الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
63
سُورَة المُنَافِقُونَ
مَدَنِيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْجُمُعَة فيحرض بهَا الْمُؤمنِينَ وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْمُنَافِقين فيقرع بهَا الْمُنَافِقين
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي عُيَيْنَة الْخَولَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْجُمُعَة بِسُورَة الْجُمُعَة وَالسورَة الَّتِي يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم

الْآيَة 1 - 4

(8/170)


إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)

أخرج ابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَأصَاب النَّاس شدّة فَقَالَ عبد الله بن أبيّ لأَصْحَابه: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بذلك فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبيّ فَسَأَلَهُ فاجتهد يَمِينه مَا فعل فَقَالُوا: كذب زيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَقع فِي نَفسِي مِمَّا قَالُوا شدَّة حَتَّى أنزل الله تصديقي فِي {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} فَدَعَاهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَسْتَغْفِر لَهُم فلووا رؤوسهم وَهُوَ قَوْله: {خشب مُسندَة} قَالَ: كَانُوا رجَالًا أجمل شَيْء
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أَرقم قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مَعنا نَاس من الْأَعْرَاب فَكُنَّا نَبْتَدِر المَاء وَكَانَ الْأَعْرَاب يسبقونا إِلَيْهِ فَيَسْبق الْأَعرَابِي أَصْحَابه فَيمْلَأ الْحَوْض وَيجْعَل حوله حِجَارَة وَيجْعَل النطع عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيء أَصْحَابه فَأتى من الْأَنْصَار أَعْرَابِيًا فَأرْخى زِمَام نَاقَته لتشرب فَأبى أَن يَدعه فَانْتزع حجرا فغاض المَاء فَرفع الْأَعرَابِي خَشَبَة فَضرب بهَا رَأس الْأنْصَارِيّ فَشَجَّهُ فَأتى عبد الله بن أبيّ رَأس الْمُنَافِقين فَأخْبرهُ وَكَانَ من أَصْحَابه فَغَضب وَقَالَ: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى ينفض من حوله يَعْنِي الْأَعْرَاب وَكَانُوا يحْضرُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الطَّعَام وَقَالَ عبد الله لأَصْحَابه: إِذا انْفَضُّوا من عِنْد مُحَمَّد فائتوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ فَليَأْكُل هُوَ وَمن عِنْده ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه: إِذا رجعتم إِلَى الْمَدِينَة فَليخْرجْ الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ زيد: وَأَنا ردف عمي فَسمِعت وَكُنَّا أَخْوَاله عبد الله فَأخْبرت عمي فَانْطَلق فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله فَحلف وَجحد فَصدقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذبَنِي فجَاء إِلَى عمي فَقَالَ: مَا أردْت إِلَى أَن مَقَتك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذبَك وَكَذبَك الْمُسلمُونَ فَوَقع عليّ من الْهم مَا لم يَقع على أحد قطّ فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير وَقد خَفَقت برأسي من الْهم إِذا آتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَرَكَ أُذُنِي وَضحك فِي وَجْهي فَمَا كَانَ يسرني أَن لي بهَا الْخلد أَو الدُّنْيَا ثمَّ إِن أَبَا بكر لَحِقَنِي فَقَالَ: مَا قَالَ لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: مَا قَالَ لي شَيْئا إِلَّا أَنه عَرَكَ أُذُنِي

(8/171)


وَضحك فِي وَجْهي فَقَالَ: اُبْشُرْ ثمَّ لَحِقَنِي عمر فَقلت لَهُ مثل قولي لأبي بكر فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله} حَتَّى بلغ {ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لما قَالَ عبد الله بن أبيّ مَا قَالَ: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل سمعته فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فلامني نَاس من الْأَنْصَار وجاءهم يحلف مَا قَالَ ذَلِك فَرَجَعت إِلَى الْمنزل فَنمت فَأَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الله صدقك وعذرك فأنزلت هَذِه الْآيَة {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لما قَالَ ابْن أبيّ مَا قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فجَاء فَحلف مَا قَالَ فَجعل نَاس يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْكَذِبِ حَتَّى جَلَست فِي الْبَيْت مَخَافَة إِذا رأوني قَالُوا: هَذَا الَّذِي يكذب حَتَّى أنزل الله {هم الَّذين يَقُولُونَ} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ عبد الله بن أبيّ فَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَاس من أَصْحَابه فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَأتيت سعد بن عبَادَة فَأَخْبَرته فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عبد الله بن أبيّ فَحلف لَهُ عبد الله بن أُبيّ بِاللَّه مَا تكلم بِهَذَا فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد بن عبَادَة فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أخبرنيه الْغُلَام زيد بن أَرقم فجَاء سعد فَأخذ بيَدي فَانْطَلق بِي فَقَالَ: هَذَا حَدثنِي فَانْتَهرنِي عبد الله بن أبيّ فانتهيت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبكيت وَقلت: أَي وَالَّذِي أنزل النُّور عَلَيْك لقد قَالَه وَانْصَرف عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سماهم الله منافقين لأَنهم كتموالشرك وأظهروا الإِيمان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} قَالَ: حلفهم بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم اجنوا بأيمانهم من الْقَتْل وَالْحَرب

(8/172)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} قَالَ: اتَّخذُوا حلفهم جنَّة ليعصموا بهَا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سَافر كَانَ مَعَ كل رجل من أَغْنِيَاء الْمُؤمنِينَ رجل من الْفُقَرَاء يحمل لَهُ زَاده وماءه فَكَانُوا إِذا دنوا من المَاء تقدم الْفُقَرَاء فاستقوا لأصحابهم فسبقهم أَصْحَاب عبد الله بن أبيّ فَأَبَوا أَن يخلوا عَن الْمُؤمنِينَ فحصرهم الْمُؤْمِنُونَ فَلَمَّا جَاءَ عبد الله بن أُبيّ نظر إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَقَالَ: امسكوا عَنْهُم البيع لَا تبايعوهم فَسمع زيد بن أَرقم قَول ابْن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة وَقَوله: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله فَأخْبر عَمه فَأخْبر عَمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبيّ وَأَصْحَابه فَعجب من صورته وجماله وَهُوَ يمشي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك قَوْله: {وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم وَإِن يَقُولُوا تسمع لقَولهم كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} فَعرفهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أخبرهُ حلف مَا قَالَه فَذَلِك قَوْله: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} {قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله} وَذَلِكَ قَوْله: {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله} وكل شَيْء أنزلهُ فِي الْمُنَافِقين فَإِنَّمَا أَرَادَ عبد الله ابْن أبيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا فطبع على قُلُوبهم} قَالَ: أقرُّوا بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله وَقُلُوبهمْ تأبى ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} قَالَ: نخل قيام

الْآيَة 5 - 8

(8/173)


وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)

أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا نزل منزلا فِي السّفر لم يرتحل مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ فَلَمَّا كَانَ غَزْوَة تَبُوك نزل منزلا فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فارتحل وَلم يصل فَذكرُوا ذَلِك فَذكر قصَّة ابْن أبيّ وَنزل الْقُرْآن {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله} وَجَاء عبد الله بن أبي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يعْتَذر وَيحلف مَا قَالَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ: تب فَجعل يلوي رَأسه فَأنْزل الله عز وَجل {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} قَالَ: عبد الله بن أبيّ بن سلول قيل لَهُ: تعال يسْتَغْفر لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلوى رَأسه وَقَالَ: مَاذَا قلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} قَالَ: حركوها استهزاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبيّ وَذَلِكَ أَن غُلَاما من قرَابَته انْطلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَدِيث وَتَكْذيب شَدِيد فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ يحلف ويتبرأ من ذَلِك وَأَقْبَلت الْأَنْصَار على ذَلِك الْغُلَام فلاموه وعذلوه وَقيل لعبد الله رَضِي الله عَنهُ: لَو أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَغْفر لَك فَجعل يلوي رَأسه وَيَقُول: لست فَاعِلا وَكذب عَليّ فَأنْزل الله مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الحكم عَن عِكْرِمَة أَن عبد الله بن أبيّ بن سلول كَانَ لَهُ ابْن يُقَال لَهُ حباب فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني حَتَّى أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله

(8/174)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك ثمَّ جَاءَهُ أَيْضا فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول الله إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني حَتَّى أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك ثمَّ جَاءَهُ أَيْضا فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك فَقَالَ: يَا رَسُول الله فذرني حَتَّى أسقيه من وضوئك لَعَلَّ قلبه يلين فَتَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَعْطَاهُ فَذهب بِهِ إِلَى أَبِيه فَسَقَاهُ ثمَّ قَالَ لَهُ: هَل تَدْرِي مَا سقيتك قَالَ لَهُ وَالِده: سقيتني بَوْل أمك فَقَالَ لَهُ ابْنه: وَالله وَلَكِن سقيتك وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِكْرِمَة: وَكَانَ عبد الله بن أبيّ عَظِيم الشَّأْن وَفِيه أنزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ الحكم: ثمَّ حَدثنِي بشر بن مُسلم أَنه قيل لَهُ: يَا أَبَا حباب إِنَّه قد نزل فِيك آي شَدَّاد فَاذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَك فَلوى رَأسه ثمَّ قَالَ: أَمرْتُمُونِي أَن أومن فقد آمَنت وَأَمَرْتُمُونِي أَن أعطي زَكَاة مَالِي فقد أَعْطَيْت فَمَا بَقِي إِلَّا أَن أَسجد لمُحَمد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ لعبد الله بن أبيّ مقَام يقومه كل جُمُعَة لَا يتْركهُ شرفاً لَهُ فِي نَفسه وَفِي قومه فَكَانَ إِذا جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة يخْطب قَامَ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس هَذَا رسو ل الله بَين أظْهركُم أكْرمكُم الله بِهِ وأعزكم بِهِ فانصروه وعزروه واسمعوا لَهُ وَأَطيعُوا ثمَّ يجلس فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد وصنع الْمُنَافِق مَا صنع فِي أحد فَقَامَ يفعل كَمَا كَانَ يفعل فَأخذ الْمُسلمُونَ بثيابه من نواحيه وَقَالُوا: اجْلِسْ يَا عَدو الله لست لهَذَا الْمقَام بِأَهْل
قد صنعت مَا صنعت
فَخرج يتخطى رِقَاب النَّاس وَهُوَ يَقُول: وَالله لكَأَنِّي قلت هجراً أَن قُمْت أسدد أمره فَقَالَ لَهُ رجل: وَيحك ارْجع يسْتَغْفر لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْمُنَافِق: وَالله لَا أبغي أَن يسْتَغْفر لي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت آيَة بَرَاءَة {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} ) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 80) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اسْمَع رَبِّي (قدر خص) قد رخص لي فيهم فوَاللَّه لأَسْتَغْفِرَن أَكثر من سبعين مرّة لَعَلَّ الله أَن يغْفر لَهُم فَنزلت {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم لن يغْفر الله لَهُم}

