إيجاز البيان عن
معاني القرآن ومن سورة يس
6 ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ: يجوز ما نافية، ويجوز بمعنى «الذي»
«1» أي:
لتخوفنّهم الذي خوّف آباؤهم لأنّ الأرض لا تخلو من حجة.
8 إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ: هي صورة عذابهم، أو مثل
امتناعهم عن الإيمان كالمغلول عن التصرف «2» .
وفي حديث النساء «3» : «منهن غلّ قمل» فإنّه إذا يبس الغلّ قمل
في
__________
(1) معاني القرآن للأخفش: 2/ 666، ومعاني القرآن للزجاج: 4/
278، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 383، والتبيان للعكبري: 2/
1079.
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 383 عن يحيى بن
سلام، وذكره البغوي في تفسيره: 4/ 6، وابن الجوزي في زاد
المسير: 7/ 6، ونقله القرطبي في تفسيره: 15/ 8 عن يحيى بن
سلام، وأبي عبيدة.
(3) هو من حديث عمر رضي الله عنه كما في غريب الحديث لابن
قتيبة: (1/ 602، 603) ، ولفظ الحديث: «النساء ثلاث، فهينة
لينة، عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على
أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غل قمل، يضعه الله في عنق من
يشاء، ويفكه عمّن يشاء ... » .
قال ابن قتيبة: «قوله: «غل قمل» ، الأصل فيه أنهم كانوا يغلون
بالقدّ وعليه الشعر فيقمل على الرجل» .
وانظر الحديث ومعناه في الفائق: 4/ 122، وغريب الحديث لابن
الجوزي: 2/ 161، والنهاية: 3/ 381.
(2/686)
إِنَّمَا تُنْذِرُ
مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ
فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ
نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا
الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ
فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا
إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ
أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ
إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا
الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا
بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ
وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا
طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ
مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ
يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
عنقه، فتجتمع عليه محنتان، فضربه مثلا
للسليطة اللّسان، الغالية المهر.
مُقْمَحُونَ: مرفوعة رؤوسهم، والمقمح الذي يصوّب رأسه إلى ظهره
على هيئة البعير، بعير قامح وإبل قماح «1» .
11 وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ: أي: بالغيب عن الناس، أو
فيما غاب عنه من أمر الآخرة.
12 وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا: أعمالهم وَآثارَهُمْ: سننهم بعدهم
في الخير والشر، كقوله «2» : يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ
يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ.
13 أَصْحابَ الْقَرْيَةِ: أهل أنطاكية «3» .
والرسولان الأولان: توصا وبولص «4» ، والثالث: شمعون «5» .
20 رَجُلٌ يَسْعى: حبيب النجّار «6» .
__________
(1) غريب القرآن لليزيدي: 311، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
363، ومعاني الزجاج:
4/ 279، وتهذيب اللغة: 4/ 81.
(2) سورة القيامة: آية: 13.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 22/ 155 عن
عكرمة، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 49، وعزا إخراجه إلى
الفريابي عن ابن عباس رضي الله عنهما. كما نسبه إلى عبد بن
حميد، وابن المنذر عن عكرمة.
وقال الماوردي في تفسيره: 3/ 385: «هي أنطاكية في قول جميع
المفسرين» وأنطاكية:
بالفتح ثم السكون والياء مخففة مدينة بالشام قريبة من حلب.
انظر: معجم ما استعجم: 1/ 200، ومعجم البلدان: 1/ 266، والروض
المعطار: 38.
(4) في «ك» : توماء وبولص، وجاء في هامش الأصل عن ابن إسحاق في
اسميهما: «تاروص» و «ماروص» وعن كعب «صادوق» ، و «صدوق» ، وعن
مقاتل: «تومان» ، و «مانوص» .
وانظر الأقوال في اسميهما في زاد المسير: 7/ 10، وتفسير
القرطبي: 15/ 14.
(5) قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 286: «وذكر الناس في
أسماء الرسل: صادق مصدوق، وشلوم، وغير هذا، والصحة معدومة
فاختصرت» . [.....]
