الدر المنثور في
التفسير بالمأثور بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُورَة الممتحنة
مَدَنِيَّة وآياتها ثَلَاث عشرَة
مُقَدّمَة سُورَة الممتحنة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
سُورَة الممتحنة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 6
(8/124)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ
أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ
كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ
الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ
مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا
أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ
يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ
يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ
وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ
أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ
وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ
مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا
بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ
وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ
وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا
عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ
كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ
يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
أخرج أَحْمد والْحميدِي وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن عليّ
قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا
وَالزُّبَيْر والمقداد فَقَالَ: انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا
رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ
مِنْهَا فائتوني بِهِ فخرجنا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَة
فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكتاب
قَالَت: مَا معي كتاب
قُلْنَا: لتخْرجن الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب فَأَخْرَجته
من عقاصها فأتينا بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أنَاس من
الْمُشْركين بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: مَا هَذَا يَا حَاطِب قَالَ: لَا تعجل عليّ يَا رَسُول
الله إِنِّي كنت امْرأ مُلْصقًا من قُرَيْش وَلم أكن من
أَنْفسهَا وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم: قَرَابَات
يحْمُونَ بهَا أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ بِمَكَّة فَأَحْبَبْت
إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أصطنع إِلَيْهِم يدا
يحْمُونَ بهَا قَرَابَتي وَمَا فعلت ذَلِك كفرا وَلَا
ارْتِدَادًا عَن ديني فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: صدق فَقَالَ عمر: دَعْنِي يَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأَضْرب عُنُقه فَقَالَ إِنَّه شهد بَدْرًا
وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وَنزلت فِيهِ {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء
تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة}
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْحَارِث عَن
عَليّ قَالَ: لما أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن يَأْتِي مَكَّة أسر إِلَى نَاس من أَصْحَابه أَنه يُرِيد
الدُّخُول إِلَى مَكَّة مِنْهُم حَاطِب بن أبي بلتعة وَأفْشى
فِي النَّاس أَنه يُرِيد خَيْبَر فَكتب حَاطِب إِلَى أهل
مَكَّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدكُمْ
فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَعَثَنِي أَنا
وَمن معي فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَة خَاخ فَذكر لَهُ مَا تقدم
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي
وَعَدُوكُمْ} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق قَتَادَة وَابْن مرْدَوَيْه
عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة
(8/125)
قَالَ: لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم السيرورة من الْحُدَيْبِيَة إِلَى مُشْركي
قُرَيْش كتب إِلَيْهَا حَاطِب بن أبي بلتعة يُحَذرهُمْ فَأطلع
الله نبيه على ذَلِك فَوجدَ الْكتاب مَعَ امْرَأَة فِي قرن من
رَأسهَا فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على الَّذِي صنعت قَالَ: أما
وَالله مَا ارتبت فِي أَمر الله وَلَا شَككت فِيهِ وَلكنه
كَانَ لي بهَا أهل وَمَال فَأَرَدْت مصانعة قُرَيْش وَكَانَ
حليفاً لَهُم وَلم يكن مِنْهُم فَأنْزل الله فِيهِ الْقُرْآن
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ}
الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي
وَعَدُوكُمْ} الْآيَة قَالَ: نزلت فِي رجل كَانَ مَعَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ من قُرَيْش كتب إِلَى
أهل وعشيرته بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ وَيُنْذرهُمْ أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَائِر إِلَيْهِم فَأخْبر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصحيفته فَبعث عَليّ بن أبي
طَالب رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ بهَا
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه
والضياء فِي المختارة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: كتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُشْركين بِكِتَاب
فجيء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
يَا حَاطِب مَا دعَاك إِلَى مَا صنعت قَالَ: يَا رَسُول الله
كَانَ أَهلِي فيهم فَخَشِيت أَن يصرموا عَلَيْهِم فَقلت: أكتب
كتابا لَا يضر الله وَرَسُوله فَقلت: أضْرب عُنُقه يَا رَسُول
الله فقد كفر فَقَالَ: وَمَا يدْريك يَا ابْن الْخطاب أَن يكون
الله أطلع على أهل الْعِصَابَة من أهل بدر فَقَالَ: اعْمَلُوا
مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير
عَن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب بن أبي بلتعة وحاطب رجل من أهل
الْيمن كَانَ حليفاً للزبير بن الْعَوام من أَصْحَاب النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شهد بَدْرًا وَكَانَ بنوه
وَإِخْوَته بِمَكَّة فَكتب حَاطِب وَهُوَ مَعَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ إِلَى كفار قُرَيْش
بِكِتَاب ينتصح لَهُم فِيهِ فَدَعَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عليا وَالزُّبَيْر فَقَالَ لَهما انْطَلقَا
حَتَّى تدركا امْرَأَة مَعهَا كتاب فخذا الْكتاب فائتياني بِهِ
فَانْطَلقَا حَتَّى أدْركَا الْمَرْأَة بحليفة بني أَحْمد
وَهِي من الْمَدِينَة على قريب من اثْنَي عشر ميلًا فَقَالَا
لَهَا: أعطينا الْكتاب الَّذِي مَعَك
قَالَت: لَيْسَ معي كتاب
قَالَا كذبت قد حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن مَعَك كتابا وَالله لتعطين الْكتاب الَّذِي مَعَك أَو لَا
نَتْرُك عَلَيْك ثوبا إِلَّا التمسنا فِيهِ
قَالَت: أولستم
(8/126)
بناس مُسلمين قَالَا: بلَى وَلَكِن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حَدثنَا أَن مَعَك كتابا
حَتَّى إِذْ ظنت أَنَّهُمَا ملتمسان كل ثوب مَعهَا حلت عقاصها
فأخرجت لَهما الْكتاب من بَين قُرُون رَأسهَا كَانَت قد اعتقصت
عَلَيْهِ فَأتيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا
هُوَ كتاب من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة فَدَعَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاطِبًا قَالَ: أَنْت
كتبت هَذَا الْكتاب قَالَ: نعم قَالَ: فَمَا حملك على أَن
تكْتب بِهِ قَالَ حَاطِب: أما وَالله مَا ارتبت مُنْذُ أسلمت
فِي الله عز وَجل وَلَكِنِّي كنت امْرأ غَرِيبا فِيكُم أَيهَا
الحيّ من قُرَيْش وَكَانَ لي بنُون وإخوة بِمَكَّة فَكتبت
إِلَى كفار قُرَيْش بِهَذَا الْكتاب لكَي أدفَع عَنْهُم
فَقَالَ عمر: ائْذَنْ لي يَا رَسُول الله أضْرب عُنُقه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه فَإِنَّهُ
قد شهد بَدْرًا وَإنَّك لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله اطلع على أهل
بدر فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فَإِنِّي غَافِر لكم مَا
عملتم فَأنْزل الله فِي ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم
بالمودة} حَتَّى بلغ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة
حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر}
أخرجه عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عُرْوَة مُرْسلا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس يَوْم الْفَتْح
إِلَّا أَرْبَعَة: عبد الله بن خطل وَمقيس بن صبَابَة وَعبد
الله بن سعد بن أبي سرح وَأم سارة فَذكر الحَدِيث قَالَ: وَأما
أم سارة فَإِنَّهَا كَانَت مولاة لقريش فَأَتَت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشكت إِلَيْهِ الْحَاجة فَأَعْطَاهَا
شَيْئا ثمَّ أَتَاهَا رجل فَبعث مَعهَا بِكِتَاب إِلَى أهل
مَكَّة يتَقرَّب بذلك إِلَيْهَا لحفظ عِيَاله وَكَانَ لَهُ
بهَا عِيَال فَأخْبر جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بذلك فَبعث فِي أَثَرهَا عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي
طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا فلقياها فِي الطَّرِيق ففتشاها
فَلم يقدرا على شَيْء مَعهَا فَأَقْبَلَا رَاجِعين ثمَّ قَالَ
أَحدهمَا لصَاحبه: وَالله مَا كذبنَا وَلَا كذبنَا ارْجع بِنَا
إِلَيْهَا فَرَجَعَا إِلَيْهَا فسلاّ سيفهما فَقَالَا: وَالله
لنذيقنك الْمَوْت أَو لتدفعنّ إِلَيْنَا الْكتاب فأنكرت ثمَّ
قَالَت: أدفعه إلَيْكُمَا على أَن لَا ترداني إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبلا ذَلِك مِنْهَا فَحلت
عقَاص رَأسهَا فأخرجت الْكتاب من قرن من قُرُونهَا فَدَفَعته
إِلَيْهِمَا فَرَجَعَا بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُ إِلَيْهِ فَدَعَا الرجل فَقَالَ: مَا
هَذَا الْكتاب فَقَالَ: أخْبرك يَا رَسُول الله أَنه لَيْسَ من
رجل مِمَّن مَعَك إِلَّا وَله بِمَكَّة من
(8/127)
يحفظ عِيَاله فَكتبت بِهَذَا الْكتاب
ليكونوا لي فِي عيالي فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كتب حَاطِب بن أبي بلتعة
إِلَى الْمُشْركين كتابا يذكر فِيهِ مسير النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَبعث بِهِ مَعَ امْرَأَة فَبعث رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طلبَهَا فَأخذ الْكتاب مِنْهَا
فجيء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا
حَاطِبًا فَقَالَ: أَنْت كتبت هَذَا الْكتاب قَالَ: نعم يَا
رَسُول الله أما وَالله إِنِّي لمُؤْمِن بِاللَّه وبرسوله
وَمَا كفرت مُنْذُ أسلمت وَلَا شَككت مُنْذُ استيقنت
وَلَكِنِّي كنت امْرأ لَا نسب لي فِي الْقَوْم إِنَّمَا كنت
حليفهم وَفِي أَيْديهم من أَهلِي مَا قد علمت فَكتبت إِلَيْهِم
بِشَيْء قد علمت أَن لن يُغني عَنْهُم من الله شَيْئا
أَرَادَهُ أَن أدرأ بِهِ عَن أَهلِي وَمَالِي فَقَالَ عمر بن
الْخطاب: يَا رَسُول الله خلّ عني وَعَن عدوّ الله هَذَا
الْمُنَافِق فَأَضْرب عُنُقه فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم نظرا عرف عمر أَنه قد غضب ثمَّ قَالَ:
وَيحك يَا عمر بن الْخطاب وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله قد اطلع
على أهل موطن من مَوَاطِن الْخَيْر فَقَالَ للْمَلَائكَة:
اشْهَدُوا أَنِّي قد غفرت لأعبدي (لعبادي) هَؤُلَاءِ فليعملوا
مَا شاؤوا قَالَ عمر: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: إِنَّهُم أهل بدر فاجتنب أهل بدر إِنَّهُم أهل بدر
فاجتنب أهل بدر إِنَّهُم أهل بدر فاجتنب أهل بدر
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد عَن جَابر أَن حَاطِب بن أبي
بلتعة كتب إِلَى أهل مَكَّة يذكر أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ غزوهم فَدلَّ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على الْمَرْأَة الَّتِي مَعهَا الْكتاب فَأرْسل
إِلَيْهَا فَأخذ كتابها من رَأسهَا فَقَالَ: يَا حَاطِب أفعلت
قَالَ: نعم أما إِنِّي لم أفعل غشا لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نفَاقًا قد علمت أَن الله مظهر رَسُوله
ومتم لَهُ غير أَنِّي كنت غَرِيبا بَين ظهرانيهم وَكَانَت
والدتي فَأَرَدْت أَن أخدمها عِنْدهم فَقَالَ لَهُ عمر: أَلا
أضْرب رَأس هَذَا قَالَ: أتقتل رجلا من أهل بدر وَمَا يدْريك
لَعَلَّ الله قد اطلع على أهل بدر وَقَالَ: اعْمَلُوا مَا
شِئْتُم
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
عَن جَابر أَن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جَاءَ إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشتكي حَاطِبًا فَقَالَ: يَا
رَسُول الله ليدخلن حَاطِب النَّار فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: كذبت لَا يدخلهَا فَإِنَّهُ قد شهد
بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: اسْم
الَّذِي أنزلت فِيهِ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء}
(8/128)
حَاطِب بن أبي بلتعة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن حَاطِب بن
أبي بلتعة كتب إِلَى أهل مَكَّة يُحَذرهُمْ سيرورة رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة فَأطلع الله نبيه
على ذَلِك فَقَالَ لَهُ نَبِي الله: مَا حملك على الَّذِي صنعت
قَالَ: أما وَالله مَا شَككت فِي أَمْرِي وَلَا ارتبت فِيهِ
وَلَكِن كَانَ لي هُنَاكَ مَال وَأهل فَأَرَدْت مصانعة قُرَيْش
على أَهلِي وَمَالِي وَذكر لنا أَنه كَانَ حليفاً لقريش وَلم
يكن من أنفسهم فَأنْزل الله الْقُرْآن وَقَالَ: {إِن يثقفوكم
يَكُونُوا لكم أَعدَاء ويبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم وألسنتهم
بالسوء} إِلَى قَوْله: {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي
إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه} {إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم
لِأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَن لَك} قَالَ: يَقُول فَلَا تأسوا فِي
