الدر المنثور في
التفسير بالمأثور 66
سُورَة التَّحْرِيم
مَدَنِيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة أخرج ابْن الضريس والنحاس
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نزلت سُورَة التَّحْرِيم بِالْمَدِينَةِ وَلَفظ ابْن
مرْدَوَيْه سُورَة التَّحَرُّم وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد
الله بن الزبير قَالَ: أنزلت بِالْمَدِينَةِ سُورَة النِّسَاء
و {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك}
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 2
(8/213)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي
مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ
فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ
مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ
النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا
نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ
بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ
قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ
الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
أخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن
عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْكث
عِنْد زَيْنَب بنت جحش وَيشْرب عِنْدهَا عسلاً فتواصيت أَنا
وَحَفْصَة أَن أَتَيْنَا دخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلْتَقُلْ إِنِّي أجد مِنْك ريح مَغَافِير
أكلت مَغَافِير فَدخل إِلَى إِحْدَاهمَا فَقَالَت ذَلِك لَهُ
فَقَالَ: لَا بل شربت عسلاً عِنْد زَيْنَب بنت جحش وَلنْ
أَعُود فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك}
إِلَى {أَن تَتُوبَا إِلَى الله} لعَائِشَة وَحَفْصَة {وَإِذ
أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} لقَوْله: بل شربت
عسلاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب من شراب عِنْد
سَوْدَة من الْعَسَل فَدخل
(8/213)
على عَائِشَة فَقَالَت: إِنِّي أجد مِنْك
ريحًا فَدخل على حَفْصَة فَقَالَت: إِنِّي أجد مِنْك ريحًا
فَقَالَ: أرَاهُ من شراب شربته عِنْد سَوْدَة وَالله لَا أشربه
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك}
الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن رَافع قَالَ: سَأَلت أم
سَلمَة عَن هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا
أحل الله لَك} قَالَت: كَانَت عِنْدِي عكة من عسل أَبيض
فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلعق مِنْهَا
وَكَانَ يحْبسهُ فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: نحلهَا تجرش عرفطاً
فَحَرمهَا فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن عبد الله بن عتيبة أَنه
سُئِلَ أَي شَيْء حرم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
عكة من عسل
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت لَهُ أمة
يَطَؤُهَا فَلم تزل بِهِ عَائِشَة وَحَفْصَة حَتَّى جعلهَا على
نَفسه حَرَامًا فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا
النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن صَحِيح عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم}
الْآيَة فِي سريته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ:
من الْمَرْأَتَانِ اللَّتَان تظاهرتا قَالَ: عَائِشَة
وَحَفْصَة وَكَانَ بَدْء الحَدِيث فِي شَأْن مَارِيَة أم
إِبْرَاهِيم الْقبْطِيَّة أَصَابَهَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت حَفْصَة فِي يَوْمهَا فَوجدت حَفْصَة
فَقَالَت: يَا نَبِي الله لقد جِئْت إليَّ شَيْئا مَا جِئْته
إِلَى أحد من أَزوَاجك فِي يومي وَفِي دَاري وعَلى فِرَاشِي
فَقَالَ أَلا ترْضينَ أَن أحرمهَا فَلَا أقربها قَالَت: بلَى
فَحَرمهَا وَقَالَ: لَا تذكري ذَلِك لأحد فَذَكرته لعَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا فأظهره الله عَلَيْهِ فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَات كلهَا
فَبَلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفر
عَنْهَا فأظهر الله يَمِينه وَأصَاب جَارِيَته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا
النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك تبتغي مرضات أَزوَاجك}
قَالَ: حرم سريته
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت عَائِشَة وَحَفْصَة متحابتين
فَذَهَبت حَفْصَة إِلَى بَيت أَبِيهَا تحدث عِنْده فَأرْسل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَارِيَته فظلت مَعَه
فِي بَيت حَفْصَة وَكَانَ الْيَوْم الَّذِي يَأْتِي فِيهِ
حَفْصَة فوجدتهما
(8/214)
فِي بَيتهَا فَجعلت تنْتَظر خُرُوجهَا
وَغَارَتْ غيرَة شَدِيدَة فَأخْرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم جَارِيَته وَدخلت حَفْصَة فَقَالَت: قد رَأَيْت من كَانَ
عنْدك وَالله لقد سؤتني فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: وَالله لأرضينك وَإِنِّي مسر إِلَيْك سرا فاحفظيه
قَالَت: مَا هُوَ قَالَ: إِنِّي أشهدك أَن سريتي هَذِه عليّ
حرَام رضَا فَانْطَلَقت حَفْصَة إِلَى عَائِشَة فأسرت
إِلَيْهَا أَن أَبْشِرِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قد حرم عَلَيْهِ فتَاته فَلَمَّا أخْبرت بسر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أظهر الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَلَيْهِ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل
الله لَك} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ذكر
عِنْد عمر بن الْخطاب {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل
الله لَك تبتغي مرضات أَزوَاجك} قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك
فِي حَفْصَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أنزل أم إِبْرَاهِيم منزل أبي أَيُّوب قَالَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: فَدخل النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَيتهَا يَوْمًا فَوجدَ خلْوَة فأصابها فَحملت
بإبراهيم قَالَت عَائِشَة: فَلَمَّا استبان فزعت من ذَلِك
فَمَكثَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ولدت فَلم
يكن لأمه لبن فَاشْترى لَهُ ضائنة يغذي مِنْهَا الصَّبِي فصلح
عَلَيْهِ جِسْمه وَحسن لَحْمه وَصفا لَونه فجَاء بِهِ يَوْمًا
يحملهُ على عُنُقه فَقَالَ يَا عَائِشَة كَيفَ تري الشّبَه
فَقلت: أَنا غَيْرِي مَا أَدْرِي شبها فَقَالَ: وَلَا
بِاللَّحْمِ فَقلت: لعمري لمن تغذى بألبان الضَّأْن ليحسن
لَحْمه قَالَ: فَجَزِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَحَفْصَة
من ذَلِك فعاتبته حَفْصَة فَحَرمهَا وَأسر إِلَيْهَا سرا
فأفشته إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَنزلت آيَة
التَّحْرِيم فَأعتق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رَقَبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: وجدت حَفْصَة رَضِي الله عَنْهَا مَعَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أم وَلَده مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم فَحرم
أم وَلَده لحفصة رَضِي الله عَنْهَا وأمرها أَن تكْتم ذَلِك
فأسرته إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَذَلِك قَوْله
تَعَالَى: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا}
فَأمره الله بكفارة يَمِينه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَة
قَالَ: كَانَ حرم فتَاته الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ
السَّلَام فِي يَوْم حَفْصَة وَأسر ذَلِك إِلَيْهَا فأطلعت
عَلَيْهِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وكانتا تظاهرتا على
نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأحل الله لَهُ مَا
حرم على نَفسه وَأمره أَن يكفر عَن يَمِينه فَقَالَ: {قد فرض
الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم}
(8/215)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن
الشّعبِيّ وَقَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا {يَا أَيهَا
النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} قَالَ: حرم جَارِيَته
قَالَ الشّعبِيّ: وَحلف يَمِينا مَعَ التَّحْرِيم فَعَاتَبَهُ
الله فِي التَّحْرِيم وَجعل لَهُ كَفَّارَة الْيَمين وَقَالَ
قَتَادَة: حرمهَا فَكَانَت يَمِينا
وَأخرج ابْن سعد عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم أم إِبْرَاهِيم فَقَالَ:
هِيَ عليّ حرَام فَقَالَ: وَالله لَا أقربها فَنزلت {قد فرض
الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم}
وَأخرج ابْن سعد عَن مَسْرُوق وَالشعْبِيّ قَالَا: إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أمته وحرمها فَأنْزل
الله {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} وَأنزل {لم تحرم
مَا أحل الله لَك}
وَأخرج الْهَيْثَم بن كُلَيْب فِي مُسْنده والضياء
الْمَقْدِسِي فِي المختارة من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحفصة: لَا
تحدثي أحدا وَإِن أم إِبْرَاهِيم عليَّ حرَام فَقَالَت: أتحرم
مَا أحل الله لَك قَالَ: فوَاللَّه لَا أقربها فَلم يقربهَا
نَفسه حَتَّى أخْبرت عَائِشَة فَأنْزل الله {قد فرض الله لكم
تَحِلَّة أَيْمَانكُم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مَسْرُوق أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف لحفصة أَن لَا يقرب
أمته وَقَالَ: هِيَ عليَّ حرَام فَنزلت الْكَفَّارَة ليمينه
وَأمر أَن لَا يحرم مَا أحل الله لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك أَن
حَفْصَة زارت أَبَاهَا ذَات يَوْم وَكَانَ يَوْمهَا فجَاء
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يجدهَا فِي الْمنزل
فَأرْسل إِلَى أمته مَارِيَة فَأصَاب مِنْهَا فِي بَيت حَفْصَة
وَجَاءَت حَفْصَة على تِلْكَ الْحَال فَقَالَت يَا رَسُول
الله: أتفعل هَذَا فِي بَيْتِي وَفِي يومي قَالَ: فَإِنَّهَا
عليّ حرَام وَلَا تُخْبِرِي بذلك أحدا فَانْطَلَقت حَفْصَة
إِلَى عَائِشَة فَأَخْبَرتهَا بذلك فَأنْزل الله {يَا أَيهَا
النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} إِلَى قَوْله: {وَصَالح
الْمُؤمنِينَ} فَأمر أَن يكفر عَن يَمِينه وَيُرَاجع أمته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه
بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: دخل رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بمارية الْقبْطِيَّة سريته بَيت حَفْصَة
فَوَجَدتهَا مَعَه فَقَالَت: يَا رَسُول الله فِي بَيْتِي من
بَين بيُوت نِسَائِك قَالَ: فَإِنَّهَا عليَّ حرَام أَن
أَمسهَا واكتمي
(8/216)
هَذَا عليَّ فَخرجت حَتَّى أَتَت عَائِشَة
فَقَالَت: أَلا أُبَشِّرك قَالَت: بِمَاذَا قَالَت: وجدت
مَارِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
بَيْتِي فَقلت: يَا رَسُول الله فِي بَيْتِي من بَين بيُوت
نِسَائِك فَكَانَ أوّل السِّرّ أَنه أحرمهَا على نَفسه ثمَّ
قَالَ لي: يَا حَفْصَة أَلا أَبشرك فأعلمي عَائِشَة أَن أَبَاك
يَلِي الْأَمر من بعده وَأَن أبي يَلِيهِ بعد أَبِيك وَقد
اِسْتَكْتَمَنِي ذَلِك فَاكْتُمِيهِ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا
النَّبِي لم تحرم} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} أَي لما
كَانَ مِنْك إِلَى قَوْله: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض
أَزوَاجه} يَعْنِي حَفْصَة {حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ}
يَعْنِي عَائِشَة {وأظهره الله عَلَيْهِ} أَي بِالْقُرْآنِ
{عرف بعضه} عرف حَفْصَة مَا أظهر من أَمر مَارِيَة {وَأعْرض
عَن بعض} عَمَّا أخْبرت بِهِ من أَمر أبي بكر وَعمر فَلم
يُبْدِه {فَلَمَّا نبأها بِهِ} إِلَى قَوْله: {الْخَبِير} ثمَّ
أقبل عَلَيْهِمَا يعاتبهما فَقَالَ: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله}
إِلَى قَوْله: {ثيبات وأبكاراً} فوعده من الثيبات آسِيَة بنت
مُزَاحم وَأُخْت نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَمن الْأَبْكَار
مَرْيَم بنت عمرَان وَأُخْت مُوسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي
لم تحرم مَا أحل الله لَك} فِي الْمَرْأَة الَّتِي وهبت
نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآيَة 2 - 4 أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فِي
الْحَرَام يكفر وَقَالَ: (لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله اسوة
حَسَنَة) (سُورَة الْأَحْزَاب 21)
(8/217)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه جَاءَهُ
رجل فَقَالَ: جعلت امْرَأَتي عليَّ حَرَامًا فَقَالَ: كذبت
لَيست عَلَيْك بِحرَام ثمَّ تَلا {لم تحرم مَا أحل الله لَك}
قَالَ: عَلَيْك أغْلظ الْكَفَّارَات عتق رَقَبَة
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما
حلف أَبُو بكر أَن لَا ينْفق على مسطح فَأنْزل الله {قد فرض
الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} فأحل يَمِينه وَأنْفق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ عَن
ابْن عَبَّاس {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} قَالَ:
أَمر الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ
إِذا حرمُوا شَيْئا مِمَّا أحل الله لَهُم أَن يكفروا
أَيْمَانهم بإطعام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم أَو تَحْرِير
رَقَبَة وَلَيْسَ يدْخل فِي ذَلِك الطَّلَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله: {تَحِلَّة أَيْمَانكُم} قَالَ: يَقُول قد أحللت
لَك مَا ملكت يَمِينك فَلم تحرم ذَلِك وَقد فرضت لَك تَحِلَّة
الْيَمين بهَا يَمِينك كل ذَلِك فِي هَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا}
قَالَ: دخلت حَفْصَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
بَيتهَا وَهُوَ يطَأ مَارِيَة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تُخْبِرِي عَائِشَة حَتَّى أُبَشِّرك
بِشَارَة فَإِن أَبَاك يَلِي الْأَمر بعد أبي بكر إِذا أَنا مت
فَذَهَبت حَفْصَة فَأخْبرت عَائِشَة فَقَالَت عَائِشَة
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ:
نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير فَقَالَت عَائِشَة: لَا أنظر
