إيجاز البيان عن معاني القرآن

المقدمة

الفصل الأول عصر النيسابوري وحياته الشخصية

المبحث الأول: عصره:
لم تسعفني المصادر التي- وقفت عليها- والتي ترجمت لبيان الحق النيسابوري بكثير من الأخبار عن حياته، فلم تذكر شيئا عن زمن مولده أو وفاته، ولم أقف على تحديد للفترة التي عاش فيها.
ومن المرجح أن يكون النيسابوري من علماء القرن السادس الهجري، وأن وفاته كانت بعد سنة 553 هـ.
فقد ذكر إسماعيل باشا «1» أن النيسابوري فرغ من تأليف كتابه «إيجاز البيان عن معاني القرآن» ب «الخجند» «2» سنة 553 هـ.
ويبدو أنه وقف على نسخة من الكتاب المذكور ورد فيه هذه الفائدة لأنه ذكر جميع ما أشار إليه النيسابوري من مصنفاته، أو ربما اطلع على نص من المتقدمين على ذلك. فإن هذا الأمر لا يدرك إلا بدليل أو تنصيص.
وفي القرن السادس الهجري كانت الدولة العباسية تمر بمرحلة من أضعف مراحلها وتنتظر أفولها وانهيارها، حتى إنه لم يبق من الخلافة إلا اسمها.
__________
(1) هدية العارفين: 2/ 403.
(2) بضم الخاء المعجمة، وفتح الجيم، وسكون النون: مدينة بما وراء النهر على شاطئ سيحون، وهي أول مدن فرغانة من الغرب.
معجم البلدان: 2/ 347، وبلدان الخلافة الشرقية: 522.

(1/11)


وتشتت الدولة العباسية الكبيرة إلى دويلات متناثرة هنا وهنالك، فالفاطمية (358- 567 هـ) ، والأيوبية (567- 648 هـ) في مصر، ودولة خوارزم «1» (470- 628 هـ) ، والمرابطية في المغرب العربي (448- 541 هـ) .
ومن أهم الأحداث التي وقعت في هذا العصر سقوط نيسابور في يد غير المسلمين، وكذلك «مرو» و «سرخس» . وقتل في نيسابور عدد كبير من الأهالي بينهم طائفة من العلماء الذين عرفوا بزهدهم وورعهم «2» .
كما شهد أواخر القرن الخامس الهجري ومطلع القرن السادس صراعات بين أفراد الأسرة السلجوقية التي كانت تحكم البلاد فعليا في ظل الخلافة العباسية الشكلية «3» ، وقد كانت تلك الصراعات دموية ومؤسفة في كثير من الأحيان، وأدت في نهاية الأمر إلى ضعف الدولة السلجوقية السنية، وكان هذا الضعف سببا مباشرا للهجمات الصليبية على البلاد الإسلامية، وانقسمت الدولة السلجوقية العظيمة إلى دويلات الأتابكة التي حكمت البلاد بعد ذلك «4» .
والأتابك- في الأصل- كانوا قوادا وأمراء للسلاطين السلاجقة، تولوا بعض الأقاليم التابعة للدولة السلجوقية، ثم انفردوا بحكم تلك الأقاليم عقب
__________
(1) نسبة إلى مدينة خوارزم، وقد امتد حكم هذه الدولة من خراسان إلى ما وراء النهر.
ينظر تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: (4/ 95، 96) .
(2) الكامل لابن الأثير: (11/ 87، 88) ، والبداية والنهاية: 12/ 248، وتاريخ الإسلام: 4/ 58.
(3) ينتسب السلاجقة إلى سلجوق (بفتح السين) ، أحد رؤساء الأتراك، وكانوا يسكنون بلاد ما وراء النهر في مكان قريب من بخارى، وكان عدد السلاجقة- كما يقول ابن خلكان- يجل عن الحصر والإحصاء، ظلوا في الحكم أكثر من مائة عام (447- 552 هـ) ، وإلى السلاجقة يرجع الفضل في تجديد قوة الإسلام وإعادة تكوين وحدته السياسية.
ينظر الموسوعة العربية الميسرة: 1/ 993، وتاريخ الإسلام: 4/ 1.
(4) تاريخ الإسلام: 4/ 62. [.....]

(1/12)


الضعف الذي دب في بلاط السلطنة «1» .
وقد شهد هذا القرن أعظم انتصار حققه المسلمون على الصليبيين، وذلك بدخول صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله تعالى- بيت المقدس عام 583 هـ بعد احتلال دام أكثر من ثمانين عاما «2» .
وتعاقب على الخلافة العباسية- الصورية- في القرن السادس الهجري والسابع الهجري سبعة خلفاءهم:
1- المستظهر بالله بن المقتدي (487- 512 هـ) .
2- المسترشد بالله بن المستظهر (512- 529 هـ) .
3- المنصور الراشد بالله بن المسترشد (529- 530 هـ) .
4- المقتفي لأمر الله بن المستظهر (530- 555 هـ) .
5- المستنجد بالله بن المقتفي (555- 566 هـ) .
6- المستضيء بأمر الله بن المستنجد (566- 575 هـ) .
7- الناصر الدين الله بن المستضيء (575- 622 هـ) .
أما المجتمع الإسلامي في ذلك العصر فقد كان يتكون من عدة أجناس ففي المشرق كان أبرز تلك الأجناس الجنس العربي، والتركي، والفارسي.
وفي المغرب الإسلامي والأندلس كان العرب والبربر والمولدون «3» وكانت الدولة تضم- بجانب المسلمين- أقليات دينية كاليهود والنصارى، حيث كانت الحرية مكفولة لهم في ممارسة شعائرهم الدينية، وتقلد بعضهم مناصب عليا في الدولة.
كما ظهرت بعض الفرق الباطنية كانوا محسوبين على المسلمين،
__________
(1) تاريخ الإسلام: 4/ 62.
(2) الكامل لابن الأثير: 11/ 546، والبداية والنهاية: (12/ 341- 344) ، وتاريخ الإسلام: 4/ 110.
(3) هم أعقاب الأسبان الذين أسلموا بعد الفتح الإسلامي للأندلس.
ينظر نهاية الأندلس: 70.

(1/13)


فكانت الفاطمية في مصر لها حكم ونفوذ واستمرت دولتهم أكثر من مائتي عام.
كما كان هناك الدروز والإسماعيلية في بلاد الشام وفارس «1» .
ولا شك أن الوضع السياسي المضطرب في ذلك العصر قد أثر سلبا على حياة الناس من حيث الاستقرار والأمان، والمحافظة على قواعد الشريعة والأخلاق.
وتأثر المجتمع العباسي خصوصا، والمجتمعات الإسلامية على وجه العموم بالخلافات السياسية، وبضعف السلطة الحاكمة، حيث إن الحكام مشغولون بالصراع على الحكم، وبتسيير الجيوش لقتال بعضهم بعضا، منصرفين عن الاهتمام برعاية مصالح العباد وتدبير شؤونهم الدينية والدنيوية.
ونتيجة لذلك انتشر الفقر، وظهر الفساد الخلقي في معظم طبقات المجتمع بما في ذلك الطبقة الحاكمة التي كانت تدير البلاد، فأدمن بعضهم الخمر، واقترف الظلم وظهر الغش في المعاملات والبيوع وانتشر الربا، وضعفت القيم الروحية والأخلاق الفاضلة في نفوس الناس، وتهاون كثير منهم في أداء العبادات، وعظم الجهل في معرفة أحكامها وشروطها.
وانعدم الأمن، وكثرت الجرائم والسرقات «2» .
كما أدى ظهور الاتجاهات الفكرية والفرق الكلامية المختلفة إلى وقوع كثير من الفتن والمحن، وذلك بسبب اشتداد الخلاف بين تلك الاتجاهات المتباينة «3» .
أما النشاط العلمي والثقافي فقد تأثر بالوضع المتدهور الذي كان سائدا
__________
(1) ينظر في طبقات المجتمع الإسلامي والأقليات الدينية في: ظهر الإسلام: 1/ 3، وتاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: 4/ 625.
(2) ينظر صيد الخاطر لابن الجوزي: (262- 266) ، والبداية والنهاية: (12/ 237، 240، 246، 248) ، وتاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم: (4/ 625- 632) .
(3) المنتظم: (10/ 198، 285) .

