إيجاز البيان عن
معاني القرآن بَرَاءَةٌ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ
وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)
ومن سورة براءة
1 بَراءَةٌ: رفعها على خبر المبتدأ، أي: هذه براءة «1» .
والبراءة: انقطاع العصمة «2» .
ولم يكتب في أولها التسمية لمقارنتها الأنفال أو لأن التسمية
أمان و «براءة» نزلت لرفع الأمان «3» .
2 فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ: أولها عاشر ذي
الحجة سنة تسع، وآخرها عاشر شهر ربيع الآخر «4» .
هذه مدة النداء بالبراءة لمن ليس له عهد، ولمن له عهد فإلى
تمام مدته والسّيح: السير على مهل «5» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 1/ 420، وتفسير الطبري: 14/ 95،
وإعراب القرآن للنحاس:
2/ 201، والتبيان للعكبري: 2/ 634.
(2) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 117، وذكر الماوردي
قولا آخر هو: أنها انقضاء عهدهما.
(3) عن تفسير الماوردي: 2/ 116، وانظر معاني القرآن للزجاج: 2/
427، ومعاني النحاس:
3/ 180، وأحكام القرآن لابن العربي: 2/ 892، وزاد المسير: 3/
390، وتفسير القرطبي (8/ 62، 63) .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره (14/ 99- 101) عن محمد بن
كعب القرظي، وقتادة، ومجاهد، والسدي.
وانظر معاني القرآن للنحاس: 3/ 181، وتفسير الماوردي: 2/ 118،
والمحرر الوجيز:
(6/ 400، 401) .
(5) تفسير الماوردي: 2/ 117 عن الكلبي، واختاره الطبري في
تفسيره: 14/ 102.
وقال ابن كثير في تفسيره: 4/ 45: «وهذا أحسن الأقوال وأقواها»
.
(1/371)
وَأَذَانٌ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ
الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ
تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ
وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
ويروى «1» أن النبي صلّى الله عليه وسلّم
أتبع أبا بكر بعلي- رضي الله عنهما- إلى مكة، وقال: «لا يبلّغ
عني إلّا رجل مني» .
3 وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ: إعلام- عطف على «براءة» .
[39/ أ] والحج الأكبر: الوقوف بعرفة. وقيل «2» : يوم عرفة.
وقيل «3» : يوم النحر وقد اجتمع في ذلك اليوم أعياد الأمم.
والحج: القصد إلى أعمال المناسك بحكم الشرع. وأمهات أعماله سبع
عشرة خصلة: الإحرام بعد الاغتسال، والتلبية، وطواف القدوم،
والسعي بين الصفا والمروة والمبيت بمنى، والصلاة بمسجد إبراهيم
«4» ،
__________
(1) نص هذه الرواية في تفسير الماوردي: 2/ 116، وذكره الزجاج
في معانيه: 2/ 428 بلفظ:
«لن يبلغ ... » .
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده: 1/ 156 بلفظ: «لا يبلغه إلّا أنا
أو رجل منّي» .
وصحح الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله تعالى- إسناده.
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: 5/ 33: «والمقصود
أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث عليا رضي الله عنه بعد
أبي بكر الصديق ليكون معه ويتولى علي بنفسه إبلاغ البراءة إلى
المشركين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكونه ابن عمه من
عصبته.
(2) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 182، وأخرجه الطبري
في تفسيره: (14/ 114- 116) عن عمر بن الخطاب، وابن عباس،
وعطاء، وأبي جحيفة، وابن الزبير، ومجاهد، وطاوس.
(3) هو قول الجمهور من الصحابة والتابعين، واختاره الطبري في
تفسيره: 14/ 127، والنحاس في معانيه: 3/ 183.
وأخرج الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- في صحيحه: 3/ 96، كتاب
الجزية، باب «كيف ينبذ إلى أهل العهد» عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: «بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر
بمنى: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج
الأكبر يوم النحر ... » .
ونقل الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- في صحيحه: 2/ 982، كتاب
الحج، باب «لا يحج البيت مشرك ... » عن ابن شهاب قال: «فكان
حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر، من أجل
حديث أبي هريرة» .
(4) مسجد فوق جبل أبي قبيس بمكة المكرمة كما في أخبار مكة
للفاكهي: 4/ 16، والصلاة في هذا المسجد ليست من أمهات أعمال
الحج كما ذكر المؤلف.
(1/372)
كَيْفَ يَكُونُ
لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا
عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ
وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ
ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ
إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ
عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ
الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ
يَنْتَهُونَ (12)
والوقوف بعرفة، والمصير إلى مزدلفة والمبيت
بها، والوقوف بالمشعر الحرام، والمصير إلى جمرة العقبة لرميها،
وحلق الرأس، والنحر، وطواف الزيارة، ثم الإحلال، ثم الرجوع إلى
منى والمقام بها ثلاثة أيام، ثم العمرة.
7 كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ: أي: مع إضمار الغدر.
والمعاهدون عند المسجد الحرام «1» : قوم من كنانة «2» .
8 إِلًّا: حلفا وعهدا. وقيل «3» : مودة ووصلة.
وفي حديث أمّ زرع «4» : «وفيّ الإلّ، كريم الخلّ، برود الظلّ»
.
9 اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا: في الأعراب
الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه «5» .
12 نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ: قريش إذ غدروا بخزاعة حلفاء النبي
صلّى الله عليه وسلّم.
__________
(1) من قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... [آية: 7] .
(2) ذكر ابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 400 أنهم بنو ضمرة بن
كنانة، ونسب هذا القول إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر تفسير الطبري: 14/ 142، وتفسير الماوردي: 2/ 121،
والتعريف والإعلام للسهيلي: 69. [.....]
(3) ذكره الزجاج في معاني القرآن: 2/ 433، وابن الجوزي في زاد
المسير: 3/ 402، والقرطبي في تفسيره: 8/ 79.
قال الطبري في تفسيره: 14/ 148: «و «الإلّ» اسم يشتمل على معان
ثلاثة: وهي العهد، والعقد والحلف، والقرابة، وهو أيضا بمعنى
«الله» فإذا كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن
الله خصّ من ذلك معنى دون معنى، فالصواب أن يعمّ ذلك كما عمّ
بها جل ثناؤه معانيها الثلاثة، فيقال لا يرقبون في مؤمن الله
ولا قرابة ولا عهدا ولا ميثاقا ... » .
(4) تقدم تخريجه ص (71) .
وينظر شرح غريب ألفاظه في بغية الرائد للقاضي عياض: (147، 148)
.
(5) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 2/ 122.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 151، وابن أبي حاتم في تفسيره:
645 (سورة التوبة) ، وقال المحقق: إسناده صحيح.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 135، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وأبي الشيخ عن مجاهد أيضا.
(1/373)
قَاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ
وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ
اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ
الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ
لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا
يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ
يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ
وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا
يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ
دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ
وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ
وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ
عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ
تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ
إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)
14 وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ: هم خزاعة «1»
.
15 وَيَتُوبُ: رفع، لخروجه عن موجب القتال.
16 وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ: لما يفعل، نفي الفعل مع تقريب
وقوعه، و «لم» نفي بغير إيذان بوقوعه، ومعناه: لم يعلم علما
يجازي عليه وهو العلم بما يظهر منهم وإنما جاء على النفي لأنه
أبلغ، والتقدير: ولما يجاهدوا ولم يتخذوا «وليجة» يعلم الله
ذلك منهم فجاء نفي العلم على معنى نفي المعلوم، لأنّه مهما كان
شيء علمه الله «2» .
وَلِيجَةً خلطاء يناجونهم. وقيل «3» : البطانة الذي يلج في
باطن أمر الرجل، وفيه دليل على تحريم مخالطة الفاسق.
17 شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ: أي: فيما يقولون
دليل عليهم.
25 وَيَوْمَ حُنَيْنٍ: واد بين مكة والطائف «4» .
