إيجاز البيان عن
معاني القرآن ومن سورة ص
1 ذِي الذِّكْرِ: [ذي] «5» الشّرف، أو ذكر الأنبياء والأمم، أو
ذكر جميع أغراض القرآن «6» ، وجواب القسم محذوف ليذهب فيه
القلب كلّ
__________
(1) من قوله تعالى: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ [آية:
162] .
(2) معاني القرآن للفراء: 2/ 394، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 375، وتفسير الطبري:
23/ 109، والمفردات للراغب: 372.
(3) وهو معنى قوله تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ
مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ [الزمر: آية: 75] .
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 430، وتفسير ابن كثير: 7/ 115.
(4) أخرجه البغوي في تفسيره: 4/ 46 عن علي رضي الله تعالى عنه
موقوفا.
وأورده ابن كثير في تفسيره: 7/ 42، وعزا إخراجه إلى ابن أبي
حاتم عن الشعبي مرسلا، وأخرجه عبد الرازق في المصنف: 2/ 237،
كتاب الصلاة، باب «التسبيح والقول وراء الصلاة» عن علي رضي
الله عنه بلفظ: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل عند
فروغه من صلاته ... » . [.....]
(5) عن نسخة «ج» .
(6) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 376، وتفسير الطبري:
23/ 118، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 319، وتفسير الماوردي: 3/
433، وزاد المسير: 7/ 98.
(2/705)
بَلِ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ
قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ
الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ
إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا
عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا
سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا
إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ
بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا
يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ
رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا
فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ
الْأَحْزَابِ (11)
مذهب، فيكون دليله أغزر وتجوزه أزجر «1» .
[83/ أ] 2 فِي عِزَّةٍ: / منعة، وقيل «2» : حميّة الجاهلية.
شِقاقٍ: خلاف وعداوة.
3 لاتَ حِينَ مَناصٍ: ليس حين ملجأ «3» ، ولا تعمل «لات»
بالنصب إلا في «الحين» وحده لأنّها مشبّهة ب «ليس» فلا تقوى
قوة المشبّه به «4» .
7 وفِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ: التّنصر، لأنها آخر الملل «5» .
9 أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ: فيمنعونك ما منّ
الله به عليك من الرسالة.
10 فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ: أي: إلى السّماء فليأتوا
منها بالوحي إلى من يشاءوا.
11 جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ: بشارة
بهزيمتهم، فكانت يوم
__________
(1) في «ك» وكتاب وضح البرهان: «وبحره أزخر» .
(2) ذكره الطبري في تفسيره: 23/ 119، ونقله الماوردي في
تفسيره: 3/ 434 عن قتادة.
(3) معاني القرآن للفراء: 2/ 397، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/
176، والمفردات: 509.
(4) راجع هذا المعنى في الكتاب لسيبويه: (1/ 57، 58) ، ومعاني
القرآن للأخفش: 2/ 670، وتفسير الطبري: (23/ 121، 122) ،
ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 320، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 451.
(5) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 23/ 126 عن ابن
عباس، ومحمد بن كعب القرظي، والسدي.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 436 عن ابن عباس، وقتادة،
والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 146، وعزا إخراجه إلى
الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد.
كما نسبه إلى عبد حميد عن قتادة.
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 4/ 49، وزاد المسير: 7/ 103،
وتفسير ابن كثير:
7/ 47.
(2/706)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ
قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ
الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ
فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا
صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا
رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ
(16)
بدر «1» .
وما صلة مقوية للنكرة المبتدأة.
12 ذُو الْأَوْتادِ: ذو الأبنية العالية كالجبال التي هي أوتاد
الأرض.
أو ذو الملك الثابت ثبات الوتد في الجدار «2» .
15 ما لَها مِنْ فَواقٍ: بالفتح والضم «3» مثل غمار النّاس
وغمارهم، بل «الفواق» ما بين الحلبتين مقدار ما يفوق اللّبن
فيه إلى الضّرع ويجتمع.