(1/14)


في ذلك العصر، لكنه ظل يقاوم المؤثرات التي كانت تحد من استمراره وقد ظهر خلال القرن السادس الهجري عدد كبير من الأئمة الأعلام، ونخبة متميزة من العلماء في مختلف فنون المعرفة.
منهم- على سبيل المثال- الحافظ أبي طاهر السلفي المتوفى سنة 576 هـ، والحافظ ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ، والزمخشري المتوفى سنة 538 هـ، وابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ.
وقد خلف هؤلاء ثروة عظيمة ضخمة، نهل من مواردها من جاء بعدهم وأفادت الأجيال اللاحقة فائدة عظيمة.
وقد شهد ذلك العصر- أيضا- ظاهرة حميدة وهي اهتمام الخلفاء والسلاطين والوزراء ببناء المدارس والأربطة، وتخصيص الأوقاف لعلماء وطلاب تلك المدارس.
ومن أشهر المدارس التي كانت قائمة في ذلك الوقت وكانت مصدر نور وإشعاع- المدارس النظامية، التي أسسها الوزير السلجوقي نظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي المتوفى سنة 485 هـ، وقد اكتمل بناء كبرى هذه المدارس ببغداد وبدأ التدريس بها عام 459 هـ «1» .
كما كانت حلقات العلم والمجالس العلمية تعقد في المساجد المختلفة، ويتصدر للتدريس في تلك الحلقات أبرز العلماء في ذلك العصر.
__________
(1) ينظر تاريخ دولة آل سلجوق: 32، والكامل لابن الأثير: (10/ 49، 50) .
وقد وصف الحافظ الذهبي الوزير نظام الملك بقوله: الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، عاقل سائس، خبير سعيد، متدين، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء.
أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم، وأدرّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعد صيته ... » .
ينظر سير أعلام النبلاء: 19/ 94.

(1/15)


وشهدت الدولة في تلك الفترة ظاهرة طيبة، وهي التنافس بين الأمراء والحكام والوزراء على بناء المدارس، والاهتمام بها، والحرص على جلب خيار العلماء إليها، وتشجيع طلاب العلم بها على التحصيل.

المبحث الثاني: حياة المؤلف:

المطلب الأول: اسمه، ونسبه، وأصله، وكنيته، ولقبه:
هو محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري أبو القاسم، وبيان الحق «1» .
هكذا ذكر اسمه ونسبه وأصله وكنيته في مقدمة كتابه «إيجاز البيان عن معاني القرآن» .
ويلقب- أيضا- ب «نجم الدين» ، ذكر ذلك حاجي خليفة «2» .
وصرح المؤلف- رحمه الله- باسمه ونسبه في مقدمة كتابه «جمل الغرائب» «3» .
فقال: «مؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري» وزاد ياقوت في معجم الأدباء في نسبه، فقال، «الغزنوي»
__________
(1) مصادر ترجمته:
- معجم الأدباء: (19/ 124، 125) .
- الوافي بالوفيات: (79/ ب، 80 أ، 80 ب) نسخة طوب قابي رقم (2920) .
- بغية الوعاة: 2/ 277.
- طبقات المفسرين للداودي: 2/ 311.
- كشف الظنون: (205، 601) .
- هدية العارفين: 2/ 403.
- الأعلام: 7/ 167.
- معجم المؤلفين: 12/ 182.
- ومعجم المفسرين لعادل نويهض: 2/ 666.
- كما ورد له ذكر في الدارس للنعيمي: 1/ 589 ...
(2) كشف الظنون: 205.
(3) . 2/ أ.

(1/16)


وكذلك الصفدي في الوافي بالوفيات نسبة إلى غزنة «1» .
وذكر صاحب هدية العارفين «القزويني» «2» بدل الغزنوي.
أما «النيسابوري» فنسبة إلى «نيسابور» «3» مدينة مشهورة.
ينتسب إليها طائفة من العلماء الأعلام.
يقول السمعاني «4» : «والمنتسب إليها جماعة لا يحصون، وقد جمع الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ البيع تاريخ علمائها في ثمان مجلدات ضخمة» .
ومن أشهر من ينتسب إلى نيسابور: يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي النيسابوري الإمام المحدث الورع المتوفى سنة 226 هـ.
- وعبد الرحمن بن الحسن الحافظ المحدث المتوفى سنة 307 هـ.
- والإمام الحافظ المحدث الفقيه أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون النيسابوري المتوفى سنة 324 هـ.
- والإمام محمد بن عبد الله بن حمدويه الطهماني النيسابوري الشهير بالحاكم، من أكابر حفاظ الحديث، وهو صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين، وتاريخ نيسابور، وغيرهما، توفي سنة 405 هـ.
__________
(1) بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح النون.
قال ياقوت في معجم البلدان: 4/ 201: «وهي مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان، وهي الحد بين خراسان والهند ... » .
(2) نسبة إلى قزوين، بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو. مدينة مشهورة على نحو مائة ميل شمال غربي طهران.
معجم البلدان: 4/ 342، والروض المعطار: 465، وبلدان الخلافة الشرقية: 253.
(3) نيسابور: بفتح النون من أكبر مدن خراسان.
قال الحميري في الروض المعطار: 588: «ونيسابور قلب لما حولها من البلاد والأقطار» .
ينظر أيضا معجم البلدان: 5/ 331، وبلدان الخلافة الشرقية: 424.
(4) الأنساب: 12/ 184. [.....]

(1/17)


- وعلي بن أحمد بن محمد بن علي، أبو الحسن الواحدي، المفسّر، صاحب كتاب أسباب النزول، وله- أيضا- البسيط، والوسيط، والوجيز كلها في التفسير، توفي سنة 468 هـ.
- والحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري، نظام الدين، المفسّر، صاحب كتاب غرائب القرآن ورغائب الفرقان، وغيره، توفي بعد 850 هـ.

المطلب الثاني: موطنه، مولده، وأسرته:
يبدو أن بيان الحق النيسابوري- رحمه الله تعالى- عاش مدة من حياته في نيسابور، ولعله خرج منها بعد سقوطها عام 536 هـ، ورحل إلى الخجند، ثم إلى دمشق حيث استقر به المقام هناك حتى وفاته في تاريخ لم أقف عليه.
ولم تذكر المصادر التي وقفت على ترجمته فيها شيئا عن المكان الذي ولد فيه، ولا نعرف شيئا عن نشأته، فأخباره في الكتب شحيحة جدا، وأكثر اعتماد المترجمين له في ذلك على ياقوت في معجم الأدباء.
أما أسرته فقد ذكر النيسابوري اثنين من أبنائه في مقدمة كتابه جمل الغرائب «1» ، وهما قاسم ومحمد.
وذكر حاجي خليفة»
«محمد بن محمود النيسابوري» فيمن صنف في خلق الإنسان، فلعله ابن نجم الدين النيسابوري.
وقد خلف محمد أباه في التدريس بالمدرسة المعينية بدمشق، ذكر ذلك النعيمي «3» .

المطلب الثالث: نشأته العلمية ومكانته:
لم تسعفنا المصادر التي ترجمت للنيسابوري بذكر شيء عن نشأته العلمية المبكرة، ولم تذكر تلك المصادر- أيضا- شيئا عن شيوخه الذين
__________
(1) . 3/ أ.
(2) كشف الظنون: 1/ 722.
(3) الدارس: 1/ 589.