ذَلِك فَإِنَّهَا كَانَت موعدة وعدها إِيَّاه رَبنَا لَا
تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا يَقُول: لَا تظهرهم علينا ففتنوا
بذلك يرَوْنَ أَنهم إِنَّمَا ظَهَرُوا لأَنهم أولى بِالْحَقِّ
منا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا تَتَّخِذُوا
عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} إِلَى قَوْله {بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِير} قَالَ: فِي مُكَاتبَة حَاطِب بن أبي بلتعة وَمن مَعَه
إِلَى كفار قُرَيْش يحذرونهم
وَفِي قَوْله {إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ} قَالَ: نهوا
أَن يأتسوا باستغفار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فيستغفروا
للْمُشْرِكين
وَفِي قَوْله: {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا}
قَالَ: لَا تعذبنا بِأَيْدِيهِم وَلَا تعذب من عَبدك فيقولوا:
لَو كَانَ هَؤُلَاءِ على حق مَا أَصَابَهُم هَذَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق
مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ
أَوْلِيَاء} إِلَى قَوْله: {بَصِير} فِي مُكَاتبَة حَاطِب بن
أبي بلتعة وَمن مَعَه إِلَى كفار قُرَيْش يحذرونهم وَقَوله:
{إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَن لَك} نهو
أَن يتأسوا باستغفار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوله: {رَبنَا
لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا} لَا تعذبنا بِأَيْدِيهِم
وَلَا بِعَذَاب من عنْدك فَيَقُولُونَ: لَو كَانَ هَؤُلَاءِ
على الْحق مَا أَصَابَهُم هَذَا وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن
ابْن عَبَّاس {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة} قَالَ: فِي صنع
إِبْرَاهِيم كُله إِلَّا فِي الاسْتِغْفَار لِأَبِيهِ لَا
يسْتَغْفر لَهُ وَهُوَ مُشْرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا}
يَقُول: لَا تسلطهم علينا فيفتنونا
(8/129)
الْآيَة 7 - 9
(8/130)
عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ
مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ
تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (9)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل أَبَا سُفْيَان
بن حَرْب على بعض الْيمن فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أقبل فلقي ذَا الْخمار مُرْتَدا فقاتله فَكَانَ
أول من قَاتل فِي الرِّدَّة وجاهد عَن الدّين
قَالَ ابْن شهَاب: وَهُوَ فِيمَن أنزل الله فِيهِ {عَسى الله
أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أول من قَاتل أهل
الرِّدَّة على إِقَامَة دين الله أَبُو سُفْيَان بن حَرْب
وَفِيه نزلت هَذِه الْآيَة {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم
وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عدي وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر
من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين
عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة} قَالَ: كَانَت الْمَوَدَّة الَّتِي
جعل الله بَينهم تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم
حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَصَارَت أم الْمُؤمنِينَ وَصَارَ
مُعَاوِيَة خَال الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس {عَسى
الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم
مَوَدَّة} قَالَ: نزلت فِي تَزْوِيج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته أم حَبِيبَة فَكَانَت هَذِه مَوَدَّة
بَينه وَبَينه
قَوْله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُم الله} الْآيَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي
تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: قدمت قتيلة بنت عبد
الْعُزَّى على ابْنَتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر بِهَدَايَا ضباب
(8/130)
وأقط وَسمن وَهِي مُشركَة فَأَبت أَسمَاء
أَن تقبل هديتها أَو تدْخلهَا بَيتهَا حَتَّى أرْسلت إِلَى
عَائِشَة أَن سَلِي عَن هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَسَأَلته فَأنْزل الله {لَا يَنْهَاكُم الله عَن
الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} إِلَى آخر الْآيَة
فَأمرهَا أَن تقبل هديتها وَتدْخلهَا بَيتهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ
فِي شعب الإِيمان عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: أَتَتْنِي
أُمِّي راغبة وَهِي مُشركَة فِي عهد قُرَيْش إِذا عَاهَدُوا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلت النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أأصلها فَأنْزل الله {لَا يَنْهَاكُم الله
عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} فَقَالَ: نعم صلي
أمك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ
فِي الدّين} نسختها (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ
وَجَدْتُمُوهُمْ) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 5)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدّين} قَالَ: أَن تستغفروا لَهُم وتبروهم وتقسطوا إِلَيْهِم
هم الَّذين آمنُوا بِمَكَّة وَلم يهاجروا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّمَا
يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين} قَالَ:
كفار أهل مَكَّة
الْآيَة 10 - 11
(8/131)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ
وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا
أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا
الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
أخرج البُخَارِيّ عَن الْمسور بن مخرمَة
ومروان بن الحكم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما
عَاهَدَ كفار قُرَيْش يَوْم الْحُدَيْبِيَة جَاءَهُ نسَاء
مؤمنات فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم
الْمُؤْمِنَات مهاجرات} حَتَّى بلغ {وَلَا تمسكوا بعصم
الكوافر} فَطلق عمر يَوْمئِذٍ امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي
الشّرك وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد فِيهِ ناسخه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن مَرْوَان بن الحكم والمسور بن
مخرمَة قَالَا: لما كَاتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُهَيْل بن عَمْرو على قَضِيَّة الْمدَّة يَوْم الْحُدَيْبِيَة
كَانَ مِمَّا اشْترط سُهَيْل: أَن لَا يَأْتِيك منا أحد وَإِن
كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلَيْنَا فَرد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا جندل بن سُهَيْل وَلم يَأْتِ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد من الرِّجَال إِلَّا رده فِي
تِلْكَ الْمدَّة وَإِن كَانَ مُسلما ثمَّ جَاءَ الْمُؤْمِنَات
مهاجرات وَكَانَت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط مِمَّن
خرج إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي عاتق
فجَاء أَهلهَا يسْأَلُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن يرجعها إِلَيْهِم حَتَّى أنزل الله فِي الْمُؤْمِنَات مَا
أنزل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن
عبد الله بن أبي أَحْمد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هَاجَرت أم
كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط فِي الْهُدْنَة فَخرج
أَخَوَاهَا عمَارَة والوليد حَتَّى قدما على رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَلَّمَاهُ فِي أم كُلْثُوم أَن يردهَا
إِلَيْهِمَا فنقض الله الْعَهْد بَينه وَبَين الْمُشْركين
خَاصَّة فِي النِّسَاء ومنعهن أَن يرددن إِلَى الْمُشْركين
وَأنزل الله آيَة الامتحان
وَأخرج ابْن دُرَيْد فِي أَمَالِيهِ: حَدثنَا أَبُو الْفضل
الرياشي عَن ابْن أبي رَجَاء عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ: فخرت أم
كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط بآيَات نزلت فِيهَا قَالَت:
فَكنت أول من هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا قدمت قدم أخي
الْوَلِيد عليّ فنسخ الله العقد بَين النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين فِي شأني وَنزلت {فَلَا
ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} ثمَّ أنكحني النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم زيد بن حَارِثَة فَقلت أتزوجني بمولاك فَأنْزل
الله (وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله
وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم) (سُورَة
الْأَحْزَاب 36) ثمَّ قتل زيد فَأرْسل إِلَى الزبير: احبسي على
نَفسك قلت: نعم فَنزلت (وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فيماعرضتم من
خطْبَة النِّسَاء) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 235)
(8/132)
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن شهَاب رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ قد شرطُوا على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَن من جَاءَ من
قبلنَا وَإِن كَانَ على دينك رَددته إِلَيْنَا وَمن جَاءَنَا
من قبلك لم نردده إِلَيْك فَكَانَ يرد إِلَيْهِم من جَاءَ من
قبلهم يدْخل فِي دينه فَلَمَّا جَاءَت أم كُلْثُوم بنت عقبَة
بن أبي معيط مهاجرة جَاءَ أَخَوَاهَا يُريدَان أَن يخرجاها
ويرداها إِلَيْهِم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} الْآيَة
إِلَى قَوْله: {وليسألوا مَا أَنْفقُوا} قَالَ: هُوَ الصَدَاق
{وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم} الْآيَة قَالَ: هِيَ
الْمَرْأَة تسلم فَيرد الْمُسلمُونَ صَدَاقهَا إِلَى الْكفَّار
وَمَا طلق الْمُسلمُونَ من نسَاء الْكفَّار عِنْدهم
فَعَلَيْهِم أَن يردوا صداقهن إِلَى الْمُسلمين فَإِن
أَمْسكُوا صَدَاقا من صدَاق الْمُسلمين مِمَّا فارقوا من نسَاء
الْكفَّار أمسك الْمُسلمُونَ صدَاق المسلمات اللَّاتِي جئن من
قبلهم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة
بن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة
فَكتب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ صَالح
قُريْشًا يَوْم الْحُدَيْبِيَة على أَن يرد على قُرَيْش من
جَاءَ فَلَمَّا هَاجر النِّسَاء أَبى الله أَن يرددن إِلَى
الْمُشْركين إِذا هنَّ امتحنَّ بمحنة الإِسلام فعرفوا
أَنَّهُنَّ إِنَّمَا جئن رَغْبَة فِيهِنَّ وَأمر برد صداقهن
إِلَيْهِم إِذا حبسن عَنْهُم وَأَنَّهُمْ يردوا على الْمُسلمين
صدقَات من حبسوا عَنْهُم من نِسَائِهِم ثمَّ قَالَ: {ذَلِكُم
حكم الله يحكم بَيْنكُم} فَأمْسك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم النِّسَاء ورد الرِّجَال وَلَوْلَا الَّذِي حكم
الله بِهِ من هَذَا الحكم رد النِّسَاء كَمَا رد الرِّجَال
وَلَوْلَا الْهُدْنَة والعهد أمسك النِّسَاء وَلم يرد لهنَّ
صَدَاقا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِذا جَاءَكُم
الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن} قَالَ: سلوهن مَا جَاءَ بِهن
فَإِن كَانَ جَاءَ بِهن غضب على أَزوَاجهنَّ أَو غيرَة أَو سخط
وَلم يُؤمن فأرجعوهن إِلَى أَزوَاجهنَّ وَإِن كن مؤمنات
بِاللَّه فأمسكوهن وآتوهن أُجُورهنَّ من صدقتهن وانكحوهن إِن
شِئْتُم وأصدقوهن وَفِي قَوْله: {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر}
قَالَ: أَمر أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِطَلَاق نسائهن كوافر بِمَكَّة قعدن مَعَ الْكفَّار {واسألوا
مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا} قَالَ: مَا ذهب من أَزوَاج
أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْكفَّار
فليعطهم الكفارصدقاتهم وليمسكوهن وَمَا ذهب من أَزوَاج
الْكفَّار إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَمثل ذَلِك هَذَا فِي صلح كَانَ بَين قُرَيْش وَبَين مُحَمَّد
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى
الْكفَّار}
(8/133)
الَّذين لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ عهد
{فعاقبتم} أصبْتُم مغنماً من قُرَيْش أَو غَيرهم {فآتوا
الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا} صَدَقَاتهمْ عوضا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
خرجت امْرَأَة مهاجرة إِلَى الْمَدِينَة فَقيل لَهَا: مَا
أخرجك بغضك لزوجك أم أردْت الله وَرَسُوله قَالَت: بل الله
وَرَسُوله فَأنْزل الله {فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن
إِلَى الْكفَّار} فَإِن تزَوجهَا رجل من الْمُسلمين فليرد
إِلَى زَوجهَا الأول مَا أنْفق عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات
مهاجرات} قَالَ: هَذَا حكم حكمه الله بَين أهل الْهدى وَأهل
الضَّلَالَة {فامتحنوهن} قَالَ: كَانَت محنتهن أَن يحلفن
بِاللَّه مَا خرجن لنشوز وَلَا خرجن إِلَّا حبّاً للإِسلام
وحرصاً عَلَيْهِ فَإِذا فعلن ذَلِك قبل مِنْهُنَّ وَفِي
قَوْله: {واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا} قَالَ:
كن إِذا فررن من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى الْكفَّار الَّذين بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عهد فتزوجن بعثوا بمهورهن إِلَى أَزوَاجهنَّ من
الْمُسلمين وَإِذا فررن من الْمُشْركين الَّذين بَينهم وَبَين
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فنكحوهن بعثوا بمهورهن
إِلَى أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين فَكَانَ هَذَا بَين أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أَصْحَاب الْعَهْد من
الْكفَّار وَفِي قَوْله: {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى
الْكفَّار فعاقبتم} يَقُول: إِلَى كفار قُرَيْش لَيْسَ بَينهم
وَبَين أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد
يأخذونهم بِهِ {فعاقبتم} وَهِي الْغَنِيمَة إِذا غنموا بعد
ذَلِك ثمَّ نسخ هَذَا الحكم وَهَذَا الْعَهْد فِي بَرَاءَة
فنبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم
الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن} إِلَى قَوْله: {عليم حَكِيم}
