إيجاز البيان عن
معاني القرآن تَبَارَكَ الَّذِي
نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ
نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي
الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا
وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا
وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا
نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا
إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ
فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ
الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا
(6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ
وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ
فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ
أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ
الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا
(8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ
شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ
كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ
بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ
بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا
أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا
هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)
ومن سورة الفرقان
1 تَبارَكَ تفاعل من البركة، وهي الكثرة في كل خير «1» .
وقيل: أصله الثبوت، من بروك الإبل «2» .
[69/ أ] نَذِيراً: داعيا إلى الرشد وصارفا عن الغيّ، ويجوز صفة
للنبي/ صلى الله عليه وسلم وللقرآن «3» .
6 يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: أي: أنزله
على مقتضى علمه ببواطن الأمور.
9 فَضَلُّوا: ناقضوا إذ قالوا: اختلقها وافتراها وقالوا فَهِيَ
تُمْلى عَلَيْهِ «4» .
13 وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً: في الحديث «5» :
«إنهم يستكرهون في
__________
(1) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 57.
وانظر معاني الفراء: 2/ 262، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
310، وتفسير الطبري:
18/ 179.
(2) ينظر المفردات للراغب: 44، وتفسير الفخر الرازي: 24/ 44،
وتفسير القرطبي: 13/ 1، واللسان: 10/ 396 (برك) .
(3) تفسير البغوي: 3/ 360، وتفسير القرطبي: 13/ 2.
(4) سورة الفرقان: آية: 5.
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: 587 (سورة الفرقان) عن يحيى
بن أبي أسيد مرفوعا وإسناده منقطع، ويحيى مسكوت عنه.
ينظر الجرح والتعديل: 9/ 129.
وأورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث في تفسيره: 6/ 105، ولم يعلق
عليه، وكذا الشوكاني في فتح القدير: 4/ 66.
(2/608)
وَإِذَا أُلْقُوا
مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ
ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا
وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ
جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ
لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ
خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ
هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ
يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ
وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ
وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا
تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ
يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
النار كما يستكره الوتد في الحائط» .
مُقَرَّنِينَ: مصفّدين، قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال
«1» ، أو قرنوا مع الشياطين «2» .
14 ثُبُوراً: هلاكا على هلاك «3» ، من ثابر على كذا: داوم.
16 وَعْداً مَسْؤُلًا: هو قول الملائكة: رَبَّنا
وَأَدْخِلْهُمْ «4» .
أو قول المؤمنين: رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا «5» .
18 بُوراً: هلكى «6» . أو كاسدين، من بوار التجارة، وبوار
الأرض تعطيلها من الزرع «7» .
19 فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً: صرف العذاب «8» ، أو الصّرف:
الحيلة «9»
__________
(1) تفسير الطبري: 18/ 187.
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 150 عن يحيى بن
سلام.
(3) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 310، وتفسير الطبري:
18/ 188، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 59، والمفردات للراغب: 78،
واللسان: 4/ 99 (ثبر) . [.....]
(4) من آية 8 سورة غافر.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 60، وتفسير
الماوردي: 3/ 151، وزاد المسير: 6/ 77.
(5) من آية 194 سورة آل عمران.
وذكر الفراء هذا القول في معانيه: 2/ 263، والطبري في تفسيره:
18/ 189، وابن الجوزي في زاد المسير: 6/ 77.
(6) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 72، وغريب القرآن لليزيدي:
276، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 311، وتفسير الطبري: 18/
190، والمفردات للراغب: 65.
(7) تفسير الطبري: 18/ 191، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 61،
وتفسير الماوردي: 3/ 152، والمفردات للراغب: 65، واللسان: 4/
86 (بور) .
(8) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (18/ 192، 193) عن
مجاهد، وابن زيد.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 61، والمفردات للراغب: 279.
(9) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 311، ونقله الماوردي
في تفسيره: 3/ 152 عن ابن قتيبة.
وانظر تفسير البغوي: 3/ 364، واللسان: 9/ 189 (صرف) .