(1/18)


تلقى عنهم العلم في زمن طلبه العلم، ولم تذكر تلاميذه الذين أخذوا العلم عنه.
كما أغفلت تلك المصادر رحلاته العلمية، ولعلي أقف في المستقبل- إن شاء الله- على تلك الجوانب الخفية في حياة هذه الشخصية.
وقد ذكر النّعيمي «1» أن النيسابوري تصدر للتدريس بالمدرسة المعينية «2» بدمشق، واستمر في التدريس بها حتى وفاته، وخلفه بعد ذلك ابنه محمد.
وإشارة أخرى ذكرها إسماعيل باشا «3» ، حيث قال إن النيسابوري فرغ من تصنيف كتابه إيجاز البيان سنة 553 هـ بالخجند «4» .
أما مكانته العلمية فقد وصفه ياقوت «5» بقوله: «كان عالما بارعا مفسرا لغويا فقيها متفننا ... » .
وأورد ياقوت بيتين من شعره هما «6» :
فلا تحقرنّ خلقا من النّاس علّه ... وليّ إله العالمين ولا تدري
__________
(1) الدارس: 1/ 589.
(2) المدرسة المعينية: إحدى مدارس الحنفية بدمشق، أسسها معين الدين أنر بن عبد الله الطغتكيني مقدم عسكر دمشق، ذكره الذهبي في العبر: 4/ 121 في وفيات سنة 544 هـ. وذكر فيمن تولى التدريس في هذه المدرسة- أيضا- عبد الخالق بن أسد الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 564 هـ، وأبا المظفر محمد بن أسعد بن الحكيم العراقي الحنفي المتوفى سنة 567 هـ.
(3) هدية العارفين: 2/ 403.
(4) تقدم التعريف بها ص 11.
(5) معجم الأدباء: (19/ 124، 125) .
(6) كما أوردهما الصفدي في الوافي بالوفيات: (80/ ب) نسخة طوبى قابي رقم (2920) ، وذكر سبب إنشاده هذين البيتين عن أبي الخطاب عمر بن محمد بن عبد الله العليمي قال: سمعت القاضي أبا العلاء محمد بن محمود بن أبي الحسن الغزنوي:
قدم علينا بنيسابور رسولا يقول: شهد عند الإمام- والدي- شيخ على بعض أصحابه، فاعترته شبهة في صدقه، وهمّ برد شهادته، فأخذ المشهود عليه يزكيه وينسبه إلى كل خير، فندم والدي على ما بدر منه وقال:
فلا تحقرن ...
.

(1/19)


فذو القدر عند الله يخفى على الورى ... كما خفيت من علمهم ليلة القدر
أما المناصب التي تولاها النيسابوري فيبدو أنه كان قد تولى القضاء، لذا وصفته حاجي خليفة «1» ب «القاضي بيان الحق محمود ... » .
وجاء هذا الوصف- أيضا- في خطبة كتابه وضح البرهان «2» .

المطلب الرابع: آثاره العلمية:
كان الإمام بيان الحق النيسابوري من المكثرين في التصنيف في مختلف العلوم الإسلامية، فله في التفسير- مثلا- أكثر من مصنّف، أفاد ذلك المؤلف- رحمه الله- في مقدمة كتابه جمل الغرائب «3» حيث قال:
«ومؤلف هذا الكتاب محمود بن أبي الحسن ... قد وفقه الله تبارك وتعالى- منه- في تفسير كتابه لغير واحد حتى استوى من مطولاته التي صنفها على كتاب إيجاز البيان في معاني القرآن ... » اهـ.
أما مصنفاته التي صرح بها المؤلف، أو نسبت إليه فهي:
1- إيجاز البيان عن معاني القرآن، وهو موضوع هذه الدراسة، وسيأتي الحديث عنه مفصلا في الفصل الثاني.
2- وضح البرهان في مشكلات القرآن «4» .
تبدأ النسخة المنشورة من هذا الكتاب بخطبة المؤلف، ثم تفسير سورة الفاتحة، وتنتهي بنهاية سورة التكوير.
__________
(1) كشف الظنون: 1/ 601.
(2) . 1/ 87.
(3) . 2/ ب.
(4) طبع هذا الكتاب عام 1410 هـ- 1990 م، ببيروت، بتحقيق صفوان عدنان داوودي.
كما قامت بتحقيقه الطالبة/ سعاد بابقي ضمن متطلبات نيل درجة الماجستير في الكتاب والسنّة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وقد أشرف على هذه الأطروحة شيخنا العلامة الجليل الشريف الدكتور منصور بن عون العبدلي حفظه الله.

(1/20)


وقد اطلعت على هذا الكتاب فوجدته حافلا بالشواهد الشعرية، والأمثال، كما يعنى فيه المؤلف بذكر الأحاديث والآثار ... وغير ذلك من الفوائد التي أوردها المؤلف- رحمه الله- في حل الآيات المشكلة، وأورد فيه- أيضا- ردودا على الآراء الفاسدة لبعض الفرق، كما صنع مع المعتزلة في مسألة الصّرفة «1» ، وقضية النسخ في القرآن ... وغير ذلك «2» .
3- جمل الغرائب «3» ، وهو كتاب في غريب الحديث ومشكله، قسمه المؤلف- رحمه الله- أربعة عشر كتابا وهي:
الأول: كتاب التوحيد والإيمان وما جاء في القرآن.
الثاني: كتاب النبوات وذكر بعض المعجزات.
الثالث: كتاب البدء والحياة والحال والمآل.
الرابع: كتاب الموت والبعث والثواب والعقاب.
الخامس: كتاب العبادات.
السادس: كتاب أحكام المعاملات.
السابع: كتاب زواجر الجنايات.
الثامن: كتاب الحرب والسلطان.
__________
(1) معنى القول بالصرفة، أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها، فكان هذا الصرف خارقا للعادة. وينسب هذا القول إلى أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظّام المعتزلي، وإلى طائفة من علماء المعتزلة.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن: 30: «ومما يبطل ما ذكروه من القول بالصّرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة- وإنما منع منها الصّرفة- لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون المنع هو المعجز، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه» اهـ. [.....]
(2) وضح البرهان: (1/ 158، 217، 219) .
(3) ينظر في نسبة هذا الكتاب إليه في معجم الأدباء: 19/ 124، وبغية الوعاة: 2/ 277، وطبقات المفسرين للداودي: 2/ 311، وكشف الظنون: 1/ 601، وهدية العارفين:
2/ 403.

(1/21)


التاسع: كتاب المواعظ والوصايا.
العاشر: كتاب الحكم والآداب.
الحادي عشر: كتاب الألفاظ والأمثال.
الثاني عشر: كتاب المحاسن والمحامد.
الثالث عشر: كتاب المساوئ والمناهي.
الرابع عشر: كتاب النساء.
وذكر المؤلف- رحمه الله- في مقدمته المصادر الرئيسة التي اعتمد عليها وهي غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة، والأصمعي، وأبي سعيد الضرير، وقطرب (محمد بن المستنير) ، والنّضر بن شميل، وإبراهيم الحربي، وابن الأنباري، وأبي سليمان الخطابي، وأبي عبيد الهروي، ... وغيرهم.
ثم قال: «وانتخبت من فوائدهم واستعذبت من مواردهم ما حقّه أن يكتب بالتّبر على الأحداق لا بالحبر على الأوراق ... » .
ووضع لكل واحد من تلك المصادر رمزا للاختصار، فعلامة «ص» للأصمعي وعلامة «هـ» للحربي، وعلامة «ق» لابن قتيبة ... وهكذا.
ويعد كتاب النيسابوري هذا من المصادر المهمة التي اعتمد عليها الصاغاني في كتابه العباب الزاخر واللباب الفاخر، حيث صرّح الصاغاني بذلك في مقدمة العباب: 1/ 26.
ولهذا الكتاب «جمل الغرائب» نسختان خطيتان، إحداهما بمكتبة الأسكوريال بمدريد، والأخرى بمكتبة أحمد الثالث بتركيا.
4- كتاب خلق الإنسان «1» ، أي في أسمائه وأعضائه وصفاته كما في كشف الظنون: 1/ 722.
__________
(1) نسب هذا الكتاب إلى النيسابوري في معجم الأدباء: 19: 124، وبغية الوعاة:
2/ 277، وطبقات المفسرين للداودي: 2/ 211.