(8/175)


وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة قَالَ: لما نزلت (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) (سُورَة التَّوْبَة 84) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأزيدن على السّبْعين فَأنْزل الله {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا} فِي عسيف لعمر بن الْخطاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم وَعبد الله بن مَسْعُود أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن {لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا} من حوله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله} قَالَ: أَن عبد الله بن أبيّ قَالَ لأَصْحَابه: لَا تنفقواعلى من عِنْد رَسُول الله فَإِنَّكُم لَو لم تنفقوا عَلَيْهِم قد انْفَضُّوا وَفِي قَوْله: {يَقُولُونَ لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} قَالَ: قد قَالَهَا مُنَافِق عَظِيم النِّفَاق فِي رجلَيْنِ اقتتلا أَحدهمَا غفاري وَالْآخر جهني فَظهر الْغِفَارِيّ على الْجُهَنِيّ وَكَانَ بَين جُهَيْنَة وَبَين الْأَنْصَار حلف فَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين: وَهُوَ عبد الله بن أبيّ يَا بني الْأَوْس والخزرج عَلَيْكُم صَاحبكُم وحليفكم
ثمَّ قَالَ: وَالله مَا مثلنَا وَمثل مُحَمَّد إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِل: سمن كلبك يَأْكُلك
وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فسعى بهَا بَعضهم إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: يَا نَبِي الله مر معَاذًا أَن يضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق
فَقَالَ: لَا يتحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه
وَذكر لنا أَنه كثر على رجلَيْنِ من الْمُنَافِقين عِنْده فَقَالَ عمر: هَل يُصَلِّي قَالُوا: نعم وَلَا خير فِي صلَاته
قَالَ نهيت عَن الْمُصَلِّين نهيت عَن الْمُصَلِّين نهيت عَن الْمُصَلِّين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا} يَقُول: لَا تطعموا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه حَتَّى تصيبهم مجاعَة فَيتْركُوا نَبِيّهم وَفِي قَوْله: {لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} قَالَ: قَالَ ذَلِك عبد الله بن أبيّ رَأس الْمُنَافِقين وأناس مَعَه من الْمُنَافِقين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة قَالَ

(8/176)


سُفْيَان: يرَوْنَ أَنَّهَا غَزْوَة بني المصطلق فَكَسَعَ رجل من الْمُنَافِقين رجلا من الْأَنْصَار [] فَسمع ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة قَالُوا: رجل من الْمُهَاجِرين كسع رجلا من الْأَنْصَار
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة فَسمع ذَلِك عبد الله بن أبيّ فَقَالَ: أَو قد فَعَلُوهَا وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه لَا يتحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه زَاد التِّرْمِذِيّ فَقَالَ لَهُ ابْن عبد الله: وَالله لَا تنْقَلب حَتَّى تَقِرَّ أَنَّك الذَّلِيل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزِيز فَفعل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ بَين غُلَام من الْأَنْصَار وَغُلَام من بني غفار فِي الطَّرِيق كَلَام فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: هَنِيئًا لكم بَأْس هَنِيئًا جمعتم سوّاق الحجيج من مزينة وجهينة فغلبوكم على ثماركم وَلَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
وَأخرج عبد بن حميد وَعَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حضر عبد الله بن أبيّ الْمَوْت قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَدخل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجرى بَينهمَا كَلَام فَقَالَ لَهُ عبد الله بن أبيّ: قد أفقه مَا تَقول وَلَكِن منَّ عليَّ الْيَوْم وكفّنّي بِقَمِيصِك هَذَا وصلّ عليّ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَكَفنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَمِيصِهِ وَصلى عَلَيْهِ وَالله أعلم أَي صَلَاة كَانَت وَأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخدع إنْسَانا قطّ غير أَنه قَالَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة كلمة حَسَنَة فَسئلَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ مَا هَذِه الْكَلِمَة قَالَ: قَالَت لَهُ قُرَيْش: يَا أَبَا حباب إِنَّا قد منعنَا مُحَمَّدًا طواف هَذَا الْبَيْت وَلَكنَّا نَأْذَن لَك فَقَالَ: لَا لي فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة
قَالَ: فَلَمَّا بلغُوا الْمَدِينَة أَخذ ابْنه السَّيْف ثمَّ قَالَ لوالده: أَنْت تزْعم لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَالله لَا تدْخلهَا حَتَّى يَأْذَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْحميدِي فِي مُسْنده عَن أبي هَارُون الْمدنِي قَالَ: قَالَ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ لِأَبِيهِ: وَالله لَا تدخل الْمَدِينَة أبدا حَتَّى تَقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن اسامة بن زيد رَضِي الله عَنهُ: لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بني المصطلق قَامَ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ فسلّ على أَبِيه السَّيْف وَقَالَ: وَالله عليّ

(8/177)


أَن لَا أغمده حَتَّى تَقول: مُحَمَّد الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل
فَقَالَ: وَيلك مُحَمَّد الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل فبلغت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْجَبتهُ وشكرها لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما قدمُوا الْمَدِينَة سل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ على أَبِيه السَّيْف وَقَالَ: لأضربنك أَو تَقول: أَنا الْأَذَل وَمُحَمّد الْأَعَز
فَلم يبرح حَتَّى قَالَ ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بني المصطلق لما أَتَوا الْمنزل كَانَ بَين غلْمَان من الْمُهَاجِرين وغلمان من الْأَنْصَار فَقَالَ غلْمَان من الْمُهَاجِرين: يَا للمهاجرين وَقَالَ غلْمَان من الْأَنْصَار: يَا للْأَنْصَار فَبلغ ذَلِك عبد الله بن أُبي بن سلول فَقَالَ: أما وَالله لَو أَنهم لم ينفقوا عَلَيْهِم انْفَضُّوا من حوله أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بالرحيل فَأدْرك ركباً من بني عبد الْأَشْهَل فِي الْمسير فَقَالَ لَهُم: ألم تعلمُوا مَا قَالَ الْمُنَافِق عبد الله بن أبي قَالُوا: وماذا قَالَ: يَا رَسُول الله قَالَ: قَالَ أما وَالله لَو لم تنفقوا عَلَيْهِم لانفضوا من حوله أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالُوا: صدق يَا رَسُول الله فَأَنت وَالله الْأَعَز الْعَزِيز وَهُوَ الذَّلِيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ معسكراً وَأَن رجلا من قُرَيْش كَانَ بَينه وَبَين رجل من الْأَنْصَار كَلَام حَتَّى اشْتَدَّ الْأَمر بَينهمَا فَبلغ ذَلِك عبد الله بن أبيّ فَخرج فَنَادَى: غلبني على قومِي من لَا قوم لَهُ فَبلغ ذَلِك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَأخذ سَيْفه ثمَّ خرج عَامِدًا ليضربه فَذكر هَذِه الْآيَة (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله) (سُورَة الحجرات الْآيَة 1) فَرجع حَتَّى دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَالك يَا عمر قَالَ: الْعجب من ذَلِك الْمُنَافِق يَقُول غلبني على قومِي من لَا قوم لَهُ وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم فَنَادِ فِي النَّاس يرتحلوا فارتحلوا فَسَارُوا حَتَّى إِذا كَانَ بَينهم وَبَين الْمَدِينَة مسيرَة لَيْلَة فَعجل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ حَتَّى أَنَاخَ بِجَامِع طرق الْمَدِينَة وَدخل النَّاس حَتَّى جَاءَ أَبوهُ عبد الله بن أبيّ فَقَالَ: وَرَاءَك
فَقَالَ: مَالك وَيلك قَالَ: وَالله لَا تدْخلهَا أبدا إِلَّا أَن يَأْذَن رَسُول الله ليعلمن الْيَوْم من الْأَعَز من الْأَذَل
فَرجع حَتَّى لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكا إِلَيْهِ مَا صنع ابْنه

(8/178)


فَأرْسل إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن خلِّ عَنهُ حَتَّى يدْخل فَفعل فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى اشتكي عبد الله فَاشْتَدَّ وَجَعه فَقَالَ لِابْنِهِ عبد الله: يَا بني ائْتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَادعه فَإنَّك إِذْ أَنْت طلبت ذَلِك إِلَيْهِ فعل
فَفعل ابْنه فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول إِن عبد الله بن أبيّ شَدِيد الوجع وَقد طلب إليّ أَن آتِيك فَتَأْتِيه فَإِنَّهُ قد اشتاق إِلَى لقائك فَأخذ نَعْلَيْه فَقَامَ وَقَامَ مَعَه نفر من أَصْحَابه حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لأَهله حِين دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجلسوني فَأَجْلَسُوهُ فَبكى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجزعنا يَا عَدو الله الْآن فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لم أدعك لِتؤَنِّبنِي وَلَكِن دعوتك لترحمني فاغرورقت عينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا حَاجَتك قَالَ: حَاجَتي إِذا أَنا مت أَن تشهد غسْلي وتكفني فِي ثَلَاثَة أَثوَاب من ثِيَابك وتمشي مَعَ جنازتي وَتصلي عليّ فَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة بعد (وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 84)