(2/609)
وَمَا أَرْسَلْنَا
قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا
بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ
بَصِيرًا (20) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى
رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا
عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا
بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا
مَحْجُورًا (22)
و «الصّيرفيّ» لاحتياله في الاستيفاء إذا
اتزن والتطفيف إذا وزن «1» .
20 إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ: أي: إلّا قيل إنهم ليأكلون
«2» .
بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً: هو افتنان المقلّ بالمثري
والضّويّ «3» بالقويّ.
أَتَصْبِرُونَ: أي: على هذه الفتنة أم لا تصبرون فيزداد غمكم.
وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً: بالحكمة في اختلاف المعاش.
ويحكى أنّ بعض الصالحين تبرّم «4» بضنك عيشه، فخرج ضجرا فرأى
أسود خصيا في موكب عظيم، فوجم لذلك، فإذا بإنسان قرأ عليه:
وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ فتنبّه
وازداد تبصّرا أو تصبّرا.
21 لا يَرْجُونَ لِقاءَنا: لا يخافون «5» ، وجاز «يرجو» بمعنى
يخاف لأنّ الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف.
22 وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً: كان الرجل في الجاهليّة
يقول لمن يخافه في أشهر الحرم: حِجْراً مَحْجُوراً: أي: حراما
محرّما عليك قتلي في هذا الشهر، فلا يبدأه بشرّ، فإذا كان
القيامة رأى المشركون ملائكة
__________
(1) ينظر الصحاح: 4/ 1368، واللسان: 9/ 190 (صرف) .
(2) ذكره البغوي في تفسيره: 3/ 364، وقال: «كما قال في موضع
آخر: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ
قَبْلِكَ [سورة فصلت: آية: 43] .
وانظر هذا القول في تفسير القرطبي: 13/ 13، وغرائب التفسير
للكرماني: 2/ 812.
(3) الضّوى: الضعيف.
النهاية: 3/ 106، واللسان: 14/ 489 (ضوا) .
(4) أي: سئم وملّ.
ينظر النهاية: 1/ 121، والصحاح: 5/ 1869، واللسان: 12/ 43
(برم) .
(5) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 265، وقال: «وهي لغة تهامية،
يضعون الرجاء في موضع الخوف إذا كان معه جحد. من ذلك قول الله:
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً، أي:
لا تخافون له عظمة ... » .
(2/610)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا
عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا
وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ
بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا
عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ
مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
العذاب فقالوا: حِجْراً مَحْجُوراً وظنوا
أنّه ينفعهم «1» .
23 وَقَدِمْنا: عمدنا وقصدنا «2» .
مِنْ عَمَلٍ: من قرب.
24 وَأَحْسَنُ مَقِيلًا: موضع قائلة، ولا نوم في الجنّة إلا
أنه من تمهيدها تصلح للنوم.
تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ: أي: عن الغمام، وهو نزول
الملائكة منها في الغمام «3» /.
27 يَعَضُّ الظَّالِمُ: وذلك فعل النّادم والغضبان، وفي المثل:
يعلك على الأرّم و «يحرق» أيضا «4» . والأرّم الأصابع.
28 يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا: في
عقبة «5» بن أبي معيط، كان يجالس النّبيّ صلى الله عليه وسلم
وسمع القرآن فقال له أبيّ بن خلف: تجالسه وهو يسفّه أحلام
قريش، وجهي من وجهك حرام حتى تشتمه، ففعل، فلمّا قتل من بين
الأسارى قال: أأقتل من بين قريش؟!.
__________
(1) نص الكلام السالف في زاد المسير: (6/ 82، 83) عن ابن فارس.
وانظر نحوه في تفسير الطبري: 19/ 3، وتفسير البغوي: 3/ 365،
والمحرر الوجيز:
11/ 26، وتفسير القرطبي: 13/ 21.