(1/22)


وقد وقفت على قطعتين من كتاب خلق الإنسان منسوبتين إلى النيسابوري مصورتهما بمركز البحث العلمي عن دار الكتب المصرية، ولا يوجد دليل على صحة نسبة هاتين القطعتين إلى النيسابوري.
كما أن المادة العلمية في هاتين القطعتين تتناول جوانب الزهد والأخلاق وغير ذلك من الفضائل والآداب، فالكتاب في خلق الإنسان لا في خلقه.
5- التذكرة والتبصرة (في متفق الفقه) ، ويشتمل على ألف نكتة، ذكر ذلك المؤلف- رحمه الله- في مقدمة كتابه جمل الغرائب «1» ، ووصف هذا الكتاب بقوله: «يطرد أكثر مسائل الفقه عليها، ويسند الاجتهاد في الفتاوى ظهره إليها» .
6- الأسئلة الرائعة والأجوبة الصادعة: ذكره المؤلف في مقدمة إيجاز البيان «2» ، وهو كتاب في التفسير.
7- غرر الأقاويل في معاني التنزيل، أشار إليه المؤلف- رحمه الله- في مقدمة إيجاز البيان «3» ، فقال: ومن أراد التبحر والتكثر فعليه بكتابنا غرر الأقاويل في معاني التنزيل.
8- شوارد الشواهد وقلائد القصائد. ذكره المؤلف في مقدمة إيجاز البيان «4» ، وقال: «ومن أراد ريحانة العلوم، وباكورة التفاسير وأمهات الآداب، ومقلدات الأشعار، فلينشر من كتابنا «شوارد الشواهد وقلائد القصائد» حلل الوشي وأنماطه، وليبسط منه زرابي الربيع ورياطه ... » . وهذا الكتاب يشتمل على أشعار مختارة.
__________
(1) . 3/ أ.
(2) ص 56، ونسب إليه- أيضا- في إيضاح المكنون: 1/ 83.
(3) ص 55.
(4) إيجاز البيان: 56.

(1/23)


9- باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن، ذكره المؤلف في مقدمة إيجاز البيان «1» بهذا العنوان، ولم أقف عليه، ولم أجد أحدا نسب إليه هذا الكتاب بهذا العنوان، وقد تقدم أن للمؤلف- رحمه الله- كتاب وضح البرهان في مشكلات القرآن، فلعله الكتاب نفسه.
10- قطع الرياض في بدع الاعتراض، صرح به المؤلف في كتابه وضح البرهان «2» ، عند تفسير قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة: 23] .
قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا اعتراض بين الشرط والجزاء، مثل:
«وأنت منهم» في بيت شعر:
لو أن المخلفين وأنت منهم ... رأوك تعلموا منك المطالا
وقال عبد الله بن الحر:
تعلم- ولو كاتمته الناس- أنني ... عليك- ولم أظلم بذلك- عاتب
فقوله: ولو كاتمته الناس اعتراض بين الفعل ومفعوله، ولم أظلم بذلك اعتراض بين اسم أن وخبرها، والاعتراض في أشعار العرب كثير، لأنه يجري مجرى التوكيد، ولنا فيه كتاب اسمه «قطع الرياض في بدع الاعتراض» اهـ.
11- شرح الأبيات الواردة في كتاب وضح البرهان، أشار إليه المؤلف في وضح البرهان «3» عند تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: 129] ، فنقل عن ابن الأعرابي: سفه الرجل يسفه سفاهة وسفاها إذا جهل، وسفه نفسه يسفهها إذا جهلها، وأنشد:
هيهات قد سفهت أمية رأيها ... فاستجهلت حلماؤها سفهاؤها «4» .
__________
(1) إيجاز البيان: 56، وذكره الصفدي في الوافي بالوفيات بعنوان «باهر البرهان في التفسير» .
(2) . 1/ 118.
(3) . 1/ 170.
(4) كذا ورد في طبقات فحول الشعراء: 1/ 365 برفع «حلماؤها» و «سفهاؤها» وفي مجالس ثعلب: 1/ 57: «حلماءها سفهاؤها» بنصب الأول ورفع الثاني.
وذكر العلّامة الشيخ محمود محمد شاكر في هامش طبقات فحول الشعراء توجيه الجواليقي لرواية الرفع فيهما، وهو أنه يجوز أن يكون حلماؤها بدل من أمية، بدل اشتمال. وسفهاؤها رفع ب «استجهلت» ، تقديره: قد سفهت حلماء أمية، فاستجهلت سفهاؤها» .
وأورد الشيخ محمود شاكر روايات البيت مع ذكر التوجيه لكل منها.

(1/24)


قال المؤلف- رحمه الله-: «كلاهما بالرفع كما نشرحه في كتاب بعد هذا مفرد في معاني أبيات هذا الكتاب» .
12- ملتقى الطرق إلى مجامع نكاتها ومنابع كلماتها، وهو كتاب في مختلف الفقه، ذكره المؤلف- رحمه الله- في مقدمة جمل الغرائب «1» ، فقال: كما هداه جل وعز- بفضله- في مختلف الفقه من كتاب «ملتقى الطرق ... » بحيث دوخت «2» له ساحتها ودونت في دفتيه كافتها.
13- له- أيضا- كتاب في أصول الفقه، ذكره في جمل الغرائب «3» وأحال إليه، فقال: وقد أوردت في أصول الفقه- تصنيفي- جملة أنواع المجاز إلى الاتساع، والتوكيد، والتمثيل ... فمن أراد تحقق هذه التأويلات فعليه بذلك الكتاب.
14- كتاب الغلالة في مسألة اليمين على شرب ماء الكوز ولا ماء في الكوز ذكره المؤلف- رحمه الله- في وضح البرهان «4» عند تفسير قوله تعالى: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة: 60] .
وقد نسب إلى النيسابوري «5» كتاب بعنوان «زبدة التفاسير
__________
(1) . 2/ ب.
(2) بمعنى ذلّلت.
الصحاح: 1/ 421 (دوخ) .
(3) . 11/ أ. [.....]
(4) . 1/ 139.
(5) نسبه إسماعيل باشا في هدية العارفين: 2/ 403.

(1/25)


ولمعة الأقاويل» ولعل من نسبه إليه فهم ذلك من عبارة المؤلف في مقدمة إيجاز البيان وهي: ومن أراد محاورة المتكلمين ومحاضرة المتأدبين، فلينظر من أحد كتابينا إما كتاب «باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن» ، وإما كتاب «الأسولة الرائعة والأجوبة الصادعة» إلى حلبة البيان وحلية الإحسان وزبدة التفاسير ولمعة الأقاويل. اهـ.
وليس في كلام المؤلف- رحمه الله- ما يدل على ذلك، وإنما هذه العبارة وصف لكتاب «الأسولة الرائعة والأجوبة الصادعة» .
كما نسب إلى النيسابوري كتاب الموجز في الناسخ والمنسوخ، وتوجد منه نسخة بمكتبة شستربتي رقم (3883) تقع في عدة ورقات.
وهذه النسخة ليست للنيسابوري قطعا، لأن بها نصوصا متقدمة جدا عن علماء من أواخر القرن الرابع الهجري، ينقلها مؤلف الكتاب مباشرة عن شيوخه.

المطلب الخامس: وفاته:
لم تحدد المصادر التي ترجمت له تاريخ وفاته، ولعله توفي بدمشق، فقد تقدم أن النعيمي «1» ذكر أنه تصدر للتدريس بالمدرسة المعينية بدمشق واستمر على ذلك حتى وافته المنية، ولم يذكر السنة التي توفي فيها النيسابوري.
والمؤكد أن وفاته كانت بعد عام 553 هـ بفترة ليست بالقصيرة، لأنه كان في تلك السنة بالخجند- وهي بلدة بما وراء النهر- ثم رحل إلى دمشق وأقام بها حتى وفاته رحمه الله.
__________
(1) الدارس: 1/ 589.