إِلَيْك حَتَّى تحرم مَارِيَة فَحَرمهَا فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا النَّبِي لم تحرم}
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة فِي قَوْله:
{وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر
إِلَيْهَا أَن أَبَا بكر خليفتي من بعدِي
(8/218)
وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل
الصَّحَابَة العشاري فِي فَضَائِل الصّديق وَابْن مرْدَوَيْه
وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس قَالَا:
وَالله إِن إِمَارَة أبي بكر وَعمر لفي الْكتاب {وَإِذ أسر
النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ لحفصة: أَبوك
وَأَبُو عَائِشَة واليا النَّاس بعدِي فإياك أَن تُخْبِرِي
أحدا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَيْمُون بن مهْرَان فِي قَوْله:
{وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر
إِلَيْهَا أَن أَبَا بكر خليفتي من بعدِي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حبيب بن أبي ثَابت {وَإِذ أسر
النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أخبر عَائِشَة
أَن أَبَاهَا الْخَلِيفَة من بعده وَأَن أَبَا حَفْصَة
الْخَلِيفَة من بعد أَبِيهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: أَتَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَارِيَة لَهُ فِي يَوْم عَائِشَة
وَكَانَت حَفْصَة وَعَائِشَة متحابتين فأطلعتحفصة على ذَلِك
فَقَالَ لَهَا: لَا تُخْبِرِي عَائِشَة بِمَا كَانَ مني وَقد
حرمتهَا عليَّ فأفشت حَفْصَة سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم}
الْآيَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذ أسر النَّبِي
إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر إِلَى عَائِشَة فِي
أَمر الْخلَافَة بعده فَحدثت بِهِ حَفْصَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن الضَّحَّاك
{وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر
إِلَى حَفْصَة بنت عمر أَن الْخَلِيفَة من بعده أَبُو بكر وَمن
بعد أبي بكر عمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عرف بعضه
وَأعْرض عَن بعض} قَالَ: الَّذِي عرف أَمر مَارِيَة {وَأعْرض
عَن بعض} قَوْله: إِن أَبَاك وأباها يليان النَّاس بعدِي
مَخَافَة أَن يفشو
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: مَا
استقصى كريم قطّ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {عرف بعضه
وَأعْرض عَن بعض}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء الخرساني
قَالَ: مَا استقصى حَلِيم قطّ ألم تسمع إِلَى قَوْله: {عرف
بعضه وَأعْرض عَن بعض}
أما قَوْله تَعَالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت
قُلُوبكُمَا وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ}
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} قَالَ: مَالَتْ وأثمت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {صغت} قَالَ: مَالَتْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {صغت} قَالَ:
مَالَتْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كُنَّا نرى أَن {صغت
قُلُوبكُمَا} شَيْء هَين حَتَّى سمعناه بِقِرَاءَة عبد الله
إِن تَتُوبَا إِلَى الله [] {فقد صغت قُلُوبكُمَا}
(8/219)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَأحمد
والعدني وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم أزل حَرِيصًا أَن
أسأَل عمر رَضِي الله عَنهُ عَن الْمَرْأَتَيْنِ من أَزوَاج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّتَيْنِ قَالَ الله
تَعَالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا}
حَتَّى حج عمر وَحَجَجْت مَعَه فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض
الطَّرِيق عدل عمر وَعدلت مَعَه بالإِداوة فَتبرز ثمَّ أَتَى
فَصَبَبْت على يَدَيْهِ فَتَوَضَّأ فَقلت: يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ من الْمَرْأَتَانِ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اللَّتَان قَالَ الله: {إِن تَتُوبَا إِلَى
الله فقد صغت قُلُوبكُمَا} فَقَالَ: وَاعجَبا لَك يَا ابْن
عَبَّاس هما عَائِشَة وَحَفْصَة ثمَّ أنشأ يحدثني الحَدِيث
فَقَالَ: كُنَّا معشر قُرَيْش نغلب النِّسَاء فَلَمَّا قدمنَا
الْمَدِينَة وجدنَا قوما تغلبهم نِسَاؤُهُم فَطَفِقَ نساؤنا
يتعلمن من نِسَائِهِم فَغضِبت على امْرَأَتي يَوْمًا فَإِذا
هِيَ تراجعني فأنكرت أَن تراجعني فَقَالَت: مَا تنكر من ذَلِك
فوَاللَّه إِن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ليراجعنه وتهجره إِحْدَاهُنَّ الْيَوْم إِلَى اللَّيْل قلت: قد
خابت من فعلت ذَلِك مِنْهُنَّ وخسرت قَالَ: وَكَانَ منزلي
بالعوالي وَكَانَ لي جَار من الْأَنْصَار كُنَّا نتناوب
النُّزُول إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيزل
يَوْمًا فيأتيني بِخَبَر الْوَحْي وَغَيره وَأنزل يَوْمًا
فآتيه بِمثل ذَلِك
قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَن غَسَّان تنعل الْخَيل لتغزونا فجَاء
يَوْمًا فَضرب على الْبَاب فَخرجت إِلَيْهِ فَقَالَ: حدث أَمر
عَظِيم فَقلت: أجاءت غَسَّان قَالَ: أعظم من ذَلِك طلق رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ قلت فِي نَفسِي: قد
خابت حَفْصَة وخسرت قد كنت أرى ذَلِك كَائِنا فَلَمَّا صلينَا
الصُّبْح شددت نَعْلي ثِيَابِي ثمَّ انْطَلَقت حت دخلت على
حَفْصَة فَإِذا هِيَ تبْكي فَقلت: أطلقكن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: لَا أَدْرِي هُوَ ذَا معتزل فِي
الْمشْربَة
فَانْطَلَقت فَأتيت غُلَاما أسوداً فَقلت: اسْتَأْذن لعمر
فَدخل ثمَّ خرج إليَّ فَقَالَ: قد ذكرتك لَهُ فَلم يقل شَيْئا
فَانْطَلَقت إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا حول الْمَسْجِد نفر
يَبْكُونَ فَجَلَست إِلَيْهِم ثمَّ غلبني مَا أجد فَانْطَلَقت
فَأتيت الْغُلَام فَقلت: اسْتَأْذن لعمر فَدخل ثمَّ خرج
فَقَالَ: قد ذكرتك لَهُ فَلم يقل شَيْئا فوليت مُنْطَلقًا
فَإِذا الْغُلَام يدعوني فَقَالَ: أَدخل فقد أذن لَك فَدخلت
فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متكئ على حَصِير قد
رَأَيْت أَثَره فِي جنبه فَقلت: يَا رَسُول الله أطلقت
نِسَاءَك قَالَ: لَا قلت: الله أكبر لَو رَأَيْتنَا يَا رَسُول
الله وَكُنَّا معشر قُرَيْش نغلب النِّسَاء فَلَمَّا قدمنَا
الْمَدِينَة وجدنَا قوما تغلبهم نِسَاؤُهُم فَطَفِقَ نساؤنا
يتعلمن من نِسَائِهِم فَغضِبت يَوْمًا على
(8/220)
امْرَأَتي فَإِذا هِيَ تراجعني فأنكرت
ذَلِك فَقَالَت: مَا تنكر فوَاللَّه إِن أَزوَاج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ليراجعنه وتهجره إِحْدَاهُنَّ الْيَوْم
إِلَى اللَّيْل فَقلت: قد خابت من فعل ذَلِك مِنْهُنَّ فَدخلت
على حَفْصَة فَقلت: أتراجع إحداكن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وتهجره الْيَوْم إِلَى اللَّيْل نعم فَقلت: قد
خابت من فعلت ذَلِك مِنْكُن وخسرت أتأمن إحداكن أَن يغْضب الله
عَلَيْهَا لغضب رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هِيَ
قد هَلَكت فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقلت لحفصة: لَا تراجعي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَا تسأليه شَيْئا وسليني مَا بدا لَك وَلَا يغرنك إِن
كَانَت جارتك أوسم مِنْك وَأحب إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ أُخْرَى فَقلت يَا رَسُول الله:
استأنس قَالَ: نعم فَرفعت رَأْسِي فَمَا رَأَيْت فِي الْبَيْت
إِلَّا أهبة ثَلَاثَة فَقلت: يَا رَسُول الله ادْع الله أَن
يُوسع على أمتك فقد وسع على فَارس وَالروم وهم لَا يعْبدُونَ
الله فَاسْتَوَى جَالِسا وَقَالَ: أَو فِي شكّ أَنْت يَا ابْن
الْخطاب أُولَئِكَ قوم قد عجلت لَهُم طَيِّبَاتهمْ فِي
الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَانَ قد أقسم أَن لَا يدْخل على
نِسَائِهِ شهرا فَعَاتَبَهُ الله فِي ذَلِك وَجعل لَهُ
كَفَّارَة الْيَمين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
قَالَت: إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
نِسَائِهِ وَحرم فَجعل الْحَرَام حَلَالا وَجعل فِي الْيَمين
كَفَّارَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نِسَائِهِ وَحرم فَأَما
الْحَرَام فأحله الله لَهُ وَأما الإِيلاء فَأمره بكفارة
الْيَمين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ / وَإِن تظاهر
عَلَيْهِ / خَفِيفَة {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ}
خَفِيفَة مَرْفُوعَة الْيَاء {سائحات} خَفِيفَة الْألف
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي عمر بن الْخطاب قَالَ: لما اعتزل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ دخلت
الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس ينكتون بالحصى وَيَقُولُونَ: طلق
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ وَذَلِكَ قبل
أَن يُؤمر بالحجاب
فَقلت: لأعلمن ذَلِك الْيَوْم
فَدخلت: على عَائِشَة فَقلت يَا بنت أبي بكر أقد بلغ من شَأْنك
أَن تؤذي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: مَالِي
وَلَك يَا ابْن الْخطاب
فَدخلت على حَفْصَة فَقلت لَهَا: يَا حَفْصَة أقد بلغ من
شَأْنك أَن تؤذي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله
لقد علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحبك
وَلَوْلَا أَنا لطلقك رَسُول الله
فَبَكَتْ أَشد الْبكاء فَقلت لَهَا: أَيْن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: هُوَ فِي خزانته فِي الْمشْربَة
فَدخلت فَإِذا أَنا برباح مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَاعِدا على أُسْكُفَّة الْمشْربَة مدلياً رجلَيْهِ
(8/221)
على نقير من خشب وَهُوَ جذع يرقى عَلَيْهِ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وينحدر
فناديت: يَا رَبَاح اسْتَأْذن لي عنْدك على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة ثمَّ نظر إليّ فَلم يقل شَيْئا
فَقلت يَا رَبَاح اسْتَأْذن لي عنْدك على رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة ثمَّ نظر إليّ فَلم يقل شَيْئا
ثمَّ رفعت صوتي فَقلت: يَا رَبَاح اسْتَأْذن لي عنْدك على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنِّي أَظن أَن رَسُول
الله ظن أَنِّي جِئْت من أجل حَفْصَة وَالله لَئِن أَمرنِي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضَرْب عُنُقهَا
لَأَضرِبَن عُنُقهَا
وَرفعت صوتي فَأَوْمأ إليّ بِيَدِهِ أَن ارقه
فَدخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
مُضْطَجع على حَصِير فَجَلَست فَإِذا عَلَيْهِ إِزَار لَيْسَ
عَلَيْهِ غَيره وَإِذا الْحَصِير قد أثر فِي جنبه وَنظرت فِي
خزانَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أَنا بقبضة
من شعير نَحْو الصَّاع وَمثلهَا من قرظ فِي نَاحيَة الغرفة
وَإِذا أفِيق مُعَلّق
فابتدرت عَيْنَايَ فَقَالَ: مَا يبكيك يَا ابْن الْخطاب فَقلت
يَا نَبِي الله: وَمَالِي لَا أبْكِي وَهَذَا الْحَصِير قد أثر
فِي جَنْبك وَهَذِه خزانتك لَا أرى فِيهَا إِلَّا مَا أرى
وَذَاكَ كسْرَى وَقَيْصَر فِي الثِّمَار والأنهار وَأَنت
رَسُول الله وصفوته وَهَذِه خزانتك
قَالَ: يَا ابْن الْخطاب أَلا ترْضى أَن تكون لنا الْآخِرَة
وَلَهُم الدُّنْيَا قلت: بلَى
وَدخلت عَلَيْهِ حِين دخلت وَأَنا أرى فِي وَجهه الْغَضَب
فَقلت يَا رَسُول الله: مَا يشق عَلَيْك من شَأْن النِّسَاء
فَإِن كنت طلقتهن فَإِن الله تَعَالَى مَعَك وَمَلَائِكَته
وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَأَنا وَأَبُو بكر والمؤمنون مَعَك
وقلما تَكَلَّمت وَأحمد الله بِكَلَام إِلَّا رَجَوْت أَن يكون
الله يصدق قولي الَّذِي أقوله وَنزلت هَذِه الْآيَة {عَسى ربه
أَن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} {وَإِن
تظاهرا عَلَيْهِ فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح
الْمُؤمنِينَ وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك ظهير} وَكَانَت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بنت أبي بكر وَحَفْصَة تظاهران
على سَائِر نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا
رَسُول الله: أطلقتهن قَالَ: لَا
قلت يَا رَسُول الله: إِنِّي دخلت الْمَسْجِد والمؤمنون ينكتون
الْحَصَى وَيَقُولُونَ: طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نِسَاءَهُ أفانزل فَأخْبرهُم أَنَّك لم تطلقهن قَالَ:
نعم إِن شِئْت ثمَّ لم أزل أحدثه حَتَّى تحسر الْغَضَب عَن
وَجهه وَحَتَّى كشر وَضحك وَكَانَ من أحسن النَّاس ثغراً فَنزل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزلت أشبث بالجذع وَنزل
نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا يمشي على
الأَرْض مَا يمسهُ بِيَدِهِ فَقلت يَا رَسُول الله: إِنَّمَا
كنت فِي الغرفة تسعا وَعشْرين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن الشَّهْر قد يكون تسعا وَعشْرين فَقُمْت
على بَاب الْمَسْجِد فناديت بِأَعْلَى صوتي: لم يُطلق رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ
قَالَ: وَنزلت
(8/222)
هَذِه الْآيَة (وَإِذا جَاءَهُم أَمر من
الْأَمْن أَو الْخَوْف أذاعوا بِهِ وَلَو ردُّوهُ إِلَى
الرَّسُول وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم لعلمه الَّذين
يستنبطونه مِنْهُم) فَكنت أَنا استنبطت ذَلِك الْأَمر وَأنزل
الله آيَة التَّخْيِير
قَوْله تَعَالَى: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ}
أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح رَضِي
الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ:
كَانَ أبي يقْرؤهَا {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الله بن بُرَيْدَة عَن
أَبِيه رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ}
قَالَ: أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة وَمَيْمُون بن مهْرَان
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: أَبُو بكر عمروعلي
رَضِي الله عَنْهُم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ
عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فقد صغت
قُلُوبكُمَا} قَالَ: مَالَتْ وَفِي قَوْله: {وَصَالح
الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَصَالح
الْمُؤمنِينَ} قَالَ: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَالح
الْمُؤمنِينَ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي
فَضَائِل الصَّحَابَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {وَصَالح
الْمُؤمنِينَ} قَالَ: صَالح الْمُؤمنِينَ أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله:
{وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَا: نزلت فِي أبي بكر وَعمر رَضِي
الله عَنْهُمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله:
{وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: نزلت فِي عمر بن الْخطاب
خَاصَّة
(8/223)
وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ}
قَالَ: صَالح الْمُؤمنِينَ أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عمر وَابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ}
قَالَا: نزلت فِي أبي بكر وَعمر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله:
{وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: نزلت فِي عمر خَاصَّة
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ:
أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف عَن عَليّ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَصَالح
الْمُؤمنِينَ} قَالَ: هُوَ عليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس: سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {وَصَالح
الْمُؤمنِينَ} قَالَ: عليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: هُوَ عليّ بن أبي طَالب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
الْعَلَاء بن زِيَاد فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ}
قَالَ: الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ:
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
الْآيَة 5 - 7
(8/224)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ
مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ
سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة وَأبي مَالك وَقَتَادَة فِي قَوْله: {قانتات} قَالَ:
مطيعات وَفِي قَوْله: {سائحات} قَالُوا: صائمات
(8/224)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قَرَأَ
سيحات مثقلة بِغَيْر ألف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن المردويه عَن بُرَيْدَة فِي
قَوْله: {ثيبات وأبكاراً} قَالَ: وعد الله نبيه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْآيَة أَن يزوّجه بِالثَّيِّبِ
آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن وبالبكر مَرْيَم بنت عمرَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن عليّ بن أبي طَالب
فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: علمُوا
أَنفسكُم وأهليكم الْخَيْر وأدبوهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: اعلموا بِطَاعَة
الله وَاتَّقوا معاصي الله وَأمرُوا أهليكم بِالذكر ينجيكم
الله من النَّار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي
قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: وأهليكم فليقوا
أنفسهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أسلم قَالَ: تَلا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {قوا أَنفسكُم
وأهليكم نَارا} فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ نقي أهلنا
نَارا قَالَ: تأمرونهم بِمَا يُحِبهُ الله وتنهونهم عَمَّا
يكره الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قوا
أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: أدبوا أهليكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم
وأهليكم نَارا} قَالَ: أوصوا أهليكم بتقوى الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: مُرُوهُمْ بِطَاعَة الله
وانهوهم عَن مَعْصِيّة الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ:
مر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بجبل مُعَلّق بَين السَّمَاء
وَالْأَرْض فَدخل فِيهِ وَبكى وتعجب مِنْهُ ثمَّ خرج مِنْهُ
إِلَى من حوله فَسَأَلَ: مَا قصَّة هَذَا الْجَبَل فَقَالُوا:
مالنا بِهِ علم كَذَلِك أدركنا آبَاءَنَا فَقَالَ: يَا رب
ائْذَنْ لهَذَا الْجَبَل يُخْبِرنِي مَا قصَّته فَأذن لَهُ
فَقَالَ: لما قَالَ الله: {نَارا وقودها النَّاس
وَالْحِجَارَة} اضْطَرَبَتْ خفت أَن أكون من وقودها فأدع الله
أَن
(8/225)
يؤمنني فَدَعَا الله تَعَالَى فَأَمنهُ
فَقَالَ: الْآن قررت فقرَّ على الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن قدامَة فِي كتاب الْبكاء
والرقة عَن مُحَمَّد بن هَاشم قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة
{وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} قَرَأَهَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعَهَا شَاب إِلَى جنبه فَصعِقَ فَجعل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فِي حجره رَحْمَة
لَهُ فَمَكثَ مَا شَاءَ الله أَن يمْكث ثمَّ فتح عَيْنَيْهِ
فَإِذا رَأسه فِي حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي مثل أَي شَيْء الْحجر فَقَالَ: أما
يَكْفِيك مَا أَصَابَك على أَن الْحجر مِنْهَا لَو وضع على
جبال الدُّنْيَا لذابت مِنْهُ وَإِن مَعَ كل إِنْسَان مِنْهُم
حجرا أَو شَيْطَانا وَالله أعلم
قَوْله: تَعَالَى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَة غِلَاظ شَدَّاد لَا
يعصون الله مَا أَمرهم}
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي
عمرَان الْجونِي قَالَ: بلغنَا أَن خَزَنَة النَّار تِسْعَة
عشر مَا بَين منْكب أحدهم مسيرَة مِائَتي خريف لَيْسَ فِي
قُلُوبهم رَحْمَة إِنَّمَا خلقُوا للعذاب وَيضْرب الْملك
مِنْهُم الرجل من أهل النَّار الضَّرْبَة فيتركه طحناً من لدن
قرنه إِلَى قدمه
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ: مَا بَين منْكب الخازن من
خزنتها مسيرَة مَا بَين سنة مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم عَمُود
وشعبتان يدْفع بِهِ الدفعة يصدع فِي النَّاس سَبْعمِائة ألف
الْآيَة 8 - 10
(8/226)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(8) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ
كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ
فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي
وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن منيع
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان عَن النُّعْمَان بن بشير أَن عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَن التَّوْبَة النصوح قَالَ: أَن
يَتُوب الرجل من الْعَمَل السيء ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
التَّوْبَة من الذَّنب لَا تعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
شعب الإِيمان بِسَنَد ضَعِيف عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: سَأَلت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّوْبَة النصوح
فَقَالَ: هُوَ النَّدَم على الذَّنب حِين يفرط مِنْك فتستغفر
الله بندامتك عِنْد الْحَافِر ثمَّ لَا تعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: قَالَ معَاذ بن جبل يَا رَسُول الله: مَا التَّوْبَة
النصوح قَالَ: أَن ينْدَم العَبْد على الذَّنب الَّذِي أصَاب
فيعتذر إِلَى الله ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ كَمَا لَا يعود
اللَّبن إِلَى الضَّرع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: التَّوْبَة النصوح أَن
يَتُوب العَبْد من الذَّنب ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: يَتُوب ثمَّ لَا يعود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: هُوَ أَن يَتُوب
ثمَّ لَا يعود
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: النصوح الصادقة
الناصحة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: التَّوْبَة النصوح تكفر كل سَيِّئَة وَهُوَ فِي
الْقُرْآن ثمَّ قَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا
إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا عَسى ربكُم أَن يكفر عَنْكُم
سيئآتكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ
{نصُوحًا} بِرَفْع النُّون
(8/227)
أخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله:
{يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم
يسْعَى} قَالَ: لَيْسَ أحد من الْمُوَحِّدين إِلَّا يعْطى نورا
يَوْم الْقِيَامَة فَأَما الْمُنَافِق فيطفأ نوره وَالْمُؤمن
يشفق مِمَّا يرى من إطفاء نور الْمُنَافِق فَهُوَ يَقُول:
{رَبنَا أتمم لنا نورنا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{رَبنَا أتمم لنا نورنا} قَالَ: قَول الْمُؤمنِينَ حِين يطفأ
نور الْمُنَافِقين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور
وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله:
{فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: مازنتا أما خِيَانَة امْرَأَة نوح
فَكَانَت تَقول للنَّاس: إِنَّه مَجْنُون وَأما خِيَانَة
امْرَأَة لوط فَكَانَت تدل على الضَّيْف فَتلك خيانتها
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أَشْرَس الْخُرَاسَانِي رَضِي الله
عَنهُ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
قَالَ: مَا بَغت امْرَأَة نَبِي قطّ
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن
عَسَاكِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: كَانَتَا كافرتين مخالفتين وَلَا
يَنْبَغِي لامْرَأَة تَحت نَبِي أَن تفجر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: مَا بَغت امْرَأَة نَبِي قطّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
عَنهُ {فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: فِي الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
امْرَأَة النَّبِي إِذا زنت لم يغْفر لَهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا}
الْآيَة قَالَ: يَقُول لن يُغني صَلَاح هذَيْن عَن هَاتين
شَيْئا وَامْرَأَة فِرْعَوْن لم يَضرهَا كفر فِرْعَوْن وَالله
تَعَالَى أعلم
الْآيَة 11 - 12
(8/228)
وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي
مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا
وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ
الْقَانِتِينَ (12)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي شعب الْإِيمَان عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت
امْرَأَة فِرْعَوْن تعذب بالشمس فَإِذا انصرفوا عَنْهَا أظلتها
الْمَلَائِكَة بأجنحتها وَكَانَت ترى بَيتهَا فِي الْجنَّة
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن أبي
هُرَيْرَة أَن فِرْعَوْن وتد لامْرَأَته أَرْبَعَة أوتاد فِي
يَديهَا ورجليها فَكَانُوا إِذا تفَرقُوا عَنْهَا أظلتها
الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام فَقَالَت: {رب ابْن لي
عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة} فكشف لَهَا عَن بَيتهَا فِي
الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن
فِرْعَوْن وتد لامْرَأَته أَرْبَعَة أوتاد وأضجعها على صدرها
وَجعل على صدرها رحى واستقبل بهما عين الشَّمْس فَرفعت رَأسهَا
إِلَى السَّمَاء فَقَالَت: {رب ابنِ لي عنْدك بَيْتا فِي
الْجنَّة} إِلَى {الظَّالِمين} فَفرج الله عَن بَيتهَا فِي
الْجنَّة فرأته
وَأخرج أَحْمد والطراني وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أفضل نسَاء أهل الْجنَّة خَدِيجَة بنت خويلد
وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَرْيَم
بنت عمرَان وآسية بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن مَعَ مَا قصّ
الله علينا من خبرهما فِي الْقُرْآن {قَالَت رب ابنِ لي عنْدك
بَيْتا فِي الْجنَّة}
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ونجني من فِرْعَوْن وَعَمله} قَالَ: من
جمَاعه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا} قَالَ: فِي
جيبها وَفِي قَوْله: {وَكَانَت من القانتين} قَالَ: من
المطيعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وصدقت بِكَلِمَات
رَبهَا} بِالْألف وَكتابه وَاحِد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن جُنَادَة قَالَ: قَالَ رسو ل
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله زَوجنِي فِي الْجنَّة
مَرْيَم بنت عمرَان وَامْرَأَة فِرْعَوْن وَأُخْت مُوسَى
(8/229)
67
سُورَة الْملك
وآياتها ثَلَاثُونَ أخرج ابْن الضريس وَالْبُخَارِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة تبَارك الْملك
وَأخرج ابْن جرير فِي تَفْسِيره عَن الضَّحَّاك عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت تبَارك الْملك فِي
أهل مَكَّة إِلَّا ثَلَاث آيَات
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 6
(8/230)
تَبَارَكَ الَّذِي
بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي
خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ
تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ
يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ
عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الضريس
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرديه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سُورَة من كتاب الله
مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ
{تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
(8/230)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن أنس رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
سُورَة من الْقُرْآن خَاصَمت عَن صَاحبهَا حَتَّى أدخلته
الْجنَّة {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن
نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
ضرب بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتاة على
قبر وَهُوَ لَا يحْسب أَنه قبر فَإِذا هُوَ بِإِنْسَان يقْرَأ
سُورَة الْملك حَتَّى خَتمهَا فَأتى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ الْمَانِعَة هِيَ المنجية تنجيه من
عَذَاب الْقَبْر وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُورَة
تبَارك هِيَ الْمَانِعَة من عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن رَافع بن خديج وَأبي هُرَيْرَة
أَنَّهُمَا سمعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
أنزلت عليّ سُورَة تبَارك وَهِي ثَلَاثُونَ آيَة جملَة
وَاحِدَة وَقَالَ: هِيَ الْمَانِعَة فِي الْقُبُور وَإِن قرأءة
قل هُوَ الله أحد فِي صَلَاة تعدل قِرَاءَة ثلث الْقُرْآن
وَإِن قِرَاءَة قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ فِي صَلَاة تعدل
ربع الْقُرْآن وَإِن قِرَاءَة إِذا زلزلت فِي صَلَاة تعدل نصف
الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَاللَّفْظ لَهُ
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس أَنه قَالَ لرجل: أَلا أتحفك بِحَدِيث تفرح بِهِ
قَالَ: بلَى قَالَ اقْرَأ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَعلمهَا أهلك وَجَمِيع ولدك وصبيان بَيْتك وَجِيرَانك
فَإِنَّهَا المنجية والمجادلة يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبهَا
لِقَارِئِهَا وتطلب لَهُ أَن تنجيه من عَذَاب النَّار وينجو
بهَا صَاحبهَا من عَذَاب الْقَبْر قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قلب كل
إِنْسَان من أمتِي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن رجلا مِمَّن كَانَ قبلكُمْ مَاتَ وَلَيْسَ مَعَه
شَيْء من كتاب الله إِلَّا تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك
فَلَمَّا وضع فِي حفرته أَتَاهُ الْملك فثارت السُّورَة فِي
وَجهه فَقَالَ لَهَا: إِنَّك من كتاب الله وَأَنا أكره شقاقك
وَإِنِّي لَا أملك لَك وَلَا لَهُ وَلَا لنَفْسي ضراً وَلَا
نفعا فَإِن أردْت هَذَا بِهِ فانطلقي إِلَى الربّ فاشفعي لَهُ
فَانْطَلَقت إِلَى الرب فَتَقول: يَا رب إِن فلَانا عمد إليّ
من بَين كتابك فتعلمني وتلاني أفمحرقه أَنْت بالنَّار ومعذبه
وَأَنا فِي جَوْفه فَإِن كنت فَاعِلا بِهِ فامحني من كتابك
فَيَقُول: أَلا
(8/231)
أَرَاك غضِبت فَتَقول: وَحقّ لي أَن أغضب
فَيَقُول: اذهبي فقد وهبته لَك وشفعتك فِيهِ فتجيء سُورَة
الْملك فَيخرج كاسف البال لم يحل مِنْهُ شَيْء فتجيء فتضع فاها
على فِيهِ فَتَقول: مرْحَبًا بِهَذَا الْفَم فَرُبمَا تلاني
وَتقول: مرْحَبًا بِهَذَا الصَّدْر فَرُبمَا وعاني ومرحباً
بِهَاتَيْنِ الْقَدَمَيْنِ فَرُبمَا قامتا بِي وتؤنسه فِي
قَبره مَخَافَة الوحشة عَلَيْهِ فَلَمَّا حدث رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الحَدِيث لم يبْق صَغِير وَلَا
كَبِير وَلَا حر وَلَا عبد إِلَّا تعلمهَا وسماها رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنجية
وَأخرج ابْن الضريس وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
يُؤْتى الرجل فِي قَبره فَيُؤتى من قبل رجلَيْهِ فَتَقول
رِجْلَاهُ: لَيْسَ لكم على مَا قبلي سَبِيل قد كَانَ يقوم
علينا بِسُورَة الْملك ثمَّ يُؤْتى من قبل صَدره فَيَقُول:
لَيْسَ لكم على مَا قبلي سَبِيل قد كَانَ وعى فيّ سُورَة
الْملك ثمَّ يُؤْتى من قبل رَأسه فَيَقُول: لَيْسَ لكم على مَا
قبلي سَبِيل قد كَانَ يقْرَأ بِي سُورَة الْملك فَهِيَ
الْمَانِعَة تمنع من عَذَاب الْقَبْر وَهِي فِي التَّوْرَاة
سُورَة الْملك من قَرَأَهَا فِي لَيْلَة فقد أَكثر وَأطيب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: كُنَّا نسميها فِي عهد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَانِعَة وَإِنَّهَا لفي كتاب الله سُورَة
الْملك من قَرَأَهَا فِي لَيْلَة فقد أَكثر وَأطيب
وَأخرج أَبُو عبيد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق
مرّة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْمَيِّت إِذا مَاتَ أَو
قدت حوله نيران فتأكل كل نَار يَليهَا إِن لم يكن لَهُ عمل
يحول بَينه وَبَينهَا وَإِن رجلا مَاتَ وَلم يكن يقْرَأ من
الْقُرْآن إِلَّا سُورَة ثَلَاثِينَ آيَة فَأَتَتْهُ من قبل
رَأسه فَقَالَت: إِنَّه كَانَ يقرؤني فَأَتَتْهُ من قبل
رجلَيْهِ فَقَالَت: إِنَّه كَانَ يقوم بِي فَأَتَتْهُ من قبل
جَوْفه فَقَالَت: إِنَّه كَانَ وعاني فأنجته
قَالَ: فَنَظَرت أَنا ومسروق فِي الْمُصحف فَلم نجد سُورَة
ثَلَاثِينَ آيَة إلاتبارك
وَأخرجه الدَّارمِيّ وَابْن الضريس عَن مرّة مُرْسلا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: كَانَ
يُقَال: إِن فِي الْقُرْآن سُورَة تجَادل عَن صَاحبهَا فِي
الْقَبْر تكون ثَلَاثِينَ آيَة فنظروا فوجدوها تبَارك
وَأخرج الديلمي عَن أنس مَرْفُوعا قَالَ: يبْعَث رجل يَوْم
الْقِيَامَة لم يتْرك شَيْئا من الْمعاصِي إِلَّا ركبهَا
إِلَّا أَنه كَانَ يوحد الله وَلم يكن يقْرَأ من الْقُرْآن
إِلَّا سُورَة وَاحِدَة
(8/232)
فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار فطار من
جَوْفه شَيْء كالشهاب فَقَالَت: اللَّهُمَّ إِنِّي مِمَّا
أنزلت على نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ عَبدك هَذَا
يقرؤني فَمَا زَالَت تشفع حَتَّى أدخلته الْجنَّة وَهِي
المنجية {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة
الْجُمُعَة بِسُورَة الْجُمُعَة (وَسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى)
(سُورَة الْأَعْلَى 1) وَفِي صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة
(ألم تَنْزِيل) (سُورَة السَّجْدَة) و {تبَارك الَّذِي
بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اني لأجد فِي كتاب الله
سُورَة هِيَ ثَلَاثُونَ آيَة من قَرَأَهَا عِنْد نَومه كتب
لَهُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ حَسَنَة ومحي عَنهُ ثَلَاثُونَ
سَيِّئَة وَرفع لَهُ ثَلَاثُونَ دَرَجَة وَبعث الله إِلَيْهِ
ملكا من الْمَلَائِكَة ليبسط عَلَيْهِ جنَاحه ويحفظه من كل
شَيْء حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَهِي المجادلة تجَادل عَن صَاحبهَا
فِي الْقَبْر وَهِي {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ رَفعه
لقد رَأَيْت عجبا رَأَيْت رجلا مَاتَ كَانَ كثير الذُّنُوب
مُسْرِفًا على نَفسه فَكلما توجه إِلَيْهِ الْعَذَاب فِي قَبره
من قبل رجلَيْهِ أَو من قبل رَأسه أَقبلت السُّورَة الَّتِي
فِيهَا الطير تجَادل عَنهُ الْعَذَاب أَنه كَانَ يحافظ عليّ
وَقد وَعَدَني رَبِّي أَنه من واظب عليّ أَن لَا يعذبه
فَانْصَرف عَنهُ الْعَذَاب بهَا وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَار يتعلمونها وَيَقُولُونَ: المغبون من لم يتعلمها
وَهِي سُورَة الْملك
وَأخرج ابْن الضريس عَن مرّة الهمذاني قَالَ: أَتَى رجل من
جَوَانِب قَبره فَجعلت سُورَة من الْقُرْآن ثَلَاثُونَ آيَة
تجَادل عَنهُ حَتَّى منعته من عَذَاب الْقَبْر فَنَظَرت أَنا
ومسروق فَلم نجدها إِلَّا تبَارك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الصَّباح عَن عبد
الْعَزِيز عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: دخل رجل الْجنَّة بشفاعة سُورَة من الْقُرْآن
وَمَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة تنجيه من عَذَاب الْقَبْر
{تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ (ألم تَنْزِيل) السَّجْدَة و
{تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} كل لَيْلَة لَا يَدعهَا فِي
سفر وَلَا حضر
(8/233)
قَوْله تَعَالَى: {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ
الْملك وَهُوَ على كل شَيْء قدير الَّذِي خلق الْمَوْت
والحياة} الْآيَتَيْنِ
أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
كَلِمَات من قالهن عَن وَفَاته دخل الْجنَّة لَا إِلَه إِلَّا
الله الْحَلِيم الْكَرِيم ثَلَاث مَرَّات الْحَمد لله رب
الْعَالمين ثَلَاث مَرَّات {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك
وَهُوَ على كل شَيْء قدير}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
عَن السّديّ فِي قَوْله: {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة
ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ: أَيّكُم أحسن للْمَوْت
ذكرا وَله اسْتِعْدَادًا وَمِنْه خوفًا وحذراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة} قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله
أذلّ بني آدم بِالْمَوْتِ وَجعل الدُّنْيَا دَار حَيَاة ثمَّ
دَار موت وَجعل الْآخِرَة دَار جَزَاء ثمَّ دَار بَقَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذِي خلق
الْمَوْت والحياة} قَالَ: الْحَيَاة فرس جِبْرِيل عَلَيْهِ
السَّلَام وَالْمَوْت كَبْش أَمْلَح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ:
خلق الله الْمَوْت كَبْشًا أَمْلَح مستتراً بسواد وَبَيَاض
لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة جنَاح تَحت الْعَرْش وَجَنَاح فِي
الثرى وَجَنَاح فِي الْمشرق وَجَنَاح فِي الْمغرب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبع سماوات
طباقاً} قَالَ: بَعْضهَا فَوق بعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} قَالَ: مَا
يفوت بعضه بَعْضًا مفاوت: مفرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت}
قَالَ: من اخْتِلَاف {فَارْجِع الْبَصَر هَل ترى من فطور}
قَالَ: من خلل {ثمَّ ارْجع الْبَصَر كرتين يَنْقَلِب إِلَيْك
الْبَصَر خاسئاً} قَالَ: صاغراً {وَهُوَ حسير} قَالَ: يَعْنِي
ل اترى فِي خلق الرَّحْمَن تَفَاوتا وَلَا خللاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ مَا ترى فِي
خلق الرَّحْمَن من تفوت
(8/234)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَلْقَمَة
أَنه كَانَ يقْرَأ مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفوت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من تفَاوت} قَالَ: تشقق وَفِي
قَوْله: {هَل ترى من فطور} قَالَ: شقوق وَفِي قَوْله: {خاسئاً}
قَالَ: ذليلاً {وَهُوَ حسير} قَالَ: كليل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الفطور الوهي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: {من فطور}
قَالَ: من خلل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من فطور}
قَالَ: تشقق أَو خلل وَفِي قَوْله: {يَنْقَلِب إِلَيْك
الْبَصَر خاسئاً} قَالَ: يرجع إِلَيْك {خاسئاً} قَالَ: صاغراً
{وَهُوَ حسير} قَالَ: يعي وَلَا يرى شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {خاسئاً}
قَالَ: ذليلاً {وَهُوَ حسير} قَالَ: مترجع
الْآيَة 7 - 14
(8/235)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا
سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ
مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ
خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ
جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي
أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ
فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ
كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ
خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي
قَوْله: {سمعُوا لَهَا شهيقاً} قَالَ: صياحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى قَالَ: إِن الرجل ليجر إِلَى
النَّار فتنزوي وينقبض بَعْضهَا إِلَى بعض فَيَقُول لَهَا
الرَّحْمَن: مَالك قَالَت: إِنَّه كَانَ يستحي مني فَيَقُول:
أرْسلُوا عَبدِي قَالَ: وَإِن العَبْد ليجر إِلَى النَّار
فَيَقُول يَا رب مَا كَانَ هَذَا الظَّن بك قَالَ: فَمَا كَانَ
ظَنك قَالَ: كَانَ ظَنِّي أَن تسعني رحمتك فَيَقُول: أرْسلُوا
(8/235)
عَبدِي قَالَ: وَإِن الرجل ليخر إِلَى
النَّار فتشهق إِلَيْهِ شهيق البغلة إِلَى الشّعير ثمَّ تزفر
زفرَة لايبقى أحد إِلَّا خَافَ
وَأخرج هناد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَهِي تَفُور}
قَالَ: تَفُور بهم كَمَا يفور الْحبّ الْقَلِيل فِي المَاء
الْكثير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر فِي قَوْله: {تكَاد تميز}
قَالَ: تتفرق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تكَاد تميز}
قَالَ: يُفَارق بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {فسحقاً} قَالَ: بعدا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {فسحقاً} قَالَ: بعدا قَالَ:
وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول حسان:
أَلا من مبلغ عني أَبَيَا فقد ألقيت فِي سحق السعير وَأخرج
ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي
قَوْله: {فسحقاً لأَصْحَاب السعير} قَالَ: سحق وَاد فِي
جَهَنَّم
قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ}
الْآيَة وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا {إِن الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ} قَالَ:
أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {لَهُم مغْفرَة وَأجر كَبِير} قَالَ: الْجنَّة
الْآيَة 15 - 29
(8/236)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا
وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ
الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي
السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ
كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا
إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا
يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ
يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ
إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ
إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ
(21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى
أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ
هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ
اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا
رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ
هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ
رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
(28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ
تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
(29)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مناكبها} قَالَ:
جبالها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مناكبها}
قَالَ: أطرافها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة أَن بشير بن كَعْب قَرَأَ
هَذِه الْآيَة {فامشوا فِي مناكبها} فَقَالَ لجاريته: إِن
دَريت مَا مناكبها فَأَنت حرَّة لوجه الله قَالَت: فَإِن