(2) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 64، وقال ابن عطية في المحرر
الوجيز: 11/ 27: «ومعنى الآية: وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في
الحقيقة لا تزن شيئا إذ لا نية معها، فجعلناها على ما تستحق لا
تعدل شيئا، وصيرناها هباء منثورا، أي: شيئا لا تحصيل له» .
(3) تفسير الطبري: 19/ 6. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/
114: «يخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور
العظيمة، فمنها انشقاق القمر وتفطرها وانفراجها بالغمام، وهو
ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السماء
يومئذ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر، ثم يجيء الرب تبارك
وتعالى لفصل القضاء» . [.....]
(4) اللسان: 13/ 14 (أرم) .
(5) عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن عبد شمس، كان شديد الأذى
للمسلمين في أول أمر الإسلام بمكة، أسر يوم بدر ثم قتل.
السيرة لابن هشام: 1/ 708، والروض الأنف: 3/ 65.
(2/611)
وَقَالَ الرَّسُولُ
يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ
مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ
عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا
وَنَصِيرًا (31)
فتمثّل عمر: حنّ قدح ليس منها «1» ، وقال:
فمن للصّبية؟ فقال عليه السلام: [النار] «2» .
30 هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً: بإعراضهم عن التدبر فيه «3» ،
أو بقولهم فيه بالهجر «4» .
31 وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ: أي: جعلنا ببياننا
أنهم أعداؤهم، كما تقول: جعله لصا «5» .
__________
(1) ورد هذا المثل في كتاب الأمثال لأبي عبيد: 285، ومجمع
الأمثال للميداني: 1/ 341، والجمهرة للعسكري: 1/ 370،
والمستقصى للزمخشري: 2/ 68، واللسان: 13/ 130 (حنن) ، ويضرب
هذا المثل للرجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم، أو يمتدح بما لا
يوجد فيه.
والهاء في «منها» راجعة إلى القداح.
(2) في الأصل «النكد» ، والمثبت في النص موافق لما أخرجه عبد
الرزاق في تفسيره: 376 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأشار إليه
ناسخ الأصل المعتمد هنا إلى وروده في نسخة أخرى.
وورد خبر عقبة- أيضا- في السيرة لابن هشام: 1/ 361، ودلائل
النبوة لأبي نعيم:
(2/ 606، 607) .
وأسباب النزول للواحدي: 385، وتفسير البغوي: 3/ 367، والتعريف
والإعلام للسهيلي: 123، الذي قال: «وكني عنه ولم يصرح باسمه
لئلا يكون هذا الوعيد مخصوصا به ولا مقصورا عليه، بل يتناول
جميع من فعل مثل فعليهما والله أعلم» اه.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 6/ 116: «وسواء كان سبب
نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة
في كل ظالم ... » .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 9 عن ابن زيد، ونقله
الماوردي في تفسيره:
3/ 156 عن ابن زيد أيضا.
قال الطبري رحمه الله: «وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن
الله أخبر عنهم أنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه،
وذلك هجرهم إياه» .
(4) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 313: «والهجر الاسم،
يقال: فلان يهجر في منامه، أي: يهذي، وفي معاني الزجاج: 4/ 66:
«والهجر ما لا ينتفع به من القول، وكانوا يقولون إن النبي صلى
الله عليه وسلم يهجر» .
(5) ذكر الفخر الرازي هذا القول في تفسيره: 24/ 77 عن أبي علي
الجبائي، ورده بقوله: «إن التبيين لا يسمونه ألبتة جعلا، لأن
من بيّن لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال إنه جعل الصانع وجعل
قدمه» .
(2/612)
وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ
تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ
بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ
عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا
وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا
اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا
كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ
لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا
أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ
وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا
لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ
السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا
يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ
إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)
إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ
صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ
الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42) أَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ
وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ
أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ
أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ
الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا
الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً: يجوز حالا
وتمييزا «1» .
32 لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ: أي: باتصال الوحي، أو لنثبته في
فؤادك بالإنزال متفرقا.