(1/26)


الفصل الثاني في التعريف بكتاب إيجاز البيان ودراسته
وفيه مبحثان:

المبحث الأول: دراسة كتاب إيجاز البيان، وفيه المطالب التالية:

المطلب الأول: الباعث على تأليفه:
ذكر المؤلف- رحمه الله- في مقدمة الكتاب «1» الأمور التي دفعته إلى تأليف كتاب إيجاز البيان، فقال: إن تفاسير الأولين مقصورة على قول واحد أو مقصودة بالتكثير والتكرير عند المتأخرين، والأولى لعجمة الطباع واللسان لا تشفي القلب، والثانية لا تطاوع الحفظ لإطالة القول.
كما ذكر أن كتابه على رغم صغر حجمه قد اشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة، من تفسير، وتأويل ودليل، ونظائر، وإعراب، وأسباب النزول، وأحكام فقه، ونوادر لغات، وغرائب أحاديث. ثم قال: فمن أراد الحفظ والتحصيل، وكان راجعا إلى أدب وتمييز فلا مزيد له على هذا الكتاب.
كما أن تأليفه لإيجاز البيان جاء بعد أن صنّف أكثر من كتاب مطول في معاني القرآن وتفسيره.

المطلب الثاني: منهج المؤلف في هذا الكتاب:
استهل المؤلف- رحمه الله تعالى- الكتاب بمقدمة موجزة، بين فيها الباعث على تأليفه هذا الكتاب، وذكر جملة من مصنفاته في معاني القرآن
__________
(1) إيجاز البيان: 55.

(1/27)


ومشكلاته، وذكر- أيضا- أهم ما ضمنه كتابه هذا، وأشار إلى أنه توخى الاختصار والإيجاز ليسهل على طالب العلم حفظ ما فيه من فوائد.
بعد ذلك شرع في تفسير سورة الفاتحة، ثم سورة البقرة حتى نهاية القرآن.
وفي ضوء مراجعتي لهذا الكتاب ودراستي له أمكنني حصر أهم ملامح منهجه فيما يأتي:
أولا: اعتماده على القرآن في التفسير، وهو يفعل ذلك إما لبيان لفظة مبهمة ورد تفسيرها في موضوع آخر، مثال ذلك:
ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ [يونس: 30] . قال «1» : ينكشف لها ما أسلفت فتختبر جزاءها، كقوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ.
وأحيانا يستشهد في إعراب الآية بذكر آية مماثلة تعينه على التفسير بالوجه الذي يريده، كما صنع في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء: 26] ، فقال «2» : اللام في تقدير المصدر، أي: إرادة الله التبيين لكم كقوله تعالى: لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أي: الذين هم رهبهم لربهم.
وقد يستعين في بيان وتفسير الألفاظ القرآنية الغريبة بالمقارنة بنظائرها التي وردت في مواضع أخرى كما صنع في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ [البقرة: 55] حيث قال «3» : والصاعقة هنا الموت، كما في قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. ثم إنه قد يستعين بالآيات المماثلة والنظيرة لدفع وهم ظاهر التعارض فيجمع بين تلك الآيات رادا شبهة التعارض.
__________
(1) إيجاز البيان: 399، وينظر نظائر هذا الوجه في الصفحات التالية: (418، 430، 478، 485، 593) .
(2) إيجاز البيان: 236، وانظر أمثلة هذا النوع في الصفحات التالية: (297، 340، 426، 438، 441، 448، 524) .
(3) إيجاز البيان: 96، وينظر نظائر هذا النوع في الصفحات التالية: (97، 108، 117، 119، 147، 188، 200) .

(1/28)


يقول النيسابوري في سورة الحجر «1» : والتوفيق بين قوله: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، وقوله: لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ أنه لا يسأل: هل أذنبتم؟ للعلم به، ولكن: لم أذنبتم؟ أو المواقف مختلفة يسأل في بعضها أو في بعض اليوم.
وقوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ مع قوله: عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فالمراد هو النطق المسموع المقبول.
ثانيا: اعتماده على الحديث والأثر في تفسير القرآن، ويلاحظ كثرة ورود الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، وأغلب الأحاديث التي يوردها من غريب الحديث، حيث يربط بين اللفظة القرآنية الغريبة ويفسرها بما ورد في الحديث لبيان وتفسير تلك اللفظة.
من ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 2] ، قال «2» : الكتاب والفرض والحكم والقدر بمعنى واحد، واستشهد بحديث: «لأقضين بكتاب الله» «3» أي بحكمه. وفي قوله تعالى:
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ [البقرة: 3] قال «4» : الصلاة: الدعاء، وفي الحديث:
«إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، وإن كان صائما فليصل» أي فليدع لصاحبه.
كما أنه يستعين بما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تفسير بعض الآيات، مثال ذلك: ما أورده عند تفسير قوله تعالى: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة: 48] ، حيث قال «5» : والعدل: الفدية، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقد تكرر استشهاده بالحديث المرفوع- في المواضع التي صرح
__________
(1) إيجاز البيان: 475، وانظر أمثلة هذا النوع في الصفحات التالية: (485، 562، 563) .
(2) إيجاز البيان: 64.
(3) ينظر تخريجه في موضع وروده في الكتاب.
(4) إيجاز البيان: 65، وانظر: (67، 68، 70، 71، 73، 74، 479) .
(5) إيجاز البيان: 93. وانظر أمثلة هذا النوع في الصفحات التالية: (187، 188، 206، 349، 377، 393) .

(1/29)


بذلك «1» - خلال هذا الكتاب في سبعة وثمانين موضعا.
كما يعتمد النيسابوري- رحمه الله- على أقوال الصحابة والتابعين بذكر أقوالهم في التفسير، وأسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأوجه القراءات المأثورة عنهم.
وأبرز الصحابة الذين نقل عنهم في تفسيره: ابن عباس «2» ، وابن مسعود «3» ، وعلي بن أبي طالب «4» ، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وقد بلغت الآثار الموقوفة ثلاثة وتسعين.
ومن التابعين: الحسن البصري «5» ، ومجاهد «6» ، وقتادة «7» ، وسعيد بن جبير «8» ... وغيرهم.
وبلغت هذه الآثار عن التابعين تسعة وخمسين أثرا.
ثالثا: عنايته بذكر أوجه القراءات القرآنية، فاهتمام المؤلف بهذا الجانب ظاهر في كتابه، فهو يعنى بذكر القراءات المختلفة وتوجيهها وتبيين الاختلاف في المعاني باختلاف القراءة.
وغالب القراءات التي يوردها سبعية، وأحيانا يورد القراءات العشرية.
__________
(1) ينظر بعض المواضع التي لم يصرح بها في الصفحات التالية: (65، 67، 68، 74، 93، 163، 173، 187) .
(2) إيجاز البيان: (80، 83، 241، 242، 319، 346، 457، 511، 516، 517) . [.....]
(3) إيجاز البيان: (185، 240، 357، 490) .
(4) إيجاز البيان: (68، 326، 461، 488) .
(5) ينظر إيجاز البيان: (83، 90، 227، 236، 260، 367، 454) .
(6) إيجاز البيان: (266، 321، 768، 776، 777) .
(7) إيجاز البيان: (95، 465، 519) .
(8) إيجاز البيان: (241، 448، 449) .

(1/30)


أما القراءات الشاذة فلم ترد في هذا الكتاب إلا نادرا «1» ، وفي الغالب لا يعزو المؤلف القراءة إلى أصحابها، وأحيانا يفعل ذلك.
كما أنه ينقل عن أئمة القراءات واللغة في توثيق النصوص التي يوردها في توجيه القراءة مثل أبي عمرو بن العلاء، وسيبويه، والزجاج، وأبي علي الفارسي ... وغيرهم.
رابعا: اهتمامه بذكر أسباب النزول، وهو في ذلك- غالبا- يعتمد على الصحيح الوارد في هذا الشأن.
مثال ذلك ما ذكره «2» عند تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ... [النساء: 19] ، حيث قال: يحبسها وهو كارهها ليرثها، أو على عادة الجاهلية في وارثة الميت امرأته، يمسكها بالمهر الأول أو يزوجها ويأخذ مهرها. نزلت في كبشة بنت معن الأنصارية ومحصن بن قيس الأنصاري «3» .
خامسا: عنايته بذكر المسائل الفقهية، فقد تعرض المؤلف- رحمه الله- في كتابه لآيات الأحكام ذاكرا أقوال الفقهاء في ذلك «4» .
وغالبا ما يورد قولي الحنفية والشافعية في تلك المسائل، مرجحا مذهب الحنفية بالدليل، مع ذكر حجج المخالف والرد عليها.
فعند ذكر قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173] ، ضعّف قول من قال: غير باغ على الإمام ولا عاد في سفر،
__________
(1) ينظر إيجاز البيان: (99، 136، 189، 197، 210، 271) .
(2) إيجاز البيان: 231، وانظر بعض الأخبار في أسباب النزول في الصفحات التالية:
(238، 245، 246، 250، 251، 257، 260) .
(3) ينظر تخريج هذا الخبر في موضعه، ص 231.
(4) ينظر بعض هذه المسائل في الصفحات التالية: (139، 140، 141، 142، 159، 160، 595) .