و «الفواق» - بالضم- مصدر كالإفاقة مثل الجواب والإجابة،
فالأول مقدار وقت الراحة والثاني نفي الإفاقة عن الغشية «4» .
16 عَجِّلْ لَنا قِطَّنا: حظّنا، أي: ما كتبت لنا من الرزق «5»
. وقيل «6» :
من الجنّة. وقيل»
: من العذاب.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 130 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 147، وزاد نسبته إلى عبد
بن حميد وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(2) في «ج» : الجبال.
(3) قراءة الضم لحمزة، والكسائي، وقرأ باقي السبعة بفتح الفاء.
السبعة لابن مجاهد: 552، والتبصرة لمكي: 311، والتيسير لأبي
عمرو الداني: 187.
(4) انظر توجيه القراءتين في معاني الفراء: 2/ 400، ومجاز
القرآن لأبي عبيدة: 2/ 179، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة:
(377، 378) ، وتفسير الطبري: (23/ 132، 133) ، ومعاني القرآن
للزجاج: 4/ 323.
(5) أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 135 عن إسماعيل بن أبي خالد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 439، والقرطبي في تفسيره: 15/
157 عن إسماعيل بن أبي خالد أيضا.
(6) أخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 135 عن السدي، ونقله الماوردي
في تفسيره: 3/ 439 عن سعيد بن جبير، وكذا البغوي في تفسيره: 4/
50، وابن الجوزي في زاد المسير:
7/ 109.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 148، وعزا إخراجه إلى ابن
أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 134 عن ابن عباس،
ومجاهد، وقتادة.
وعقب الطبري- رحمه الله تعالى- على الأقوال السالفة بقوله:
«وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن القوم سألوا
ربهم تعجيل صكاكهم بحظوظهم من الخير أو الشر الذي وعد الله
عباده أن يؤتيهموها في الآخرة قبل يوم القيامة في الدنيا
استهزاء بوعيد الله ... » . [.....]
(2/707)
اصْبِرْ عَلَى مَا
يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ
إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ
يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ
مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ
وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
17 ذَا الْأَيْدِ: ذا القوّة في الدين «1»
، فكان يقوم نصف كلّ ليلة ويصوم نصف كلّ شهر «2» .
19 كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ: يرجّع التسبيح معه «3» . وقيل «4» :
رجّاع إلى ما يريده.
20 وَفَصْلَ الْخِطابِ: علم الحكم بين الناس «5» ، أو قطع ما
خاطب
__________
(1) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه عبد الرازق في تفسيره: 2/ 161
عن قتادة رحمه الله تعالى.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 136 عن قتادة، وابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 148، وزاد نسبته إلى عبد
بن حميد عن قتادة.
وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للفراء: 2/ 401، ومجاز
القرآن لأبي عبيدة:
2/ 179، ومعاني الزجاج: 4/ 323.
(2) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 323، والماوردي في تفسيره: 3/
439.
وأخرج الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن
عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أحبّ الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما،
وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه
وينام سدسه» .
صحيح البخاري: 4/ 134، كتاب الأنبياء، باب «أحب الصلاة إلى
الله صلاة داود ... » .
وصحيح مسلم: 2/ 816، كتاب الصيام، باب «النهي عن صوم الدهر لمن
تضرر به ... » .
(3) معاني القرآن للزجاج: 4/ 324، وتفسير البغوي: 4/ 51، وزاد
المسير: 7/ 111.
(4) تفسير البغوي: 4/ 51، وزاد المسير: 7/ 111.
قال ابن الجوزي: «هذا قول الجمهور» .
(5) هو علم القضاء، وقد أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/
139 عن مجاهد، والسدي، وابن زيد.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 440 عن ابن عباس، والحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 154، وعزا إخراجه إلى عبد
بن حميد، وابن المنذر عن الحسن رحمه الله تعالى.
(2/708)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ
الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا
عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ
خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا
بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ
الصِّرَاطِ (22)
بعض بعضا «1» .
21 نَبَأُ الْخَصْمِ: يتناول العدد والفرد لأنّه لفظ المصدر،
والمصدر للجنس «2» .
