَلَيْكُم الْقَبِيح من أُمُوركُم وأدنيت
مني جواركم وأسمعتكم لذاذة منطقي وتجليت لكم بنوري فَهَذَا
مَحل كَرَامَتِي فسلوني
فيسألونه حَتَّى تَنْتَهِي مسألتهم ثمَّ يَقُول عز وَجل: سلوني
فيسألونه حَتَّى تَنْتَهِي رغبتهم
ثمَّ يَقُول عز وَجل: سلوني فَيَقُولُونَ: رَضِينَا رَبنَا
وَسلمنَا فيزيدههم من مزِيد فضلَة وكرامته وَيزِيد زهرَة
الْجنَّة مَالا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطرت على
قلب بشر وَيكون كَذَلِك حَتَّى مِقْدَار متفرقهم من الْجُمُعَة
قَالَ أنس: فَقلت: بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله وَمَا
مقدارتفرقهم قَالَ: كَقدْر الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة
قَالَ: يحمل عرش رَبنَا العليون مَعَهم الْمَلَائِكَة والنبيون
ثمَّ يُؤذن لأهل الغرفات فيعودون إِلَى غرفهم وهم غرفتان
زمردتان خضروان وَلَيْسوا إِلَى شَيْء أشوق مِنْهُم إِلَى
وَيَوْم الْجُمُعَة لينظروا إِلَى رَبهم وليزيدهم من مزِيد
فَضله وكرامته
قَالَ أنس: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَيْسَ بيني وَبَينه أحد
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَالْحَاكِم
عَن لَقِيط بن عَامر أَنه خرج وافداً إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ صَاحب لَهُ يُقَال لَهُ نهيك بن
عَاصِم قَالَ: فَخرجت أَنا وصاحبي حَتَّى قدمنَا على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين انْصَرف من صَلَاة
الْغَدَاة فَقَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا فَقَالَ: يَا أَيهَا
النَّاس أَلا إِنِّي قد خبأت لكم صوتي مُنْذُ أَرْبَعَة
أَيَّام لأسمعكم أَلا فَهَل من امْرِئ بَعثه قومه فَقَالُوا
اعْلَم لنا مَا يَقُول رَسُول الله الاتم لَعَلَّه أَن يلهيه
حَدِيث نَفسه أَو حَدِيث صَاحبه أَو يلهيه الضلال أَلا إِنِّي
مسؤول هَل بلغت أل اسمعوا تعيشوا أَلا اجلسوا أَلا اجلسو
قَالَ: فَجَلَسَ النَّاس وَقمت أَنا وصاحبي حَتَّى إِذا فرغ
لنا فُؤَاده وبصره قُلْنَا يَا رَسُول الله مَا عنْدك من علم
الْغَيْب فَضَحِك لعمر الله وهز رَأسه وَعلم أَنِّي الْفَتى
فَقَالَ: ضن رَبك عز وَجل بمفاتيح خمس من الْغَيْب لَا يعلمهَا
إِلَّا الله وَأَشَارَ بِيَدِهِ
قلت وَمَا هن قَالَ: علم الْمنية قد علم مَتى منية أحدكُم
وَلَا تعلمونه
وَعلم مَا فِي الْغَد مَا أَنْت طاعم غذاً وَلَا تعلمه وَعلم
يَوْم الْغَيْم يشرف عَلَيْكُم إِذا قنطتم مشفقين فيظل يضْحك
قد علم أَن [] غَيْركُمْ إِلَى قريب
قَالَ لَقِيط: قلت لن نعدم من رب يضْحك خيرا وَعلم يَوْم
السَّاعَة
قلت يَا رَسُول الله: علمنَا مَا يعلم النَّاس وَمَا يعلم
صَاحِبي فَإنَّا فِي قبيل لَا يصدقون تصديقنا من أحد مذْحج
الَّتِي قربوا علينا خثعم الَّتِي توالينا وعشيرتنا الَّتِي
نَحن مِنْهَا
قَالَ: تلبثون مَا لبثتم ثمَّ يتوفى نَبِيكُم ثمَّ تلبثون مَا
لبثتم ثمَّ تبْعَث
(8/356)
الصائحة لعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من
شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك عز وَجل
فَأصْبح رَبك عز وَجل يطوف فِي الْبِلَاد وَقد خلت عَلَيْهِ
الْبِلَاد فَأرْسل رَبك السَّمَاء بمهضب من عِنْد الْعَرْش
ولعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من مصدع قَتِيل وَلَا مدفن ميت
إِلَّا شقَّتْ الأَرْض عَنهُ حَتَّى تَجْعَلهُ من عِنْد رَأسه
فيستوي جَالِسا يَقُول رَبك مَهيم لما كَانَ فِيهِ
يَقُول يَا رب أمس الْيَوْم ولعهده بِالْحَيَاةِ يحسبه حَدِيثا
بأَهْله فَقلت يَا رَسُول الله: كَيفَ يجمعنا بعد مَا تمزقنا
الرِّيَاح والبلى وَالسِّبَاع قَالَ: أنبئك بِمثل ذَلِك من
آلَاء الأَرْض أشرفت عَلَيْهَا وَهِي مذرة بالية فَقلت: لَا
تحيا أبدا ثمَّ أرسل رَبك عَلَيْهَا السَّمَاء فَلم تلبث عَنْك
إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أشرفت عَلَيْهَا وَهِي سَرِيَّة
وَاحِدَة ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يجمعهُمْ من المَاء
وعَلى أَن يجمعهُمْ من نَبَات الأَرْض فَيخْرجُونَ من الأصواء
أَو من مصَارِعهمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْهِم
قلت يَا رَسُول الله: وَكَيف وَنحن ملْء الأَرْض وَهُوَ شخص
وَاحِد ينظر إِلَيْنَا وَنَنْظُر إِلَيْهِ قَالَ: أنبئك بِمثل
ذَلِك من آلَاء الله الشَّمْس وَالْقَمَر آيَة مِنْهُ صَغِيرَة
ترونهما ويريانكم سَاعَة وَاحِدَة وتريانهما لَا تضَارونَ فِي
رُؤْيَتهمَا ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يراكم وترونه أَو
ترونهما ويريانكم لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَتهمَا
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا يفعل بِنَا رَبنَا إِذا لقيناه
قَالَ: تعرضون عَلَيْهِ بادية لَهُ صفحاتكم لَا تخفى عَلَيْهِ
مِنْكُم خافية فَيَأْخُذ رَبك بِيَدِهِ غرفَة من مَاء فينضح
قبلكُمْ بهَا فلعمر إلهك مَا يُخطئ وَجه أحد مِنْهُ قَطْرَة
فَأَما الْمُسلم فتدع وَجهه مثل الربطة الْبَيْضَاء وَأما
الْكَافِر فتخطمه بِمثل الْحَمِيم الْأسود
أَلا ثمَّ ينْصَرف نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيصرف
على أَثَره الصالحون فيسلكون جِسْرًا من النَّار فيظل أحدكُم
يَقُول: حس يَقُول رَبك: أَو أَنه فتطلعون على حَوْض الرَّسُول
على أظمأ وَالله ناهلة قطّ رَأَيْتهَا ولعمر إلهك مَا يبسط
وَاحِد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهَا قرح بطهره من []
الطّرف وَالْبَوْل والأذى وَيحبس الشَّمْس وَالْقَمَر وَلَا
ترَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا
قلت يَا رَسُول الله: فيمَ نبصر قَالَ: بِمثل بَصرك ساعتك
هَذِه وَذَلِكَ قبل طُلُوع الشَّمْس فِي يَوْم أشرقت الأَرْض
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا يَجْزِي من حَسَنَاتنَا وسيئاتنا
قَالَ الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا والسيئة بِمِثْلِهَا
إِلَّا أَن يعفوا رَبك قلت يَا رَسُول الله: مَا الْجنَّة
وَمَا النَّار قَالَ: لعمر إلهك أما للنار فسبعة أَبْوَاب مَا
مِنْهُنَّ بَاب إِلَّا يسير الرَّاكِب فِيهَا سبعين عَاما
قلت يَا رَسُول الله: فعلام نطلع من الْجنَّة قَالَ: على
أَنهَار من عسل مصفى وأنهار من كأس مَا بهَا من
(8/357)
صداع وَلَا ندامة وأنهار من لبن لم
يتَغَيَّر طعمه وَمَاء غير آسن وَفَاكِهَة لعمر إلهك مَا
تعلمُونَ وَخير من مثله مَعَه وَأَزْوَاج مطهرة
قلت يَا رَسُول الله: وَلنَا فِيهَا أَزوَاج قَالَ:
الصَّالِحَات للصالحين تلذونهم بِمثل لذاتكم فِي الدُّنْيَا
ويتلذذ بكم غير أَن لَا توالد
قَالَ لَقِيط: فَقلت أقْصَى مَا نَحن بالغون ومنتهون إِلَيْهِ
قلت يَا رَسُول الله: علام أُبَايِعك فَبسط النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَده وَقَالَ: على إقَام الصَّلَاة وإيتاء
الزَّكَاة وزيال الشّرك وَأَن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا غَيره
قلت: وَإِن لنا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده وَبسط أَصَابِعه
وَظن أَنِّي مشترط شَيْئا لَا يعطينه
قلت: نحل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا وَلَا يجني على أمرئ إِلَّا
نَفسه
فَبسط يَده وَقَالَ: ذَلِك لَك تَحِلَّة حَيْثُ شِئْت وَلَا
يجني عَلَيْك إِلَّا نَفسك: قَالَ: فانصرفنا وَقَالَ لنا: إِن
هذَيْن لعمر إلهك من أتقى النَّاس فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
فَقَالَ لَهُ كَعْب: من هم يَا رَسُول الله قَالَ: بَنو
المنتقف أهل ذَلِك
فانصرفنا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ فَقلت يَا رَسُول الله: هَل لأحد
فِيمَا مضى من خير فِي جاهليتهم قَالَ: قَالَ رجل من عرض
قُرَيْش: وَالله إِن أَبَاك المنتقف لفي النَّار
قَالَ: فلكأنه وَقع من بَين جلدي ووجهي مِمَّا قَالَ لأبي على
رُؤُوس النَّاس فهممت أَن أَقُول أَبوك يَا رَسُول الله
ثمَّ قلت يَا رَسُول الله: وَأهْلك قَالَ: وَأَهلي لعمر الله
مَا أتيت عَلَيْهِ من قبر عامري أَو قرشي مُشْرك فَقل
أَرْسلنِي إِلَيْك مُحَمَّد فأبشرك بِمَا يسوءك تجر على وَجهك
وبطنك فِي النَّار
قلت يَا رَسُول الله: مَا فعل بهم ذَلِك وَقد كَانُوا على عمل
لَا يحسنون إِلَّا إِيَّاه وَقد كَانُوا يحسبون أَنهم مصلحون
قَالَ: ذَلِك بِمَا قَالَ: بِأَن الله بعث فِي آخر كل سبع
أُمَم نَبيا فَمن عصى نبيه كَانَ من الضَّالّين وَمن أطَاع
نبيه كَانَ من المهتدين
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي رزين
قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: أكلنَا يرى ربه يَوْم الْقِيَامَة
مخليا بِهِ قَالَ: نعم
قلت: وَمَا آيَة ذَلِك قَالَ: أَلَيْسَ كلكُمْ يرى الْقَمَر
لَيْلَة الْبَدْر مخليا بِهِ قلت: بلَى
قَالَ: فَالله أعظم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول
من ينظر إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى الْأَعْمَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُوسَى بن صَالح
بن الصَّباح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم
الْقِيَامَة يُؤْتى بِأَهْل ولَايَة الله فَيقومُونَ بَين
يَدَيْهِ ثَلَاثَة أَصْنَاف فَيُؤتى بِرَجُل من الصِّنْف الأول
فَيَقُول: عَبدِي لماذا عملت فَيَقُول: يَا رب خلقت
(8/358)
الْجنَّة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها
وَنَعِيمهَا وَمَا أَعدَدْت لأهل طَاعَتك فِيهَا فأسهرت ليلِي
وَأَظْمَأت نهاري شوقاً إِلَيْهَا