وَرَتَّلْناهُ: فصّلناه، والرّتل في الثّغر أن يكون مفلّجا لا
لصص فيه «2» .
والقرية التي أمطرت مطر السوء «3» : سدوم قرية لوط «4» عليه
السلام.
45 مَدَّ الظِّلَّ: أي: اللّيل لأنّه ظل الأرض الممدود على
قريب من نصف وجهها.
وقيل «5» : هو ما بين طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 66، وتفسير القرطبي: 13/ 28،
والبحر المحيط:
6/ 496.
(2) جاء في لسان العرب: «وثغر رتل ورتل: حسن التنضيد مستوى
النبات، وقيل: المفلّج، وقيل: بين أسنانه فروج لا يركب بعضها
بعضا» .
والفلج في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات خلقة.
واللّصص: تقارب ما بين الأضراس حتى لا ترى بينها خللا» .
ينظر اللسان: 2/ 346 (فلج) ، 7/ 87 (لصص) ، 11/ 265 (رتل) .
(3) في قوله تعالى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ
الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ... [آية: 40] .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 16 عن ابن جريج.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 259، وزاد نسبته إلى عبد
الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة.
وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 69، وتفسير
الماوردي: 3/ 158، وتفسير ابن كثير: 6/ 121، ومفحمات الأقران:
149.
(5) ذكره الفراء في معاني القرآن: 2/ 268، وابن قتيبة في تفسير
غريب القرآن: 313.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 18 عن ابن عباس، وسعيد بن جبير.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: 4/ 70، وتفسير البغوي: 3/
370، وزاد المسير:
6/ 93.
(2/613)
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ
إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)
وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً: أي:
بإبطال كلتي الحركتين: الغربيّة التي بها النهار واللّيل،
والشّرقية التي بها فصول السّنة.
ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا: إذ كان طول الظل
وقصره بحسب ارتفاع الشّمس وانحطاطها ولأنّ الظلّ إذا لم يدرك
أطرافه لم يسمّ ظلا بل ظلاما وليلا.
46 ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا: [هو] «1» من الغداة إلى
الظهيرة، والظلّ هو المخصوص بالقبض «2» كما أنّ الفيء مخصوص
بالبسط وهذه الإضافة لأنّ غاية قصر الظل عند غاية تعالي الشمس،
والعلو موضع الملائكة وجهة السّماء التي فيها أرزاق العباد،
ومنها نزول الغيث والغياث، وإليها ترتفع أيدي الراغبين وتشخص
أبصار الخائفين.
قَبْضاً يَسِيراً: خفيا سهلا «3» لبطء حركة الظل بالقرب من نصف
النهار.
[70/ أ] و «النّشور» «4» : الانتشار/ للمعايش «5» ، و «السبات»
: قطع العمل «6» .
و «الأناسي» «7» : جمع أنسي. ك «كرسي» ، و «كراسيّ» ، أو كان
__________
(1) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 268، وتفسير الطبري: 19/ 20،
وتفسير القرطبي: 13/ 37. [.....]
(3) في تفسير الطبري: 19/ 20: «وقيل: إنما قيل: ثُمَّ
قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً لأن الظل بعد غروب الشمس
لا يذهب كله دفعة، ولا يقبل الظلام كله جملة، وإنما يقبض ذلك
الظل قبضا خفيا، شيئا بعد شيء ويعقب كل جزء منه يقبضه جزء من
الظلام» .
وانظر القول الذي ذكره المؤلف في معاني القرآن للفراء: 2/ 268،
وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 313، وتفسير الماوردي: 3/ 158.
(4) من قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ
لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً
[آية: 47] .
(5) المفردات للراغب: (492، 493) .
(6) تفسير الماوردي: 3/ 159، والمفردات: 221، واللسان: 2/ 38
(سبت) .
(7) من قوله تعالى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً
وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً
[آية: 49] .
(2/614)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ
بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا
كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ
نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ
جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ
بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا
وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ
الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
«أناسين» جمع «إنسان» ، فعوّضت الياء من
النون «1» .