الْآيَة 9 - 11

(8/179)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} قَالَ: هم عباد من أمتِي الصالحون مِنْهُم لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة الْخمس
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ لَهُ مَال يبلغهُ حج بَيت ربه أَو تجب عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة فَلم يفعل سَأَلَ الرّجْعَة عِنْد الْمَوْت
فَقَالَ لَهُ رجل: يَا ابْن عَبَّاس اتَّقِ الله فَإِنَّمَا يسْأَل الرّجْعَة الْكفَّار فَقَالَ: سأتلوا عَلَيْكُم

(8/179)


بذلك قُرْآنًا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل الْمُؤمن إِذا نزل بِهِ الْمَوْت وَله مَال لم يزكه وَلم يحجّ مِنْهُ وَلم يُعْط حق الله مِنْهُ يسْأَل الرّجْعَة عِنْد الْمَوْت ليتصدق من مَاله ويزكي قَالَ الله: {وَلنْ يُؤَخر الله نفسا إِذا جَاءَ أجلهَا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} قَالَ: عَن الصَّلَوَات الْخمس وَفِي قَوْله: {وأنفقوا من مَا رزقناكم} قَالَ: يَعْنِي الزَّكَاة وَالنَّفقَة فِي الْحَج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء فِي قَوْله: {لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} قَالَ: الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَأَصدق} قَالَ: أزكي {وأكن من الصَّالِحين} قَالَ: أحج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} قَالَ: أحج
وَأخرج عبد بن حميد وَعَن الْحسن عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} بِالْوَاو
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الْقِرَاءَة سنة من السّنَن فاقرؤوا الْقُرْآن كَمَا اقرئتموه (إِن هَذَانِ لساحران) (سُورَة طه الْآيَة 63) {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين}

(8/180)


64
سُورَة التغابن
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَانِي عشرَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِمَكَّة إِلَّا آيَات من آخرهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ شكا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جفَاء أَهله وَولده فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوا لكم فاحذروهم} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت سُورَة التغابن كلهَا بِمَكَّة إِلَّا هَؤُلَاءِ الْآيَات {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ} نزلت فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ كَانَ ذَا أهل وَولد فَكَانَ إِذا أَرَادَ الْغَزْو بكوا عَلَيْهِ ورققوه فَقَالُوا: إِلَى من تدعنا فيرق وَيُقِيم هَذِه الْآيَات فِيهِ بِالْمَدِينَةِ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 6

(8/181)


يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)

أخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا وَإنَّهُ مَكْتُوب فِي تشبيك رَأسه خمس آيَات من فَاتِحَة سُورَة التغابن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مكث الْمَنِيّ فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة أَتَاهُ ملك النُّفُوس فعرج بِهِ إِلَى الرب فَيَقُول: يَا رب أذكر أم أُنْثَى فَيَقْضِي الله مَا هُوَ قَاض فَيَقُول أشقي أم سعيد فَيكْتب مَا هُوَ لَاق وَقَرَأَ أَبُو ذَر من فَاتِحَة التغابن خمس آيَات إِلَى قَوْله: {وصوّركم فَأحْسن صوركُمْ وَإِلَيْهِ الْمصير}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: العَبْد يُولد مُؤمنا ويعيش مُؤمنا وَيَمُوت مُؤمنا وَالْعَبْد يُولد كَافِرًا ويعيش كَافِرًا وَيَمُوت كَافِرًا وَإِن العَبْد يعْمل بُرْهَة من الزَّمَان بالشقاوة ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت بماكتب لَهُ فَيَمُوت شقياً وَإِن العَبْد يعْمل بُرْهَة من دهره بالشقاوة ثمَّ يُدْرِكهُ مَا كتب لَهُ فَيَمُوت سعيدا

(8/182)


الْآيَة 7 - 14

(8/183)


زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)

أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه قيل لَهُ: مَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي (زَعَمُوا) قَالَ: سمعته يَقُول: بئس مَطِيَّة الرجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كره: زَعَمُوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد أَنه كره زَعَمُوا لقَوْل الله: {زعم الَّذين كفرُوا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن هَانِئ بن عُرْوَة أَنه قَالَ لِابْنِهِ: هَب لي اثْنَتَيْنِ: زَعَمُوا وسوف وَلَا يكونَانِ فِي حَدِيثك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: زعم كنية الْكَذِب
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن شُرَيْح قَالَ: زعم كنية الْكَذِب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة قَالَ: زَعَمُوا زاملة الْكَذِب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَوْم يجمعكم ليَوْم الْجمع} قَالَ: هُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ {يَوْم التغابن} غبن أهل الْجنَّة أهل النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {يَوْم التغابن} من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ذَلِك يَوْم التغابن} قَالَ: غبن أهل الْجنَّة أهل النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {ذَلِك يَوْم التغابن} قَالَ: غابن أهل الْجنَّة أهل النَّار وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَلْقَمَة فِي قَوْله:

(8/183)


{مَا أصَاب من مُصِيبَة إِلَّا بِإِذن الله وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} قَالَ: هُوَ الرجل تصيبه الْمُصِيبَة فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله فَيسلم الْأَمر لله ويرضى بذلك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ المصيبات تصيب الرجل فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله فَيسلم لَهَا ويرضى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} يَعْنِي يهد قلبه لليقين فَيعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} قَالَ: من أصَاب من الإِيمان مَا يعرف بِهِ الله فَهُوَ مهتدي الْقلب
قَوْله تَعَالَى: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ} أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: شعار الْمُؤْمِنُونَ يَوْم يبعثون من قُبُورهم لَا إِلَه إِلَّا الله وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوّاً لكم فاحذروهم} فِي قوم من أهل مَكَّة أَسْلمُوا وَأَرَادُوا أَن يَأْتُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أَزوَاجهم وَأَوْلَادهمْ أَن يَدعُوهُم فَلَمَّا أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأَوْا النَّاس قد فقهوا فِي الدّين هموا أَن يعاقبوهم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوّاً لكم فاحذروهم وَإِن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فَإِن الله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل يُرِيد الْهِجْرَة فتحسبه امْرَأَته وَولده فَيَقُول: إِنَّا وَالله لَئِن جمع الله بيني وَبَيْنكُم فِي دَار الْهِجْرَة لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَن فَجمع الله بَينهم فِي دَار الْهِجْرَة فَأنْزل الله {وَإِن تعفوا وتصفحوا وتغفروا}
وَأخرج عبد حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوّاً لكم فاحذروهم} قَالَ: مِنْهُم من لَا يَأْمر بِطَاعَة وَلَا ينْهَى عَن مَعْصِيّة وَكفى بذلك عَدَاوَة للمرء أَن يكون صَاحبه لَا يَأْمر بِطَاعَة وَلَا ينْهَى عَن مَعْصِيّة وَكَانُوا يثبطون عَن الْجِهَاد وَالْهجْرَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(8/184)


الْآيَة 15 - 18

(8/185)


إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} قَالَ: بلَاء {وَالله عِنْده أجر عَظِيم} قَالَ: الْجنَّة وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يَقُولَن أحدكُم: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفِتْنَة فَإِنَّهُ لَيْسَ أحد مِنْكُم إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمل على فتْنَة فَإِن الله يَقُول: {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} وَلَكِن من استعاذ فليستعذ من مضلاتها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الضُّحَى قَالَ: قَالَ رجل وَهُوَ عِنْد عمر: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفِتْنَة أَو الْفِتَن فَقَالَ عمر: أَتُحِبُّ أَن لَا يرزقك الله مَالا وَلَا ولدا أَيّكُم استعاذ من الْفِتَن فليستعذ من مضلاتها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن عِيَاض رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن لكل أمة فتْنَة وَإِن فتْنَة أمتِي المَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لكل أمة فتْنَة وفتنة أمتِي المَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لكل أمة فتْنَة وفتنة أمتِي المَال
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ ابْن عمر لرجل: إِنَّك تحب الْفِتْنَة
قَالَ: أَنا قَالَ: نعم فَلَمَّا رأى ابْن عمر مَا دَاخل الرجل من ذَاك قَالَ: تحب المَال وَالْولد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم

(8/185)


وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فَأقبل الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يمشيان ويعثران فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمِنْبَر فحملهما وَاحِدًا من ذَا الشق وواحداً من ذَا الشق ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: صدق الله قَالَ: {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} إِنِّي لما نظرت إِلَى هذَيْن الغلامين يمشيان ويعثران لم أَصْبِر أَن قطعت كَلَامي وَنزلت إِلَيْهِمَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ يخْطب النَّاس على الْمِنْبَر خرج الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي اله عَنهُ فوطئ فِي ثوب كَانَ عَلَيْهِ فَسقط فَبكى فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمِنْبَر فَلَمَّا رأى النَّاس أَسْرعُوا إِلَى الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ يتعاطونه يُعْطِيهِ بَعضهم بَعْضًا حَتَّى وَقع فِي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قَاتل الله الشَّيْطَان إِن الْوَلَد لفتنة وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا دَريت أَنِّي نزلت عَن منبري
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكاء حسن أَو حُسَيْن فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَالِد فتْنَة لقد قُمْت إِلَيْهِ وَمَا أَعقل وَالله تَعَالَى أعلم
قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت (اتَّقوا الله حق تُقَاته) (سُورَة آل عمرَان الْآيَة 102) اشْتَدَّ على الْقَوْم الْعَمَل فَقَامُوا حَتَّى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فَأنْزل الله تحفيفاً على الْمُسلمين {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} فنسخت الْآيَة الأولى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} قَالَ: جهدكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} قَالَ: هِيَ رخصَة من الله كَانَ الله قد أنزل فِي سُورَة آل عمرَان (اتَّقوا الله حق تُقَاته) (سُورَة آل عمرَان الْآيَة 102) وَحقّ تُقَاته أَن يطاع فَلَا يعْصى ثمَّ خفف عَن عباده فَأنْزل الرُّخْصَة {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم واسمعوا وَأَطيعُوا}