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ: كانوا اثني عشر ألفا،
فقالوا: لن نغلب اليوم
__________
(1) قال السهيلي في التعريف والإعلام: 69: «قال أهل التأويل:
هم خزاعة شفوا صدورهم من بني بكر يوم الفتح» .
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (14/ 160، 161) عن مجاهد
والسدي.
ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 406 عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 138، وزاد نسبته إلى ابن
أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبي الشيخ عن عكرمة.
وقال ابن كثير في تفسيره: 4/ 60: «وهذا عام في المؤمنين كلهم»
.
(2) ينظر معاني القرآن للزجاج: 2/ 437، ومعاني النحاس: 3/ 190،
وتفسير الفخر الرازي:
(16/ 6، 7) ، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 6/ 433:
«والمراد بقوله: وَلَمَّا يَعْلَمِ لما يعلم ذلك موجودا كما
علمه أزلا بشرط الوجود، ولما يظهر فعلكم واكتسابكم الذي يقع
عليه الثواب والعقاب، ففي العبارة تجوز، وإلا فحتم أنه قد علم
الله في الأزل الذين وصفهم بهذه الصفة مشروطا وجودهم، وليس
يحدث له علم تبارك وتعالى عن ذلك» .
(3) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 183: «البطانة من غير
المسلمين، وأصله من الولوج، وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين
دخيلا من المشركين وخليطا وودا» .
(4) ينظر معجم ما استعجم: 2/ 471، ومعجم البلدان: 2/ 313،
والروض المعطار: 202.
(1/374)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ
وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
عن قلّة. فولّوا ولم يبق مع النبي صلّى
الله عليه وسلّم إلا نفر دون المائة فيهم العباس وأبو سفيان بن
الحارث «1» ، وكان ابن عم رسول الله وأخاه من الرضاعة «2» ،
وكان من أشدّ النّاس عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم،
يهجوه ويجلب عليه، ثم أسلم قبل حنين بسنة، فقال النبي صلّى
الله عليه وسلّم: «لا أرينّ/ وجهه» «3» ثم رضي عنه يوم [39/ ب]
حنين.
28 بَعْدَ عامِهِمْ هذا: أي: العام الذي حج أبو بكر وتلا عليّ
رضي الله عنهما سورة براءة، وهو لتسع من الهجرة، وبعده حجة
الوداع.
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً: فقرأ بانقطاع المتاجر «4» .
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ: شرط
الغنى بالمشيئة، لتنقطع الآمال إلى الله.
29 قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ: وأهل الكتاب يؤمنون بهما، لكن إيمانهم
على غير علم واستبصار «5» ، وبخلاف ما هو
__________
(1) ثبت ذلك في صحيح البخاري: (5/ 98، 99) ، كتاب المغازي، باب
قول الله تعالى:
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، وصحيح
مسلم: 3/ 1398، كتاب الجهاد والسير، باب «في غزوة حنين» . عن
العباس رضي الله عنه.
وينظر تفسير الطبري: (14/ 182- 185) ، وتفسير ابن كثير: 4/ 68،
والدر المنثور:
4/ 161.
(2) أرضعتهما حليمة السعدية، وتوفي أبو سفيان في خلافة عمر بن
الخطاب رضي الله عنه.
ترجمته في الاستيعاب: 4/ 1673، وأسد الغابة: 6/ 144، والإصابة:
7/ 179.
(3) لم أقف على هذا الأثر.
(4) معاني الفراء: 1/ 431، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
184، وتفسير الطبري:
14/ 192.
والمراد بانقطاع المتاجر هو خوف المسلمين من انقطاع قوافل
التجارة التي كان المشركون يأتون بها إلى مكة، فإذا منعوا من
دخول مكة انقطعت تلك التجارة.
(5) معاني القرآن للزجاج: 2/ 441، ومعاني النحاس: 3/ 197.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 6/ 455: «ونفى عنهم الإيمان
بالله واليوم الآخر من حيث تركوا شرع الإسلام الذي يجب عليهم
الدخول فيه، فصار جميع مالهم في الله عز وجل وفي البعث من
تخيلات واعتقادات لا معنى لها، إذ تلقوها من غير طريقها، وأيضا
فلم تكن اعتقاداتهم مستقيمة، لأنهم تشعبوا وقالوا: عزيز ابن
الله، والله ثالث ثلاثة، وغير ذلك.
ولهم في البعث آراء كثيرة، كشراء منازل الجنة من الرهبان، وقول
اليهود في النار: نكون فيها أياما بعدد، ونحو ذلك» .
(1/375)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ
ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ
قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
أحوال اليوم ومدة العذاب «1» ، أو لأنهم في
عظم الجرم كمن لا يؤمن كما أنهم بالكفر كالمشرك في عبادة الله.
عَنْ يَدٍ: عن قهر واستعلاء منكم عليهم «2» . أو عن يدي
المؤدّي، فإن الذمي يقام بين يدي من يأخذ الجزية ليؤديها عن
يده صاغرا، ولا يبعث بها «3» ، فالمعنى: قاتلوهم حتى يذلّوا،
أو جاز الرضا من أهل الكتاب بالجزية دون عبدة الأوثان لأنهم
أقرب إلى الحق بالنبوة السابقة.
30 وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ: ذلك قول بعض
اليهود «4» ، فهو
__________
(1) جاء في هامش الأصل: «يعني قولهم: لن تمسنا النار» .
(2) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 256: «كل من انطاع لقاهر
بشيء أعطاه من غير طيب نفس به وقهر له من يد في يد فقد أعطاه
عن يد، ومجاز الصاغر: الذليل الحقير» . [.....]
(3) ذكره نحوه النحاس في معاني القرآن: 3/ 199 فقال: وقيل- وهو
أصحها- يؤدونها بأيديهم، ولا يوجّهون بها، كما يفعل الجبارون»
.
وذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 128، وابن عطية في المحرر
الوجيز: 6/ 460، وابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 420، والفخر
الرازي في تفسيره: 16/ 31.
قال الزمخشري في الكشاف: 2/ 184: «إما أن يراد يد المعطي أو
الآخذ، فمعناه على إرادة يد المعطي: حتى يعطوها عن يد، أي: عن
يد مواتية غير ممتنعة لأن من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف
المطيع المنقاد، ولذلك قالوا: أعطى بيده، إذا انقاد وأصحب، ألا
ترى إلى قولهم: نزع يده عن الطاعة، كما يقال: خلع ربقة الطاعة
عن عنقه.
أو حتى يعطوها عن يد إلى يد غير نسيئة لا مبعوثا على يد أحد
ولكن عن يد المعطي إلى يد الآخذ.
وأما على إرادة يد الآخذ فمعناه: حتى يعطوها عن يد قاهرة
مستولية، أو عن إنعام عليهم، لأن قبول الجزية منهم، وترك
أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم» .
(4) قال الماوردي في تفسيره: 2/ 129: «فإن قيل: فإذا كان ذلك
قول بعضهم فلم أضيف إلى جميعهم؟ قيل: لأن من لم يقله عند نزول
القرآن لم ينكره، فلذلك أضيف إليهم إضافة جمع وإن تلفظ به
بعضهم» .
وأورد ابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 424 جوابا آخر هو: «أن
إيقاع اسم الجماعة على الواحد معروف في اللّغة» .
وكذا ذكر الفخر الرازي في تفسيره: 16/ 35 فقال «يقال فلان يركب
الخيول ولعله لم يركب إلا واحدا منها، وفلان يجالس السلاطين
ولعله لا يجالس إلا واحدا» .
(1/376)
يَوْمَ يُحْمَى
عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ
وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) إِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي
كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا
تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ
كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
كقول الخوارج تقول بتعذيب الأطفال، وإنما
تقوله الأزارقة «1» منهم.
و «المضاهاة» «2» : معارضة الفعل بمثله «3» ، وفي الحديث «4» :
«أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون خلق الله» يعني
المصوّرين «5» .
35 يُحْمى عَلَيْها: يوقد عليها «6» .
