الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
100
سُورَة العاديات
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 11

(8/599)


وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت وَالْعَادِيات بِمَكَّة
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا زلزلت) (سُورَة الزلزال) تعدل بِنصْف الْقُرْآن {وَالْعَادِيات} تعدل بِنصْف الْقُرْآن
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا زلزلت) تعدل نصف الْقُرْآن {وَالْعَادِيات} تعدل نصف الْقُرْآن و (قل هُوَ الله أحد) (سُورَة الاخلاص) تعدل ثلث الْقُرْآن و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (سُورَة الْكَافِرُونَ) تعدل ربع الْقُرْآن
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيلاً فاستمرت شهرا لَا يَأْتِيهِ مِنْهَا خبر فَنزلت

(8/599)


{وَالْعَادِيات ضَبْحًا} ضحت بأرجلها وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه ضبحت بمناخيرها {فالموريات قدحاً} قدحت بحوافرها الْحِجَارَة فأورت نَارا {فالمغيرات صبحاً} صبحت الْقَوْم بغارة {فأثرن بِهِ نقعاً} أثارت بحوافرها التُّرَاب {فوسطن بِهِ جمعا} صبحت الْقَوْم جَمِيعًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة إِلَى الْعَدو فَأَبْطَأَ خَبَرهَا فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَأخْبرهُ الله خبرهم وَمَا كَانَ من أَمرهم فَقَالَ: {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: هِيَ الْخَيل والضبح: نخير الْخَيل حَتَّى تنخر {فالموريات قدحاً} قَالَ: حِين تجْرِي الْخَيل توري نَارا أَصَابَت بسنابكها الْحِجَارَة {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: هِيَ الْخَيل أغارت فصبحت الْعَدو {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: هِيَ الْخَيل أثرن بحوافرها يَقُول تعدو الْخَيل وَالنَّقْع الْغُبَار {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: الْجمع العدوّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح قَالَ: تقاولت أَنا وَعِكْرِمَة فِي شَأْن العاديات فَقَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس هِيَ الْخَيل فِي الْقِتَال وضبحها حِين ترخي مشافرها إِذا أعدت {فالموريات قدحاً} قَالَ: أرت الْمُشْركين مَكْرهمْ {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: إِذا صبحت الْعَدو {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: إِذا توسطت الْعَدو
قَالَ أَبُو صَالح: فَقلت: قَالَ عليّ: هِيَ الإِبل فِي الْحَج ومولاي كَانَ أعلم من مَوْلَاك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا أَنا فِي الْحجر جَالس إِذا أَتَانِي رجل فَسَأَلَ عَن العاديات ضَبْحًا فَقلت: الْخَيل حِين تغير فِي سَبِيل الله ثمَّ تأوي إِلَى اللَّيْل فيصصنعون طعامهم ويورون نارهم فَانْفَتَلَ عني فَذهب عني إِلَى عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ جَالس تَحت سِقَايَة زَمْزَم فَسَأَلَهُ عَن العاديات ضَبْحًا
فَقَالَ: سَأَلت عَنْهَا أحدا قبل قَالَ نعم
سَأَلت عَنْهَا ابْن عَبَّاس
فَقَالَ: هِيَ الْخَيل حِين تغير فِي سَبِيل الله
فَقَالَ: اذْهَبْ فَادعه لي
فَلَا وقفت على رَأسه قَالَ: تُفْتِي النَّاس بِمَا لَا علم لَك وَالله إِن أول غَزْوَة فِي الإِسلام لبدر وَمَا كَانَ مَعنا إِلَّا فرسَان للزبير وَفرس لِلْمِقْدَادِ بن الْأسود فَكيف يكون العاديات ضَبْحًا إِنَّمَا العاديات ضَبْحًا من عَرَفَة إِلَى الْمزْدَلِفَة فَإِذا أَدّوا إِلَى الْمزْدَلِفَة أوروا إِلَى النيرَان {فالمغيرات صبحاً} من الْمزْدَلِفَة

(8/600)


إِلَى منى فَذَلِك جمع وَأما قَوْله: {فأثرن بِهِ نقعاً} فَهُوَ نقع الأَرْض حِين تطؤه بخفافها وحوافرها
قَالَ ابْن عَبَّاس فنزعت عَن قولي وَرجعت إِلَى الَّذِي قَالَ عليّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الإِبل قَالَ إِبْرَاهِيم: وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: هِيَ الإِبل
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الْخَيل فَبلغ عليا قَول ابْن عَبَّاس فَقَالَ: مَا كَانَت لنا خيل يَوْم بدر قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي سَرِيَّة بعثت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر قَالَ: تمارى عليّ وَابْن عَبَّاس فِي العاديات ضَبْحًا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الْخَيل وَقَالَ عليّ: كذبت يَا ابْن فُلَانَة وَالله مَا كَانَ مَعنا يَوْم بدر فَارس إِلَّا الْمِقْدَاد وَكَانَ على فرس أبلق
قَالَ: وَكَانَ عليّ يَقُول: هِيَ الإِبل
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَلا ترى أَنَّهَا تثير نقعاً فَمَا شَيْء تثيره إِلَّا بحوافرها
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل {فالموريات قدحاً} قَالَ: الرجل إِذا أورى زنده {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الْخَيل تصبح العدوّ {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: التُّرَاب {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: الْعَدو {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي الْقِتَال وَقَالَ ابْن مَسْعُود: فِي الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء من الدَّوَابّ يضبح إِلَّا كلب أَو فرس {فالموريات قدحاً} قَالَ: هُوَ مكر الرجل قدح فأورى {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: غارت الْخَيل صبحاً {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: غُبَار وَقع سنابك الْخَيل {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْعَدو
قَالَ عَمْرو: وَكَانَ عبيد بن عُمَيْر يَقُول: هِيَ الإِبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل ضبحها زجرها ألم تَرَ أَن الْفرس إِذا عدا قَالَ: أح أح فَذَاك ضبحها

(8/601)


وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ قَالَ: الضبح من الْخَيل الحمحمة وَمن الإِبل النَّفس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: هِيَ الْخَيل تعدو حَتَّى تضبح {فالموريات قدحاً} قَالَ: قدحت النَّار بحوافرها {فالمغيرات صبحاً} غارت حِين أَصبَحت {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: غُبَار {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْقَوْم {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل ألم تَرَ إِلَى الْفرس إِذا أجري كَيفَ يضبح وَمَا ضبح بعير قطّ {فالموريات قدحاً} قَالَ: الْمَكْر تَقول الْعَرَب إِذا أَرَادَ الرجل أَن يمكر بِصَاحِبِهِ: أما وَالله لأقدحن لَك ثمَّ لأورين {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الْخَيل {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: التُّرَاب مَعَ وَقع الْخَيل {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْعَدو {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل ألم تَرَهَا إِذا عدت تزحر يَقُول تنحر {فالموريات قدحاً} قَالَ: الْكر {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الْخَيل {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: الْغُبَار {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْمُشْركين {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {فالموريات قدحاً} قَالَ: كَانَ مكر الْمُشْركين إِذا مكروا قَدَحُوا النَّار حَتَّى يرَوا أَنهم كثير
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: النَّقْع مَا يسطع من حوافر الْخَيل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت حسان بن ثَابت وَهُوَ يَقُول: عدمنا خَيْلنَا إِن لم تَرَوْهَا تثير النَّقْع موعدها كداء قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَوْله: {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: الكنود الكفور للنعمة وَهُوَ الَّذِي يَأْكُل وَحده وَيمْنَع رفده ويجيع عَبده
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: شكرت لَهُ يَوْم العكاظ نواله وَلم أك للمعروف ثمَّ كنودا