تَسَوَّرُوا: أتوه من أعلى سوره، وجاء تَسَوَّرُوا، وهما اثنان
لأن الاثنين جمع لأن الجمع ضم عدد إلى عدد «3» .
22 وَلا تُشْطِطْ: أشطّ في الحكم: عدل عن العدل وبعد عن الحق.
شطّت به النّوى: تباعدت «4» . وشأنها أنّ جماعة من أعدائه «5»
__________
(1) العبارة في وضح البرهان للمؤلف: 2/ 245: «كأنه قطع
المخاطبة وفصل ما خاطب به بعض بعضا» .
(2) تفسير الطبري: 23/ 140، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 325،
والبيان لابن الأنباري:
2/ 314.
(3) ينظر التبيان للعكبري: 2/ 1098، والبحر المحيط: 7/ 391.
(4) ينظر معاني القرآن للفراء: 2/ 403، وتفسير غريب القرآن
لابن قتيبة: 378، والمفردات للراغب: 260، واللسان: 7/ 334
(شطط) .
(5) جمهور المفسرين على أن «الخصم» كانوا ملائكة.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 437: «ولا خلاف بين أهل
التأويل أن هؤلاء الخصم إنما كانوا ملائكة بعثهم الله ضرب مثل
لداود عليه السلام، فاختصموا إليه في نازله قد وقع هو في نحوها
... » .
وقال القرطبي في تفسيره: 15/ 165: «ولا خلاف بين أهل التفسير
أنه يراد به ها هنا ملكان» .
ينظر أيضا تفسير الماوردي: 3/ 441، وزاد المسير: 7/ 118،
وتفسير الفخر الرازي:
26/ 189، وتفسير البيضاوي: 2/ 307، وروح المعاني: 23/ 178.
قال الكرماني في غرائب التفسير: 2/ 996: «اختلف المفسرون في
«الخصم» فذهب الأكثرون إلى أنهم الملائكة. الغريب: كانا
آدميين. العجيب: كانا ملكين على صورة آدميين. وقيل: لو كان
ملكين لم يقولا: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ، ولم
يقولا:
إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، لأن
الملائكة لا تكذب ولا يبغي بعضهم على بعض، ولا يكونان خصمين،
ولا يملكان النعجة ولا غيرها، بل كانا آدميين، دخلا بغير إذنه
في غير وقت الخصوم ففزع منهم، ولا يأمرهم الله بالكذب أيضا.
وذهب بعضهم إلى أنهما كانا ملكين، وقالا: أرأيت إن كنا خصمين
بغى بعضنا على بعض ... إلى آخر الآية. وقيل: تقديره، ما تقول:
خصمان قال بغى بعضنا على بعض «الآيات، إنما هو مثل» اه-.
(2/709)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ
الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا
هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ
رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ
ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
تسوّروا محرابه وقصدوه بسوء في وقت غفلة
«1» ، فلما رأوه متيقظا انتقض تدبيرهم، فاخترع بعضهم خصومة
أنهم قصدوه لأجلها، ففزع منهم، فقالوا:
لا بأس.
[83/ ب] خَصْمانِ «2» : / فقال داود: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ
نَعْجَتِكَ.
أي [إن] «3» كان الأمر كما تقول، فحلم عنهم وصبر مع الأيد «4»
وشدّة الملك.
24 وَخَرَّ راكِعاً: وقع من ركوعه إلى سجوده «5» .
وَأَنابَ: إلى الله شكرا لما وفّقه من الصّبر والحلم.
فَاسْتَغْفَرَ: لذنوب القوم، أو قال: ربّ اغفر لي ولهم.
25 فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ: أي: لأجله.
وقيل في تأويل خطيئته: إنّ الخصم لما قال: إِنَّ هذا أَخِي
لَهُ كان الواجب أن يسأله تصحيح دعواه، أو يسأل الخصم الآخر
عنه، فعجّل وقال:
لَقَدْ ظَلَمَكَ «6» ، وإن ثبت حديث.....