36 أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: يعظم انتهاك المحارم فيها.
فِي كِتابِ اللَّهِ: اللوح «7» .
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ: الحساب المستقيم «8» ، لا ما يفعله
العرب من
__________
(1) ينتسبون إلى أبي راشد نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي البكري
الوائلي.
قال البغدادي في الفرق بين الفرق: 50: «لم تكن للخوارج قط فرقة
أكثر عددا ولا أشد منهم شوكة» . وينظر قولهم الذي أورده المؤلف
في مقالات الإسلاميين: 89، والملل والنحل: 1/ 122.
(2) من قوله تعالى: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
قَبْلُ [آية: 30] .
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 256، ومعاني القرآن
للزجاج: 2/ 443، وتفسير القرطبي: 8/ 118.
(4) الحديث في صحيح البخاري: 7/ 65، كتاب اللباس، باب «ما وطيء
من التصاوير» .
(5) النهاية: 3/ 106، واللسان: 14/ 487 (ضها) .
(6) تفسير الطبري: 14/ 230، والمحرر الوجيز: 6/ 478.
وفي صحيح مسلم: 2/ 680، كتاب الزكاة، باب «إثم مانع الزكاة» عن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا
إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار
جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم
كان مقداره خمسين ألف سنة ... » .
(7) هو اللّوح المحفوظ كما في تفسير البغوي: 2/ 289، والمحرر
الوجيز: 6/ 484، وزاد المسير: 2/ 432، وتفسير القرطبي: 8/ 132.
(8) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 185، وذكره
النحاس في معانيه: 3/ 206، - وابن عطية في المحرر الوجيز: 6/
484، والقرطبي في تفسيره: 8/ 134 دون عزو.
ونقله الماوردي في تفسيره: 2/ 135، وابن الجوزي في زاد المسير:
3/ 433 عن ابن قتيبة.
قال ابن عطية رحمه الله: «والأصوب عندي أن يكون الدِّينُ ها
هنا على أشهر وجوهه، أي: ذلك الشرع والطاعة لله، الْقَيِّمُ
أي: القائم المستقيم ... » .
وانظر تأويل مشكل القرآن: 454.
(1/377)
إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا
عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ
الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
نساء الشهور، ومثله: يَوْمَئِذٍ
يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ «1» أي: حساب ما
عملوا.
فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ: بإحلالها، أو بمعصية
الله فيها «2» .
37 إِنَّمَا النَّسِيءُ: يجوز مصدرا بمعنى النّساء. ك «النذير»
و «النكير» وفاعلا، ك «البشير» ، أي: الناسئ ذو زيادة في الكفر
«3» ، ومفعولا.
ك «القتيل» و «الجريح» أي: الشهر المؤخر زيادة في الكفر.
وكانوا يؤخرون المحرم سنة لحاجتهم إلى القتال، أو يؤخرون أشهر
[40/ أ] الحج/.
لِيُواطِؤُا: يجعلوا غير الأشهر الحرم كالحرم في العدّة بأنّ
هذه أربعة كتلك.
والمواطأة: المماثلة والاتفاق على الشّيء «4» .
38 انْفِرُوا: اخرجوا.
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ: تثاقلتم إلى أوطانكم، أدغمت
التاء في الثاء ودخلت ألف الوصل للابتداء، أنزلت في المخلّفين
عن تبوك «5» .
__________
(1) سورة النور: آية: 25.
(2) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 6/ 485: «ونهى الظلم فيها
تشريفا لها بالتخصيص والذكر، وإن كان منهيا عنه في كل الزمن» .
(3) تفسير الطبري: 14/ 243، والمحرر الوجيز: (6/ 487، 488) ،
والتبيان للعكبري:
2/ 643، والبحر المحيط: 5/ 39، والدر المصون: 6/ 46.
(4) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 2/ 447. [.....]
(5) ينظر تفسير الطبري: 14/ 253، وأسباب النزول للواحدي: 283،
وتفسير ابن كثير: -- 4/ 94، والدر المنثور: 4/ 190.
(1/378)
إِلَّا تَنْصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(40) انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
40 إِذْ هُما فِي الْغارِ: مكث النبي صلّى
الله عليه وسلّم ثلاثا مع أبي بكر- رضي الله عنه- في نقب في
جبل بمكة يقال له: ثور «1» .
والهاء في عَلَيْهِ يعود على أبي بكر لأنه الخائف الذي احتاج
إلى السكينة «2» .
بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها: نزلت الملائكة بالبشارة بالنصر
وإلقاء البأس في قلوب المشركين فانصرفوا خائبين «3» .
41 انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا: شبانا وشيوخا «4» ، أو خفافا
من الثقل والسلاح «5» .
__________
(1) جبل ثور: أحد جبال مكة في الجنوب منها، بينها وبين مكة
ميلان.
معجم البلدان: (2/ 86، 87) ، والروض المعطار: 151.
(2) ينظر قصة الغار في صحيح البخاري: 5/ 204، كتاب التفسير،
«تفسير سورة التوبة» ، وصحيح مسلم: 4/ 1854، كتاب الصحابة، باب
«من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه» ، والسيرة لابن هشام:
(1/ 485- 488) ، وتاريخ الطبري: (2/ 375- 379) ، والروض الآنف:
(2/ 230- 233) .
(3) الروض الأنف: 2/ 232.
(4) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 187، وأخرج الطبري
هذا القول في تفسيره:
(14/ 262- 264) عن الحسن، وعكرمة وأبي طلحة، والضحاك، ومقاتل
بن حيان، ومجاهد.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 2/ 449، ومعاني
النحاس: 3/ 211، وتفسير الماوردي: 2/ 139، والمحرر الوجيز: 6/
502، وزاد المسير: 3/ 442.
(5) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 443 عن الثعلبي.
قال الطبري- رحمه الله- في تفسيره: 14/ 269: «وأولى الأقوال في
ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفر
لجهاد أعدائه في سبيله، خفافا وثقالا. وقد يدخل في «الخفاف» كل
من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك، وصحة جسمه وشبابه،
ومن كان ذا يسر بمال وفراغ من الاشتغال، وقادرا على الظهر
والركاب، ويدخل في «الثقال» كل من كان بخلاف ذلك، من ضعيف
الجسم وعليله وسقيمه، ومن معسر من المال، ومشتغل بضيعة ومعاش،
ومن كان لا ظهر له ولا ركاب، والشيخ ذو السن والعيال.
فإذا كان قد يدخل في «الخفاف» و «الثقال» من وصفنا من أهل
الصفات التي ذكرنا، ولم يكن الله جل ثناؤه خصّ من ذلك صنفا دون
صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولا
نصب على خصوصه دليلا، وجب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر
المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالا
مع رسوله صلّى الله عليه وسلّم، على كل حال من أحوال الخفة
والثقل» .
(1/379)
لَوْ كَانَ عَرَضًا
قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ
عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ
اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ
عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا
يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا
يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي
رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ
لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ
انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ
الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ
إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ (47)
42 عَرَضاً قَرِيباً: متاعا قريب المأخذ،
وَسَفَراً قاصِداً: سهلا مقتصدا ذا قصد عدل.
46 كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ: نهوضهم إليها، بعثته فانبعث
«1» .
ومن قول العرب: لو دعينا لاندعينا «2» .
فَثَبَّطَهُمْ: وقّفهم «3» . قالت عائشة رضي الله عنها: «كانت
سودة امرأة ثبطة» «4» ، أي: بطيئة «5» .
اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ: النساء والصبيان «6» .
47 خَبالًا: فسادا واضطرابا في الرأي، وَلَأَوْضَعُوا
خِلالَكُمْ:
أسرعوا بينكم بالإفساد «7» .
__________
(1) جاء في اللسان: «يقال: انبعث فلان لشأنه إذا ثار ومضى
ذاهبا لقضاء حاجته ... ، والبعث إثارة بارك أو قاعد، تقول:
بعثت البعير فانبعث إذا أثرته فثار» .