مناكبها جبالها فَسَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ: دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{مناكبها} قَالَ: أطرافها وفجاجها
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من
اشْتَكَى ضرسه فليضع أُصْبُعه عَلَيْهِ وليقرأ هَذِه الْآيَة
{قل هُوَ الَّذِي أنشأكم وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة
قَلِيلا مَا تشكرون}
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من
اشْتَكَى ضرسه فليضع أُصْبُعه عَلَيْهِ وليقرأ هَاتين
الْآيَتَيْنِ سبع مَرَّات (وَهُوَ الَّذِي
(8/237)
أنشأكم من نفس وَاحِدَة فمستقر) (سُورَة
الْأَنْعَام 98) إِلَى قَوْله: (يفقهُونَ) {هُوَ الَّذِي
أنشأكم وَجعل لكم السّمع} إِلَى {تشكرون} فَإِنَّهُ يبرأ
بِإِذن الله تَعَالَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِن الله يحب العَبْد الْمُؤمن المحترف وَأخرج الْحَكِيم
التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يحب العَبْد
محترفاً
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة
قَالَ: مر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِقوم فَقَالَ: من
أَنْتُم قَالُوا: المتوكلون فَقَالَ: أَنْتُم المتأكلون
إِنَّمَا المتَوَكل رجل ألْقى حبه فِي بطن الأَرْض وتوكل على
ربه
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أأمنتم
من فِي السَّمَاء} قَالَ: الله تَعَالَى وَفِي قَوْله: {فَإِذا
هِيَ تمور} قَالَ: يمور بَعْضهَا فَوق بعض واستدارتها وَفِي
قَوْله: {أولم يرَوا إِلَى الطير فَوْقهم صافات} قَالَ: يبسطن
أجنحتهن {ويقبضن} قَالَ: يضربن بأجنحتهن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن
نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {إِلَّا فِي غرور}
قَالَ: فِي بَاطِل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول
حسان: تمنتك الْأَمَانِي من بعيد وَقَول الْكفْر يرجع فِي غرور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {بل لجوا فِي عتو ونفور} قَالَ: فِي الضلال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله: {بل لجوا فِي عتو ونفور} قَالَ: كفور وَفِي
قَوْله: {أَفَمَن يمشي مكبا على وَجهه} قَالَ: فِي الضَّلَالَة
{أم من يمشي سويّاً على صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: على الْحق
الْمُسْتَقيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{أَفَمَن يمشي مكبّاً} قَالَ: فِي الضلال {أم من يمشي سويّاً}
قَالَ: مهتدياً
(8/238)
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق
وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{أَفَمَن يمشي مكباً على وَجهه} قَالَ: هُوَ الْكَافِر عمل
بِمَعْصِيَة الله فحشره الله يَوْم الْقِيَامَة على وَجهه {أم
من يمشي سويّاً على صِرَاط مُسْتَقِيم} يَعْنِي الْمُؤمن عمل
بِطَاعَة الله يحشره الله على طَاعَته وَفِي قَوْله: {فَلَمَّا
رَأَوْهُ} قَالَ: لما رَأَوْا عَذَاب الله {زلفة سيئت وُجُوه
الَّذين كفرُوا} قَالَ: ساءت بِمَا رَأَتْ من عَذَاب الله
وهوانه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{فَلَمَّا رَأَوْهُ زلفة} قَالَ: قد اقْترب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {وَقيل هَذَا
الَّذِي كُنْتُم بِهِ تدعون} مُخَفّفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم أَنه
قَرَأَ {تدعون} مثقلة قَالَ أَبُو بكر: تَفْسِير تدعون
تَسْتَعْجِلُون
الْآيَة 30
(8/239)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ
مَعِينٍ (30)
أخرج ابْن الْمُنْذر والفاكهي عَن ابْن
الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {قل
أَرَأَيْتُم إِن أصبح ماؤكم غوراً} فِي بِئْر زَمْزَم وبئر
مَيْمُون بن الْحَضَر وَكَانَت جَاهِلِيَّة
قَالَ الفاكهي: وَكَانَت آبار مَكَّة تغور سرَاعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {إِن أصبح ماؤكم غوراً} قَالَ: دَاخِلا فِي
الأَرْض {فَمن يأتيكم بِمَاء معِين} قَالَ: الْجَارِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن أصبح ماؤكم غوراً} قَالَ: يرجع فِي
الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{غوراً} قَالَ: ذَاهِبًا وَفِي قَوْله: {بِمَاء معِين} قَالَ:
الْجَارِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {بِمَاء معِين} قَالَ:
ظَاهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{بِمَاء معِين} قَالَ: عذب
(8/239)
68
سُورَة الْقَلَم
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ أخرج ابْن الضريس
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت إِذا
نزلت فَاتِحَة سُورَة بِمَكَّة كتبت بِمَكَّة ثمَّ يزِيد الله
فِيهَا مَا شَاءَ وَكَانَ أول مَا نزل من الْقُرْآن ( {اقْرَأ
باسم رَبك} ثمَّ (المزمل) ثمَّ (المدثر)
وَأخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة {ن والقلم}
بِمَكَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 9
(8/240)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا
يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
(2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ
لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
(7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ
فَيُدْهِنُونَ (9)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي
وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو
الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والخطيب فِي تَارِيخه والضياء فِي
المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أول شَيْء خلق الله
الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فَقَالَ: يارب وَمَا أكتب
قَالَ: اكْتُبْ الْقدر فَجرى من ذَلِك الْيَوْم مَا هُوَ
كَائِن إِلَى أَن تقوم السَّاعَة ثمَّ طوي الْكتاب وارتفع
الْقَلَم وَكَانَ عَرْشه على المَاء فارتفع بخار المَاء ففتقت
مِنْهُ السَّمَوَات ثمَّ خلق النُّور فبسطت الأَرْض عَلَيْهِ
وَالْأَرْض على ظهر النُّون فاضطرب النُّون
(8/240)
فمادت الأَرْض فأثبتت بالجبال فَإِن
الْجبَال لتفخر على الأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ
قَرَأَ ابْن عَبَّاس {ن والقلم وَمَا يسطرون}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن
أول مَا خلق الله الْقَلَم والحوت قَالَ: اكْتُبْ قَالَ: مَا
أكتب قَالَ: كل شَيْء كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ
قَرَأَ {ن والقلم وَمَا يسطرون} فالنون الْحُوت والقلم
الْقَلَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت سَمِعت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول مَا خلق الله الْقَلَم
فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى الْأَبَد
وَأخرج ابْن جرير عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {ن والقلم وَمَا
يسطرون} قَالَ: لوح من نور وقلم من نور يجْرِي بِمَا هُوَ
كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
إِن الله خلق النُّون وَهِي الدواة وَخلق الْقَلَم فَقَالَ:
اكْتُبْ قَالَ: مَا أكتب قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن إِلَى
يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الرَّافِعِيّ فِي تَارِيخ قزوين من طَرِيق جُوَيْبِر
عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: النُّون اللَّوْح الْمَحْفُوظ والقلم من
نور سَاطِع
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول
شَيْء خلق الله الْقَلَم ثمَّ خلق النُّون وَهِي الدواة ثمَّ
قَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: وَمَا أكتب قَالَ: مَا كَانَ وَمَا
هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من عمل أَو أثر أَو رزق
فَكتب مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَذَلِكَ قَوْله: {ن والقلم وَمَا يسطرون} ثمَّ ختم على فِي
الْقَلَم فَلم ينْطق وَلَا ينْطق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ
خلق الله الْعقل فَقَالَ: وَعِزَّتِي لأكملنك فِيمَن أَحْبَبْت
ولأنقصنك فِيمَن أبغضت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا {ن والقلم} قَالَ: ن الدواة والقلم الْقَلَم
وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس قَوْله: {ن} أشبها هَذَا قسم الله
وَهِي من أَسمَاء الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة وَالْحسن
فِي قَوْله: {ن} قَالَا: الدواة
(8/241)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
ابْن جريج فِي قَوْله: {ن} قَالَ: هُوَ الْحُوت الَّذِي
عَلَيْهِ الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ:
الْحُوت الَّذِي تَحت الأَرْض السَّابِعَة والقلم الَّذِي كتب
بِهِ الذّكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أول مَا خلق الله الْقَلَم فَأَخذه بِيَمِينِهِ وكلتا
يَدَيْهِ يَمِين وَخلق النُّون وَهِي الدواة وَخلق اللَّوْح
فَكتب فِيهِ ثمَّ خلق السَّمَوَات فَكتب مَا يكون من حِينَئِذٍ
فِي الدُّنْيَا إِلَى أَن تكون السَّاعَة من خلق مَخْلُوق أَو
عمل مَعْمُول بر أَو فجور وكل رزق حَلَال أَو حرَام رطب أَو
يَابِس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ:
الْقَلَم نعْمَة من الله عَظِيمَة لَوْلَا الْقَلَم مَا قَامَ
دين وَلم يصلح عَيْش وَالله أعلم بِمَا يصلح خلقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ن والقلم
وَمَا يسطرون} قَالَ: خلق الله الْقَلَم فَقَالَ: أجره فَجرى
بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ خلق الْحُوت
وَهُوَ النُّون فكبس عَلَيْهَا الأَرْض ثمَّ قَالَ: {ن والقلم
وَمَا يسطرون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ن
والقلم} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
النُّون السَّمَكَة الَّتِي عَلَيْهَا قَرَار الْأَرْضين
والقلم الَّذِي خطّ بِهِ رَبنَا عز وَجل الْقدر خَيره وشره
ونفعه وضره {وَمَا يسطرون} قَالَ: الْكِرَام الكاتبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم
وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا يسطرون}
قَالَ: وَمَا يَكْتُبُونَ وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
وَقَتَادَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا يسطرون} قَالَ: وَمَا
يعْملُونَ
قَوْله تَعَالَى: {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه لمَجْنُون بِهِ
شَيْطَان فَنزلت {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وَإِن لَك لأجراً غير ممنون} قَالَ: غير مَحْسُوب
(8/242)
قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق
عَظِيم} أخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل
والواحدي عَن عَائِشَة قَالَت: مَا كَانَ أحد أحسن خلقا من
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا دَعَاهُ أحد من
أَصْحَابه وَلَا من أهل بَيته إِلَّا قَالَ لبيْك فَلذَلِك
أنزل الله تَعَالَى {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر
وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن هِشَام قَالَ: أتيت
عَائِشَة فَقلت يَا أم الْمُؤمنِينَ: أَخْبرنِي بِخلق رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: كَانَ خلقه الْقُرْآن
أما تقْرَأ الْقُرْآن {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن
خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: كَانَ خلقه
الْقُرْآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن شَقِيق الْعقيلِيّ
قَالَ: أتيت عَائِشَة فسألتها عَن خلق رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: كَانَ أحسن النَّاس خلقا كَانَ خلقه
الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: قلت لعَائِشَة:
كَيفَ كَانَ خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت:
لم يكن فَاحِشا وَلَا متفحشا وَلَا سخاباً فِي الْأَسْوَاق
وَلَا يجزى بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعفوا ويصفح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زَيْنَب بنت يزِيد بن وسق قَالَت:
كنت عِنْد عَائِشَة إِذا جاءها نسَاء أهل الشَّام فَقُلْنَ يَا
أم الْمُؤمنِينَ: أَخْبِرِينَا عَن خلق رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: كَانَ خلقه الْقُرْآن وَكَانَ أَشد
النَّاس حَيَاء من الْعَوَاتِق فِي خدرها
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وعبدبن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي
قَوْله: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} قَالَ: على أدب الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَإنَّك لعلى خلق
عَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} قَالَ: الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم}
قَالَ: الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن ابزى وَسَعِيد بن جُبَير قَالَا:
على دين عَظِيم
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ثَابت عَن أنس
قَالَ: خدمت رَسُول الله صلى
(8/243)
الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى عشرَة سنة مَا
قَالَ لي قطّ أَلا فعلت هَذَا أَو لم فعلت هَذَا
قَالَ ثَابت: فَقلت يَا أَبَا حَمْزَة إِنَّه كَمَا قَالَ الله
تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} وَأخرج الخرائطي عَن أنس
قَالَ: خدمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْن
ثَمَان سِنِين فَمَا لامني على شَيْء يَوْمًا من الْأَيَّام
فَإِن لامني لائم قَالَ: دَعوه فَإِنَّهُ لَو قضى شَيْء
لَكَانَ
وَأخرج ابْن سعد عَن مَيْمُونَة قَالَت: خرج رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة من عِنْدِي فأغلقت دونه
الْبَاب فجَاء يستفتح الْبَاب فأبيت أَن أفتح لَهُ فَقَالَ:
أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا فتحت لي فَقلت لَهُ: تذْهب إِلَى
أَزوَاجك فِي لَيْلَتي قَالَ: مَا فعلت وَلَكِن وجدت حَقنا من
بولِي
قَوْله تَعَالَى: {فستبصر ويبصرون} الْآيَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فستبصر
ويبصرون} قَالَ: تعلم ويعلمون يَوْم الْقِيَامَة {بأيكم
الْمفْتُون} قَالَ: الشَّيْطَان كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّه
شَيْطَان مَجْنُون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فستبصر