(1/31)


لأن سفر الطاعة لا يبيح ولا ضرورة، والحبس في الحضر يبيح ولا سفر، ولأن الميتة للمضطر كالذكية للواجد، ولأن على الباغي حفظ النفس عن الهلاك «1» . اهـ.
وعند تفسير قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ... [البقرة: 196] ، أورد معنى الإحصار ومذاهب العلماء فيه «2» .
وعند تفسير قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ [البقرة: 226] ، ذكر حكم الإيلاء ومدته وكفارته «3» .
وقد أفاد النيسابوري كثيرا من كتاب أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص لكنه لم يصرح بالنقل عنه في هذا الكتاب، وصرح بذلك عند تعرضه لآيات الأحكام في كتابه وضح البرهان.
سادسا: اهتمامه بالجانب اللغوي والنحوي في تفسير القرآن، فقد عني عناية كبيرة بشرح الألفاظ الغريبة، وبيان اشتقاقها، مستعينا في ذلك بنظائرها في القرآن الكريم، وبالحديث والأثر، وبلغة العرب.
ففي قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ذكر معنى «الاسم» ، وأصل وضعه، واشتقاقه، وأورد الأقوال في ذلك «4» .
وفي قوله تعالى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [البقرة: 34] ذكر معنى «إبليس» ، وأصلها واشتقاقها «5» .
كما أنه يهتم بذكر اللغات الواردة في الألفاظ القرآنية، وبيان معانيها،
__________
(1) إيجاز البيان: (131) .
(2) إيجاز البيان: (141، 142) .
(3) إيجاز البيان: (152، 153) .
(4) إيجاز البيان: (57) . [.....]
(5) إيجاز البيان: (84) .

(1/32)


فعند تفسير قوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: 129] . نقل عن ابن الأعرابي: سفه يسفه سفاهة وسفاها: طاش وخرق، وسفه نفسه سفهها: جهلها «1» ، وعند قوله تعالى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى [الأنفال: 42] قال: والعدوة بضم العين وفتحها وكسرها شفير الوادي، فتميم لا تعرف العدوة وتقول: خذ أعداء الوادي «2» .
أما إعراب القرآن فهو ظاهر في كتابه، وقد عول في ذلك كثيرا على أبي إسحاق الزجاج، وأفاد منه إفادة كبيرة، لكنه قليل التصريح بالنقل عنه.
كما ينقل عن أئمة النحو المتقدمين مثل الكسائي، وسيبويه، والفراء، وأبي عبيدة، والأخفش، وأبي علي الفارسي ... وغيرهم.
وهو في إعرابه للآية يذكر أوجه الاختلاف فيها، كما فعل في إعراب غَيْرِ في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ حيث ذكر ثلاثة أوجه فيها «3» ، وكذلك في هُدىً من قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] ذكر وجهين فيها «4» .
وأحيانا يرجح بين تلك الوجوه في إعراب الآية، ويورد الدليل على ذلك، كما صنع «5» عند تفسير قوله تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.
قال: «ما» بمعنى المصدر، وليس بمعنى «الذي» لأن «الذي» يحتاج
__________
(1) إيجاز البيان: 123.
(2) إيجاز البيان: 365، وانظر بعض أمثلة هذا النوع: (482، 715، 771) .
(3) ينظر إيجاز البيان: 61.
(4) إيجاز البيان: 65.
(5) إيجاز البيان: 69، وينظر بعض الأمثلة على ذلك في الصفحات التالية: (72، 76، 94، 133، 182) .

(1/33)


إلى عائد من الضمير، وإنما جاءهم المفسدون مع فساد غيرهم لشدة فسادهم، فكأنه لم يعتد بغيره.
وينتصر المؤلف- رحمه الله- في النحو للمذهب البصري، وذلك بترجيح أقوالهم، كما صنع في قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ [يوسف: 15] حيث قال «1» : محذوف الجواب، والكوفيون يجعلون «أجمعوا» جوابا، والواو مقحمة، وإقحامها لم يثبت، ولا له وجه في القياس.
وقد يذكر- أحيانا- بعض المصطلحات الكوفية، مثل: النصب على القطع، أي: على الحال «2» . ولعله تأثر في ذلك بالفراء الذي جرى على هذه الاصطلاحات في كتابه معاني القرآن.
أما استشهاد المؤلف في هذا الكتاب بأشعار العرب وأمثالهم وأقوالهم فقليل جدا، لكنه توسع في ذلك في وضح البرهان حيث أكثر من ذكر الشواهد الشعرية حتى إنه أفرد تلك الشواهد بمصنف خاص شرح فيه تلك الأبيات.
سابعا: ذكر لطائف تتعلق بالنظم القرآني، وذلك من حيث أسلوبه وبلاغته، فأورد من ذلك على سبيل المثال، سبب تقديم العبادة على الاستعانة في قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فقال «3» : «وإياك نستعين» على نظم آي السورة، وإن كان «نعبدك» أوجز، ولهذا قدم «الرحمن» والأبلغ لا يقدم. وقدمت العبادة على الاستعانة لهذا، مع ما في تقديم ضمير المعبود من حسن الأدب.
وعند تفسير قوله تعالى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] قال «4» :
__________
(1) إيجاز البيان: 431.
(2) إيجاز البيان: 564.
(3) إيجاز البيان: 60.
(4) إيجاز البيان: 68.

(1/34)


دخلت الباء في خبر «ما» مؤكدة للنفي، لأنه يستدل بها السامع على الجحد إذا غفل عن أول الكلام.
وعند قوله تعالى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ [البقرة: 14] قال «1» :
أبلغ من «خلوا بهم» ، لأن فيه دلالة الابتداء والانتهاء، لأن أول لقائهم للمؤمنين، أي: إذا خلوا من المؤمنين إلى الشياطين.
وذكر فائدة «عشرة كاملة» في قوله تعالى: ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [البقرة: 196] فقال «2» : المراد رفع الإبهام، فقد يتوهم في الواو أنها بمعنى «أو» .

المطلب الثالث: مصادره:
إن كتاب إيجاز البيان لبيان الحق النيسابوري يعتمد على أصلين يكثر المؤلف النقل عنهما، وهما «جامع التأويل لمحكم التنزيل» لأبي مسلم محمد بن بحر الأصفهاني المتوفى سنة 322 هـ، و «النكت والعيون» للإمام علي بن حبيب الماوردي المتوفى سنة 450 هـ.
فقد أكثر من نقل أغلب فوائد هذين الكتابين، وتأثر بأقوالهما تأثرا واضحا، ونجده تارة يصرح بالنقل عن ابن بحر، وأحيانا كثيرة ينقل عنه دون الإشارة إليه، لكنه يصرح بذلك- أحيانا- في كتابه وضح البرهان. أما الماوردي فلم يصرح باسمه في هذا الكتاب «إيجاز البيان» ، ويفعل ذلك عند ما ينقل عنه في وضح البرهان.
وقد أشرت أثناء التعليق على هذا الكتاب إلى المواضع التي تطابقت النصوص بألفاظها مع تفسير الماوردي.
ثم إن النيسابوري- في غالب نقوله- لا يشير إلى المصدر الذي ينقل
__________
(1) إيجاز البيان: 69.
(2) إيجاز البيان: 142.