ينظر اللسان: (2/ 116، 117) (بعث) .
(2) أي: لأجبنا.
ذكره الجوهري في الصحاح: 6/ 2338 (دعا) عن الأخفش.
وانظر هذا القول في اللسان: 14/ 262 (دعا) .
(3) قال الزجاج في معاني القرآن: 2/ 450: «والتثبيط ردّك
الإنسان عن الشيء يفعله، أي:
كره الله أن يخرجوا معكم فردهم عن الخروج» .
(4) الحديث في صحيح البخاري: 2/ 178، كتاب الحج، باب «من قدّم
ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدّم إذا غاب القمر»
.
وصحيح مسلم: 2/ 939، كتاب الحج، باب «استحباب تقديم دفع الضعفة
من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى منى في أواخر الليالي قبل زحمة
الناس» .
(5) ينظر غريب الحديث للخطابي: 2/ 586، والنهاية: 1/ 207،
واللسان: 7/ 267 (ثبط) .
(6) تفسير الطبري: 14/ 277، والمحرر الوجيز: 6/ 511، وزاد
المسير: 3/ 447.
(7) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 261، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 187، وتفسير الطبري: 14/ 278، ومعاني الزجاج: 2/ 451.
(1/380)
وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ
سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ
يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ
وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا
إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ
تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ
نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ
عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ
مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا
لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا
فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ
نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ
كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ
مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ
يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا
لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ
يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا
وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
49 وَلا تَفْتِنِّي: في الجدّ «1» بن قيس،
قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تفتني ببنات الروم فإني
مستفتن، أي: مولع مستهتر بالنساء، قاله لقرب تبوك من الروم «2»
.
55 لِيُعَذِّبَهُمْ بِها: بحفظها والحزن عليها والمصائب فيها
مع عدم الانتفاع بها «3» ، وهي لام العاقبة.
57 مَلْجَأً: قوما يلجئون إليهم.
مَغاراتٍ: غيرانا في الجبال تسترهم» .
مُدَّخَلًا: سربا في الأرض يدخلونه «5» .
58 يَلْمِزُكَ: يعيبك «6» ،............... ......
__________
(1) هو الجدّ بن قيس بن صخر بن خنساء أبو عبد الله، أنصاري،
سلمي.
كان يتهم بالنفاق، مات في خلافة عثمان بن عفان.
أخباره في الاستيعاب: 1/ 266، وأسد الغابة: 1/ 327، والإصابة:
1/ 468. [.....]
(2) ينظر سبب نزول هذه الآية في السيرة لابن هشام: 1/ 526،
وأسباب النزول للواحدي:
(284، 285) ، والتعريف والإعلام للسهيلي: 70.
وأخرج ذلك الطبري في تفسيره: (14/ 286- 288) عن ابن عباس،
ومجاهد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: (4/ 213- 215) ، وزاد نسبته
إلى ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم عن ابن
عباس رضي الله تعالى عنهما.
(3) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 2/ 144 عن ابن زيد.
وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 452، وأبو حيان في البحر
المحيط: 5/ 55، والسمين الحلبي في الدر المصون: 6/ 68.
(4) معاني القرآن للفراء: 1/ 443، وتفسير الطبري: 14/ 298،
ومعاني القرآن للنحاس:
3/ 218، وقال الطبري رحمه الله: «وهي الغيران في الجبال،
واحدتها «مغارة» ، وهي «مفعلة» ، من: غار الرجل في الشيء يغور
فيه، إذا دخل، ومنه قيل: غارت العين، إذا دخلت في الحدقة» .
(5) معاني الفراء: 1/ 443، وتفسير الطبري: 14/ 298، ومعاني
الزجاج: 2/ 455.
(6) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 262، وغريب القرآن
لليزيدي: 165، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 188، وتفسير
القرطبي: 8/ 166. -
قال الطبري رحمه الله: «يقال منه: «لمز فلان فلانا يلمزه،
ويلمزه» إذا عابه وقرصه، وكذلك «همزه» ، ومنه قيل: «فلان همزة
لمزة» .
تفسيره: 14/ 300.
(1/381)
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
وهو ثعلبة بن حاطب «1» ، قال: إنما يعطي
محمد من يحب.
60 لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ: الفقير: الذي فقره الفقر كأنه
أصاب فقاره.
والمسكين الذي أسكنه العدم وذهب بتصرفه «2» .
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 145، وابن الجوزي في زاد
المسير: 3/ 454.
والصحيح أنه ابن ذو الخويصرة التميمي لما أخرجه البخاري عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا النبي صلّى الله عليه
وسلّم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال:
اعدل يا رسول الله، قال: ويلك من يعدل إذا لم أعدل. قال عمر بن
الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم
صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق
السّهم من الرّمية ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في
نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم
ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل
إحدى يديه- أو قال ثدييه مثل ثدي المرأة، أو قال مثل البضعة
تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس-. قال أبو سعيد: أشهد،
سمعت من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأشهد أن عليا قتلهم وأنا
معه جيء بالنعت الذي نعته النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:
فنزلت فيه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ اهـ» .
ينظر صحيح البخاري: (8/ 52، 53) ، كتاب استتابة المرتدين
والمعاندين وقتالهم، باب «من ترك قتال الخوارج للتآلف وأن لا
ينفر الناس عنه» .
راجع أيضا مصنف عبد الرزاق: (10/ 146، 147) ، وتفسير الطبري:
14/ 303، وأسباب النزول للواحدي: 285، 286) ، وتفسير ابن كثير:
4/ 104، والدر المنثور:
4/ 219، وقد ورد لثعلبة بن حاطب ذكر في سبب نزول قوله تعالى:
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [التوبة:
آية: 75] .
أورده الحافظ في الإصابة: (1/ 400، 401) ، وذكر أن ثعلبة هذا
غير ثعلبة بن حاطب الأنصاري فقال: «وفي كون صاحب هذ القصة- إن
صح هذا الخبر ولا أظنه يصح- هو البدري المذكور قبله نظر ...
وقد ثبت أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل النار أحد شهد
بدرا والحديبية» ، وحكى عن ربه أنه قال لأهل بدر: «اعملوا ما
شئتم فقد غفرت لكم» ، فمن يكون بهذه المثابة كيف يعقبه الله
نفاقا في قلبه وينزل فيه ما أنزل؟ فالظاهر أنه غيره» .
(2) ينظر الأقوال التي قيلت في «الفقير» ، و «المسكين» في
تفسير الطبري: (14/ 305- 308) ، ومعاني النحاس: 3/ 223، وزاد
المسير: 3/ 456، وتفسير القرطبي: (8/ 168- 170) .
(1/382)
وفي الحديث «1» : «فقرات «2» ابن آدم ثلاث:
يوم ولد ويوم يموت ويوم/ يبعث حيا» وهي الأمور العظام «3»
كأنها تكسر الفقار. [40/ ب] وَالْعامِلِينَ عَلَيْها: السّعاة
على الصدقات «4» .
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: مثل: أبي سفيان، وابنه معاوية،
والأقرع «5» بن حابس، وعيينة «6» بن حصن رضي الله عنهم.
وَفِي الرِّقابِ: المكاتبين «7» ، وقيل «8» : عبيد يشترون
فيعتقون.
__________
(1) أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور: 5/ 509 عن
الشعبي.
وأورد الزمخشري في الفائق: 3/ 136 عن الشعبي قال في قوله عز
وجل: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا فقرات ابن آدم ثلاث: يوم ولد، ويوم
يموت، ويوم يبعث حيا، هي التي ذكر عيسى عليه السلام.
(2) فقرات: بضم الفاء، نص عليه الزمخشري في الفائق: 3/ 136.
(3) الفائق: 3/ 136، وغريب الحديث لابن الجوزي: 2/ 201،
والنهاية: 3/ 463.
(4) معاني القرآن للفراء: 1/ 443، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 188، وتفسير الطبري:
14/ 310.