قَالَ: كَانَ امتحانهن أَن يشهدن أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَإِذا علمُوا أَن ذَلِك حق
مِنْهُنَّ لم يرجعوهن إِلَى الْكفَّار وَأعْطى بَعْلهَا فِي
الْكفَّار الَّذين عقد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صداقه الَّذِي أصدقهَا وأحلهن للْمُؤْمِنين إِذا آتوهن
أُجُورهنَّ وَنهى الْمُؤمنِينَ أَن يَدْعُو الْمُهَاجِرَات من
أجل نِسَائِهِم فِي الْكفَّار وَكَانَت محنة النِّسَاء أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عمر بن الْخطاب
رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: قل لَهُنَّ: إِن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بايعكنّ على أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه
شَيْئا وَكَانَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة الَّتِي شقَّتْ بطن
حَمْزَة مُتَنَكِّرَة فِي النِّسَاء فَقَالَت: إِنِّي إِن
أَتكَلّم يعرفنِي وَإِن عرفني قتلني وَإِنَّمَا تنكرت
(8/134)
فرقا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَسكت النسْوَة الَّتِي مَعَ هِنْد وَأبين أَن يتكلمن
فَقَالَت هِنْد وَهِي مُتَنَكِّرَة: كَيفَ يقبل من النِّسَاء
شَيْئا لم يقبله من الرِّجَال فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ: قل لهنّ:
وَلَا يَسْرِقن قَالَت هِنْد: وَالله إِنِّي لأصيب من أبي
سُفْيَان الهنة مَا أَدْرِي أيحلهنّ أم لَا قَالَ أَبُو
سُفْيَان: مَا أصبت من شَيْء مضى أَو قد بَقِي فَهُوَ لَك
حَلَال فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرفهَا
فَدَعَاهَا فَأَتَتْهُ فَأخذت بِيَدِهِ فعاذت بِهِ فَقَالَ:
أَنْت هِنْد فَقَالَت: عَفا الله عَمَّا سلف فصرف عَنْهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي قَوْله: {وَإِن
فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم} الْآيَة
يَعْنِي إِن لحقت امْرَأَة من الْمُهَاجِرين بالكفار أَمر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْطى من الْغَنِيمَة
مثل مَا أنْفق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: بلغنَا أَن الممتحنة أنزلت فِي الْمدَّة الَّتِي ماد
فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفار قُرَيْش من
أجل الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَين رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَبَين كفار قُرَيْش فِي الْمدَّة فَكَانَ يرد
على كفار قُرَيْش مَا أَنْفقُوا على نِسَائِهِم اللَّاتِي
يسلمن ويهاجرن وبعولتهن كفار وَلَو كَانُوا حَربًا لَيست بَين
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبينهمْ مُدَّة عهد لم
يردوا إِلَيْهِم شَيْئا مِمَّا أَنْفقُوا وَقد حكم الله
للْمُؤْمِنين على أهل الْمدَّة من الْكفَّار بِمثل ذَلِك الحكم
قَالَ الله: {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا مَا أنفقتم
وليسألوا مَا أَنْفقُوا ذَلِكُم حكم الله يحكم بَيْنكُم وَالله
عليم حَكِيم} فَطلق عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ امْرَأَته
بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم فَتَزَوجهَا
مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَبنت جَرْوَل من خُزَاعَة فزوّجها
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي جهم بن حُذَيْفَة
الْعَدوي وَجعل ذَلِك حكما حكم بِهِ بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين
الْمُشْركين فِي مُدَّة الْعَهْد الَّتِي كَانَت بَينهم فَأقر
الْمُؤْمِنُونَ بِحكم الله فأدوا مَا أمروا بِهِ من نفقات
الْمُشْركين الَّتِي أَنْفقُوا على نِسَائِهِم وأبى
الْمُشْركُونَ أَن يقرُّوا بِحكم الله فِيمَا فرض عَلَيْهِم من
أَدَاء نفقات الْمُسلمين فَقَالَ الله: {وَإِن فاتكم شَيْء من
أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم
مثل مَا أَنْفقُوا وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ
مُؤمنُونَ} فَإِذا ذهبت بعد هَذِه الْآيَة امْرَأَة من أَزوَاج
الْمُؤمنِينَ إِلَى الْمُشْركين رد الْمُؤْمِنُونَ إِلَى
أزواجها النَّفَقَة الَّتِي أنْفق عَلَيْهَا من الْعقب الَّذِي
بِأَيْدِيهِم الَّذِي أمروا أَن يردوه إِلَى الْمُشْركين من
نفقاتهم الَّتِي أَنْفقُوا على أَزوَاجهنَّ اللَّاتِي آمنّ
وهاجرن ثمَّ ردوا إِلَى الْمُشْركين فضلا إِن كَانَ لَهُم
(8/135)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} قَالَ:
الرجل تلْحق امْرَأَته بدار الْحَرْب فَلَا يعْتد بهَا من
نِسَائِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: كَانَت زَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود رَضِي الله
عَنهُ من الَّذين قَالُوا لَهُ: {واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا
مَا أَنْفقُوا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم}
إِن امْرَأَة من أهل مَكَّة أَتَت الْمُسلمين فعوضوا زَوجهَا
وَإِن امْرَأَة من الْمُسلمين أَتَت الْمُشْركين فعوضوا
زَوجهَا وَإِن امْرَأَة من الْمُسلمين ذهبت إِلَى من لَيْسَ
لَهُ عهد من الْمُشْركين {فعاقبتم} فأصبتم غنيمَة {فآتوا
الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا} يَقُول: آتوا
زَوجهَا من الْغَنِيمَة مثل مهرهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
قَالَ: خرج سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ رجل من أَصْحَابه: يَا
رَسُول الله أَلسنا على حق وهم على بَاطِل قَالَ: بلَى قَالَ:
فَمَا بَال من أسلم مِنْهُم رد إِلَيْهِم وَمن أتبعهم منا نرده
إِلَيْهِم قَالَ: أما من أسلم مِنْهُم فَعرف الله مِنْهُ
الصدْق أَنْجَاهُ وَمن رَجَعَ منا سلم الله مِنْهُ قَالَ:
وَنزلت سُورَة الممتحنة بعد ذَلِك الصُّلْح وَكَانَت من أسلم
من نِسَائِهِم فَسُئِلت: مَا أخرجك فَإِن كَانَت خرجت فِرَارًا
من زَوجهَا ورغبة عَنهُ ردَّتْ وَإِن كَانَت خرجت رَغْبَة فِي
الإِسلام أَمْسَكت ورد على زَوجهَا مثل مَا أنْفق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي حبيب رَضِي الله
عَنهُ أَنه بلغه أَنه نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا
جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} الْآيَة فِي امْرَأَة أبي
حسان بن الدحداحة وَهِي أُمَيْمَة بنت بسر امْرَأَة من بني
عَمْرو بن عَوْف وَأَن سهل بن حنيف تزَوجهَا حِين فرت إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَولدت لَهُ عبد الله بن
سهل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
كَانَ بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أهل
مَكَّة عهد شَرط فِي أَن يرد النِّسَاء فَجَاءَت امْرَأَة تمسى
سعيدة وَكَانَت تَحت صَيْفِي بن الراهب وَهُوَ مُشْرك من أهل
مَكَّة وطلبوا ردهَا فَأنْزل الله {إِذا جَاءَكُم
الْمُؤْمِنَات مهاجرات} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
نزلت هَذِه الْآيَة وهم بِالْحُدَيْبِية لما جَاءَ النِّسَاء
أمره أَن يرد
(8/136)
الصَدَاق إِلَى أَزوَاجهنَّ وَحكم على
الْمُشْركين مثل ذَلِك إِذا جَاءَتْهُم امْرَأَة من الْمُسلمين
أَن يردوا الصَدَاق إِلَى زَوجهَا فَأَما الْمُؤْمِنُونَ
فأقروا بِحكم الله وَأما الْمُشْركُونَ فَأَبَوا أَن يقرُّوا
فَأنْزل الله {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار}
إِلَى قَوْله: {مثل مَا أَنْفقُوا} فَأمر الْمُؤْمِنُونَ إِذا
ذهبت امْرَأَة من الْمُسلمين وَلها زوج من الْمُسلمين أَن يرد
إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ صدَاق امْرَأَته مِمَّا أمروا أَن يردوا
على الْمُشْركين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذا جَاءَكُم
الْمُؤْمِنَات} الْآيَة قَالَ: كَانَ بَينهم وَبَين رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا
جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امتحنوها
ثمَّ يردون على زَوجهَا مَا أنْفق عَلَيْهَا فَإِن لحقت
امْرَأَة من الْمُسلمين بالمشركين فغنم الْمُسلمُونَ ردوا على
صَاحبهَا مَا أنْفق عَلَيْهَا قَالَ الشّعبِيّ: مَا رَضِي
الْمُشْركُونَ بِشَيْء مَا رَضوا بِهَذِهِ الْآيَة وَقَالُوا:
هَذَا النّصْف
وَأخرج ابْن أبي أُسَامَة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذا
جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن} وَلَفظ ابْن
الْمُنْذر اأنه سُئِلَ بِمَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يمْتَحن النِّسَاء قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة إِذا جَاءَت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَلفهَا عمر رَضِي الله
عَنهُ بِاللَّه مَا خرجت رَغْبَة بِأَرْض عَن أَرض وَبِاللَّهِ
مَا خرجت من بغض زوج وَبِاللَّهِ مَا خرجت التمَاس دنيا
وَبِاللَّهِ مَا خرجت إِلَّا حبا لله وَرَسُوله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: يُقَال لَهَا مَا جَاءَ بك عشق رجل منا وَلَا
فرار من زَوجك مَا خرجت إِلَّا حبا لله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن منيع من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أسلم عمر بن الْخطاب
وتأخرت امْرَأَته فِي الْمُشْركين فَأنْزل الله {وَلَا تمسكوا
بعصم الكوافر}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد
بن الْأَخْنَس رَضِي الله عَنهُ أَنه لما أسلم أسلم مَعَه
جَمِيع أَهله إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة أَبَت أَن تسلم فَأنْزل
الله {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} فَقيل لَهُ: قد أنزل الله
أَنه فرق بَينهَا وَبَين زَوجهَا إِلَّا أَن تسلم فَضرب لَهَا
أجل سنة فَلَمَّا مَضَت السّنة إِلَّا يَوْمًا جَلَست تنظر
الشَّمْس حَتَّى إِذا دنت للغروب أسلمت
(8/137)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن طَلْحَة رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} طلقت
امْرَأَتي أروى بنت ربيعَة وطلق عمر قريبَة بنت أبي أُميَّة
وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل الخزاعيه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تمسكوا بعصم
الكوافر} قَالَ: نزلت فِي الْمَرْأَة من الْمُسلمين تلْحق
بالمشركين فتكفر فَلَا يمسك زَوجهَا بعصمتها قد برِئ مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَإِن فاتكم
شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار} قَالَ: نزلت فِي امْرَأَة
الحكم بنت أبي سُفْيَان ارْتَدَّت فَتَزَوجهَا رجل ثقفي وَلم
ترتد امْرَأَة من قُرَيْش غَيرهَا فَأسْلمت مَعَ ثَقِيف حِين
أَسْلمُوا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج
{فامتحنوهن} الْآيَة قَالَ: سَأَلت عَطاء عَن هَذِه الْآيَة
تعلمهَا قَالَ: لَا
الْآيَة 12 - 13
(8/138)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى
أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا
يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ
بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ
وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ
فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا
مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ
الْقُبُورِ (13)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يمْتَحن من هَاجر إِلَيْهِ من الْمُؤْمِنَات
بِهَذِهِ الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك
الْمُؤْمِنَات يبايعنك} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} فَمن
أقرَّت بِهَذَا الشَّرْط من الْمُؤْمِنَات قَالَ لَهَا رَسُول
الله: قد بايعنك كلَاما وَلَا وَالله مَا مست يَده يَد
امْرَأَة قطّ فِي الْمُبَايعَة مَا بايعهن إِلَّا بقوله: قد
بايعنك على ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه
عَن أُمَيْمَة بنت رقيقَة قَالَت: أتيت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي نسَاء لنابيعه فَأخذ علينا مَا فِي
الْقُرْآن أَن لَا
(8/138)
نشْرك بِاللَّه شَيْئا حَتَّى بلغ {وَلَا
يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} فَقَالَ: فِيمَا استطعتن وأطقتن
قُلْنَا: الله وَرَسُوله أرْحم بِنَا من أَنْفُسنَا يَا رَسُول
الله أَلا تصافحنا قَالَ: إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء
إِنَّمَا قولي لمِائَة امْرَأَة كَقَوْلي لامْرَأَة وَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن
أَبِيه عَن جده رَضِي الله قَالَ: جَاءَت أُمَيْمَة بنت رقيقَة
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبايعه على
الإِسلام فَقَالَ: أُبَايِعك على أَن لَا تشركي بِاللَّه
شَيْئا وَلَا تسرقي وَلَا تَزني وَلَا تقتلي ولدك وَلَا تَأتي
بهتان تفترينه بَين يَديك ورجليك وَلَا تبرجي تبرج
الْجَاهِلِيَّة الأولى
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن سليمى بنت قيس
رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: جِئْت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أُبَايِعهُ على الإِسلام فِي نسْوَة من
الْأَنْصَار فَلَمَّا شَرط علينا أَن لَا نشْرك بِاللَّه
شَيْئا وَلَا نَسْرِق وَلَا نزني وَلَا نقْتل أَوْلَادنَا
وَلَا نأتي بِبُهْتَان نفتريه بَين أَيْدِينَا وأرجلنا وَلَا
نعصيه فِي مَعْرُوف وَلَا تغششن أزواجكن
فَبَايَعْنَاهُ ثمَّ انصرفنا فَقلت لامْرَأَة: ارجعي فاسأليه
مَا غش أَزوَاجنَا فَسَأَلته فَقَالَ: تَأْخُذ مَاله فتحابي
غَيره بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عبَادَة بن الصَّامِت
قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا
وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَقَرَأَ (هَكَذَا فِي
الأَصْل) []
فَمن وفى مِنْكُم فَأَجره على الله وَمن أصَاب من ذَلِك شَيْئا
فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَمن أصَاب من
ذَلِك شَيْئا فستره الله فَهُوَ إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه
وَإِن شَاءَ غفر لَهُ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: شهِدت الصَّلَاة يَوْم
الْفطر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل فَأقبل
حَتَّى أَتَى النِّسَاء فَقَالَ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا
جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه
شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين} حَتَّى فرغ من الْآيَة
كلهَا ثمَّ قَالَ حِين فرغ: أنتن على ذَلِك قَالَت امْرَأَة:
نعم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة يَوْم الْفَتْح فَبَايع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرِّجَال على الصَّفَا وَعمر
يُبَايع النِّسَاء تحتهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَعبد
بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن
إِسْمَعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة عَن جدته أم
عَطِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
(8/139)
قَالَت: لما قدم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة جمع نسَاء الْأَنْصَار فِي بَيت
فَأرْسل إلَيْهِنَّ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَامَ
على الْبَاب فَسلم فَقَالَ: أَنا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إلَيْكُنَّ تبايعن على أَن لَا تُشْرِكْنَ
بِاللَّه شَيْئا وَلَا تسرقن وَلَا تزنين الْآيَة
قُلْنَا: نعم فَمد يَده من خَارج الْبَيْت وَمَدَدْنَا
أَيْدِينَا من دَاخل الْبَيْت
قَالَ إِسْمَعِيل: فَسَأَلت جدتي عَن قَوْله تَعَالَى: {وَلَا
يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَت: نَهَانَا عَن النِّيَاحَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه
عَن أَسمَاء بنت يزِيد رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: بَايَعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسْوَة فَقَالَ: إِنِّي
لَا أصافحكن وَلَكِن آخذ عليكن مَا أَخذ الله وَأخرج سعيد بن
مَنْصُور وَابْن سعد عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النِّسَاء
وَوضع على يَده ثوبا فَلَمَّا كَانَ بعد كَانَ يخبر النِّسَاء
فَيقْرَأ عَلَيْهِنَّ هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا
جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه
شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين وَلَا يقتلن
أَوْلَادهنَّ} فَإِذا أقررن قَالَ: قد بايعنكن حَتَّى جَاءَت
هِنْد امْرَأَة أبي سُفْيَان فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا يَزْنِين}
قَالَت: أَو تَزني الْحرَّة لقد كُنَّا نستحي من ذَلِك فِي
الْجَاهِلِيَّة فَكيف بالإِسلام فَقَالَ: {وَلَا يقتلن
أَوْلَادهنَّ} قَالَت: أَنْت قتلت آبَاءَهُم وتوصينا بأبنائهم
فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {وَلَا
يَسْرِقن} فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت من مَال أبي
سُفْيَان فَرخص لَهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: قل لَهُنَّ: إِن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايِعكُنَّ على أَن
لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَكَانَت هِنْد مُتَنَكِّرَة
فِي النِّسَاء فَقَالَ لعمر: قُلْنَ لهنّ {وَلَا يَسْرِقن}
قَالَت هِنْد: وَالله إِنِّي لأصيب من مَال أبي سُفْيَان الهنة
فَقَالَ: {وَلَا يَزْنِين} فَقَالَت: وَهل تَزني الْحرَّة
فَقَالَ: {وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ} قَالَت هِنْد: أَنْت
قَتلتهمْ يَوْم بدر قَالَ: {وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان
يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَلَا
يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: مَنعهنَّ أَن يَنُحْنَ
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يُمَزِّقْنَ الثِّيَاب
وَيَخْدِشْنَ الْوُجُوه وَيَقْطَعْنَ الشُّعُور وَيدعونَ
بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن فَاطِمَة بنت عتبَة أَن أخاها
أَبَا حُذَيْفَة أَتَى بهَا وبهند بنت عتبَة رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم تبايعه فَقَالَت: أَخذ علينا بِشَرْط
فَقلت لَهُ: يَا ابْن عَم وَهل علمت فِي قَوْمك من هَذِه
الصِّفَات شَيْئا قَالَ أَبُو حُذَيْفَة: أَيهَا فبايعيه
(8/140)
فَإِن بِهَذَا يُبَايع وَهَكَذَا يشْتَرط
فَقَالَت هِنْد: لَا أُبَايِعك على السّرقَة فَإِنِّي أسرق من
مَال زَوجي فَكف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده وكفت
يَدهَا حَتَّى أرسل إِلَى أبي سُفْيَان فتحلل لَهَا مِنْهُ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: أما الرطب فَنعم وَأما الْيَابِس
فَلَا وَلَا نعْمَة
قَالَت: فَبَايَعْنَاهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله: {وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ} قَالَ:
كَانَت الْحرَّة يُولد لَهَا الْجَارِيَة فتجعل مَكَانهَا
غُلَاما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا {وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ}
قَالَ: لَا يلحقن بأزواجهن غير أَوْلَادهنَّ {وَلَا يَعْصِينَك
فِي مَعْرُوف} قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرط شَرطه الله للنِّسَاء
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة الْأَنْصَارِيَّة قَالَت:
قَالَت امْرَأَة من النسْوَة مَا هَذَا الْمَعْرُوف الَّذِي
لَا يَنْبَغِي لنا أَن نَعْصِيك فِيهِ قَالَ: لَا تنحن قلت يَا
رَسُول الله: إِن بني فلَان أسعدوني على عمي وَلَا بُد لي من
قضائهن فَأبى عليّ فعاودته مرَارًا فَأذن لي فِي قضائهن فَلم
أنح بعد وَلم يبْق منا امْرَأَة إِلَّا وَقد ناحت غَيْرِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن منيع وَابْن سعد وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أبي الْمليح قَالَ: جَاءَت امْرَأَة من
الْأَنْصَار تبَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا
شَرط عَلَيْهَا أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا
تسرقن وَلَا تزنين أقرَّت فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا يَعْصِينَك
فِي مَعْرُوف} قَالَ: أَن لَا تنوحي فَقَالَت: يَا رَسُول الله
إِن فُلَانُهُ أسعدتني أفأسعدها ثمَّ لَا أَعُود فَلم يرخص
لَهَا
مُرْسل حسن الإِسناد
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه
بِسَنَد جيد عَن مُصعب بن نوح الْأنْصَارِيّ قَالَ: أدْركْت
عجوزاً لنا كَانَت فِيمَن بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَت: أَخذ علينا فِيمَا أَخذ أَن لَا تنحن وَقَالَ:
هُوَ الْمَعْرُوف الَّذِي قَالَ الله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي
مَعْرُوف} فَقلت يَا نَبِي الله: إِن أُنَاسًا قد كَانُوا
أسعدوني على مصائب أصابتني وَإِنَّهُم قد أَصَابَتْهُم
مُصِيبَة وَأَنا أُرِيد أَن أسعدهم
قَالَ: انطلقي فكافئيهم ثمَّ إِنَّهَا أَتَت فَبَايَعته
(8/141)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه عَن أسيد بن أبي أسيد البراد عَن امْرَأَة من
المبايعات قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخذ علينا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا نعصيه فِيهِ من الْمَعْرُوف وَأَن
لَا نخمش وَجها وَلَا نشق جيبا وَلَا نَدْعُو ويلاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي
مَعْرُوف} قَالَ: لَا يشققن جُيُوبهنَّ وَلَا يصككن خدودهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سَالم بن أبي
الْجَعْد فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ:
النوح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة
{وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: النوح قَالَ فَكل
شَيْء وَافق لله طَاعَة فَلم يرض لنَبيه أَن يطاع فِي
مَعْصِيّة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هَاشم الوَاسِطِيّ {وَلَا
يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: لَا يدعونَ ويلاً وَلَا يشققن
جيباً وَلَا يَحْلِقن رَأْسا
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ
قَالَ: أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
النِّسَاء فِي الْبيعَة أَن لَا يشققن جيباً وَلَا يخمشن وَجها
وَلَا يدعونَ ويلاً وَلَا يقلن هجراً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة بنت
قدامَة بن مَظْعُون قَالَت: كنت مَعَ أُمِّي رائطة بنت
سُفْيَان وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع
النسْوَة وَيَقُول: أُبَايِعكُنَّ على أَن لَا تُشْرِكْنَ
بِاللَّه شَيْئا وَلَا تسرقن وَلَا تزنين وَلَا تقتلن
أَوْلَادكُنَّ وَلَا تأتين بِبُهْتَان تفترينه بَين
أَيْدِيكُنَّ وأرجلكن وَلَا تعصين فِي مَعْرُوف فأطرقن قَالَت:
وَأَنا أسمع أُمِّي وَأمي تلقنني تَقول: أَي بنية قولي نعم
فِيمَا اسْتَطَعْت فَكنت أَقُول كَمَا يقلن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه
عَن أنس قَالَ: أَخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
النِّسَاء حِين بايعهن أَن لَا يَنحن فَقُلْنَ: يَا رَسُول
الله إِن نسَاء أسعدتنا فِي الْجَاهِلِيَّة أفتسعدهن فِي
الإِسلام فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا إسعاد
فِي الإِسلام وَلَا شطار وَلَا عقر فِي الإِسلام وَلَا خبب
وَلَا جنب وَمن انتهب فَلَيْسَ منا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله:
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات
مهاجرات فامتحنوهن} قَالَ: كَيفَ يمْتَحن فَأنْزل الله {يَا
أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن
لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} الْآيَة
(8/142)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه عَن
عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بَايع النِّسَاء دَعَا بقدح
من مَاء فَغمسَ يَده فِيهِ ثمَّ يغمس أَيْدِيهنَّ فَكَانَت
هَذِه بيعَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عَطِيَّة قَالَت: لما نزلت {إِذا
جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك} إِلَى قَوْله: {وَلَا
يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف فبايعهن} قَالَت: كَانَ مِنْهُ
النِّيَاحَة يَا رَسُول الله إِلَّا آل فلَان فَإِنَّهُم
كَانُوا قد أسعدوني فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَا بُد لي من أَن
أسعدهم قَالَ: لَا آل فلَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم
عَطِيَّة قَالَت: أَخذ علينا فِي الْبيعَة أَن لاننوح فَمَا
وفى منا إِلَّا خَمْسَة أم سليم وَأم الْعَلَاء وَابْن أبي
سُبْرَة امْرَأَة أبي معَاذ أَو قَالَ: بنت أبي سُبْرَة
وَامْرَأَة معَاذ وَامْرَأَة أُخْرَى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عَطِيَّة
قَالَت: بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَرَأَ علينا أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا ونهانا عَن
النِّيَاحَة فقبضت منا امْرَأَة يَدهَا فَقَالَت يَا رَسُول
الله: إِن فُلَانُهُ أسعدتني وَأَنا أُرِيد أَن أجزيها فَلم
يقل لَهَا شَيْئا فَذَهَبت ثمَّ رجعت قَالَت: فَمَا وفت منا
امْرَأَة إِلَّا أم سليم وَأم الْعَلَاء وَبنت أبي سُبْرَة
امْرَأَة معَاذ أَو بنت أبي سُبْرَة وَامْرَأَة معَاذ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله:
{وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: اشْترط عَلَيْهِنَّ
أَن لَا يَنحن
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخذ
على النِّسَاء من الْمَعْرُوف أَن لَا يَنحن فَقَالَت
امْرَأَة: لَا بُد من النوح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن كنتن لَا بُد فاعلات فَلَا تخمشن وَجها
وَلَا تخرقن ثوبا وَلَا تحلقن شعرًا وَلَا تدعون بِالْوَيْلِ
وَلَا تقلن هجراً وَلَا تقلن إِلَّا حَقًا
وَأخرج ابْن سعد عَن عَاصِم بن عَمْرو بن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: أول من بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أم سعد بن معَاذ كَبْشَة بنت رَافع وَأم عَامر بنت يزِيد بن
السكن وحواء بنت يزِيد بن السكن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ
{وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: لَا يشققن جيباً وَلَا
يخمش وَجها وَلَا ينشرن شعرًا وَلَا يدعونَ ويلاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن النوح
(8/143)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر رَضِي
الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِنَّمَا نهيت عَن النوح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
لعنت النائحة والممسكة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم عفيف قَالَت: أَخذ علينا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَايع النِّسَاء أَن لَا
نُحدث الرِّجَال إِلَّا محرما
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يخلون
بِالرِّجَالِ إِلَّا أَن يكون محرما وَإِن الرجل قد تلاطفه
الْمَرْأَة فيمذي فِي فَخذيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ:
أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يَنحن وَلَا يحدثن الرِّجَال فَقَالَ
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِن لنا أضيفا وَأَنا نغيب عَن
نسائنا فَقَالَ: لَيْسَ أُولَئِكَ عنيت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عَطِيَّة
رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ فِيمَا أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن
لَا يخلون بِالرِّجَالِ إِلَّا أَن يكون محرما فَإِن الرجل قد
يلاطف الْمَرْأَة فيمذي فِي فَخذيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِذا جَاءَك
الْمُؤْمِنَات يبايعنك} قَالَ: فَإِن الْمَعْرُوف الَّذِي لَا
يَعْصِي فِيهِ أَن لَا يَخْلُو الرجل وَالْمَرْأَة وحداناً
وَأَن لَا يَنحن نوح الْجَاهِلِيَّة
قَالَ: فَقَالَت خَوْلَة بنت حَكِيم الْأَنْصَارِيَّة: يَا
رَسُول الله إِن فُلَانَة أسعدتني وَقد مَاتَ أَخُوهَا فَأَنا
أُرِيد أَن أجزيها
قَالَ: فاذهبي فاجزيها ثمَّ تعالي فبايعي
وَأخرجه ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَوْصُولا وَالله أعلم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر وَزيد بن