فَيَقُول: عَبدِي إِنَّمَا عملت للجنة فادخلها وَمن فضلي
عَلَيْك أَن أعتقك من النَّار فيدخلها هُوَ وَمن مَعَه
ثمَّ يُؤْتى بالصنف الثَّانِي فَيَقُول: عَبدِي لما عملت
فَيَقُول: يَا رب خلقت نَارا وخلقت أغلاها وسعيرها وسمومها
ويحمومها وَمَا أَعدَدْت لأعدائك وَلأَهل معصيتك فِيهَا فأسهرت
ليلِي وَأَظْمَأت نهاري خوفًا مِنْهَا
فَيَقُول: عَبدِي إِنَّمَا عملت خوفًا من النَّار فَإِنِّي
أَعتَقتك من النَّار وَمن فضلي عَلَيْك أدخلتك جنتي فَيدْخل
هُوَ وَمن مَعَه الْجنَّة ثمَّ يُؤْتى بِرَجُل من الصِّنْف
الثَّالِث فَيَقُول: عَبدِي لماذا عملت فَيَقُول: رَبِّي حبا
لَك وشوقاً إِلَيْك وَعزَّتك لقد أَسهرت ليلِي وَأَظْمَأت
نهاري شوقاً إِلَيْك وحباً لَك فَيَقُول الله: عَبدِي إِنَّمَا
عملت شوقاً إليّ وحباً لي فيتجلى لَهُ الرب فَيَقُول: هَا أَنا
ذَا أنظر إليّ
ثمَّ يَقُول: فضلي عَلَيْك أَن أعتقك من النَّار وأبيحك جنتي
وأزيرك ملائكتي وَأسلم عَلَيْك بنفسي فَيدْخل هُوَ وَمن مَعَه
الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَعْمَال وَالصِّفَات عَن عمار بن يَاسر رضى الله عَنهُ
قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو
بهؤلاء الدَّعْوَات: اللَّهُمَّ بعلمك الْغَيْب وقدرتك على
الْخلق أحيني مَا علمت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَت
الْوَفَاة خيرا لي اللَّهُمَّ أَسأَلك خشيتك فِي الْغَيْب
وَالشَّهَادَة وَأَسْأَلك كلمة الحكم فِي الْغَضَب وَالرِّضَا
وَأَسْأَلك الْقَصْد فِي الْفقر والغنى وَأَسْأَلك نعيماً لَا
يبيد وقرة عين لَا تَنْقَطِع وَأَسْأَلك الرِّضَا بعد
الْقَضَاء وَأَسْأَلك برد الْعَيْش بعد الْمَوْت وَأَسْأَلك
لَذَّة النّظر إِلَى وَجهك والشوق إِلَى لقائك فِي غير ضراء
مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة
اللَّهُمَّ زينا بزينة الإِيمان واجعلنا هداة مهتدين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن زيد ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم علمه دُعَاء وَأمره أَن يتعاهده ويتعاهد بِهِ
أهل كل يَوْم قَالَ: حِين تصبح لبيْك الله لبيْك لبيْك
وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك ومنك وَبِك وَإِلَيْك الله مَا
قلت من قَول أَو حَلَفت من حلف أَو نذرت من نذر فمشيئتك بَين
يَدي ذَلِك مَا شِئْت كَانَ وَمَا لم تشأ لم يكن لَا حول وَلَا
قُوَّة إِلَّا بك إِنَّك على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ مَا
صليت من صَلَاة فعلى من صليت وَمَا لعنت من لعن فعلى من لعنت
أَنْت وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة توفني مُسلما وألحقني
بالصالحين
أَسأَلك اللَّهُمَّ الرِّضَا بعد الْقَضَاء وَبرد الْعَيْش بعد
(8/359)
الْمَوْت وَلَذَّة النّظر إِلَى وَجهك
وشوقاً إِلَى لقائك من غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة
أعوذ بك أَن أظلم أَو أظلم أَو أعتدي أَو يعتدى عليّ أَو أكسب
خَطِيئَة أَو ذَنبا لَا تغفره
اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب
وَالشَّهَادَة ذَا الْجلَال والإِكرام فَإِنِّي أَعهد إِلَيْك
فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا وأشهدك وَكفى بك شَهِيدا
أَنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك
لَك الْملك وَلَك الْحَمد وَأَنت على كل شَيْء قدير
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك وَأشْهد أَن وَعدك حق
ولقاءك حق والساعة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَنت تبْعَث من فِي
الْقُبُور وَأشْهد أَنَّك أَن تَكِلنِي إِلَى نَفسِي تَكِلنِي
إِلَى وَهن وعورة وذنب وخطيئة وَإِنِّي لَا أَثِق إِلَّا
بِرَحْمَتك فَاغْفِر لي ذَنبي كُله إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب
إِلَّا أَنْت وَتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي صَالح رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: حَسَنَة
{إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنْتَظر الثَّوَاب من رَبهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنْتَظر مِنْهُ الثَّوَاب
أخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع
بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {ووجوه
يَوْمئِذٍ باسرة} قَالَ: كالحة قاطبة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عبيد بن الْأَزْرَق وَهُوَ يَقُول: صبحنا تميما
غَدَاة النسا رشهباء ملمومة باسرة وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ: {ووجوه يَوْمئِذٍ باسرة} قَالَ: كالحة {تظن أَن يفعل
بهَا فاقرة} قَالَ: أَن يفعل بهَا شَرّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ {ووجوه يَوْمئِذٍ باسرة} قَالَ: كاشرة {تظن
أَن يفعل بهَا فاقرة} قَالَ: داهية
الْآيَة 26 - 40
(8/360)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ
التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ
الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا
صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ
إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ
أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ
يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى
(40)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذا بلغت التراقي} قَالَ:
الْحُلْقُوم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ {وَقيل من راق} قَالَ: من طَبِيب شاف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
قلَابَة رَضِي الله عَنهُ {وَقيل من راق} قَالَ: التمسوا
الْأَطِبَّاء فَلم يغنوا عَنهُ من قَضَاء الله شَيْئا {وَظن
أَنه الْفِرَاق} قَالَ: استيقن أَنه القراق {والتفت السَّاق
بالساق} قَالَ: مَاتَت ساقاه فَلم تحملاه وَكَانَ عَلَيْهِمَا
جوّالاً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَقيل من راق} قَالَ: هُوَ
الطَّبِيب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{وَقيل من راق} قَالَ: من راق يرقي
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَقيل من راق} قيل: تنتزع نَفسه
حَتَّى إِذا كَانَت فِي تراقيه قيل من يرقى بِرُوحِهِ
مَلَائِكَة الرَّحْمَة أَو مَلَائِكَة الْعَذَاب {والتفت
السَّاق بالساق} قَالَ: الْتفت عَلَيْهِ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة
فِي قَوْله: {وَقيل من راق} قَالَ: يخْتَصم فِيهِ مَلَائِكَة
الرَّحْمَة وملائكة الْعَذَاب أَيهمْ يرقى بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَقيل من راق} قَالَ: قَالَت الْمَلَائِكَة بَعضهم
لبَعض من يصعد بِهِ أملائكة الرَّحْمَة أم مَلَائِكَة
الْعَذَاب
(8/361)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ: وأيقن أَنه الْفِرَاق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {والتفت السَّاق بالساق} يَقُول:
آخر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا وَأول يَوْم من أَيَّام
الْآخِرَة فَتلقى الشدَّة بالشدة إِلَّا من رحم الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {والتفت السَّاق
بالساق} قَالَ: التف أَمر الدُّنْيَا بِأَمْر الْآخِرَة عِنْد
الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ:
لفت سَاق الْآخِرَة بساق الدُّنْيَا وَذكر قَول الشَّاعِر:
وَقَامَت الْحَرْب بِنَا على سَاق وَأخرج عبد بن حميد عَن
عِكْرِمَة وَالربيع وعطية وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والتفت
السَّاق بالساق} قَالَ: بلَاء ببلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والتفت
السَّاق بالساق} قَالَ: اجْتمع فِيهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {والتفت
السَّاق بالساق} قَالَ: تلف ساقاه عِنْد الْمَوْت للنزع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر {والتفت السَّاق بالساق}
قَالَ: الْتفت ساقاه عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {والتفت
السَّاق بالساق} قَالَ: أما رَأَيْت إِذا حضر ضرب بِرجلِهِ
رجله الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله
عَنهُ {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: النَّاس مجهزون بدنه
وَالْمَلَائِكَة مجهزون روحه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله
عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ:
هما ساقاه إِذا التفتا فِي الأكفان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {إِلَى رَبك يَوْمئِذٍ المساق} قَالَ: فِي الْآخِرَة
(8/362)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{فَلَا صدق} قَالَ: بِكِتَاب الله {وَلَا صلى وَلَكِن كذب}
بِكِتَاب الله {وَتَوَلَّى} عَن طَاعَة الله {ثمَّ ذهب إِلَى
أَهله يتمطى} قَالَ: يتبختر وَهُوَ أَبُو جهل بن هِشَام كَانَت
مشيته
ذكر لنا أَن نَبِي الله أَخذ بِمَجَامِع ثَوْبه فَقَالَ: {أولى
لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى} وعيداً على وَعِيد فَقَالَ:
مَا تَسْتَطِيع أَنْت وَلَا رَبك لي شَيْئا وَإِنِّي لأعز من
مَشى بَين جبليها وَذكر لنا أَن نَبِي الله كَانَ يَقُول: إِن
لكل أمة فرعوناً وَإِن فِرْعَوْن هَذِه الْأمة أَبُو جهل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {ثمَّ ذهب إِلَى أَهله يتمطى} قَالَ: يتبختر
وَهُوَ أَبُو جهل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يتمطى}
قَالَ: يختال