(5) هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي
المجاشعي الدارمي، صحابي جليل، وفد على النبي صلّى الله عليه
وسلّم، وشهد فتح مكة وحنينا، وهو من المؤلفة قلوبهم.
ترجمته في الاستيعاب: 1/ 103، وأسد الغابة: 1/ 128، والإصابة:
1/ 101.
(6) هو عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاريّ.
أسلم قبل الفتح، وشهدها، وشهد حنينا والطائف، وبعثه النبي صلّى
الله عليه وسلّم لبني تميم فسبى بعض بني العنبر.
ترجم له الحافظ في الإصابة: 4/ 767: وقال «يقال» كان اسمه
حذيفة فلقب عيينة، لأنه كان أصابته شجة فجحظت عيناه» .
وانظر ترجمته في الاستيعاب: 3/ 1249، وأسد الغابة: 4/ 331.
(7) ذكره الفراء في معاني القرآن: 1/ 443، والطبري في تفسيره:
14/ 316 وعزا هذا القول إلى الجمهور.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 189، ومعاني الزجاج: 2/
456، ومعاني النحاس: 3/ 225. [.....]
(8) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 148 وعزاه إلى ابن عباس
ومالك.
(1/383)
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ
خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ
رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ
أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ
يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ
الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ
تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي
قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا
تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا
كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ
طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا
مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ
بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ
نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ
وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ
فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ
مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ
مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ
بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)
وَالْغارِمِينَ: الذين لا يفي مالهم بدينهم
«1» .
61 هُوَ أُذُنٌ: صاحب أذن يصغي إلى كل أحد، أو أذن لا يقبل إلا
الوحي، وقيل: أذن فمتى حلفت له صدّقك.
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ: أي: مستمع للخير.
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ: يصدقهم، كقوله «2» : رَدِفَ
لَكُمْ، أو هو لام الفرق بين إيمان التصديق وإيمان الأمان «3»
.
وَرَحْمَةٌ «4» : عطف على أُذُنُ خَيْرٍ، أي: مستمع خير ورحمة.
ورفعه «5» على تقدير: قل هو أذن خير لكم وهو رحمة، أي: ذو
رحمة.
63 يُحادِدِ اللَّهَ: يكون في حد غير حدّه «6» .
69 وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا: إشارة إلى ما خاضوا فيه «7» ،
والمراد
__________
(1) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 189: «من عليه الدّين
ولا يجد قضاء. وأصل الغرم: الخسران، ومنه قيل في الرهن: له
غنمه وعليه غرمه، أي ربحه له وخسرانه أو هلاكه عليه، فكأنّ
الغارم هو الذي خسر ماله» .
وانظر تفسير الطبري: 14/ 318، ومعاني الزجاج: 2/ 456، وزاد
المسير: 3/ 458.
(2) سورة النمل: آية: 72.
(3) ينظر التبيان للعكبري: 2/ 648، والدر المصون: 6/ 75.
(4) وهي قراءة حمزة كما في السبعة لابن مجاهد: 315، والتبصرة
لمكي: 215، والتيسير للداني: 118.
(5) قراءة باقي السبعة.
وانظر توجيه هذه القراءة في الكشف لمكي: 1/ 503، والبحر
المحيط: 5/ 63، والدر المصون: 6/ 74.
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 2/ 458، ونص قول الزجاج هناك:
«معناه» : من يعادي الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله.
واشتقاقه من اللغة كقولك: من يجانب الله ورسوله، أي: من يكون
في حدّ، والله ورسوله في حد» .
وانظر معاني النحاس: 3/ 230.
(7) يعني بذلك قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ
إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ... [آية: 65] .
(1/384)
وَعَدَ اللَّهُ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ
طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ
أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
«كالذين» ، فحذفت النون تخفيفا لطول الاسم
بالصلة. وكانوا يقولون:
أيرجو محمد أن يفتح حصون الشام، هيهات، فأطلعه الله عليه «1» .
72 وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ: أي: من جميع النّعم «2»
.
وروى معاذ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن جنة العدن في
السماء [العليا] . «3» لا يدخلها إلا نبي، أو صديق، أو شهيد،
أو إمام عدل، أو محكّم في نفسه، وجنة المأوى في السماء الدّنيا
يأوي إليها أرواح المؤمنين «4» .
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 14/ 334 عن قتادة.
ونقله الواحدي في أسباب النزول: 288 عن قتادة أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 230 وعزا إخراجه إلى ابن
المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن قتادة.
(2) يدل عليه ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله
يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، يقولون: لبيك ربنا وسعديك،
فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم
تعط أحدا من خلقك فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب
وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم
بعده أبدا» .
صحيح البخاري: 7/ 200، كتاب الرقاق، باب «صفة الجنة والنار» ،
وصحيح مسلم:
4/ 2176، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب «إحلال الرضوان
على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدا» .
(3) في الأصل: «الدنيا» ، والمثبت في النّص عن «ج» ، وهو
الصحيح.
(4) ذكر الماوردي هذه الرواية في تفسيره: 2/ 152 وقال: «رواه
معاذ بن جبل مرفوعا» .
وأخرج الطبري في تفسيره: 14/ 354 عن الحسن قال: «جنات عدن، وما
أدراك ما جنات عدن؟ قصر من ذهب، لا يدخله إلا نبي، أو صديق، أو
شهيد، أو حكم عدل، ورفع بها صوته» .
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه: 13/ 127، كتاب الجنة عن بشر بن
كعب عن كعب قال: إن في الجنة ياقوتة ليس فيها صدع ولا وصل،
فيها سبعون ألف دار، في كل دار سبعون ألفا من الحور العين، ولا
يدخلها إلّا نبي، أو صديق، أو شهيد، أو إمام عادل، أو محكم في
نفسه، قال: قلنا: يا كعب وما المحكم في نفسه؟ قال: الرجل يأخذه
العدو فيحكمونه بين أن يكفر أو يلزم الإسلام فيقتل، فيختار أن
يلزم الإسلام» .
وأخرج نحوه أبو نعيم في حلية الأولياء: 5/ 380 عن كعب أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 238 وعزا إخراجه إلى ابن
أبي شيبة عن كعب الأحبار.
(1/385)
يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ
عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا
لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ
خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ
عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ
فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) وَمِنْهُمْ
مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ
لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا
وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي
قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا
اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)
73 جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ:
جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بالقلب واللسان.
74 يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ: في الجلاس «1» بن سويد بن الصامت،
قال: إن كان قول محمد حقا فنحن شر من الحمير، ثم حلف أنه لم
يقل «2» .
وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا: همّ الجلاس بقتل الذي أنكر عليه
«3» .
وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ: وذلك أن مولى
للجلاس قتل، فأمر له النبي صلّى الله عليه وسلّم بديته فاستغنى
بها «4» .
77 فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً: أي: بخلهم بحقوق الله.
إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ: أي: بخلهم. وقيل «5» : جازاهم الله
ببخلهم وكفرهم.
[41/ أ] 79 الَّذِينَ يَلْمِزُونَ/ الْمُطَّوِّعِينَ: ترافد
«6» المسلمون بالنفقات في غزوة تبوك على وسعهم فجاء [علبة] «7»
بن زيد الحارثي بصاع من تمر
__________
(1) كان من المنافقين ثم تاب وحسنت توبته.
ترجمته في الاستيعاب: 1/ 264، وأسد الغابة: 1/ 346، والإصابة:
1/ 493.
(2) السيرة لابن هشام: (1/ 519، 520) .
وأخرجه الطبري في تفسيره: (14/ 361- 363) عن عروة بن الزبير عن
أبيه، وعن ابن إسحاق.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: 1047 (سورة التوبة) عن كعب بن
مالك. [.....]
(3) قيل: إنه ابن امرأة الجلاس واسمه عمير بن سعد الأنصاري
الأوسي.
ينظر تفسير الطبري: 14/ 362، والدر المنثور: 4/ 240.