(8/186)


قَالَ: والسمع وَالطَّاعَة فِيمَا اسْتَطَعْت يَا ابْن آدم عَلَيْهَا بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه على السّمع وَالطَّاعَة فِيمَا اسْتَطَاعُوا
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَأَبُو دَاوُد عَن الحكم بن حزن الكلفي قَالَ: وفدنا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلبثنا أَيَّامًا شَهِدنَا فِيهَا الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ متوكئاً على قَوس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ كَلِمَات طَيّبَات خفيفات مباركات ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لن تُطِيقُوا كل مَا أمرْتُم بِهِ فسددوا وابشروا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} قَالَ: فِي النَّفَقَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن حبيب بن شهَاب الْعَنْبَري أَنه سمع أَخَاهُ يَقُول: لقِيت ابْن عمر يَوْم عَرَفَة فَأَرَدْت أَن أقتدي من سيرته وأسمع من قَوْله فَسَمعته أَكثر مَا يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشُّح الْفَاحِش حَتَّى أَفَاضَ ثمَّ بَات بِجمع فَسَمعته أَيْضا يَقُول ذَلِك فَلَمَّا أردْت أَن أفارقه قلت يَا عبد الله: إِنِّي أردْت أَن أقتدي بسيرتك فسمعتك أَكثر مَا تَقول أَن تعوذ من الشُّح الْفَاحِش قَالَ: وَمَا أبغي أفضل من أَن أكون من المفلحين قَالَ الله: {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون}
قَوْله تَعَالَى: {إِن تقرضوا الله} الْآيَة
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله استقرضت عَبدِي فَأبى أَن يقرضني وَشَتَمَنِي عَبدِي وَهُوَ لَا يدر يَقُول وادهراه وادهراه وَأَنا الدَّهْر ثمَّ تَلا أَبُو هُرَيْرَة {إِن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي حَيَّان عَن أَبِيه عَن شيخ لَهُم أَنه كَانَ يَقُول إِذا سمع السَّائِل يَقُول: من يقْرض الله قرضا حسنا قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر هَذَا الْقَرْض الْحسن

(8/187)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
65
سُورَة الطَّلَاق
مَدَنِيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الطَّلَاق بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن طَاوُوس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْجُمُعَة بِسُورَة الْجُمُعَة و {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء}

1 - 3

(8/188)


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة فَأَتَت أَهلهَا فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} فَقيل لَهُ: رَاجعهَا فَإِنَّهَا صوّامة قوّامة وَإِنَّهَا من أَزوَاجك فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين فِي قَوْله: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَ: فِي حَفْصَة بنت عمر طَلقهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدَة فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} إِلَى قَوْله: {يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَ: فَرَاجعهَا
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: طلق عبد بن يزِيد أَبُو ركَانَة أم ركَانَة ثمَّ نكح امْرَأَة من مزينة فَجَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله مَا يُغني عني إِلَّا مَا تغني هَذِه الشعرة - لشعرة أَخَذتهَا من رَأسهَا - فَأخذت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمية عِنْد ذَلِك فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركَانَة وَإِخْوَته ثمَّ قَالَ لجلسائه: أَتَرَوْنَ كَذَا من كَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد يزِيد: طَلقهَا فَفعل فَقَالَ لأبي ركَانَة: ارتجعها فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي طَلقتهَا
قَالَ: قد علمت ذَلِك فارتجعها فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: الذَّهَبِيّ إِسْنَاده واهٍ وَالْخَبَر خطأ فَإِن عبد يزِيد لم يدْرك الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: بلغنَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} إِنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وطفيل بن الْحَارِث وَعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الزبير عَن ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق عمر فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر ثمَّ يطلقهَا إِن بدا لَهُ فَأنْزل الله عِنْد ذَلِك يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن قَالَ أَبُو الزبير: هَكَذَا سَمِعت ابْن عمر يَقْرَأها
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتغيظ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: ليراجعها ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض فَتطهر فَإِن بدا لَهُ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا قبل أَن يَمَسهَا

(8/189)


فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء وَقَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فطلقوهن فِي قبل عدتهن وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عمر أَنه قَرَأَ فطلقوهن لقبل عدتهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ فطلقونن لقبل عدتهن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طَاهِر من غير جماع
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: فِي الطُّهْر فِي غير جماع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: الطُّهْر فِي غير جماع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من أَرَادَ أَن يُطلق للسّنة كَمَا أمره الله فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا فِي غير جماع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طَاهِرا من غير جماع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يقل أحدكُم لامْرَأَته قد طَلقتك قد رَاجَعتك لَيْسَ هَذَا بِطَلَاق الْمُسلمين طلقوا الْمَرْأَة فِي قبل طهراها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طهرهن وَفِي لفظ قَالَ: طَاهِرا فِي غير جماع
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: الْعدة أَن يطلقهَا طَاهِرا من غير جماع فَأَما الرجل يخالط امْرَأَته حَتَّى إِذا أقلع عَنْهَا طَلقهَا عِنْد ذَلِك فَلَا يدْرِي أحاملاً هِيَ أم غير حَامِل فَإِن ذَلِك لَا يصلح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد رَضِي الله

(8/190)


عَنهُ قَالَ: سَأَلَ ابْن عَبَّاس يَوْمًا رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاس إِنِّي طلقت امْرَأَتي ثَلَاثًا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: عصيت رَبك وَحرمت عَلَيْك امْرَأَتك وَلم تتق الله ليجعل لَك مخرجا يُطلق أحدكُم ثمَّ يَقُول: يَا أَبَا عَبَّاس قَالَ الله: يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن وَهَكَذَا كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ هَذَا الْحَرْف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: لَا يطلقهَا وَهِي حَائِض وَلَا فِي طهر قد جَامعهَا فِيهِ وَلَكِن يَتْرُكهَا حَتَّى إِذا حَاضَت وطهرت طَلقهَا تَطْلِيقَة فَإِن كَانَت تحيض فعدتها ثَلَاث حيض وَإِن كَانَت لَا تحيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر وَإِن كَانَت حَامِلا فعدتها أَن تضع حملهَا وَإِذا أَرَادَ مراجعتها قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا أشهد على ذَلِك رجلَيْنِ كَمَا قَالَ الله: {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} عِنْد الطَّلَاق وَعند الْمُرَاجَعَة فَإِن رَاجعهَا فَهِيَ عِنْده على تَطْلِيقَتَيْنِ وَإِن لم يُرَاجِعهَا فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فقد بَانَتْ مِنْهُ وَاحِدَة وَهِي أملك بِنَفسِهَا ثمَّ تتزوّج من شَاءَت هُوَ أوغيره
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طَلَاق الْعدة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته وَهِي طَاهِر ثمَّ يَدعهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا أَو يُرَاجِعهَا إِن شَاءَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن رجل طلق امْرَأَته مائَة قَالَ: عصيت رَبك من يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا ثمَّ تَلا يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن
قَوْله تَعَالَى: {وأحصوا الْعدة}
أخرج عبد بن حميد عَن أبن مَسْعُود رَضِي اللله عَنهُ {وأحصوا الْعدة} قَالَ: الطَّلَاق طَاهِرا فِي غير جماع
أخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن شريحاً طلق امْرَأَته وَاحِدَة ثمَّ سكت عَنْهَا حَتَّى انْقَضتْ الْعدة ثمَّ أَتَاهَا فَاسْتَأْذن فَفَزِعت فَدخل فَقَالَ: إِنِّي أردْت أَن يطاع الله {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} وَلَا يخْرجن
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن شريحاً طلق امْرَأَته وَأشْهد وَقَالَ للشاهدين: اكتما عليَّ فكتما عَلَيْهِ حَتَّى انْقَضتْ الْعدة ثمَّ أخْبرهَا فنقلت متاعها فَقَالَ شُرَيْح: إِنِّي كرهت أَن تأثم

(8/191)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا يخرجَانِ بِالنَّهَارِ وَلَا يبيتان لَيْلَة تَامَّة عَن بيوتهما وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدَّثتنِي فَاطِمَة بنت قيس أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا فاعتدّت عِنْد عَمها عَمْرو بن أم مَكْتُوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن فَاطِمَة بنت قيس أخْبرته أَنَّهَا كَانَت تَحت أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة فَطلقهَا آخر ثَلَاث تَطْلِيقَات فَزَعَمت أَنَّهَا جَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُرُوجهَا من بَيتهَا فَأمرهَا أَن تنْتَقل إِلَى ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى فَأبى مَرْوَان أَن يصدق فَاطِمَة فِي خُرُوج الْمُطلقَة من بَيتهَا وَقَالَ عُرْوَة: إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أنْكرت ذَلِك على فَاطِمَة بنت قيس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي إِسْحَق قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ الْأسود بن يزِيد فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم ومعنا الشّعبِيّ فَحدث بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة فَأخذ الْأسود كفا من حَصى فَحَصَبه ثمَّ قَالَ: وَيلك تحدث بِمثل هَذَا قَالَ عمر: لَا نَتْرُك كتاب الله وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة لَا نَدْرِي حفظت أم نسيت لَهُ السُّكْنَى وَالنَّفقَة قَالَ الله: {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن أَبَا عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة خرج مَعَ عليّ إِلَى الْيمن فَأرْسل إِلَى امْرَأَته فَاطِمَة بنت قيس بتطليقة كَانَت بقيت مَعَ طَلاقهَا وَأمر لَهَا الْحَارِث بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة بِنَفَقَة فاستقلتها فَقَالَا لَهَا: وَالله مَالك نَفَقَة إِلَّا أَن تَكُونِي حَامِلا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ أمرهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نَفَقَة لَك فاستأذنيه فِي الِانْتِقَال فَأذن لَهَا فَأرْسل إِلَيْهَا مَرْوَان يسْأَلهَا عَن ذَلِك فَحَدَّثته فَقَالَ مَرْوَان: لم أسمع بِهَذَا الحَدِيث إِلَّا من امْرَأَة سنأخذ بالعصمة الَّتِي وجدنَا النَّاس عَلَيْهَا فَقَالَت فَاطِمَة: بيني وَبَيْنكُم كتاب الله قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} حَتَّى بلغ {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَت: هَذَا لمن كَانَت لَهُ مُرَاجعَة فَأَي أَمر يحدث بعد الثَّلَاث فَكيف يَقُولُونَ: لَا نَفَقَة لَهَا إِذا لم تكن حَامِلا فعلام تحبسونها وَلَكِن يَتْرُكهَا حَتَّى إِذا حَاضَت وطهرت طَلقهَا تَطْلِيقَة فَإِن كَانَت تحيض فعدتها