__________
(1) في «ج» : غفلته.
(2) يريد قوله تعالى: خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ
فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ ... وَاهْدِنا إِلى سَواءِ
الصِّراطِ.
(3) ما بين معقوفين عن «ك» .
(4) أي: القوة، وقد تم بيان هذا المعنى قبل قليل. [.....]
(5) قال ابن العربي في أحكام القرآن: 4/ 1639: «لا خلاف بين
العلماء أن الركوع ها هنا السجود لأنه أخوه إذ كل ركوع سجود،
وكل سجود ركوع فإن السجود هو الميل، والركوع هو الانحناء،
وأحدهما يدل على الآخر، ولكنه قد يختص كل واحد منهما بهيئة، ثم
جاء على تسمية أحدهما بالآخر، فسمى السجود ركوعا» .
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 443، وزاد المسير: 7/ 122، وتفسير
القرطبي: 15/ 182.
(6) أورده النحاس في إعراب القرآن: 3/ 461، والماوردي في
تفسيره: 3/ 443.
وقال ابن العربي- رحمه الله- في أحكام القرآن: 4/ 1638: «أما
من قال: إنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر فلا يجوز
ذلك على الأنبياء ... » .
(2/710)
إِنَّ هَذَا أَخِي
لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ
فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ
لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ
كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ
مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ
رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ
ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ
الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ
يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا
نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ
النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ
الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ
إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ
بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
أوريا «1» ، فخطيئته خطبته على خطبته «2» ،
أو استكثاره من النساء، ويكون فَغَفَرْنا لَهُ بعد الإنابة وإن
كانت خطيئته مغفورة فتكون مغفرة على مغفرة.
23 أَكْفِلْنِيها: اجعلني كافلها وانزل أنت عنها «3» .
وَعَزَّنِي: غلبني «4» .
31 الصَّافِناتُ الْجِيادُ: القائمة على ثلاث قوائم «5»
[الثّانية] «6» رابعتها.
__________
(1) لم يثبت هذا الحديث ورد جماهير العلماء هذه الرواية
الدخيلة، الذي يتنزه عن ارتكاب بعض ما جاء فيها الفضلاء من
الناس فضلا عن أنبياء الله المعصومين.
قال القاضي- رحمه الله تعالى- في الشفا: 2/ 827: «وأما قصة
داود عليه السلام فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطّره فيه
الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض
المفسرين، ولم ينص الله على شيء من ذلك ولا ورد في حديث صحيح
... » .
ورده- أيضا- ابن العربي في أحكام القرآن: 4/ 1636، والفخر
الرازي في تفسيره:
26/ 189 الذي أورد أدلة قوية في بطلان هذه القصة.
وانظر البحر المحيط: 7/ 393، وتفسير ابن كثير: 7/ 51.
(2) ذكره ابن العربي في أحكام القرآن: 4/ 1639، وقال: «وهذا
باطل يرده القرآن والآثار التفسيرية كلها» .
(3) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 327.
وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 379، وتفسير الطبري: 23/
143، وتفسير القرطبي: 15/ 174.
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 404، وغريب القرآن لليزيدي: 322،
ومعاني الزجاج:
4/ 327.
(5) قال الزجاج في معانيه: 4/ 330: «الصافنات: الخيل القائمة،
وقال أهل اللّغة وأهل التفسير: الصافن: القائم الذي يثنى إحدى
يديه أو إحدى رجليه حتى يقف بها على سنبكه- وهو طرف الحافر-
فثلاث من قوائمه متصلة بالأرض، وقائمة منها تتصل بالأرض طرف
حافرها ... » .
ينظر- أيضا- تفسير الماوردي: 3/ 445، وتفسير البغوي: 4/ 60،
واللسان: 13/ 248 (صفن) .
(6) في الأصل: «النايئة» ، والمثبت في النص عن «ك» .
(2/711)
فَقَالَ إِنِّي
أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى
تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ
مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
32 أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ: آثرت حبّ
المال «1» على ذكر ربّي.