(4) تفسير الطبري: 14/ 366.
(5) تفسير الطبري: (14/ 369، 370) ، وزاد المسير: 3/ 475،
وتفسير القرطبي: 8/ 212.
(6) بمعنى تعاون، والترافد التعاون، والرّفادة الإعانة.
النهاية: 2/ 242، واللسان: 3/ 181 (رفد) .
(7) في الأصل: «علية» كما ضبطه الناسخ، والمثبت في النص عن «ك»
و «ج» وعن كتاب وضح البرهان للمؤلف، وهو علبة بن زيد بن عمرو
بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الأوسي.
ترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب: 3/ 1245، وقال: «هو أحد
البكائين الذين تولوا وأعينهم تفيض من الدمع ... » .
وعلبة بضم وسكون اللام وفتح الباء المعجمة بواحدة. كذا ضبطه
ابن ماكولا في الإكمال:
6/ 254، والحافظ ابن حجر في الإصابة: 4/ 546.
وانظر ترجمته في المؤتلف والمختلف للدار قطني: 3/ 1585، وأسد
الغابة: 4/ 80.
(1/386)
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ
أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ
سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
فسخر منه المنافقون «1» .
80 إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً: على المبالغة
دون التقدير لأنّ السبعة أكمل الأعداد لجمعها معاني العدد، لأن
العدد أزواج وأفراد، والسبعة فرد أول مع زوج ثان، أو زوج مع
فرد ثان، ولأن السنة أول عدد تام، لأنها زيادة بواحدة على
تعديل نصف العقد ولأنها تعادل أجزاءها، إذ نصفها ثلاثة وثلثها
اثنان وسدسها واحدة وجملتها ستة سواء. وهي مع الواحدة سبعة
فكانت كاملة إذ ليس بعد التمام سوى الكمال، ولعل واضع اللغة
سمى الأسد سبعا لكمال قوته «2» ، كما أنه أسد لإساده في السّير
«3» .
__________
(1) لم أقف على من قال إن هذه الآية نزلت في علبة رضي الله
عنه.
وأورد الحافظ في الإصابة: (4/ 546، 547) ، رواية ابن مردويه،
وابن مندة، والطبراني، والبزار أن النبي صلّى الله عليه وسلّم
حضّ على الصدقة فجاء كل رجل بطاقته وما عنده، فقال علبة بن
زيد:
اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق بعرضي على من
ناله من خلقك، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناديا
فنادى: أين المتصدق بعرضه البارحة؟ فقام علبة، فقال: قد قبلت
صدقتك.
ونقل الحافظ عن البزار أنه قال: علبة هذا رجل مشهور من
الأنصار، ولا نعلم له غير هذا الحديث.
وجاء في صحيح البخاري، وصحيح مسلم أن الآية نزلت بسبب أبي عقيل
الأنصاري، جاء بنصف صاع فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة
هذا.
ينظر صحيح البخاري: 5/ 205، كتاب التفسير، باب الَّذِينَ
يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي
الصَّدَقاتِ، وصحيح مسلم: 2/ 706، كتاب الزكاة، باب «الحمل
بأجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل» .
(2) في تفسير الماوردي: 2/ 154: «ولذلك قالوا للأسد سبع، أي:
قد ضوعفت قوته سبع مرات» .
(3) في الجمهرة: 2/ 1092: «تقول أسأدت السير أسئدة إسئادا، إذا
دأبت عليه، وأسأدت الكلب أسوده إيسادا: إذا أغريته» .
قال ابن فارس في مقاييس اللغة: 1/ 106: «الهمزة والسين والدال
يدل على قوة الشيء، ولذلك سمي الأسد أسدا لقوته، ومنه اشتقاق
كل ما يشبهه» .
(1/387)
فَرِحَ
الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ
وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ
قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
(81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى
طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ
تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا
إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا
مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ
مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)
ثم «سبعين مرّة» غاية الغاية إذا الآحاد
غايتها العشرات، فكان المعنى:
إنه لا يغفر لهم وإن استغفرت أبدا، وهذا معنى قولهم في قوله
تعالى:
وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «1» ، وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ «2» إنها
واو الثمانية وواو الاستئناف لأن بعد انتهاء الكمال يستأنف
الحال «3» .
81 خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ: بعده وخلفه «4» ، أو على مخالفته
«5» .
83 مَعَ الْخالِفِينَ: المفسدين، خلف خلوفا: تغيّر إلى الفساد
«6» .
وقيل «7» : الخالف من تأخر عن الشاخص.
84 وَلا تُصَلِّ: أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي على
عبد الله بن أبيّ بن سلول فأخذ جبريل- عليه السلام- بثوبه
وقال: لا تصلّ «8» .
__________
(1) سورة الزمر: آية: 73.
(2) سورة الكهف: آية: 22.
(3) ينظر معاني القرآن للزجاج: 3/ 277، وإعراب القرآن للنحاس:
2/ 453، ومشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 439، وتفسير الماوردي: 2/
474، والتبيان للعكبري: 2/ 843.
(4) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن للزجاج: 1/ 264.
وذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 155، وابن الجوزي في زاد المسير:
3/ 478 عن أبي عبيدة أيضا.
(5) نصّ هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 2/ 463.
وذكره النحاس في معانيه: 3/ 238، والماوردي في تفسيره: 2/ 155،
وقال: «وهذا قول الأكثرين» . ونقله ابن الجوزي في زاد المسير:
3/ 478 عن الزجاج.
(6) تفسير الطبري: 14/ 405، والمحرر الوجيز: 6/ 588. [.....]
(7) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن: 1/ 265: «الخالف الذي خلف
بعد شاخص فقعد في رحله، وهو من تخلف عن القوم. ومنه: «اللهم
اخلفني في ولدي، ويقال: فلان خالفه أهل بيته، أي مخالفهم، إذا
كان لا خير فيه» .
(8) كذا أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 407 عن أنس رضي الله
تعالى عنه. وفي سنده يزيد الرقاشي، قال فيه الحافظ في التقريب:
599: «زاهد ضعيف» .
وأورد السيوطي هذا الأثر في الدر المنثور: 4/ 259 وزاد نسبته
إلى أبي يعلى، وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه.
وثبت في صحيحي البخاري ومسلم أن الذي جذبه عمر بن الخطاب رضي
الله عنه.
صحيح البخاري: 5/ 207، كتاب التفسير، باب قوله: وَلا تُصَلِّ
عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً.
وصحيح مسلم: 4/ 2141، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، حديث رقم
(2774) .
وينظر تفسير الطبري: (14/ 406، 407) ، وأسباب النزول للواحدي:
(294، 295) ، والتعريف والإعلام للسهيلي: 71.
(1/388)
رَضُوا بِأَنْ
يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ
فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ
الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى
الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا
يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا
عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ
قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا
وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا
يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى
الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ
يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ
إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا
لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ
أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ
تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ
إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ
إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا
عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) الْأَعْرَابُ
أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا
حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا
يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ
وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ
سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (99)
87 الْخَوالِفِ: النّساء والصبيان لتخلفهم
عن الجهاد «1» .
90 الْمُعَذِّرُونَ: المقصرون يظهرون عذرا ولا عذر.
أعذر: بالغ «2» ، وعذّر: قصّر.
97 الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً [هم] «3» أهل البدو لجفاء
الطبع.
98 الدَّوائِرَ: دول الأيام ونوب الأقسام «4» .
99 قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ: يتخذ نفقته
ودعاء الرسول قربة إلى الله «5» .
__________
(1) ذكر الفراء في معاني القرآن: 1/ 447، وأبو عبيدة في مجاز
القرآن: 1/ 265، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 191 أن
المراد ب «الخوالف» النساء، دون ذكر الصبيان معهن.