(8/602)


وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: هِيَ الإِبل فِي الْحَج {فالموريات قدحاً} إِذا استفت الْحَصَى بمناسمها تضرب الْحَصَى بعضه بَعْضًا فَيخرج مِنْهُ النَّار {فالمغيرات صبحاً} حِين يفيضون من جمع {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: إِذا صرن يثرن التُّرَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الإِبل {فالموريات قدحاً} قَالَ: الْخَيل {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: الْقَوْم {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الدفعة من عَرَفَة {فالموريات قدحاً} قَالَ: النيرَان تجمع {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الدفعة من جمع {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: بطن الْوَادي {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع منى وَأخرج عبد بن حميد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الكنود بلساننا أهل الْبَلَد الكفور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: الكنود الَّذِي يمْنَع رفده وَينزل وَحده وَيضْرب عَبده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرُونَ مَا الكنود قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هُوَ الكفور الَّذِي يضْرب عَبده وَيمْنَع رفده وَيَأْكُل وَحده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله: {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: الكفور للنعمة الْبَخِيل بِمَا أعْطى وَالَّذِي يمْنَع رفده ويجيع عَبده وَيَأْكُل وَحده وَلَا يُعْطي النائبة تكون فِي قومه وَلَا يكون كنوداً حَتَّى تكون هَذِه الْخِصَال فِيهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور يعدد المصيبات وينسى نعم ربه عز وَجل

(8/603)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: الإِنسان {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر} قَالَ: المَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: هَذِه من مقاديم الْكَلَام يَقُول وَإِن الله على ذَلِك لشهيد وَإِن الإِنسان لحب الْخَيْر لشديد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر} قَالَ: هُوَ المَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: الإِنسان شَاهد على نَفسه {أَفلا يعلم إِذا بعثر مَا فِي الْقُبُور} قَالَ: حِين يبعثون {وَحصل مَا فِي الصُّدُور} قَالَ: أخرج مَا فِي الصُّدُور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق البخْترِي بن عبيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله: مَا العاديات ضَبْحًا فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ من الْغَد فَقَالَ: مَا الموريات قدحاً فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ لثالثة فَقَالَ: مَا الْمُغيرَات صبحاً فَرفع الْعِمَامَة والقلنسوة عَن رَأسه بمخصرته فَوَجَدَهُ مقرعاً رَأسه فَقَالَ: لَو وَجَدْتُك حالقاً رَأسك لوضعت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك فَفَزعَ الْمَلأ من قَوْله فَقَالُوا يَا نَبِي الله وَلم قَالَ: إِنَّه سَيكون أنَاس من أمتِي يضْربُونَ الْقُرْآن بعضه بِبَعْض ليبطلوه ويتبعون مَا تشابه ويزعمون أَن لَهُم فِي أَمر رَبهم سَبِيلا وَلكُل دين مجوس وهم مجوس أمتِي وكلاب النَّار فَكَأَنَّهُ يَقُول: هم الْقَدَرِيَّة
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: البخْترِي ضعفه أَبُو حَاتِم وَأعله غَيره وَقَالَ أَبُو نعيم: رُوِيَ عَن أَبِيه مَوْضُوعَات

(8/604)


101
سُورَة القارعة
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة بِسم الله الرحن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 11

(8/605)


الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة القارعة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: القارعة من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم يكون النَّاس كالفراش المبثوث} قَالَ: هَذَا هُوَ الْفراش الَّذِي رَأَيْتُمْ يتهافت فِي النَّار وَفِي قَوْله: {وَتَكون الْجبَال كالعهن المنفوش} قَالَ: كالصوف وَفِي قَوْله: {فَأَما من ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ فِي عيشة راضية} قَالَ: هِيَ الْجنَّة {وَأما من خفت مَوَازِينه فأمه هاوية} قَالَ: هِيَ النَّار مأواهم وأمهم ومصيرهم ومولاهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأمه هاوية} قَالَ: مصيره إِلَى النَّار وَهِي الهاوية

(8/605)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {فأمه هاوية} كَقَوْلِك هويت أمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: هِيَ كلمة عَرَبِيَّة إِذا وَقع رجل فِي أَمر شَدِيد قَالُوا: هويت أمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي {فأمه هاوية} قَالَ: أم رَأسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: أم رَأسه هاوية فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح قَالَ: يهوون فِي النَّار على رؤوسهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: الهاوية النَّار هِيَ أمه ومأواه الَّتِي يرجع إِلَيْهَا ويأوي إِلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْأَشْعَث بن عبد الله الْأَعْمَى قَالَ: إِذا مَاتَ الْمُؤمن ذهب بِرُوحِهِ إِلَى روح الْمُؤمنِينَ فَتَقول: روحوا لأخيكم فَإِنَّهُ كَانَ فِي غم الدُّنْيَا ويسألونه مَا فعل فلَان فيخبرهم فَيَقُول صَالح حَتَّى يسألوه مَا فعل فلَان فَيَقُول: مَاتَ أما جَاءَكُم فَيَقُولُونَ: لَا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية
وَأخرج الْحَاكِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مَاتَ العَبْد تلقى روحه أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَيَقُولُونَ لَهُ: مَا فعل فلَان فَإِذا قَالَ مَاتَ قَالُوا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مَاتَ الْمُؤمن تَلَقَّتْهُ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة فَإِن كَانَ مَاتَ وَلم يَأْتهمْ قَالُوا خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية بئست الْأُم وبئست المربية حَتَّى يَقُولُوا: مَا فعل فلَان
هلت تزوج مَا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَيَقُولُونَ: دَعوه فيستريح فقد خرج من كرب الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن نفس الْمُؤمن إِذا قبضت تقلتها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير من أهل الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا صَاحبكُم يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب شَدِيد ثمَّ يسألونه مَا فعل فلَان وفلانة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل قد مَاتَ قبله فَيَقُول: هَيْهَات قد مَاتَ ذَاك قبلي فَيَقُولُونَ: إِنَّا لله وَإنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: إِذا قبضت نفس العَبْد

(8/606)