الْحَارِث يوادان رجَالًا من يهود فَأنْزل الله: {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم}
الْآيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب
الله عَلَيْهِم قد يئسوا من الْآخِرَة} قَالَ: فَلَا يُؤمنُونَ
بهَا وَلَا يرجونها
(8/144)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
61
سُورَة الصَّفّ
مَدَنِيَّة وآياتها أَربع عشرَة
الْآيَة 1 - 9
(8/145)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ
تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا
كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ
أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ
اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا
نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
أخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ نَاس: لَو نعلم أحب الْأَعْمَال
إِلَى الله لفعلناه فَأخْبرهُم الله فَقَالَ: {إِن الله يحب
الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص}
فكرهوا ذَلِك فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم
تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مقتاً عِنْد الله أَن
تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: وَالله لَو نعلم مَا
أحب الْأَعْمَال إِلَى الله فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} إِلَى قَوْله: {بُنيان
مرصوص} فدلهم على أحب الْأَعْمَال إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالُوا: لَو
كُنَّا نعلم أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله فَنزلت {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}
إِلَى قَوْله: {بُنيان مرصوص}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ
مَا لَا تَفْعَلُونَ} إِلَى قَوْله: {بُنيان مرصوص} قَالَ:
نزلت فِي نفر من الْأَنْصَار مِنْهُم عبد الله بن رَوَاحَة
قَالُوا فِي مجْلِس لَهُم: لَو نعلم أَي عمل أحب إِلَى الله
لعملناه حَتَّى نموت فَأنْزل الله هَذَا فيهم فَقَالَ ابْن
رَوَاحَة: لَا أَبْرَح حَبِيسًا فِي سَبِيل الله حَتَّى أَمُوت
شَهِيدا فَقتل شَهِيدا
وَأخرج مَالك فِي تَفْسِيره عَن زيد بن أسلم قَالَ: نزلت هَذِه
الْآيَة فِي نفر من الْأَنْصَار فيهم عبد الله بن رَوَاحَة
قَالُوا فِي مجْلِس: لَو نعلم أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله
لعملنا بِهِ حَتَّى نموت فَأنْزل الله هَذِه فيهم فَقَالَ ابْن
رَوَاحَة: لَا أَبْرَح حَبِيسًا فِي سَبِيل الله حَتَّى أَمُوت
شَهِيدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: قَالَ
الْمُؤْمِنُونَ: لَو نعلم أحب الْأَعْمَال إِلَى الله لعملناه
فدلهم على أحب الْأَعْمَال إِلَيْهِ فَقَالَ: {إِن الله يحب
الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا} فَبين لَهُم فابتلوا يَوْم
أحد بذلك فَوَلوا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُدبرين فَأنْزل الله فِي ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم
تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
صَالح قَالَ: قَالَ الْمُسلمُونَ: لَو أمرنَا بِشَيْء نفعله
فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ} قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا نزلت فِي الْجِهَاد
كَانَ الرجل يَقُول: قَاتَلت وَفعلت وَلم يكن فعل فوعظهم الله
فِي ذَلِك أَشد الموعظة
(8/146)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث
السّريَّة فَإِذا رجعُوا كَانُوا يزِيدُونَ فِي الْفِعْل
وَيَقُولُونَ قاتلنا كَذَا وَفعلنَا كَذَا فَأنْزل الله
الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن مهْرَان
قَالَ: إِن الْقَاص ينْتَظر المقت فَقيل لَهُ أَرَأَيْت قَول
الله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ كبر مقتاً عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ} أهوَ الرجل يقرظ نَفسه فَيَقُول: فعلت كَذَا
وَكَذَا من الْخَيْر أم هُوَ الرجل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ
وَينْهى عَن الْمُنكر وَإِن كَانَ فِيهِ تَقْصِير فَقَالَ:
كِلَاهُمَا ممقوت
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي قَالَ: جلسنا
إِلَى خباب فَسكت فَقُلْنَا: أَلا تحدثنا فَإِنَّمَا جلسنا
إِلَيْك لذَلِك فَقَالَ: أتأمروني أَن أَقُول مَا لَا أفعل
قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله
صفا} الْآيَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} قَالَ: مُثبت لَا يَزُول
ملصق بعضه بِبَعْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن الله
يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا} الْآيَة قَالَ: ألم
تروا إِلَى صَاحب الْبناء كَيفَ لَا يحب أَن يخْتَلف بينانه
فَكَذَلِك الله لَا يحب أَن يخْتَلف أمره وَإِن الله وصف
الْمُسلمين فِي قِتَالهمْ وَصفهم فِي صلَاتهم فَعَلَيْكُم
بِأَمْر الله فَإِنَّهُ عصمَة لمن أَخذ بِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة
يمسح مناكبنا وصدورنا وَيَقُول: لَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ
إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصُّفُوف الأول وصلوا
المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فَإِن الله يحب فِي
الصَّلَاة مَا يحب فِي الْقِتَال {صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان
مرصوص}
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: ثَلَاثَة يضْحك الله إِلَيْهِم: الْقَوْم إِذا
اصطفوا للصَّلَاة وَالْقَوْم إِذا اصطفوا لقِتَال الْمُشْركين
وَرجل يقوم إِلَى الصَّلَاة فِي جَوف اللَّيْل
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم} الْآيَة
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن العرياض بن سَارِيَة: سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنِّي
(8/147)
عبد الله فِي أم الْكتاب وَخَاتم
النَّبِيين وَإِن آدم لَمُنْجَدِل فِي طينته وسوف أنبئكم
بِتَأْوِيل ذَلِك
أَنا دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَبشَارَة عِيسَى قومه ورؤيا أُمِّي
الَّتِي رَأَتْ أَنه خرج مِنْهَا نور أَضَاء لَهُ قُصُور
الشَّام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: أمرنَا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ننطلق مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب
إِلَى أَرض النَّجَاشِيّ قَالَ: مَا مَنعك أَن تسْجد لي قلت:
لَا نسجد إِلَّا لله قَالَ: وَمَا ذَاك قلت: إِن الله بعث
فِينَا رَسُوله وَهُوَ الرَّسُول الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى بن
مَرْيَم برَسُول يَأْتِي من بعد اسْمه أَحْمد فَأمرنَا أَن
نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والدرامي وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لي خَمْسَة أَسمَاء: أَنا
مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الحاشر الَّذِي يحْشر النَّاس
على قدمي وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر وَأَنا
العاقب وَالْعَاقِب الَّذِي لَيْسَ بعده نَبِي
وَأخرج الطيالس وَابْن مرْدَوَيْه عَن جُبَير بن مطعم سَمِعت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَنا مُحَمَّد
وَأَنا أَحْمد والحاشر وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الملحمة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَعْطَيْت مَا لم يُعْط أحد من
أَنْبيَاء الله قُلْنَا يَا رَسُول الله مَا هُوَ قَالَ: نصرت
بِالرُّعْبِ وَأعْطيت مَفَاتِيح الأَرْض وَسميت أَحْمد وَجعل
لي تُرَاب الأَرْض طهُورا وَجعلت أمتِي خير الْأُمَم
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَلَمَّا
جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ: مُحَمَّد وَفِي قَوْله:
{يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم} قَالَ: بألسنتهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق أَنه كَانَ يقْرَأ الَّتِي
فِي الْمَائِدَة وَفِي الصَّفّ وَفِي يُونُس سَاحر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {هَذَا سحر مُبين}
بِغَيْر ألف وَقَرَأَ {وَالله متم نوره} بتنوين متم وبنصب نوره
الْآيَة 10 - 14
(8/148)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ
تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ
وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي
إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ
اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى
عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على
تِجَارَة} الْآيَة قَالَ: لما نزلت قَالَ الْمُسلمُونَ: لَو
علمنَا مَا هَذِه التِّجَارَة لأعطينا فِيهَا الْأَمْوَال
والأهلين فَبين لَهُم التِّجَارَة فَقَالَ: {تؤمنون بِاللَّه
وَرَسُوله}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
هَل أدلكم على تِجَارَة} الْآيَة قَالَ: فلولا أَن الله
بَينهَا وَدلّ عَلَيْهَا للهف الرِّجَال أَن يَكُونُوا
يعلمونها حَتَّى يطلبوها ثمَّ دلهم الله عَلَيْهَا فَقَالَ:
{تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {على تِجَارَة
تنجيكم} خَفِيفَة
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا أنصار
الله}
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {كونُوا أنصار الله}
مُضَاف
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا أنصار
الله} قَالَ: قد كَانَ ذَلِك ببحمد الله جَاءَهُ سَبْعُونَ
رجلا فَبَايعُوهُ عِنْد الْعقبَة فنصروه وآووه حَتَّى أظهر
الله دينه وَلم يسمّ حيّ من السَّمَاء قطّ باسم لم يكن لَهُم
قبل ذَلِك غَيرهم وَذكر لنا أَن بَعضهم قَالَ: هَل تَدْرُونَ
مَا تُبَايِعُونَ هَذَا الرجل إِنَّكُم تبايعونه على محاربة
الْعَرَب كلهَا أَو يسلمُوا وَذكر لنا أَن رجلا قَالَ: يَا
نَبِي الله اشْترط لبرك وَلِنَفْسِك مَا شِئْت فَقَالَ:
أشْتَرط لرَبي أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا
وَأَشْتَرِط لنَفْسي أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ
مِنْهُ أَنفسكُم وأبناءكم قَالُوا: فَإِذا فعلنَا ذَلِك فَمَا
لنا يَا نَبِي الله قَالَ: لكم النَّصْر فِي الدُّنْيَا
وَالْجنَّة فِي الْآخِرَة فَفَعَلُوا فَفعل الله
قَالَ: والحواريون كلهم من قُرَيْش أَبُو بكر وَعمر وَعلي
وَحَمْزَة
(8/149)
وجعفر وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح
وَعُثْمَان بن مَظْعُون وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن
أبي وَقاص وَعُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة بن عبيد الله
وَالزُّبَيْر بن العوّام
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن سعد عَن عبد الله بن أبي بكر بن
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم للنفر الَّذين لَا قوه بِالْعقبَةِ: اخْرُجُوا
إليّ اثْنَي عشر رجلا مِنْكُم يَكُونُوا كفلاء على قَومهمْ
كَمَا كفلت الحواريون لعيسى بن مَرْيَم وَأخرج ابْن سعد عَن
مُحَمَّد بن لبيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم للنقباء: أَنْتُم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين
لعيسى بن مَرْيَم أَنا كَفِيل قومِي قَالُوا: نعم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{من أَنْصَارِي إِلَى الله} قَالَ: من يَتبعني إِلَى الله
وَفِي قَوْله: {فَأَصْبحُوا ظَاهِرين} قَالَ: من آمن مَعَ
عِيسَى من قومه وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
{فأيدنا الَّذين آمنُوا} قَالَ: فقوّينا الَّذين آمنُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ {فَأَصْبحُوا ظَاهِرين} قَالَ: أَصبَحت حجَّة من
آمن بِعِيسَى ظَاهِرَة بِتَصْدِيق مُحَمَّد أَن عِيسَى كلمة
الله وروحه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فأيدنا الَّذين
آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَأَصْبحُوا}
الْيَوْم {ظَاهِرين} وَالله أعلم
(8/150)
62
سُورَة الْجُمُعَة
مَدَنِيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة أخرج ابْن الضريس والنحاس
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت
سُورَة الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بِسُورَة الْجُمُعَة
وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْجُمُعَة بِسُورَة
الْجُمُعَة وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن أبي عنبة الْخَولَانِيّ
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقْرَأ فِي
يَوْم الْجُمُعَة بالسورة الَّتِي يذكر فِيهَا الْجُمُعَة
وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله وَأبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم يَوْم
الْجُمُعَة فَقَرَأَ بِسُورَة الْجُمُعَة يحرض الْمُؤمنِينَ
وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ يوبخ بهَا الْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن حباي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر بن
سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب لَيْلَة الْجُمُعَة {قل يَا أَيهَا
الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} وَكَانَ يقْرَأ فِي
صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة لَيْلَة الْجُمُعَة سُورَة
الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ
(8/151)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 4
(8/152)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي
الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ
مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء بن السَّائِب عَن
ميسرَة أَن هَذِه الْآيَة مَكْتُوبَة فِي التَّوْرَاة بسبعمائة
آيَة {يسبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض الْملك
القدوس الْعَزِيز الْحَكِيم} أول سُورَة الْجُمُعَة
قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا
مِنْهُم} الْآيَة
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي بعث فِي
الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} الْآيَة قَالَ: كَانَ هَذَا
الْحَيّ من الْعَرَب أمة أُميَّة لَيْسَ فِيهَا كتاب يقرأونه
