الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
69
سُورَة الحاقة
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الحاقة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بَرزَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْفجْر بالحاقة وَنَحْوهَا
وَأخرج أَحْمد عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: خرجت أتعرض لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن أسلم فَوَجَدته قد سبقني إِلَى الْمَسْجِد فَقُمْت خَلفه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الحاقة فَجعلت أعجب من تأليف الْقُرْآن فَقلت: هَذَا وَالله شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش فَقَرَأَ {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون} قلت: كَاهِن قَالَ: {وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ تَنْزِيل} إِلَى آخر السُّورَة فَوَقع الْإِسْلَام فِي قلبِي كل موقع

الْآيَة 1 - 13

(8/263)


الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الحاقة} قَالَ: من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الحاقة} يَعْنِي السَّاعَة أحقت لكل عَامل عمله {وَمَا أَدْرَاك مَا الحاقة} قَالَ: تَعْظِيمًا ليَوْم الْقِيَامَة كَمَا تَسْمَعُونَ وَفِي قَوْله: {كذبت ثَمُود وَعَاد بالقارعة} قَالَ: بالساعة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الحاقة} قَالَ: حققت لكل عَامل عمله لِلْمُؤمنِ إيمَانه وللمنافق نفَاقه وَفِي قَوْله: {بالقارعة} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأهلكوا بالطاغية} قَالَ: بِالذنُوبِ وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: الصَّيْحَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأهلكوا بالطاغية} قَالَ: أرسل الله عَلَيْهِم صَيْحَة وَاحِدَة فأهمدتهم فأهلكوا فِي قَوْله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} قَالَ: عَتَتْ عَلَيْهِم حَتَّى نقبت أفئدتهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أرسل الله شَيْئا من ريح إِلَّا بِمِكْيَال وَلَا قَطْرَة من مطر إِلَّا بِمِكْيَال إِلَّا يَوْم نوح وَيَوْم عَاد فَأَما يَوْم نوح فَإِن المَاء طَغى على خزانه فَلم يكن لَهُم عَلَيْهِ سَبِيل ثمَّ قَرَأَ {إِنَّا لما طَغى المَاء} وَأما يَوْم عَاد فَإِن الرّيح عَتَتْ على خزانها فَلم يكن لَهُم عَلَيْهَا سَبِيل ثمَّ قَرَأَ {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم تنزل قَطْرَة من مَاء إِلَّا بِمِكْيَال على يَدي ملك إِلَّا يَوْم نوح فَإِنَّهُ أذن للْمَاء دون الْخزَّان فطغى المَاء على الْخزَّان فَخرج فَذَلِك قَوْله: {إِنَّا لما طَغى المَاء} وَلم ينزل شَيْء من الرّيح إِلَّا بكيل على يَدي ملك إِلَّا يَوْم عَاد فَإِنَّهُ أذن لَهَا دون الْخزَّان فَخرجت فَذَلِك قَوْله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} عَتَتْ على الْخزَّان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نصرت بالصبا وأهلكت عَاد بالدبور قَالَ: مَا أَمر الْخزَّان أَن يرسلوا على عَاد إِلَّا مثل مَوضِع الْخَاتم من الرّيح فعتت على الْخزَّان فَخرجت من نواحي

(8/264)


الْأَبْوَاب فَذَلِك قَوْله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} قَالَ: عتوها عَتَتْ على الْخزَّان فَبَدَأت بِأَهْل الْبَادِيَة مِنْهُم فحملتهم بمواشيهم وَبُيُوتهمْ فَأَقْبَلت بهم إِلَى الْحَاضِرَة (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارضاً مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا) (سُورَة الْأَحْقَاف الْآيَة 24) فَلَمَّا دنت الرّيح وأظلتهم استبق النَّاس والمواشي فِيهَا فَأَلْقَت الْبَادِيَة على أهل الْحَاضِرَة تقصفهم فهلكوا جَمِيعًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أنزل الله من السَّمَاء كفا من مَاء إِلَّا بِمِكْيَال وَلَا كفا من ريح إِلَّا بِمِكْيَال إِلَّا يَوْم نوح فَإِن المَاء طَغى على الْخزَّان فَلم يكن لَهُم عَلَيْهِ سُلْطَان قَالَ لله تَعَالَى: {إِنَّا لما طَغى المَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} وَيَوْم عَاد فَإِن الرّيح عَتَتْ على الْخزَّان قَالَ الله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} قَالَ: الْغَالِبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصرصر الْبَارِدَة {عَاتِيَة} قَالَ: حَيْثُ عَتَتْ على خزانها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عَاتِيَة} قَالَ: شَدِيدَة وَفِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: متتابعة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق ابْن شهَاب عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ: مَا يخرج من الرّيح شَيْء إِلَّا عَلَيْهَا خزان يعلمُونَ قدرهَا وعددها ووزنها وكيلها حَتَّى كَانَت الرّيح الَّتِي أرْسلت على عَاد فاندفق مِنْهَا شَيْء لَا يعلمُونَ وَزنه وَلَا قدره وَلَا كَيْله غَضبا لله وَلذَلِك سميت عَاتِيَة وَالْمَاء كَذَلِك حِين كَانَ أَمر نوح فَلذَلِك سمي طاغياً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام} قَالَ: كَانَ أَولهَا الْجُمُعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: مُتَتَابِعَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: تبعا وَفِي لفظ مُتَتَابِعَات

(8/265)


وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {حسوماً} قَالَ: دائمة شَدِيدَة يَعْنِي محسومة بالبلاء قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَهُوَ يَقُول: وَكم كُنَّا بهَا من فرط عَام وَهَذَا الدَّهْر مقتبل حسوم وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوماً} قَالَ: كَانُوا سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام أَحيَاء فِي عَذَاب الله من الرّيح فَلَمَّا أَمْسوا الْيَوْم الثَّامِن مَاتُوا فاحتملتهم الرّيح فألقتهم فِي الْبَحْر فَذَلِك قَوْله: {فَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة} وَقَوله: {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم} قَالَ: وأخبرت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عذبهم بكرَة وكشف عَنْهُم فِي الْيَوْم الثَّانِي حَتَّى كَانَ اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: متتابعة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: دائمات وَفِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية} قَالَ: هِيَ أصُول النّخل قد بقيت أُصُولهَا وَذَهَبت أعاليها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل} قَالَ: أُصُولهَا وَفِي قَوْله: {خاوية} قَالَ: خربة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله} بِنصب الْقَاف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله} قَالَ: وَمن مَعَه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {والمؤتفكات} قَالَ: هم قوم لوط ائتفكت بهم أَرضهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بالخاطئة} قَالَ: بالخطايا وَفِي قَوْله: {أَخْذَة رابية} قَالَ: شَدِيدَة وَفِي قَوْله: {إِنَّا لما طَغى المَاء} قَالَ: كثر وَفِي قَوْله: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} قَالَ: السَّفِينَة وَفِي قَوْله: {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} قَالَ: حافظة وَفِي لفظ: سامعة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا لما طَغى المَاء} قَالَ: طَغى على خزانه فَنزل وَلم ينزل من السَّمَاء مَاء إِلَّا بِمِكْيَال أَو ميزَان إِلَّا زمن

