الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
72
سُورَة الْجِنّ
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
سُورَة الْجِنّ بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة {قل
أُوحِي} بِمَكَّة
الْآيَة 1 - 10
(8/296)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا
سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ
فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً
وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى
اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ
كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ
الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا
ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا
لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا
شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا
مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ
بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا
(10)
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَبَان الْمُنْذر
وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم
وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَائِفَة
من أَصْحَابه عَامِدين إِلَى سوق عكاظ وَقد حيل بَين
الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب
فَرَجَعت الشَّيَاطِين إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا: مَا لكم
فَقَالُوا: أُحِيل بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسلت
علينا الشهب
(8/296)
فَقَالُوا: مَا حَال بَيْنكُم وَبَين خبر
السَّمَاء إِلَّا شَيْء حدث فاضربوا مَشَارِق الأَرْض
وَمَغَارِبهَا فانظروا مَا الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر
السَّمَاء فَانْصَرف أُولَئِكَ الَّذين ذَهَبُوا نَحْو تهَامَة
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بنخلة عَامِدين
إِلَى سوق عكاظ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر
فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن اسْتَمعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا
وَالله الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء فهنالك
رجعُوا إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا: يَا قَومنَا {إِنَّا سمعنَا
قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك
بربنا أحدا} فَأنْزل الله على نبيه {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه
اسْتمع نفر من الْجِنّ} وَإِنَّمَا أوحى إِلَيْهِ قَول الْجِنّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الْملك قَالَ: لم تحرس الْجِنّ
فِي الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد فَلَمَّا بعث الله
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرست السَّمَاء الدُّنْيَا
ورميت الْجِنّ بِالشُّهُبِ فاجتمعت إِلَى إِبْلِيس فَقَالَ:
لقد حدث فِي الأَرْض حدث فتعرفوا فأخبرونا مَا هَذَا الْحَدث
فَبعث هَؤُلَاءِ النَّفر إِلَى تهَامَة وَإِلَى جَانب الْيمن
وهم أَشْرَاف الْجِنّ وسادتهم فوجدوا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة الْغَدَاة بنخلة فسمعوه
يَتْلُوا الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالَ: أَنْصتُوا
فَلَمَّا قضى يَعْنِي بذلك أَنه فرغ من صَلَاة الصُّبْح ولوا
إِلَى قَومهمْ منذرين مُؤمنين لم يشْعر بهم حَتَّى نزل {قل
أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} يُقَال: سَبْعَة من
أهل نَصِيبين
وَأخرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب صفوة الصفوة بِسَنَدِهِ عَن
سهل بن عبد الله قَالَ: كنت فِي نَاحيَة ديار عَاد إِذا
رَأَيْت مَدِينَة من حجر منقورة فِي وَسطهَا قصر من حِجَارَة
تأويه الْجِنّ فَدخلت فَإِذا شيخ عَظِيم الْخلق يُصَلِّي نَحْو
الْكَعْبَة وَعَلِيهِ جُبَّة صوف فِيهَا طراوة فَلم أتعجب من
عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عليّ
السَّلَام وَقَالَ: يَا سهل إِن الْأَبدَان لَا تخلق الثِّيَاب
وَإِنَّمَا يخلقها رَوَائِح الذُّنُوب ومطاعم السُّحت وَإِن
هَذِه الْجُبَّة عليَّ مُنْذُ سَبْعمِائة سنة لقِيت بهَا
عِيسَى ومحمداً عَلَيْهِمَا السَّلَام فآمنت بهما فَقلت لَهُ:
وَمن أَنْت قَالَ: أَنا من الَّذين نزلت فيهم {قل أُوحِي
إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} قَالَ: كَانُوا من جن
نَصِيبين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: الْأَمر وعظمته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله تَعَالَى: {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: أمره
وَقدرته
(8/297)
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن
عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله:
{تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: عَظمته
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت الشَّاعِر وَهُوَ
يَقُول: لَك الْحَمد والنعماء وَالْملك رَبنَا وَلَا شَيْء
أَعلَى مِنْك جدا وأمجدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لَو علمت الْجِنّ أَيَّة يكون فِي الإِنس مَا قَالُوا
{تَعَالَى جد رَبنَا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {تَعَالَى جد
رَبنَا} قَالَ: غنى رَبنَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن
حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ:
تعالت عَظمته
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {تَعَالَى جد
رَبنَا} قَالَ: جلال رَبنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا}
قَالَ: ذكره وَفِي قَوْله: {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا}
قَالَ: هُوَ إِبْلِيس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي بِسَنَد واه عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا} قَالَ:
إِبْلِيس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُثْمَان بن حَاضر مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا
على الله شططاً} قَالَ: عَصَاهُ سَفِيه الْجِنّ كَمَا عَصَاهُ
سَفِيه الإِنس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ الَّتِي
فِي الْجِنّ وَالَّتِي فِي النَّجْم وَأَن وَأَنه بِالنّصب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والعقيلي فِي
الضُّعَفَاء وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة
وَابْن عَسَاكِر عَن كردم بن أبي السَّائِب الْأنْصَارِيّ
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجت مَعَ أبي إِلَى الْمَدِينَة فِي
حَاجَة وَذَلِكَ أول مَا ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِمَكَّة فآوانا الْمبيت إِلَى راعي غنم فَلَمَّا انتصف
اللَّيْل جَاءَ ذِئْب فَأخذ حملا من الْغنم فَوَثَبَ الرَّاعِي
فَقَالَ: يَا عَامر الْوَادي أَنا جَار دَارك فَنَادَى منادٍ
لَا ترَاهُ يَا سرحان
(8/298)
أرْسلهُ فَأتى الْحمل يشْتَد حَتَّى دخل
فِي الْغنم وَأنزل الله على رَسُوله بِمَكَّة {وَأَنه كَانَ
رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي رَجَاء العطاردي من بني تَمِيم قَالَ:
بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد رعيت على أَهلِي
وكفيت مهنتهم فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خرجنَا هراباً فأتينا على فلاة من الأَرْض وَكُنَّا إِذا
أمسينا بِمِثْلِهَا قَالَ شَيخنَا: إِنَّا نَعُوذ بعزيز هَذَا
الْوَادي من الْجِنّ اللَّيْلَة فَقُلْنَا ذَاك فَقيل لنا:
إِنَّمَا سَبِيل هَذَا الرجل شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَمن أقرّ بهَا أَمن على
دَمه وَمَاله فرجعنا فَدَخَلْنَا فِي الإِسلام قَالَ أَبُو
رَجَاء: إِنِّي لأرى هَذِه الْآيَة نزلت فيّ وَفِي أَصْحَابِي
{وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ
فزادوهم رهقاً}
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة من طَرِيق مُجَاهِد
عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا من بني تَمِيم كَانَ جريئاً على
اللَّيْل وَالرِّجَال وَأَنه سَار لَيْلَة فَنزل فِي أَرض مجنة
فاستوحش فعقل رَاحِلَته ثمَّ توسد ذراعيها وَقَالَ: أعوذ
بِسَيِّد هَذَا الْوَادي من شَرّ أَهله فأجاره شيخ مِنْهُم
وَكَانَ مِنْهُم شَاب وَكَانَ سيداً فِي الْجِنّ فَغَضب
الشَّاب لما أجاره الشَّيْخ فَأخذ حَرْبَة لَهُ قد سَقَاهَا
السم لينحر نَاقَة الرجل بهَا فَتَلقاهُ الشَّيْخ دون النَّاقة
فَقَالَ: [] يَا مَالك بن مهلهل مهلا فَذَلِك محجري وإزاري عَن
نَاقَة الإِنسان لَا تعرض لَهَا واختر إِذا ورد المها أثواري
إِنِّي ضمنت لَهُ سَلامَة رَحْله فَاكْفُفْ يَمِينك راشداً عَن
جاري وَلَقَد أتيت إِلَى مَا لم أحتسب إِلَّا رعيت قَرَابَتي
وجواري تسْعَى إِلَيْهِ بِحَرْبَة مَسْمُومَة أفّ لقربك يَا
أَبَا اليقطاري لَوْلَا الْحيَاء وان أهلك جيرة لتمزقتك
بِقُوَّة أظفاري فَقَالَ لَهُ الْفَتى: أَتُرِيدُ أَن تعلوا
وتخفض ذكرنَا فِي غير مزرية أَبَا الْعيزَار متنحلاً أمرا
لغيرك فَضله فارحل فَإِن الْمجد للمرار من كَانَ مِنْكُم سيداً
فِيمَا مضى إِن الْخِيَار هم بَنو الأخيار فاقصد لقصدك يَا
معيكر إِنَّمَا كَانَ المجير مهلهل بن وبار فَقَالَ الشَّيْخ:
صدقت كَانَ أَبوك سيدنَا وأفضلنا دع هَذَا الرجل لَا أنازعك
(8/299)
بعده أحدا فَتَركه فَأتى الرجل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أصَاب أحدا مِنْكُم
وَحْشَة أَو نزل بِأَرْض مجنة فَلْيقل: أعوذ بِكَلِمَات الله
التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا يلج
فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا
يعرج فِيهَا وَمن فتن اللَّيْل وَمن طوارق النَّهَار إِلَّا
طَارِقًا يطْرق بِخَير فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَأَنه كَانَ
رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً}
قَالَ أَبُو نصر: غَرِيب جدا لم نَكْتُبهُ إِلَّا من هَذَا
الْوَجْه
وَأخرج الخرائطي فِي كتاب الهواتف عَن سعيد بن جُبَير رَضِي
الله عَنهُ أَن رجلا من بني تَمِيم يُقَال لَهُ: رَافع بن
عُمَيْر حدث عَن بَدْء إِسْلَامه قَالَ: إِنِّي لأسير برمل
عالج ذَات لَيْلَة إِذا غلبني النّوم فَنزلت عَن رَاحِلَتي
وأنختها ونمت وَقد تعوذت قبل نومي فَقلت: أعوذ بعظيم هَذَا
الْوَادي من الْجِنّ فَرَأَيْت رجلا فِي مَنَامِي بِيَدِهِ
حَرْبَة يُرِيد أَن يَضَعهَا فِي نحر نَاقَتي فانتبهت فَزعًا
فَنَظَرت يَمِينا وَشمَالًا فَلم أر شَيْئا فَقلت: هَذَا حلم
ثمَّ عدت فغفوت فَرَأَيْت مثل ذَلِك فانتبهت فَدرت حول نَاقَتي
فَلم أر شَيْئا فَإِذا نَاقَتي ترْعد
ثمَّ غفوت فَرَأَيْت مثل ذَلِك فنتبهت فَرَأَيْت نَاقَتي تضطرب
والتفتّ فَإِذا أَنا بِرَجُل شَاب كَالَّذي رَأَيْته فِي
الْمَنَام بِيَدِهِ حَرْبَة وَرجل شيخ مُمْسك بِيَدِهِ يردهُ
عَنْهَا فَبَيْنَمَا هما يتنازعان إِذْ طلعت ثَلَاثَة أثوار من
الْوَحْش فَقَالَ الشَّيْخ للفتى: قُم فَخذ أَيهَا شِئْت فدَاء
لناقة جاري الإِنسي
فَقَامَ الْفَتى فَأخذ مِنْهَا ثوراً عَظِيما وَانْصَرف ثمَّ
الْتفت إِلَى الشَّيْخ وَقَالَ: يَا هَذَا إِذا نزلت وَاديا من
الأودية فَخفت هوله فَقل: أعوذ بِاللَّه رب مُحَمَّد من هول
هَذَا الْوَادي ولاتعذ بِأحد من الْجِنّ فقد بَطل أمرهَا
فَقلت لَهُ: وَمن مُحَمَّد هَذَا قَالَ: نَبِي عَرَبِيّ لاشرقي
وَلَا غربي بعث يَوْم الأثنين
قلت: فَأَيْنَ مَسْكَنه قَالَ: يثرب ذَات النّخل
فركبت رَاحِلَتي حِين برق الصُّبْح وجددت السّير حَتَّى أتيت
الْمَدِينَة فرآني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَحَدثني بحديثي قبل أَن أذكر لَهُ مِنْهُ شَيْئا وَدَعَانِي
إِلَى الإِسلام فَأسْلمت
قَالَ سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ: وَكُنَّا نرى أَنه
هُوَ الَّذِي أنزل الله فِيهِ {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس
يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من
الْجِنّ} قَالَ: كَانَ رجال من الإِنس يبيت أحدهم فِي
الْجَاهِلِيَّة بالوادي فَيَقُول: أعوذ بعزيز هَذَا الْوَادي
{فزادوهم رهقاً} قَالَ: إِثْمًا
(8/300)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
الْحسن فِي قَوْله: {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون
بِرِجَال من الْجِنّ} قَالَ: كَانَ أحدهم إِذا نزل الْوَادي
يَقُول: أعوذ بعزيز هَذَا الْوَادي من شَرّ سُفَهَاء قومه
فَيَأْمَن فِي نَفسه ليلته أَو يَوْمه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ}
قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ إِذا هَبَطُوا وَاديا: نَعُوذ بعظيم
هَذَا الْوَادي {فزادوهم رهقاً} قَالَ: زادوا الْكفَّار
طغياناً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ}
قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا نزلُوا منزلا قَالُوا:
نَعُوذ بعزيز هَذَا الْمَكَان {فزادوهم رهقاً} يَقُول:
خَطِيئَة وإثماً
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم {وَأَنه كَانَ رجال من
الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً} قَالَ:
كَانَ الْقَوْم إِذا نزلُوا وَاديا قَالُوا: نَعُوذ بِسَيِّد
أهل هَذَا الْوَادي فَقَالُوا: نَحن لَا نملك لنا وَلَا لكم
ضراً وَلَا نفعا وَهَؤُلَاء يخافونا فاحتووا عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس {وَأَنه كَانَ رجال من
الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً} قَالَ:
كَانُوا يَقُولُونَ: فلَان رب هَذَا الْوَادي من الْجِنّ
فَكَانَ أحدهم إِذا دخل ذَلِك الْوَادي يعوذ بِرَبّ الْوَادي
من دون الله فيزيده بذلك {رهقاً} أَي خوفًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن نَاسا فِي
الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا أَتَوْ وَاديا للجن نَاد مُنَادِي
الإِنس إِلَى خِيَار الْجِنّ أَن احْبِسُوا عَنَّا سفهاءكم
فَلم يُغْنِهِم مَا وعظوا بِهِ {فزادوهم رهقاً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ
الْقَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة إذانزلوا بالوادي قَالُوا: نَعُوذ
بِسَيِّد هَذَا الوادجي من شَرّ مَا فِيهِ فَلَا يكونُونَ
بِشَيْء أَشد ولعاً مِنْهُم بهم فَذَلِك قَوْله: {فزادوهم
رهقاً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن
أَبِيه قَالَ: ذهبت لأسلم حِين بعث الله حمدا مَعَ رجلَيْنِ
أَو ثَلَاثَة فِي الإِسلام فَأتيت المَاء حَيْثُ يجْتَمع
النَّاس فَإِذا النَّاس براعي الْقرْيَة الَّذِي يرْعَى لَهُم
أغنامهم فَقَالَ: لَا أرعى لكم أغنامكم
قَالُوا: لم قَالَ: يَجِيء الذِّئْب كل لَيْلَة يَأْخُذ شَاة
وصنمكم هَذَا رَاقِد لَا يضر وَلَا
(8/301)
ينفع وَلَا يقر وَلَا يُنكر فَذَهَبُوا
وَأَنا أرجوا أَن يسلمُوا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا جَاءَ
الرَّاعِي يشْتَد يَقُول: الْبُشْرَى الْبُشْرَى قد جِيءَ
بالذئب وَهُوَ مقموط بَين يَدي الصَّنَم بِغَيْر قماط
فَذَهَبُوا وَذَهَبت مَعَهم فَقَتَلُوهُ وسجدوا لَهُ
وَقَالُوا: هَكَذَا فَاصْنَعْ فَدخلت على مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَحَدَّثته هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لعب بهم
الشَّيْطَان
أخرج عبد بن حميد فِي قَوْله: {وَأَنا لمسنا السَّمَاء
فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرساً شَدِيدا وشهباً} قَالَ: كَانَت
الْجِنّ تسمع سمع السَّمَاء فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا حرست
السَّمَاء منعُوا ذَلِك فتفقدت الْجِنّ ذَلِك من أَنْفسهَا
قَالَ: وَذكر لنا أَن أَشْرَاف الْجِنّ كَانُوا بنصيبين من
أَرض المموصل فطلبوا وصوبوا النّظر حَتَّى سقطوا على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ
عَامِدًا إِلَى عطاظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي دَلَائِل
النُّبُوَّة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الشَّيَاطِين لَهُم
مقاعد فِي السَّمَاء يَسْتَمِعُون فِيهَا الْوَحْي فَإِذا
سمعُوا الْكَلِمَة زادوا فِيهَا تسعا فَأَما الْكَلِمَة فَتكون
حَقًا وَأما مَا زادوا فَيكون بَاطِلا فَلَمَّا بعث رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعُوا مَقَاعِدهمْ فَذكرُوا
ذَلِك لإِبليس وَلم تكن النُّجُوم يَرْمِي بهَا قبل ذَلِك
فَقَالَ لَهُم إِبْلِيس: مَا هَذَا الْأَمر إِلَّا لأمر حدث
فِي الأَرْض فَبعث جُنُوده فوجدوا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَائِما يُصَلِّي بَين جبلي نَخْلَة فَأتوهُ
فأخبروه فَقَالَ: هَذَا الْحَدث الَّذِي حدث فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ للجن مقاعد فِي السَّمَاء يَسْتَمِعُون الْوَحْي
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فدحرت الشَّيَاطِين من السَّمَاء ورموا بالكواكب فَجعل
لَا يصعد أحد مِنْهُم إِلَّا احْتَرَقَ وفزع أهل الأَرْض لما
رَأَوْا من الْكَوَاكِب وَلم يكن قبل ذَلِك وَقَالَ إِبْلِيس:
حدث فِي الأَرْض حدث فَأتى من كل أَرض بتربة فشمها فَقَالَ
لتربة تهَامَة: هُنَا حدث الْحَدث فصرف إِلَيْهِ نَفرا من
الْجِنّ فهم الَّذين اسْتَمعُوا الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم تكن سَمَاء الدُّنْيَا
تحرس فِي الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَكَانُوا يَقْعُدُونَ مِنْهَا مقاعد للسمع فَلَمَّا بعث الله
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرست السَّمَاء شَدِيدا
ورجمت الشَّيَاطِين فانكروا ذَلِك فَقَالُوا: {لَا نَدْرِي أشر
أُرِيد بِمن فِي الأَرْض أم أَرَادَ بهم رَبهم رشدا}
(8/302)
فَقَالَ إِبْلِيس: لقد حدث فِي الأَرْض حدث
فاجتمعت إِلَيْهِ الْجِنّ فَقَالَ: تفَرقُوا فِي الأَرْض
فَأَخْبرُونِي مَا هَذَا الْحَدث الَّذِي حدث فِي السَّمَاء
وَكَانَ أول بعث بعث ركب من أهل نَصِيبين وهم أَشْرَاف الْجِنّ
وساداتهم فبعثهم إِلَى تهَامَة فاندفعوا حَتَّى بلغُوا
الْوَادي وَادي نَخْلَة فوجدوا نَبِي الله يُصَلِّي صَلَاة
الْغَدَاة وَلم يكن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم
أَنهم اسْتَمعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن فَلَمَّا
قضى يَقُول: لما فرغ من الصَّلَاة ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين
يَقُول: مُؤمنين
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن
عَمْرو قَالَ: لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي تنبأ فِيهِ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعت الشَّيَاطِين من السَّمَاء
ورموا بِالشُّهُبِ
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لم
يرم بِنَجْم مُنْذُ رفع عِيسَى حَتَّى تنبأ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رمى بهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
إِن الله حجب الشَّيَاطِين عَن السّمع بِهَذِهِ النُّجُوم
انْقَطَعت الكهنة فَلَا كهَانَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنا
كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع} قَالَ: حرست بِهِ السَّمَاء
حِين بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكيلا يسترق السّمع
فأنكرت الْجِنّ ذَلِك فَكَانَ كل من اسْتمع مِنْهُم قذف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت
الْجِنّ قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَسْتَمِعُون من السَّمَاء فَلَمَّا بعث حرست فَلم يستطيعوا
فجاؤوا إِلَى قَومهمْ يَقُولُونَ للَّذين لم يستمعوا
فَقَالُوا: {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرساً
شَدِيدا} وهم الْمَلَائِكَة {وشهباً} وَهِي الْكَوَاكِب
{وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الْآن يجد
لَهُ شهاباً رصداً} يَقُول: نجماً قد أوصد لَهُ يَرْمِي بِهِ
قَالَ: فَلَمَّا رموا بِالنَّجْمِ قَالُوا لقومهم: {وَأَنا لَا
نَدْرِي أشر أُرِيد بِمن فِي الأَرْض أم أَرَادَ بهم رَبهم
رشدا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {يجد لَهُ
شهاباً} قَالَ: من النُّجُوم {رصداً} قَالَ: من الْمَلَائِكَة
وَفِي قَوْله: {وَأَنا لَا نَدْرِي أشر أُرِيد بِمن فِي
الأَرْض} قَالُوا: لَا نَدْرِي لم بعث هَذَا النَّبِي لِأَن
يُؤمنُوا بِهِ ويتبعوه فيرشدوا أَو لِأَن يكفروا بِهِ ويكذبوه
فيهلكوا كَمَا هلك من قبلهم من الْأُمَم وَالله أعلم
(8/303)
الْآيَة 12 - 18
(8/304)
وَأَنَّا مِنَّا
الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا
(11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي
الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا
سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ
فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ
فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ
فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا
عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ
يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ
لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنا منا الصالحون وَمنا دون ذَلِك}
يَقُول: منا الْمُسلم وَمنا الْمُشرك {كُنَّا طرائق قدداً}
قَالَ: أهواء شَتَّى
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله تَعَالَى: {طرائق قدداً}
قَالَ: المنقطعة فِي كل وَجه
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وَلَقَد قلت وَزيد حاسر
يَوْم ولت خيل زيد قدداً وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كُنَّا طرائق قدداً} قَالَ: أهواء
مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كُنَّا طرائق
قدداً} قَالَ: مُسلمين وكافرين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن السّديّ فِي قَوْله:
{كُنَّا طرائق قدداً} يَعْنِي الْجِنّ هم مثلكُمْ قدرية ومرجئة
ورافضة وشيعة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَأَنا ظننا
أَن لن نعجز الله فِي الأَرْض} الْآيَة قَالُوا: لن نمتنع
مِنْهُ فِي الأَرْض وَلَا هرباً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {فَلَا يخَاف بخساً وَلَا رهقاً} قَالَ: لَا يخَاف
نقصا من حَسَنَاته {وَلَا رهقاً} وَلَا أَن يحمل عَلَيْهِ
ذَنْب غَيره
(8/304)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَمنا القاسطون} قَالَ: الْعَادِلُونَ عَن الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وَمنا القاسطون} قَالَ: هم الظَّالِمُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمنا القاسطون}
قَالَ: هم الجائرون وَفِي قَوْله: {وَإِن لَو استقاموا على
الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: لَو آمنُوا كلهم
{لأسقيناهم} لأوسعنا لَهُم من الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَأَن لَو استقاموا
على الطَّرِيقَة} قَالَ: أَقَامُوا مَا أمروا بِهِ {لأسقيناهم
مَاء غدقاً} قَالَ: معينا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَإِن لَو
استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم} الْآيَة قَالَ: يَقُول
لَو استقاموا على طَاعَة الله وَمَا أمروا بِهِ لأكْثر الله
لَهُم من الْأَمْوَال حَتَّى يغتنوا بهَا ثمَّ يَقُول الْحسن:
وَالله إِن كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد لكذلك كَانُوا سَامِعين
لله مُطِيعِينَ لَهُ فتحت عَلَيْهِم كنوز كسْرَى وَقَيْصَر
فتنُوا بهَا فَوَثَبُوا بإمامهم فَقَتَلُوهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة} قَالَ: طَريقَة الإِسلام
{لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: لأعطيناهم مَالا كثيرا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {مَاء غدقاً} قَالَ: كثيرا
جَارِيا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت
الشَّاعِر يَقُول: تدني كراديس ملتفاً حدائقها كالنبت جَادَتْ
بِهِ أنهارها غدقاً وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن السّري
قَالَ: قَالَ عمر {وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة
لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: لأعطيناهم مَالا كثيرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {لأسقيناهم مَاء غدقاً}
قَالَ: كثيرا وَالْمَاء المَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {مَاء
غدقاً} قَالَ: عَيْشًا رغداً
(8/305)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {لنفتنهم فِيهِ} قَالَ: لنبتليهم بِهِ
وَفِي قَوْله: {وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابا صعداً}
قَالَ: مشقة الْعَذَاب يصعد فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لنفتنهم فِيهِ}
قَالَ: لنبتليهم حَتَّى يرجِعوا إِلَى مَا كتب عَلَيْهِم وَفِي
قَوْله: {عذَابا صعداً} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يسلكه عذَابا صعداً}
قَالَ: جبلا فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عذَابا صعداً}
قَالَ: صعُودًا من عَذَاب الله ل اراحة فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{عذَابا صعداً} قَالَ: صعُودًا من عَذَاب الله لَا رَاحَة
فِيهِ
وَأخرج هناد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة فِي قَوْله: {عذَابا
صعداً} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ يسلكه بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَن
الْمَسَاجِد لله} قَالَ: لم يكن يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة فِي
الأَرْض مَسْجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد إيليا
بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش قَالَ: قَالَت الْجِنّ:
يَا رَسُول الله ائْذَنْ لنا فنشهد مَعَك الصَّلَوَات فِي
مسجدك فَأنْزل الله {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ
الله أحدا} يَقُول: صلوا لَا تخالطوا النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَت الْجِنّ
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ لنا أَن نأتي
الْمَسْجِد وَنحن ناؤون عَنْك أَو كَيفَ نشْهد الصَّلَاة وَنحن
ناؤون عَنْك فَنزلت {وَأَن الْمَسَاجِد لله} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَأَن
الْمَسَاجِد لله} الْآيَة قَالَ: إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى
إِذا دخلُوا بيعهم وكنائسهم أشركوا برَبهمْ فَأَمرهمْ أَن
يوحدوه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ
الله أحدا} قَالَ: كَانَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِذا دخلُوا
بيعهم وكنائسهم أشركوا بِاللَّه فَأمر الله نبيه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِن يخلص الدعْوَة لله إِذا دخل الْمَسْجِد
(8/306)
الْآيَة 19 - 28
(8/307)
وَأَنَّهُ لَمَّا
قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ
لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ
بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا
وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ
أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا
بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ
فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا
(24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ
يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا
يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى
مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا
رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى
كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
أخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قبل الْهِجْرَة إِلَى نواحي مَكَّة فَخط لي خطا وَقَالَ:
لَا تحدثن شَيْئا حَتَّى آتِيك ثمَّ قَالَ: لَا يهولنك شَيْء
ترَاهُ فَتقدم شَيْئا ثمَّ جلس فَإِذا رجال سود كَأَنَّهُمْ
رجال الزطّ وَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {كَادُوا
يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ
عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: لما سمعُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَتْلُوا الْقُرْآن كَادُوا يركبونه من الْحِرْص لما
سَمِعُوهُ يَتْلُو الْقُرْآن ودنوا مِنْهُ فَلم يعلم بهم
حَتَّى أَتَاهُ الرَّسُول فَجعل يقرئه {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه
اسْتمع نفر من الْجِنّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الزبير بن الْعَوام مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن
جرير وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله: {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا
يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: لما أَتَى الْجِنّ على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ
يَرْكَعُونَ بركوعه ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أَصْحَابه
لَهُ فَقَالُوا لقومهم: {لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا
يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً}
(8/307)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله: {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ} أَي يَدْعُو
إِلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ
كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: لما قَامَ نَبِي الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلبدت الإِنس وَالْجِنّ على هَذَا
الْأَمر ليطفئوه فَأبى الله إِلَّا أَن ينصره ويظهره على من
ناوأه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {وَأَنه لما
قَامَ عبد الله يَدعُوهُ} قَالَ: لما قَامَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَيَدْعُو
النَّاس إِلَى رَبهم كَادَت الْعَرَب تلبد عَلَيْهِ جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: أعواناً
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي بكر عَن أبي عَاصِم أَنه
قَرَأَ {يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} بِكَسْر اللَّام وَنصب
الْبَاء وَفِي (لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد) (مَالا لبدا)
بِرَفْع اللَّام وَنصب الْبَاء وفسرها أَبُو بكر فَقَالَ:
(لبداً) كثيرا و (لبداً) بَعْضهَا على بعض
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {قل إِنَّمَا
أَدْعُو رَبِّي} بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن جرير عَن حضرمي
قَالَ: ذكر لنا أَن جنياً من الْجِنّ من أَشْرَافهم ذَا تبع
قَالَ: إِنَّمَا يُرِيد مُحَمَّد أَن نجيره وَأَنا أجيره
فَأنْزل الله {قل إِنِّي لن يجيرني من الله أحد} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
ابْن مَسْعُود قَالَ: انْطَلَقت مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ حَتَّى أَتَى الْحجُون فَخط
عَليّ خطا ثمَّ تقدم إِلَيْهِم فازدحموا عَلَيْهِ فَقَالَ
سيدهم يُقَال لَهُ وردان: الا أَرجُلهم عَنْك يَا رَسُول الله
قَالَ: {إِنِّي لن يجيرني من الله أحد}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَلنْ أجد من
دونه ملتحداً} قَالَ: ملْجأ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{وَلنْ أجد من دونه ملتحداً} قَالَ: ملْجأ وَلَا نَصِيرًا
إِلَّا بلاغاً من الله ورسالاته
قَالَ: هَذَا الَّذِي يملك
(8/308)
بلاغاً من الله ورسالاته وَفِي قَوْله:
{عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من
رَسُول} قَالَ: فَإِنَّهُ إِذا ارتضى الرَّسُول اصطفاه وأطلعه
على مَا شَاءَ من غيبه وانتخبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {فَلَا يظْهر على غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من
رَسُول} قَالَ: أعلم الله الرُّسُل من الْغَيْب الْوَحْي
وأظهرهم عَلَيْهِ فِيمَا أُوحِي إِلَيْهِم من غيبه وَمَا يحكم
الله فَإِنَّهُ لَا يعلم ذَلِك غَيره
وَأخرج ابْن حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين
يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ: هِيَ مُعَقِّبَات من
الْمَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من الشَّيْطَان حَتَّى يبين
الَّذِي أرسل إِلَيْهِم بِهِ وَذَلِكَ حِين يَقُول أهل الشّرك
قد أبلغوا رسالات رَبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {إِلَّا من
ارتضى من رَسُول} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَبَّاس قَالَ: مَا أنزل الله على
نبيه آيَة من الْقُرْآن إِلَّا وَمَعَهَا أَرْبَعَة من
الْأَمْلَاك يحفظونها حَتَّى يؤدوها إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَرَأَ {عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على
غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين
يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} يَعْنِي الْمَلَائِكَة
الْأَرْبَعَة ليعلم أَن قد أبلغوا رسالات رَبهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا
من ارتضى من رَسُول} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قبل أَن يلقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته يدنون مِنْهُ
فَلَمَّا ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته أَمرهم أَن يتنحوا
عَنهُ قَلِيلا ليعلم أَن الْوَحْي إِذا نزل من عِنْد الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير فَبِي
قَوْله: {فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً}
قَالَ: أَرْبَعَة حفظَة من الْمَلَائِكَة مَعَ جِبْرِيل ليعلم
مُحَمَّد {أَن قد أبلغوا رسالات رَبهم} قَالَ: وَمَا جَاءَ
جِبْرِيل إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة حفظَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله:
{فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ:
الْمَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من الْجِنّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم فِي
قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين
يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ: كَانَ الن
(8/309)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث إِلَيْهِ
الْملك بِالْوَحْي بعث مَعَه نَفرا من الْمَلَائِكَة يحرسونه
من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه أَن يتشبه الشَّيْطَان على صُورَة
الْملك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول} قَالَ:
يظهره من الْغَيْب على مَا شَاءَ إِذا ارْتَضَاهُ وَفِي
قَوْله: {فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً}
قَالَ: من الْمَلَائِكَة وَفِي قَوْله: {ليعلم أَن قد أبلغوا
رسالات رَبهم} قَالَ: ليعلم نَبِي الله أَن الرُّسُل قد بلغت
عَن الله وَأَن الله حفظهَا وَدفع عَنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ليعلم} قَالَ:
ليعلم ذَلِك من كذب الرُّسُل {أَن قد أبلغوا رسالات رَبهم}
(8/310)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
73
سُورَة المزمل
مَكِّيَّة وآياتها عشرُون
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا
المزمل} بِمَكَّة
وَأخرج ان مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة المزمل
بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أدنى}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: بتّ عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة فَقَامَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل فصلى
ثَلَاث عشرَة رَكْعَة مِنْهَا رَكعَتَا الْفجْر فحزرت قِيَامه
فِي كل رَكْعَة بِقدر {يَا أَيهَا المزمل} وَالله أعلم
الْآيَة 1 - 10
(8/311)
يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي
عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ
أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي
النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ
وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا
(9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا
جَمِيلًا (10)
أخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن جَابر قَالَ:
اجْتمعت قُرَيْش فِي دَار الندوة فَقَالُوا: سموا هَذَا الرجل
اسْما تصدر النَّاس عَنهُ فَقَالُوا: كَاهِن قَالُوا: لَيْسَ
بكاهن قَالُوا: مَجْنُون
قَالُوا: لَيْسَ بمجنون
قَالُوا:
(8/311)
سَاحر قَالُوا: لَيْسَ بساحر
قَالُوا: يفرق بَين الحبيب وحبيبه فَتفرق الْمُشْركين على
ذَلِك فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتزمل فِي
ثِيَابه وتدثر فِيهَا فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: {يَا أَيهَا
المزمل} {يَا أَيهَا المدثر}
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن سعد بن هِشَام قَالَ: قلت لعَائِشَة: أَنْبِئِينِي
عَن قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَت: أَلَسْت تقْرَأ هَذِه السُّورَة {يَا أَيهَا المزمل}
قلت: بلَى قَالَت: فَإِن الله قد افْترض قيام اللَّيْل فِي أول
هَذِه السُّورَة فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَصْحَابه حولا حَتَّى انتفخت أَقْدَامهم وَأمْسك الله
خاتمتها فِي السَّمَاء اثْنَي عشر شهرا ثمَّ أنزل الله
التَّخْفِيف فِي آخر هَذِه السُّورَة فَصَارَ قيام اللَّيْل
تَطَوّعا من بعد فَرِيضَة
وَأخرج بَان جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: نزل
الْقُرْآن {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا}
حَتَّى كَانَ الرجل يرْبط الْحَبل وَيتَعَلَّق فَمَكَثُوا بذلك
ثَمَانِيَة أشهر فَرَأى الله مَا يَبْتَغُونَ من رضوانه
فَرَحِمهمْ وردهم إِلَى الْفَرِيضَة وَترك قيام اللَّيْل
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن جُبَير بن نفير قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن قيام
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ فَقَالَت:
أَلَسْت تقْرَأ {يَا أَيهَا المزمل} قلت: بلَى
قَالَت: هُوَ قِيَامه
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَمُحَمّد بن
نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما ينَام من اللَّيْل لما قَالَ
الله لَهُ: {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم
وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وصحه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت
أول المزمل كَانُوا يقومُونَ نَحوا من قيامهم فِي شهر رَمَضَان
حَتَّى نزل آخرهَا وَكَانَ بَين أَولهَا وَآخِرهَا نَحْو من
سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن نصر
عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا
المزمل} قَامُوا حولا حَتَّى ورمت أَقْدَامهم وسوقهم حَتَّى
نزلت {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} فاستراح النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن
جُبَير قَالَ: لمانزلت {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا
قَلِيلا} مكث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذِه
الْحَال عشر
(8/312)
سِنِين يقوم اللَّيْل كَمَا أمره الله
وَكَانَت طَائِفَة من أَصْحَابه يقومُونَ مَعَه فَأنْزل الله
بعد عشر سِنِين {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم} إِلَى قَوْله:
{فأقيموا الصَّلَاة} فَخفف الله عَنْهُم بعد عشر سِنِين
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَمُحَمّد بن نصر وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن من طَرِيق عِكْرِمَة
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي المزمل: {قُم اللَّيْل إِلَّا
قَلِيلا نصفه} الْآيَة الَّتِي فِيهَا {علم أَن لن تحصوه
فَتَابَ عَلَيْكُم} {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} وناشئة
اللَّيْل أَوله كَانَت صلَاتهم أول اللَّيْل يَقُول: هُوَ
أَجْدَر أَن تُحْصُوا مَا فرض الله عَلَيْكُم من قيام اللَّيْل
وَذَلِكَ أَن الإِنسان إِذا نَام لم يدر مَتى يَسْتَيْقِظ
وَقَوله: {وأقوم قيلاً} يَقُول: هُوَ أَجْدَر أَن تفقه
قِرَاءَة الْقُرْآن وَقَوله: {إِن لَك فِي النَّهَار سبحاً
طَويلا} يَقُول: فراغاً طَويلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي
قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: نزلت وَهُوَ فِي قطيفة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَا
أَيهَا المزمل} قَالَ: زملت هَذَا الْأَمر فَقُمْ بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله:
{يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: زملت هَذَا الْأَمر فَقُمْ بِهِ
وَفِي قَوْله: {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: دثرت هَذَا الْأَمر
فَقُمْ بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَا
أَيهَا المزمل} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتدثر
بالثياب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر
عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: هُوَ
الَّذِي تزمل بثيابه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {يَا
أَيهَا المزمل} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ورتل
الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: يقْرَأ آيَتَيْنِ ثَلَاثَة ثمَّ
يقطع لَا يهذرم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن منيع فِي مُسْنده
وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: بَينه
تبييناً
(8/313)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُقَال لصَاحب
الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة اقْرَأ وأرق ورتل كَمَا كنت ترتل
فِي الدُّنْيَا فَإِن منزلتك عِنْد آخر آيَة تقرؤها
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا إِذا
قَرَأت الْقُرْآن فرتله ترتيلاً وَبَينه تبييناً وَلَا تنثره
نثر الدقل وَلَا تهذه هَذَا الشعرة قفوا عِنْد عجائبه وحركوا
بِهِ الْقُلُوب وَلَا يكونن هم أحدكُم آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَرَأَ عَلْقَمَة على عبد الله
فَقَالَ: رتله فَإِنَّهُ يزين الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: ترسل فِيهِ ترسيلاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً}
قَالَ: بلغنَا أَن عَامَّة قِرَاءَة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَت الْمَدّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن
ترتيلاً} قَالَ: بَينه تبييناً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن
ترتيلاً} قَالَ: اقرأه قِرَاءَة بَيِّنَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن نصر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: بعضه على أثر بعض
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {ورتل
الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: فسره تَفْسِيرا
وَأخرج العسكري فِي المواعظ عَن عَليّ: أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله: {ورتل الْقُرْآن
ترتيلاً} قَالَ: بَينه تبييناً وَلَا تنثره نثر الدقل وَلَا
تهذه هَذَا الشّعْر قفوا عِنْد عجائبه وحركوا بِهِ الْقُلُوب
وَلَا يكن هم أحدكُم آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مليكَة عَن بعض أَزوَاج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا سُئِلت عَن
قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنَّكُم
لَا تستطيعونها فَقيل لَهَا: أَخْبِرِينَا بهَا فَقَرَأت
قِرَاءَة ترسلت فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي النَّاس
(8/314)
أحسن قِرَاءَة قَالَ: الَّذِي إِذا سمعته
يقْرَأ رَأَيْت أَنه يخْشَى الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: مر رجل من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل يقْرَأ آيَة ويبكي
ويرددها فَقَالَ: ألم تسمعوا إِلَى قَول الله: {ورتل الْقُرْآن
ترتيلاً} هَذَا الترتيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن أبي هُرَيْرَة أَو
أبي سعيد قَالَ: يُقَال لصَاحب الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة
اقْرَأ وأرق فَإِن منزلتك عِنْد آخر آيَة تقرؤها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن مُجَاهِد قَالَ:
الْقُرْآن يشفع لصَاحبه يَوْم الْقِيَامَة يَقُول: يَا رب
جَعَلتني فِي جَوْفه فأسهرت ليله ومنعته من كثير من شهواته
وَلكُل عَامل من عمله عماله فَيُقَال لَهُ: أبسط يدك فَيمْلَأ
من رضوَان فَلَا يسْخط عَلَيْهِ بعده ثمَّ يُقَال لَهُ: اقْرَأ
وأرقه فيرفع بِكُل آيَة دَرَجَة وَيُزَاد بِكُل آيَة حَسَنَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك بن قيس قَالَ: يَا
أَيهَا النَّاس علمُوا أَوْلَادكُم وأهاليكم الْقُرْآن
فَإِنَّهُ من كتب لَهُ من مُسلم يدْخلهُ الله الْجنَّة أَتَاهُ
ملكان فاكتنفاه فَقَالَا لَهُ: اقْرَأ وارتق فِي درج الْجنَّة
حَتَّى ينزلا بِهِ حَيْثُ انْتهى علمه من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن بُرَيْدَة قَالَ:
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن
الْقُرْآن يلقى صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة حِين ينشق عَنهُ
قَبره كَالرّجلِ الشاحب فَيَقُول لَهُ: هَل تعرفنِي فَيَقُول:
مَا أعرفك فَيَقُول: أَنا صَاحبك الْقُرْآن الَّذِي أظمأتك فِي
الهواجر وأسهرت ليلك وَإِن كل تَاجر من وَرَاء تِجَارَته
وَإنَّك الْيَوْم من وَرَاء كل تِجَارَة
قَالَ: فَيعْطى الْملك بِيَمِينِهِ والخلد بِشمَالِهِ وَيُوضَع
على رَأسه تَاج الْوَقار ويكس وَالِده حلتين لَا يقوم لَهما
أهل الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كسينا هَذَا فَيُقَال
لَهما: بِأخذ ولدكما الْقُرْآن
ثمَّ يُقَال لَهُ: اقْرَأ واصعد درج الْجنَّة وَعرفهَا فَهُوَ
فِي صعُود مَا دَامَ يقْرَأ هَذَا كَانَ أَو ترتيلاً
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
نصر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا
ثقيلاً} قَالَ: يثقل من الله فَرَائِضه وحدوده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن نصر عَن الْحسن
فِي قَوْله: {قولا ثقيلاً} قَالَ: الْعَمَل بِهِ
وَأخرج ابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله:
{قولا ثقيلاً} قَالَ: ثقيل فِي الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة
(8/315)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن نصر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أوحى إِلَيْهِ وَهُوَ على
نَاقَته وضعت جِرَانهَا فَمَا تَسْتَطِيع أَن تتحوّل حَتَّى
يسري عَنهُ وتلت {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلاً}
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَأَلت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله هَل تحس
بِالْوَحْي فَقَالَ: أسمع صلاصل ثمَّ أسكت عِنْد ذَلِك فَمَا
من مرّة يُوحى إليّ إِلَّا ظَنَنْت أَن نَفسِي تقبض
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُوحِي إِلَيْهِ لم
يسْتَطع أحد منا أَن يرفع إِلَيْهِ طرفه حَتَّى يَنْقَضِي
الْوَحْي
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر
وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: قيام اللَّيْل بِلِسَان
الْحَبَشَة إِذا قَامَ الرجل قَالُوا: نَشأ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: سَأَلت
ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير عَن ناشئة اللَّيْل قَالَا: قيام
اللَّيْل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ناشئة اللَّيْل
أوّله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
اللَّيْل كُله ناشئة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ:
هِيَ بالحبشية قيام اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ:
قيام اللَّيْل بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن أبي ميسرَة قَالَ: هُوَ
بِلِسَان الْحَبَشَة نَشأ أَي: قَامَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن أبي مليكَة قَالَ: سُئِلَ
ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {ناشئة اللَّيْل} قَالَ: أَي
اللَّيْل قُمْت فقد أنشأت
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ:
كل شَيْء بعد الْعشَاء الْآخِرَة ناشئة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
الْحسن قَالَ: كل صَلَاة بعد الْعشَاء الْآخِرَة فَهُوَ ناشئة
اللَّيْل
(8/316)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن أبي
مجلز {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: مَا كَانَ بعد الْعشَاء
الْآخِرَة إِلَى الصُّبْح فَهُوَ ناشئة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن نصر عَن مُجَاهِد
{إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: أَي سَاعَة تهجدت فِيهَا فتهجد من
اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن نصر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله: {إِن
ناشئة اللَّيْل} قَالَ: مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عليّ بن حُسَيْن قَالَ:
{ناشئة اللَّيْل} قيام مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حُسَيْن بن عليّ أَنه رُؤِيَ
يُصَلِّي فِيمَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَقيل لَهُ: فِي
ذَلِك فَقَالَ: إِنَّهَا من الناشئة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {ناشئة اللَّيْل}
مَهْمُوزَة الْيَاء هِيَ {أَشد وطأ} بِنصب الْوَاو وَجزم
الطَّاء يَعْنِي المواطاة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن
الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أنس بن مَالك أَنه قَرَأَ
هَذِه الْآيَة إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطأ وأصوب قيلاً
فَقَالَ لَهُ رجل: انا نقرؤها {وأقوم قيلاً} فَقَالَ: إِن أصوب
وأقوم وأهيأ وَأَشْبَاه هَذَا وَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر
عَن مُجَاهِد {هِيَ أَشد وطأ} قَالَ: مواطاة لَك فِي القَوْل
{وأقوم قيلاً} قَالَ: افرغ لقلبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {أَشد وطأ}
قَالَ: أَن توطئ سَمعك وبصرك وقلبك بعضه بَعْضًا {وأقوم قيلاً}
قَالَ: أثبت للْقِرَاءَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر عَن قَتَادَة
{أَشد وطأ} قَالَ: أثبت فِي الْخَيْر {وأقوم قيلاً} أجرأ على
الْقِرَاءَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وأقوم قيلاً}
قَالَ: أدنى من أَن يفقه الْقُرْآن وَفِي قَوْله: {إِن لَك فِي
النَّهَار سبحاً طَويلا} قَالَ: فزاغا وَفِي قَوْله: {وتبتل
إِلَيْهِ تبتيلاً} قَالَ: أخْلص لله إخلاصاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكني
(8/317)
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن لَك فِي
النَّهَار سبحاً طَويلا} قَالَ: السبح الْفَرَاغ للْحَاجة
وَالنَّوْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{سبحاً طَويلا} قَالَ: فراغاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك وَالربيع مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {سبحاً طَويلا} قَالَ: فراغاً