50 وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا: أي: المطر
مرّة هاهنا ومرة هناك «2» .
وعن ابن عباس «3» رضي الله عنه: ما عام بأمطر من عام ولكنّ
الله يصرّفه كيف يشاء.
فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً: يقولون مطرنا بنوء
كذا «4» .
53 مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ: مرج وأمرج: خلّى «5» ، كأنّه أرسلهما
في مجاريهما كما يرسل الخيل في المرج.
حِجْراً مَحْجُوراً: لا يفسد أحدهما الآخر «6» .
55 وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً: على أولياء ربّه
معينا يعاديهم «7» .
__________
(1) عن معاني القرآن للفراء: 2/ 269، وانظر تفسير الطبري: 19/
21، ومعاني الزجاج:
4/ 71.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 22 عن ابن زيد،
وأخرج نحوه عن مجاهد.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 314.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 22، والحاكم في المستدرك: 2/
403، كتاب التفسير، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أيضا- البيهقي في السنن الكبرى: 3/ 363، كتاب صلاة
الاستسقاء، باب «كثرة المطر وقلته» .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 264، وزاد نسبته إلى عبد
بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) ينظر تفسير الطبري: 19/ 22، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 71،
وتفسير الماوردي:
3/ 160، وتفسير البغوي: 3/ 373.
(5) في «ج» : خلط. وفي معاني القرآن للزجاج: 4/ 72: «معنى
«مرج» خلّى بينهما، تقول:
مرجت الدابة وأمرجتها إذا خليتها ترعى ... » .
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 77، وغريب
القرآن لليزيدي: 278، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 314،
وتفسير الطبري: 19/ 23، واللسان: 2/ 364 (مرج) .
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 270، وتفسير الطبري: 19/ 24،
وتفسير القرطبي: 13/ 59.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 162، وابن الجوزي في زاد
المسير: 6/ 97 دون عزو.
قال الماوردي: «مأخوذ من المظاهرة، وهي المعونة» .
(2/615)
الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا
لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا
تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) تَبَارَكَ الَّذِي
جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا
وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ
أَرَادَ شُكُورًا (62)
أو كان هيّنا عليه لا وزن له «1» ، من
قولك: ظهرت بحاجتي إذا لم تعن بها.
59 فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً: سل بسؤالك إياه خبيرا، وسل به
عارفا يخبرك بالحق في صفته.
58 وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ: احمده منزّها له عما لا يجوز عليه.
62 جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً: خلفا عن صاحبه فمن
فاته من عمل في أحدهما قضاه في الآخر «2» ، أو إذا مضى أحدهما
خلفه صاحبه «3» .
يقال: الأمر بينهم خلفة، أي: نوبة كل واحد يخلف صاحبه «4» ،
__________
(1) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 77.
وأورده القرطبي في تفسيره: 13/ 62، وقال: «هذا معنى قول أبي
عبيدة» .
وذكره الطبري في تفسيره: 19/ 27، وعقب عليه بقوله: «وكأن
«الظهير» كان عنده «فعيل» صرف من مفعول إليه من مظهور به، كأنه
قيل: وكان الكافر مظهورا به ... » .
وقال الفخر الرازي في تفسيره: 24/ 102: «وقياس العربية أن يقال
«مظهور» ، أي مستخف به متروك وراء الظهر، فقيل فيه «ظهير» في
معنى «مظهور» ، ومعناه: هين على الله أن يكفر الكافر وهو-
تعالى- مستهين بكفره» اه.
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 271، وأخرجه الطبري في تفسيره:
(19/ 30، 31) عن عمر ابن الخطاب، وابن عباس، والحسن رضي الله
تعالى عنهم.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 163 عن عمر رضي الله عنه، والحسن
رحمه الله تعالى.
وأورد السيوطي في الدر المنثور: 6/ 270 رواية أبي داود
الطيالسي عن الحسن: أن عمر أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت
اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال: إنه بقي عليّ من وردي شيء
وأحببت أن أتمه أو أقضيه. وتلا هذه الآية: وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ... الآية، ولم أقف على
هذا الخبر في مسند الطيالسي المطبوع. [.....]