(8/266)


نوح فَإِنَّهُ طَغى على خزانه فَنزل من غير كيل وَلَا وزن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لم ينزل من السَّمَاء قَطْرَة قطّ إِلَّا بِعلم الْخزَّان إِلَّا حَيْثُ طَغى المَاء فَإِنَّهُ غضب لغضب الله فطغى على الْخزَّان فَخرج مَا لَا يعلمُونَ مَا هُوَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {طَغى المَاء} قَالَ: بَلغنِي أَنه طَغى فَوق كل شَيْء خَمْسَة عشر ذِرَاعا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} قَالَ: السَّفِينَة وَفِي قَوْله: {لنجعلها لكم تذكرة} أَي تذكرُونَ ماصنع بهم حَيْثُ عصوا نوحًا {وَتَعيهَا} يَقُول: وتحصيها {أذن وَاعِيَة} يَقُول: أذن حافظة يَعْنِي حَدِيث السَّفِينَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَكْحُول قَالَ: لما نزلت {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَأَلت رَبِّي أَن يَجْعَلهَا أذن عليَّ قَالَ مَكْحُول: فَكَانَ عليّ يَقُول: مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَنسيته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والواحدي وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر وَابْن البُخَارِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعليّ: إِن الله أَمرنِي أَن أدنيك وَلَا أقصيك وَأَن أعلمك وَأَن تعي وَحقّ لَك أَن تعي فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عليّ قَالَ: قَالَ رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عليّ إِن الله أَمرنِي أَن أدنيك وأعلمك لتعي فأنزلت هَذِه الْآيَة {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} فَأَنت أذن وَاعِيَة لعلمي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {لنجعلها لكم تذكرة} قَالَ: لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكم من سفينة قد هَلَكت وَأثر قد ذهب يَعْنِي مَا بَقِي من السَّفِينَة حَتَّى أَدْرَكته أمة مُحَمَّد فرأوه كَانَت ألواحها ترى على الجودي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لنجعلها لكم تذكرة} قَالَ: عِبْرَة وَآيَة أبقاها الله حَتَّى نظرت إِلَيْهَا هَذِه الْأمة وَكم من سفينة غير سفينة نوح صَارَت رمماً

(8/267)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمرَان فِي قَوْله: {أذن وَاعِيَة} قَالَ: أذن عقلت عَن الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} قَالَ سَمِعت وعقلت مَا سَمِعت وأوعت

الْآيَة 14 - 26

(8/268)


وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)

أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله: {وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة} قَالَ: يصيران غبرة على وُجُوه الْكفَّار لَا على وُجُوه الْمُؤمنِينَ وَذَلِكَ قَوْله: (ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة ترهقها قترة) (سُورَة عبس الْآيَة 40)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {فدكتا دكة وَاحِدَة} قَالَ: زَلْزَلَة شَدِيدَة عِنْد النفحة الْآخِرَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عدي بن زيد وَهُوَ يَقُول: ملك ينْفق الخزائن الذَّم ة [الذِّمَّة] قد دكها وكادت تبور وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {فدكتا دكة وَاحِدَة} قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يقبض الله الأَرْض ويطوي السَّمَاء بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول: لمن الْملك أَيْن مُلُوك الأَرْض

(8/268)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن المنذرعن ابْن جريج فِي قَوْله: {وانشقت السَّمَاء} قَالَ: ذَلِك قَوْله: (وَفتحت السَّمَاء فَكَانَت أبوابا) (سُورَة النبأ الْآيَة 19)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية} قَالَ: متخرقة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: الْمَلَائِكَة على أطرافها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: الْمَلَائِكَة على شقها ينظرُونَ إِلَى أهل الأَرْض وَمَا أَتَاهُم من الْفَزع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: على مَا لم ينشق مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك وَقَتَادَة وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالُوا: على حافات السَّمَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: على حافاتها على مَا لم يه مِنْهَا
أخرج عبد بن حميد وَعُثْمَان بن سعيد والدارمي فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن خُزَيْمَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ والخطيب تالي التَّلْخِيص عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فِي قَوْله: {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: ثَمَانِيَة أَمْلَاك على صُورَة الأوعال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: ثَمَانِيَة صُفُوف من الْمَلَائِكَة لَا يعلم عدتهمْ إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: يُقَال ثَمَانِيَة صُفُوف لَا يعلم عدتهمْ إِلَّا الله يُقَال ثَمَانِيَة أَمْلَاك رؤوسهم عِنْد الْعَرْش فِي السَّمَاء السَّابِعَة وأقدامهم فِي الأَرْض السُّفْلى وَلَهُم قُرُون كقرون الوعلة مَا بَين أصل قرن أحدهم إِلَى منتهاه مسيرَة خَمْسمِائَة عَام

(8/269)


وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: ثَمَانِيَة من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحملهُ الْيَوْم أَرْبَعَة وَيَوْم الْقِيَامَة ثَمَانِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: لم يسم حَملَة الْعَرْش إِلَّا إسْرَافيل قَالَ: وَمِيكَائِيل لَيْسَ من حَملَة الْعَرْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَتَمام الرَّازِيّ فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ: أنبئت أَن لبنان أحد حَملَة الْعَرْش الثَّمَانِية يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب قَالَ: لبنان أحد الثَّمَانِية تحمل الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ميسرَة فِي قَوْله: {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: أَرجُلهم فِي التخوم ورؤوسهم عَن الْعَرْش لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يرفعوا أَبْصَارهم من شُعَاع النُّور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: أَرْبَعَة أَمْلَاك يحملون الْعَرْش على أكتافهم لكل وَاحِد مِنْهُم أَرْبَعَة وُجُوه: وَجه ثَوْر وَوجه أَسد وَوجه نسر وَوجه إِنْسَان لكل وَاحِد مِنْهُم أَرْبَعَة أَجْنِحَة: أما جَنَاحَانِ فعلى وَجهه من أَن ينظر إِلَى الْعَرْش فيصعق وَأما جَنَاحَانِ فيصفق بهما وَفِي لفظ: فيطير بهما أَقْدَامهم فِي الثرى وَالْعرش على أكتافهم لَيْسَ لَهُم كَلَام إِلَّا أَن يَقُولُوا: قدسوا الله الْقوي مَلَأت عَظمته السَّمَوَات وَالْأَرْض
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَوْمئِذٍ تعرضون} قَالَ: تعرضون ثَلَاث عرضات فَأَما عرضتان ففيهما الْخُصُومَات والمعاذير وَأما الثَّالِثَة فتطاير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: تعرض النَّاس ثَلَاث عرضات يَوْم الْقِيَامَة فَأَما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال وَأما العرضة الثَّالِثَة فتطير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن تؤتيه كِتَابه بِيَمِينِهِ
قَالَ: وَكَانَ بعض أهل الْعلم يَقُول: إِنِّي وجدت أَكيس النَّاس من قَالَ: {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابية} قَالَ: ظن ظنا يَقِينا فنفعه الله بظنه
قَالَ: وَذكر أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(8/270)