فَبعث الله فيهم مُحَمَّدًا رَحْمَة وَهدى يهْدِيهم بِهِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّا أمة أُميَّة لَا نكتب وَلَا نحسب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {هُوَ
الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} قَالَ: هُوَ
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته}
قَالَ: الْقُرْآن {وَإِن كَانُوا من قبل لفي ضلال مُبين}
قَالَ: هُوَ الشّرك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا
مِنْهُم} قَالَ: الْعَرَب {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم}
قَالَ: الْعَجم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي
الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزلت سُورَة
الْجُمُعَة فَتَلَاهَا فَلَمَّا بلغ {وَآخَرين مِنْهُم لما
يلْحقُوا بهم} قَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله من هَؤُلَاءِ
الَّذين لم يلْحقُوا بِنَا فَوضع يَده على
(8/152)
رَأس سلمَان الْفَارِسِي وَقَالَ:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ الإِيمان بِالثُّرَيَّا
لَنَالَهُ رجال من هَؤُلَاءِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن قيس بن سعد بن
عبَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو
أَن الإِيمان بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رجال من أهل فَارس
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي
أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أَصْحَابِي رجَالًا وَنسَاء
يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ثمَّ قَرَأَ {وَآخَرين
مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالَ: من ردف الإِسلام
من النَّاس كلهم
وَأخرج عبد الزراق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم}
قَالَ: هم التابعون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَآخَرين
مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالَ: هم التابعون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَآخَرين
مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} يَعْنِي من أسلم من النَّاس وَعمل
صَالحا من عَرَبِيّ وعجمي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ذَلِك
فضل الله يؤتيه من يَشَاء} قَالَ: الدّين
الْآيَة 5 - 8
(8/153)
مَثَلُ الَّذِينَ
حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ
الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ
دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ
الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ
ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من
طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {مثل
الَّذين حُمِّلوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها} قَالَ:
الْيَهُود
(8/153)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي
قَوْله: {مثل الَّذين حُمِّلوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها}
قَالَ: أَمرهم أَن يَأْخُذُوا بِمَا فِيهَا فَلم يعملوا بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {مثل
الَّذين حُمِّلوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها كَمثل الْحمار
يحمل أسفاراً} قَالَ: كتبا لَا يدْرِي مَا فِيهَا وَلَا يدْرِي
مَا هِيَ يضْرب الله لهَذِهِ الْأمة أَي وَأَنْتُم إِن لم
تعملوا بِهَذَا الْكتاب كَانَ مثلكُمْ كمثلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{يحمل أسفاراً} قَالَ: كتبا لَا يعلم مَا فِيهَا وَلَا
يَعْقِلهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كَمثل الْحمار يحمل أسفاراً}
قَالَ: يحمل كتبا على ظَهره لَا يدْرِي مَاذَا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {أسفاراً} قَالَ: كتبا
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أسفاراً}
قَالَ: كتبا وَالْكتاب بالنبطية يُسمى سفرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تكلم
يَوْم الْجُمُعَة والإِمام يخْطب فَهُوَ كالحمار يحمل أسفاراً
وَالَّذِي يَقُول لَهُ أنصت لَيست لَهُ جُمُعَة
الْآيَة 9 - 11
(8/154)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ
وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ
لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا
عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ
وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي
قَوْله: {إِن زعمتم أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله} قَالُوا: نَحن
أَبنَاء الله واحباؤه وَفِي قَوْله: {وَلَا يتمنونه أبدا بِمَا
قدمت أَيْديهم} قَالَ: عرفُوا أَن مُحَمَّدًا نَبِي الله
فَكَتَمُوهُ وَقَالُوا: نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه
(8/154)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة {وَلَا يتمنونه أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم} قَالَ: إِن
سوء الْعَمَل يكره الْمَوْت شَدِيدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن معمر قَالَ: تَلا
قَتَادَة {ثمَّ تردون إِلَى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة}
قَالَ: إِن الله أذلّ ابْن آدم بِالْمَوْتِ لَا أعلمهُ إِلَّا
رَفعه
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي
للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} الْآيَة
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قلت يَا نَبِي الله لأي شَيْء سمي يَوْم الْجُمُعَة
قَالَ: لِأَن فِيهَا جمعت طِينَة أبيكم آدم وفيهَا الصعقة
والبعثة وَفِي آخر ثَلَاث سَاعَات مِنْهَا سَاعَة من دَعَا
فِيهَا بدعوة اسْتَجَابَ لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرِي مَا
يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ: فِي الثَّالِثَة هُوَ
الْيَوْم الَّذِي جمع فِيهِ أبوكم آدم أَفلا أحدثكُم عَن يَوْم
الْجُمُعَة لَا يتَطَهَّر رجل فَيحسن طهوره ويلبس أحسن ثِيَابه
ويصيب من طيب أَهله إِن كَانَ لَهُم طيب وَإِلَّا فالماء ثمَّ
يَأْتِي الْمَسْجِد فيجلس وينصت حَتَّى يقْضِي الإِمام صلَاته
إِلَّا كَانَت كَفَّارَة مَا بَين الْجُمُعَة مَا اجتنيت
الْكَبَائِر وَذَلِكَ الدَّهْر كُله
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق آدم
وَفِيه أَدخل الْجنَّة وَفِيه أخرج مِنْهَا وَلَا تقوم
السَّاعَة إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَأَبُو الشَّيْخ
فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي لبَابَة بن عبد
الْمُنْذر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
يَوْم الْجُمُعَة سيد الْأَيَّام وَأَعْظَمهَا عِنْد الله
وَأعظم عِنْد الله من يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى وَفِيه
خمس خصار: خلق الله فِيهِ آدم وأهبطه فِيهِ إِلَى الأَرْض
وَفِيه توفّي الله آدم وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل العَبْد
فِيهَا شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ الله مَا لم يسْأَل حَرَامًا
وَفِيه تقوم السَّاعَة مَا من ملك وَلَا أَرض وَلَا سَمَاء
وَلَا ريَاح وَلَا جبال وَلَا بَحر إِلَّا وَهن يشفقن من يَوْم
الْجُمُعَة أَن تقوم فِيهِ السَّاعَة وَأخرج أَحْمد وَابْن
مرْدَوَيْه عَن سعد بن عبَادَة أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى
رَسُول االله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أخبرنَا عَن
يَوْم الْجُمُعَة مَاذَا فِيهِ من الْخَيْر قَالَ: فِيهِ خمس
(8/155)
خِصَال: فِيهِ خلق آدم وَفِيه أهبط آدم
وَفِيه توفى الله آدم وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل الله شَيْئا
إِلَّا آتَاهُ إِيَّاه مَا لم يسْأَل مأثماً أَو قطيعة رحم
وَفِيه تقوم السَّاعَة مَا من ملك مقرب وَلَا سَمَاء وَلَا
أَرض وَلَا جبل وَلَا ريح إِلَّا يشفقن من يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: سَمِعت أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: فِي سَبْعَة أَيَّام يَوْم اخْتَارَهُ الله على
الْأَيَّام كلهَا يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق الله السَّمَوَات
وَالْأَرْض وَفِيه قضى الله خَلقهنَّ وَفِيه خلق الله الْجنَّة
وَالنَّار وَفِيه خلق آدم وَفِيه أهبطه من الْجنَّة وَتَابَ
عَلَيْهِ وَفِيه تقوم السَّاعَة لَيْسَ شَيْء من خلق إِلَّا
وَهُوَ يفزع من ذَلِك الْيَوْم شَفَقَة أَن تقوم السَّاعَة
إِلَّا الْجِنّ والانس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يبْعَث
الْأَيَّام يَوْم الْقِيَامَة على هيئاتها وَيبْعَث الْجُمُعَة
زهراء منيرة لأَهْلهَا يحفونَ بهَا كالعروس يهدي إِلَى كريمها
تضيء لَهُم يَمْشُونَ فِي ضوئها ألوانها كالثلج بياضهم رياحهم
تسطع كالمسك يَخُوضُونَ فِي جبال الكافور ينظر إِلَيْهِم
الثَّقَلَان مَا يطرفون تَعَجبا حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة لَا
يخالطهم أحد إِلَّا المؤذنون المحتسبون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سيد الْأَيَّام يَوْم
الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة والدارمي وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان
وَالْحَاكِم عَن أَوْس بن أَوْس أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة
فِيهِ خلق آدم وَفِيه النفخة وَفِيه الصعقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: لم تطلع الشَّمْس فِي
يَوْم هُوَ أعظم من يَوْم الْجُمُعَة إِنَّهَا إِذا طلعت فزع
لَهَا كل شَيْء إِلَّا الثَّقَلَان اللَّذَان عَلَيْهِمَا
الْحساب وَالْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِن يَوْم الْجُمُعَة
لتفزع لَهُ الْخَلَائق إِلَّا الْجِنّ والإِنس وَأَنه ليضاعف
فِيهِ الْحَسَنَة والسيئة وَإنَّهُ ليَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: الْحَسَنَة تضَاعف
يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر قَالَ: نزل
جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده
شبه مرْآة فِيهَا نُكْتَة سَوْدَاء فَقَالَ يَا جِبْرِيل: مَا
هَذِه قَالَ: هَذِه الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل وَفِي يَده كالمرآة
الْبَيْضَاء فِيهَا كالنكتة السَّوْدَاء فَقلت يَا جِبْرِيل:
مَا هَذِه قَالَ: هَذِه
(8/156)
الْجُمُعَة قلت وَمَا الْجُمُعَة قَالَ:
لكم فِيهِ خير قلت: وَمَا لنا فِيهَا قَالَ: تكون عيداً لَك
ولقومك من بعْدك وَتَكون الْيَهُود وَالنَّصَارَى تبعا لَك
قلت: وَمَا لنا فِيهَا قَالَ: لكم فِيهَا سَاعَة لَا
يُوَافِقهَا عبد مُسلم يسْأَل الله فِيهَا شَيْئا من
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هُوَ لكم قسم إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه
وَلَيْسَ لَهُ قسم إِلَّا ادخر لَهُ عِنْده مَا هُوَ أفضل
مِنْهُ أَو يتعوّذ بِهِ من شَرّ هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوب إِلَّا
صرف عَنهُ من الْبلَاء مَا هُوَ أعظم مِنْهُ قلت لَهُ: وَمَا
هَذِه النُّكْتَة فِيهَا قَالَ: هِيَ السَّاعَة وَهِي تقوم
يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ عندنَا سيد الْأَيَّام وَنحن
نَدْعُوهُ يَوْم الْقِيَامَة يَوْم الْمَزِيد قلت: مِم ذَاك
قَالَ: لِأَن رَبك اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا من مسك أَبيض
فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة هَبَط من عليين على كرسيه ثمَّ
حف الْكُرْسِيّ بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر ثمَّ يَجِيء
النَّبِيُّونَ حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا وَينزل أهل الغرف
حَتَّى يجلسوا على ذَلِك الْكَثِيب ثمَّ يتجلى لَهُم رَبهم
تبَارك وَتَعَالَى ثمَّ يَقُول: سلوني أعطكم فيسألونه الرِّضَا
فَيَقُول: رضاي أحلكم دَاري وَأَنا لكم كريم مَتى تَسْأَلُونِي
أعطكم فيسألونه الرِّضَا فيشهدهم أَنِّي قد رضيت عَنْهُم
فَيفتح لَهُم مَا لم ترَ عين وَلم تسمع أذن وَلم يخْطر على قلب
بشر وذلكم مِقْدَار انصرافكم من يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ يرْتَفع
ويرتفع مَعَه النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء
وَيرجع أهل الغرف إِلَى غرفهم وَهِي درة بَيْضَاء لَيْسَ
فِيهَا وصم وَلَا فَصم أَو درة حَمْرَاء أَو زبرجدة خضراء
فِيهَا غرفها وأبوابها مطروزة وفيهَا أنهارها وثمارها متدلية
قَالَ: فليسوا إِلَى شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَى يَوْم
الْجُمُعَة ليزدادوا إِلَى رَبهم نظرا وليزدادوا مِنْهُ
كَرَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجُمُعَة لساعة مَا
دَعَا الله فِيهَا عبد مُسلم بِشَيْء إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن
أَبِيه عَن جده سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: فِي الْجُمُعَة سَاعَة من النَّهَار لَا يسْأَل
العَبْد فِيهَا شَيْئا إِلَّا أعطي سؤله قيل: أَي سَاعَة هِيَ
قَالَ: هِيَ أَن تُقَام الصَّلَاة إِلَى الِانْصِرَاف فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
قَالَت: إِن يَوْم الْجُمُعَة مثل يَوْم عَرَفَة تفتح فِيهِ
أَبْوَاب الرَّحْمَة وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل الله العَبْد
شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ قيل وَأي سَاعَة قَالَ: إِذا أذن
الْمُؤَذّن لصَلَاة الْغَدَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا قَالَت: إِن يَوْم
(8/157)
الْجُمُعَة مثل يَوْم عَرَفَة وَإِن فِيهِ
لساعة تفتح أَبْوَاب الرَّحْمَة فَقيل: أَي سَاعَة قَالَت:
حِين يُنَادي بِالصَّلَاةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَأبي
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَا: السَّاعَة الَّتِي تذكر
فِي الْجُمُعَة قَالَ: فَقلت: هِيَ السَّاعَة اخْتَار الله
لَهَا أوفى فِيهَا الصَّلَاة قَالَ: فَمسح رَأْسِي وبرك عليّ
وَأَعْجَبهُ مَا قلت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي أُمَامَة قَالَ: إِنِّي لأرجو
أَن تكون السَّاعَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة إِحْدَى هَذِه