(6) تفسير الطبري: 22/ 158، وتفسير الماوردي: 3/ 388، والتعريف
والأعلام للسهيلي:
144، وتفسير القرطبي: 15/ 17.
(2/687)
بِمَا غَفَرَ لِي
رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا
أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ
السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا
صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً
عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا
قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا
يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا
مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ
أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ
يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ
وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ
أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
وكانت السماء أمسكت فتطيروا بهم وقتلوهم،
فلما رأى حبيب نعيم الجنة تمنى إيمان قومه.
27 بِما غَفَرَ لِي: بأي شيء غفر [لي] «1» .
[80/ ب] 28 مِنْ جُنْدٍ: / أي: لم نحتج إلى جند.
29 خامِدُونَ: ميتون «2» .
30 يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ: تلقين لهم أن يتحسروا على ما
فاتهم، أو معناه: حلّوا محلّ من يتحسّر عليه «3» .
والحسرة: شدّة النّدم حتى يحسر كالحسير البعير المعيي «4» .
32 وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ: لما بالتخفيف «5» على أنّ
«ما» صلة مؤكدة و «إن» مخففة من المثقلة، أي: إن كلا لجميع
لدينا محضرون.
وبالتشديد «6» على أنها بمعنى الأوان جحدا، بمعنى: أي: ما كلّ
إلّا جميع لدينا. وجَمِيعٌ في الوجهين تأكيد ل كُلٌّ.
35 لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ:
أي: يأكلوا من ثمره بغير صنعة كالرطب والفواكه، ويعملون منه
بأيديهم كالخبز والحلاوى.
__________
(1) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(2) تفسير الطبري: 23/ 2، والمفردات للراغب: 158، واللسان: 3/
165 (خمد) .
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 389 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
(4) أي: المتعب.
وانظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 285، واللسان: 4/ 188 (حسر) .
(5) وهي قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، والكسائي.
التبصرة لمكي: 306، والتيسير للداني: 126.
وانظر توجيه هذه القراءة، وقراءة التشديد في معاني القرآن
للفراء: 2/ 377، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 286، وإعراب القرآن
للنحاس: 3/ 393، والكشف لمكي: 2/ 215.
(6) قراءة عاصم، وابن عامر كما في الغاية في القراءات العشر:
246، والتبصرة لمكي:
306، والتيسير للداني: 126.
(2/688)
سُبْحَانَ الَّذِي
خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ
وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ
لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ
مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا
ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ
قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيمِ (39)
أو هو على النفي، أي: ليأكلوا ولم يعملوا
ذلك بأيديهم «1» .
36 خَلَقَ الْأَزْواجَ: الأشكال.
37 نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ: نخرج منه ضوءه كما تسلخ الشّاة
من جلدها «2» .
38 لِمُسْتَقَرٍّ لَها: لأبعد مغاربها من الأفق ثم ترجع إليها
«3» .
39 قَدَّرْناهُ مَنازِلَ: المنازل المعروفة الثمانية والعشرون
[الشّرطان، البطين، الثّريا، الدّبران، الهقعة، الهنعة،
الذّراع، النّثرة، الطّرف، الجبهة، الزّبرة، الصرفة، العوّاء،
السّماك، الغفر، الزّباني، الإكليل، القلب، الشّولة،، النعائم،
البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السّعود، سعد الأخبية، فرغ
الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، بطن الحوت. هذه ثمانية وعشرون
منزلا، أربعة عشر منها شامية أولها الشرطان وآخرها السّماك،
لأنها في شق الشام من السماء، وأربعة عشر منها يمانية أولها
الغفر وآخرها بطن الحوت لأنها في شق اليمن عن السماء، وهي تعرف
في الهيئات من النجوم] «4» .
__________
(1) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 365، وتفسير الطبري: 23/ 4،
ومعاني الزجاج:
4/ 286.
(2) انظر معاني القرآن للزجاج: 4/ 287، والمفردات للراغب: 238،
واللسان: 3/ 24 (سلخ) .
(3) انظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 23/ 6، وتفسير البغوي:
4/ 12، وزاد المسير:
7/ 19.
وأخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى عن أبي
ذر رضي الله عنه قال:
«سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: وَالشَّمْسُ
تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال: «مستقرها تحت العرش» .
صحيح البخاري: 6/ 30، كتاب التفسير، سورة يس، باب قوله:
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها.
وصحيح مسلم: 1/ 139، كتاب الإيمان، باب «بيان الزمن الذي لا
يقبل فيه الإيمان» .
(4) ما بين معقوفين عن نسخة «ك» ، وانظر أسماء منازل القمر في
كتاب الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب: (23، 24) ، والأنواء لابن
قتيبة: 4، واللسان: 1/ 176 (نوأ) .
(2/689)
لَا الشَّمْسُ
يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ
سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ: العذق اليابس
«1» . يقولون: عرجون «فنعول» من «الانعراج» بل «فعلون» «2» .
40 لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ:
لسرعة سير القمر «3» .
وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ: لا يأتي اللّيل إلّا بعد
انتهاء النّهار.
وسئل الرضا «4» - عند المأمون- عن اللّيل والنهار أيّهما أسبق؟
فقال:
النهار ودليله: أمّا من القرآن: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ
النَّهارِ، ومن الحساب أنّ الدنيا خلقت بطالع «السّرطان»
والكواكب في إشرافها، فتكون الشّمس في «الحمل» عاشر الطالع وسط
السّماء.
يَسْبَحُونَ: يسيرون بسرعة فرس سابح وسبوح «5» .
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 1/ 161، وغريب القرآن لليزيدي:
311، وتفسير الطبري:
23/ 6، وتفسير القرطبي: 15/ 30.
(2) في «ك» : بل فعلون، من الانعراج.
وفي وزن «عرجون» قال العكبري في التبيان: 2/ 1083: «فعلول،
والنون أصل. وقيل:
هي زائدة لأنه من الانعراج وهذا صحيح المعنى، ولكنه شاذ في
الاستعمال» .
وانظر الكشاف: 3/ 323، والبيان لابن الأنباري: 2/ 295، وتفسير
القرطبي:
15/ 30.
(3) قال النحاس في إعراب القرآن: 3/ 395: «وأحسن ما قيل في
معناه وأبينه مما لا يدفع أن سير القمر سير سريع فالشمس لا
تدركه في السير» . [.....]
(4) الرّضا: (153- 203 هـ-) .
هو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، كان مقربا من الخليفة
العباسي المأمون، الذي عهد إليه بالخلافة من بعده، لكنه مات في
حياة المأمون ب «طوس» .
قال الحافظ ابن حجر في التقريب: 405: «صدوق، والخلل ممن روى
عنه، من كبار العاشرة ... » .
وانظر أخباره في تاريخ الطبري: 8/ 568، وسير أعلام النبلاء: 9/
387، وشذرات الذهب: 2/ 6.
(5) سبح الفرس: جريه، وفي النهاية: 2/ 332: «فرس سابح، إذا كان
حسن مدّ اليدين في الجري» .
وانظر الصحاح: 1/ 372، واللسان: 2/ 470، وتاج العروس: 6/ 444
(سبح) .
(2/690)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا
حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ
نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ
يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى
حِينٍ (44) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ
أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا
كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ
اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
(47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً
تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
41 حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ «1» : آباءهم
«2» لأنّه ذرأ «3» الأبناء منهم، تسمية للسبب باسم المسبّب،
وإن كان الذرية الأولاد فذكرهم لأنه لا قوة لهم على السّفر
كقوّة الرجال.
42 مِنْ مِثْلِهِ: من سائر السّفن التي هي مثل سفينة نوح «4» ،
أو هو الإبل فإنّهن سفن البرّ «5» .
45 اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من عذاب الدنيا، وَما
خَلْفَكُمْ: من عذاب الآخرة «6» .
49 وَهُمْ يَخِصِّمُونَ: في متاجرهم ومبايعهم/.