كذا أخرج الطبري في تفسيره: (14/ 413، 414) عن ابن عباس،
وقتادة، والحسن، والضحاك، وابن زيد.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 6/ 592: «وهذا قول جمهور
المفسرين» .
(2) في وضح البرهان للمؤلف: 1/ 407: «يقال: أعذر في الأمر بالغ
... » .
وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 191: «يقال: عذرت في
الأمر إذا قصرت، وأعذرت حذرت» .
وانظر تفسير الطبري: 14/ 416.
(3) عن نسخة «ج» .
(4) في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 191: «ودوائر الزمان
بالمكروه: صروفه التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر» .
وانظر معاني النحاس: 3/ 245، وتفسير الماوردي: 2/ 159.
(5) تفسير الطبري: 14/ 432، ومعاني القرآن للزجاج: 2/ 466،
ومعاني النحاس: 3/ 246، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/
10: «والصلاة في هذه الآية الدعاء إجماعا» .
(1/389)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ
مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ
نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ
إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ
سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ: من
تبعهم من الصحابة «1» . وقيل: من التابعين، وقيل «2» : الذين
اتبعوهم إلى يوم القيامة.
101 مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ: مرنوا عليه «3» وتجردوا عن
غيره.
[41/ أ] سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ: / في الدنيا بالجوع
والخوف، وفي القبر بالعذاب «4» .
أو أحد العذابين: أخذ مالهم في جهاز الحرب، والثاني: أمرهم
بالجهاد «5» .
102 وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا: في نفر تخلفوا عن تبوك «6» .
عَسَى اللَّهُ: على الإطماع ليأملوا ولا يتكلوا.
103 وَصَلِّ عَلَيْهِمْ: ادع لهم «7» ، إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ
لَهُمْ: تثبيت
__________
(1) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 11: «ويدخل في هذا
اللفظ التابعون وسائر الأمة لكن بشريطة الإحسان، وقد لزم هذا
الاسم الطبقة التي رأت من رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم» .
(2) ذكره الفراء في معاني القرآن: 1/ 450، والزجاج في معانيه:
2/ 466.
(3) معاني القرآن للفراء: 1/ 450، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/
268، وتفسير الطبري:
14/ 440.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: (7/ 13، 14) : «والظاهر من
معنى اللفظ أن التمرد في الشيء أو المرود عليه إنما هو اللجاج
والاستهتار به والعتو على الزاجر وركوب الرأس في ذلك، وهو
مستعمل في الشر لا في الخير، من ذلك قولهم: شيطان مارد ومريد
... » .
(4) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: (14/ 442، 443) عن
مجاهد، وأبي مالك.
وعزاه الماوردي في تفسيره: 2/ 161 إلى ابن عباس.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: 7/ 15: «وأكثر الناس أن
العذاب المتوسط هو عذاب القبر، واختلف في عذاب المرة الأولى،
فقال مجاهد وغيره: هو عذابهم بالقتل والجوع، وهذا بعيد لأن
منهم من لم يصبه هذا ... » .
(5) ذكر الماوردي نحو هذا القول في تفسيره: 2/ 162 عن الحسن.
(6) ينظر خبرهم في تفسير الطبري: (14/ 447، 453) ، وأسباب
النزول للواحدي: 297، وتفسير ابن كثير: 4/ 144.
(7) تفسير الطبري: 14/ 454، ومعاني القرآن للزجاج: 2/ 467.
[.....]
(1/390)
أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ
وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ
اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا
إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
(107)
يسكنون إليها.
104 وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ: يقبلها ويضاعف عليها.
106 مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ: مؤخّرون محبوسون لما ينزل من
أمره، وهم الثلاثة «1» الذين خلّفوا هلال «2» بن أميّة، ومرارة
«3» بن الربيع، وكعب «4» بن مالك.
107 وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً: ابتداء وخبره
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً «5» .
وكانوا نفرا منافقين بنوا مسجدا ليتناجوا فيه «6» ، فبعث عليه
صلّى الله عليه وسلّم عاصم «7» بن عدي فهدمه.
__________
(1) ينظر خبر الثلاثة في صحيح البخاري: (5/ 130- 135) ، كتاب
المغازي، باب «حديث كعب بن مالك» وقول الله عز وجل: وَعَلَى
الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ... ، وصحيح مسلم:
(4/ 2120- 2128) كتاب التوبة، باب «حديث توبة كعب بن مالك
وصاحبيه» ، وتفسير الطبري: (14/ 546- 556) ، وتفسير ابن كثير:
(4/ 165- 169) .
(2) هلال بن أمية بن عامر بن قيس الأنصاري الواقفي.
شهد بدرا وما بعدها.
ترجمته في الاستيعاب: 4/ 1542، وأسد الغابة: 5/ 406، والإصابة:
6/ 546.
(3) هو مرارة بن الربيع الأنصاري الأوسي، صحابي جليل، شهد بدرا
على الصحيح.
الاستيعاب: 3/ 1382، وأسد الغابة: 5/ 134، والإصابة: 6/ 65.
(4) كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري السلمي، الشاعر المشهور.
شهد العقبة وبايع بها، وشهد أحدا وما بعدها، وتخلف في تبوك.
ينظر الاستيعاب: 3/ 1323، وأسد الغابة: 4/ 487، والإصابة: 5/
610.
(5) هذا قول الكسائي كما في إعراب القرآن للنحاس: 2/ 235،
والمحرر الوجيز: 7/ 30، والبحر المحيط: 5/ 98، والدر المصون:
6/ 119.
(6) السيرة لابن هشام: 2/ 530.
وينظر تفسير الطبري: (14/ 468، 469) ، وتاريخه: (3/ 110، 111)
، وأسباب النزول للواحدي: (298- 300) ، والروض الأنف: 4/ 198،
والتعريف والإعلام: (71، 72) .
(7) هو عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان، أبو عبد الله، حليف
الأنصار.
صحابي جليل، كان سيد بني العجلان، شهد بدرا مع رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم، توفي سنة خمس وأربعين للهجرة.
ترجمته في الاستيعاب: 2/ 781، وأسد الغابة: 3/ 114، والإصابة:
3/ 572.
وذكر مع عاصم أيضا أخوه معن بن عدي، ومالك بن الدّخشم، وعامر
بن السّكن، ووحشي انطلقوا جميعا إلى المسجد فهدموه.
(1/391)
لَا تَقُمْ فِيهِ
أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ
يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ
أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا
جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ
بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا
أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ
حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ
أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ
الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(111)
108 لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى:
مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة «1» .
وقيل «2» : مسجد قباء فهو أول مسجد في الإسلام.
109 شَفا جُرُفٍ: شفير الوادي الذي جرف الماء أصله «3» .
هارٍ: مقلوب «هائر» «4» ، و «تيهورة» قطعة من الرمل «5» ،
أيضا:
«هيرورة» من هار الجرف وانهار.
111 إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: مجاز، لأنه
إنّما يشترى ما لا يملك،
__________
(1) ثبت ذلك في حديث أخرجه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه قال:
«دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت بعض نسائه،
فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال:
فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا»
(لمسجد المدينة) .
صحيح مسلم: 2/ 1015، كتاب الحج، باب «بيان أن المسجد الذي أسس
على التقوى هو مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة» .
وفي سنن الترمذي: 5/ 280، كتاب تفسير القرآن، باب «ومن سورة
التوبة» .
ومسند الإمام أحمد: 5/ 331 بلفظ: «هو مسجدي هذا» .
ورجح الطبري في تفسيره: 14/ 479 قول من قال إنه مسجد رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة وقال: «لصحة الخبر بذلك عن رسول
الله» .
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: (14/ 478، 479) عن ابن عباس،
وعروة بن الزبير، وابن زيد، وعطية.