تلقاها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير فِي الدُّنْيَا فيقبلون عَلَيْهِ ليسألوه فَيَقُول بَعضهم لبَعض: انْظُرُوا أَخَاكُم حَتَّى يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب فيقبلون عَلَيْهِ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل مَاتَ قبله قَالَ لَهُم: إِنَّه قد هلك فَيَقُولُونَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية فَيعرض عَلَيْهِم أَعْمَالهم فَإِذا رَأَوْا حسنا فرحوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: هَذِه نِعْمَتك على عَبدك فأتمها وَإِن رأو سوءا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجع عَبدك
قَالَ ابْن الْمُبَارك وَرَوَاهُ سَلام الطَّوِيل عَن ثَوْر فرفعه
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن جُبَير أَنه قيل لَهُ: هَل يَأْتِي الْأَمْوَات أَخْبَار الْأَحْيَاء قَالَ: نعم مَا من أحد لَهُ حميم إِلَّا يَأْتِيهِ أَخْبَار أَقَاربه فَإِن كَانَ خيرا سرّ بِهِ وَفَرح بِهِ وَإِن كَانَ شرا ابتأس لذَلِك وحزن حَتَّى إِنَّهُم ليسألون عَن الرجل قد مَاتَ فَيُقَال: ألم يأتكم فَيَقُولُونَ: لقد خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بقرية قد مَاتَ أَهلهَا إنسا وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها فَقَامَ ينظر إِلَيْهَا سَاعَة ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: مَاتَ هَؤُلَاءِ بِعَذَاب الله وَلَو مَاتُوا بِغَيْر ذَلِك مَاتُوا مُتَفَرّقين ثمَّ ناداهم: يَا أهل الْقرْيَة
فَأَجَابَهُ مُجيب لبيْك يَا روح الله
قَالَ: مَا كَانَ جنايتكم قَالُوا عبَادَة الطاغوت وَحب الدُّنْيَا
قَالَ: وَمَا كَانَت عبادتكم الطاغوت قَالَ: الطَّاعَة لأهل معاصي الله تَعَالَى
قَالَ: فَمَا كَانَ حبكم الدُّنْيَا قَالُوا: كحب الصبيّ لأمه
كُنَّا إِذا أَقبلت فرحنا وَإِذا أَدْبَرت حزنا مَعَ أمل بعيد وإدبار عَن طَاعَة الله وإقبال فِي سخط الله
قَالَ: وَكَيف كَانَ شَأْنكُمْ قَالُوا: بِنَا لَيْلَة فِي عَافِيَة وأصبحنا فِي الهاوية
فَقَالَ عِيسَى: وَمَا الهاوية قَالَ: سِجِّين
قَالَ: وَمَا سِجِّين قَالَ: جَمْرَة من نَار مثل أطباق الدُّنْيَا كلهَا دفنت أَرْوَاحنَا فِيهَا
قَالَ: فَمَا بَال أَصْحَابك لَا يَتَكَلَّمُونَ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يتكلموا ملجمون بلجام من نَار
قَالَ: فَكيف كَلَّمتنِي أَنْت من بَينهم قَالَ: إِنِّي كنت فيهم وَلم أكن على حَالهم فَلَمَّا جَاءَ الْبلَاء عمني مَعَهم فَأَنا مُعَلّق بشعرة فِي الهاوية لَا أَدْرِي أكردس فِي النَّار أم أنجو
فَقَالَ عِيسَى: بِحَق أَقُول لكم لأكل خبز الشّعير وَشرب مَاء القراح وَالنَّوْم على الْمَزَابِل مَعَ الْكلاب كثير مَعَ عَافِيَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة

(8/607)


وَأخرج أَبُو يعلى قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فقد الرجل من إخوانه ثَلَاثَة أَيَّام سَأَلَ عَنهُ فَإِن كَانَ غَائِبا دَعَا لَهُ وَإِن كَانَ شَاهدا زَارَهُ وَإِن كَانَ مَرِيضا عَاده
ففقد رجلا من الْأَنْصَار فِي الْيَوْم الثَّالِث فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: تَرَكْنَاهُ مثل الفرخ لَا يدْخل فِي رَأسه شَيْء إِلَّا خرج من دبره
قَالَ: عودوا أَخَاكُم فخرجنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعوده فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كيفت تجدك قَالَ: لَا يدْخل فِي رَأْسِي شَيْء أَلا خرج من دبري
قَالَ: ومم ذَاك قَالَ يَا رَسُول الله: مَرَرْت بك وَأَنت تصلي الْمغرب فَصليت مَعَك وَأَنت تقْرَأ هَذِه السُّورَة {القارعة مَا القارعة} إِلَى آخرهَا {نَار حامية} فَقلت اللَّهُمَّ مَا كَانَ من ذَنْب أَنْت معذبي عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة فَعجل لي عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا فَنزل بِي مَا ترى
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بئس مَا قلت أَلا سَأَلت الله أَن يؤتيك فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة ويقيك عَذَاب النَّار فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا بذلك ودعا لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ كَأَنَّهُمَا نشط من عقال

(8/608)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
102
سُورَة التكاثر
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 8

(8/609)


أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {أَلْهَاكُم التكاثر}
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا يَسْتَطِيع أحدكُم أَن يقْرَأ ألف آيَة فِي كل يَوْم قَالُوا: وَمن يَسْتَطِيع أَن يقْرَأ ألف آيَة قَالَ: أما يَسْتَطِيع أحدكُم أَن يقْرَأ أَلْهَاكُم التكاثر وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمون {أَلْهَاكُم التكاثر} الْمُغيرَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الشخير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انْتَهَيْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ {أَلْهَاكُم التكاثر} وَفِي لفظ وَقد أنزلت عَلَيْهِ {أَلْهَاكُم التكاثر} وَهُوَ يَقُول: يَقُول ابْن آدم: مَالِي مَالِي وَهل لَك من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت أَو لبست فأبليت أَو تَصَدَّقت فأبقيت

(8/609)


وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مطرف عَن أَبِيه قَالَ: لما أنزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول ابْن آدم مَالِي مَالِي وَهل لَك من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت أولبست فأبلست أَو تَصَدَّقت فأبقيت أَو أَعْطَيْت فأمضيت
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول العَبْد مَالِي مَالِي وَإِنَّمَا لَهُ من مَاله ثَلَاثَة مَا أكل فأفنى أَو لبس فأبلى أَو تصدق فأبقى
وَمَا سوى ذَلِك فَهُوَ ذَاهِب وتاركه للنَّاس
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول ابْن آدم مَالِي مَالِي وَمَاله من مَاله إِلَّا مَا أكل فأفنى أَو لبس فأبلى أَو أعْطى فَأمْضى
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن جرير بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي قَارِئ عَلَيْكُم سُورَة {أَلْهَاكُم التكاثر} فَمن بَكَى فقد دخل الْجنَّة فقرأها فمنا من بَكَى وَمنا من لم يبك فَقَالَ الَّذين لم يبكوا: قد جهدنا يَا رَسُول الله أَن نبكي فَلم نقدر عَلَيْهِ
فَقَالَ: إِنِّي قَارِئهَا عَلَيْكُم الثَّانِيَة فَمن بَكَى فَلهُ الْجنَّة وَمن لم يقدر أَن يبكي فليتباك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الشخير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي وَهُوَ يقْرَأ {أَلْهَاكُم التكاثر} حَتَّى خَتمهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير عَن أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن لَو أَن لِابْنِ آدم واديين من مَال لتمنى وَاديا ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب ثمَّ يَتُوب الله على من تَابَ حَتَّى نزلت سُورَة {أَلْهَاكُم التكاثر} إِلَى آخرهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: قَالُوا: نَحن أَكثر من بني فلَان وَبَنُو فلَان أَكثر من بني فلَان فألهاهم ذَلِك حَتَّى مَاتُوا ضلالا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحنيش بن أَصْرَم فِي الاسْتقَامَة وَابْن جريروابن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: نزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} فِي عَذَاب الْقَبْر