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلت ابْن
عَبَّاس عَن قَول الله: {أولى لَك فَأولى} أَشَيْء قَالَه
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي جهل من قبل نَفسه أم
أمره الله بِهِ قَالَ: بلَى قَالَه من قبل نَفسه ثمَّ أنزلهُ
الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَن يتْرك سدى}
قَالَ: هملاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{أَن يتْرك سدى} قَالَ: بَاطِلا لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{أَن يتْرك سدى} قَالَ: أَن يهمل وَفِي قَوْله: {أَلَيْسَ
ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: ذكر لنا أَن
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِذا
قَرَأَهَا: سُبْحَانَهُ وبلى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن
صَالح أبي الْخَلِيل قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على
أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: سُبْحَانَ رَبِّي وبلى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِك
بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وبلى
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: صليت
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(8/363)
بعد حجَّته فَكَانَ يكثر من قِرَاءَة {لَا
أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فَإِذا قَالَ {أَلَيْسَ ذَلِك
بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} سمعته يَقُول: بلَى وَأَنا
على ذَلِك من الشَّاهِدين
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة قَالَ: كَانَ رجل يُصَلِّي فَوق
بَيته فَكَانَ إِذا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن
يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: سُبْحَانَكَ فبلى فَسَأَلُوهُ عَن
ذَلِك فَقَالَ: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن
الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ مِنْكُم
(والتين وَالزَّيْتُون) فَانْتهى إِلَى آخرهَا (أَلَيْسَ الله
بِأَحْكَم الْحَاكِمين) فَلْيقل: بلَى وَأَنا على ذَلِك من
الشَّاهِدين
وَمن قَرَأَ {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فَانْتهى إِلَى
{أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} فَلْيقل:
بلَى وَمن قَرَأَ (والمرسلات) فَبلغ (فَبِأَي حَدِيث بعده
يُؤمنُونَ) فَلْيقل: آمنا بِاللَّه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد
الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا
قَرَأت {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فبلغت {أَلَيْسَ ذَلِك
بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} فَقل: بلَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: إِذا قَرَأت (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) فَقل:
سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَإِذا قَرَأت {أَلَيْسَ ذَلِك
بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} فَقل: سُبْحَانَكَ وبلى
(8/364)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
76
سُورَة الْإِنْسَان
مَدَنِيَّة وآياتها إِحْدَى وَثَلَاثُونَ
الْآيَة 1 - 7
(8/365)
هَلْ أَتَى عَلَى
الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا
مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ
أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا
كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ
وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ
مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ
بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ
مُسْتَطِيرًا (7)
أخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
سُورَة الإِنسان بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: أنزلت بِمَكَّة
سُورَة {هَل أَتَى على الإِنسان}
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن مردوية وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الإِنسان بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن
ابْن عمر قَالَ: جَاءَ رجل من الْحَبَشَة إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: سل واستفهم فَقَالَ: يَا رَسُول الله فضلْتُمْ
علينا بالألوان والصور والنبوّة أَفَرَأَيْت إِن آمَنت بِهِ
وعملت بِمثل مَا عملت بِهِ إِنِّي لكائن مَعَك فِي الْجنَّة
قَالَ: نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليرى بَيَاض
الْأسود فِي الْجنَّة من مسيرَة ألف عَام ثمَّ قَالَ: من قَالَ
لَا إِلَه إِلَّا الله كَانَ لَهُ عهد عِنْد الله وَمن قَالَ:
سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كتبت لَهُ مائَة ألف حَسَنَة
وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف حَسَنَة وَنزلت عَلَيْهِ هَذِه
السُّورَة {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} إِلَى
قَوْله: {وملكا كَبِيرا} فَقَالَ الحبشي: وَإِن عَيْني لترى
مَا ترى عَيْنَاك فِي الْجنَّة قَالَ: نعم فاشتكى حَتَّى فاضت
نَفسه
قَالَ ابْن عمر: فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يدليه فِي حفرته بِيَدِهِ
(8/365)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن
مطرف قَالَ: حَدثنِي الثِّقَة أَن رجلا أسود كَانَ يسْأَل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّسْبِيح والتهليل
فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب: مَه أكثرت على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَه يَا عمر وأنزلت على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من
الدَّهْر} حَتَّى إِذا أَتَى على ذكر الْجنَّة زفر الْأسود
زفرَة خرجت نَفسه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مَاتَ شوقاً إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن وهب عَن ابْن زيد أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه السُّورَة {هَل أَتَى على
الإِنسان حِين من الدَّهْر} وَقد أنزلت عَلَيْهِ وَعِنْده رجل
أسود فَلَمَّا بلغ صفة الْجنان زفر زفرَة فَخرجت نَفسه فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخرج نفس صَاحبكُم الشوق
إِلَى الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ذَر قَالَ: قَرَأَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من
الدَّهْر} حَتَّى خَتمهَا ثمَّ قَالَ: إِنِّي أرى مَا لَا
ترَوْنَ وأسمع مَا لَا تَسْمَعُونَ أطت السَّمَاء وَحقّ لَهُ
أَن تئط مَا فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا ملك وَاضع
جَبهته سَاجِدا لله وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم
قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَمَا تلذذتم بِالنسَاء على الْفرش
لخرجتم إِلَى الصعدات تجارون
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} قَالَ: الإِنسان
أَتَى عَلَيْهِ حِين من الدَّهْر {لم يكن شَيْئا مَذْكُورا}
قَالَ: إِنَّمَا خلق الإِنسان هَهُنَا حَدِيثا مَا يعلم من
خَلِيقَة الله خَلِيقَة كَانَت بعد إِلَّا هَذَا الإِنسان
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب أَنه سمع رجلا يقْرَأ
{هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا
مَذْكُورا} فَقَالَ عمر: ليتها تمت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
ابْن مَسْعُود أَنه سمع رجلا يَتْلُو هَذِه الْآيَة {هَل أَتَى
على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا}
فَقَالَ ابْن مَسْعُود: يَا ليتها تمت فعوتب فِي قَوْله: هَذَا
فَأخذ عوداً من الأَرْض فَقَالَ: يَا لَيْتَني كنت مثل هَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} قَالَ: إِن
آدم آخر مَا خلق من الْخلق
(8/366)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله: {هَل أَتَى على الإِنسان} قَالَ: كل إِنْسَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن من الْحِين حينا
لَا يدْرك
قَالَ الله: {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن
شَيْئا مَذْكُورا} وَالله مَا يدْرِي كم أَتَى عَلَيْهِ حَتَّى
خلقه الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب أَنه
تَلا هَذِه الْآيَة {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر
لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} قَالَ: أَي وَعزَّتك يَا رب
فَجَعَلته سميعاً بَصيرًا وَحيا وَمَيتًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن مَسْعُود
قَالَ: إِذا جئناكم بِحَدِيث أَتَيْنَاكُم بتصديقه من كتاب
الله إِن النُّطْفَة تكون فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ ثمَّ تكون
مُضْغَة أَرْبَعِينَ فَإِذا أَرَادَ الله أَن يخلق الْخلق نزل
الْملك فَيَقُول لَهُ اكْتُبْ فَيَقُول مَاذَا أكتب فَيَقُول:
اكْتُبْ شقياً أَو سعيداً ذكرا أَو أُنْثَى وَمَا رزقه وأثره
وأجله فَيُوحِي الله بِمَا يَشَاء وَيكْتب الْملك ثمَّ قَرَأَ
عبد الله {إِنَّا خلقنَا الإِنسان من نُطْفَة أمشاج نبتليه}
ثمَّ قَالَ عبد الله: أمشاجها عروقها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود
فِي قَوْله: {أمشاج} قَالَ: الْعُرُوق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: من مَاء الرجل وَمَاء
الْمَرْأَة حِين يختلطان