(8/192)


ثَلَاث حيض وَإِن كَانَت لَا تحيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر وَإِن كَانَت حَامِلا فعدتها أَن تضع حملهَا وَإِن أَرَادَ مراجعتها قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا أشهد على ذَلِك رجلَيْنِ كَمَا قَالَ الله: {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} عِنْد الطَّلَاق وَعند الْمُرَاجَعَة فَإِن رَاجعهَا فَهِيَ عِنْده على طَلْقَتَيْنِ أَو إِن لم يُرَاجِعهَا فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فقد بَانَتْ عدتهَا مِنْهُ بِوَاحِدَة وَهِي أملك لنَفسهَا ثمَّ تتزوّج من شَاءَت هُوَ أَو غَيره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الطَّلَاق على أَرْبَعَة منَازِل: منزلان حَلَال ومنزلان حرَام فَأَما الْحَرَام فَأن يطلقهَا حِين يُجَامِعهَا وَلَا يدْرِي اشْتَمَل الرَّحِم على شَيْء أَولا وَأَن يطلقهَا وَهِي حَائِض وَأما الْحَلَال فَأن يطلقهَا لأقرائها طَاهِرا عَن غير جماع وَأَن يطلقهَا مستبيناً حملهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: خُرُوجهَا قبل انْقِضَاء الْعدة من بَيتهَا الْفَاحِشَة المبينة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: الزِّنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَالشعْبِيّ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: إِلَّا أَن يَزْنِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: كَانَ ذَلِك قبل أَن تنزل الْحُدُود وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا أَتَت بِفَاحِشَة أخرجت
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: إِلَّا أَن تصيب حدا فَتخرج فيقام عَلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: الْفَاحِشَة المبينة أَن تبذو الْمَرْأَة على أهل الرجل فَإِذا بذت عَلَيْهِم بلسانها فقد حل لَهُم إخْرَاجهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد رَضِي الله عَنهُ {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة}

(8/193)


قَالَ: لَو كَانَ الزِّنَا كَمَا تَقولُونَ أخرجت فرجمت كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: إِلَّا أَن يفحشن قَالَ: وَهُوَ النُّشُوز
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْفَاحِشَة المبينة السوء فِي الْخلق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: يفحش لَو زنت رجمت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: هُوَ النُّشُوز وَفِي حرف ابْن مَسْعُود إِلَّا أَن يفحشن وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: هُوَ النُّشُوز
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَ: إِن بدا لَهُ أَن يُراجعها رَاجعهَا فِي بَيتهَا هُوَ أبعد من قذر الْأَخْلَاق وأطوع لله أَن تلْزم بَيتهَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يستحبون أَن يطلقهَا وَاحِدَة ثمَّ يَدعهَا حَتَّى يحل أجلهَا وَكَانُوا يَقُولُونَ: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} لَعَلَّه أَن يرغب فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فَاطِمَة بنت قيس رَضِي الله عَنْهَا فِي قَوْله: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَت: هِيَ الرّجْعَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يستحبون أَن يطلقهَا وَاحِدَة ثمَّ يَدعهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا لِأَنَّهُ لَا يدْرِي لَعَلَّه ينْكِحهَا قَالَ: وَكَانُوا يتأولون هَذِه الْآيَة {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} لَعَلَّه يرغب فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فَاطِمَة بنت قيس فِي قَوْله: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} لَعَلَّه يرغب فِي رَجعتهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك وَالشعْبِيّ رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: النِّكَاح بالشهود وَالطَّلَاق بالشهود والمراجعة بالشهود

(8/194)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا سَأَلَ عمرَان ابْن حُصَيْن عَن رجل طلق وَلم يشْهد وراجع وَلم يشْهد قَالَ: بئْسَمَا صنع طلق فِي بِدعَة وارتجع فِي غير سنة فليشهد على طَلَاقه وعَلى مُرَاجعَته وليستغفر الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: الْعدْل فِي الْمُسلمين من لم تظهر مِنْهُ رِيبَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله} قَالَ: إِذا أشهدتم على شَيْء فأقيموه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الشَّهَادَة فَقَالَ: لَا تشهد إِلَّا على مثل الشَّمْس أَو دع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تشهد على شَهَادَة حَتَّى تكون عنْدك أَضْوَأ من الشَّمْس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خَيركُمْ من كَانَت عِنْده شَهَادَة لَا يعلمهَا فتعجلها قبل أَن يسْأَلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: مخرجه أَن يعلم أَنه قبل أَمر الله وَأَن الله هُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ وَهُوَ يمنعهُ وَهُوَ يبتله (يَبْتَلِيه) وَهُوَ يعافيه وَهُوَ يدْفع عَنهُ وَفِي قَوْله: {وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} قَالَ: يَقُول: من حَيْثُ لَا يدْرِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مَسْرُوق مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن قَتَادَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: من شُبُهَات الدُّنْيَا وَالْكرب عِنْد الْمَوْت وإفزاع يَوْم الْقِيَامَة فالزموا تقوى الله فَإِن مِنْهَا الرزق من الله فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة قَالَ الله: (وَإِذا تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم وَلَئِن كَفرْتُمْ إِن عَذَابي لشديد) (سُورَة إِبْرَاهِيم الْآيَة 7) وَقَالَ: هَهُنَا {وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} قَالَ: من حَيْثُ لَا يؤمل وَلَا يَرْجُو
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب}

(8/195)


قَالَ: ينجيه من كل كرب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم والديلمي من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: من شُبُهَات الدُّنْيَا وَمن غَمَرَات الْمَوْت وَمن شَدَائِد يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: طلق بعض آبَائِي امْرَأَته ألفا فَانْطَلق بنوه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله: إِن أَبَانَا طلق أمنا ألفا فَهَل لَهُ من مخرج فَقَالَ: إِن أَبَاكُم لم يتق الله فَيجْعَل لَهُ من أمره مخرجا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاث على غير السّنة وَالْبَاقِي أَثم فِي عُنُقه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ من طَرِيق سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} فِي رجل من أَشْجَع كَانَ فَقِيرا خَفِيف ذَات الْيَد كثير الْعِيَال فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: اتَّقِ الله واصبر فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى جَاءَ ابْن لَهُ يُقَال لَهُ أَبُو نعيم كَانَ الْعَدو أَصَابُوهُ فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ غَيره وَأخْبرهُ خَبَرهَا فَنزلت {وَمن يتق الله} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} فِي رجل من أَشْجَع أَصَابَهُ جهد وبلاء وَكَانَ الْعَدو أَسرُّوا ابْنه فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اتَّقِ الله واصبر فَرجع ابْن لَهُ كَانَ أَسِيرًا قد فكه الله فَأَتَاهُم وَقد أصَاب أَعْنُزًا فجَاء فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ لَك
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابْن لعوف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ وَكَانَ الْمُشْركُونَ أسروه وأوثقوه وأجاعوه فَكتب إِلَى أَبِيه أَن ائْتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعلمهُ مَا أَنا فِيهِ من الضّيق والشدة فَلَمَّا أخبر رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اكْتُبْ إِلَيْهِ وَأخْبرهُ ومره بالتقوى والتوكل على الله وَأَن يَقُول عِنْد صباحه ومسائه (لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص

(8/196)


عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 128) (فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 129) فَلَمَّا ورد عَلَيْهِ الْكتاب قَرَأَهُ فَأطلق الله وثَاقه فَمر بواديهم الَّتِي ترعى فِيهِ إبلهم وغنمهم فَاسْتَاقَهَا فجَاء بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِنِّي اغتلتهم بعد مَا أطلق الله وثاقي فحلا هِيَ أم حرَام قَالَ: بل هِيَ حَلَال إِذا شِئْنَا خمسنا فَأنْزل الله {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره قد جعل الله لكل شَيْء} من الشدَّة والرخاء {قدرا} يَعْنِي أَََجَلًا
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: من قَرَأَ هَذِه الْآيَة عَن سُلْطَان يخَاف غشمه أَو عِنْد موج يخَاف الْغَرق أوعند سبع لم يضرّهُ شَيْء من ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن ابْني أسره العدوّ وَجَزِعت أمه فَمَا تَأْمُرنِي قَالَ: آمُرك وَإِيَّاهَا أَن تستكثر من لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَقَالَت الْمَرْأَة: نعم مَا أَمرك فَجعلَا يكثران مِنْهَا فتغفل عَنهُ الْعَدو فاستاق غَنمهمْ فجَاء بهَا إِلَى أَبِيه فَنزلت {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق مولى أبي قيس بن مخرمَة قَالَ: جَاءَ مَالك الْأَشْجَعِيّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أسر ابْن عَوْف فَقَالَ لَهُ: ارسل إِلَيْهِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تستكثر من لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَانُوا قد شدوه بالقد فَسقط الْقد عَنهُ فَخرج فَإِذا هُوَ بناقتة لَهُم فركبها فَأقبل فَإِذا بسرح للْقَوْم الَّذين كَانُوا أسروه فصاح بهَا فأتبع آخرهَا أَولهَا فَلم يفجأ أَبَوَيْهِ إِلَّا وَهُوَ يُنَادي بِالْبَابِ فَأتى أَبوهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَنزلت {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُيَيْنَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَنهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَتَى رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَاهُ عَوْف بن مَالك فَقَالَ: يَا