كَانَ يَقُول: من اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه فَلْيفْعَل
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يعرض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عرضات فَأَما عرضتان فجدال ومعاذير وَأما الثَّالِثَة فَعِنْدَ ذَلِك تطاير الصُّحُف فِي أَيدي فآخذ بِيَمِينِهِ وآخذ بِشمَالِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي مُوسَى قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: فِي قَوْله: {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} قَالَ: عرضتان فيهمَا الْخُصُومَة والجدال والعرضة الثَّالِثَة تطير الصُّحُف فِي أَيدي الرِّجَال
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مسعد قَالَ: يعرض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عرضات فَأَما عرضتان فجدال ومعاذير وَأما العرضة الثَّالِثَة فتطاير الْكتب بالأيمان وَالشَّمَائِل
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن عمر قَالَ: حاسبوا أَنفسكُم قبل أَن تحاسبوا فَإِنَّهُ أيسر لحسابكم وزنوا أَنفسكُم قبل أَن توزنوا وتجهزوا للعرض الْأَكْبَر {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة قَالَ: إِن الله يقف عَبده يَوْم الْقِيَامَة فيبدي سيئاته فِي ظهر صَحِيفَته فَيَقُول لَهُ: أَنْت عملت هَذَا فَيَقُول: نعم أَي رب فَيَقُول لَهُ: إِنِّي لم أفضحك بِهِ وَإِنِّي غفرت لَك فَيَقُول عِنْد ذَلِك: {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه} حِين نجا من فضيحته يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والخطيب عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: إِن الْمُؤمن ليُعْطى كِتَابه فِي ستر من الله فَيقْرَأ سيئاته فيتغير لَونه ثمَّ يقْرَأ حَسَنَاته فَيرجع إِلَيْهِ لَونه ثمَّ ينظر فَإِذا سيئاته قد بُدِّلَتْ حَسَنَات فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول: {هاؤم اقرؤوا كِتَابِيَّة}
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أول من يُؤذن لَهُ فِي السُّجُود يَوْم الْقِيَامَة وَأَنا أول من يُؤذن لَهُ أَن يرفع رَأسه فَأنْظر إِلَى بَين يَدي فأعرف أمتِي من بَين الْأُمَم وَمن خَلْفي مثل ذَلِك وَعَن يَمِيني مثل ذَلِك وَعَن شمَالي مثل ذَلِك فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ تعرف أمتك من بَين الْأُمَم فِيمَا بَين

(8/271)


نوح إِلَى أمتك قَالَ: هم غر محجلون من أثر الْوضُوء لَيْسَ أحد كَذَلِك غَيرهم وأعرفهم أَنهم يُؤْتونَ كتبهمْ بأيمانهم وأعرفهم يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم ذُرِّيتهمْ
وَأخرج جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنِّي ظَنَنْت} قَالَ: أيقنت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب فِي قَوْله: {قطوفها دانية} قَالَ: قريبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قطوفها دانية} قَالَ: دنت فَلَا يرد أَيْديهم عَنْهَا بعد وَلَا شوك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْبَراء فِي قَوْله: {قطوفها دانية} قَالَ: يتَنَاوَل الرجل مِنْهَا من فواكهها وَهُوَ قَائِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {قطوفها} قَالَ: ثَمَرهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان الْفَارِسِي: لَا يدْخل الْجنَّة أحد إِلَّا بجوار بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من الله لفُلَان بن فلَان أدخلوه جنَّة عالية {قطوفها دانية}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أسلفتم فِي الْأَيَّام الخالية} قَالَ: أيامكم هَذِه أَيَّام خَالِيَة فانية تُؤدِّي إِلَى أَيَّام بَاقِيَة فاعملوا فِي هَذِه الْأَيَّام وَقدمُوا خيرا إِن اسْتَطَعْتُم وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يُوسُف بن يَعْقُوب الْحَنَفِيّ قَالَ: بَلغنِي أَنه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله تَعَالَى: يَا أوليائي طَال مَا نظرت إِلَيْكُم فِي الدُّنْيَا وَقد قلصت شفاهكم عَن الْأَشْرِبَة وَغَارَتْ أعينكُم وجفت بطونكم كونُوا الْيَوْم فِي نعيمكم وكلوا وَاشْرَبُوا {هَنِيئًا بِمَا أسلفتم فِي الْأَيَّام الخالية}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن رفيع فِي قَوْله: {بِمَا أسلفتم فِي الْأَيَّام الخالية} قَالَ: الصَّوْم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: خرج ابْن عمر فِي بعض نواحي الْمَدِينَة وَمَعَهُ أَصْحَاب لَهُ وَوَضَعُوا سفرة لَهُم فَمر بهم راعي غنم فَسلم فَقَالَ ابْن عمر: هَلُمَّ يَا راعي هَلُمَّ فأصب من هَذِه السفرة فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِم فَقَالَ ابْن عمر: أتصوم فِي مثل هَذَا الْيَوْم الْحَار الشَّديد سمومه وَأَنت فِي هَذِه الْجبَال ترعى هَذِه الْغنم فَقَالَ لَهُ: إِنِّي وَالله أبادر أيامي الخالية فَقَالَ لَهُ ابْن عمر وَهُوَ يُرِيد أَن يختبر

(8/272)


ورعه: فَهَل لَك أَن تبيعنا شَاة من غنمك هَذِه فنعطيك ثمنهَا ونعطيك من لَحمهَا فتفطر عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست لي بِغنم إِنَّهَا غنم سَيِّدي
فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: فَمَا عَسى سيدك فَاعِلا إذافقدها فَقلت أكلهَا الذِّئْب فولى الرَّاعِي عَنهُ وَهُوَ رَافع إصبعه إِلَى السَّمَاء وَهُوَ يَقُول: فَأَيْنَ الله قَالَ: فَجعل ابْن عمر يردد قَول الرَّاعِي وَهُوَ يَقُول: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ الله فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة بعث إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْترى مِنْهُ الْغنم والراعي فَأعتق الرَّاعِي ووهب مِنْهُ الْغنم

الْآيَة 27 - 34

(8/273)


يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَا ليتها كَانَت القاضية} قَالَ: تمنوا الْمَوْت وَلم يكن شَيْء فِي الدُّنْيَا أكره عِنْدهم من الْمَوْت وَفِي قَوْله: {هلك عني سلطانيه} قَالَ: أما وَالله مَا كل من دخل النَّار كَانَ أَمِير قَرْيَة وَلَكِن الله خلقهمْ وسلطهم على أبدانهم وَأمرهمْ بِطَاعَتِهِ ونهاهم عَن مَعْصِيَته
وَأخرج هناد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {يَا ليتها كَانَت القاضية} قَالَ: يَا ليتها كَانَت موتَة لَا حَيَاة بعْدهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {هلك عني سلطانيه} قَالَ: حجتي
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {هلك عني سلطانيه} قَالَ: يَعْنِي حجَّته
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {يَا ليتها كَانَت القاضية} قَالَ: حجتي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {هلك عني سلطانيه} قَالَ: ضلت عني كل بَيِّنَة فَلم تغن عني شَيْئا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {خذوه فغلوه} قَالَ: أخْبرت أَنه أَبُو جهل
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وهناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن نوف الشَّامي

(8/273)


فِي قَوْله: {ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا} قَالَ: الذِّرَاع سَبْعُونَ باعاً والباع مَا بَيْنك وَبَين مَكَّة وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِالْكُوفَةِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب قَالَ: إِن حلقه من السلسلة الَّتِي ذكر الله فِي كِتَابه مثل جَمِيع حَدِيد الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فاسلكوه} قَالَ: تسلك فِي دبره حَتَّى تخرج من مَنْخرَيْهِ حَتَّى لَا يقوم على رجلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فاسلكوه} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: السلسلة تدخل فِي استه ثمَّ تخرج من فِيهِ ثمَّ ينظمون فِيهَا كَمَا ينظم الْجَرَاد فِي الْعود ثمَّ يشوى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد قَالَ: بَلغنِي أَن السلسلة تدخل من مَقْعَده حَتَّى تخرج من فِيهِ يوثق بهَا بعد أَو من فِيهِ حَتَّى تخرج من معدته
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: إِن لله سلسلة لم تزل تغلي فِيهَا مراجل النَّار مُنْذُ خلق الله جَهَنَّم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة تلقى فِي أَعْنَاق النَّاس وَقد نجانا الله من نصفهَا بإيماننا بِاللَّه الْعَظِيم فحضّي على طَعَام الْمِسْكِين يَا أم الدَّرْدَاء

الْآيَة 35 - 52

(8/274)


فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)

أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الْقَاسِم الزجاجي النَّحْوِيّ فِي أَمَالِيهِ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أَدْرِي مَا الغسلين وَلَكِنِّي أَظُنهُ الزقوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الغسلين الدَّم وَالْمَاء الَّذِي يسيل من لحومهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الغسلين صديد أهل النَّار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن دلواً من غسلين يراق فِي الدُّنْيَا لأنتن بِأَهْل الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الغسلين اسْم طَعَام من أطْعمهُ النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: غسلين شَجَرَة فِي النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن صعصعة بن صوحان قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى عليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: كَيفَ هَذَا الْحَرْف لَا يَأْكُلهُ أَلا الخاطون كل وَالله يخطو فَتَبَسَّمَ عليّ وَقَالَ: يَا أَعْرَابِي {لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون} صدقت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ الله ليسلم عَبده ثمَّ الْتفت عليّ إِلَى أبي الْأسود فَقَالَ: إِن الْأَعَاجِم قد دخلت فِي الدّين كَافَّة فضع للنَّاس شَيْئا يستدلون بِهِ على صَلَاح ألسنتهم فرسم لَهُ الرّفْع وَالنّصب والخفض
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه من طَرِيق أبي الدهْقَان عَن عبد الله أَنه قَرَأَ {لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون} مَهْمُوزَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطون لَا يهمز
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق أبي الْأسود الدؤَلِي وَيحيى بن يعمر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا الخاطون إِنَّمَا هُوَ الخاطئون مَا الصابون إِنَّمَا هُوَ الصائبون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بِمَا تبصرون وَمَا لَا تبصرون} يَقُول: بِمَا ترَوْنَ وَمَا لَا ترَوْنَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا هُوَ بقول شَاعِر} قَالَ: طهره الله وَعَصَمَهُ {وَلَا بقول كَاهِن} قَالَ: طهره من الكهانة وَعَصَمَهُ مِنْهَا

(8/275)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن يزِيد بن عَامر السوَائِي أَنهم بَيْنَمَا هم يطوفون بالطاغية إِذا سمعُوا متكلماً وَهُوَ يَقُول: {وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} ففزعنا لذَلِك وَقُلْنَا مَا هَذَا الْكَلَام الَّذِي لَا نعرفه فَنَظَرْنَا فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منطلق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} قَالَ: بقدرة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم فِي قَوْله: {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} قَالَ: بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الوتين عرق الْقلب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} قَالَ: هُوَ حَبل الْقلب الَّذِي فِي الظّهْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه حَبل الْقلب
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الوتين الْحَبل الَّذِي فِي الظّهْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: الوتين نِيَاط الْقلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا احْتضرَ الإِنسان أَتَاهُ ملك الْمَوْت فغمز وتينه فَإِذا انْقَطع الوتين خرج روحه فهناك حِين يشخص بَصَره ويتبعه روحه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِذا انْقَطع الوتين لَا إِن جَاع عرق وَلَا إِن شبع عرق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لتذكرة} لَك {وَإنَّهُ لحسرة} {وَإنَّهُ لحق الْيَقِين} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لتذكرة لِلْمُتقين} قَالَ: يَعْنِي هَذَا الْقُرْآن وَفِي قَوْله: {وَإنَّهُ لحسرة على الْكَافرين} قَالَ: ذاكم يَوْم الْقِيَامَة

(8/276)


70
سُورَة المعارج
مَكِّيَّة وآياتها أَربع وَأَرْبَعُونَ أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة سَأَلَ بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 5

(8/277)


سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: هُوَ النَّضر بن الْحَارِث قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء وَفِي قَوْله: {بِعَذَاب وَاقع} قَالَ: كَائِن {للْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافع من الله ذِي المعارج} قَالَ: ذِي الدَّرَجَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: نزلت بِمَكَّة فِي النَّضر بن الْحَارِث وَقد قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك الْآيَة وَكَانَ عَذَابه يَوْم بدر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {بِعَذَاب وَاقع} قَالَ: يَقع فِي الْآخِرَة قَوْلهم فِي الدُّنْيَا: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك هُوَ النَّضر بن

(8/277)


الْحَارِث
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: {سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع} فَقَالَ النَّاس: على من يَقع الْعَذَاب فَأنْزل الله {للْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافع}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: دَعَا دَاع وَفِي قَوْله: {بِعَذَاب وَاقع} قَالَ: يَقع فِي الْآخِرَة وَهُوَ قَوْلهم: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم
أخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: رجل من عبد برار وَيُقَال لَهُ الْحَارِث بن عَلْقَمَة: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم فَقَالَ الله: (وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا قبل يَوْم الْحساب) (سُورَة ص الْآيَة 86) وَقَالَ الله: (وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى) (سُورَة الْأَنْعَام الْآيَة 94) وَقَالَ الله: {سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع} هُوَ الَّذِي قَالَ: إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر وَهُوَ الَّذِي قَالَ: (رَبنَا عجل لنا قطنا) وَهُوَ الَّذِي سَأَلَ عذَابا هُوَ وَاقع بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: سَأَلَ وادٍ فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ذِي المعارج} قَالَ: ذِي الْعُلُوّ والفواضل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ذِي المعارج} قَالَ: معارج السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ذِي المعارج} قَالَ: ذِي الْفَضَائِل وَالنعَم
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه سمع رجلا يَقُول: لبيْك ذِي المعارج فَقَالَ: إِنَّه لذُو المعارج وَلَكنَّا كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَقُول ذَلِك
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {تعرج الْمَلَائِكَة} بِالتَّاءِ