(8/610)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَرَأَ {الهاكم التكاثر حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} ثمَّ قَالَ: مَا أرى الْمَقَابِر إِلَّا زِيَارَة وَمَا للزائر بُد من أَن يرجع إِلَى منزله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أخْشَى عَلَيْكُم الْفقر وَلَكِن أخْشَى عَلَيْكُم التكاثر وَمَا أخْشَى عَلَيْكُم الْخَطَأ وَلَكِن أخْشَى عَلَيْكُم التعمد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَلْهَاكُم التكاثر} يَعْنِي عَن الطَّاعَة {حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} قَالَ: يَقُول: حَتَّى يأتيكم الْمَوْت {كلا سَوف تعلمُونَ} يَعْنِي لَو قد دَخَلْتُم قبوركم {ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} يَقُول: لَو قد خَرجْتُمْ من قبوركم إِلَى محشركم {كلا لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} قَالَ: لَو قد وقفتم على أَعمالكُم بَين يَدي ربكُم {لترون الْجَحِيم} وَذَلِكَ أَن الصِّرَاط يوضع وسط جَهَنَّم فناج مُسلم ومخدوش مُسلم ومكدوش فِي نَار جَهَنَّم {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} يَعْنِي شبع الْبُطُون وبارد الشَّرَاب وظلال المساكن واعتدال الْخلق وَلَذَّة النّوم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِيَاض بن غنم أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَوْله: {أَلْهَاكُم التكاثر حَتَّى زرتم الْمَقَابِر كلا سَوف تعلمُونَ} يَقُول: لَو دَخَلْتُم الْقُبُور {ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} وَقد خَرجْتُمْ من قبوركم {كلا لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} فِي يَوْم محشركم إِلَى ربكُم {لترون الْجَحِيم} أَي فِي الْآخِرَة حق الْيَقِين كرأي الْعين {ثمَّ لترونها عين الْيَقِين} يَوْم الْقِيَامَة {ثمَّ لتسألنّ يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} بَين يَدي ربكُم عَن بَارِد الشَّرَاب وظلال المساكن وشبع الْبُطُون واعتدال الْخلق ولذاذة النّوم حَتَّى خطْبَة أحدكُم الْمَرْأَة مَعَ خطاب سواهُ فَزَوجهَا ومنعها غَيره
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {كلا سَوف تعلمُونَ} الْكفَّار {ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} الْمُؤمنِينَ
وَكَذَلِكَ كَانُوا يقرؤونها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {كلا لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن علم الْيَقِين أَن يعلم أَن الله باعثه بعد الْمَوْت

(8/611)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه الْمَوْت وَفِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: إِن الله سَائل كل ذِي نعْمَة فِيمَا أنعم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: صِحَة الْأَبدَان والأسماع والأبصار يسْأَل الله الْعباد فيمَ استعملوها وَهُوَ أعلم بذلك مِنْهُم وَهُوَ قَوْله: (إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولاً) (سُورَة الْإِسْرَاء الْآيَة 36)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: كل شَيْء من لَذَّة الدُّنْيَا
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: الْأَمْن وَالصِّحَّة
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة قَالَ النَّعيم: الْأَمْن وَالصِّحَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: النَّعيم الْعَافِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: عَن أكل خبز الْبر وَشرب مَاء الْفُرَات مبرداً وَكَانَ لَهُ منزل يسكنهُ فَذَاك من النَّعيم الَّذِي يسْأَل عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: نَاس من أمتِي يعقدون السّمن وَالْعَسَل بالنقى فيأكلونه
وَأخرج عبد بن حميد عَن حمْرَان بن أبان عَن رجل من أهل الْكتاب قَالَ: مَا الله معط عبدا فَوق ثَلَاث إِلَّا سائله عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة: قدر مَا يُقيم بِهِ صلبه من الْخبز وَمَا يكنه من الظل وَمَا يواري بِهِ عَوْرَته من النَّاس

(8/612)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ الصَّحَابَة: وَفِي أَي نعيم نَحن يَا رَسُول الله وَإِنَّمَا نَأْكُل فِي أَنْصَاف بطوننا خبز الشّعير فَأوحى الله إِلَى نبيه أَن قل لَهُم: أَلَيْسَ تحتذون النِّعَال وتشربون المَاء الْبَارِد فَهَذَا من النَّعيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَأحمد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ: لما أنزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} فَقَرَأَ حَتَّى بلغ ثمَّ {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يَا رَسُول الله: عَن أَي نعيم نسْأَل وَإِنَّمَا هما الأسودان المَاء وَالتَّمْر وسيوفنا على رقابنا والعدوّ حَاضر فَعَن أَي نعيم نسْأَل قَالَ: أما إِن ذَلِك سَيكون
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله عَن أَي النَّعيم نسْأَل وَإِنَّمَا هما الأسودان والعدوّ حَاضر وسيوفنا على عواتقنا قَالَ: أما إِن ذَلِك سَيكون
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: لما نزلت {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يَا رَسُول الله: وَأي نعيم نسْأَل عَنهُ وَإِنَّمَا هما الأسودان التَّمْر وَالْمَاء قَالَ: إِن ذَلِك سَيكون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن الزبير قَالَ: لما نزلت {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ الزبير بن العوّام: يَا رَسُول الله أَي نعيم نسْأَل عَنهُ وَإِنَّمَا هما الأسودان المَاء وَالتَّمْر
قَالَ: أما ذَلِك سَيكون
وَأخرج عبد بن حميد عَن صَفْوَان بن سليم قَالَ: لما نزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} إِلَى آخرهَا {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَن أَي نعيم نسْأَل إِنَّمَا هما الأسودان المَاء وَالتَّمْر وسيوفنا على عواتقنا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه سَيكون
وَأخرج أَبُو يعلى عَن الْحسن قَالَ:: لما نزلت هَذِه الْآيَة {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يَا رَسُول الله: أَي نعيم نسْأَل عَنهُ وسيوفنا على عواتقنا وَذكر الحَدِيث
وَأخرج أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

(8/613)


إِن أول مَا يسْأَل العَبْد عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة من النَّعيم أَن يُقَال لَهُ: ألم نصح لَك جسمك ونروك من المَاء الْبَارِد
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس الصِّحَّة والفراغ
وَأخرج ابْن جرير عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: النَّعيم المسؤول عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة كسرة تقوته وَمَاء يرويهِ وثوب يواريه
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: جَاءَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر فأطعمناهم رطبا وسقيناهم مَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه والبهقي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ ليهودي على أبي تمر فَقتل أبي يَوْم أحد وَترك حديقتين وتمر الْيَهُودِيّ يستوعب مَا فِي الحديقتين
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك أَن تَأْخُذ الْعَام بعضه وتؤخر بَعْضهَا إِلَى قَابل فَأبى الْيَهُودِيّ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا حضر الْجذاذ فآذاني فآذنته فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر فَجعلنَا نجذ ويكال لَهُ من أَسْفَل النّخل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو بِالْبركَةِ حَتَّى وفيناه جَمِيع حَقه من أَصْغَر الحديقتين ثمَّ أتيتهم برطب وَمَاء فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ثمَّ قَالَ: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ بِأبي بكر وَعمر فَقَالَ: مَا أخرجكما من بيوتكما هَذِه السَّاعَة قَالَا: الْجُوع يَا رَسُول الله
قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأخرجني الَّذِي أخرجكما فَقومُوا فقاما مَعَه فَأتى رجلا من الْأَنْصَار فَإِذا هُوَ لَيْسَ فِي بَيته فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَة قَالَت: مرْحَبًا وَأهلا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن فلَان قَالَت: انْطلق يستعذب لنا المَاء إِذْ جَاءَ الْأنْصَارِيّ فَنظر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه فَقَالَ: الْحَمد لله مَا أحد الْيَوْم أكْرم أضيافاً مني فَانْطَلق فجَاء بعذق فِيهِ بسر وتمر فَقَالَ: كلوا من هَذَا وَأخذ المدية فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إياك والحلوب فذبح لَهُم فَأَكَلُوا من الشَّاة وَمن ذَلِك العذق وَشَرِبُوا
فَلَمَّا شَبِعُوا وَرووا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر وَعمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتسألن عَن هَذَا النَّعيم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن

(8/614)


عَبَّاس أَنه سمع عمر بن الْخطاب يَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا عِنْد الظهيرة فَوجدَ أَبَا بكر فِي الْمَسْجِد جَالِسا فَقَالَ: مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخرجني الَّذِي أخرجك يَا رَسُول الله
ثمَّ إِن عمر جَاءَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا ابْن الْخطاب مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخرجني الَّذِي أخرجكما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل بكما من قُوَّة فتنطلقان إِلَى هَذَا النّخل فتصيبان من طَعَام وشراب فَقُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَيَّتنَا منزل مَالك بن التيهَان أبي الْهَيْثَم الْأنْصَارِيّ
وَأخرج ابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج أَبُو بكر فِي الهاجرة إِلَى الْمَسْجِد فَسمع عمر فَخرج فَقَالَ لأبي بكر: مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخرجني مَا أجد فِي نَفسِي من حاق الْجُوع
قَالَ عمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أخرجني إِلَى الْجُوع فَبَيْنَمَا هما كَذَلِك إِذْ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا أخرجكما هَذِه السَّاعَة فَقَالَا: وَالله مَا أخرجنَا إِلَّا مَا نجد فِي بطوننا من حاق الْجُوع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أخرجني غَيره فَقَامُوا فَانْطَلقُوا إِلَى منزل أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى دَاره قَالَت امْرَأَته: مرْحَبًا بِنَبِي الله وبمن بِعْهُ
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن أَبُو أَيُّوب فَقَالَت امْرَأَته: يَأْتِيك يَا نَبِي الله السَّاعَة
فجَاء أَبُو أَيُّوب فَقطع عذقاً فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أردْت أَن تقطع لنا هَذَا أَلا اجتنيت الثَّمَرَة قَالَ: أَحْبَبْت يَا رَسُول الله أَن تَأْكُلُوا من بسره وتمره ورطبه
ثمَّ ذبح جدياً فشوى نصفه وطبخ نصفه فَلَمَّا وضع بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من الجدي فَجعله فِي رغيف وَقَالَ: يَا أَبَا أَيُّوب أبلغ بِهَذَا فَاطِمَة فَإِنَّهَا لم تصب مثل هَذَا مُنْذُ أَيَّام فَذهب بِهِ أَبُو أَيُّوب إِلَى فَاطِمَة
فَلَمَّا أكلُوا وشبعوا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خبز وَلحم وتمر وَبسر وَرطب ودمعت عَيناهُ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هَذَا لَهو النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
قَالَ الله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} فَهَذَا النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة فَكبر ذَلِك على أَصْحَابه
فَقَالَ: بلَى إِذا أصبْتُم هَذَا فضربتم بِأَيْدِيكُمْ فَقولُوا: بِسم الله فَإِذا شيعتم فَقولُوا: الْحَمد لله الَّذِي هُوَ أشبعنا وأنعم علينا وَأفضل فَإِن هَذَا كفاف لَهَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن عدي وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن مَنْدَه فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عسيب مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلًا فَمر بِي فدعاني فَخرجت إِلَيْهِ ثمَّ مر بِأبي بكر

(8/615)


فَدَعَاهُ فَخرج إِلَيْهِ ثمَّ مر بعمر فَدَعَاهُ فَخرج إِلَيْهِ فَانْطَلق حَتَّى دخل حَائِطا لبَعض الْأَنْصَار فَقَالَ لصَاحب الْحَائِط: أطعمنَا فجَاء بعذق فَوَضعه فَأكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ثمَّ دَعَا بِمَاء بَارِد فَشرب وَقَالَ: لتسألن عَن هَذَا النَّعيم يَوْم الْقِيَامَة فَأخذ عمر العذق فَضرب بِهِ الأَرْض حَتَّى تناثر الْبُسْر ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله: إِنَّا لمسؤولون عَن هَذَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: نعم إِلَّا من ثَلَاث كسرة يسد بهَا الرجل جوعته أَو ثوب يستر بِهِ عَوْرَته أَو حجر يدْخل فِيهِ من الْحر وَالْبرد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جدول فَأتي برطب وَمَاء بَارِد فَأكل من الرطب وَشرب من المَاء ثمَّ قَالَ: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: انْطَلَقت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعنا عمر إِلَى رجل يُقَال لَهُ الوَاقِفِي فذبح لنا شَاة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إياك وَذَات الدّرّ فأكلنا ثريداً وَلَحْمًا وشربنا مَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي سَاعَة لم يكن يخرج فِيهَا ثمَّ خرج أَبُو بكر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أخرجك يَا أَبَا بكر قَالَ: أخرجني من الْجُوع
قَالَ: وأخرجني الَّذِي أخرجك
ثمَّ خرج عمر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أخرجك يَا عمر قَالَ: أخرجني وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ الْجُوع
ثمَّ جَاءَ أنَاس من أَصْحَابه فَقَالَ: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى منزل أبي الْهَيْثَم فَقَالَت لَهُم امْرَأَته: إِنَّه ذهب يستعذب لنا فدوروا إِلَى الْحَائِط ففتحت لَهُم بَاب الْبُسْتَان فَدَخَلُوا فجلسوا فجَاء أَبُو الْهَيْثَم فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: أَتَدْرِي من عنْدك قَالَ: لَا قَالَت لَهُ: عنْدك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَدخل عَلَيْهِم فعلق قربته على نَخْلَة ثمَّ أَخذ مخرفان فَأتى عذقاً لَهُ فاخترف لَهُم رطبا فَأَتَاهُم بِهِ فَصَبَّهُ بَين أَيْديهم فَأَكَلُوا مِنْهُ وَبرد لَهُم ذَلِك المَاء فَشَرِبُوا مِنْهُ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي الْهَيْثَم بن التيهَان أَن أَبَا بكر الصّديق خرج فَإِذا هُوَ بعمر جَالِسا فِي الْمَسْجِد فَعمد نَحوه فَوقف فَسلم فَرد عمر فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة فَقَالَ لَهُ عمر: بل أَنْت مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ

(8/616)