(8/197)


رَسُول الله إِن بني فلَان أَغَارُوا عليّ فَذَهَبُوا بِابْني وَبكى فَقَالَ: اسْأَل الله فَرجع إِلَى امْرَأَته فَقَالَت لَهُ: مَا رد عَلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبرهَا فَلم يلبث الرجل أَن رد الله إبِله وَابْنه أوفر مَا كَانَ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَامَ على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَأمرهمْ بمسئلة الله وَالرَّغْبَة لَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِم {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: يَكْفِيهِ غم الدُّنْيَا وهمها
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتْلُو هَذِه الْآيَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} فَجعل يُرَدِّدهَا حَتَّى نَعَست ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَر لَو أَن النَّاس كلهم بهَا لكفتهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس اتَّخذُوا تقوى الله تِجَارَة يأتكم الرزق بِلَا بضَاعَة ولاتجارة ثمَّ قَرَأَ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب}
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن العَبْد ليحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ وَلَا يرد الْقدر إِلَّا لدعاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ: قَالَ رَسُول الله: من أَكثر من الاسْتِغْفَار جعل الله لَهُ من كل هم فرجا وَمن كل ضيق مخرجا ورزقه من حَيْثُ لَا يحْتَسب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والخطيب عَن عمرَان بن بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من انْقَطع إِلَى الله كل مُؤنَة ورزقه من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن انْقَطع إِلَى الدُّنْيَا وَكله الله إِلَيْهَا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن إِسْمَاعِيل البجي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَئِن انتهنيم عِنْدَمَا تؤمرون لتأكلن غير زارعين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن بالمنذر عَن الرّبيع بن خَيْثَم رَضِي الله عَنهُ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: من كل شَيْء ضَاقَ على النَّاس

(8/198)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: نجاة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ: أوصيك بتقوى الله فِي سر أَمرك وعلانيته وَإِذا أَسَأْت فَأحْسن وَلَا تسألن أحدا شَيْئا وَلَا تقبض أَمَانَة وَلَا تقض بَين اثْنَيْنِ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أوصيك بتقوى الله فَإِنَّهُ رَأس كل شَيْء وَعَلَيْك بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّة الإِسلام وَعَلَيْك بِذكر الله وتلاوة الْقُرْآن فَإِنَّهُ روحك فِي السَّمَاء وذكرك فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن ضرغام بن عليبة بن حَرْمَلَة الْعَنْبَري عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله: أوصني قَالَ: اتَّقِ الله وَإِذا كنت فِي مجْلِس فَقُمْت مِنْهُ فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ مَا يُعْجِبك فائته فَإِذا سمعتهم يَقُولُونَ مَا تكره فَاتْرُكْهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وجدت فِي كتاب من كتب الله الْمنزلَة أَن الله عز وَجل يَقُول: إِنِّي مَعَ عَبدِي الْمُؤمن حِين يطيعني أعْطِيه قبل أَن يسألني واستجيب لَهُ قبل أَن يدعوني وَمَا ترددت فِي شَيْء ترددي عَن قبض عَبدِي الْمُؤمن إِنَّه يكره ذَلِك ويسوءه وَأَنا أكره أَن أسوءه وَلَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُد وَمَا عِنْدِي خير لَهُ إِن عَبدِي إِذا أَطَاعَنِي وَاتبع أَمْرِي فَلَو أجلبت عَلَيْهِ السَّمَوَات السَّبع وَمن فِيهِنَّ والأرضون السَّبع بِمن فِيهِنَّ جعلت لَهُ من بَين ذَلِك الْمخْرج وَإنَّهُ إِذا عَصَانِي وَلم يتبع أَمْرِي قطعت يَدَيْهِ من أَسبَاب السَّمَاء وخسفت بِهِ الأَرْض من تَحت قَدَمَيْهِ وَتركته فِي الْأَهْوَاء لَا ينتصر من شَيْء إِن سُلْطَان الأَرْض مَوْضُوع خامد عِنْدِي كَمَا يضع أحدكُم سلاحه عَنهُ لَا يقطع سيف إِلَّا بيد وَلَا يضْرب سَوط إِلَّا بيد لَا يصل من ذَلِك إِلَى شَيْء إِلَّا بإذني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كتب زِيَاد إِلَى الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وَهُوَ على خُرَاسَان أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ كتب إليّ أَن يصطفى لَهُ الصَّفْرَاء والبيضاء فَلَا يقسم بَين النَّاس ذهب وَلَا فضَّة فَكتب إِلَيْهِ: بَلغنِي كتابك وَإِنِّي وجدت كتاب الله قبل كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإنَّهُ وَالله لَو أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا

(8/199)


رتقاً على عَبده ثمَّ اتَّقى الله جعل لَهُ مخرجا وَالسَّلَام عَلَيْك ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس اغدوا على مالكم فَقَسمهُ بَينهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كتبت إِلَى مُعَاوِيَة: أوصيك بتقوى الله فَإنَّك إِن اتَّقَيْت الله كَفاك النَّاس وَإِن اتَّقَيْت النَّاس لم يغنوا عَنْك من الله شَيْئا
وَأخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والعسكري فِي الْأَمْثَال عَن عليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا تكون الصنيعة إِلَى ذِي دين أَو حسب وَجِهَاد الضُّعَفَاء الْحَج وَجِهَاد الْمَرْأَة حسن البتعل لزَوجهَا والتودد نصف الإِيمان وَمَا عَال امْرُؤ على اقتصاد واستنزلوا الرزق بِالصَّدَقَةِ وأبى الله أَن يَجْعَل أرزاق عباده الْمُؤمنِينَ إِلَّا من حَيْثُ لَا يحتسبون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قي قَوْله: {وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} قَالَ: لَيْسَ المتَوَكل الَّذِي يَقُول تقضي حَاجَتي وَلَيْسَ كل من توكل على الله كَفاهُ مَا أهمه وَدفع عَنهُ مَا يكره وَقضى حَاجته وَلَكِن الله جعل فضل من توكل على من لم يتوكل أَن يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا وَفِي قَوْله: {قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} قَالَ: يَعْنِي أَََجَلًا ومنتهى يَنْتَهِي إِلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَنكُمْ تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كَمَا يرْزق الطير تَغْدُو خماصاً وَتَروح بطاناً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من رَضِي وقنع وتوكل كفي الطّلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أحب أَن يكون أقوى النَّاس فَليَتَوَكَّل على الله وَمن أحب أَن يكون أغْنى النَّاس فَلْيَكُن بِمَا فِي يَد الله أوثق مِنْهُ بِمَا فِي يَده وَمن أحب أَن يكون أكْرم النَّاس فليتق الله
وَأخرج أَبُو دَاوُد وزالترمذي وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِالنَّاسِ لم تسد فاقته وَمن نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِاللَّه فيوشك الله لَهُ برزق عَاجل أَو آجل

(8/200)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من جَاع أَو احْتَاجَ فكتمه النَّاس وأفضى بِهِ إِلَى الله كَانَ حَقًا على الله أَن يفتح لَهُ قوت سنة من حَلَال
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى: وَإِذا توكل عليّ عَبدِي لَو كادته السَّمَوَات وَالْأَرْض جعلت لَهُ من بَين ذَلِك الْمخْرج
وَأخرج عبد الله ابْنه فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى الله إِلَى عِيسَى اجْعَلنِي من نَفسك لهمك واجعلني ذخْرا لمعادك وتوكل عليَّ أكفك وَلَا تول غَيْرِي فَأخذ لَك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمار بن يَاسر قَالَ: كفى بِالْمَوْتِ واعظاً وَكفى بِالْيَقِينِ غنى وَكفى بِالْعبَادَة شغلا

الْآيَة 4 - 5

(8/201)


وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)

أخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي بن كَعْب أَن نَاسا من أهل الْمَدِينَة لما أنزلت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة فِي عدَّة النِّسَاء قَالُوا: لقد بَقِي من عدَّة النِّسَاء مُدَّة لم تذكر فِي الْقُرْآن: الصغار والكبار اللائي قد انْقَطع عَنْهُن الْحيض وَذَوَات الْحمل فَأنْزل الله الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء الْقصرى {واللائي يئسن من الْمَحِيض} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي كَعْب قَالَ: لما نزلت عدَّة الْمُتَوفَّى والمطلقة قلت يَا رَسُول الله: بَقِي نسَاء الصَّغِيرَة والكبيرة وَالْحَامِل فَنزلت {واللائي يئسن من الْمَحِيض} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة (والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 228) سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا:

(8/201)


يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الَّتِي لم تَحض وَالَّتِي قد يئست من الْمَحِيض فَاخْتَلَفُوا فيهمَا فَأنْزل الله {إِن ارتبتم} يَعْنِي إِن شَكَكْتُمْ {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} قَالَ: هن اللَّاتِي قعدن عَن الْمَحِيض {واللائي لم يحضن} فهن الْأَبْكَار الْحوَاري اللَّاتِي لم يبلغن الْمَحِيض {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فَإِذا نفضت الرَّحِم مَا فِيهَا فقد انْقَضتْ عدتهَا قَالَ: وَذكر لنا أَن سبيعة بنت الْحَارِث الأسْلَمِيَّة وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِخمْس عشرَة لَيْلَة فَأمرهَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تزوّج قَالَ: وَكَانَ عمر يَقُول: لَو وضعت مَا فِي بَطنهَا وَهُوَ مَوْضُوع على سَرِيره من قبل أَن يقبر لحلت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} قَالَ: الْعَجُوز الْكَبِيرَة الَّتِي قد يئست من الْمَحِيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {إِن ارتبتم} قَالَ: إِن لم تعلمُوا أتحيض أم لَا فالتي قعدت عَن الْمَحِيض وَالَّتِي لم تَحض بعد {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ {إِن ارتبتم} قَالَ: فِي الْمَحِيض أتحيض أم لَا
وَأخرج عبد حميد عَن حَمَّاد بن زيد قَالَ: فسر أَيُّوب هَذِه الْآيَة {إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} قَالَ: تَعْتَد تِسْعَة أشهر فَإِن لم تَرَ حملا فَتلك الرِّيبَة قَالَ: اعْتدت الْآن بِثَلَاثَة أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: تَعْتَد الْمَرْأَة بِالْحيضِ وَإِن كَانَ كل سنة مرّة فَإِن كَانَت لَا تحيض اعْتدت بِالْأَشْهرِ وَإِن حَاضَت قبل أَن توفّي الْأَشْهر اعْتدت بِالْحيضِ من ذِي قبل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: تَعْتَد بِالْحيضِ وَإِن لم تَحض إِلَّا فِي كل سنة مرّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن الْمَرْأَة تحيض فَكثر دَمهَا حَتَّى لَا