طَويلا {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً} قَالَ: أخْلص لَهُ الدعْوَة
وَالْعِبَادَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن مُجَاهِد {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً} قَالَ: أخْلص
لَهُ الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء إخلاصاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً}
قَالَ: أخْلص لَهُ إخلاصاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {رب الْمشرق
وَالْمغْرب} بخفض رب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {رب الْمشرق وَالْمغْرب}
قَالَ: وَجه اللَّيْل وَوجه النَّهَار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {واهجرهم
هجراً جميلاً} قَالَ: اصفح {وَقل سَلام} قَالَ: هَذَا قبل
السَّيْف وَالله أعلم
الْآيَة 11 - 16
(8/318)
وَذَرْنِي
وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا
(11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا
ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ
الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا
مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا
شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ
رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ
أَخْذًا وَبِيلًا (16)
أخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزلت {وذرني والمكذبين
أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} لم يكن إِلَّا قَلِيل حَتَّى
كَانَت وقْعَة بدر
(8/318)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي
قَوْله: {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة} قَالَ: بلغنَا أَن
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فُقَرَاء
الْمُؤمنِينَ يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أغنيائهم بِأَرْبَعِينَ
عَاما ويحشر أغنياؤهم جثاة على ركبهمْ وَيُقَال لَهُم:
إِنَّكُم كُنْتُم مُلُوك أهل الدُّنْيَا وحكامهم فَكيف عملتم
فِيمَا أَعطيتكُم وَفِي قَوْله: {ومهلهم قَلِيلا} قَالَ: إِلَى
السَّيْف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} قَالَ: إِن
لله فيهم طلبة وحاجة وَفِي قَوْله: {إِن لدينا أَنْكَالًا}
قَالَ: قيوداً
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود {إِن لدينا أَنْكَالًا}
قَالَ: قيوداً
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِن لدينا أَنْكَالًا} قَالَ: قيوداً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد وطاووس مثله
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن
قَالَ: الأنكال قيود من النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن سُلَيْمَان
التَّيْمِيّ {إِن لدينا أَنْكَالًا} قَالَ: قيوداً وَالله
ثقالاً لَا تفك أبدا ثمَّ بَكَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: قيوداً
وَالله لَا تحل عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار
وَعبد الله فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّة} قَالَ: لَهُ شوك
وَيَأْخُذ بِالْحلقِ لَا يدْخل وَلَا يخرج
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{وَطَعَامًا ذَا غُصَّة} قَالَ: شَجَرَة الزقوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وهناد وَعبد بن حميد وَمُحَمّد بن
نصر عَن حمْرَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ
{إِن لدينا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّة
وَعَذَابًا أَلِيمًا} فَلَمَّا بلغ أَلِيمًا صعق
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي نعت الْخَائِفِينَ وَابْن
(8/319)
جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الشَّرِيعَة
وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من
طَرِيق حمْرَان بن أعين أبي حَرْب بن أبي الْأسود أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يقْرَأ {إِن لدينا
أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} فَصعِقَ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{كثيباً مهيلاً} قَالَ: المهيل الَّذِي إِذا أخذت مِنْهُ
شَيْئا تبعك آخِره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {كثيباً مهيلاً} قَالَ: الرمل السَّائِل
وَفِي قَوْله: {أخذا وبيلاً} قَالَ: شَدِيدا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {أخذا وبيلاً} قَالَ: أخذا
شَدِيدا لَيْسَ لَهُ ملْجأ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: خزي الْحَيَاة وخزي الْمَمَات وكلا
أرَاهُ طَعَاما وبيلا
الْآيَة 17 - 20
(8/320)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ
إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ
سَبِيلًا (19) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى
مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ
مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ
سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي
الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ
مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ
خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَكيف تَتَّقُون إِن
كَفرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيباً} قَالَ: تَتَّقُون
ذَلِك الْيَوْم إِن كَفرْتُمْ قَالَ: وَالله مَا أتقى ذَلِك
الْيَوْم قوم كفرُوا بِاللَّه وعصوا رَسُوله
(8/320)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
الْحسن {فَكيف تَتَّقُون إِن كَفرْتُمْ يَوْمًا} قَالَ: بِأَيّ
صَلَاة تَتَّقُون بِأَيّ صِيَام تَتَّقُون
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن خَيْثَمَة فِي قَوْله:
{يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيباً} قَالَ: يُنَادي مُنَاد
يَوْم الْقِيَامَة يخرج بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة
وَتِسْعَة وَتسْعُونَ فَمن ذَلِك يشيب الْولدَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {يَوْمًا
يَجْعَل الْولدَان شيباً} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة
فَإِن رَبنَا يَدْعُو آدم فَيَقُول: يَا آدم أخرج بعث النَّار
فَيَقُول: أَي رب لَا علم لي إِلَّا مَا علمتني فَيَقُول الله:
أخرج بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين
يساقون إِلَى النَّار سوقاً مُقرنين زرقاً [] كالحين فَإِذا
خرج بعث النَّار شَاب كل وليد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {يَوْمًا يَجْعَل
الْولدَان شيباً} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ
يَوْم يَقُول الله لآدَم: قُم فَابْعَثْ من ذريتك بعثاً إِلَى
النَّار قَالَ: من كم يَا رب قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة
وَتِسْعَة وَتِسْعين وينجو وَاحِد فَاشْتَدَّ ذَلِك على
الْمُسلمين فَقَالَ: حِين أبْصر ذَلِك فِي وُجُوههم: إِن بني
آدم كثير وَإِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج من ولد آدم وَإنَّهُ لَا
يَمُوت رجل مِنْهُم حَتَّى يَرِثهُ لصلبه ألف رجل ففيهم وَفِي
أشباههم جند لكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {السَّمَاء منفطر
بِهِ} قَالَ: مثقلة بِيَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {السَّمَاء منفطر بِهِ}
قَالَ: مثقلة بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {السَّمَاء منفطر}
قَالَ: ممتلئة بِهِ بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس
{السَّمَاء منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة موقرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن
عَبَّاس {منفطر بِهِ} قَالَ: يَعْنِي تشقق السَّمَاء
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {منفطر بِهِ} قَالَ: منصدع من
خوف يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب
(8/321)
ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: طباهن حَتَّى أعرض اللَّيْل دونهَا
أفاطير وسمى رواء جذورها وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
عَن مُجَاهِد {السَّمَاء منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة بِاللَّه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {السَّمَاء
منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة بذلك الْيَوْم من شدته وهوله وَفِي
قَوْله: {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم} الْآيَة قَالَ: أدنى من
ثُلثي اللَّيْل وَأدنى من نصفه وَأدنى من ثلثه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَسَعِيد بن
جُبَير {علم أَن لن تحصوه} قَالَ: لن تطيقوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فاقرؤوا
مَا تيَسّر مِنْهُ} قَالَ: أرخص عَلَيْهِم فِي الْقيام {علم
أَن لن تحصوه} قَالَ: أَن لن تُحْصُوا قيام اللَّيْل {فَتَابَ
عَلَيْكُم} قَالَ: ثمَّ أَنبأَنَا الله عَن خِصَال
الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} إِلَى
آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن قَتَادَة قَالَ: فرض قيام
اللَّيْل فِي أول هَذِه السُّورَة فَقَامَ أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتفخت أَقْدَامهم وَأمْسك
الله خاتمتها حولا ثمَّ أنزل التَّخْفِيف فِي آخرهَا فَقَالَ:
{علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} إِلَى قَوْله: {فاقرؤوا مَا
تيَسّر مِنْهُ} فنسخ مَا كَانَ قبلهَا فَقَالَ: {وَأقِيمُوا
الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} فريضتان واجبتان لَيْسَ فيهمَا
رخصَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لما نزلت على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل
إِلَّا قَلِيلا} قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَامَ الْمُسلمُونَ مَعَه حولا كَامِلا حَتَّى تورمت
أَقْدَامهم فَأنْزل الله بعد الْحول {إِن رَبك يعلم} إِلَى
قَوْله: {مَا تيَسّر مِنْهُ} قَالَ: الْحسن: فَالْحَمْد لله
الَّذِي جعله تَطَوّعا بعد فرضة وَلَا بُد من قيام اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {يَا أَيهَا المزمل قُم
اللَّيْل} الْآيَة قَالَ: لَبِثُوا بذلك سنة فشق عَلَيْهِم
وتورمت أَقْدَامهم ثمَّ نسخهَا آخر السُّورَة {فاقرؤوا مَا
تيَسّر مِنْهُ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والطراني وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فاقرؤوا مَا
تيَسّر مِنْهُ} قَالَ: مائَة آيَة
(8/322)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي السّنَن وحسناه عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: صليت خلف
ابْن عَبَّاس فَقَرَأَ فِي أول رَكْعَة بِالْحَمْد لله وَأول
آيَة من الْبَقَرَة ثمَّ ركع فَلَمَّا انْصَرف أقبل علينا
فَقَالَ: إِن الله يَقُول: {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} وَأخرج
أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد قَالَ: أمرنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن نَقْرَأ بِفَاتِحَة
الْكتاب وَمَا تيَسّر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عمر بن الْخطاب قَالَ: مَا من حَال يأتيني عَلَيْهِ الْمَوْت
بعد الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أحب إليّ من أَن يأتيني وَأَنا
بَين شعبتين رحلي ألتمس من فضل الله ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة
{وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله
وَآخَرُونَ يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من جالب يجلب
طَعَاما إِلَى بلد من بِلَاد الْمُسلمين فيبيعه بِسعْر يَوْمه
إِلَّا كَانَت مَنْزِلَته عِنْد الله منزلَة الشَّهِيد ثمَّ
قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَآخَرُونَ
يضْربُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله وَآخَرُونَ
يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله}
(8/323)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
74
سُورَة المدثر
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَخَمْسُونَ
الْآيَة 1 - 10
(8/324)
يَا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ
يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه
والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة
المدثر بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الضريس وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْأَنْبَارِي
فِي الْمَصَاحِف قَالَ: سَأَلت أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن
عَن أول مَا نزل من الْقُرْآن فَقَالَ: يَا أَيهَا المدثر قلت:
يَقُولُونَ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} فَقَالَ أَبُو
سَلمَة: سَأَلت جَابر بن عبد الله عَن ذَلِك قلت لَهُ مثل مَا