ويبصرون بأيكم الْمفْتُون} يَقُول: يتَبَيَّن لكم الْمفْتُون
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فستبصر
ويبصرون بأيكم الْمفْتُون} يَقُول: بأيكم الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير
وَابْن أَبْزَى {بأيكم الْمفْتُون} بأيكم الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ:
بأيكم الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ:
الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجوزاء {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ:
الشَّيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {بأيكم
الْمفْتُون} قَالَ: أَيّكُم أولى بالشيطان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {فستبصر ويبصرون بأيكم
الْمفْتُون} قَالَ: أَيّكُم أولى بالشيطان فَكَانُوا أولى
بالشيطان مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {ودوا لَو تدهن فيدهنون}
(8/244)
قَالَ: لَو ترخص لَهُ فيرخصون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {ودوا لَو
تدهن فيدهنون} يَقُول: لَو تركن إِلَيْهِم وتترك مَا أَنْت
عَلَيْهِ من الْحق فيمالئونك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ودوا لَو تدهن فيدهنون}
قَالَ: ودوا لَو يدهن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
هَذَا الْأَمر فيدهنوا عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {ودوا لَو تدهن فيدهنون}
قَالَ: لَو تكفر فيكفرون
الْآيَة 10 - 41
(8/245)
وَلَا تُطِعْ كُلَّ
حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ
ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ
الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا
بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ
أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا
يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ
وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ
يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ
عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ
(25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ
نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ
لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا
إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا
كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا
مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ
الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ
جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ
كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ
فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ
عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ
لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ
(40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ
كَانُوا صَادِقِينَ (41)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُثْمَان
النَّهْدِيّ قَالَ: قَالَ مَرْوَان بن الحكم لما بَايع النَّاس
ليزِيد سنة أبي بكر عمر فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر:
إِنَّهَا لَيست بِسنة أبي بكر وَعمر وَلكنهَا سنة هِرقل
فَقَالَ مَرْوَان: هَذَا الَّذِي أنزلت فِيهِ (وَالَّذِي
لوَالِديهِ أفٍّ لَكمَا) قَالَ: فَسمِعت ذَلِك عَائِشَة
فَقَالَت: إِنَّهَا لم تنزل فِي عبد الرَّحْمَن وَلَكِن نزلت
فِي أَبِيك {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تُطِع كل
حلاف} الْآيَة قَالَ: يَعْنِي الْأسود بن عبد يَغُوث
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ {وَلَا تُطِع كل حلاف}
الْآيَة قَالَ: هُوَ رجل من ثَقِيف يُقَال لَهُ: الْأَخْنَس بن
شريق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي
قَوْله: {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين} يَقُول: مكثار فِي الْحلف
{مهين} يَقُول: ضَعِيف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَلَا
تُطِع كل حلاف مهين} قَالَ: ضَعِيف الْقلب {عتل} قَالَ: شَدِيد
الْأسر {زنيم} قَالَ: مُلْحق فِي النّسَب زعم ابْن عَبَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَلَا
تُطِع كل حلاف مهين} قَالَ: المهين المكثار فِي الشَّرّ {هماز}
قَالَ: يَأْكُل لُحُوم النَّاس {مناع للخير} قَالَ: فَلَا
يُعْطي خيرا {مُعْتَد} قَالَ: مُعْتَد فِي قَوْله: متعمد فِي
عمله {أثيم} بربه {عتل} هُوَ الْفَاجِر اللَّئِيم الضريبة
وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا
تقوم السَّاعَة حَتَّى يظْهر الْفُحْش والتفحش وَسُوء الْجوَار
وَقَطِيعَة الرَّحِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي أُمَامَة فِي قَوْله: {عتل بعد
ذَلِك زنيم} قَالَ: هُوَ الْفَاحِش اللَّئِيم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الْحسن وَأبي
الْعَالِيَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {زنيم} قَالَ: هُوَ الدعيّ أما سَمِعت
قَول الشَّاعِر: زنيم تداعاه الرِّجَال زِيَادَة كَمَا زيد فِي
عرض الْأَدِيم أكارعه
(8/246)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف
والابتداء عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن الزنيم قَالَ: هُوَ
ولد الزِّنَا وتمثل بقول الشَّاعِر: زنيم لَيْسَ يعرف من
أَبوهُ بغيّ الْأُم ذُو حسب لئيم وَأخرج عبد بن حميد عَن
مُجَاهِد قَالَ: العتل الزنيم رجل ضخم شَدِيد كَانَت لَهُ زنمة
زَائِدَة فِي يَده وَكَانَت علامته
وَأخرج عبد بن حميد عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: العتل الصَّحِيح
الأكول الشروب والزنيم الْفَاجِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {عتل بعد ذَلِك
زنيم} قَالَ: يعرف الْكَافِر من الْمُؤمن مثل الشَّاة الزنماء
والزنماء الَّتِي فِي حلقها كالمتعلقتين فِي حلق الشَّاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الزنيم يعرف بِهَذَا
الْوَصْف كَمَا تعرف الشَّاة الزنماء من الَّتِي لَا زنمة
لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله: {عتل بعد
ذَلِك زنيم} قَالَ: هُوَ الملزق فِي الْقَوْم لَيْسَ مِنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: سِتَّة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة أبدا: الْعَاق والمدمن
والجعشل والجوّاظ والقتات والعتل الزنيم
فَقلت يَا ابْن عَبَّاس: أما اثْنَتَانِ فقد علمت فَأَخْبرنِي
بالأربع قَالَ: أما الجعشل فالفظّ الغليظ وَأما الجواظ فَمن
يجمع المَال وَيمْنَع وَأما القَتَّات فَمن يَأْكُل لُحُوم
النَّاس وَأما العتل الزنيم فَمن يمشي بَين النَّاس بالنميمة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: حَدثنِي
عبد الرَّحْمَن بن غنم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة جواظ وَلَا جعظري وَلَا العتل
الزنيم فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُسلمين: مَا الجواظ الجعظري
والعتل الزنيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أما الجوّاظ فَالَّذِي جمع وَمنع تَدعُوهُ (لظى نزاعة للشوى)
(سُورَة المعارج 16) وَأما الجعظري فالفظّ الغليظ قَالَ الله:
(فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم وَلَو كنت فظّاً غليظ الْقلب
لانفضوا من حولك) (سُورَة آل عمرَان 159) وَأما العتل
(8/247)
الزنيم فشديد الْخلق رحيب الْجوف مصحح شروب
وَاجِد للطعام وَالشرَاب ظلوم للنَّاس
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن عَامر أَنه سُئِلَ عَن
الزنيم قَالَ: هُوَ الرجل تكون لَهَا زنمة من الشَّرّ يعرف
بهَا وَهُوَ رجل من ثَقِيف يُقَال لَهُ: الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف
والابتداء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الزنيم الدعيّ الْفَاحِش
اللَّئِيم الملزق ثمَّ أنْشد قَول الشَّاعِر: زنيم تدعاه
الرِّجَال زِيَادَة كَمَا زيد فِي عرض اللَّئِيم الأكارع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع
كل حلاف مهين} قَالَ: نزلت فِي الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع
كل حلاف مهين} قَالَ: هُوَ الْأسود بن عبد يَغُوث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تُطِع كل
حلاف مهين هماز مشاء بنميم} فَلم يعرف حَتَّى نزل عَلَيْهِ بعد
ذَلِك {زنيم} فعرفناه لَهُ زنمة كزنمة الشَّاة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن حَارِثَة بن وهب: سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَلا أخْبركُم
بِأَهْل الْجنَّة كل ضَعِيف متضعف لَو أقسم على الله لَأَبَره
أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار كل عتل جوّاظ جعظ متكبر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن المنذرعن زيد بن
أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبْكي
السَّمَاء من عبد أصح الله جِسْمه وأرحب جَوْفه وَأَعْطَاهُ من
الدُّنْيَا فَكَانَ للنَّاس ظلوماً فَذَلِك العتل الزنيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم مولى مُعَاوِيَة ومُوسَى
بن عقبَة قَالَا: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن العتل الزنيم قَالَ: هُوَ الْفَاحِش اللَّئِيم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي
الدَّرْدَاء عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
(8/248)
قَوْله: {بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: العتل كل
رحيب الْجوف وثيق الْخلق أكول شروب جموع لِلْمَالِ منوع لَهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مَرْوُدَيْهِ عَن عبد الله
بن عمر عَن عبد الله بن عمر وَأَنه تَلا {منّاع للخير} إِلَى
{زنيم} فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: أهل النَّار كل جعظري جوّاظ مستكبر مناع وَأهل
الْجنَّة الضُّعَفَاء المغلوبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: العتل هُوَ الدعيّ والزنيم
هُوَ الْمُرِيب الَّذِي يعرف بِالشَّرِّ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عتل بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: هُوَ
الرجل يعرف بِالشَّرِّ كَمَا تعرف الشَّاة بزنمتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الزنيم هُوَ
الرجل يمر على الْقَوْم فَيَقُولُونَ رجل سوء
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عتل
بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: رجل من قُرَيْش كَانَت لَهُ زنمة
زَائِدَة مثل زنمة الشَّاة يعرف بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
الْآيَة قَالَ: نعت فَلم يعرف حَتَّى قيل {زنيم} وَكَانَت لَهُ
زنمة فِي عُنُقه يعرف بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الزنيم الملحق
النّسَب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {زنيم} قَالَ:
ظلوم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {زنيم} قَالَ: ولد الزِّنَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول
الشَّاعِر: زنيم تداعته الرِّجَال زِيَادَة كَمَا زيد فِي عرض
الْأَدِيم الأكارع وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن
عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الزنيم هُوَ الهجين الْكَافِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مهين} قَالَ: الْكذَّاب {هماز}
يَعْنِي الاغتياب {عتل} قَالَ: الشَّديد
(8/249)
الفاتك {زنيم} الدعيّ وَفِي قَوْله: {سنسمه
على الخرطوم} فقاتل يَوْم بدر فخطم بِالسَّيْفِ فِي الْقِتَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{سنسمه على الخرطوم} قَالَ: سِيمَا على أَنفه لَا تُفَارِقهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سنسمه على
الخرطوم} قَالَ: سنسمه بسيما لَا تُفَارِقهُ آخر مَا عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {أَن كَانَ ذَا
مَال وبنين} بهمزتين يستفهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عمر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من مَاتَ همازاً
لمازاً ملقباً للنَّاس كَانَ علامته يَوْم الْقِيَامَة أَن
يسمه الله على الخرطوم من كلا الشدقين
قَوْله: تَعَالَى: {إِنَّا بلوناهم} الْآيَات
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا بلوناهم
كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: هَؤُلَاءِ نَاس قصّ
الله عَلَيْكُم حَدِيثهمْ وبيّن لكم أَمرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن حريج أَن أَبَا جهل قَالَ
يَوْم بدر: خذوهم أخذا فاربطوهم فِي الْجبَال وَلَا تقتلُوا
مِنْهُم أحدا فَنزل {إِنَّا بلوناهم كَمَا بلونا أَصْحَاب
الْجنَّة} يَقُول: فِي قدرتهم عَلَيْهِم كَمَا اقتدر أَصْحَاب
الْجنَّة على الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَمَا
بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: كَانُوا من أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: هم نَاس من
الْحَبَشَة كَانَت لأبيهم جنَّة وَكَانَ يطعم مِنْهَا
السَّائِلين فَمَاتَ أبوهم فَقَالَ بنوه: إِن كَانَ أَبونَا
لأحمق يطعم الْمَسَاكِين فَأَقْسَمُوا ليصرمنّها مصبحين وَأَن
لَا يطعموا مِسْكينا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ:
كَانَت الْجنَّة لشيخ من بني إِسْرَائِيل وَكَانَ يمسك قوت
سنته وَيتَصَدَّق بِالْفَضْلِ كَانَ بنوه ينهونه عَن
الصَّدَقَة فَلَمَّا مَاتَ أبوهم غدوا عَلَيْهَا فَقَالُوا لَا
يدخلنها الْيَوْم عَلَيْكُم مِسْكين {وغدوا على حرد قَادِرين}
يَقُول: على جد من أَمرهم
(8/250)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كَمَا بلونا
أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: هِيَ أَرض بِالْيمن يُقَال لَهَا
ضرّ وَإِن بَينهَا وَبَين صنعاء سِتَّة أَمْيَال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي
قَوْله: {وَلَا يستثنون} قَالَ: كَانَ استثناؤهم سُبْحَانَ
الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَطَافَ
عَلَيْهَا طائف من ربكْ} قَالَ: هُوَ أَمر من الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَطَافَ
عَلَيْهَا طائف من رَبك} قَالَ: عَذَاب: عنق من النَّار خرجت
من وَادي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك وهم نائمون} قَالَ: أَتَاهَا