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من نُطْفَة
أمشاج} قَالَ: هُوَ نزُول الرجل وَالْمَرْأَة يمشج بعضه
بِبَعْض
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ:
اخْتِلَاط مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة إِذا وَقع فِي
الرَّحِم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أَبَا ذُؤَيْب وَهُوَ يَقُول: كَأَن الريش والفوقين
مِنْهُ خلال النصل خالطه مشيج وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
قَالَ مشج مَاء الرجل بِمَاء الْمَرْأَة فَصَارَ خلقا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع قَالَ: إِذا اجْتمع مَاء الرجل
وَمَاء الْمَرْأَة فَهُوَ أمشاج
(8/367)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر
عَن قَتَادَة قَالَ: الأمشاج إِذا اخْتَلَط المَاء وَالدَّم
ثمَّ كَانَ علقَة ثمَّ كَانَ مُضْغَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة
قَالَ: خلق من نُطْفَة مشجت بِدَم وَذَلِكَ الدَّم الْحيض إِذا
حملت ارْتَفع الْحيض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: مُخْتَلفَة الألوان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {من نُطْفَة
أمشاج} قَالَ: ألوان نُطْفَة الرجل بَيْضَاء وحمراء ونطفة
الْمَرْأَة خضراء وحمراء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأمشاج
الَّذِي يخرج على أثر الْبَوْل كَقطع الأوتار وَمِنْه يكون
الْوَلَد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم قَالَ: الأمشاج
الْعُرُوق الَّتِي فِي النُّطْفَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من
نُطْفَة أمشاج} قَالَ: ألوان الْخلق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِنَّا
خلقنَا الإِنسان من نُطْفَة أمشاج نبتليه} قَالَ: طوراً
نُطْفَة وطوراً علقَة وطورا مُضْغَة وطورا عظما {فكسونا
الْعِظَام لَحْمًا} وَذَلِكَ أَشد مَا يكون إِلَى كسي اللَّحْم
{ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ: أنبت لَهُ الشّعْر
{فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} فأنباه الله مِم خلقه
وأنباه إِنَّمَا بَين ذَلِك ليبتليه بذلك ليعلم كَيفَ شكره
ومعرفته لحقه فَبين الله لَهُ مَا أحل لَهُ وَمَا حرم عَلَيْهِ
ثمَّ قَالَ: {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكراً} لنعم
الله {وَإِمَّا كفوراً} بهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأمشاج
مِنْهُ الْعِظَام والعصب وَالْعُرُوق من الرجل وَاللَّحم
وَالدَّم وَالشعر من الْمَرْأَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله:
{أمشاج} قَالَ: الظفر والعظم والعصب من الرجل وَاللَّحم
وَالشعر من الْمَرْأَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {إِنَّا
هديناه السَّبِيل} قَالَ: السَّبِيل الْهدى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
{إِنَّا هديناه السَّبِيل} قَالَ: الشقاوة والسعادة
(8/368)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة
الْعَوْفِيّ {إِنَّا هديناه السَّبِيل} قَالَ: الْخَيْر
وَالشَّر
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مولد يُولد على
الْفطْرَة حَتَّى يعبر عَنهُ لِسَانه فَإِذا عبر عَنهُ لِسَانه
إِمَّا شاكراً وَإِمَّا كفوراً وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
{إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافوراً} قَالَ:
تمزج بِهِ {عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيراً} قَالَ:
يَقُودُونَهَا حَيْثُ يشاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن
الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافوراً} قَالَ: قوم
يمزج لَهُم بالكافور وَيخْتم لَهُم بالمسك {عينا يشرب بهَا
عباد الله يفجرونها تفجيراً} قَالَ: يَسْتَفِيد ماؤهم يفجرونها
حَيْثُ شاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {كَانَ
مزاجها} قَالَ طعمها: {يفجرونها تفجيراً} قَالَ: الْأَنْهَار
يجرونها حَيْثُ شاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن إِسْحَق قَالَ فِي قِرَاءَة عبد
الله: كأساً صفراً كَانَ مزاجها
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن
شَوْذَب فِي قَوْله: {يفجرونها تفجيراً} قَالَ: مَعَهم قضبان
ذهب يفجرون بهَا تتبع قضبانهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة {يُوفونَ بِالنذرِ} قَالَ: كَانُوا
يُوفونَ بِطَاعَة الله من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج
وَالْعمْرَة وَمَا افْترض عَلَيْهِم فسماهم الله الْأَبْرَار
لذَلِك فَقَالَ: {يُوفونَ بِالنذرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ
شَره مُسْتَطِيرا} قَالَ: إستطاروا لله شَرّ ذَلِك الْيَوْم
حَتَّى مَلأ السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يُوفونَ بِالنذرِ} قَالَ:
إِذا نذروا فِي حق الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {يُوفونَ بِالنذرِ} قَالَ:
كل نذر فِي شكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالطَّبَرَانِيّ عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي فَقَالَ: إِنِّي
نذرت أَن أنحر نَفسِي فشغل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَذهب الرجل فَوجدَ يُرِيد أَن ينْحَر نَفسه فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي
(8/369)
أمتِي من وَفِي بِالنذرِ وَيخَاف {يَوْمًا
كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} أهد مائَة نَاقَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: لما صدر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأسارى عَن بدر أنْفق سَبْعَة من
الْمُهَاجِرين على أُسَارَى مُشْركي بدر مِنْهُم أَبُو بكر
وَعمر وَعلي وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَسعد وَأَبُو
عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالَت الْأَنْصَار: قتلناهم فِي الله
وَفِي رَسُوله وتوفونهم بِالنَّفَقَةِ فَأنْزل الله فيهم تسع
عشرَة آيَة {إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها
كافوراً} إِلَى قَوْله: {عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} قَالَ: فاشيا
الْآيَة 8 - 23
(8/370)
وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا
(8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ
رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ
اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً
وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً
وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا
يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً
عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ
كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا
تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا
زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا
رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا
رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا
أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا
طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ
سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله: {ويطعمون الطَّعَام على حبه} قَالَ: وهم
يشتهونه {وأسيراً} قَالَ: هُوَ المسجون {إِنَّمَا نطعمكم لوجه
الله} الْآيَة قَالَ: لم يقل الْقَوْم ذَلِك حِين أطعموهم
وَلَكِن علم الله من قُلُوبهم فَأثْنى عَلَيْهِ بِهِ ليرغب
فِيهِ رَاغِب
(8/370)
وَأخرج سعيد بن الْمَنْصُور وَابْن أبي
شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: كَانَ الْأُسَارَى
مُشْرِكين يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة {ويطعمون الطَّعَام على
حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيراً}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لقد أَمر
الله بالأسارى أَن يحسن إِلَيْهِم وَأَنَّهُمْ يَوْمئِذٍ
لمشركون فوَاللَّه لأخوك الْمُسلم أعظم عَلَيْك حُرْمَة وَحقا
وَأخرج أَبُو عبيد فِي غَرِيب الحَدِيث وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان فِي قَوْله: {وأسيراً} قَالَ: لم يكن الْأَسير
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من
الْمُشْركين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: لم
يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأسر أهل الإِسلام
وَلكنهَا نزلت فِي أُسَارَى أهل الشّرك كَانُوا يأسرونهم فِي
الْفِدَاء فَنزلت فيهم فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَأْمر بالإِصلاح لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وأسيراً} قَالَ: هُوَ الْمُشرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وأسيراً}
قَالَ: مَا أسرت الْعَرَب من الْهِنْد وَغَيرهم فَإِذا حبسوا
فَعَلَيْكُم أَن تطعموهم وتسقوهم حَتَّى يقتلُوا أَو يفدوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي رزين قَالَ: كنت مَعَ شَقِيق بن
سَلمَة فَمر عَلَيْهِ أُسَارَى من الْمُشْركين فَأمرنِي أَن
أَتصدق عَلَيْهِم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ويطعمون الطَّعَام
على حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيراً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير وَعَطَاء {ويطعمون