قلت
قَالَ جَابر: لَا أحَدثك إِلَّا مَا حَدثنَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: جَاوَرت بحراء فَلَمَّا قضيت جواري
فنوديت فَنَظَرت عَن يَمِيني فَلم أرَ شَيْئا وَنظرت عَن
شمَالي فَلم أرَ شَيْئا وَنظرت خَلْفي فَلم أرَ شَيْئا فَرفعت
رَأْسِي فَإِذا الْملك الَّذِي جائني بحراء جَالس على كرْسِي
بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فجثثت مِنْهُ رعْبًا فَرَجَعت فَقلت
دَثرُونِي فَدَثَّرُونِي فَنزلت {يَا أَيهَا المدثر قُم
فَأَنْذر} إِلَى قَوْله: {وَالرجز فاهجر}
(8/324)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة
صنع لقريش طَعَاما فَلَمَّا أكلُوا قَالَ: مَا تَقولُونَ فِي
هَذَا الرجل فَقَالَ بَعضهم: سَاحر وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ
بساحر وَقَالَ بَعضهم: كَاهِن وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ بكاهن
وَقَالَ بَعضهم: شَاعِر وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ بشاعر وَقَالَ
بَعضهم: سحر يُؤثر فَاجْتمع رَأْيهمْ على أَنه سحر يُؤثر فَبلغ
ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج وقنع رَأسه
وتدثر فَأنْزل الله {يَا أَيهَا المدثر} إِلَى قَوْله: {ولربك
فاصبر}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: دثرت هَذَا الْأَمر
فَقُمْ بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ {يَا أَيهَا المدثر}
قَالَ: كَانَ متدثراً فِي قطيف يَعْنِي شملة صَغِيرَة الخمل
{وثيابك فطهر} قَالَ: من الإِثم {وَالرجز فاهجر} قَالَ: الإِثم
{وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط شَيْئا لتعطى أَكثر مِنْهُ
{ولربك فاصبر} قَالَ: إِذا أَعْطَيْت عَطِيَّة فأعطها لِرَبِّك
واصبر حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يثيبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يَا أَيهَا المدثر}
قَالَ: المتدثر فِي ثِيَابه {قُم فَأَنْذر} قَالَ: أنذر عَذَاب
رَبك وَوَقَائعه فِي الْأُمَم وَشدَّة نقمته إِذا انتقم
{وثيابك فطهر} يَقُول: طهرهَا من الْمعاصِي وَهِي كلمة
عَرَبِيَّة كَانَت الْعَرَب إِذا نكث الرجل وَلم يوف بعهده
قَالُوا: إِن فلَانا لدنس الثِّيَاب وَإِذا أوفى وَأصْلح
قَالُوا: إِن فلَانا لطاهر الثِّيَاب {وَالرجز فاهجر} قَالَ:
هما صنمان كَانَا عِنْد الْبَيْت أساف ونائلة يمسح وُجُوههمَا
من أَتَى عَلَيْهِمَا من الْمُشْركين فَأمر الله نبيه
مُحَمَّدًا أَن يهجرهما ويجانبهما {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ:
لَا تعط شَيْئا لمثابة الدُّنْيَا وَلَا لمجازاة النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله
عَنهُ {وَرَبك فَكبر} قَالَ: عظم {وثيابك فطهر} قَالَ: عَنى
نَفسه {وَالرجز فاهجر} قَالَ: الشَّيْطَان والأوثان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ:
قُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ نقُول إِذا دَخَلنَا فِي
الصَّلَاة فَأنْزل الله {وَرَبك فَكبر} فَأمرنَا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نفتتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ
(8/325)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: النَّائِم {وثيابك فطهر}
قَالَ: لَا تكن ثِيَابك الَّتِي تلبس من مكسب بَاطِل {وَالرجز
فاهجر} قَالَ: الْأَصْنَام {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط
عَطِيَّة تلتمس بهَا أفضل مِنْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وثيابك فطهر} قَالَ: من الإِثم
قَالَ: وَهِي فِي كَلَام الْعَرَب نقي الثِّيَاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ: من الْغدر وَلَا تكن غداراً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي
الْوَقْف والابتداء وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة أَن ابْن
عَبَّاس سُئِلَ عَن قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ: لَا تلبسها
على غدرة وَلَا فجرة ثمَّ قَالَ: أَلا تَسْمَعُونَ قَول غيلَان
بن سَلمَة: إِنِّي بِحَمْد الله لَا ثوب فَاجر لبست وَلَا من
غدرة أتقنع وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد
بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الرجل فِي
الْجَاهِلِيَّة إِذا كَانَ غدراً قَالُوا: فلَان دنس الثِّيَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
رزين {وثيابك فطهر} قَالَ: عَمَلك أصلحه كَانَ أهل
الْجَاهِلِيَّة إِذا كَانَ الرجل حسن الْعَمَل قَالُوا: فلَان
طَاهِر الثِّيَاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ:
وعملك فَأصْلح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{وثيابك فطهر} قَالَ: لست بكاهن وَلَا سَاحر فَأَعْرض عَنهُ
{وَالرجز فاهجر} قَالَ: الْأَوْثَان {وَلَا تمنن تستكثر}
قَالَ: لَا تعط مصانعة رَجَاء أفضل مِنْهُ من الثَّوَاب {ولربك
فاصبر} قَالَ: على مَا أوذيت
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {وثيابك
فطهر} قَالَ: عَنى نَفسه
(8/326)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ {وثيابك فطهر} قَالَ: لَيْسَ ثِيَابه الَّذِي يلبس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ: خلقك فَحسن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يزِيد بن مرْثَد فِي قَوْله:
{وثيابك فطهر} أَنه ألْقى على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سلا شَاة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ على رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالرجز فاهجر} بِالْكَسْرِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رضى
الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: {وَالرجز فاهجر} بِرَفْع الرَّاء وَقَالَ: هِيَ
الْأَوْثَان وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حَمَّاد رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي مصحف أبي وَلَا تمنن تستكثر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
عَنهُ {وَلَا تمنن تستكثر} يَقُول: لَا تعط شَيْئا لتعطى أَكثر
مِنْهُ وَإِنَّمَا نزل هَذَا فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَلَا
تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط شَيْئا لتعطى أَكثر مِنْهُ وَهِي
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَالنَّاس موسع
عَلَيْهِم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط الرجل عَطاء رَجَاء أَن
يعطيك أَكثر مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعظم عَمَلك فِي عَيْنك
أَن تستكثر من الْخَيْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تقل قد دعوتهم فَلم يقبل مني
عد فادعهم {ولربك فاصبر} على ذَلِك
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَإِذا نقر فِي
الناقور} قَالَ: الصُّور {يَوْم عسير} قَالَ: شَدِيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ {فَإِذا نقر فِي الناقور} قَالَ: فَإِذا نفخ فِي الصُّور
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ وَأبي
مَالك وعامر مثله
(8/327)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: الناقور الصُّور شَيْء كَهَيئَةِ البوق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {فَإِذا نقر فِي الناقور} قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أنعم وَصَاحب
الصُّور قد الْتَقم الْقرن وحنى جَبهته يستمع مَتى يُؤمر
قَالُوا: كَيفَ نقُول يَا رَسُول الله قَالَ: قُولُوا حَسبنَا
الله وَنعم وَالْوَكِيل على الله توكلنا
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن بهز بن حَكِيم قَالَ: أمنا
زُرَارَة بن أوفى فَقَرَأَ المدثر فَلَمَّا بلغ {فَإِذا نقر
فِي الناقور} خر مَيتا فَكنت فِيمَن حمله
وَأخرج عبد حميد عَن قَتَادَة {فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير}
قَالَ: ثمَّ بَين على من مشقته وعسره فَقَالَ: {على الْكَافرين
غير يسير}
الْآيَة 11 - 37
(8/328)
ذَرْنِي وَمَنْ
خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا
(12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا
(14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ
لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ
فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ
قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ
وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ
هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ
الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا
سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ
لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا
جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا
جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ
اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ
رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ
(31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ
(35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ
يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ذَرْنِي
وَمن خلقت وحيداً} قَالَ: هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أخرجه
الله من بطن أمه وحيداً لَا مَال لَهُ وَلَا ولد فرزقه الله
المَال وَالْولد والثروة والنماء {كلاّ إِنَّه كَانَ لآياتنا
عنيداً} قَالَ: كفوراً بآيَات الله جحُودًا بهَا {إِنَّه فكر
وَقدر} قَالَ: ذكر لنا أَنه قَالَ: لقد نظرت فِيمَا قَالَ
هَذَا الرجل فَإِذا هُوَ لَيْسَ بِشعر وَإِن لَهُ لحلاوة وَإِن
عَلَيْهِ لطلاوة وَإنَّهُ ليعلوا وَمَا يعلى وَمَا أَشك أَنه
سحر فَأنْزل الله فِيهِ {فَقتل كَيفَ قدر} إِلَى قَوْله:
{وَبسر} قَالَ: كلح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {ذَرْنِي وَمن خلقت
وحيداً} قَالَ: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} قَالَ: نزلت
فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {وحيداً} قَالَ: خلقته وَحده لَا
مَال لَهُ وَلَا ولد {وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً} قَالَ: ألف
دِينَار {وبنين} قَالَ: كَانُوا عشرَة {شُهُودًا} قَالَ: لَا
يغيبون {ومهدت لَهُ تمهيداً} قَالَ: بسطت لَهُ من المَال
وَالْولد {ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد كلا} قَالَ: فَمَا زَالَ يرى
النُّقْصَان فِي مَاله وَولده حَتَّى هلك {إِنَّه كَانَ
لآياتنا عنيداً} قَالَ: معانداً عَنْهَا مجانباً لَهَا
{سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك {ذَرْنِي
وَمن خلقت وحيداً} قَالَ: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {وبنين
شُهُودًا} قَالَ: كَانُوا ثَلَاثَة عشر {ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد
كلا} قَالَ: فَلم يُولد لَهُ بعد يَوْمئِذٍ وَلم يَزْدَدْ لَهُ
من المَال إِلَّا مَا كَانَ {إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيداً}
قَالَ: مشاقاً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن سعيد بن جُبَير {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} الْآيَات
قَالَ: هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن هِشَام المَخْزُومِي
وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة عشر ولدا كلهم رب بَيت فَلَمَّا نزلت
{إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيداً} لم يزل فِي إدبار من الدُّنْيَا
فِي نَفسه وَمَاله وَولده حَتَّى أخرجه من الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَجعلت لَهُ مَالا
ممدوداً} قَالَ: ألف دِينَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان {وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً}
قَالَ: ألف ألف
(8/329)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه والدينوري فِي المجالسة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي
الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {وَجعلت لَهُ مَالا
ممدوداً} قَالَ: غلَّة شهر بِشَهْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن سَالم فِي قَوْله:
{وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً} قَالَ: الأَرْض
وَأخرج هناد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قَوْله:
{سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: هُوَ جبل فِي النَّار يكلفون
أَن يصعدوا فِيهِ فَكلما وضعُوا أَيْديهم عَلَيْهِ ذَابَتْ
فَإِذا رفعوها عَادَتْ كَمَا كَانَت
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من
طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن
الْمُغيرَة جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَكَأَنَّهُ رق لَهُ فَبلغ ذَلِك