وفي الحديث «7» : «النّفخات ثلاث: نفخة الفزع، والصعق، والقيام
__________
(1) بالجمع قراءة نافع، وابن عامر كما في السبعة لابن مجاهد:
540، والتبصرة لمكي:
307، والتيسير للداني: 184.
(2) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 392 عن أبان بن
عثمان رضي الله عنهما. ولفظ الذرية يطلق على الآباء وعلى
الأبناء، فهو من الأضداد كما في اللسان: (14/ 285، 286) (ذرا)
.
(3) أي: خلق الأبناء منهم.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 10 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
ورجحه الطبري: «لدلالة قوله: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا
صَرِيخَ لَهُمْ على أن ذلك كذلك، وذلك أن الغرق معلوم أنه لا
يكون إلا في الماء، ولا غرق في البر» .
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: (23/ 10، 11) عن محمد بن سعد عن
أبيه ... ، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء، تقدم بيان أحوالهم ص
(135) .
وأخرجه أيضا عن عكرمة، وعبد الله بن شداد، والحسن.
(6) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 289، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 393 عن سفيان، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 23،
والقرطبي في تفسيره: 15/ 36.
(7) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 14 عن
أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
وأورده القرطبي في تفسيره: 13/ 240، ثم قال: «ذكره علي بن معبد
والطبري والثعلبي وغيرهم، وصححه ابن العربي» .
وذكره ابن كثير في تفسيره: 5/ 385، وقال: «وهذا الحديث قد رواه
الطبراني وابن جرير، وابن أبي حاتم، وغير واحد، مطولا جدا ...
» .
قال القرطبي- رحمه الله تعالى- في التذكرة: 266: «واختلف في
عدد النفخات، فقيل:
ثلاث، نفخة الفزع لقوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ ونفخة الصعق،
ونفخة البعث، لقوله تعالى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ
أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.
وهذا اختيار ابن العربي وغيره ... وقيل: هما نفختان، ونفخة
الفزع هي نفخة الصعق، لأن الأمرين لا زمان لها، أي: فزعوا فزعا
ماتوا منه ... » اه-.
وصحح القرطبي هذا القول وأورد الأدلة عليه، فانظره هناك.
(2/691)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا
مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ
وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً
وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)
فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ
إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ
الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
لرب العالمين» .
52 مِنْ مَرْقَدِنا: يخفّف عنهم بين النفختين فينامون «1» .
55 فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ: ناعمون «2» ، و «الشغل» : افتضاض
الأبكار «3» .
وقيل: السّماع، بل هو كلّ راحة ونعيم.
والفكه الذي يتفكه مما يأكل، والفاكه صاحب الفاكهة ك «التامر»
«4» .
__________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 16 عن قتادة، ونقله البغوي في
تفسيره: 4/ 15 عن ابن عباس، وأبي بن كعب، وقتادة.
(2) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 366، وتفسير الماوردي:
3/ 396، واللسان:
13/ 524 (فكه) .
(3) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 18 عن
عبد الله بن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب رضي الله تعالى
عنهم.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 64، وزاد نسبته إلى ابن
أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» ، وابن المنذر، وابن
أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما كما عزا
إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وعبد الله بن أحمد،
وابن مسعود رضي الله عنه.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: 4/ 291، وتفسير الماوردي: 3/
396، وتفسير ابن كثير: 6/ 569.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: (2/ 163، 164) ، وتفسير غريب
القرآن لابن قتيبة: 366، واللسان: 13/ 524 (فكه) .
(2/692)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ
فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ
قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ
أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا
بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ
مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا
أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي
كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ
تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ
وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى
أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ
(66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ
فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ
نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ
(68)
56 والْأَرائِكِ: الفرش في الحجال «1» .
57 ما يَدَّعُونَ: يستدعون ويتمنّون «2» .
58 سَلامٌ قَوْلًا: أي: ولهم من الله سلام يسمعونه، وهو
بشارتهم بالسّلامة أبدا.
59 وَامْتازُوا: ينفصل فرق المجرمين بعضهم عن بعض «3» .
62 جِبِلًّا «4» وجبلّا: خلقا «5» .
66 لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ: أعميناهم في الدنيا.
فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ: الطريق.
فَأَنَّى يُبْصِرُونَ: فكيف.
67 لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ: في منازلهم حيث يجترحون
المآثم.
فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا: لم يقدروا على ذهاب ومجيء.
68 وَمَنْ نُعَمِّرْهُ: نبلغه ثمانين سنة «6» نُنَكِّسْهُ:
نرده من القوة إلى
__________
(1) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 164، وغريب القرآن لليزيدي:
312، وتفسير غريب القرآن:
366، وتفسير الطبري: 23/ 20، والمفردات للراغب: 16.
قال الزجاج في معانيه: 4/ 292: «وهي في الحقيقة «الفرش» كانت
في حجال أو غير حجال» .
وفي الصحاح: 4/ 1667 (حجل) : «والحجلة بالتحريك: واحدة حجال
العروس، وهي بيت يزيّن بالثياب والأسرة والستور» . [.....]
(2) مجاز القرآن: 2/ 164، وتفسير الطبري: 20/ 21، ومعاني
القرآن للزجاج: 4/ 292.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 397 عن الضحاك.
(4) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام قراءة ابن كثير، وحمزة،
والكسائي، وقرأ نافع، وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام.
السبعة لابن مجاهد: 542، والتبصرة لمكي: 308، والتيسير للداني:
184.
(5) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 164، وتفسير الطبري: 23/ 23،
ومعاني الزجاج: 4/ 293، والمفردات للراغب: 87.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 399 عن سفيان،
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 70، وعزا إخراجه إلى عبد
بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سفيان.
والصواب في ذلك ما قاله المفسرون إن المراد من قوله تعالى:
نُعَمِّرْهُ: نمد له في العمر ونطيل فيه، ونرده إلى أرذله.
انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 368، وتفسير الطبري: 23/
26، وتفسير البغوي:
4/ 18، وزاد المسير: 7/ 33، وتفسير القرطبي: 15/ 51.
(2/693)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ
حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا
أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا
لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ
(73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ
يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ
جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
الضعف ومن الزيادة إلى النقصان.
70 مَنْ كانَ حَيًّا: حيّ القلب «1» .
وَيَحِقَّ: يجب.
71 مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا: تولّينا خلقه «2» ، وكقوله «3»
: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ أو مما عملت قوانا.
واليد والأيد: القوّة «4» ، والله متعال أن تحله القوة أو
الضعف، فالمعنى: قوانا التي أعطيناها الأشياء.
مالِكُونَ: ضابطون لأن القصد إلى أنها ذليلة لقوله:
وَذَلَّلْناها لَهُمْ «5» .
75 جُنْدٌ مُحْضَرُونَ: في النار «6» ، أو عند الحساب «7» :
أي: لا
__________
(1) أخرج الطبري في تفسيره: 23/ 28 عن قتادة قال: حيّ القلب
حيّ البصر» .
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 400 عن قتادة، وكذا البغوي في
تفسيره: 4/ 19، وابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 324.
(2) تفسير البغوي: 4/ 20.
(3) سورة الشورى: آية: 30.
(4) ينظر هذا المعنى في تفسير غريب القرآن: 368، وتأويل مشكل
القرآن: 154، 155، والمحرر الوجيز: 12/ 325، والصحاح: 6/ 2540،
واللسان: 15/ 424 (يدي) .
(5) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 294.
وانظر تفسير الطبري: 13/ 28، وتفسير الماوردي: 3/ 401، وتفسير
البغوي: 4/ 20.
(6) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 401 عن الحسن،
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 73، وعزا إخراجه إلى ابن
أبي حاتم عن الحسن رحمه الله تعالى.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 29 عن مجاهد.
(2/694)
وَضَرَبَ لَنَا
مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ
وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
ينصرون «1» وهم حاضرون.
78 قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ: قاله أبيّ بن خلف «2» .
ولا يجوز نصب فَيَكُونُ من قوله: كُنْ فَيَكُونُ «3» لأنّ
الفعل واحد وإنما ينصب الثاني الذي يجب بوجوب الأول كقولك:
ائتني فأكرمك. |