الطَّعَام على حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيراً} قَالَا: من أهل
الْقبْلَة وَغَيرهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن أبي سعيد عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله الله: {مِسْكينا}
قَالَ: فَقِيرا {ويتيماً} قَالَ: لَا أَب لَهُ {وأسيراً}
قَالَ: الْمَمْلُوك والمسجون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ويطعمون
الطَّعَام على حبه} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي
عَليّ بن أبي طَالب وَفَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد عَن أم الْأسود سَرِيَّة الرّبيع بن خَيْثَم
قَالَت: كَانَ الرّبيع يُعجبهُ السكر يَأْكُلهُ فَإِذا جَاءَ
السَّائِل نَاوَلَهُ فَقلت: مَا يصنع بالسكر الْخبز لَهُ خير
قَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول: {ويطعمون الطَّعَام على
حبه}
(8/371)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْمًا عبوساً} قَالَ: ضيقا
{قمطريراً} قَالَ: طَويلا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْمًا عبوساً قمطريراً}
قَالَ: يقبض مَا بَين الْأَبْصَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق ابْن
عَبَّاس قَالَ: القمطرير الرجل المنقبض مَا بَين عَيْنَيْهِ
وَوَجهه
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {يَوْمًا عبوساً قمطريراً}
قَالَ: الَّذِي ينقبض وَجهه من شدَّة الوجع
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول
الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وَلَا يَوْم الحسار وَكَانَ يَوْمًا
عبوساً فِي الشدائد قمطريراً قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله:
{وَلَا زمهريراً} قَالَ: كَذَلِك أهل الْجنَّة لَا يصيبهم حر
الشَّمْس فيؤذيهم وَلَا الْبرد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: برهوهة الْخلق مثل الْعَتِيق لم
تَرَ شمساً وَلَا زمهريراً وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن
حميد عَن قَتَادَة {يَوْمًا عبوساً قمطريراً} قَالَ: يَوْمًا
تقبض فِيهِ الْحَيَاة من شدته
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَوْمًا} قَالَ: يَوْم
الْقِيَامَة {عبوساً} قَالَ: العابس الشفتين {قمطريراً} قَالَ:
تقبض الْوُجُوه بالسوء وَفِي لفظ انقباض مَا بَين عَيْنَيْهِ
وَوَجهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {ولقاهم نَضرة
وسروراً} قَالَ: نَضرة فِي وُجُوههم وسروراً فِي صُدُورهمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {ولقاهم
نَضرة} قَالَ: فِي الْوُجُوه {وسروراً} قَالَ: فِي الصُّدُور
والقلوب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ولقاهم نَضرة وسروراً}
قَالَ: نَضرة فِي وُجُوههم وسروراً فِي قُلُوبهم {وجزاهم بِمَا
صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا} قَالَ: الصَّبْر صبران صَبر على
طَاعَة الله وصبرعن مَعْصِيّة الله {متكئين فِيهَا على
الأرائك} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّهَا الحجال على السرر {لَا
يرَوْنَ فِيهَا شمساً وَلَا زمهريراً} قَالَ: علم الله
(8/372)
تبَارك وَتَعَالَى أَن شدَّة الْحر تؤذي
وَأَن شدَّة الْبرد تؤذي فوقاهم الله عذابهما جَمِيعًا
قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدث
أَن جَهَنَّم اشتكت إِلَى رَبهَا فنفسها فِي كل عَام نفسين
فشدة الْحر من حرهَا وَشدَّة الْبرد من زمهريرها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن الزُّهْرِيّ فِي
قَوْله: {لَا يرَوْنَ فِيهَا شمساً وَلَا زمهريراً} قَالَ:
حَدثنِي أَبُو سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا
فَقَالَت: يَا رب أكل بَعْضِي بَعْضًا فنفسني فَجعل لَهَا فِي
كل عَام نفسين نفسا فِي الشتَاء ونفساً فِي الصَّيف
فشدة الْبرد الَّذِي تَجِدُونَ من زمهرير جَهَنَّم وَشدَّة
الْحر الَّذِي تَجِدُونَ من حر جَهَنَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اشتكت النَّار إِلَى
رَبهَا فَقَالَت: رب أكل بَعْضِي بَعْضًا فَجعل لَهَا نفسين
نفسا فِي الشتَاء ونفساً فِي الصَّيف فشدة مَا تجدونه من
الْبرد من زمهريرها وَشدَّة مَا تجدونه فِي الصَّيف من الْحر
من سمومها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وَلَا زمهريراً} قَالَ: بردا مقطعاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ:
الزَّمْهَرِير هُوَ الْبرد الشَّديد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: الزَّمْهَرِير إِنَّمَا هُوَ لون من الْعَذَاب إِن الله
تَعَالَى قَالَ: {لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ أَو أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم حَار ألْقى الله
سَمعه وبصره إِلَى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض فَإِذا قَالَ
العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله مَا أَشد حر هَذَا الْيَوْم
اللَّهُمَّ أجرني من حر جَهَنَّم قَالَ الله عز وَجل
لِجَهَنَّم إِن عبدا من عَبِيدِي استجار بيّ مِنْك وَإِنِّي
أشهدك أَنِّي قد أجرته وَإِذا كَانَ يَوْم شَدِيد الْبرد ألْقى
الله سَمعه وبصره إِلَى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض فَإِذا
قَالَ العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله مَا أَشد برد هَذَا
الْيَوْم اللَّهُمَّ أجرني من زمهرير جَهَنَّم قَالَ الله
لِجَهَنَّم: إِن عبدا من عَبِيدِي استجارني من زمهريرك
وَإِنِّي أشهدك أَنِّي قد أجرته
فَقَالُوا وَمَا زمهرير جَهَنَّم قَالَ كَعْب: بَيت يلقى فِيهِ
الْكَافِر فيتميز من شدَّة بردهَا بعضه من بعض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْجنَّة
سَجْسَج لَا قر فِيهَا وَلَا حر
(8/373)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَعبد الله بن
أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن المنذروابن
أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْبَراء بن عَازِب فِي
وَقَوله: {ودانية عَلَيْهِم ظلالهاً} قَالَ: قريبَة {وذللت
قطوفها تذليلاً} قَالَ: إِن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون من ثمار
الْجنَّة قيَاما وقعوداً ومضطجعين وعَلى أَي حَال شاؤوا وَفِي
لفظ قَالَ: ذللت لَهُ فيتناولون مِنْهَا كَيفَ شاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وذللت قطوفها تذليلاً}
قَالَ: إِن قعدوا نالوها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {وذللت قطوفها تذليلاً}
قَالَ: أدنيت مِنْهُم يتناولونها وهم متكئون
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وذللت قطوفها تذليلاً}
قَالَ: أدنيت مِنْهُم يتناولونها إِن قَامَ ارْتَفَعت
بِقَدرِهِ وَإِن قعد تدلت حَتَّى ينالها وَإِن اضْطجع تدلت
حَتَّى ينالها فَذَلِك تذليلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: يَقُول
غلْمَان أهل الْجنَّة من أَيْن نقطف لَك من أَيْن نسقيك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: أَرض الْجنَّة ورق
وترابها مسك وأصول شَجَرهَا ذهب وورق وأفنانها اللُّؤْلُؤ
والزبرجد وَالْوَرق وَالثِّمَار بَين ذَلِك فَمن أكل قَائِما
لم يؤذه وَمن أكل مُضْطَجعا لم يؤذه وَمن أكل جَالِسا لم يؤذه
{وذللت قطوفها تذليلاً} وَفِي لفظ إِن قَامَ ارْتَفَعت
بِقَدرِهِ وَإِن قعد تدلت حَتَّى ينالها وَإِن اضْطجع تدلت
حَتَّى ينالها فَذَلِك تذليلها
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَيُطَاف عَلَيْهِم بآنية من
فضَّة} الْآيَة قَالَ: صفاء الْقَوَارِير فِي بَيَاض الْفضة
{قدروها تَقْديرا} قَالَ: قدرت على قدر رَأْي الْقَوْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ / قدرهَا
/ بِرَفْع الْقَاف
وَأخرج عَن الْحسن أَنه قَرَأَهَا بِنصب الْقَاف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
(8/374)
آنِية من فضَّة وصفاؤها كصفاء الْقَوَارِير
{قدروها تَقْديرا} قَالَ: قدرت للكف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْبَعْث من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو
أخذت فضَّة من فضَّة الدُّنْيَا فضربتها حَتَّى جَعلتهَا مثل
جنَاح الذُّبَاب لم ير المَاء عَن وَرَائِهَا وَلَكِن
قَوَارِير الْجنَّة بَيَاض الْفضة فِي صفاء الْقَوَارِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ فِي
الْجنَّة شَيْء إِلَّا قد أعطيتم فِي الدُّنْيَا شبهه إِلَّا
{قَوَارِير من فضَّة}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: لَو اجْتمع أهل
الدُّنْيَا على أَن يعملوا إِنَاء من فضَّة يرى مَا فِيهِ من
خَلفه كَمَا يرى فِي الْقَوَارِير مَا قدرُوا عَلَيْهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {قدروها تَقْديرا} قَالَ: أَتَوا بهَا على قدرهم لَا
يفضلون شَيْئا وَلَا يشتهون بعْدهَا شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد
قَالَ: الْآنِية الأقداح والأكواب الكوكبات وتقديرها أَنَّهَا
لَيست بالملأى الَّتِي تفيض وَلَا نَاقِصَة بِقدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {قدروها
تَقْديرا} قَالَ: قدرتها السقاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله: {قَوَارِير من
فضَّة} قَالَ: صفاؤها صفاء الْقَوَارِير وَهِي من فضَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة {كَانَ مزاجها زنجبيلاً} قَالَ: يمزج لَهُم بالزنجبيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {كَانَ مزاجها زنجبيلاً}