أَبُو بكر: إِنِّي سَأَلتك قبل أَن تَسْأَلنِي
فَقَالَ عمر: أخرجني الْجُوع
فَقَالَ أَبُو بكر: وَأَنا أخرجني الَّذِي أخرجك
فلبثا يتحدثان وطلع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعمد نَحْوهمَا حَتَّى وقف عَلَيْهِمَا فَسلم فَردا السَّلَام فَقَالَ: مَا أخرجكما هَذِه السَّاعَة فَنظر كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِد إِلَّا وَهُوَ يُرِيد أَن يُخبرهُ صَاحبه فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله خرج قبلي وَخرجت بعده فَسَأَلته مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة فَقَالَ: بل أَنْت مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة فَقلت: إِنِّي
سَأَلتك قبل أَن تَسْأَلنِي فَقَالَ: بل أخرجني الْجُوع
فَقلت لَهُ: أخرجني الَّذِي أخرجك
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَنا فَأَخْرجنِي الَّذِي أخرجكما
فَقَالَ لَهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعلمان من أحد نضيفه قَالَا: نعم أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان لَهُ أعذق وجدي إِن جئناه نجد عِنْده فضل تمر
فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحباه حَتَّى دخلُوا الْحَائِط فَسلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمِعت أم الْهَيْثَم تَسْلِيمه ففدت بِالْأَبِ وَالأُم وأخرجت حلساً لَهَا من شعر فجلسوا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَيْنَ أَبُو الْهَيْثَم فَقَالَت: ذَاك ذهب ليستعذب لنا من المَاء
وطلع أَبُو الْهَيْثَم بالقربة على رقبته فَلَمَّا أَن رأى وضح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين ظهراني النّخل أسندها إِلَى جذع وَأَقْبل يفْدي بِالْأَبِ وَالأُم فَلَمَّا رَآهُمْ عرف الَّذِي بهم فَقَالَ لأم الْهَيْثَم: هَل أطعمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه شَيْئا فَقَالَت: إِنَّمَا جلس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّاعَة
قَالَ: فَمَا عنْدك قَالَت: عِنْدِي حبات من شعير
قَالَ: كركريها واعجني واخبزي إِذْ لم يَكُونُوا يعْرفُونَ الخمير
قَالَ: وَأخذ الشَّفْرَة فَرَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موليا فَقَالَ: إياك وَذَات الدّرّ
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أُرِيد عنيقاً فِي الْغنم فذبح وَنصب فَلم يلبث إِذا جَاءَ بذلك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحباه فشبعوا لَا عهد لَهُم بِمِثْلِهَا
فَمَا مكث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أُتِي بأسير من الْيمن فَجَاءَتْهُ فَاطِمَة ابْنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَشْكُو إِلَيْهِ الْعَمَل وتريه يَديهَا وتسأله إِيَّاه
قَالَ: لَا وَلَكِن أعْطِيه أَبَا الْهَيْثَم فقد رَأَيْته وَمَا لَقِي هُوَ وَامْرَأَته يَوْم ضفناهم فَأرْسل إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إيها فَقَالَ: خُذ هَذَا الْغُلَام يعينك على حائطك واستوص بِهِ خيرا: فَمَكثَ عِنْد أبي الْهَيْثَم مَا شَاءَ الله أَن يمْكث فَقَالَ: لقد كنت مُسْتقِلّا أَنا وصاحبتي بحائطنا اذْهَبْ فَلَا رب لَك إِلَّا الله فَخرج ذَلِك الْغُلَام إِلَى الشَّام ورزق فِيهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَن أَبَا بكر خرج لم يُخرجهُ إِلَّا الْجُوع وَخرج عمر لم يُخرجهُ إِلَّا الْجُوع وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَلَيْهِمَا وأنهما أخبراه أَنه

(8/617)


لم يخرجهما إِلَى الْجُوع فَقَالَ: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى منزل رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان فَإِذا هُوَ لَيْسَ فِي الْمنزل ذهب يَسْتَقِي فرحبت الْمَرْأَة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبصاحبيه وَبسطت لَهُم شَيْئا فجلسو عَلَيْهِ فَسَأَلَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن انْطلق أَبُو الْهَيْثَم قَالَت: ذهب يستعذب لنا فَلم يلبث أَن جَاءَ بقربة فِيهَا مَاء فعلقها وَأَرَادَ أَن يذبح لَهُم شَاة فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره ذَلِك فذبح لَهُم عنَاقًا ثمَّ انْطلق فجَاء بكبائس من النّخل فَأَكَلُوا من ذَلِك اللَّحْم والبسر وَالرّطب أَو شربوا من المَاء فَقَالَ أَحدهمَا: إِمَّا أَبُو بكر وَإِمَّا عمر: هَذَا من النَّعيم الَّذِي نسْأَل عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُؤمن لَا يثرب عَلَيْهِ شَيْء أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا يثرب على الْكَافِر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْكَلْبِيّ أَنه سُئِلَ عَن تَفْسِير هَذِه الْآيَة {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ للْكفَّار {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا} ) (سُورَة الْأَحْقَاف الْآيَة 20) إِنَّمَا هِيَ للْكفَّار قَالَ: وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر كلهم يَقُولُونَ أخرجني الْجُوع فنطلق بهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْهَيْثَم فَلم يره فِي منزله ورحبت الْمَرْأَة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبصاحبيه وأخرجت بساطاً فجلسوا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن أَنطلق أَبُو الْهَيْثَم فَقَالَت: انْطلق يستعذب لنا فَلم يَلْبَثُوا أَن جَاءَ بقربة مَاء فعلقها وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يذبح لَهُم شَاة فكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فذبح عنَاقًا ثمَّ انْطلق فجَاء بكبائس من نخل فَأَكَلُوا من اللَّحْم وَمن الْبُسْر وَالرّطب وَشَرِبُوا من المَاء فَقَالَ أَحدهمَا: إِمَّا أَبُو بكر وَإِمَّا عمر: هَذَا من النَّعيم الَّذِي نسْأَل عَنهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا يسْأَل الْكفَّار وَإِن الْمُؤمن لَا يثرب عَلَيْهِ شَيْء أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يثرب على الْكَافِر قيل لَهُ من حَدثَك قَالَ: الشّعبِيّ عَن الْحَارِث عَن ابْن مَسْعُود
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَامر قَالَ: أكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر لَحْمًا وخبزاً وشعيراً ورطباً وَمَاء بَارِدًا فَقَالَ: هَذَا وربكما من النَّعيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يارسول الله: أَي نعيم نسْأَل عَنهُ سُيُوفنَا على عواتقنا وَالْأَرْض كلهَا لنا حَرْب يصبح أَحَدنَا بِغَيْر غداء ويمسي عشَاء قَالَ: عني بذلك قوم يكونُونَ

(8/618)