السَّاعَات إِذا أذن الْمُؤَذّن أَو جلس الإِمام على
الْمِنْبَر أَو عِنْد الإِقامة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
هِيَ عِنْد زَوَال الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: هِيَ مَا بَين أَن
يحرم البيع إِلَى أَن يحل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بردة قَالَ: إِن السَّاعَة
الَّتِي يُسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاء يَوْم الْجُمُعَة حِين
يقوم الإِمام فِي الصَّلَاة حَتَّى ينْصَرف مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَوْف بن حصيرة فِي السَّاعَة
الَّتِي ترجى فِي الْجُمُعَة مَا بَين خُرُوج الإِمام إِلَى
أَن تقضى الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوُوس قَالَ: إِن السَّاعَة
الَّتِي ترجى فِي الْجُمُعَة بعد الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: هِيَ بعد الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن هِلَال بن يسَار قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجُمُعَة
لساعة لَا يُوَافِقهَا رجل مُسلم يسْأَل الله فِيهَا خيرا
إِلَّا أعطَاهُ فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَاذَا أسأله
قَالَ: سل الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يغْتَسل رجل يَوْم الْجُمُعَة
ويتطهر بِمَا اسْتَطَاعَ من طهوره وادهن من دهنه أَو مس طيبا
من بَيته ثمَّ رَاح فَلم يفرق بَين اثْنَيْنِ ثمَّ صلى مَا كتب
الله لَهُ ثمَّ أنصت إِذا تكلم الإِمَام إِلَّا غفر لَهما
بَينه إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن
السَّائِب بن يزِيد قَالَ: كَانَ النداء الَّذِي ذكر الله فِي
الْقُرْآن يَوْم الْجُمُعَة فِي زمن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعَامة خلَافَة عُثْمَان أَن
يُنَادي الْمُنَادِي إِذا جلس الإِمام على الْمِنْبَر فَلَمَّا
تَبَاعَدت
(8/158)
المساكن وَكثر النَّاس أحدث النداء الأول
فَلم يعب النَّاس ذَلِك عَلَيْهِ وَقد عابوا عَلَيْهِ حِين أتم
الصَّلَاة بمنى قَالَ: فَكُنَّا فِي زمَان عمر نصلي فَإِذا خرج
عمر وَجلسَ على الْمِنْبَر قَطعنَا الصَّلَاة وتحدثنا فَرُبمَا
أقبل عمر على بعض من يَلِيهِ فَسَأَلَهُمْ عَن سوقهم وَقد
أمّهم والمؤذن يُؤذن فَإِذا سكت الْمُؤَذّن قَامَ عمر فَتكلم
وَلم يتَكَلَّم حَتَّى يفرغ من خطبَته
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {إِذا نُودي للصَّلَاة من
يَوْم الْجُمُعَة} قَالَ: هُوَ الْوَقْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {إِذا نُودي للصَّلَاة من
يَوْم الْجُمُعَة} قَالَ: النداء عِنْد الذّكر عَزمَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الْأَذَان عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: الْأَذَان نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَعَ فرض الصَّلَاة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي
للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
ابْن سِيرِين قَالَ: جمع أهل الْمَدِينَة قبل أَن يقدم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقبل أَن تنزل الْجُمُعَة
قَالَت الْأَنْصَار: للْيَهُود يَوْم تجمعون فِيهِ كل سَبْعَة
أَيَّام وَالنَّصَارَى مثل ذَلِك فَهَلُمَّ فلنجعل يَوْمًا
نَجْتَمِع فِيهِ فَنَذْكُر الله ونشكره فَقَالُوا: يَوْم السبت
للْيَهُود وَيَوْم الْأَحَد لليصارى فَاجْعَلُوهُ يَوْم
الْعرُوبَة وَكَانُوا يسمون الْجُمُعَة يَوْم الْعرُوبَة
فَاجْتمعُوا إِلَى أسعد بن زُرَارَة فصلى بهم يَوْمئِذٍ
رَكْعَتَيْنِ وَذكرهمْ فَسَموهُ الْجُمُعَة حِين اجْتَمعُوا
إِلَيْهِ فذبح لَهُم شَاة فتغدوا وتعشوا مِنْهَا وَذَلِكَ
لقلتهم فَأنْزل الله فِي ذَلِك بعد {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى
ذكر الله} الْآيَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أذن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجُمُعَة قبل أَن يُهَاجر وَلم
يسْتَطع أَن يجمع بِمَكَّة فَكتب إِلَى مُصعب بن عُمَيْر أما
بعد فَأنْظر الْيَوْم الَّذِي تجْهر فِيهِ الْيَهُود بالزبور
فَأَجْمعُوا نِسَائِكُم وأبناءكم فَإِذا مَال النَّهَار عَن
شطره عِنْد الزَّوَال من يَوْم الْجُمُعَة فتقربوا إِلَى الله
بِرَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَهُوَ أول من جمع حَتَّى قدم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَجمع بعد الزَّوَال من
الظّهْر وَأظْهر ذَلِك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك أَن أَبَاهُ كَانَ إِذا
سمع النداء يَوْم الْجُمُعَة ترحم على أسعد بن زُرَارَة فَقلت
لَهُ يَا
(8/159)
أبتاه أَرَأَيْت اسغفارك لأسعد بن زُرَارَة
كلما سَمِعت الآذان للْجُمُعَة مَا هُوَ قَالَ: إِنَّه أَو من
جمع بِنَا فِي نَقِيع يُقَال لَهُ نَقِيع الْخضمات من حرَّة
بني بياضة
قلت: كم كُنْتُم يومئذٍ قَالَ: أَرْبَعُونَ رجلا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ:
أول من قدم من الْمُهَاجِرين الْمَدِينَة مُصعب بن عُمَيْر
وَهُوَ أول من جمع بهَا يَوْم الْجُمُعَة بهم قبل أَن يقدم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم اثْنَا عشر رجلا
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن ابْن
شهَاب قَالَ: ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
الْجُمُعَة من قبَاء فَمر على بني سَالم فصلى فيهم الْجُمُعَة
ببني سَالم وَهُوَ الْمَسْجِد الَّذِي فِي بطن الْوَادي
وَكَانَت أول جُمُعَة صلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج ابْن ماجة عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم خطب فَقَالَ: إِن الله افْترض عَلَيْكُم الْجُمُعَة فِي
مقَامي هَذَا فِي يومي هَذَا فِي شَهْري هَذَا فِي عَامي هَذَا
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَمن تَركهَا اسْتِخْفَافًا بهَا أَو
جحُودًا لَهَا فَلَا جمع الله لَهُ شَمله وَلَا بَارك لَهُ فِي
أمره أَلا وَلَا صَلَاة لَهُ وَلَا زَكَاة لَهُ وَلَا حج لَهُ
وَلَا صَوْم لَهُ وَلَا بركَة لَهُ حَتَّى يَتُوب فَمن تَابَ
تَابَ الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس قَالَا:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على
أَعْوَاد الْمِنْبَر: لينتهين أَقوام عَن ترك الْجُمُعَة
وَالْجَمَاعَات أَو ليطمسن الله على قُلُوبهم وليكتبن من
الغافلين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سَمُرَة بن جُنْدُب مَرْفُوعا من
ترك الْجُمُعَة من غير عذر طمس على قلبه
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن أبي قَتَادَة مَرْفُوعا من ترك
الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير ضَرُورَة طبع الله على قلبه
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة من حَدِيث
جَابر مثله
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان عَن أبي الْجَعْد الضمرِي قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من ترك الْجُمُعَة
ثَلَاثًا من غير عذر فَهُوَ مُنَافِق
وَأخرج أَبُو يعلى والمروزي من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة عَن عَمه عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سيد الْأَيَّام عِنْد الله يَوْم الْجُمُعَة
أعظم من يَوْم النَّحْر وَالْفطر وَفِيه خمس خلال: خلق آدم
فِيهِ وَفِيه أهبط من الْجنَّة إِلَى
(8/160)
الأَرْض وَتُوفِّي فِيهِ آدم وَفِيه سَاعَة
لَا يسْأَل العَبْد فِيهَا ربه إِلَّا أعطَاهُ مَا لم يسْأَل
حَرَامًا وَفِيه تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن أبي
شُعَيْب قَالَ: أردْت الْجُمُعَة فِي زمن الْحجَّاج فتهيأت
للذهاب ثمَّ قلت: أَيْن أذهب أُصَلِّي خلف هَذَا فَقلت مرّة
أذهب وَمرَّة لَا أذهب فأجمع رَأْيِي على الذّهاب فناداني
منادٍ من جَانب الْبَيْت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا
نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر
الله}
قَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} الْآيَة
أخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي
شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف
عَن خَرشَة بن الْحر قَالَ: رأى معي عمر بن الْخطاب لوحاً
مَكْتُوبًا فِيهِ {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة
فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} فَقَالَ: من أمْلى عَلَيْك هَذَا
قلت: أبيّ بن كَعْب
قَالَ: إِن أَبَيَا أقرؤنا للمنسوخ قَرَأَهَا فامضوا إِلَى ذكر
الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قيل لعمر: إِن
أَبَيَا يقْرَأ {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ عمر: أبيّ
أعلمنَا بالمنسوخ وَكَانَ يقْرؤهَا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق
وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ وَفِي
سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ: مَا سَمِعت عمر يقْرؤهَا قطّ إِلَّا
فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي لَا
مصاحف وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ: مَا
سَمِعت عمر يقْرؤهَا قطّ إِلَّا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ: لقد
توفّي عمر وَمَا يَقُول هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة
الْجُمُعَة إِلَّا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأَبُو عبيد وَسَعِيد
بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي وَالطَّبَرَانِيّ من
طرق عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ فامضوا إِلَى ذكر
الله قَالَ: وَلَو كَانَت فَاسْعَوْا لسعيت حَتَّى يسْقط
رِدَائي
(8/161)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالطَّبَرَانِيّ
عَن قَتَادَة قَالَ فِي حرف ابْن مَسْعُود: فامضوا إِلَى ذكر
الله وَهُوَ كَقَوْلِه: (إِن سعيكم لشتى) (سُورَة اللَّيْل
الْآيَة 4)
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبيّ بن
كَعْب وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن فامضوا إِلَى
ذكر الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن الزبير أَنه كَانَ
يقرأوها فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا
إِلَى ذكر الله} قَالَ: فامضوا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ
عَن قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: مَا هُوَ
بالسعي على الْأَقْدَام وَلَقَد نهوا أَن يَأْتُوا الصَّلَاة
إِلَّا وَعَلَيْهِم السكينَة وَالْوَقار وَلَكِن بالقلوب
وَالنِّيَّة والخشوع
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ:
السَّعْي أَن تسْعَى بلبك وعملك وَهُوَ الْمُضِيّ إِلَيْهَا
قَالَ الله: (فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي) (سُورَة الصافات
الْآيَة 102) قَالَ: لما مَشى مَعَ أَبِيه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ثَابت قَالَ: كُنَّا مَعَ أنس بن مَالك
يَوْم الْجُمُعَة فَسمع النداء بِالصَّلَاةِ فَقَالَ: قُم
لنسعى إِلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عَطاء فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: الذّهاب
وَالْمَشْي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي
الْآيَة قَالَ: إِنَّمَا السَّعْي الْعَمَل وَلَيْسَ السَّعْي
على الْأَقْدَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب
قَالَ: السَّعْي الْعَمَل
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن الصَّامِت
قَالَ: خرجت إِلَى الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة فَلَقِيت أَبَا
ذَر فَبينا أَنا أَمْشِي إِذا سَمِعت النداء فَرفعت فِي
الْمَشْي لقَوْل الله: {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم
الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} فجذبني جذبة فَقَالَ:
أولسنا فِي سعي
(8/162)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب
فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: موعظة
الإِمَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت التِّجَارَة يَوْم
الْجُمُعَة مَا بَين الْأَذَان الأول إِلَى الإِقامة إِلَى
انصراف الإِمام لِأَن الله يَقُول: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى
ذكر} إِلَى {وذروا البيع}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَن رجلَيْنِ من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَا
يَخْتَلِفَانِ فِي تجارتهما إِلَى الشَّام فَرُبمَا قدما يَوْم
الْجُمُعَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب
فيدعونه ويقومون فِيمَا هم إِلَّا بيعا حَتَّى تُقَام
الصَّلَاة فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي
للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله
وذروا البيع} قَالَ: فَحرم عَلَيْهِم مَا كَانَ قبل ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: الْأَذَان الَّذِي يحرم
فِيهِ البيع هُوَ الْأَذَان الَّذِي عِنْد خُرُوج الإِمام
قَالَ: وَأرى أَن يتْرك البيع الْآن عِنْد الْأَذَان الأول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة قَالَ: إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة حرم
الشِّرَاء وَالْبيع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ:
إِذا زَالَت الشمش من يَوْم الْجُمُعَة حرم البيع
وَالتِّجَارَة حَتَّى تقضى الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَالْحسن أَنَّهُمَا قَالَا:
ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن أَيُّوب قَالَ: لأهل الْمَدِينَة
سَاعَة يَوْم الْجُمُعَة ينادون: حرم البيع وَذَلِكَ عِنْد
خُرُوج الإِمام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ إِذا أذن
الْمُؤَذّن من يَوْم الْجُمُعَة ينادون فِي الْأَسْوَاق: حرم
البيع حرم البيع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم أَن
الْقَاسِم دخل على أَهله فِي يَوْم الْجُمُعَة وَعِنْدهم عطار
يبايعونه فاشتروا مِنْهُ وَخرج الْقَاسِم إِلَى الْجُمُعَة
فَوجدَ الإِمام قد خرج فَأَمرهمْ أَن يناقضوه البيع