أَمر الله لَيْلًا {فَأَصْبَحت كالصريم} قَالَ: كالليل المظلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قطر بن مَيْمُون مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ
والمعاصي إِن العَبْد ليذنب فينسى بِهِ الْبَاب من الْعلم
وَإِن العَبْد ليذنب الذَّنب فَيحرم بِهِ قيام اللَّيْل وَإِن
العَبْد ليذنب الذَّنب فينسى فَيحرم بِهِ رزقا قد كَانَ هيئ
لَهُ ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَطَافَ
عَلَيْهَا طائف من رَبك وهم نائمون فَأَصْبَحت كالصريم} قد
حرمُوا خير جنتهم بذنبهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{كالصريم} قَالَ: مثل اللَّيْل الْأسود
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {كالصريم} قَالَ: الذَّهَب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول
الشَّاعِر: غَدَوْت عَلَيْهِ غدْوَة فَوَجَدته قعُودا لَدَيْهِ
بالصريم عواذله وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: أَن {اغدوا على
حَرْثكُمْ} قَالَ: كَانَ عنباً
(8/251)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله: {وهم يتخافتون} قَالَ: الإِسرار وَالْكَلَام
الْخَفي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وهم يتخافتون}
قَالَ: يسرون بَينهم أَن لَا يدخلنها الْيَوْم عَلَيْكُم
مِسْكين {وغدوا على حرد قَادِرين} قَالَ: غَدا الْقَوْم وهم
محردون إِلَى جنتهم قادرون عَلَيْهَا فِي أنفسهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {على حرد قَادِرين} يَقُول: ذُو قدرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ:
{وغدوا على حرد قَادِرين} قَالَ: غدوا على أَمر قد قدرُوا
عَلَيْهِ وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ فِي أنفسهم أَن لَا يدْخل
عَلَيْهِم مِسْكين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي
قَوْله: {وغدوا على حرد} قَالَ: غيظ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {وغدوا على حرد}
يَعْنِي الْمَسَاكِين بجد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {قَالُوا إِنَّا لضالون} قَالَ: أضللنا مَكَان جنتنا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا لضالون} قَالَ: أَخْطَأنَا
الطَّرِيق مَا هَذِه جنتنا وَفِي قَوْله: {بل نَحن محرومون}
قَالَ: بل حورفنا فحرمناها وَفِي قَوْله: {قَالَ أوسطهم}
قَالَ: أعدل الْقَوْم وَأحسن الْقَوْم فَزعًا وَأَحْسَنهمْ
رَجْعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {بل نَحن
محرومون} قَالَ: لما تبينوا وَعرفُوا معالم جنتهم قَالُوا {بل
نَحن محرومون} محارفون وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن معمر قَالَ:
قُلْنَا لِقَتَادَة أَمن أهل الْجنَّة هم أم من أهل النَّار
قَالَ: لقد كلفتني تعباً
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي وَقَوله: {قَالَ أوسطهم}
قَالَ: أعدلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {قَالَ أوسطهم}
يَعْنِي أعدلهم وكل شَيْء فِي كتاب الله أَوسط فَهُوَ أعدل
(8/252)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قَالَ أوسطهم} قَالَ: أعدلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّري فِي قَوْله: {ألم أقل لكم
لَوْلَا تسبحون} قَالَ: كَانَ استثناؤهم فِي ذَلِك الزَّمَان
التَّسْبِيح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {لَوْلَا
تسبحون} قَالَ: لَوْلَا تستثنون عِنْد قَوْلهم ليصرمنّها
مصبحين وَلَا يستثنون عِنْد ذَلِك وَكَانَ التَّسْبِيح
استثناؤهم كَمَا نقُول نَحن إِن شَاءَ الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{كَذَلِك الْعَذَاب} قَالَ: عُقُوبَة الدُّنْيَا {ولعذاب
الْآخِرَة} قَالَ: عُقُوبَة الْآخِرَة وَفِي قَوْله: {سلهم
أَيهمْ بذلك زعيم} قَالَ: أَيهمْ كَفِيل بِهَذَا الْأَمر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {تدرسون}
قَالَ: تقرؤون وَفِي قَوْله: {أَيْمَان علينا بَالِغَة} قَالَ:
عهد علينا
الْآيَة 42 - 52
(8/253)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ
سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
(42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ
كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ
تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ
لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى
وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ
رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ
بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ
إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ
لِلْعَالَمِينَ (52)
أخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: يكْشف رَبنَا عَن سَاقه فَيسْجد لَهُ كل مُؤمن
ومؤمنة وَيبقى من كَانَ يسْجد فِي الدُّنْيَا رِيَاء وَسُمْعَة
فَيذْهب ليسجد فَيَعُود ظَهره طبقًا وَاحِدًا
(8/253)
وَأخرج ابْن مندة فِي الرَّد على
الْجَهْمِية عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: يكْشف
الله عز وَجل عَن سَاقه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر وَابْن مَنْدَه عَن ابْن مَسْعُود فِي
قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن سَاقيه تبَارك
وَتَعَالَى
قَالَ ابْن مَنْدَه: لَعَلَّه فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود
يكْشف بِفَتْح الْيَاء وَكسر الشين
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات
وَضَعفه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن
نور عَظِيم فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مُصَور وَابْن مَنْدَه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق}
قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس يكْشف عَن أَمر عَظِيم ثمَّ قَالَ:
قد قَامَت الْحَرْب على سَاق قَالَ: وَقَالَ ابْن مَسْعُود:
يكْشف عَن سَاقه فَيسْجد كل مُؤمن ويعصو ظهر الْكَافِر فَيصير
عظما وَاحِدًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ
عَن قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: إِذا خَفِي
عَلَيْكُم شَيْء من الْقُرْآن فابتغوه فِي الشّعْر فَإِنَّهُ
ديوَان الْعَرَب أما سَمِعْتُمْ قَول الشَّاعِر: أَصْبِر عنَاق
أَنه شَرّ بَاقٍ قد سنّ لي قَوْمك ضرب الْأَعْنَاق وَقَامَت
الْحَرْب بِنَا على سَاق قَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا يَوْم كرب
وَشدَّة
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق}
قَالَ: عَن شدَّة الْآخِرَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: قد قَامَت الْحَرْب
بِنَا على سَاق وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس {يَوْم يكْشف عَن
سَاق} قَالَ: هُوَ الْأَمر الشَّديد المفظع من الهول يَوْم
الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مندة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف
عَن سَاق} قَالَ: عَن شدَّة الْآخِرَة
(8/254)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن مَنْدَه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم
يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن شدَّة الْأَمر وجده قَالَ: وَكَانَ
ابْن عَبَّاس يَقُول: هِيَ أَشد سَاعَة تكون يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن
عَبَّاس أَنه قَرَأَ {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: يُرِيد
الْقِيَامَة والساعة لشدتها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم
يكْشف عَن سَاق} قَالَ: حِين يكْشف الْأَمر وتبدو الْأَعْمَال
وكشفه دُخُول الْآخِرَة وكشف الْأَمر عَنهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن مَنْدَه من
طَرِيق عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ
يَوْم يكْشف عَن سَاق بِفَتْح التَّاء قَالَ أَبُو حَاتِم
السجسْتانِي: أَي تكشف الْآخِرَة عَن سَاقهَا يستبين مِنْهَا
مَا كَانَ غَائِبا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {يَوْم يكْشف عَن
سَاق} بِالْيَاءِ وَرفع الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن
قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: إِن الْعَرَب كَانُوا
إِذا اشْتَدَّ الْقِتَال فيهم وَالْحَرب وَعظم الْأَمر فيهم
قَالُوا لشدَّة ذَلِك: قد كشفت الْحَرْب عَن سَاق فَذكر الله
شدَّة ذَلِك الْيَوْم بِمَا يعْرفُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير أَنه
سُئِلَ عَن قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} فَغَضب غَضبا
شَدِيدا وَقَالَ: إِن أَقْوَامًا يَزْعمُونَ أَن الله يكْشف
عَن سَاقه وَإِنَّمَا يكْشف عَن الْأَمر الشَّديد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَقد
كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود وهم سَالِمُونَ} قَالَ: هم
الْكفَّار كَانُوا يدعونَ فِي الدُّنْيَا وهم آمنون فاليوم
يدعونَ وهم خائفون ثمَّ أخبر الله سُبْحَانَهُ أَنه حَال بَين
أهل الشّرك وَبَين طَاعَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأَما
فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَالَ: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ
السّمع وَهِي طَاعَته وَمَا كَانُوا يبصرون وَأما الْآخِرَة
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ خاشعة أَبْصَارهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ:
أخبرنَا أَن بَين كل مُؤمنين منافقاً يَوْم الْقِيَامَة
فَيسْجد المؤمنان وتقسو ظُهُور الْمُنَافِقين فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ السُّجُود ويزدادون لسجود الْمُؤمنِينَ توبيخاً
وحسرة وندامة
(8/255)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَوْم
يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن بلَاء عَظِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ {يَوْم يكْشف
عَن سَاق} قَالَ: عَن أَمر عَظِيم الشدَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس {يَوْم يكْشف عَن سَاق}
قَالَ: عَن الغطاء فَيَقَع من كَانَ آمن بِهِ فِي الدُّنْيَا
فيسجدون لَهُ ويدعى الْآخرُونَ إِلَى السُّجُود فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ لأَنهم لم يَكُونُوا آمنُوا بِهِ فِي
الدُّنْيَا وَلَا يبصرونه وَلَا يَسْتَطِيعُونَ السُّجُود وهم
سَالِمُونَ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: أَمر فظيع جليل {وَيدعونَ إِلَى
السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} قَالَ: ذَلِكُم يَوْم
الْقِيَامَة ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ يَقُول: يُؤذن للْمُؤْمِنين يَوْم الْقِيَامَة فِي
السُّجُود فَيسْجد الْمُؤْمِنُونَ وَبَين كل مُؤمنين مُنَافِق
فيتعسر ظهر الْمُنَافِق عَن السُّجُود وَيجْعَل الله سُجُود
الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِم توبيخاً وصغاراً وذلاً وندامة وحسرة
وَفِي قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود وهم
سَالِمُونَ} قَالَ: فِي الصَّلَوَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب الحبر قَالَ: وَالَّذِي أنزل
التَّوْرَاة على مُوسَى والإِنجيل على عِيسَى وَالزَّبُور على
دَاوُد وَالْفرْقَان على مُحَمَّد أنزلت هَذِه الْآيَات فِي
الصَّلَوَات المكتوبات حَيْثُ يُنَادي بِهن {يَوْم يكْشف عَن
سَاق} إِلَى قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود وهم
سَالِمُونَ} الصَّلَوَات الْخمس إِذا نُودي بهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير فِي
قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود} قَالَ:
الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَقد
كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود} قَالَ: الرجل يسمع الْأَذَان
فَلَا يُجيب الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: يجمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة
ثمَّ يُنَادي مُنَاد: من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيتبع كل
قوم مَا كَانُوا يعْبدُونَ وَيبقى الْمُسلمُونَ وَأهل الْكتاب
فَيُقَال للْيَهُود: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ الله
ومُوسَى فَيُقَال
(8/256)
لَهُم: لَسْتُم من مُوسَى وَلَيْسَ مُوسَى
مِنْكُم فَيصْرف بهم ذَات الشمَال ثمَّ يُقَال لِلنَّصَارَى:
مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: الله وَعِيسَى فَيُقَال
لَهُم: لَسْتُم من عِيسَى وَلَيْسَ عِيسَى مِنْكُم ثمَّ يصرف
بهم ذَات الشمَال وَيبقى الْمُسلمُونَ فَيُقَال لَهُم: مَا
كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: الله فَيُقَال لَهُم: هَل
تعرفونه فَيَقُولُونَ: إِن عرّفنا نَفسه عَرفْنَاهُ فَعِنْدَ
ذَلِك يُؤذن لَهُم فِي السُّجُود بَين كل مُؤمنين مُنَافِق
فتقصم ظُهُورهمْ عَن السُّجُود ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة
{وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَعبد بن حميد
وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ والآجري فِي
الشَّرِيعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن
عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَينزل الله فِي
ظلل من الْغَمَام فينادي مُنَاد ياأيها النَّاس أَلا ترضوا من
ربكُم الَّذِي خَلقكُم وصوّركم ورزقكم أَن يولي كل إِنْسَان
مِنْكُم مَا كَانَ يعبد فِي الدُّنْيَا ويتولى أَلَيْسَ ذَلِك
من ربكُم عدلا قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَينْطَلق كل إِنْسَان مِنْكُم إِلَى مَا كَانَ يعبد
فِي الدُّنْيَا ويتمثل لَهُم مَا كَانُوا يعْبدُونَ فِي
الدُّنْيَا فيتمثل لمن كَانَ يعبد عِيسَى شَيْطَان عِيسَى
ويتمثل لمن كَانَ يعبد عُزَيْرًا شَيْطَان عُزَيْر حَتَّى يمثل
لَهُم الشَّجَرَة وَالْعود وَالْحجر وَيبقى أهل الإِسلام
جثوماً فيتمثل لَهُم الرب عز وَجل فَيَقُول لَهُم: مَا لكم لم
تنطلقوا كَمَا انْطلق النَّاس فَيَقُولُونَ: إِن لنا ربّاً مَا
رَأَيْنَاهُ بعد فَيَقُول: فيمَ تعرفُون ربكُم إِن
رَأَيْتُمُوهُ قَالُوا: بَيْننَا وَبَينه عَلامَة إِن
رَأَيْنَاهُ عَرفْنَاهُ
قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: {يكْشف عَن سَاق} فَيكْشف عِنْد
ذَلِك عَن سَاق فيخر كل من كَانَ يسْجد طَائِعا سَاجِدا وَيبقى