من بعدكم أَنْتُم خير مِنْهُم يغذي عَلَيْهِم بِجَفْنَة وَيرَاح عَلَيْهِم بِجَفْنَة وَيَغْدُو فِي حلَّة وَيروح فِي حلَّة ويسترون بُيُوتهم كَمَا تستر الْكَعْبَة ويفشى فيهم السّمن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: لما نزلت {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَامَ رجل مُحْتَاج فَقَالَ يَا رَسُول الله: هَل عليّ من النِّعْمَة شَيْء قَالَ: نعم الظل والنعلان وَالْمَاء الْبَارِد
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْخصاف وَالْمَاء والبارد وفلق الْكسر قَالَ الْعَبَّاس: الْخصاف خصف النَّعْلَيْنِ
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا فَوق الإِزار وظل الْحَائِط وخبز يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة وَيسْأل عَنهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث لَا يُحَاسب بِهن العَبْد: ظلّ خص يستظل بِهِ وكسرة يشد بهَا صلبه وثوب يواري بِهِ عَوْرَته
وَأخرج أَيْضا عَن سلمَان قَالَ: يلغني أَن فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب: ابْن آدم كسيرة تكفيك وخرقة تواريك وَحجر يؤيك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رجلا سَأَلَهُ إِنْسَان من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين فَقَالَ: أَلَك امْرَأَة تأوي إِلَيْك وتأوي إِلَيْهَا قَالَ: نعم
قَالَ: أَلَك مسكن تسكنه قَالَ: نعم
قَالَ: فلست من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل شَيْء سوى ظلّ بَيت وجلف الْخبز وثوب يواري عَوْرَته وَالْمَاء فَمَا فضل عَن هَذَا لِابْنِ آدم فِيهِنَّ حق
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة والحكيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه عَن عَمه قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ أثر غسل وَهُوَ طيب النَّفس فظننا أَنه ألم بأَهْله فَقُلْنَا يَا رَسُول الله: نرَاك طيب النَّفس فَقَالَ: أجل وَالْحَمْد لله ثمَّ ذكر الْغنى فَقَالَ: لَا بَأْس بالغنى لمن اتَّقى الله وَالصِّحَّة لمن اتَّقى خير من الْغنى وَطيب النَّفس من النَّعيم

(8/619)


وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: مر عمر بن الْخطاب بِرَجُل مبتلي أَجْذم أعمى أَصمّ أبكم فَقَالَ لمن مَعَه: هَل ترَوْنَ فِي هَذَا من نعم الله شَيْئا قَالُوا: لَا قَالَ: بلَى أَلا تَرَوْنَهُ يَبُول فَلَا يعتصر وَلَا يلتوي يخرج بَوْله سهلاً فَهَذِهِ نعْمَة من الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: يَا لَهَا من نعْمَة تَأْكُل لَذَّة وَتخرج سرحاً لقد كَانَ ملك من مُلُوك هَذِه الْقرْيَة يرى الْغُلَام من غلمانه يَأْتِي الحش فيكتان ثمَّ يجرجر قَائِما فَيَقُول: يَا لَيْتَني مثلك مَا يشرب حَتَّى يقطع عُنُقه الْعَطش فَإِذا شرب كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الشربة موتات يَا لَهَا من نعْمَة تَأْكُل لَذَّة وَتخرج سرحاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يعرض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاثَة دواوين: ديوَان فِيهِ الْحَسَنَات وديوان فِيهِ النَّعيم وديوان فِيهِ السَّيِّئَات فيقابل بديوان الْحَسَنَات ديوَان النَّعيم فيستفرغ النَّعيم الْحَسَنَات وَتبقى السَّيِّئَات مشيئتها إِلَى الله عز وَجل إِن شَاءَ عذب وَإِن شَاءَ غفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد عَن بكير بن عَتيق قَالَ: سقيت سعيد بن جُبَير شربة من عسل فِي قدح فَشربهَا ثمَّ قَالَ: وَالله لأسألن عَن هَذَا: فَقلت لمه قَالَ: شربته وَأَنا أستلذه

(8/620)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
103
سُورَة الْعَصْر
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 3

(8/621)


وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {وَالْعصر} بِمَكَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي مليكَة الدَّارمِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ: كَانَ الرّجلَانِ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا التقيا لم يَتَفَرَّقَا حَتَّى يقْرَأ أَحدهمَا على الآخر سُورَة {وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر} إِلَى آخرهَا ثمَّ يسلم أَحدهمَا على الآخر
وَأخرج ابْن سعد عَن مَيْمُون قَالَ: شهِدت عمر حِين طعن فأمنا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَرَأَ بأقصر سورتين فِي الْقُرْآن بالعصر و (إِذا جَاءَ نصر الله) (سُورَة النَّصْر) فِي الْفجْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه كَانَ يقْرَأ وَالْعصر ونوائب الدَّهْر إِن الإِنسان لفي خسر وانه لفيه إِلَى آخر الدَّهْر

(8/621)


وَأخرج عبد بن حميد عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الْملك قَالَ: سَمِعت سعيد بن جُبَير يقْرَأ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر وانه لفيه إِلَى آخر الدَّهْر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَرَأنَا: وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر وانه لفيه إِلَى آخر الدَّهْر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ
ذكر أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَوْشَب قَالَ: أرسل بشر بن مَرْوَان إِلَى عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود فَقَالَ: كَيفَ كَانَ ابْن مَسْعُود يقْرَأ {وَالْعصر} فَقَالَ: وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر وَهُوَ فِيهِ إِلَى آخر الدَّهْر فَقَالَ لَهُ بشر: هُوَ يكفر بِهِ
فَقَالَ عبد الله لكني أومن بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعصر} قَالَ: سَاعَة من سَاعَات النَّهَار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعصر} قَالَ: هُوَ مَا قبل مغيب الشَّمْس من الْعشي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَالْعصر} قَالَ: سَاعَة من سَاعَات النَّهَار وَفِي قَوْله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} قَالَ: كتاب الله {وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} قَالَ: طَاعَة الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ {وَالْعصر} قَالَ: قسم أقسم بِهِ رَبنَا وتبارك وَتَعَالَى {إِن الإِنسان لفي خسر} قَالَ: النَّاس كلهم ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ: {إِلَّا الَّذين آمنُوا} ثمَّ لم يدعهم وَذَاكَ حَتَّى قَالَ: {وَعمِلُوا الصَّالِحَات} ثمَّ لم يدعهم وَذَاكَ حَتَّى قَالَ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} ثمَّ لم يدعهم وَذَاكَ حَتَّى قَالَ: {وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} يشْتَرط عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر} يَعْنِي أَبَا جهل بن هِشَام {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} ذكر عليّاً وسلمان

(8/622)


104
سُورَة الْهمزَة
مَكِّيَّة وآياتها تسع بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 9

(8/623)


وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت {ويل لكل همزَة} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه قيل لَهُ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب مُحَمَّد {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: ابْن عمر: مَا عنينا بهَا وَلَا عنينا بِعشر الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن عُثْمَان بن عمر قَالَ: مَا زلنا نسْمع أَن {ويل لكل همزَة} قَالَ: لَيست بحاجبة لأحد نزلت فِي جميل بن عَامر زعم الرقاشِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ويل لكل همزَة} فِي الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن رَاشد بن سعد المقدامي عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لماعرج بِي مَرَرْت بِرِجَال تقطع جُلُودهمْ بمقاريض من نَار فَقلت: من هَؤُلَاءِ قَالَ: الَّذين يتزينون
قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بجب

(8/623)