(8/278)


وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عبد الله يقْرَأ يعرج الْمَلَائِكَة بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: مُنْتَهى أمره من أَسْفَل الْأَرْضين إِلَى مُنْتَهى أمره من فَوق سبع سموات {مِقْدَاره خمسين ألف سنة} وَيَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة يَعْنِي بذلك نزُول الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَمن الأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد فَذَلِك مِقْدَاره ألف سنة لِأَن مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: غلظ كل أَرض خَمْسمِائَة عَام فَذَلِك أَرْبَعَة عشر ألف عَام وَبَين السَّمَاء السَّابِعَة وَبَين الْعَرْش مسيرَة سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف عَام فَذَلِك قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} وَفِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} فَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة جعله الله على الْكَافرين مِقْدَار خمسين ألف سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: لَو قدرتموه لَكَانَ خمسين ألف سنة من أيامكم قَالَ: يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رجل ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَا هَؤُلَاءِ الْآيَات {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} وَيُدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ وَلنْ يخلف الله وعده وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة حِسَاب خمسين ألف سنة وَخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام كل يَوْم ألف سنة وَيُدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} قَالَ: ذَلِك مِقْدَار الْمسير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَا: هِيَ الدُّنْيَا أَولهَا إِلَى آخرهَا يَوْم مِقْدَاره خَمْسُونَ ألف سنة يَوْم الْقِيَامَة

(8/279)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هُوَ مَا بَين أَسْفَل الأَرْض إِلَى الْعَرْش
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن {يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} مَا أطول هَذَا الْيَوْم فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليخفف على الْمُؤمن حَتَّى يكون أَهْون عَلَيْهِ من صَلَاة مَكْتُوبَة يُصليهَا فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدر يَوْم الْقِيَامَة على الْمُؤمن قدر مَا بَين الظّهْر إِلَى الْعَصْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يشْتَد كرب يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يلجم الْكَافِر الْعرق قيل: فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ قَالَ: يوضع لَهُم كراسي من ذهب ويظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَيقصر ذَلِك الْيَوْم عَلَيْهِم ويهون حَتَّى يكون كَيَوْم من أيامكم هَذِه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يكون عَلَيْهِم كَصَلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا قَالَ: مَا قدر طول يَوْم الْقِيَامَة على الْمُؤمنِينَ إِلَّا كَقدْر مَا بَين الظّهْر إِلَى الْعَصْر
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {صبرا جميلاً} قَالَ: لَا تَشْكُو إِلَى أحد غَيره
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الْأَعْلَى بن الْحجَّاج فِي قَوْله: {فاصبر صبرا جميلاً} يكون صَاحب الْمُصِيبَة فِي الْقَوْم لَا يعرف من هُوَ

الْآيَة 6 - 18

(8/280)


إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)

أخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ {إِنَّهُم يرونه بَعيدا} قَالَ: السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّهُم يرونه بَعيدا} قَالَ: بتكذيبهم {ونراه قَرِيبا} قَالَ: صدقا كَائِنا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ} قَالَ: إِنَّهَا الْآن خضراء وَإِنَّهَا تحول يَوْم الْقِيَامَة لوناً آخر إِلَى الْحمرَة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ} قَالَ: كدرديّ الزَّيْت وَسَوَاد الْعرق من خوف يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: تنادى بِهِ الْقسم السمُوم كَأَنَّهَا تبطنت الأقراب من عرق مهلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ} قَالَ: عكر الزَّيْت {وَتَكون الْجبَال كالعهن} قَالَ: كالصوف وَفِي قَوْله: {يبصرونهم} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يبصرون الْكَافرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يسْأَل حميم حميماً} قَالَ: شغل كل إِنْسَان بِنَفسِهِ عَن النَّاس {يبصرونهم} قَالَ: تعلمن وَالله ليعرفن يَوْم الْقِيَامَة قوم قوما وَالنَّاس أنَاس {يود المجرم لَو يفتدي} الْآيَة قَالَ: يتَمَنَّى يَوْم الْقِيَامَة لَو يفتدي بالأحب فالأحب وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من أَهله وعشيرته لتشديد ذَلِك الْيَوْم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يبصرونهم} قَالَ: يعرف بَعضهم بَعْضًا وتعارفون ثمَّ يفر بَعضهم من بعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وفصيلته} قَالَ: عشيرته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ {وفصيلته الَّتِي تؤويه} قَالَ: قبيلته الَّتِي ينتسب إِلَيْهَا

(8/281)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وفصيلته} قَالَ: قبيلته وَفِي قَوْله: {نزاعة للشوى} قَالَ: لجلود الرَّأْس {تَدْعُو من أدبر وَتَوَلَّى} قَالَ: عَن الْحق {وَجمع فأوعى} قَالَ: جمع المَال
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {نزاعة للشوى} قَالَ: تنْزع أم الرَّأْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: لهامته وَمَكَارِم وَجهه {تَدْعُو من أدبر} قَالَ: عَن طَاعَة الله تَعَالَى {وَتَوَلَّى} قَالَ: عَن كتاب الله وَعَن حَقه {وَجمع فأوعى} قَالَ: كَانَ جموعاً للخبيث
وَأخرج عبد بن حميد عَن قُرَّة بن خَالِد رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: نزاعة للهام تحرق كل شَيْء مِنْهُ وَيبقى فُؤَاده نضجاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} الشوى الْأَطْرَاف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: فَرْوَة الرَّأْس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: لمكارم وَجه ابْن آدم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: للحم السَّاقَيْن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: الْأَطْرَاف
وَأخرج ابْن سعد عَن الحكم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عبد الله بن حَكِيم لَا يرْبط كيسه قَالَ: سَمِعت الله يَقُول: {وَجمع فأوعى}

الْآيَة 19 - 44

(8/282)


إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن الهلوع فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ الله: {إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعاً وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعاً} فَهُوَ الهلوع
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {إِن الإِنسان خلق هلوعاً} قَالَ: ضجوراً جزوعاً نزلت فِي أبي جهل بن هِشَام قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت بشر بن أبي حَازِم وَهُوَ يَقُول: لَا مَانِعا للْيَتِيم بخلقه وَلَا مكباً بخلقه هلعاً وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {إِن الإِنسان خلق هلوعاً} قَالَ: اقْرَأ مَا بعْدهَا فَقَرَأَ {إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعاً وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعاً} قَالَ: هَكَذَا خلق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {هلوعاً} قَالَ: شحيحاً جزوعاً