وأورد السهيلي في التعريف والإعلام: 73، القولين، وذكر بأنه
ممكن الجمع بينهما:
«لأن كل واحد منهما أسس على التقوى، غير أن قوله سبحانه: مِنْ
أَوَّلِ يَوْمٍ يرجح الحديث الأول لأن مسجد قباء أسس قبل مسجد
النبي صلّى الله عليه وسلّم غير أن اليوم قد يراد به المدة
والوقت، وكلا المسجدين أسس على هذا من أول يوم، أي من أول عام
من الهجرة، والله أعلم» .
(3) بعده في وضح البرهان للمؤلف: 1/ 410: «فبقي واهيا لا يثبت
عليه البناء» .
(4) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 269، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 192، وتفسير الطبري: (14/ 491، 492) ، ومعاني القرآن
للزجاج: 2/ 470، وزاد المسير: 3/ 502.
(5) ينظر تهذيب اللغة: 6/ 412، والصحاح: 2/ 856، واللسان: (5/
269، 270) (هور) .
(1/392)
التَّائِبُونَ
الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ
السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ (112)
ولكن المعنى تحقيق العوض في النفوس «1» .
112 السَّائِحُونَ: الصائمون «2» ، وفي الحديث «3» : سياحة
أمّتي الصّوم» . وقيل «4» : المهاجرون، وقيل «5» : الذين
يسافرون في طلب العلم.
__________
(1) عن تفسير الماوردي: 2/ 168، ونص كلام الماوردي هناك: «وهذا
الكلام مجاز معناه: أن الله تعالى أمرهم بالجهاد بأنفسهم
وأموالهم ليجازيهم بالجنة، فعبر عنه بالشراء لما فيه من عوض
ومعوض، فصار في معناه، ولأن حقيقة الشراء لما لا يملكه
المشتري» .
وانظر هذا المعنى في المحرر الوجيز: 7/ 49، وزاد المسير: 3/
504، وتفسير الفخر الرازي: 16/ 204، وتفسير القرطبي: 8/ 267.
(2) ورد هذا التفسير عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخرج
الطبري في تفسيره: (14/ 502، 503) عن عبيد بن عمير قال: سئل
النبي صلّى الله عليه وسلّم عن «السائحين» فقال: «هم الصائمون»
.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 4/ 157: «وهذا مرسل جيد» .
وأخرج الطبري نحوه عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عليه.
وأورد ابن كثير الروايتين في تفسيره ثم قال: «وهذا الموقوف
أصح» .
وورد أيضا هذا التفسير عن ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن
جبير، ومجاهد، والحسن، والضحاك، وغيرهم.
أخرج ذلك الطبري في تفسيره: (14/ 503- 506) . [.....]
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 169، وقال: «روى أبو هريرة
مرفوعا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ... » .
وأخرج الطبري في تفسيره: 14/ 506 عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«سياحة هذه الأمة الصيام» .
وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك الحديث كما في
التقريب: 95.
قال الأستاذ محمود محمد شاكر: «هذا خبر ضعيف الإسناد جدا» .
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 2/ 169، وابن الجوزي في زاد
المسير: 3/ 506 عن ابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 298، وعزا إخراجه إلى ابن
أبي حاتم عن ابن زيد.
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: 1275 (سورة التوبة) عن
عكرمة.
وفي إسناده الوليد بن بكير التميمي: ليّن الحديث، وعمر بن نافع
الثقفي: ضعيف.
ينظر تقريب التهذيب: (417، 581) فعلى هذا يكون إسناده ضعيفا.
وذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 169، وابن الجوزي في زاد المسير:
3/ 506، والفخر الرازي في تفسيره: 16/ 209 عن عكرمة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 298، وزاد نسبته إلى أبي
الشيخ عن عكرمة.
(1/393)
وَمَا كَانَ
اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ
وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ
لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ
حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ
إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا
لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ
مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ
تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا
ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ
عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ
اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا
إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
114 إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ: كان أبوه وعده
أن يؤمن فاستغفر له أن يرزقه الإيمان ويغفر له الشرك «1» .
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ: بموته مشركا
«2» .
تَبَرَّأَ مِنْهُ: أي: من أفعاله، أو من استغفاره له «3» .
117 لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ: لإذنه المنافقين في
التخلف عنه «4» .
اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ: وقت العسرة، إذ كانوا من
تبوك في جهد جهيد «5» .
118 وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ: الذين خلّفوا من
[التوبة] «6» والجفوة «7» حتى أمر نساؤهم باعتزالهم «8» .
__________
(1) أورده الزجاج في معاني القرآن: 2/ 473 بصيغة التمريض فقال:
«يروى ... » ، ولم يسند هذا القول لأحد.
وذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 171، وابن عطية في المحرر
الوجيز: 7/ 62، وابن الجوزي في زاد المسير: 3/ 509، والفخر
الرازي في تفسيره: 16/ 216.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (14/ 520، 521) عن ابن
عباس، ومجاهد، والضحاك.
ونقله النحاس في معاني القرآن: 3/ 261 عن ابن عباس رضي الله
عنهما.
وانظر تفسير الماوردي: 2/ 171، والمحرر الوجيز: 7/ 63، وزاد
المسير: 3/ 509.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 2/ 171 دون عزو.
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 2/ 333، وابن الجوزي في زاد
المسير: 3/ 511، والفخر الرازي في تفسيره: (16/ 219، 220) .
(5) في كتاب وضح البرهان للمؤلف: 1/ 413: «أي: وقت العسرة، إذ
كانوا من غزوة تبوك في جهد جهيد من العطش وعوز الظهر» .
(6) في الأصل و «ك» و «ج» : «النبوّة» ، والمثبت في النص عن
تفسير الطبري: 14/ 543، ومعاني القرآن للنحاس: 3/ 264.
(7) في تفسير الماوردي: 2/ 174: «بما لقوه من الجفوة لهم» .
(8) ينظر خبرهم في صحيح البخاري: (5/ 130- 135) ، كتاب
المغازي، باب «حديث كعب بن مالك وقول الله عز وجل: وَعَلَى
الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا.
وصحيح مسلم: (4/ 2120- 2128) ، كتاب التوبة، باب: «حديث توبة
كعب بن مالك وصاحبيه» ، وتفسير الطبري: (14/ 546- 556) .
(1/394)
وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ
كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ
وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ (123) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا
وَهُمْ كَافِرُونَ (125)
ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا:
ليدوموا على التوبة.
122 وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً: لما
نزلت: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ «1» : قال المنافقون:
هلك الذين لم/ ينفروا، وكان ناس من [42/ أ] الصحابة خرجوا إلى
قومهم يفقّهونهم «2» .
124 وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ: «ما» مسلّط ل «إذا» على
الجزاء، أو صلة مؤكدة «3» .
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: من المنافقين يقول بعضهم لبعض، أو
يقولون لضعفة المؤمنين على الهزو «4» .
125 وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: إنما كان الشك
في الدين مرضا لأنه فساد يحتاج إلى علاج كالفساد في البدن،
ومرض القلب أعضل، وعلاجه أعسر، ودواؤه أعز، وأطباؤه أقل.
فَزادَتْهُمْ رِجْساً: لما ازدادوا بها رجسا حسن وصفها به، كما
حسن: كفى بالسلامة داء.
__________
(1) الآية: 39 من سورة التوبة.
(2) أخرجه الطبري في تفسيره: 14/ 570 عن عكرمة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 4/ 323، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وأبي الشيخ عن عكرمة.
وانظر زاد المسير: (3/ 516، 517) ، وتفسير ابن كثير: 4/ 174.
(3) تفسير الفخر الرازي: 16/ 238، وتفسير القرطبي: 8/ 298.
[.....]
(4) ليس هذا على إطلاقه، وإنما يقال هذا في مقام لا يكون فيه
الخير نافعا لصاحبه لعدم انتفاعه به فيكون وبالا عليه، وهذا ما
تشير إليه الآية حيث كانت الهداية بنزول الآيات نافعة للمؤمنين
ووبالا على الكافرين لعدم انتفاعهم بنزولها.
(1/395)
لَقَدْ جَاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
128 عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ: شديد عليه ما شق عليكم «1»
، أو أثمتم به «2» . |