(1/35)


عنه، وإذا عزا النصوص إلى أصحابها فإنه في الغالب يذكر اسم المؤلف دون التصريح باسم كتابه. وبالرجوع إلى مصنفات المؤلفين الذين ذكرهم استطعت التأكد من مصادره تلك بمقارنة النصوص التي أوردها النيسابوري في كتابه عنها.
ثم إنه في كثير من الأحيان يسرد الأقوال دون عزوها إلى أصحابها وقائليها، وأجدها منسوبة في كتبه الأخرى مثل وضح البرهان في مشكلات القرآن، وجمل الغرائب في غريب الحديث، فيمكن التعرف عليها وتوثيقها من تلك المصادر، وقد أشرت إلى ذلك عند ورودها أثناء التعليق على هذه الأقوال.
أما أهم الكتب التي يمكن أن تعدّ من مصادره المباشرة فهي:
1- الكتاب لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف ب «سيبويه» (ت 180 هـ) .
2- معاني القرآن لأبي الحسن علي بن حمزة الكسائي (ت 189 هـ) .
3- معاني القرآن لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ) .
4- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 210 هـ) .
5- معاني القرآن لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش (ت 215 هـ) .
6- صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ) .
7- صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ) .
8- تأويل مشكل القرآن لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 هـ) .
9- تفسير غريب القرآن لابن قتيبة أيضا.

(1/36)


10- الكامل لأبي العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المبرد (ت 285 هـ) .
11- المقتضب للمبرد أيضا.
12- معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزّجّاج (ت 311 هـ) .
13- الزاهر لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري (ت 328 هـ) .
14- تاج المعاني في تفسير السبع المثاني لأبي نصر منصور بن سعيد بن أحمد بن الحسن.
15- تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ) .
16- أحكام القرآن لأبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف ب «الجصاص» (ت 370 هـ) .
17- الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (ت 377 هـ) .
18- غريب الحديث لأبي سليمان حمد بن محمد الخطّابي (ت 388 هـ) .
19- مجمل اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس (ت 395 هـ) .
20- تفسير أبي القاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب النيسابوري (ت 406 هـ) .
21- الكشف والبيان في تفسير القرآن لأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي (ت 427 هـ) .
22- شروح المتفق، والمتفق كتاب في فروع الحنفية لأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي المتوفى سنة 388 هـ.

المطلب الرابع: قيمة الكتاب العلمية:
إن أهمية كتاب إيجاز البيان تتجلى في الفوائد الكثيرة التي ضمنها النيسابوري هذا الكتاب على رغم صغر حجمه.

(1/37)


فقد أورد المؤلف فيه فوائد متنوعة أشار إليها في مقدمته، فحوى كتابه فوائد تفسيرية، وحديثية، وغريب لغة، ووجوه إعراب، وأحكام فقه ...
وغير ذلك.
ومن أهم الفوائد التي لاحظتها في كتابه ما يأتي:
1- كثرة الأحاديث والآثار التي وردت في الكتاب، الضعيف منها قليل جدا.
2- إعراضه عما لا فائدة فيه من ذكر الأخبار الإسرائيلية، وسرد القصص والحكايات الغريبة.
3- عنايته بالمسائل العقدية خاصة فيما يتعلق منها بعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد حرص المؤلف- رحمه الله- على الدفاع عنهم، رادا للشبه التي أثيرت حولهم والتي تنافي عصمتهم، موردا الدليل على بطلان تلك الشبه.
ومن ذلك رده لما أثير حول إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- من شبهة في قوله «1» : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي ... فقال: هو على وجه تمهيد الحجة، وتقرير الإلزام، ويسميه أصحاب القياس: القياس الخلفي، وهو أن تفرض الأمر الواجب على وجوه لا يمكن ليجب به الممكن «2» .
وكذلك تفسيره لقوله تعالى «3» : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها ... بما يتفق مع عصمة يوسف عليه الصلاة والسلام، فقال: ولقد همت به
__________
(1) سورة الأنعام: آية: 76.
(2) إيجاز البيان: 299، وانظر توجيه المؤلف- رحمه الله- لقوله تعالى: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ... وَتُبْ عَلَيْنا البقرة: 128، وتوجيهه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أحق بالشك منه» ص (168، 169) ، وتوجيهه لقوله تعالى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ (581، 582) . [.....]
(3) سورة يوسف: آية: 24.

(1/38)


تقديره: ولولا أن رأى برهان ربه همّ بها، بدليل صرف السوء والفحشاء عنه، ولأن «لولا أن رأى» شرط، فلا يجب الكلام مطلقا «1» ....
ومن ردود المؤلف على المعتزلة ما أورده من قولهم في قوله تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا [البقرة: 212] حيث قالت المعتزلة: المزين هو الشيطان، وعقب عليه المؤلف بقوله: بل الله يفعل ذلك ليصح التكليف وليعظم الثواب «2» .
4- اعتمد المؤلف في هذا الكتاب على مصادر أصلية، فقد أكثر من النقل عن أئمة القراءات، واللغة، والنحو المتقدمين وقد احتوى هذا الكتاب على نصوص لغوية ونحوية من كتب الأئمة المتقدمين مثل الكسائي، والأخفش، والمبرد ... وغيرهم.
وقد فقد بعض مصنّفات هؤلاء، فحفظ المؤلف بذلك نصوصا مهمة في هذا الجانب.

المطلب الخامس: فيما يؤخذ عليه:
ويمكن تلخيص تلك المؤاخذات التي مرت بي أثناء دراسة هذا الكتاب في أمور منها:
1- أنه يورد- أحيانا- بعض القراءات الشاذة، وهو قليل جدا. مثال ذلك ما ذكره «3» في قوله تعالى: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ
__________
(1) إيجاز البيان: 433، وانظر توجيه المؤلف- رحمه الله- لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء: 82] .
(2) كما نقد المؤلف قول المعتزلة بالصرفة في المشيئة.
ينظر إيجاز البيان: 164.
(3) إيجاز البيان: 99.
وانظر بعض الأمثلة على ذلك في الصفحات التالية: (136، 189، 197، 210، 271) .

(1/39)


[البقرة: 58] ، حيث ذكر قراءة «حطة» بالنصب، ووجّهها.
2- ورود الأحاديث الضعيفة والموضوعة «1» ، وهي قليلة جدا بالنسبة إلى عدد الأحاديث التي وردت في الكتاب.
3- إنه يذكر- أحيانا- قولا ضعيفا في الآية رغم ورود الصحيح في ذلك كما فعل في سبب نزول قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ... [التوبة: 58] قال «2» : وهو ثعلبة بن حاطب، قال:
إنما يعطي محمد من يحب. اهـ. والصحيح أنه ذو الخويصرة التميمي.
4- إنه- في الغالب- ينقل نصوصا كاملة دون الإشارة إلى مصدره في ذلك وأكثر هذه النقول كانت عن تفسير الماوردي، ومعاني القرآن لأبي إسحاق الزجاج.
5- يلجأ- أحيانا- إلى تأويل بعض الآيات وصرفها عن الظاهر دون الحاجة إلى ذلك حيث فسر «الغضب» في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بقوله «3» : والغضب من الله إرادة المضار بمن عصاه، وكذلك عامة الصفات تفسر على أحوالنا بما هو أغراضها في التمام لا أغراضها في الابتداء.
6- إيراده لبعض أقوال المعتزلة دون تعقيب على تلك الأقوال وبيان فسادها. مثال ذلك ما ذكره من قول أبي علي الجبائي عند قوله تعالى:
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ... [الأنعام: 110] ، حيث قال «4» : في جهنم على لهب النار.
__________
(1) ينظر إيجاز البيان: (213، 214، 429، 477) .
(2) إيجاز البيان: (381، 382) .
(3) إيجاز البيان: 61، وانظر بعض الأمثلة الدالة على ذلك في الصفحات التالية:
(78، 181، 333، 453) .
(4) إيجاز البيان: 308، وانظر آراء المعتزلة التي أوردها في المواضع التالية: (518، 612) .

(1/40)


7- ذكر بعض الأقوال الغريبة، وهي نادرة جدا، كالذي ذكره عند تفسير قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى [البقرة: 57] حيث قال «1» : والسلوان تراب قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ينقع في الماء فيشرب للتسلي.
8- الإخلال بترتيب الآيات في السورة الواحدة من حيث التقديم والتأخير، وقد تكرر ذلك في بعض المواضع «2» ، وإن كان المؤلف- رحمه الله- جاريا على ترتيب الآيات حسب ورودها في المصحف في الغالب.