(8/202)


تَدْرِي كَيفَ حَيْضَتهَا قَالَ: تَعْتَد ثَلَاثَة أشهر وَهِي الرِّيبَة الَّتِي قَالَ الله: {إِن ارتبتم} قضى بذلك ابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد فِي الْمَرْأَة الشَّابَّة تطلق فيرتفع حَيْضهَا فَمَا تَدْرِي مَا رَفعهَا قَالَ: تَعْتَد بِالْحيضِ وَقَالَ طَاوُوس: تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قضى عمر فِي الْمَرْأَة الَّتِي يطلقهَا زَوجهَا تَطْلِيقَة ثمَّ تحيض حَيْضَة وحيضتين ثمَّ ترْتَفع حَيْضَتهَا لَا تَدْرِي مَا الَّذِي رَفعهَا أَنَّهَا تربص بِنَفسِهَا مَا بَينهَا وَبَين تِسْعَة أشهر فَإِن استبان حمل فَهِيَ حَامِل وَإِن مر تِسْعَة أشهر وَلَا حمل بهَا اعْتدت ثَلَاثَة أشهر بعد ذَلِك ثمَّ قد حلت
وَأخرج عبد الله فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُبيّ بن كَعْب قَالَ: قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} أَهِي الْمُطلقَة ثَلَاثًا والمتوفي عَنْهَا زَوجهَا قَالَ: هِيَ الْمُطلقَة ثَلَاثًا والمتوفي عَنْهَا زَوجهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالدَّارَقُطْنِيّ من وَجه آخر عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول الله: هَذِه الْآيَة مُشْتَركَة أم مُبْهمَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيَّة آيَة قلت: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} الْمُطلقَة والمتوفي عَنْهَا زَوجهَا قَالَ: نعم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن مَسْعُود أَنه بلغه أَن عليا يَقُول: تَعْتَد آخر الْأَجَليْنِ فَقَالَ: من شَاءَ لَاعَنته إِن الْآيَة الَّتِي نزلت فِي سُورَة النِّسَاء الْقصرى نزلت بعد سُورَة الْبَقَرَة {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} بِكَذَا وَكَذَا شهرا فَكل مُطلقَة أَو متوفى عَنْهَا زَوجهَا فأجلها أَن تضع حملهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من شَاءَ حافته أَن سُورَة النِّسَاء الصُّغْرَى أنزلت بعد الْأَرْبَعَة أشهر وَعشرا {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من شَاءَ لَاعَنته إِن الْآيَة الَّتِي فِي

(8/203)


سُورَة النِّسَاء الْقصرى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} نسخت مَا فِي الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نسخت سُورَة النِّسَاء الْقصرى كل عدَّة {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} أجل كل حَامِل مُطلقَة أَو متوفى عَنْهَا زَوجهَا أَن تضع حملهَا
وَأخرج الْحَاكِم فِي التَّارِيخ والديلمي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اتجعلون عَلَيْهَا التَّغْلِيظ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَة أنزلت سُورَة النِّسَاء الْقصرى بعد الطُّولى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} إِذا وضعت فقد انْقَضتْ الْعدة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: نزلت سُورَة النِّسَاء الْقصرى بعد الَّتِي فِي الْبَقَرَة بِسبع سِنِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع الله يذكر {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فالحامل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا أَن تضع حملهَا فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: كنت أَنا وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة فجَاء رجل فَقَالَ: افتني فِي امْرَأَة ولدت بعد زَوجهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة أحلّت فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: تَعْتَد آخر الْأَجَليْنِ قلت أَنا {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: ذَلِك فِي الطَّلَاق قَالَ أَبُو سَلمَة: أَرَأَيْت لَو أَن امْرَأَة أخر حملهَا سنة فَمَا عدتهَا قَالَ ابْن عَبَّاس: آخر الْأَجَليْنِ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: أَنا مَعَ أخي أبي سَلمَة
فَأرْسل ابْن عَبَّاس غُلَامه كريباً إِلَى أم سَلمَة يسْأَلهَا هَل مَضَت فِي ذَلِك سنة فَقَالَت: قتل زَوجهَا سبيعة الأسْلَمِيَّة وَهِي حُبْلَى فَوضعت بعد مَوته بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة فَخطبت فَأَنْكحهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي السنابل بن بعكك أَن سبيعة بنت الْحَارِث وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا فتشوّفت

(8/204)


للنِّكَاح فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهَا أَو عيب فَسئلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن تفعل فقد خلا أجلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مكثت امْرَأَة ثَلَاثًا وَعشْرين لَيْلَة ثمَّ وضعت فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: استفحلي لأمرك يَقُول: تزوجي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن سبيعة الأسْلَمِيَّة أَنَّهَا توفّي زَوجهَا فَوضعت بعد وَفَاته بِخمْس وَعشْرين لَيْلَة فتهيأت فَقَالَ لَهَا أَبُو السنابل بن بعكك: قد أسرعت اعْتدي آخر الْأَجَليْنِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا قَالَت: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: إِن وجدت زوجا صَالحا زَوجي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الْمسور بن مخرمَة أَن زوج سبيعة الأسْلَمِيَّة توفّي وَهِي حَامِل فَلم يتمكث إِلَّا ليَالِي يسيرَة حَتَّى نفست فَلَمَّا تعلت من نفَاسهَا ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهَا فنكحت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَن امْرَأَة توفّي عَنْهَا زَوجهَا فَولدت بعد أَيَّام فاختضبت وتزينت فَمر بهَا أَبُو السنابل بن بعكك فَقَالَ: كذبت إِنَّمَا هُوَ آخر الْأَجَليْنِ فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ: كذب أَبُو السنابل تزوجي
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَنه تمارى هُوَ وَابْن عَبَّاس فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حُبْلَى فَقَالَ ابْن عَبَّاس: آخر الْأَجَليْنِ وَقَالَ أَبُو سَلمَة: إِذا ولدت فقد حلت فجَاء أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ: أَنا مَعَ ابْن أخي لأبي سَلمَة ثمَّ أرْسلُوا إِلَى عَائِشَة فَسَأَلُوهَا فَقَالَت: ولدت سبيعة بعد موت زَوجهَا بِليَال فاستأذنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا فنكحت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عبيد الله بن عبد الله قَالَ: أرسل مَرْوَان عبد الله بن عتبَة إِلَى سبيعة بنت الْحَارِث ليسألها عَمَّا أفتاها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته أَنَّهَا كَانَت عِنْد سعد بن خَوْلَة فَتوفي عَنْهَا فِي حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ بَدْرِيًّا فَوضعت حملهَا قبل أَن تمْضِي أَرْبَعَة أشهر وَعشر من وَفَاته فتلقاها أَبُو السنابل بن بعكك حِين تعلت من نفَاسهَا وَقد اكتحلت وتزينت فَقَالَ: لَعَلَّك تريدين النِّكَاح إِنَّهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا من وَفَاة زَوجك
قَالَت فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ وَذكرت لَهُ

(8/205)


مَا قَالَ أَبُو السنابل فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اربعي بِنَفْسِك فقد حل أَجلك إِذا وضعت حملك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة عَن عليّ فِي الْحَامِل إِذا وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا قَالَ: تَعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول فِي الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا: تنْتَظر آخر الْأَجَليْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر اسْتَشَارَ عليّ بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت قَالَ زيد: قد حلت وَقَالَ عليّ: أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
قَالَ زيد: أَرَأَيْت إِن كَانَت آيساً قَالَ عليّ فآخر الْأَجَليْنِ
قَالَ عمر: لَو وضعت ذَا بَطنهَا وَزوجهَا على نعشه لم يدْخل حفرته لكَانَتْ قد حلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُغيرَة قَالَ: قلت لِلشَّعْبِيِّ: مَا أصدق أَن عليّ بن أبي طَالب كَانَ يَقُول: عدَّة المتوفي عَنْهَا زَوجهَا آخر الْأَجَليْنِ قَالَ: بلَى فَصدق بِهِ كأشد مَا صدقت بِشَيْء كَانَ عليّ يَقُول: إِنَّمَا قَوْله: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فِي الْمُطلقَة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ عَن الْمَرْأَة يتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَقَالَ: إِذا وضعت حملهَا فقد حلت فَأخْبرهُ رجل من الْأَنْصَار أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَو ولدت وَزوجهَا على سَرِيره لم يدْفن لحلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن قَالَ: إِذا أَلْقَت الْمَرْأَة شَيْئا يعلم أَنه من حمل فقد انْقَضتْ بِهِ الْعدة وأعتقت أم الْوَلَد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَمُحَمّد قَالَا: إِذا سَقَطت الْمَرْأَة فقد انْقَضتْ عدتهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِذا نكس فِي الْخلق الرَّابِع وَكَانَ مخلقاً اعتقت بِهِ الْأمة وَانْقَضَت بِهِ الْعدة
وَأخرج أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن رجل اشْترى جَارِيَة وَهِي حَامِل أيطؤها قَالَ: لَا وَقَرَأَ {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}

(8/206)


الْآيَة 6 - 7

(8/207)


أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} قَالَ: إِن لم تَجِد لَهَا إِلَّا نَاحيَة بَيْتك فأسكنها فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} قَالَ: من سعتكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} قَالَ: من سعتكم {وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ} قَالَ: فِي الْمسكن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {من وجدكم} مَرْفُوعَة الْوَاو وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} قَالَ: فَهَذِهِ الْمَرْأَة يطلقهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَأمر الله أَن يسكنهَا أَو ينْفق عَلَيْهَا حَتَّى تضع وَإِن أَرْضَعَتْه فحتى تفطم فَإِن أبان طَلاقهَا وَلَيْسَ بهَا حمل فلهَا السُّكْنَى حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وَلَا نَفَقَة لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِن أرضعن لكم} الْآيَة قَالَ: هِيَ أَحَق بِوَلَدِهَا أَن تَأْخُذهُ بِمَا كنت مسترضعاً بِهِ غَيرهَا
أخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى} قَالَ: إِذا قَامَ الرَّضَاع مسترضعاً بِهِ غَيرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى} قَالَ: إِذا قَامَ الرَّضَاع على شَيْء خيرت الْأُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك وقَتَادَة مثله

(8/207)


وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا أَتَاهُ الله} الْآيَة قَالَ عليّ: الْمُطلقَة إِذا أرضعت لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} قَالَ: قتر {فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله} قَالَ: أعطَاهُ {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها} قَالَ: أَعْطَاهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي سِنَان قَالَ: سَأَلَ عمر بن الْخطاب عَن أبي عُبَيْدَة فَقيل لَهُ: إِنَّه يلبس الغليظ من الثِّيَاب وَيَأْكُل أخشن الطَّعَام فَبعث إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار وَقَالَ للرسول: أنظر مَا يصنع بهَا إِذا هُوَ أَخذهَا فَمَا لبث أَن لبس أَلين الثِّيَاب وَأكل أطيب الطَّعَام فجَاء الرَّسُول فَأخْبرهُ فَقَالَ: رَحمَه الله تَأَول هَذِه الْآيَة {لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا أَتَاهُ الله}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن طَاوُوس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْمُؤمن أَخذ من الله أدباً حسنا إِذا وسع عَلَيْهِ وسع على نسفه وَإِذا أمسك عَلَيْهِ أمسك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عليّ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ مائَة وقية بِعشر أواقن وجاءه رجل كَانَ لَهُ مائَة دِينَار بِعشر دَنَانِير وجاءه رجل لَهُ عشرَة دَنَانِير بِدِينَار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْتُم فِي الْأجر سَوَاء كل وَاحِد مِنْكُم جَاءَ بِعشر مَاله ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لينفق ذُو سَعَة من سعته}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاثَة نفر كَانَ لأَحَدهم عشرَة دَنَانِير فَتصدق مِنْهَا بِدِينَار وَكَانَ لآخر عشر أَوَاقٍ فَتصدق مِنْهَا بأوقية وَكَانَ لآخر مائَة أُوقِيَّة فَتصدق مِنْهَا بِعشْرَة أَوَاقٍ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم فِي الْأجر سَوَاء كل تصدق بِعشر مَاله قَالَ الله: {لينفق ذُو سَعَة من سعته}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن الرجل لَا يجد مَا ينْفق على امْرَأَته يفرق بَينهمَا قَالَ: يستأني لَهُ وَلَا يفرق بَينهمَا وتلا {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} قَالَ معمر: وَبَلغنِي أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ مثل قَول الزُّهْرِيّ

(8/208)


الْآيَة 8 - 12

(8/209)


وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)

أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فحاسبناها حسابا شَدِيدا} يَقُول: لم ترحم {وعذبناها عذَابا نكراً} يَقُول: عَظِيما مُنْكرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {عذَابا نكراً} مثقلة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فذاقت وبال أمرهَا} قَالَ: جَزَاء أمرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فذاقت وبال أمرهَا} قَالَ: عُقُوبَة أمرهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {قد أنزل الله إِلَيْكُم ذكرا رَسُولا} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {آيَات مبينات} بِنصب الْيَاء وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي رزين قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس هَل تَحت الأَرْض خلق قَالَ: نعم ألم تَرَ إِلَى قَوْله: {خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَهُ رجل {الله الَّذِي خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} إِلَى آخر السُّورَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس: للرجل مَا يُؤمنك إِن أخْبرك بهَا فتكفر

(8/209)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: فِي كل سَمَاء وَفِي كل أَرض خلق من خلقه وَأمر من أمره وَقَضَاء من قَضَائِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ} قَالَ: من السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى الأَرْض السَّابِعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ} قَالَ: السَّمَاء مَكْفُوفَة وَالْأَرْض مَكْفُوفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: بَين كل سَمَاء وَأَرْض خلق وَأمر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: بَلغنِي أَن عرض كل أَرض مسيرَة خَمْسمِائَة سنة وَأَن بَين أَرضين مسيرَة خَمْسمِائَة سنة وأخبرت أَن الرّيح بَين الأَرْض الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالْأَرْض السَّابِعَة فَوق الثرى وَاسْمهَا تخوم وَأَن أَرْوَاح الْكفَّار فِيهَا وَلها فِيهَا الْيَوْم حنين فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ألقتهم إِلَى برهوت فَاجْتمع أنفس الْمُسلمين بالجابية وَالثَّرَى فَوق الصَّخْرَة الَّتِي قَالَ الله فِي صَخْرَة والصخرة خضراء مكللة والصخرة على الثور والثور لَهُ قرنان وَله ثَلَاث قَوَائِم يبتلع مَاء الأَرْض كلهَا يَوْم الْقِيَامَة والثور على الْحُوت وذنب الْحُوت عِنْد رَأسه مستدير تَحت الأَرْض السُّفْلى وطرفاه منعقدان تَحت الْعَرْش وَيُقَال: الأَرْض السُّفْلى على عمد من قَرْني الثور وَيُقَال: بل على ظَهره واسْمه بهموت يأثرون أَنَّهُمَا نزل أهل الْجنَّة فيشبعون من زَائِد كبد الْحُوت وَرَأس الثور وأخبرت بِأَن عبد الله بن سَلام سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: علام الْحُوت قَالَ: على مَاء أسود وَمَا أَخذ مِنْهُ الْحُوت إِلَّا كَمَا أَخذ حوت من حيتانكم من بَحر من هَذِه الْبحار وَحدثت أَن إِبْلِيس تغلغل إِلَى الْحُوت فَعظم لَهُ نَفسه وَقَالَ: لَيْسَ خلق بأعظم مِنْك غنى وَلَا أقوى فَوجدَ الْحُوت فِي نَفسه فَتحَرك فَمِنْهُ تكون الزلزلة إِذا تحرّك فَبعث الله حوتاً صَغِيرا فأسكنه فِي أُذُنه فَإِذا ذهب يَتَحَرَّك تحرّك الَّذِي فِي أُذُنه فسكن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الضريس من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: لَو حدثتكم بتفسيرها لكَفَرْتُمْ وكفركم بتكذيبكم بهَا

(8/210)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَفِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: سبع أَرضين فِي كل أَرض نَبِي كنبيكم وآدَم كآدم ونوح كنوح وَإِبْرَاهِيم كإبراهيم وَعِيسَى كعيسى قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح وَلكنه شَاذ لَا أعلم لأبي الضُّحَى عَلَيْهِ مُتَابعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ فَقَالَ: منكرعن ابْن عمر وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْأَرْضين بَين كل أَرض وَالَّتِي تَلِيهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام والعليا مِنْهَا على ظهر حوت قد التقى طرفاه فِي السَّمَاء والحوت على صَخْرَة والصخرة بيد الْملك وَالثَّانيَِة مسجن الرّيح فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يهْلك عاداً أَمر خَازِن الرّيح أَن يُرْسل عَلَيْهِم ريحًا يهْلك عاداً فَقَالَ: يَا رب أرسل عَلَيْهِم من الرّيح بِقدر منخر الثور فَقَالَ لَهُ الْجَبَّار: إِذن تكفأ الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَلَكِن أرسل عَلَيْهِم بِقدر خَاتم فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله فِي كِتَابه: (مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم) (سُورَة الذاريات الْآيَة 42) وَالثَّالِثَة فِيهَا حِجَارَة جَهَنَّم وَالرَّابِعَة فِيهَا كبريت جَهَنَّم قَالُوا: يَا رَسُول الله أللنار كبريت قَالَ: نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن فِيهَا لأودية من كبريت لَو أرسل فِيهَا الْجبَال الرواسِي لماعت وَالْخَامِسَة فِيهَا حيات جَهَنَّم إِن أفواهها كالأودية تلسع الْكَافِر اللسعة فَلَا تبقي مِنْهُ لَحْمًا على وَضم وَالسَّادِسَة فِيهَا عقارب جَهَنَّم إِن أدنى عقربة مِنْهَا كالبغال الموكفة تضرب الْكَافِر ضَرْبَة ينسيه ضربهَا حر جَهَنَّم وَالسَّابِعَة فِيهَا سقر وفيهَا إِبْلِيس مصفد بالحديد يدٌ أَمَامه ويدٌ خَلفه فَإِذا أَرَادَ الله أَن يُطلقهُ لما شَاءَ أطلقهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كثف الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وكثف الثَّانِيَة مثل ذَلِك وَمَا بَين كل أَرضين مثل ذَلِك
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي الرَّد على الجهميه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سيد السَّمَوَات السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الْعَرْش وَسيد الْأَرْضين الَّتِي نَحن عَلَيْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن كَعْب قَالَ: الأرضون السَّبع على صَخْرَة

(8/211)


والصخرة فِي كف ملك وَالْملك على جنَاح الْحُوت والحوت فِي المَاء وَالْمَاء على الرّيح وَالرِّيح على الْهَوَاء ريح عقيم لَا تلقح وَإِن قُرُونهَا معلقَة بالعرش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك قَالَ: الصَّخْرَة الَّتِي تَحت الأَرْض مُنْتَهى الْخلق على أرجائها أَرْبَعَة أَمْلَاك ورؤوسهم تَحت الْعَرْش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك قَالَ: إِن الْأَرْضين على حوت والسلسلة فِي أذن الْحُوت

(8/212)