(3) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 271، وأبو عبيدة في مجاز
القرآن: 2/ 79، واليزيدي في غريب القرآن: 279، وابن قتيبة في
تفسير غريب القرآن: 314، وأخرجه الطبري في تفسيره: 19/ 31 عن
مجاهد، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره: 772 (سورة الفرقان) .
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 6/ 270، وزاد نسبته إلى
الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.
(4) المفردات للراغب: (155، 156) ، واللسان: 9/ 86 (خلف) .
(2/616)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا
خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ
يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ
عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا
وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا
وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ
أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
والقوم خلفة، أي: مختلفون.
63 وَعِبادُ الرَّحْمنِ: مرفوع إلى آخر السورة على الابتداء،
وخبره:
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ «1» .
هَوْناً: بسكينة ووقار دون مرح واختيال.
وقيل «2» : حلماء علماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم.
قالُوا سَلاماً: تسلما منكم، أي: نتارككم ولا نجاهلكم «3» .
وقيل «4» : سلما: سدادا من القول.
65 غَراماً: هلاكا لازما «5» .
68 أَثاماً: عقوبة وجزاء.
69 يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ: عذاب الدنيا والآخرة، وجزمه على
البدل لأن مضاعفة العذاب هي لقيّ الآثام «6» .
__________
(1) من الآية: 75، من سورة الفرقان، وهذا القول الذي ذكره
المؤلف في معاني القرآن للزجاج: 4/ 74.
ونقله النحاس في إعراب القرآن: 3/ 167 عن الزجاج، وكذا مكي في
مشكل إعراب القرآن: 2/ 524.
قال الزجاج: «ويجوز أن يكون قوله: وَعِبادُ الرَّحْمنِ رفعا
بالابتداء، وخبره الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْناً.
وقال أبو حيان في البحر المحيط: 6/ 512: «والظاهر أن وَعِبادُ
مبتدأ، والَّذِينَ يَمْشُونَ الخبر» اه.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 19/ 34 عن عكرمة،
والحسن.
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 74.
(4) نص هذا القول في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 315،
وتمامه: «لا رفث فيه، ولا هجر» .
وأخرج نحوه الطبري في تفسيره: 19/ 35 عن مجاهد.
(5) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 80، وغريب القرآن
لليزيدي: 279، وتفسير الطبري:
19/ 35، والمفردات للراغب: 360.
(6) هذا قول سيبويه في الكتاب: 3/ 87، وهو في معاني القرآن
للزجاج: 4/ 76، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 168، وتفسير القرطبي:
13/ 77 عن سيبويه أيضا.
وقراءة الجزم لنافع، وأبي عمرو، وحمزة، والكسائي، وعاصم في
رواية حفص.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم يضاعف بالرفع.
السبعة لابن مجاهد: 467، والتبصرة لمكي: 276، والتيسير للداني:
164.
قال مكي في مشكل إعراب القرآن: 2/ 526: «من جزم جعله بدلا من
يَلْقَ لأنه جواب الشرط ولأن لقاء الأثام هو تضعيف العذاب
والخلود فأبدل منه، إذ المعنى يشتمل بعضه على بعض، وعلى هذا
المعنى يجوز بدل الأفعال بعضها من بعض، فإن تباينت معانيها لم
يجز بدل بعضها من بعض» .
وانظر حجة القراءات: 514، والكشف لمكي: 2/ 147، والبيان لابن
الأنباري:
2/ 209.
(2/617)
إِلَّا مَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ
يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا
يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا
كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ
لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
70 يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ
حَسَناتٍ: يغيّر أعمالهم أو يبدلها بالتوبة والندم على فعلها
حسنات.
72 مَرُّوا كِراماً: أي: مرّ الكرماء الذين لا يرضون باللّغو
ومخالطة أهله.
73 لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها: لم يسقطوا عليها.