(8/283)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {هلوعاً} قَالَ: الضجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {هلوعاً} قَالَ: جزوعاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {هلوعاً} قَالَ: الشره وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن {هلوعاً} قَالَ: الْحَرِيص
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {هلوعاً} قَالَ: الَّذِي لايشبع من جمع المَال
وَأخرج الديلمي عَن عليّ مَرْفُوعا يكْتب أَنِين الْمَرِيض فَإِن كَانَ صَابِرًا كَانَ أنينه حَسَنَات وَإِن كَانَ جزوعاً كتب هلوعاً لَا أجر لَهُ
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا الْمُصَلِّين الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: ذكر لنا أَن دانيال نعت أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يصلونَ صَلَاة لَو صلاهَا قوم نوح مَا أغرقوا أَو عَاد مَا أرْسلت عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم أَو ثَمُود مَا أخذتهم الصَّيْحَة
قَالَ قَتَادَة: فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا خلق من خلق الْمُؤمنِينَ حسن
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: على مواقيتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: الَّذِي لَا يلْتَفت فِي صلَاته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: هم الَّذين إِذا صلوا لم يلتفتوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي الْخَيْر أَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُم: من الَّذين هم على صلَاتهم دائمون قُلْنَا الَّذين لَا يزالون يصلونَ فَقَالَ: لَا وَلَكِن الَّذين إِذا صلوا لم يلتفتوا عَن يَمِين وَلَا شمال

(8/284)


وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي سَلمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدَّثتنِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذُوا من الْعَمَل مَا تطيقون فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا قَالَت: وَكَانَ أحب الْأَعْمَال إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا دووم عَلَيْهِ وَإِن قل وَكَانَ إِذا صلى صَلَاة دَامَ عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو سَلمَة رَضِي الله عَنهُ: قَالَ الله: {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالَّذين فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم} قَالَ: كَانُوا إِذا خرجت الأعطية أعْطوا مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} قَالَ: ينظرُونَ {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: الْغَضَب من النَّاس عَن يَمِين وشمال معرضين يستهزئون بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} قَالَ: عَامِدين {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: فرقا حول نَبِي الله لَا يرغبون فِي كتاب الله وَلَا ذكره
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} قَالَ: منطلقين {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: مُتَفَرّقين يَأْخُذُونَ يَمِينا وَشمَالًا يَقُولُونَ: مَا يَقُول هَذَا الرجل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: الْحلق الرفاق
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عبيد بن الْأَحْوَص وَهُوَ يَقُول: فجاؤا مهرعين إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونُوا حول منبره عزين وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال} قَالَ: عَن يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن شِمَاله {عزين} قَالَ: مجَالِس محتبين نفر قَلِيل قَلِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {عزين} قَالَ: الْحلق الْمجَالِس

(8/285)


وَأخرج عبد بن حميد عَن عبَادَة بن أنس قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُم {عزين} حلقا حلق الْجَاهِلِيَّة قعد رجل خلف أَخِيه
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: دخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد وَنحن حلق متفرقون فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم {عزين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه جُلُوس حلقا حلقا فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُم {عزين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {أيطمع كل امْرِئ مِنْهُم أَن يدْخل جنَّة} بِرَفْع الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي معمر أَنه قَرَأَ {أَن يدْخل} بِنصب الْيَاء وَرفع الْخَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أيطمع كل امْرِئ مِنْهُم أَن يدْخل جنَّة نعيم} قَالَ: كلا لست فَاعِلا ثمَّ ذكر خلقهمْ فَقَالَ: {إِنَّا خلقناهم مِمَّا يعلمُونَ} يَعْنِي النُّطْفَة الَّتِي خلق مِنْهَا الْبشر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كلا إِنَّا خلقناهم مِمَّا يعلمُونَ} قَالَ: إِنَّمَا خلقت من قذر يَا ابْن آدم فَاتق الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن بشير قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} إِلَى قَوْله: {كلا إِنَّا خلقناهم مِمَّا يعلمُونَ} ثمَّ بزق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كَفه وَوضع عَلَيْهَا إصبعه وَقَالَ: يَقُول الله ابْن آدم أَنى تعجزني وَقد خلقتك من مثل هَذَا حَتَّى إِذا سوّيتك وعدلتك مشيت بَين بردين وللأرض مِنْك وئيد فَجمعت ومنعت حَتَّى إِذا بلغت التراقي قلت أَتصدق وأنى أَوَان الصَّدَقَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بِرَبّ الْمَشَارِق والمغارب} قَالَ: للشمس كل يَوْم مطلع تطلع فِيهِ ومغرب تغرب فِيهِ غير مطْلعهَا بالْأَمْس وَغير مغْرِبهَا بالْأَمْس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {بِرَبّ الْمَشَارِق والمغارب} قَالَ: الْمنَازل الَّتِي تجْرِي فِيهَا الشَّمْس وَالْقَمَر

(8/286)


وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} قَالَ: إِلَى علم يسعون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِلَى نصب} قَالَ: غَايَة {يوفضون} قَالَ: يَسْتَبقُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} قَالَ: يبتدرون نصِيبهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {يَوْم يخرجُون من الأجداث} قَالَ: الْقُبُور {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} قَالَ: إِلَى علم يسعون {ذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَانُوا يوعدون} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قَرَأَ {إِلَى نصب يوفضون} على معنى الْوَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِلَى نصب} خَفِيفَة مَنْصُوبَة النُّون على معنى وَاحِدَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْأَشْهب عَن الْحسن أَنه كَانَ يقرأُها خَاشِعًا أَبْصَارهم قَالَ: وَكَانَ أَبُو رَجَاء يَقْرَأها {خاشعة أَبْصَارهم} وَالله أعلم

(8/287)


71
سُورَة نوح
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة نوح بِمَكَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 9

(8/288)


إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة {إِنَّا أرسلنَا نوحًا} بِمَكَّة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله يَدْعُو نوحًا وَقَومه يَوْم الْقِيَامَة أول النَّاس فَيَقُول: مَاذَا أجبتم نوحًا فَيَقُولُونَ: مَا دَعَانَا وَمَا بلغنَا وَمَا نصحنا وَلَا أمرنَا وَلَا نَهَانَا فَيَقُول نوح: دعوتهم يَا رب دُعَاء فاشياً فِي الْأَوَّلين والآخرين أمة بعد أمة حَتَّى انْتهى إِلَى خَاتم النَّبِيين أَحْمد فانتسخه وقرأه وآمن بِهِ وَصدقه فَيَقُول للْمَلَائكَة: ادعوا أَحْمد وَأمته فَيَأْتِي رَسُول

(8/288)


الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم فَيَقُول نوح لمُحَمد وَأمته: هَل تعلمُونَ أَنِّي بلغت قومِي الرسَالَة وَاجْتَهَدت لَهُم بِالنَّصِيحَةِ وجهدت أَن استنقذهم من النَّار سرا وجهراً فَلم يزدهم دعائي إِلَّا فِرَارًا فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته: فَإنَّا نشْهد بِمَا نَشَدتنَا أَنَّك فِي جَمِيع مَا قلت من الصَّادِقين فَيَقُول نوح: وأنى علمت هَذَا أَنْت وَأمتك وَنحن أول الْأُمَم وَأَنْتُم آخر الْأُمَم فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {إِنَّا أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} حَتَّى خم السُّورَة فَإِذا خَتمهَا قَالَت أمته: نشْهد أَن هَذَا لَهو الْقَصَص الْحق وَمَا من إِلَه إِلَّا الله وَإِن الله لَهو الْعَزِيز الْحَكِيم فَيَقُول الله عِنْد ذَلِك: (وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون) (سُورَة يس الْآيَة 59)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} قَالَ: بهَا أرسل الله الْمُرْسلين أَن يعبد الله وَحده وَأَن تتقى مَحَارمه وَأَن يطاع أمره
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {يغْفر لكم من ذنوبكم} قَالَ: الشّرك {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: بِغَيْر عُقُوبَة {إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: مَا قد خطّ من الْأَجَل فَإِذا جَاءَ أجل الله لم يُؤَخر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَلم يزدهم دعائي إِلَّا فِرَارًا} قَالَ: بَلغنِي أَنه كَانَ يذهب الرجل بِابْنِهِ إِلَى نوح فَيَقُول لِابْنِهِ: احذر هَذَا لَا يغرنك فَإِن أبي قد ذهب بِي وَأَنا مثلك فحذرني كَمَا حذرتك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم} قَالَ: لِئَلَّا يسمعوا مَا يَقُول {واستغشوا ثِيَابهمْ} قَالَ: لِأَن يتنكروا لَهُ فَلَا يعرفهُمْ {واستكبروا استكباراً} قَالَ: تركُوا التَّوْبَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {واستغشوا ثِيَابهمْ} قَالَ: غطوا بهَا وُجُوههم لكَي لَا يرَوا نوحًا وَلَا يسمعوا كَلَامه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {واستغشوا ثِيَابهمْ} قَالَ: تسجوا بهَا

(8/289)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثمَّ إِنِّي دعوتهم جهاراً} قَالَ: الْكَلَام الْمُعْلن بِهِ وَفِي قَوْله: {ثمَّ إِنِّي أعلنت لَهُم} قَالَ: صحت {وأسررت لَهُم إسراراً} قَالَ: النَّجَاء نجاء لرجل

الْآيَة 10 - 16

(8/290)


فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَكْثرُوا من الاسْتِغْفَار فَإِن الله لم يعلمكم الاسْتِغْفَار إِلَّا وَهُوَ يُرِيد أَن يغْفر لكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا} قَالَ: رأى نوح عَلَيْهِ السَّلَام قوما تجزعت أَعْنَاقهم حرصاً على الدُّنْيَا فَقَالَ: هلموا إِلَى طَاعَة الله فَإِن فِيهَا دَرك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تعلمُونَ لله عَظمَة
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: عَظمَة وَفِي قَوْله: {وَقد خَلقكُم أطواراً} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تعرفُون لله حق عَظمته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تخافون لله عَظمَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تخشون لَهُ عقَابا وَلَا ترجون لَهُ ثَوابًا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله:

(8/290)


{مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تخشون لله عَظمَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول أبي ذُؤَيْب: إِذا لسعته النَّحْل لم يرج [] لسعها وخالفها فِي بَيت نوب عوامل وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى نَاسا يغتسلون عُرَاة لَيْسَ عَلَيْهِم أزر فَوقف فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تعرفُون لله حَقًا وَلَا تشكرون لَهُ نعْمَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مطر فِي قَوْله: {وَقد خَلقكُم أطواراً} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً طوراً بعد طور وخلقاً بعد خلق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تبالون لله عَظمَة {وَقد خَلقكُم أطواراً} قَالَ: من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ مَا ذكر حَتَّى يتم خلقه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن يحيى بن رَافع فِي قَوْله: {خَلقكُم أطواراً} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن فِي قَوْله: {خلق سبع سماوات طباقاً} قَالَ: بَعضهنَّ فَوق بعض بَين: كل أَرض وسماء خلق وَأمر وَفِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا} قَالَ: وُجُوههمَا فِي السَّمَاء وَظُهُورهمَا إِلَيْكُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: إِنَّه يضيء نور الْقَمَر فِيهِنَّ كُلهنَّ كَمَا لَو كَانَ سبع زجاجات أَسْفَل مِنْهَا شهَاب أَضَاءَت كُلهنَّ فَكَذَلِك نور الْقَمَر فِي السَّمَوَات كُلهنَّ لصفائهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر وُجُوههمَا قبل السَّمَاء وَأَقْفِيَتهمَا قبل الأَرْض وَأَنا أَقرَأ بذلك عَلَيْكُم آيَة من كتاب الله {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا}

(8/291)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَطاء فِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: يضيء لأهل السَّمَوَات كَمَا يضيء لأهل الأَرْض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: وَجهه يضيء السَّمَوَات وظهره يضيء الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: اجْتمع عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَعب الْأَحْبَار وَكَانَ بَينهمَا بعض العتب فتعاتبا فَذهب ذَلِك فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو لكعب: سلني عَمَّا شِئْت وَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء إِلَّا أَخْبَرتك بِتَصْدِيق قولي من الْقُرْآن فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْت ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر أهوَ فِي السَّمَوَات السَّبع كَمَا هُوَ فِي الأَرْض قَالَ: نعم ألم تروا إِلَى قَول الله: {خلق سبع سماوات طباقاً} {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: وَجهه فِي السَّمَاء إِلَى الْعَرْش وَقَفاهُ إِلَى الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: خلق فِيهِنَّ حِين خَلقهنَّ ضِيَاء كَأَهل الأَرْض وَلَيْسَ فِي السَّمَاء من ضوئه شَيْء

الْآيَة 17 - 28

(8/292)


وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتاً} قَالَ: خلق آدم من أَدِيم الأَرْض كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبلاً فجاجاً} قَالَ: طرقاً مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سبلاً فجاجاً} قَالَ: طرقاً مُخْتَلفَة وأعلاماً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ {مَاله وَولده}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن وَأبي رَجَاء أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن {مَاله وَولده}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرؤهَا فِي نوح والزخرف وَمَا بعد السَّجْدَة من مَرْيَم ولد وَقَالَ: الْوَلَد الْكَبِير وَالْولد الْوَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ومكروا مكراً كبارًا} قَالَ عَظِيما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تذرن ودّاً وَلَا سواعاً وَلَا يَغُوث ويعوق ونسراً} قَالَ: هَذِه أصنام كَانَت تعبد فِي زمن نوح
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرديه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صَارَت الْأَصْنَام والأوثان الَّتِي كَانَت فِي قوم نوح فِي الْعَرَب بعد أما ودّ فَكَانَت لكَلْب بدومة الجندل وَأما سواع فَكَانَت لهذيل وَأما يَغُوث فَكَانَت لمراد ثمَّ لبني غطيف عِنْد سبأ وَأما يعوق فَكَانَت لهمدان وَأما نسر فَكَانَت لحمير لآل ذِي الكلاع وَكَانُوا أَسمَاء رجال صالحين من قوم نوح فَلَمَّا هَلَكُوا أوحى الشَّيْطَان إِلَى قَومهمْ أَن انصبوا إِلَى مجَالِسهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنصاباً وسموها بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلم تعبد حَتَّى إِذْ هلك أُولَئِكَ وَنسخ الْعلم عبدت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة قَالَ: اشْتَكَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَعِنْده بنوه ود ويغوث ويعوق وسراع ونسر وَكَانَ ود أكبرهم وأبرّهم بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُثْمَان قَالَ: رَأَيْت يَغُوث صنماً من رصاص يحمل على جمل أجرد فَإِذا برك قَالُوا: قد رَضِي ربكُم هَذَا الْمنزل

(8/293)


وَأخرج الفاكهي عَن عبيد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: أول مَا حدثت الْأَصْنَام على عهد نوح وَكَانَت الْأَبْنَاء تبرّ الْآبَاء فَمَاتَ رجل مِنْهُم فجزع عَلَيْهِ فَجعل لَا يصبر عَنهُ فَاتخذ مِثَالا على صورته فَكلما اشتاق إِلَيْهِ نظره ثمَّ مَاتَ فَفعل بِهِ كَمَا فعل ثمَّ تتابعوا على ذَلِك فَمَاتَ الْآبَاء فَقَالَ الْأَبْنَاء: مَا اتخذ هَذِه آبَاؤُنَا إِلَّا أَنَّهَا كَانَت آلِهَتهم فعبدوها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يَغُوث ويعوق ونسراً وَقد أَضَلُّوا كثيرا} قَالَ: كَانُوا قوما صالحين بَين آدم ونوح فَنَشَأَ قوم بعدهمْ يَأْخُذُونَ كأخذهم فِي الْعِبَادَة فَقَالَ لَهُم إِبْلِيس: لَو صوّرتم صورهم فكنتم تنْظرُون إِلَيْهِم فصوروا ثمَّ مَاتُوا فَنَشَأَ قوم بعدهمْ فَقَالَ لَهُم إِبْلِيس: إِن الَّذين كَانُوا من قبلكُمْ كَانُوا يعبدوها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ لآدَم خَمْسَة بَنِينَ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فَكَانُوا عبّاداً فَمَاتَ رجل مِنْهُم فَحَزِنُوا عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا فَجَاءَهُمْ الشَّيْطَان فَقَالَ: حزنتم على صَاحبكُم هَذَا قَالُوا: نعم قَالَ: هَل لكم أَن أصوّر لكم مثله فِي قبلتكم إِذا نظرتم إِلَيْهِ ذكرتموه قَالُوا: لَا نكره أَن تجْعَل لنا فِي قبلتنا شَيْئا نصلي إِلَيْهِ
فأجعله فِي مُؤخر الْمَسْجِد
قَالُوا: نعم فصوّره لَهُم حَتَّى مَاتَ خمستهم فصوّر صورهم فِي مُؤخر الْمَسْجِد [] وَأخرج الْأَشْيَاء حَتَّى تركُوا عبَادَة الله وعبدوا هَؤُلَاءِ فَبعث الله نوحًا فَقَالُوا: {وَلَا تذرن ودا} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مطهر قَالَ: ذكرُوا عِنْد أبي جَعْفَر يزِيد بن الْمُهلب فَقَالَ: إِمَّا أَنه قتل فِي أول أَرض عبد فِيهَا غير الله ثمَّ ذكر ودا قَالَ: وَكَانَ ود رجلا مُسلما وَكَانَ محبباً فِي قومه فَلَمَّا مَاتَ عسكروا حول قَبره فِي أَرض بابل وجزعوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى إِبْلِيس جزعهم عَلَيْهِ تشبه فِي صُورَة إِنْسَان ثمَّ قَالَ: أرى جزعكم على هَذَا فَهَل لكم أَن أصور لكم مثله فَيكون فِي ناديكم فتذكرونه بِهِ قَالُوا: نعم فصوّر لَهُم مثله فوضعوه فِي ناديهم وَجعلُوا يذكرُونَهُ فَلَمَّا رأى مَا بهم من ذكره قَالَ: هَل لكم أَن أجعَل لكم فِي منزل كل رجل مِنْكُم تمثالاً مثله فَيكون فِي بَيته فتذكرونه قَالُوا: نعم فصوّر لكل أهل بَيت تمثالاً مثله فَأَقْبَلُوا فَجعلُوا يذكرُونَهُ بِهِ قَالَ: وَأدْركَ أبناؤهم فَجعلُوا يرَوْنَ مَا يصنعون بِهِ وتناسلوا ودرس أَمر

(8/294)


ذكرهم إِيَّاه حَتَّى اتخذواه إِلَهًا يعبدونه من دون الله
قَالَ: وَكَانَ أول مَا عبد غير الله فِي الأَرْض ود الصَّنَم الَّذِي سموهُ بود
وَأخرج عبد بن حميد عَن السّديّ سمع مرّة يَقُول فِي قَول الله: {وَلَا يَغُوث ويعوق ونسراً} قَالَ: أَسمَاء آلِهَتهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَولده} بِنصب الْوَاو {وَلَا تذرن ودا} بِنصب الْوَاو {وَلَا سواعاً} بِرَفْع السِّين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة قَالَ: لم ينحسر أحد من الْخَلَائق كحسرة آدم ونوح فَأَما حسرة آدم فحين أخرج من الْجنَّة وَأما حسرة نوح فحين دَعَا على قومه فَلم يبْق شَيْء إِلَّا غرق إِلَّا مَا كَانَ مَعَه فِي السَّفِينَة فَلَمَّا رأى الله حزنه أوحى إِلَيْهِ يَا نوح لَا تتحسر فَإِن دعوتك وَافَقت قدري
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} قَالَ: وَاحِدًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} قَالَ: أما وَالله مَا دَعَا عَلَيْهِم نوح حَتَّى أوحى الله إِلَيْهِ أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن فَعِنْدَ ذَلِك دَعَا عَلَيْهِم ثمَّ دَعَا دَعْوَة عَامَّة فَقَالَ: {رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَلَا تزد الظَّالِمين إِلَّا تباراً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {رب اغْفِر لي ولوالدي} قَالَ: يَعْنِي أَبَاهُ وجده
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا} قَالَ: مَسْجِدي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا تزد الظَّالِمين إِلَّا تباراً} قَالَ: خسارا

(8/295)