(8/163)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر
عَن مُجَاهِد قَالَ: من بَاعَ شَيْئا بعد الزَّوَال يَوْم
الْجُمُعَة فَإِن بَيْعه مَرْدُود لِأَن الله تَعَالَى نهى عَن
البيع إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: هَل تعلم من شَيْء يحرم إِذا أذن
بِالْأولَى سوى البيع قَالَ عَطاء: إِذا نُودي بِالْأولَى حرم
اللَّهْو وَالْبيع والصناعات كلهَا هِيَ بمنزلت البيع والرقاد
وَأَن يَأْتِي الرجل أَهله وَأَن يكْتب كتابا قلت: إِذا نُودي
بِالْأولَى وَجب الرواح حِينَئِذٍ قَالَ: نعم
قلت: من أجل قَوْله إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة
قَالَ: نعم فَليدع حِينَئِذٍ كل شَيْء وليرح
أخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن بسر الْحَرَّانِي قَالَ: رَأَيْت
عبد الله بن بشر الْمَازِني صَاحب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْجُمُعَة خرج فدار فِي السُّوق
سَاعَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِد فصلى مَا شَاءَ الله أَن
يُصَلِّي فَقيل لَهُ: لأي شَيْء تصنع هَذَا قَالَ: لِأَنِّي
رَأَيْت سيد الْمُرْسلين هَكَذَا يصنع وتلا هَذِه الْآيَة
{فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من
فضل الله}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِذا انصرفت
يَوْم الْجُمُعَة فَاخْرُج إِلَى بَاب الْمَسْجِد فساوم
بالشَّيْء وَإِن لم تشتره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْوَلِيد بن رَبَاح أَن أَبَا
هُرَيْرَة كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَة فَإِذا سلم
صَاح {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا
من فضل الله واذْكُرُوا الله} فيبتدر النَّاس الْأَبْوَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَعَطَاء {فَإِذا قضيت
الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} قَالَا: إِن شَاءَ فعل
وَإِن شَاءَ لم يفعل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {فَإِذا
قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} قَالَ: هُوَ إِذن من
الله فَإِذا فرغ فَإِن شَاءَ خرج وَإِن شَاءَ قعد فِي
الْمَسْجِد
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة
فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله} قَالَ: لَيْسَ
لطلب دنيا وَلَكِن عبَادَة مَرِيض وَحُضُور جَنَازَة وزيارة
أَخ فِي الله
(8/164)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض
وابتغوا من فضل الله} قَالَ: لم يؤمروا بِشَيْء من طلب
الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ عِيَادَة مَرِيض وَحُضُور جَنَازَة
وزيارة أَخ فِي الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من صلى الْجُمُعَة فصَام يَوْمه وَعَاد
مَرِيضا وَشهد جَنَازَة وَشهد نِكَاحا وَجَبت لَهُ الْجنَّة
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد
وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه من طرق عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما إِذا
قدمت عير الْمَدِينَة فَابْتَدَرَهَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لم يبْق مِنْهُم إِلَّا اثْنَا عشر
رجلا أَنا فيهم وَأَبُو بكر وَعمر فَأنْزل الله {وَإِذا
رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} إِلَى آخر
السُّورَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَقدم دحْيَة بن
خَليفَة يَبِيع سلْعَة لَهُ فَمَا بَقِي فِي الْمَسْجِد أحد
إِلَّا نفر وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم
فَأنْزل الله {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا
إِلَيْهَا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِذا
رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك
قَائِما} قَالَ: قدم دحْيَة الْكَلْبِيّ بِتِجَارَة فَخَرجُوا
ينظرُونَ إِلَّا سَبْعَة نفر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِذا
رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك
قَائِما} قَالَ: جَاءَت عير عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تحمل
الطَّعَام فَخَرجُوا من الْجُمُعَة بَعضهم يُرِيد أَن
يَشْتَرِي وَبَعْضهمْ يُرِيد أَن ينظر إِلَى دحْيَة وَتركُوا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما على الْمِنْبَر
وَبَقِي فِي الْمَسْجِد اثْنَا عشر رجلا وَسبع نسْوَة فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو خَرجُوا كلهم لاضطرم
الْمَسْجِد عَلَيْهِم نَارا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قدمت عير
الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَائِم على الْمِنْبَر يخْطب فانفض أَكثر من كَانَ فِي
الْمَسْجِد فَأنْزل الله فِي هَذِه الْآيَة {وَإِذا رَأَوْا
تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا}
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(8/165)
يُصَلِّي الْجُمُعَة قبل الْخطْبَة مثل
الْعِيدَيْنِ حَتَّى كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب وَقد صلى الْجُمُعَة فَدخل رجل
فَقَالَ: إِن دحْيَة بن خَليفَة قد قدم بِتِجَارَة وَكَانَ
دحْيَة إِذا قدم تَلقاهُ أَهله بالدفاف فَخرج النَّاس وَلم
يَظُنُّوا إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي ترك الْخطْبَة شَيْء فَأنْزل
الله {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا
إِلَيْهَا} فَقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخطْبَة
يَوْم الْجُمُعَة وَأخر الصَّلَاة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مقَاتل بن حَيَّان
قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم
الْجُمُعَة وَيقوم قَائِما وَإِن دحْيَة الْكَلْبِيّ كَانَ
رجلا تَاجِرًا وَكَانَ قبل أَن يسلم: قدم بتجارته إِلَى
الْمَدِينَة خرج النَّاس ينظرُونَ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ
ويشترون مِنْهُ فَقدم ذَات يَوْم وَوَافَقَ الْجُمُعَة
وَالنَّاس عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
الْمَسْجِد وَهُوَ قَائِم يخْطب فَاسْتقْبل أهل دحْيَة العير
حِين دخل الْمَدِينَة بالطبل وَاللَّهْو فَذَلِك اللَّهْو
الَّذِي ذكر الله فَسمع النَّاس فِي الْمَسْجِد أَن دحْيَة قد
نزل بِتِجَارَة عِنْد أَحْجَار الزَّيْت وَهُوَ مَكَان فِي سوق
الْمَدِينَة وسمعوا أصواتاً فَخرج عَامَّة النَّاس إِلَى
دحْيَة ينظرُونَ إِلَى تِجَارَته وَإِلَى اللَّهْو وَتركُوا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما لَيْسَ مَعَه
كَبِير عدَّة أحد فبلغني وَالله أعلم أَنهم فعلوا ذَلِك ثَلَاث
مَرَّات وبلغنا أَن الْعدة الَّتِي بقيت فِي الْمَسْجِد مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدَّة قَليلَة فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك: لَوْلَا
هَؤُلَاءِ يَعْنِي الَّذين بقوا فِي الْمَسْجِد عِنْد النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقصدت إِلَيْهِم الْحِجَارَة من
السَّمَاء وَنزل {قل مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن
التِّجَارَة وَالله خير الرازقين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله
رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يخْطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَإِذا كَانَ نِكَاح لعب أَهله
وعزفوا ومروا باللهو على الْمَسْجِد وَإِذا نزل بالبطحاء جلب
قَالَ: وَكَانَت الْبَطْحَاء مَجْلِسا بِفنَاء الْمَسْجِد
الَّذِي يَلِي بَقِيع الْغَرْقَد وَكَانَت الْأَعْرَاب إِذا
جلبوا الْخَيل والإِبل وَالْغنم وبضائع الْأَعْرَاب نزلُوا
الْبَطْحَاء فَإِذا سمع ذَلِك من يقْعد للخطبة قَامُوا للهو
وَالتِّجَارَة وتركوه قَائِما فعاتب الله الْمُؤمنِينَ لنَبيه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة
أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا
تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} قَالَ: رجال
يقومُونَ إِلَى نواضحهم وَإِلَى السّفر يقدمُونَ يَبْتَغُونَ
التِّجَارَة وَاللَّهْو
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: بَينا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة
(8/166)
إِذْ قدمت عير الْمَدِينَة فَانْفَضُّوا
إِلَيْهَا وَتركُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم
يبْق مَعَه إِلَّا رَهْط مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر فَنزلت هَذِه
الْآيَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَا يبْقى
معي أحد مِنْكُم لَسَالَ بكم الْوَادي نَارا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ يَوْم الْجُمُعَة فخطبهم
ووعظهم وَذكرهمْ فَقيل: جَاءَت عير فَجعلُوا يقومُونَ حَتَّى
بقيت عِصَابَة مِنْهُم فَقَالَ: كم أَنْتُم فعدوا أَنفسكُم
فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة ثمَّ قَامَ الْجُمُعَة
الثَّانِيَة فخطبهم ووعظهم وَذكرهمْ فَقيل: جَاءَت عير
فَجعلُوا يقومُونَ حَتَّى بقيت عِصَابَة مِنْهُم فَقَالَ: كم
أَنْتُم فعدوا أَنفسكُم فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة
فَقَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو أتبع آخركم
أولكم لَالْتَهَبَ الْوَادي عَلَيْكُم نَارا وَأنزل الله
فِيهَا {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله:
{أَو لهواً} قَالَ: هُوَ الضَّرْب الطبل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان قَالَ: بَينا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة
أقبل شَاءَ وَشَيْء من سمن فَجعل النَّاس يقومُونَ إِلَيْهِ
حَتَّى لم يبْق إِلَّا قَلِيل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لَو تَتَابَعْتُمْ لتأجج الْوَادي نَارا
وَأخرج ان أبي شيبَة وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ: أَكَانَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب قَائِما أَو قَاعِدا قَالَ: أما
تقْرَأ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَابْن مرديه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن كَعْب بن عجْرَة أَنه دخل
الْمَسْجِد وَعبد الرَّحْمَن بن أم الحكم يخْطب قَاعِدا
فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث يخْطب قَاعِدا وَقد
قَالَ الله: {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وان مرْدَوَيْه عَن جَابر بن
سَمُرَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب
قَائِما
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ:
كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطبتان يجلس
بَينهمَا يقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب خطبتين يجلس بَينهمَا
(8/167)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب يَوْم
الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يقْعد ثمَّ يقوم فيخطب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين أَنه سُئِلَ عَن
خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة
فَقَرَأَ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَأَلت أَبَا
عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ عَن الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة
فَقَرَأَ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوُوس قَالَ: خطب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان
وَإِن أوّل من جلس على الْمِنْبَر مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوُوس قَالَ: الْجُلُوس على
الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة بِدعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِنَّمَا خطب
مُعَاوِيَة قَاعِدا حِين كثر شَحم بَطْنه ولحمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا
صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ
الْكَرِيم فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم ويحمد الله ويثني
عَلَيْهِ وَيقْرَأ سُورَة ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم فيخطب ثمَّ ينزل
وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يفعلانه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَت
خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصراً وَصلَاته قصراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَكْحُول قَالَ: إِنَّمَا قصرت
صَلَاة الْجُمُعَة من أجل الْخطْبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين أَنه سُئِلَ عَن
خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة
فَقَرَأَ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي شعب الإِيمان والديلمي عَن
الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: طلبت خطب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجُمُعَة فأعيتني فلزمت رجلا من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته عَن ذَلِك
فَقَالَ: كَانَ يخْطب فَيَقُول فِي خطبَته يَوْم الْجُمُعَة:
يَا أَيهَا النَّاس إِن لكم علما فَانْتَهوا إِلَى علمكُم
وَإِن لكم نِهَايَة فَانْتَهوا إِلَى نهايتكم فَإِن الْمُؤمن
بَين مخافتين بَين أجل قد مضى لَا يدْرِي كَيفَ صنع الله فِيهِ
وَبَين أجل قد بَقِي لَا يدْرِي كَيفَ الله بصانع فِيهِ
فليتزوّد الْمُؤمن من نَفسه لنَفسِهِ وَمن دُنْيَاهُ لآخرته
(8/168)
وَمن الشَّبَاب قبل الْهَرم وَمن الصِّحَّة
قبل السقم فَإِنَّكُم خلقْتُمْ للآخرة وَالدُّنْيَا خلقت لكم
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا بعد الْمَوْت من مستعتب
وَمَا بعد الدُّنْيَا دَار إِلَّا الْجنَّة وَالنَّار
وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن
شهَاب قَالَ: بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه كَانَ يَقُول إِذا خطب: كل مَا هُوَ آتٍ قريب لَا بعد لما
هُوَ آتٍ لَا يعجل الله لعجلة أحد وَلَا يخف لأمر النَّاس مَا
شَاءَ الله لَا مَا شَاءَ النَّاس يُرِيد النَّاس أمرا
وَيُرِيد الله أمرا وَمَا شَاءَ الله كَانَ وَلَو كره النَّاس
لامبعد لما قرب الله وَلَا مقرب لما بعد الله وَلَا يكون شَيْء
إِلَّا بِإِذن الله
(8/169)
|