صُمًّا وَعُمْياناً: بل سجّدا وبكيا.
[70/ ب] وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً: توحيده على
المصدر «1» ، أمّ إماما/ كقام قياما أو هو جمع آم كقائم وقيام،
أو إمام نفسه جمع إمام، وإن كان على لفظه كقولهم: درع دلاص «2»
وأدرع دلاص، وناقة هجان «3» ونوق هجان،
__________
(1) ينظر هذا المعنى في الكشاف: 3/ 1040، والتبيان للعكبري: 2/
992، وتفسير القرطبي:
13/ 83.
(2) درع دلاص: براقة ملساء لينة بينة الدّلص، ويقال: درع دلاص
وأدرع دلاص، الواحد والجمع على لفظ واحد» .
انظر الصحاح: 3/ 1040، واللسان: 7/ 37 (دلص) .
(3) الهجان من الإبل: البيض الكرام ويستوي فيه المذكر والمؤنث
والجمع، يقال: بعير هجان وناقة هجان.
وفي اللسان: 13/ 431 (هجن) عن ابن سيده: «الهجان من الإبل
البيضاء الخالصة اللون» .
وانظر تهذيب اللغة: 6/ 58، والصحاح: 6/ 2216 (هجن) .
(2/618)
قُلْ مَا يَعْبَأُ
بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ
فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
وفقهه أنه يكسر فعيل على فعال كثيرا، فيكسر
فعال على فعال أيضا لأنّ فعيلا وفعالا أختان كلاهما ثلاثي
الأصل وثالثة حرف لين، وقد اعتقبا أيضا على الشيء الواحد، نحو
عبيد وعباد، وكليب وكلاب.
77 ما يَعْبَؤُا بِكُمْ: ما يصنع بكم «1» ، أو أيّ وزن يكون
لكم «2» ؟.
لَوْلا دُعاؤُكُمْ: رغبتكم إليه وطاعتكم له، أو دعاؤه إياكم
إلى طاعته.
وقيل «3» : ما يصنع بعذابكم لولا ما تدعون من دونه.
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ: على القول [الأول] «4» قصّرتم في طاعتي
«5» .
لِزاماً: عذابا لازما.
__________
(1) هذا قول الفراء في معانيه: 2/ 275، وذكره الطبري في
تفسيره: 19/ 55.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 169 عن مجاهد، وابن زيد.
ونقل الفخر الرازي في تفسيره: 24/ 116 عن الخليل: «ما أعبأ
بفلان، أي: ما أصنع به.
كأنه يستقله ويستحقره» .
(2) في معاني القرآن للزجاج: 4/ 78: «وتأويل: ما يَعْبَؤُا
بِكُمْ أي: أيّ وزن يكون لكم عنده، كما تقول: ما عبأت بفلان،
أي: ما كان له عندي وزن ولا قدر.
وأصل العبء في اللغة الثقل، ومن ذلك: عبأت المتاع جعلت بعضه
على بعض» .
وانظر هذا المعنى في مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 82، وتفسير
الطبري: 19/ 55، والكشاف: 3/ 103، والمفردات: 320.
(3) ذكر نحوه ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: 438، فقال: «في
هذه الآية مضمر، وله أشكلت، أي: ما يعبأ بعذابكم ربي لولا ما
تدعونه من دونه من الشريك والولد. ويوضح ذلك قوله: فَسَوْفَ
يَكُونُ لِزاماً، أي: يكون العذاب لمن كذب ودعا من دونه إلها
لازما» اه.
وأشار الطبري في تفسيره: 19/ 57 إلى قول ابن قتيبة فقال: «وقد
كان بعض من لا علم له بأقوال أهل العلم يقول في تأويل ذلك: قل
ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ما تدعون من دونه من الآية
والأنداد.
وهذا قول لا معنى للتشاغل به لخروجه عن أقوال أهل العلم من أهل
التأويل» . [.....]
(4) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 169، وقال: «مأخوذ من قولهم:
قد كذب في الحرب، إذا قصّر» .
(2/619)
|