المبحث الثاني: عملي في التحقيق، ويشتمل على المطالب الآتية:

المطلب الأول: عنوان الكتاب والتحقيق فيه:
عرّف المؤلف- رحمه الله- باسم كتابه في مقدمته «3» ، وذكر في هذه المقدمة أهم الفوائد التي أوردها في هذا الكتاب.
ونصّ المؤلف على التسمية- أيضا- في كتابه جمل الغرائب «4» فقال- حكاية عن نفسه-: «وقد وفقه الله- تبارك وتعالى- منة في تفسير كتابه لغير واحد، حتى استوى من مطولاته التي صنفها على كتاب «إيجاز البيان في معاني القرآن» أوجز كتاب لفظا وأطوله وأبسطه معنى، يشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة ... » .
كما نص على هذه التسمية كل من ياقوت في معجم الأدباء:
19/ 124، والسيوطي في بغية الوعاة: 2/ 277، والداودي في طبقات المفسرين: 2/ 311، وحاجي خليفة في كشف الظنون: 1/ 205.
__________
(1) إيجاز البيان: 97، وانظر نحو تلك الأقوال في (213، 214، 678) .
(2) إيجاز البيان: (356، 479، 772) .
(3) إيجاز البيان: 57.
(4) . 2/ ب.

(1/41)


المطلب الثاني: توثيق نسبته إلى المؤلف:
أجمعت الأدلة على ثبوت نسبة كتاب «إيجاز البيان عن معاني القرآن» إلى النيسابوري، من ذلك.
1- ما جاء في مقدمة الكتاب ونصه: «قال الشيخ الإمام السيد بيان الحق فخر الخطباء أبو القاسم محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري: بعد حمد الله كفاء حقه، والصلاة على نبيه محمد خير خلقه ... افتتاح كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن» .
2- ما صرح به المؤلف- رحمه الله- في كتابه جمل الغرائب، وقد تقدم ذكر نصه قبل قليل.
3- ما كتب على غلاف النسخة الأصلية المعتمدة في هذا التحقيق، وكذلك نسخة كوبرلي.
4- كتب التراجم التي ترجمت للنيسابوري ذكرت هذا الكتاب في مصنفاته.

المطلب الثالث: وصف النسخ الخطية:
بعون من الله- سبحانه وتعالى- وحسن وتوفيقه عثرت على ثلاث نسخ خطية للكتاب، نسخة مصورة بمكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عن مكتبة شورى ملي بإيران ونسختين بتركيا، ووصف هذه النسخ كالآتي:
1- نسخة الأصل: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة شورى ملي بطهران رقم (4240) مصورتها في مكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى رقم (362) ويبدو أن هذه النسخة أقدم النسخ الثلاث، ويرجح أن تكون من خطوط القرن السادس الهجري. ليس فيها تاريخ النسخ أو اسم الناسخ.
وهي نسخة كاملة للكتاب تقع في (108) ورقات، قياسها (20 22 سم) ، وعدد أسطر كل صفحة (21 سطرا) في كل سطر اثنتا عشرة

(1/42)


كلمة تقريبا مكتوبة بخط نسخي مضبوط بالشكل في الغالب.
كما أن هذه النسخة تمتاز- أيضا- بقلة وجود التصحيف والتحريف بها ويبدو أن ناسخها كان متقنا متمرسا.
وقد قوبلت هذه النسخة بنسخة أخرى أشار الناسخ إلى الفروق بينهما في الحاشية، ورمز لذلك ب «خ» .
وورد في الحاشية- أيضا- شرح لبعض الألفاظ الغريبة، وبيان للمبهم من المواضع ... وغير ذلك من الفوائد.
2- نسخة ك: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة كوبرلي باسطنبول بتركيا، رقم (1589) ، عندي مصورتها، وهذه كاملة تشمل جميع سور القرآن، تقع في (37) ورقة، قياسها (11 22 سم) ، وعدد أسطر كل صفحة (37) سطرا، في كل سطر عشرون كلمة تقريبا، مكتوبة بخط نسخي جميل دقيق، كتبت الآيات فيها باللون المذهب، يكثر فيها التصحيف والتحريف، لذا لم أفد منها فائدة كبيرة.
وجاء في آخر هذه النسخة اسم ناسخها، وهو عبد العزيز الملقب ب «ركن عدل» ، وتاريخ نسخها: في عشرين من شهر محرم الحرام لسنة أربع وخمسين وسبع مائة بدار الملك شيراز ...
3- نسخة ج: وهي النسخة المحفوظة بمكتبة جامعة اسطنبول بتركيا.
تقع هذه النسخة في (80) ورقة، وهناك سقط في هذه النسخة أقدره بسبع ورقات، يبدأ هذا السّقط من الآية 12 من سورة طه حتى الآية 45 من سورة النور.
وجاء في آخر هذه النسخة اسم ناسخها، وهو محمد بن فضل الله الملقب بالضياء في عام 783 هـ.
وقد ذكر بروكلمان في تاريخ الأدب العربي: (الذيل: 1/ 733) نسخة من كتاب «إيجاز البيان» نسبها إلى النيسابوري، وأشار إلى

(1/43)


وجودها بمكتبة الأسكوريال بمدريد رقم (1604) وقد وقفت على أصل هذه النسخة المنسوبة إليه فتبين أنها نسخة من كتاب جمل الغرائب في غريب الحديث للمؤلف نفسه. فكان ذلك وهما من بروكلمان، وجلّ من لا يسهو.

المطلب الرابع: منهج التحقيق:
بعد اختياري نسخة طهران أصلا في التحقيق حاولت- قدر استطاعتي- ضبط النص وذكر الفروق بينها وبين نسخة كوبرلي ونسخة جامعة اسطنبول، وإثبات الصواب في الأصل والإشارة إليها في الهامش.
أما أهم الأعمال التي قمت بها أثناء التحقيق فهي:
1- ترقيم الآيات المفسرة التي أوردها المؤلف على يمين الصفحة، أما الآيات التي ترد في ثنايا الكتاب على سبيل الاستشهاد فقد أشرت إلى السورة ورقم الآية في الهامش.
2- ضبط الآيات القرآنية، وكل ما يحتاج فهمه إلى ضبط من نصوص الكتاب، وراعيت في كتابه الآيات رسم المصحف.
3- تخريج الأحاديث والآثار من مصادرها الأصلية، مشيرا إلى الجزء والصفحة، والكتاب والباب.
فإن لم أعثر عليها في مظانها من كتب الحديث أشرت إلى مواضعها من كتب التفسير، وإذا كان الحديث مخرجا في الصحيحين أو في أحدهما فإني أكتفي بعزوه إليهما أو إلى أحدهما دون الإشارة إلى المصادر الأخرى التي خرجته.
4- تخريج معظم أقوال العلماء ونصوصهم من مصادرها الأصلية.
5- شرح الألفاظ الغريبة بالرجوع إلى معاجم اللغة المعتمدة.
6- التعريف بالأعلام والتعليق على الأماكن التي تحتاج إلى توضيح.
7- فهرسة الكتاب بفهارس علمية مختلفة، خدمة للكتاب وتسهيلا للرجوع

(1/44)


إلى محتوياته، وهذه الفهارس هي:
أ- فهرس الآيات القرآنية التي وردت في ثنايا الكتاب.
ب- فهرس الأحاديث والآثار.
ج- فهرس الأعلام.
د- فهرس المفردات اللغوية.
هـ- فهرس المواضع.
وفهرس الأمثال والأقوال.
ز- فهرس الأشعار.
ح- فهرس الجماعات والقبائل والفرق.
ط- فهرس المصادر والمراجع.
ي- فهرس الموضوعات.

(1/45)


صورة الورقة الأولى من نسخة الأصل

(1/47)


صورة الورقة الأخيرة من الأصل

(1/48)


صورة الصفحة الأولى من نسخة «ك»

(1/49)


صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ك»

(1/50)


صورة الورقة الأولى من نسخة «ج»

(1/51)


صورة الورقة الأخيرة من نسخة «ج»

(1/52)