أَبَا جهل فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا عَم إِن قَوْمك يُرِيدُونَ
أَن يجمعوا لَك مَالا ليعطوه لَك فَإنَّك أتيت مُحَمَّدًا
لتعرض لما قبله
قَالَ: قد علمت قُرَيْش أَنِّي من أَكثر مَالا
قَالَ: فَقل فِيهِ قولا يبلغ قَوْمك أَنَّك مُنكر أَو أَنَّك
كَارِه لَهُ
قَالَ: وماذا أَقُول فوَاللَّه مَا فِيكُم رجل أعلم بالشعر مني
وَلَا برجزه وَلَا بقصيده مني وَلَا بشاعر الْجِنّ وَالله مَا
يشبه الَّذِي يَقُول شَيْئا من هَذَا وَوَاللَّه إِن لقَوْله:
الَّذِي يَقُول لحلاوة وَإِن عَلَيْهِ لطلاوة وَإنَّهُ لمثمر
أَعْلَاهُ مغدق أَسْفَله وَإنَّهُ ليعلوا وَمَا يعلى وَإنَّهُ
ليحطم مَا تَحْتَهُ
قَالَ: لَا يرضى عَنْك قَوْمك حَتَّى تَقول فِيهِ
قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أفكر
ففكر
فَلَمَّا فكر قَالَ: هَذَا سحر يُؤثر يأثره عَن غَيره فَنزلت
{ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا}
وَأخرجه ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَعبد
الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة مُرْسلا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق مُجَاهِد عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جمع الْوَلِيد بن الْمُغيرَة قُريْشًا فَقَالَ: مَا تَقولُونَ
فِي هَذَا الرجل فَقَالَ بَعضهم: هُوَ شَاعِر وَقَالَ بَعضهم:
هُوَ كَاهِن فَقَالَ الْوَلِيد: سَمِعت قَول شَاعِر وَسمعت
قَول الكهنة فَمَا هُوَ مثله
قَالُوا: فَمَا تَقول أَنْت قَالَ: فَنظر سَاعَة {إِنَّه فكر
وَقدر فَقتل كَيفَ قدر} إِلَى قَوْله: {سحر يُؤثر}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
دخل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة على أبي بكر فَسَأَلَهُ عَن
الْقُرْآن فَلَمَّا أخبرهُ خرج على قُرَيْش فَقَالَ: يَا عجبا
لما يَقُول ابْن
(8/330)
أبي كَبْشَة فوَاللَّه مَا هُوَ بِشعر
وَلَا بِسحر وَلَا بهذي من الْجُنُون وَإِن قَوْله: لمن كَلَام
الله
فَلَمَّا سمع النَّفر من قُرَيْش ائْتَمرُوا وَقَالُوا: وَالله
لَئِن صَبأ الْوَلِيد لتصبأن قُرَيْش فَلَمَّا سمع بذلك أبوجهل
قَالَ: وَالله أَنا أكفيكم شَأْنه
فَانْطَلق حَتَّى دخل عَلَيْهِ بَيته
فَقَالَ للوليد: ألم تَرَ قَوْمك قد جمعُوا لَك الصَّدَقَة
فَقَالَ: أَلَسْت أَكْثَرهم مَالا وَولدا فَقَالَ لَهُ أَبُو
جهل: يتحثون أَنَّك إِنَّمَا تدخل على ابْن أبي قُحَافَة لتصيب
من طَعَامه
فَقَالَ الْوَلِيد: تحدث بِهَذَا عشيرتي فوَاللَّه لَا أقرب
ابْن أبي قُحَافَة وَلَا عمر وَلَا ابْن أبي كَبْشَة وَمَا
قَوْله: إِلَّا سحر يُؤثر فَأنْزل الله {ذَرْنِي وَمن خلقت
وحيداً} إِلَى قَوْله: {لَا تبقي وَلَا تذر}
وَأخرج ابْن جرير وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَعبد بن حميد
عَن ابْن عَبَّاس {عنيداً} قَالَ: جحُودًا
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي
الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الصعُود جبل فِي النَّار يصعد فِيهِ
الْكَافِر سبعين خَرِيفًا ثمَّ يهوي وَهُوَ كَذَلِك فِيهِ أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي
وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه
آخر عَن أبي سعيد قَالَ: إِن {صعُودًا} صَخْرَة فِي جَهَنَّم
إِذا وضعُوا أَيْديهم عَلَيْهَا ذَابَتْ فَإِذا رفعوها عَادَتْ
واقتحامها (فك رَقَبَة أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة)
(سُورَة الْبَلَد الْآيَة 14)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صعُود صَخْرَة
فِي جَهَنَّم يسحب عَلَيْهَا الْكَافِر على وَجهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
قي قَوْله: {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: جبل فِي النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {صعُودًا} قَالَ:
جبلا فِي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا}
قَالَ: صَخْرَة ملساء فِي جَهَنَّم يكلفون الصعُود عَلَيْهَا
(8/331)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
{سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {عبس وَبسر} قَالَ: قبض مَا بَين
عَيْنَيْهِ وكلح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي رزين {إِن هَذَا
إِلَّا سحر يُؤثر} قَالَ: يأثره عَن غَيره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {سقر} أَسْفَل
الْجَحِيم نَار فِيهَا شَجَرَة الزقوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{لَا تبقي وَلَا تذر} قَالَ: لَا تحيي وَلَا تميت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {لَا تبقي} إِذا أخذت
فيهم لم تبْق مِنْهُم شَيْئا وَإِذا بدلُوا جلدا جَدِيدا لم
تذر أَن تباردهم سَبِيل الْعَذَاب الأول
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {لَا تبقي وَلَا تذر}
تَأْكُله كُله فَإِذا تبدى خلقه لم تذره حَتَّى تقوم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن بريد {لَا تبقي وَلَا تذر}
قَالَ: تَأْكُل اللَّحْم والعظم والعرق والمخ وَلَا تذره على
ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{لواحة للبشر} قَالَ: حراقة للجلد
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {لواحة للبشر} قَالَ:
تلوح الْجلد فتحرقه فيتغير لَونه فيصر أسود من اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي رزين {لواحة للبشر}
قَالَ: تلوح جلده حَتَّى تَدعه أَشد سواداً من اللَّيْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن
ابْن عَبَّاس {لواحة} محرقة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث عَن الْبَراء أَن رهطاً من الْيَهُود سَأَلُوا رجلا
من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن خَزَنَة
جَهَنَّم فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم فجَاء فَأخْبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل عَلَيْهِ ساعتئذ {عَلَيْهَا
تِسْعَة عشر}
(8/332)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن جَابر قَالَ: قَالَ نَاس من الْيَهُود لِأُنَاس من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل يعلم نَبِيكُم
عدد خَزَنَة جَهَنَّم قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا فِي مرّة عشرَة
وَفِي مرّة تِسْعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما نزلت
{عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ رجل من قُرَيْش يدعى أَبَا
الأشدين: يَا معشر قُرَيْش لَا يهولنكم التِّسْعَة عشر أَنا
أدفَع عَنْكُم بمنكبي الْأَيْمن عشرَة وبمنكبي الْأَيْسَر
التِّسْعَة فَأنْزل الله {وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار
إِلَّا مَلَائِكَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما سمع أَبُو جهل
{عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ لقريش: ثكلتكم أُمَّهَاتكُم
أسمع ابْن أبي كَبْشَة يُخْبِركُمْ أَن خَزَنَة النَّار
تِسْعَة عشر وَأَنْتُم الدهم أفيعجز كل عشرَة مِنْكُم أَن
يبطشوا بِرَجُل من خَزَنَة جَهَنَّم فَأوحى الله إِلَى نبيه
أَن يَأْتِي أَبَا جهل فَيَأْخُذ بِيَدِهِ فِي بطحاء مَكَّة
فَيَقُول لَهُ: {أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ: ذكر لنا أَن أَبَا جهل حِين
أنزلت هَذِه الْآيَة قَالَ: يَا معشر قُرَيْش مَا يَسْتَطِيع
كل عشرَة مِنْكُم أَنِّي يغلبوا وَاحِدًا من خَزَنَة النَّار
وَأَنْتُم ألدهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق الْأَزْرَق
بن قيس عَن رجل من بني تَمِيم قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي
الْعَوام فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر}
فَقَالَ: مَا تَقولُونَ أتسعة عشر ملكا أَو تِسْعَة عشر ألفا
قلت: لَا بل تِسْعَة عشر ملكا فَقَالَ: وَمن أَيْن علمت ذَلِك
قُلْنَا: لِأَن الله يَقُول: {وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا
فتْنَة للَّذين كفرُوا} قَالَ: صدقت هم تِسْعَة عشر ملكا بيد
كل ملك مِنْهُم مرزبة من حَدِيد لَهُ شعبتان فَيضْرب بهَا
الضَّرْبَة يهوي بهَا فِي جَهَنَّم سبعين ألفا بَين مَنْكِبي
كل ملك مِنْهُم مسيرَة كَذَا وَكَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ: جعلُوا فتْنَة
قَالَ: قَالَ أَبُو الأشدين الجُمَحِي: لَا يبلغون رتوتي
حَتَّى أجهضهم عَن جَهَنَّم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا جعلنَا عدتهمْ
إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا} قَالَ: قَالَ أَبُو الأشدين:
خلوا بيني وَبَين خَزَنَة جَهَنَّم أَنا أكفيكم مؤنتهم
قَالَ:
(8/333)
وَحدثت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وصف خزان جَهَنَّم فَقَالَ: كَأَن أَعينهم الْبَرْق
وَكَأن أَفْوَاههم الصَّيَاصِي يجرونَ أشفارهم لَهُم مثل
قُوَّة الثقلَيْن يقبل أحدهم بالأمة من النَّاس يسوقهم على
رقبته جبل حَتَّى يَرْمِي بهم فِي النَّار فَيَرْمِي
بِالْجَبَلِ عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ليستيقن الَّذين أُوتُوا
الْكتاب} أَنهم يَجدونَ عدتهمْ فِي كِتَابهمْ تِسْعَة عشر
{ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا} فيؤمنوا بِمَا فِي
كِتَابهمْ من عدتهمْ فيزدادوا بذلك إِيمَانًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: يستيقن أهل
الْكتاب حِين وَافق عدد خَزَنَة النَّار مَا فِي كِتَابهمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ليستيقن الَّذين أُوتُوا
الْكتاب} قَالَ: يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم عدَّة خَزَنَة
النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {ليستيقن
الَّذين أُوتُوا الْكتاب ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا}
قَالَ: صدق الْقُرْآن الْكتب الَّتِي خلت قبله التَّوْرَاة
والإِنجيل أَن خَزَنَة جَهَنَّم تِسْعَة عشر {وليقول الَّذين
فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: الَّذين فِي قُلُوبهم النِّفَاق
وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} قَالَ: من كثرتهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق
ابْن جريج عَن رجل عَن عُرْوَة بن الزبير أَنه سَأَلَ عبد الله
بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَي الْخلق أعظم قَالَ: الْمَلَائِكَة
قَالَ: من مَاذَا خلقت قَالَ: من نور الذراعين والصدر
قَالَ: فَبسط الذراعين
فَقَالَ: كونُوا ألفي أَلفَيْنِ
قيل لِابْنِ جريج: مَا ألفي أَلفَيْنِ قَالَ: مَا لَا يُحْصى
كثرته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ
عَن لَيْلَة الإِسراء قَالَ: فَصَعدت أَنا وَجِبْرِيل إِلَى
السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذا أَنا بِملك يُقَال لَهُ اسماعيل
وَهُوَ صَاحب سَمَاء الدُّنْيَا وَبَين يَدَيْهِ سَبْعُونَ ألف
ملك مَعَ كل ملك مِنْهُم جنده مائَة ألف وتلا هَذِه الْآيَة
{وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى
للبشر} قَالَ: النَّار
(8/334)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة مثله
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ:
اللَّيْل إِذا دبر فَجعل الْألف مَعَ إِذا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن ابْن الزبير أَنه
كَانَ يقْرَأ: وَاللَّيْل إِذا دبر
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير أَنه
قَرَأَهَا: دبر مثل قِرَاءَة ابْن عَبَّاس
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن
أَنه قَرَأَهَا: إِذا بِغَيْر ألف {أدبر} بِأَلف
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ: إِنَّهَا
فِي حرف أبي وَابْن مَسْعُود / إِذا أدبر / يَعْنِي
بِأَلفَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَاللَّيْل إِذْ
أدبر} قَالَ: دبوره ظلامه
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس
عَن قَوْله: {وَاللَّيْل إِذْ أدبر} فَسكت عني حَتَّى إِذا
كَانَ من آخر اللَّيْل وَسمع الْأَذَان الأول ناداني: يَا
مُجَاهِد هَذَا حِين دبر اللَّيْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة {وَالصُّبْح إِذا أَسْفر} قَالَ: إِذا أَضَاء
{إِنَّهَا لإِحدى الْكبر} قَالَ: النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {إِنَّهَا لإِحدى الْكبر}
قَالَ: النَّار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
أبي رزين {إِنَّهَا لإِحدى الْكبر نذيراً للبشر} قَالَ: هِيَ
جَهَنَّم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الأمل عَن حُذَيْفَة
قَالَ: مَا من صباح وَلَا مسَاء إِلَّا ومنادٍ يُنَادي: يَا
أَيهَا النَّاس الرحيل الرحيل وَإِن تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب
الله {إِنَّهَا لإِحدى الْكبر نذيراً للبشر لمن شَاءَ مِنْكُم
أَن يتَقَدَّم} قَالَ: الْمَوْت {أَو يتَأَخَّر} قَالَ:
الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن
يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر} قَالَ: من شَاءَ اتبع طَاعَة الله
وَمن شَاءَ تَأَخّر عَنْهَا
(8/335)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لمن
شَاءَ مِنْكُم أَن يتَقَدَّم} قَالَ: فِي طَاعَة الله {أَو
يتَأَخَّر} قَالَ: فِي مَعْصِيّة الله
آيَة 28 - 56
(8/336)
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي
جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا
تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ
التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ
مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ
يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا
مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)
كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ
التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} قَالَ: مَأْخُوذَة بعملها
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كل نفس بِمَا كسبت رهينة
إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: علق النَّاس كلهم إِلَّا
أَصْحَاب الْيَمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كل نفس
بِمَا كسبت رهينة إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: لَا
يحاسبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا
أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: هم الْمُسلمُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ بن أبي
طَالب فِي قَوْله: {إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: هم
أَطْفَال الْمُسلمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
عَن ابْن عمر فِي قَوْله: {إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ:
هم أَطْفَال الْمُسلمين
(8/336)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَعبد
الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي دَاوُد وَابْن
الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: سَمِعت عبد الله بن
الزبير يقْرَأ {فِي جنَّات يتساءلون عَن الْمُجْرمين} يَا
فلَان {مَا سلككم فِي سقر} قَالَ عَمْرو: وَأَخْبرنِي لَقِيط
قَالَ: سَمِعت ابْن الزبير قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب
يقْرؤهَا كَذَلِك
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
مَسْعُود أَنه قَرَأَ: يَا أَيهَا الْكفَّار مَا سلككم فِي سقر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {وَكُنَّا نَخُوض مَعَ الخائضين} قَالَ:
يَقُولُونَ: كلما غوى غاو غوينا مَعَه وَفِي قَوْله: {فَمَا
تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} قَالَ: تعلمُوا أَن الله يشفّع
الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة بَعضهم فِي بعض
قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: إِن فِي أمتِي رجلا ليدخلن الله الْجنَّة بِشَفَاعَتِهِ
أَكثر من بني تَمِيم وَقَالَ الْحسن: أَكثر من ربيعَة وَمُضر
قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَن الشَّهِيد يشفع فِي سبعين من أهل
بَيته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {حَتَّى أَتَانَا
الْيَقِين} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فَمَا
تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} قَالَ: لَا تنالهم شَفَاعَة من يشفع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليخرجن بشفاعتي من أهل الإِيمان
من النَّار حَتَّى لَا يبْقى فِيهَا أحد إِلَّا أهل هَذِه
الْآيَة {مَا سلككم فِي سقر} إِلَى قَوْله: {شَفَاعَة
الشافعين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن مَيْمُون أَن
كَعْبًا دخل يَوْمًا على عمر بن الْخطاب فَقَالَ لَهُ عمر:
حَدثنِي إِلَى مَا تَنْتَهِي شَفَاعَة مُحَمَّد يَوْم
الْقِيَامَة فَقَالَ كَعْب: قد أخْبرك الله فِي الْقُرْآن إِن
الله يَقُول: {مَا سلككم فِي سقر} إِلَى قَوْله: {الْيَقِين}
قَالَ كَعْب: فَيشفع يَوْمئِذٍ حَتَّى يبلغ من لم يصل صَلَاة
قطّ وَيطْعم مِسْكينا قطّ وَمن لم يُؤمن ببعث قطّ فَإِذا بلغت
هَؤُلَاءِ لم يبْق أحد فِيهِ خير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُؤْتى بِأَدْنَى أهل النَّار منزلَة
يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول الله لَهُ: تفتدى بملء الأَرْض
ذَهَبا وَفِضة فَيَقُول: نعم إِن قدرت عَلَيْهِ فَيَقُول: كذبت
قد كنت أَسأَلك مَا هُوَ أيسر عَلَيْك من أَن تَسْأَلنِي
(8/337)
فأعطيك وتستغفرني فَأغْفِر لَك وتدعوني
فأستجيب لَك فَلم تخفني سَاعَة قطّ من ليل ونهار وَلم ترج مَا
عِنْدِي قطّ وَلم تخش عقابي سَاعَة قطّ وَلَيْسَ وَرَاءه أحد
إِلَّا وَهُوَ شَرّ مِنْهُ فَيُقَال لَهُ: {مَا سلككم فِي سقر
قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين} إِلَى قَوْله: {حَتَّى
أَتَانَا الْيَقِين} يَقُول الله: {فَمَا تنفعهم شَفَاعَة
الشافعين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب الْفَقِير قَالَ: كُنَّا
بِمَكَّة وَمَعِي طلق بن حبيب وَكُنَّا نرى رَأْي الْخَوَارِج
فَبَلغنَا أَن جَابر بن عبد الله يَقُول فِي الشَّفَاعَة
فأتيناه فَقُلْنَا لَهُ: بلغنَا عَنْك فِي الشَّفَاعَة قَول
الله مُخَالف لَك فِيهَا فِي كِتَابه فَنظر فِي وُجُوهنَا
فَقَالَ: من أهل الْعرَاق أَنْتُم قالنا: نعم
فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: وَأَيْنَ تَجِدُونَ فِي كتاب الله قلت:
حَيْثُ يَقُول: (رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته)
(سُورَة آل عمرَان الْآيَة 192) و (يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من
النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا) (سُورَة الْمَائِدَة
الْآيَة 37) و (كلما أروادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا
فِيهَا) (سُورَة السَّجْدَة الْآيَة 20) وَأَشْبَاه هَذَا من
الْقُرْآن فَقَالَ: أَنْتُم أعلم بِكِتَاب الله أم أَنا
قُلْنَا: بل أَنْت أعلم بِهِ منا
قَالَ: فوَاللَّه لقد شهِدت تَنْزِيل هَذَا على عهد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشفاعة الشافعين وَلَقَد سَمِعت
تَأْوِيله من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن
الشَّفَاعَة لنَبيه فِي كتاب الله قَالَ فِي السُّورَة الَّتِي
تذكر فِيهَا المدثر: {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من
الْمُصَلِّين} الْآيَة أَلا ترَوْنَ أَنَّهَا حلت لمن مَاتَ لم
يُشْرك بِاللَّه شَيْئا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: إِن الله خلق خلقا وَلم ستعن على ذَلِك وَلم
يشاور فِيهِ أحدا فَأدْخل من شَاءَ الْجنَّة برحمته وَأدْخل من
شَاءَ النَّار ثمَّ إِن الله تَحَنن على الْمُوَحِّدين فَبعث
الْملك من قبله بِمَاء وَنور فَدخل النَّار فنضح فَلَمَّا يصب
إِلَّا من شَاءَ وَلم يصب إِلَّا من خرج من الدُّنْيَا لم
يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَأخْرجهُمْ حَتَّى جعلهم بِفنَاء
الْجنَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى ربه فأمده بِمَاء وَنور ثمَّ دخل
فنضح فَلم يصب إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ لم يصب إِلَّا من خرج
من الدُّنْيَا لم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَأخْرجهُمْ حَتَّى
جعلهم بِفنَاء الْجنَّة ثمَّ أذن الله للشفعاء فشفعوا لَهُم
فأدخلهم الله الْجنَّة برحته وشفاعة الشافعين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
يعذب الله قوما من أهل الإِيمان ثمَّ يخرجهم بشفاعة مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا من ذكر الله
{مَا سلككم فِي سقر} إِلَى قَوْله: {شَفَاعَة الشافعين}
(8/338)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة {فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين} قَالَ: عَن
الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {كَأَنَّهُمْ حمر}
مثقلة {مستنفرة} بخفض الْفَاء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَأبي رَجَاء
أَنَّهُمَا قرآ {مستنفرة} يَعْنِي بِنصب الْفَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
فِي قَوْله: {فرت من قسورة} قَالَ: هم الرُّمَاة رجال القنص
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
القسورة الرِّجَال الرُّمَاة رجال القنص
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَمْرَة قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس
قَالَ: القسورة الْأسد
فَقَالَ: مَا أعلمهُ بلغَة أحد من الْعَرَب الْأسد هم عصبَة
الرِّجَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة
فرت من قسورة} قَالَ: وحشية فرت من رماتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {فرت من قسورة} قَالَ:
القناص
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فرت من قسورة} قَالَ: القناص
الرُّمَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: القسورة الرُّمَاة
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ:
القسورة النبل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {من قسورة} قَالَ: من
حبال الصيادين
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره وَعبد الرَّزَّاق
وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {من قسورة} قَالَ: هُوَ ركز
النَّاس يَعْنِي أَصْوَاتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من
قسورة} قَالَ: هُوَ بِلِسَان الْعَرَب الْأسد وبلسان
الْحَبَشَة قسورة وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله: {فرت من قسورة}
قَالَ: الْأسد
(8/339)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن السّديّ عَن أبي صَالح قَالَ: قَالُوا: إِن
كَانَ مُحَمَّدًا صَادِقا فليصبح تَحت رَأس كل رجل منا صحيفَة
فِيهَا بَرَاءَته وأمنته من النَّار فَنزلت {بل يُرِيد كل
امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفاً منشرة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ {بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفاً منشرة}
قَالَ: إِلَى فلَان بن فلَان من رب الْعَالمين يصبح عِنْد رَأس
كل رجل صحيفَة مَوْضُوعَة يقْرؤهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى
صحفاً منشرة} قَالَ: قد قَالَ قَائِلُونَ من النَّاس لمُحَمد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سرك أَن نتابعك فائتنا بِكِتَاب
خَاصَّة يَأْمُرنَا باتباعك وَفِي قَوْله: {كلا بل لَا
يخَافُونَ الْآخِرَة} قَالَ: ذَلِك الَّذِي أضْحك بالقوم
وأفسدهم أَنهم كَانُوا لَا يخَافُونَ الْآخِرَة وَلَا يصدقون
بهَا وَفِي قَوْله: {كلا إِنَّهَا تذكرة} قَالَ: هَذَا
الْقُرْآن وَفِي قَوْله: {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل
الْمَغْفِرَة} قَالَ: إِن رَبنَا محقوق أَن تتقى مَحَارمه
وَهُوَ أهل أَن يغْفر الذُّنُوب الْكَثِيرَة لِعِبَادِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {كلا بل
لَا يخَافُونَ الْآخِرَة} قَالَ: هَذَا الَّذِي فضحهم
وَأخرج أَحْمد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
ماجة وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه
الْآيَة {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة} فَقَالَ: قد
قَالَ ربكُم أَنا أهل أَن أُتَّقَى فَمن لم يَجْعَل معي
إِلَهًا فَأَنا أهل أَن أَغفر لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ: سَمِعت
أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُم يَقُولُونَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله: {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل
الْمَغْفِرَة} قَالَ: يَقُول الله أَنا أهل أَن أتقى فَلَا
يَجْعَل معي شريك فَإِذا اتَّقَيْت وَلم يَجْعَل معي شريك
فَأَنا أهل أَن أَغفر مَا سوى ذَلِك
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن
الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله أَنا أكْرم وَأعظم عفوا من أَن
أستر على عبد لي فِي الدُّنْيَا ثمَّ أفضحه بعد أَن سترته
وَلَا أَزَال أَغفر لعبدي مَا استغفرني قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله تَعَالَى: إِنِّي لأجدني
استحي من عَبدِي يرفع يَدَيْهِ إليّ ثمَّ أردهما
قَالَت
(8/340)
الْمَلَائِكَة: إلهنا لَيْسَ لذَلِك
بِأَهْل
قَالَ الله: لكني أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة أشهدكم
أَنِّي قد غفرت لَهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: وَيَقُول الله: إِنِّي لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي
يشيبان فِي الإِسلام ثمَّ أعذبهما بعد ذَلِك فِي النَّار
(8/341)
|