منتن الرّيح فَسمِعت فِيهِ أصواتاً شَدِيدَة فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: نسَاء كن يتزين بزينة ويعطين مَا لَا يحل لَهُنَّ ثمَّ مَرَرْت على نسَاء وَرِجَال معلقين بثديهن فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ الهمازون والهمازات ذَلِك بِأَن الله قَالَ: {ويل لكل همزَة لُمزَة}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: هُوَ المشاء بالنميمة المفرق بَين الْجمع المغري بَين الأخوان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قي قَوْله: {ويل لكل همزَة} قَالَ: طعان {لُمزَة} قَالَ: مغتاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: الْهمزَة الطعان فِي النَّاس واللمزة الَّذِي يَأْكُل لُحُوم النَّاس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: يَأْكُل لُحُوم النَّاس ويطعن عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: تهمزه فِي وَجهه وتلمزه من خَلفه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {ويل لكل همزَة} قَالَ: يهمزه ويلمزه بِلِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ وَيَأْكُل لُحُوم النَّاس ويطعن عَلَيْهِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن جريج قَالَ: الْهَمْز بالعينين والشدق وَالْيَد واللمز بِاللِّسَانِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {جمع مَالا وعدده} قَالَ: أَحْصَاهُ
وَأخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تَارِيخه عَن جَابر ابْن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {يحْسب أَن مَاله أخلده} بِكَسْر السِّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {يحْسب أَن مَاله أخلده} قَالَ: يزِيد فِي عمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {كلا لينبذن} قَالَ: ليلقين

(8/624)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الحسني بن وَاقد قَالَ: الحطمة بَاب من أَبْوَاب جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {الَّتِي تطلع على الأفئدة} قَالَ: تَأْكُل كل شَيْء مِنْهُ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى فُؤَاده فَإِذا بلغت فُؤَاده ابتدئ خلقه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر فِي قَوْله: {الَّتِي تطلع على الأفئدة} قَالَ: تَأْكُله النَّار حَتَّى تبلغ فُؤَاده وَهُوَ حيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} قَالَ: مطبقة {فِي عمد ممددة} قَالَ: عمد من نَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَرَأَ {فِي عمد}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ: بعمد ممددة قَالَ: وَهِي الأدهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فِي عمد} قَالَ: الْأَبْوَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فِي عمد ممددة} قَالَ: أدخلهم فِي عمد فمدت عَلَيْهِم فِي أَعْنَاقهم السلَاسِل فَسدتْ بهَا الْأَبْوَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {فِي عمد} قَالَ: عمد من حَدِيد فِي النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فِي عمد} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّهَا عمد يُعَذبُونَ بهَا فِي النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح {فِي عمد ممددة} قَالَ: الْقُيُود الطوَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: من قَرَأَهَا {فِي عمد} فَهُوَ عمد من نَار وَمن قَرَأَهَا {فِي عمد} فَهُوَ حَبل مَمْدُود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: فِي النَّار رجل فِي شعب من شعابها يُنَادي مِقْدَار ألف عَام يَا حنان يَا منان فَيَقُول رب الْعِزَّة لجبريل: أخرج عَبدِي من النَّار فيأتيها فيجدها مطبقة فَيرجع فَيَقُول يَا رب {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} فَيَقُول يَا جِبْرِيل: فكها واخرج عَبدِي من النَّار فيفكها وَيخرج مثل الفحم فيطرحه على سَاحل الْجنَّة حَتَّى ينْبت الله لَهُ شعرًا وَلَحْمًا ودماً

(8/625)


وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة لمن عمل الْكَبَائِر من أمتِي ثمَّ مَاتُوا عَلَيْهَا فهم فِي الْبَاب الأول من جَهَنَّم لَا تسود وُجُوههم وَلَا تزرق أَعينهم وَلَا يغلون بالأغلال وَلَا يقرنون مَعَ الشَّيَاطِين وَلَا يضْربُونَ بالمقامع وَلَا يطرحون فِي الأدراك
مِنْهُم من يمْكث فِيهَا سَاعَة وَمِنْهُم من يمْكث يَوْمًا ثمَّ يخرج وَمِنْهُم من يمْكث شهرا ثمَّ يخرج وَمِنْهُم من يمْكث فِيهَا سنة ثمَّ يخرج وأطولهم مكثاً فِيهَا مثل الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خلقت إِلَى يَوْم أفنيت وَذَلِكَ سَبْعَة آلَاف سنة ثمَّ إِن الله عز وَجل إِذا أَرَادَ أَن يخرج الْمُوَحِّدين مِنْهَا قذف فِي قُلُوب أهل الْأَدْيَان فَقَالُوا لَهُم كُنَّا نَحن وَأَنْتُم جَمِيعًا فِي الدُّنْيَا فآمنتم وكفرنا وصدقتم وكذبنا وأقربتم وجحدنا فَمَا أغْنى ذَلِك عَنْكُم نَحن وَأَنْتُم فِيهَا جَمِيعًا سَوَاء تعذبون وتخلدون كَمَا نخلد فيغضب الله عِنْد ذَلِك غَضبا لم يغضبه من شَيْء فِيمَا مضى وَلَا يغْضب من شَيْء فِيمَا بَقِي فَيخرج أهل التَّوْحِيد مِنْهَا إِلَى عين بَين الْجنَّة والصراط يُقَال لَهَا نهر الْحَيَاة فيرش عَلَيْهِم من المَاء فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل مَا يَلِي الظل مِنْهَا أَخْضَر وَمَا يَلِي الشَّمْس مِنْهَا أصفر ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة فَيكْتب فِي جباههم عُتَقَاء الله من النَّار إِلَّا رجلا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يمْكث فِيهَا بعدهمْ ألف سنة ثمَّ يُنَادي يَا حنان يَا منان فيبعث الله إِلَيْهِ ملكا ليخرجه فيخوض فِي النَّار فِي طلبه سبعين عَاما لَا يقدر عَلَيْهِ ثمَّ يرجع فَيَقُول: يَا رب إِنَّك أَمرتنِي أَن أخرج عَبدك فلَانا من النَّار وَإِنِّي طلبته فِي النَّار مُنْذُ سبعين سنة فَلم أقدر عَلَيْهِ فَيَقُول الله عز وَجل: انْطلق فَهُوَ فِي وَادي كَذَا وَكَذَا تَحت صَخْرَة فَأخْرجهُ
فَيذْهب فيخرجه مِنْهَا فيدخله الْجنَّة ثمَّ إِن الجهنميين يطْلبُونَ إِلَى الله أَن يمحى ذَلِك الإِسم عَنْهُم فيبعث الله إِلَيْهِم ملكا فَيَمْحُو عَن جباههم ثمَّ إِنَّه يُقَال لأهل الْجنَّة وَمن دَخلهَا من الجهنميين اطلعوا إِلَى أهل النَّار فيطلعون إِلَيْهِم فَيرى الرجل أَبَاهُ وَيرى أَخَاهُ وَيرى جَاره وَيرى صديقه وَيرى العَبْد مَوْلَاهُ ثمَّ أَن الله عز وَجل يبْعَث إِلَيْهِم مَلَائِكَة باطباق من نَار ومسامير من نَار وَعمد من نَار فيطبق عَلَيْهِم بِتِلْكَ الأطباق وتسمر بِتِلْكَ المسامير وتمد بِتِلْكَ الْعمد وَلَا يبْقى فِيهَا خلل يدْخل فِيهِ روح وَلَا يخرج مِنْهُ غم وينساهم الْجَبَّار على عَرْشه ويتشاغل أهل الْجنَّة بنعيمهم وَلَا يستغيثون بعْدهَا أبدا وَيَنْقَطِع الْكَلَام فَيكون كَلَامهم زفيراً وشهيقاً فَذَلِك قَوْله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة فِي عمد ممددة} يَقُول: مطبقة وَالله أعلم

(8/626)