قَالَ: يأثر لَهُم مَا كَانُوا يشربون فِي الدُّنْيَا فَيَجِيء
إِلَيْهِم بذلك
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَربع عُيُون فِي الْجنَّة عينان تجريان من تَحت الْعَرْش
إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكر الله {يفجرونها تفجيراً} وَالْأُخْرَى
الزنجبيل وعينان نضاختان من فَوق إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكر الله
سلسبيلاً وَالْأُخْرَى التسنيم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن
حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله: {عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} قَالَ: حَدِيدَة الجرية
(8/375)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك
{عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} قَالَ: عين الْخمْرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {تسمى سلسبيلاً}
قَالَ: تجْرِي سلسلة السَّبِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} قَالَ: سلسلة فِيهَا يصرفونا
حَيْثُ شاؤوا وَفِي قَوْله: {حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} قَالَ: من
حسنهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا الْمُؤمن
على فرَاشه إِذْ أبْصر شَيْئا يسير نَحوه فَجعل يَقُول:
لُؤْلُؤ فَإِذا ولدان مخلدون كَمَا وَصفهم الله وَهِي الْآيَة
{إِذا رَأَيْتهمْ حسبتهم لؤلؤاً منثوراً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أَوَّلهمْ خُرُوجًا إِذا خَرجُوا
وَأَنا قائدهم إِذا وفدوا وَأَنا خطيبهم إِذا أَنْصتُوا وَأَنا
مستشفعهم إِذا جَلَسُوا وَأَنا مبشرهم إِذا أيسوا الْكَرَامَة
والمفاتيح بيَدي ولواء الْحَمد بيَدي وآدَم وَمن دونه تَحت
لِوَائِي وَلَا فَخر يطوف عَلَيْهِم ألف خَادِم كَأَنَّهُمْ
بيض مَكْنُون أَو لُؤْلُؤ منثور
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وهناد وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الْبَعْث عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن
أدنى أهل الْجنَّة منزلا من يسْعَى عَلَيْهِ ألف خَادِم كل
وَاحِد على عمل لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحبه
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه ذكر ركب أهل الْجنَّة ثمَّ
تَلا {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيماً وملكاً كَبِيرا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت
نعيماً وملكاً كَبِيرا} قَالَ: هُوَ اسْتِئْذَان الْمَلَائِكَة
لَا تدخل عَلَيْهِم إِلَّا بِإِذن
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {وملكاً كَبِيرا}
قَالَ: بلغنَا أَنه اسْتِئْذَان الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن وهب عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة
الَّذِي يركب فِي ألف ألف من خدمَة من الْولدَان المخلدين على
(8/376)
خيل من ياقوت أَحْمَر لَهَا أَجْنِحَة من
ذهب {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيماً وملكاً كَبِيرا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: دخل
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ رَاقِد على حَصِير من جريد قد أثر فِي
جنبه فَبكى عمر فَقَالَ: مَا يبكيك فَقَالَ: ذكرت كسْرَى
وَملكه وَقَيْصَر وَملكه وَصَاحب الْحَبَشَة وَملكه وَأَنت
رَسُول الله على حَصِير من جريد فَقَالَ: أما ترْضى أَن لَهُم
الدُّنْيَا وَلنَا الْآخِرَة فَأنْزل الله {وَإِذا رَأَيْت
ثمَّ رَأَيْت نعيماً وملكاً كَبِيرا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الجوزاء أَنه
كَانَ يقْرَأ {عاليهم ثِيَاب سندس خضر} قَالَ: علت الخضرة
أكثرثياب أَهلهَا الخضرة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{شرابًا طهُورا} قَالَ: مَا ذكر الله من الْأَشْرِبَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {شرابًا طهُورا} قَالَ:
مَا ذكر الله من الْأَشْرِبَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
قلَابَة رَضِي الله عَنهُ {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا} قَالَ:
إِذا أكلُوا أَو شربوا مَا شَاءَ الله من الطَّعَام وَالشرَاب
دعوا الشَّرَاب الطّهُور فيشربون فيطهرهم فَيكون مَا أكلُوا
وَشَرِبُوا جشاء برِيح مسك يفِيض من جُلُودهمْ ويضمر لذَلِك
بطونهم
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم
التَّيْمِيّ فِي هَذِه الْآيَة {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا}
قَالَ: عرق يفِيض من أعراضهم مثل ريح الْمسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: بَلغنِي أَنه
يقسم للرجل من أهل الْجنَّة شَهْوَة مائَة رجل من أهل
الدُّنْيَا وأكلهم ونهمتهم فَإِذا أكل سقِِي شرابًا طهُورا
يخرج من جلده رشحاً كَرَشْحِ الْمسك ثمَّ تعود شَهْوَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَكَانَ سعيكم مشكوراً} فَقَالَ: لقد
شكر الله سعياً قَلِيلا
(8/377)
الْآيَة 24 - 31
(8/378)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ
رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ
اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ
وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ
وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا
أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ
شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ
وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما
أَو كفوراً} قَالَ: حَدثنَا أَنَّهَا نزلت فِي عدوّ الله أبي
جهل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه أَن أَبَا
جهل قَالَ: لما فرضت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الصَّلَاة وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة: لَئِن رَأَيْت
مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَن على عُنُقه
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو
كفوراً}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {آثِما أَو كفوراً} قَالَ: كَانَ أَبُو جهل يَقُول:
لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَن على رقبته
فَنَهَاهُ أَن يطيعه وَفِي قَوْله: {يَوْمًا ثقيلاً} قَالَ:
عسراً شَدِيدا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وشددنا أسرهم} قَالَ:
خلقهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {وشددنا
أسرهم} قَالَ: هِيَ المفاصل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع {وشددنا
أسرهم} قَالَ: مفاصلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {وشددنا أسرهم}
(8/378)
قَالَ: خلقهمْ وَفِي قَوْله: {إِن هَذِه
تذكرة} قَالَ: هَذِه السُّورَة تذكرة وَالله أعلم
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله الْقَدَرِيَّة وَقد
فعل لعن الله الْقَدَرِيَّة وَقد فعل
لعن الله الْقَدَرِيَّة وَقد فعل
مَا قَالُوا كَمَا قَالَ الله وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَت
الْمَلَائِكَة وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَت الْأَنْبِيَاء وَلَا
قَالُوا كَمَا قَالَت أهل الْجنَّة وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَت
أهل النَّار وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَ الشَّيْطَان
قَالَ الله {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَت
الْمَلَائِكَة: (لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا) (سُورَة
الْبَقَرَة الْآيَة 32) وَقَالَت الْأَنْبِيَاء فِي قصَّة نوح:
(وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله
يُرِيد أَن يغويكم) (سوره هود الْآيَة 34) وَقَالَت أهل
الْجنَّة: (وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله)
(سُورَة الْأَعْرَاف الْآيَة 43) وَقَالَ أهل النَّار (رَبنَا
غلبت علينا شِقْوَتنَا) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 106)
وَقَالَ الشَّيْطَان: (رب بِمَا أغويتني) (سُورَة الْحجر
الْآيَة 39)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن شهَاب عَن سَالم عَن
أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: إِذا خطب كل مَا هُوَ آتٍ قريب
لَا بعد لما يَأْتِي وَلَا يعجل الله لعجلة أحد مَا شَاءَ الله
لَا مَا شَاءَ النَّاس يُرِيد النَّاس أمرا وَيُرِيد الله أمرا
مَا شَاءَ الله كَانَ وَلَو كره النَّاس
لَا مباعد لما قرب الله وَلَا مقرب لما باعد الله لَا يكون
شَيْء إِلَّا بِإِذن الله
(8/379)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
77
سُورَة المرسلات
مَكِّيَّة وآياتها خَمْسُونَ
الْآيَة 1 - 19
(8/380)
وَالْمُرْسَلَاتِ
عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ
نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ
ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ
لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا
السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ
(12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ
الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ
الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة المرسلات بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحن
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَار بمنى إِذْ
نزلت عَلَيْهِ سُورَة والمرسلات عرفا فَإِنَّهُ يتلوها
وَإِنِّي لألقاها من فِيهِ وَإِن فَاه لرطب بهَا إِذا وَثَبت
عَلَيْهِ حَيَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اقتلوها فابتدرناها فَذَهَبت
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وقيت شركم كَمَا
وقيتم شَرها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: نزلت {والمرسلات عرفا} نَحْو لَيْلَة الْحَيَّة
قَالُوا وَمَا لَيْلَة الْحَيَّة قَالَ: خرجت حَيَّة فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقتلوها فتغيبت فِي حجر
فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِن الله وقاها شركم كَمَا وقاكم شَرها
(8/380)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَار فَنزلت
عَلَيْهِ {والمرسلات} فأخذتها من فِيهِ وَإِن فَاه لرطب بهَا
فَلَا أَدْرِي بأيها ختم {فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ} أَو
{وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن أم الْفضل سمعته وَهُوَ
يقْرَأ {والمرسلات عرفا} فَقَالَت: يَا بني لقد ذَكرتني
بِقِرَاءَتِك هَذِه السُّورَة إِنَّهَا لآخر مَا سَمِعت من
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا فِي الْمغرب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عبد الْعَزِيز أبي
سكين قَالَ: أتيت أنس بن مَالك فَقلت: أَخْبرنِي عَن صَلَاة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى بِنَا الظّهْر
وَقَرَأَ قِرَاءَة همساً بالمرسلات والنازعات وَعم يتساءلون
وَنَحْوهَا من السُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {والمرسلات عرفا} قَالَ: هِيَ
الْمَلَائِكَة أرْسلت بِالْمَعْرُوفِ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود رَضِي
الله عَنهُ {والمرسلات عرفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن
جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الرِّيَاح ثَمَان أَربع مِنْهَا عَذَاب وَأَرْبع مِنْهَا
رَحْمَة فالعذاب مِنْهَا العاصف والصرصر والعقيم والقاصف
وَالرَّحْمَة مِنْهَا الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات
فَيُرْسل الله المرسلات فتثير السَّحَاب ثمَّ يُرْسل
الْمُبَشِّرَات فتلقح السَّحَاب ثمَّ يُرْسل الذاريات فَتحمل
السَّحَاب فتدر كَمَا تدر اللقحة ثمَّ تمطر وَهِي اللواقح ثمَّ
يُرْسل الناشرات فتنشر مَا أَرَادَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق أبيّ العبيدين أَنه سَأَلَ ابْن مَسْعُود
{والمرسلات عرفا} قَالَ: الرّيح {فالعاصفات عصفاً} قَالَ:
الرّيح {والناشرات نشراً} قَالَ: الرّيح {فالفارقات فرقا}
قَالَ: حَسبك
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن خَالِد
بن عرْعرة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ رجل إِلَى عليّ
فَقَالَ: مَا العاصفات عصفاً
قَالَ: الرِّيَاح
(8/381)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا {والمرسلات عرفا} قَالَ: الرّيح {فالعاصفات
عصفاً} قَالَ: الرّيح {فالفارقات فرقا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
{فالملقيات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{والمرسلات عرفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة {فالفارقات فرقا}
قَالَ: الْمَلَائِكَة فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل {فالملقيات
ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة بالتنزيل
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والمرسلات
عرفا} قَالَ: الرّيح {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: الرّيح
{والناشرات نشراً} قَالَ: الرّيح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة {والمرسلات عرفا} قَالَ: هِيَ الرّيح
{فالعاصفات عصفاً} قَالَ: هِيَ الرّيح {فالفارقات فرقا}
يَعْنِي الْقُرْآن مَا فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل
{فالملقيات ذكرا} هِيَ الْمَلَائِكَة تلقي الذّكر على الرُّسُل
وتلقيه الرُّسُل على بني آدم عذرا أَو نذرا
قَالَ: عذرا من الله ونذراً مِنْهُ إِلَى خلقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {والمرسلات عرفا فالعاصفات
عصفاً والناشرات نشراً فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا} قَالَ:
الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مَسْرُوق {والمرسلات عرفا} قَالَ:
الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن
الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {والمرسلات عرفا}
قَالَ: هِيَ الرُّسُل ترسل بِالْمَعْرُوفِ {فالعاصفات عصفاً}
قَالَ: الرّيح {والناشرات نشراً} قَالَ: الْمَطَر {فالفارقات
فرقا} قَالَ: الرُّسُل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من وَجه آخر
عَن أبي صَالح {والمرسلات عرفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يجيئون
بالأعارف {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: الرّيح العواصف {والناشرات
نشراً} قَالَ: الْمَلَائِكَة ينشرون الْكتب {فالفارقات فرقا}
قَالَ: الْمَلَائِكَة يفرقون بَين الْحق وَالْبَاطِل
{فالملقيات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يجيئون بِالْقُرْآنِ
وَالْكتاب عذرا من الله أَو نذرا مِنْهُ إِلَى النَّاس وهم
الرُّسُل يعذرُونَ وينذرون
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن
(8/382)
زيد بن ثَابت عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أنزل الْقُرْآن بالتفخيم
قَالَ عمار بن عبد الْملك: كَهَيْئَته عذرا ونذراً والصدفين
وَألا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَأَشْبَاه هَذَا فِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {فَإِذا النُّجُوم طمست}
قَالَ: تطمس فَيذْهب نورها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {وَإِذا الرُّسُل أقتت}
قَالَ: وعدت
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {أقتت} قَالَ: أجلت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس {أقتت} قَالَ: جمعت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
{ليَوْم الْفَصْل} قَالَ: يَوْم يفصل الله فِيهِ بَين النَّاس
بأعمالهم إِلَى الْجنَّة وَإِلَى النَّار {وَمَا أَدْرَاك مَا
يَوْم الْفَصْل} قَالَ: يَعِظهُمْ بذلك {ويل يَوْمئِذٍ
للمكذبين} قَالَ: ويل لَهُم وَالله ويلاً طَويلا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: ويل وَاد فِي جَهَنَّم يسيل فِيهِ صديد أهل النَّار
فَجعل للمكذبين وَالله أعلم
الْآيَة 20 - 50
(8/383)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ
مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ
(21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ
الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً
وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ
وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ
تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ
(30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا
تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ
(33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ
لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
(36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ
الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ
لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ
وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا
وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا
إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا
يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {ألم نخلقكم من مَاء مهين} يَعْنِي بالمهين الضَّعِيف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله: {من مَاء مهين} قَالَ: ضَعِيف فِي قَرَار مكين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فقدرنا فَنعم القادرون}
قَالَ: فملكنا فَنعم المالكون
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {فقدرنا فَنعم القادرون}
قَالَ: فخلقنا فَنعم المالكون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن
عَبَّاس {كفاتاً} قَالَ: كُنَّا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن
مُجَاهِد {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتاً} قَالَ: تكفتهم
أَمْوَاتًا وتكف إِذا هم أَحيَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن ابْن مَسْعُود أَنه أَخذ قملة فدفنها فِي الْمَسْجِد
ثمَّ قَرَأَ {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتاً أَحيَاء وأمواتاً}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {كفاتاً}
قَالَ: تكفت الْمَيِّت وَلَا يرى مِنْهُ شَيْء وَقَوله:
{أَحيَاء} الرجل فِي بَيته لَا يرى من عمله شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {رواسي} جبالاً شامخات مشرفات
{فراتاً} عذباً {بشرر كالقصر} قَالَ: كالقصر الْعَظِيم {جمالة
صفر} قَالَ: قطع النّحاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
{ظلّ ذِي ثَلَاث شعب} دُخان جَهَنَّم
(8/384)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْكَلْبِيّ فِي