قوم ظُهُورهمْ كصياصي الْبَقر يُرِيدُونَ السُّجُود فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ ثمَّ يؤمرون فيرفعوا رؤوسهم فيعطون نورهم على
قدر أَعْمَالهم فَمنهمْ من يعْطى نوره مثل الْجَبَل بَين
يَدَيْهِ وَمِنْهُم من يعْطى نوره فَوق ذَلِك وَمِنْهُم من
يعْطى نوره مثل النَّخْلَة بِيَمِينِهِ وَمِنْهُم من يعْطى
نوره دون ذَلِك بِيَمِينِهِ حَتَّى يكون آخر ذَلِك من يعْطى
نوره على إِبْهَام قَدَمَيْهِ يضيء مرّة ويطفأ مرّة فَإِذا
أَضَاء قدم قدمه وَإِذا طفئ قَامَ
فيمر ويمرون على الصِّرَاط والصراط كحدّ السَّيْف دحض مزلة
فَيُقَال لَهُم: انجوا على قدر نوركم فَمنهمْ من يمر كانقضاض
الْكَوْكَب وَمِنْهُم من يمر كالطرف وَمِنْهُم من يمر
كَالرِّيحِ وَمِنْهُم من يمر كشد الرجل ويرمل رملاً يَمرونَ
على قدر أَعْمَالهم حَتَّى يمرالذي نوره على إِبْهَام قدمه يجر
يدا ويعلق يدا ويجر رجلا ويعلق رجلا وتصيب جوانبه النَّار
فيخلصون فَإِذا خلصوا قَالُوا: الْحَمد لله
(8/257)
الَّذِي نجانا مِنْك بعد الَّذِي أراناك
لقد أَعْطَانَا الله مَا لم يُعْط أحدا
فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى ضحضاح عِنْد بَاب الْجنَّة فيغتسلون
فَيَعُود إِلَيْهِم ريح أهل الْجنَّة وألوانهم ويرون من خلل
بَاب الْجنَّة وَهُوَ يصفق منزلا فِي أدنى الْجنَّة
فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا ذَلِك الْمنزل
فَيَقُول لَهُم: أتسألون الْجنَّة وَقد نجيتكم من النَّار
فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا حل بَيْننَا وَبَين النَّار هَذَا
الْبَاب لَا نسْمع حَسِيسهَا
فَيَقُول لَهُم: لَعَلَّكُمْ إِن أُعْطِيتُمُوهُ أَن تسألوا
غَيره فَيَقُولُونَ: لَا وَعزَّتك لَا نسْأَل غَيره وَأي منزل
يكون أحسن مِنْهُ قَالَ: فَيدْخلُونَ الْجنَّة وَيرْفَع لَهُم
منزل أَمَام ذَلِك كَانَ الَّذِي رَأَوْا قبل ذَلِك حلم عِنْده
فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا ذَلِك الْمنزل
فَيَقُول: لَعَلَّكُمْ إِن أعطيتكموه أَن تسألوا غَيره
فَيَقُولُونَ: لَا وَعزَّتك لَا نسْأَل غَيره وَأي منزل أحسن
مِنْهُ فيعطونه ثمَّ يرفع لَهُم أَمَام ذَلِك منزل آخر كَانَ
الَّذِي رَأَوْا قبل ذَلِك حلم عِنْد هَذَا الَّذِي رَأَوْا
فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا ذَلِك الْمنزل
فَيَقُول: لَعَلَّكُمْ إِن أعطيتكموه أَن تسألوا غَيره فيقولن:
لَا وَعزَّتك لَا نسْأَل غَيره وَأي منزل أحسن مِنْهُ ثمَّ
يسكتون فَيَقُول لَهُم: مَا لكم لَا تسْأَلُون فَيَقُولُونَ:
رَبنَا قد سألناك حَتَّى استحينا
فَيُقَال لَهُم: ألم ترضوا أَن أُعْطِيكُم مثل الدُّنْيَا
مُنْذُ يَوْم خلقتها إِلَى يَوْم أفنيتها وَعشرَة أضعافها
فَيَقُولُونَ: أتستهزئ بِنَا وَأَنت رب الْعَالمين قَالَ
مَسْرُوق: فَمَا بلغ عبد الله هَذَا الْمَكَان من الحَدِيث
إِلَّا ضحك وَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يحدثه مرَارًا فَمَا بلغ هَذَا الْمَكَان من الحَدِيث
إِلَّا ضحك حَتَّى تبدو لهواته ويبدو آخر ضرس من أَضْرَاسه
يَقُول: الْأَسْنَان
قَالَ: فَيَقُول لَا وَلَكِنِّي على ذَلِك قَادر فاسألوني
قَالَ: رَبنَا ألحقنا بِالنَّاسِ
فَيُقَال لَهُم: الحقوا النَّاس
فَيَنْطَلِقُونَ يرملون فِي الْجنَّة حَتَّى يبدوا لرجل
مِنْهُم فِي الْجنَّة قصر درة مجوّف فيخر سَاجِدا فَيُقَال
لَهُ: ارْفَعْ رَأسك فيرفع رَأسه فَيَقُول: رَأَيْت رَبِّي
فَيُقَال لَهُ: إِنَّمَا ذَلِك منزل من منازلك
فَينْطَلق ويستقبله رجل فيتهيأ للسُّجُود فَيُقَال لَهُ مَالك
فَيَقُول: رَأَيْت ملكا فَيُقَال لَهُ: إِنَّمَا ذَلِك قهرمان
من قهارمتك عبد بن عبيدك
فيأتيه فَيَقُول: إِنَّمَا أَنا قهرمان من قهارمتك على هَذَا
الْقصر تَحت يَدي ألف قهرمان كلهم على مَا أَنا عَلَيْهِ
فَينْطَلق بِهِ عِنْد ذَلِك حَتَّى يفتح لَهُ الْقصر وَهِي درة
مجوّفة سقائفها وأغلاقها وأبوابها ومفاتيحها مِنْهَا
قَالَ: فَيفتح لَهُ الْقصر فتستقبله جَوْهَرَة خضراء مبطنة
بِحَمْرَاء سَبْعُونَ ذِرَاعا فِيهَا سِتُّونَ بَابا كل بَاب
يُفْضِي إِلَى جَوْهَرَة على غير لون صاحبتها فِي كل جَوْهَرَة
سرر وأدراج
(8/258)
ونصائف وَقَالَ: وصائف
فَيدْخل فَإِذا هُوَ بحوراء عيناء عَلَيْهَا سَبْعُونَ حلةٍ
يُرَى مخ سَاقهَا من وَرَاء حللها كَبِدهَا مرآته وكبده مرآتها
إِذا أعرض عَنْهَا إعراضة ازدادت فِي عينه سبعين ضعفا عَمَّا
كَانَت قبل ذَلِك وَإِذا أَعرَضت عَنهُ إعراضة ازْدَادَ فِي
عينهَا سبعين ضعفا عَمَّا كَانَ قبل ذَلِك فَتَقول: لقد ازددت
فِي عينين سبعين ضعفا وَيَقُول لَهَا مثل ذَلِك
قَالَ: فيشرف على ملكه مد بَصَره مسيرَة مائَة عَام قَالَ:
فَقَالَ عمر بن الْخطاب عِنْد ذَلِك: أَلا تسمع يَا كَعْب مَا
يحدثنا بِهِ ابْن أم عبد عَن أدنى أهل الْجنَّة مَا لَهُ فَكيف
بأعلاهم قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا لَا عين رَأَتْ
وَلَا أذن سَمِعت إِن الله كَانَ فَوق الْعَرْش وَالْمَاء فخلق
لنَفسِهِ دَارا بِيَدِهِ فزينها بِمَا شَاءَ وَجعل فِيهَا مَا
شَاءَ من الثمرات وَالشرَاب ثمَّ أطبقها فَلم يرهَا أحد من
خلقه مُنْذُ خلقهَا جِبْرِيل وَلَا غَيره من الْمَلَائِكَة
ثمَّ قَرَأَ كَعْب (فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من
قُرَّة أعين) (سُورَة السَّجْدَة الْآيَة 17) الْآيَة وَخلق
دون ذَلِك جنتين فزينهما بِمَا شَاءَ وَجعل فيهمَا مَا ذكر من
الْحَرِير والسندس والاستبرق وأراهما من شَاءَ من خلقه من
الْمَلَائِكَة فَمن كَانَ كِتَابه فِي عليين نزل تِلْكَ
الدَّار فَإِذا ركب الرجل من أهل عليين فِي ملكه لم يبقِ خيمة
من خيام الْجنَّة إلاّ دَخلهَا من ضوء وَجهه حَتَّى إِنَّهُم
ليستنشقون رِيحه وَيَقُولُونَ: واهاً وَهَذِه الرّيح الطّيبَة
وَيَقُولُونَ: لقد أشرف علينا الْيَوْم رجل من أهل عليين
فَقَالَ عمر: وَيحك يَا كَعْب إِن هَذِه الْقُلُوب قد استرسلت
فاقبضها
فَقَالَ كَعْب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لِجَهَنَّم زفرَة
مَا من ملك وَلَا نَبِي إلاّ يخر لركبته حَتَّى يَقُول
إِبْرَاهِيم خَلِيل الله: رب نَفسِي نَفسِي
وَحَتَّى لَو كَانَ لَك عمل سبعين نَبيا إِلَى عَمَلك لظَنَنْت
أَن لن تنجو مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْبَعْث والنشور عَن ابْن مَسْعُود أَنه ذكر عِنْده
الدَّجَّال فَقَالَ: يفْتَرق ثَلَاث فرق تتبعه فرقة تتبعه
وَفرْقَة تلْحق بِأَرْض آبائها منابت الشَّيْخ وَفرْقَة
تَأْخُذ شط الْفُرَات فيقاتلهم ويقاتلونه حَتَّى يجْتَمع
الْمُؤْمِنُونَ بقرى الشَّام فيبعثون إِلَيْهِ طَلِيعَة فيهم
فَارس على فرس أشقر أَو أبلق فيقتلون لَا يرجع إِلَيْهِم شَيْء
ثمَّ إِن الْمَسِيح ينزل فيقتله ثمَّ يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
فيموجون فِي الأَرْض فيفسدون فِيهَا ثمَّ قَرَأَ عبد الله
(8/259)
(وهم من كل حدب يَنْسلونَ) (سُورَة
الْأَنْبِيَاء الْآيَة 96) ثمَّ يبْعَث الله عَلَيْهِم دَابَّة
مثل هَذِه النغفة فَتدخل فِي أسماعهم ومناخرهم فيموتون مِنْهَا
فتنتن الأَرْض مِنْهُم فيجأر أهل الأَرْض إِلَى الله فَيُرْسل
الله مَاء فيطهرها مِنْهُم ثمَّ يبْعَث ريحًا فِيهَا زمهرير
بَارِدَة فَلَا تدع على وَجه الأَرْض [] إِلَّا كفئت بِتِلْكَ
الرّيح ثمَّ تقوم السَّاعَة على شرار النَّاس ثمَّ يقوم ملك
الصُّور بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ فَلَا يبْقى
خلق الله فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَاتَ إِلَّا من
شَاءَ رَبك ثمَّ يكون بَين النفختين مَا شَاءَ الله أَن يكون
فَلَيْسَ من ابْن آدم خلق إِلَّا وَفِي الأَرْض مِنْهُ شَيْء
ثمَّ يُرْسل الله مَاء من تَحت الْعَرْش منياً كمني الرِّجَال
فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذَلِك المَاء كَمَا تنْبت الأَرْض
من الثرى ثمَّ قَرَأَ عبد الله (الله الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح
فتثير سحاباً فسقناه إِلَى بلد ميت فأحيينا بِهِ الأَرْض بعد
مَوتهَا كَذَلِك النشور) (سُورَة الرّوم الْآيَة 48) ثمَّ يقوم
ملك بالصور بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ فتنطلق كل
نفس إِلَى جَسدهَا حَتَّى تدخل فِيهِ فَيقومُونَ فيجيئون مجيئة
رجل وَاحِد قيَاما لرب الْعَالمين ثمَّ يتَمَثَّل الله
لِلْخلقِ فيلقاهم فَلَيْسَ أحد من الْخلق يعبد من دون الله
شَيْئا إِلَّا هُوَ مُتبع لَهُ يتبعهُ فَيلقى الْيَهُود
فَيَقُول: مَا تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: نعْبد عُزَيْرًا
فَيَقُول: هَل يسركم المَاء قَالُوا: نعم فيريهم جَهَنَّم
كَهَيئَةِ السراب ثمَّ قَرَأَ عبد الله (وعرضنا جَهَنَّم
يَوْمئِذٍ للْكَافِرِينَ عرضا) (سُورَة الْكَهْف الْآيَة 100)
ثمَّ يلقى النَّصَارَى فَيَقُولُونَ: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ
قَالُوا: الْمَسِيح فَيَقُول: هَل يسركم المَاء قَالُوا: نعم
فيريهم جَهَنَّم كَهَيئَةِ السراب وَكَذَلِكَ كل من يعبد من
دون الله شَيْئا ثمَّ قَرَأَ عبد الله (وقفوهم إِنَّهُم
مسؤولون) (سُورَة الصافات الْآيَة 24) حَتَّى يمر الْمُسلمُونَ
فيلقاهم فَيَقُول: من تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: نعْبد الله
وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا فينتهرهم مرّة أَو مرَّتَيْنِ من
تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا
فَيَقُول: هَل تعرفُون ربكُم فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله
إِذا تعرف لنا عَرفْنَاهُ فَعِنْدَ ذَلِك {يكْشف عَن سَاق}
فَلَا يبْقى مُؤمن إلاّ خر لله سَاجِدا وَيبقى المُنَافِقُونَ
ظُهُورهمْ طبق وَاحِد كَأَنَّمَا فِيهَا السَّفَافِيد
فَيَقُولُونَ: رَبنَا فيفول: (قد كُنْتُم تدعون إِلَى
السُّجُود وَأَنْتُم سَالِمُونَ) ثمَّ يُؤمر بالصراط فَيضْرب
على جَهَنَّم فتمر النَّاس بأعمالهم يمر أوائلهم كلمح الْبَصَر
أَو كلمح الْبَرْق ثمَّ كمر الرّيح ثمَّ كمر الطير ثمَّ
(8/260)
كأسرع الْبَهَائِم ثمَّ كَذَلِك يَجِيء
الرجل سعياً حَتَّى يَجِيء الرجل مشياً حَتَّى يَجِيء آخِرهم
رجل يَتَكَفَّأ على بَطْنه فَيَقُول: يَا رب أَبْطَأت بِي
فَيَقُول: إِنَّمَا أَبْطَأَ بك عَمَلك ثمَّ يَأْذَن الله فِي
الشَّفَاعَة فَيكون أول شَافِع جِبْرِيل ثمَّ إِبْرَاهِيم
خَلِيل الله ثمَّ مُوسَى أَو قَالَ عِيسَى ثمَّ يقوم نَبِيكُم
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَابِعا لَا يشفع أحد بعده فِيمَا
يشفع فِيهِ وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي وعده الله
(عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا) (سُورَة
الْإِسْرَاء الْآيَة 79) فَلَيْسَ من نفس إِلَّا تنظر إِلَى
بَيت فِي الْجنَّة وَبَيت فِي النَّار وَهُوَ يَوْم الْحَسْرَة
فَيرى أهل النَّار الْبَيْت الَّذِي فِي الْجنَّة فَيُقَال:
لَو عملتم وَيرى أهل الْجنَّة الْبَيْت الَّذِي فِي النَّار
فَيُقَال: لَوْلَا أَن منّ الله عَلَيْكُم ثمَّ يشفع
الْمَلَائِكَة والنبيون وَالشُّهَدَاء والصالحون والمؤمنون
فيشفعهم الله ثمَّ يَقُول: أَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَيخرج من
النَّار أَكثر مِمَّا أخرج من جَمِيع الْخلق برحمته حَتَّى مَا
يتْرك فِيهَا أحدا فِيهِ خير
ثمَّ قَرَأَ عبد الله (يَا أَيهَا الْكفَّار مَا سلككم فِي سقر
قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين) (سُورَة المدثر الْآيَة 42)
إِلَى قَوْله: (وَكُنَّا نكذب بِيَوْم الدّين) (سُورَة المدثر
الْآيَة 46) قَالَ: ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ أحدا فِيهِ خير لَا
وَمَا يتْرك فِيهَا أحدا فِيهِ خير فَإِذا أَرَادَ الله أَن
لَا يخرج مِنْهَا أحدا غير وُجُوههم وألوانهم فَيَجِيء الرجل
من الْمُؤمنِينَ فَيشفع فَيُقَال لَهُ: من عرف أحدا فيخرجه
فَيَجِيء الرجل فَينْظر فَلَا يعرف أحدا فَيَقُول الرجل للرجل:
يَا فلَان أَنا فلَان فَيَقُول: مَا أعرفك فَيَقُولُونَ:
(رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ)
(سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 107) فَيَقُول: (اخسؤوا فِيهَا
وَلَا تكَلمُون) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 108) فَإِذا
قَالَ ذَلِك أطبقت عَلَيْهِم فَلم يخرج مِنْهُم بشر
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَلَا تكن
كصاحب الْحُوت} قَالَ: تغاضب كَمَا غاضب يُونُس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر
عَن قَتَادَة {وَلَا تكن كصاحب الْحُوت} قَالَ: لَا تعجل كَمَا
عجل وَلَا تغاضب كَمَا غاضب
(8/261)
وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: كَانَ فِي
خلق يُونُس ضيق فَلَمَّا حملت عَلَيْهِ أثقال النُّبُوَّة
مِنْهَا تفسخ الرّبع فقذفها من يَدَيْهِ وهرب قَالَ تَعَالَى
لنَبيه {وَلَا تكن كصاحب الْحُوت إِذْ نَادَى وَهُوَ مكظوم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وَهُوَ مكظوم} قَالَ: مغموم وَفِي قَوْله: {وَهُوَ
مَذْمُوم} قَالَ: مليم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَهُوَ مكظوم}
قَالَ: مغموم
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن يكَاد الَّذين كفرُوا} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ} قَالَ:
ينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ}
لينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ}
قَالَ: لينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ معاداة لكتاب الله وَلذكر
الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَطاء قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ
{وَإِن يكَاد الَّذين كفرُوا ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ} قَالَ:
يَقُول: ينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ من شدَّة النّظر إِلَيْك
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكيف يَقُولُونَ أزلق السهْم أَو زهق
السهْم
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة فضائله وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود
أَنه قَرَأَ ليزهقونك بِأَبْصَارِهِمْ
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْعين حق
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَابر أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْعين تدخل الرجل الْقَبْر والجمل
الْقدر
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: أَكثر من يَمُوت من أمتِي بعد قَضَاء الله وَقدره
بِالْعينِ
(8/262)
|