قَوْله: {ظلّ ذِي ثَلَاث شعب} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (نَار
أحَاط بهم سرادقها) (سُورَة الْكَهْف الْآيَة 29) والسرادق
الدُّخان دُخان النَّار فأحاط بهم سرادقها ثمَّ تفرق فَكَانَ
ثَلَاث شعب شُعْبَة هَهُنَا وَشعْبَة هَهُنَا وَشعْبَة هَهُنَا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَالْبُخَارِيّ وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْحَاكِم من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن عَابس قَالَ: سَمِعت
ابْن عَبَّاس يسْأَل عَن قَوْله: {إِنَّهَا ترمي بشرر كالقصر}
قَالَ: كُنَّا نرفع الْخشب بقصر ثَلَاثَة أَذْرع أَو أقل
فنرفعه للشتاء فنسميه الْقصر
قَالَ: وسمعته يسْأَل عَن قَوْله تَعَالَى: {جمالة صفر} قَالَ:
حبال السفن يجمع بَعْضهَا إِلَى بعض حَتَّى تكون كأوساط
الرِّجَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير
عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا {كالقصر} بِفَتْح الْقَاف
وَالصَّاد
قَالَ: قصر النّخل يَعْنِي الْأَعْنَاق وَكَانَ يقْرَأ /
جمالات / بِضَم الْجِيم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس {كالقصر} قَالَ:
كجذور الشّجر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت
الْعَرَب تَقول فِي الْجَاهِلِيَّة: اقصروا لنا الْحَطب فَيقطع
على قدر الذِّرَاع والذراعين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن
مَسْعُود فِي قَوْله: {ترمي بشرر كالقصر} قَالَ: إِنَّهَا
لَيست كالشجر وَالْجِبَال وَلكنهَا مثل الْمَدَائِن والحصون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {كالقصر} قَالَ: هُوَ الْقصر {كَأَنَّهُ جمالة صفر}
قَالَ: الإِبل
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن الْحسن فِي
قَوْله: {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: الصفر السود وَفِي
قَوْله: {جمالة صفر} قَالَ: هُوَ الجسر وَفِي لفظ قَالَ:
الْجبَال
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كالقصر}
قَالَ: مثل قصر النَّخْلَة
(8/385)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي
الْآيَة قَالَ: الْقصر أصُول الشّجر الْعِظَام كَأَنَّهَا
أجواز الإِبل الصفر
قَالَ ابْن جرير: وسط كل شَيْء جوزة
وَأخرج ابْن جرير عَن هَارُون قَالَ: قَرَأَهَا الْحسن
{كالقصر} بجزم الصَّاد وَقَالَ: هُوَ الجزل من الْخشب
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ:
كالنوق السود
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {كَأَنَّهُ
جمالة صفر} يَقُول: قطع النّحاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{كالقصر} قَالَ: حزم الشّجر وَقطع النّخل {كَأَنَّهُ جمالة
صفر} قَالَ: جبال الجسور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة {كالقصر} قَالَ: أصُول الشّجر وأصول
النّخل {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: كَأَنَّهُ نُوق سود
وَأخرج عبد حميد عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يقْرَأ {كالقصر}
قَالَ: كقطعة النَّخْلَة الجادرة {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ:
القلوص
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الصَّامِت قَالَ: قلت
لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَرَأَيْت قَول الله: {هَذَا
يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} قَالَ: إِن
يَوْم الْقِيَامَة يَوْم لَهُ حالات وتارات فِي حَال لَا
ينطقون وَفِي حَال ينطقون وَفِي حَال يَعْتَذِرُونَ لَا
أحدثكُم إِلَّا مَا حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ينزل الْجَبَّار
فِي ظلل من الْغَمَام وكل أمة جاثية فِي ثَلَاثَة حجب مسيرَة
كل حجاب خَمْسُونَ ألف سنة حجاب من نور وحجاب بن ظلمَة وحجاب
من مَاء لَا يرى لذَلِك فيأمر بذلك المَاء فَيَعُود فِي تِلْكَ
الظلمَة وَلَا تسمع نفس ذَلِك القَوْل إِلَّا ذهبت فَعِنْدَ
ذَلِك لَا ينطقون
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق عِكْرِمَة قَالَ: سَأَلَ
نَافِع بن الْأَزْرَق ابْن عَبَّاس عَن قَوْله تَعَالَى:
{هَذَا يَوْم لَا ينطقون} و (فَلَا تسمع إِلَّا همسا) (سُورَة
طه الْآيَة 108) و (أقبل بَعضهم على بعض يتساءلون) (سُورَة
الصافات الْآيَة 27) و (هاؤم اقرؤوا كِتَابيه) (سُورَة الحاقة
الْآيَة 19) فَمَا هَذَا قَالَ:
(8/386)
وَيحك هَل سَأَلت عَن هَذَا أحدا قبلي
قَالَ: لَا
قَالَ: إِنَّك لَو كنت سَأَلت هَلَكت أَلَيْسَ قَالَ الله
تَعَالَى: (وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ)
(سُورَة الْحَج الْآيَة 47) قَالَ: بلَى
قَالَ: وَإِن لكل مِقْدَار يَوْم من الْأَيَّام لوناً من
الألوان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله:
{يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: أَلا أخْبركُم
بأشد مِمَّا تسْأَلُون عَنهُ قَالَ ابْن عَبَّاس وَذكر (لَا
يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان) (سُورَة الرَّحْمَن الْآيَة
39) (فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ) (سُورَة الْحجر الْآيَة 92)
و {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّهَا
أَيَّام كَثِيرَة فِي يَوْم وَاحِد فيصنع الله فِيهَا مَا
يَشَاء فَمِنْهَا يَوْم لَا ينطقون وَمِنْهَا يَوْم عبوساً
قمطريراً
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الضُّحَى أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
وعطية أَتَيَا ابْن عَبَّاس فَقَالَا: يَا ابْن عَبَّاس
أخبرنَا عَن قَول الله: {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} وَقَوله:
(ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون)
(سُورَة الزمر الْآيَة 31) وَقَوله: (وَالله رَبنَا مَا كُنَّا
مُشْرِكين) (سُورَة الْأَنْعَام الْآيَة 6) وَقَوله: (وَلَا
يكتمون الله حَدِيثا) (سُورَة النِّسَاء الْآيَة 42) قَالَ:
وَيحك يَا ابْن الْأَزْرَق إِنَّه يَوْم طَوِيل وَفِيه
مَوَاقِف تَأتي عَلَيْهِم: سَاعَة لَا ينطقون ثمَّ يُؤذن لَهُم
فيختصمون ثمَّ يمكثون مَا شَاءَ الله يحلفُونَ ويجهدون فَإِذا
فعلوا ذَلِك ختم الله على أَفْوَاههم وَيَأْمُر جوارحهم فَتشهد
على أَعْمَالهم بِمَا صَنَعُوا ثمَّ تنطق ألسنتهم
فَيَشْهَدُونَ على أنفسهم بِمَا صَنَعُوا
قَالَ: ذَلِك قَوْله: {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: أتيت بَيت الْمُقَدّس فَإِذا
عبَادَة بن الصَّامِت وَعبد الله بن عَمْرو وَكَعب الْأَحْبَار
يتحدثون فِي بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ عباد: إِذا كَانَ يَوْم
الْقِيَامَة جمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد فَيَنْفُذهُمْ
الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَيَقُول الله {هَذَا يَوْم
لَا ينطقون} {هَذَا يَوْم الْفَصْل جمعناكم والأولين فَإِن
كَانَ لكم كيد فكيدون} الْيَوْم لَا ينجو مني جَبَّار وَلَا
شَيْطَان مُرِيد فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو: إِنَّا نجد فِي
الْكتاب أَنه يخرج يَوْمئِذٍ عنق من النَّار فَينْطَلق معنقاً
حَتَّى إِذا كَانَ بَين ظهراني النَّاس قَالَ: يَا أَيهَا
النَّاس إِنِّي بعثت إِلَى ثَلَاثَة أَنا أعرف بهم من
الْوَالِد بولده وَمن الْأَخ بأَخيه لَا يغنيهم مني
(8/387)
وزر وَلَا تخفيهم مني خافية: الَّذِي
يَجْعَل مَعَ الله إِلَهًا آخر وكل جَبَّار عنيد وكل شَيْطَان
مُرِيد
قَالَ: فينطوي عَلَيْهِم فيقذفهم فِي النَّار قبل الْحساب
بِأَرْبَعِينَ
إِمَّا قَالَ يَوْمًا وَإِمَّا عَاما
قَالَ: ويهرع قوم إِلَى الْجنَّة فَتَقول لَهُم الْمَلَائِكَة:
قفوا لِلْحسابِ
فَيَقُولُونَ: وَالله مَا كَانَت لنا أَمْوَال وَمَا كُنَّا
بعمال
فَيَقُول الله: صدق عبَادي أَنا أَحَق من أوفى بعهده ادخُلُوا
الْجنَّة
فَيدْخلُونَ قبل الْحساب بِأَرْبَعِينَ
إِمَّا قَالَ يَوْمًا وَإِمَّا عَاما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي فِي
قَوْله: {كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} أَي: لَا موت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {كلوا وتمتعوا
قَلِيلا} قَالَ: عَنى بذلك أهل الْكفْر
وَأخرج عبد حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا
لَا يَرْكَعُونَ} قَالَ: نزلت فِي ثَقِيف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا} قَالَ: صلوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
{وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا} قَالَ: عَلَيْكُم بِإِحْسَان
الرُّكُوع فَإِن الصَّلَاة من الله بمَكَان
قَالَ: وَذكر لنا أَن حُذَيْفَة رأى رجلا يُصَلِّي وَلَا
يرْكَع كَأَنَّهُ بعير نافر
قَالَ: لَو مَاتَ هَذَا مَا مَاتَ على شَيْء من سنة الإِسلام
قَالَ: وَحدثنَا أَن ابْن مَسْعُود رأى رجلا يُصَلِّي وَلَا
يرْكَع وَآخر يجر إزَاره فَضَحِك قَالُوا: مَا يضحكك يَا ابْن
مَسْعُود قَالَ: أضحكني رجلَانِ أَحدهمَا لَا ينظر الله
إِلَيْهِ وَالْآخر لَا يقبل الله صلَاته
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذا قيل لَهُم
ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يَقُول: يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة
إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ السُّجُود من أجل أَنهم
لم يَكُونُوا يَسْجُدُونَ لله فِي الدُّنْيَا وَالله أعلم
(8/388)
|