حَتَّى تَوارَتْ: أي: الخيل «2» ، أو الشمس «3» ، ودلّ عليها
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ.
33 فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ: كواها في
الأعناق والقوائم «4» ، وجعلها حبيسا في سبيل الله مسوّمة
كفارة لصلاة فاتته، أو ذبحها وعرقبها «5» وتصدّق بلحومها
كفارة.
وقيل «6» : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبّا لها.
__________
(1) أخرج عبد الرزاق نحو هذا القول في تفسيره: 2/ 163 عن
الحسن، وقتادة.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 23/ 155 عن قتادة، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 177، وزاد نسبته إلى عبد
بن حميد، وابن المنذر عن الحسن، وقتادة رحمهما الله تعالى.
كما عزا إخراجه إلى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما.
(2) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 446، وقال: «حكاه
ابن عيسى» . ونقله ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 456 عن بعض
المفسرين ولم يسمهم، وعده الكرماني في غرائب التفسير: 2/ 1000
من غرائب الأقوال، وعزاه إلى ابن عيسى.
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 155 عن ابن مسعود
رضي الله عنه.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 60 عن مقاتل. وذكره ابن عطية في
المحرر الوجيز:
12/ 456، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 130، والقرطبي في
تفسيره: 15/ 196، وقال: «الأكثر في التفسير أن التي تواترت
بالحجاب هي الشمس» .
(4) ذكره البغوي في تفسيره: 4/ 61، وابن الجوزي في زاد المسير:
7/ 132، وقال: «حكاه الثعلبي» .
(5) أي: قطع عرقوبهما، وفي الصحاح: 1/ 180 (عرقب) : العصب
الغليظ ... وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 446 عن ابن عباس رضي
الله تعالى عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 178، وزاد نسبته إلى أبي
حاتم عن ابن عباس أيضا، ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 61 عن
الزهري، وابن كيسان، ثم قال: «وهذا قول ضعيف» . [.....]
(2/712)
وَلَقَدْ فَتَنَّا
سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ
أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا
يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
(35)
34 فَتَنَّا سُلَيْمانَ: خلّصناه «1» ، أو
ابتليناه «2» .
وسبب فتنته قربانه بعض نسائه في الحيض. وقيل: احتجابه عن
النّاس ثلاثة أيام. وقيل «3» : تزوّجه في غير بني إسرائيل.
وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً: أي: ألقيناه لأنه مرض
فصار كالجسد الملقى «4» .
ثُمَّ أَنابَ: إلى الصحة.
35 لا يَنْبَغِي: لا يكون لأنه لما مرض عرض لقلبه زوال ملك
الدنيا،
__________
(1) من قولهم: فتنت الذهب إذا خلصته، وهو أن يذاب بالنار
ليتميز الرديء من الجيد.
الصحاح: 6/ 2175، والمفردات للراغب: 371، واللسان: 13/ 317
(فتن) .
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 446 عن السدي.
(3) وردت هذه الأقوال في كتب التفسير، مثل تفسير الماوردي: 3/
447، وتفسير البغوي:
4/ 64، وزاد المسير: (7/ 133، 134) ، وتفسير القرطبي: 15/ 199.
وأوردها الفخر الرازي في تفسيره: 26/ 208، وعقب عليها بقوله:
«واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام ... » ، ثم ذكر
الوجوه التي رد بها هذه الأقوال.
(4) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 448 عن ابن بحر.
وأورده ابن عطية في المحرر الوجيز: 12/ 461، وغيره من الأقوال
في الآية، ثم قال:
«وهذا كله غير متصل بمعنى هذه الآية» .
وذكر القرطبي في تفسيره: 15/ 202 القول الذي ذكره المؤلف فقال:
«وقيل: إن الجسد كان سليمان نفسه وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى
صار جسدا، وقد يوصف به المريض المضني فيقال: كالجسد الملقى»
اه.
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه: 3/ 209، كتاب الجهاد والسير،
باب «من طلب الولد للجهاد» عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال سليمان بن داود عليهما
السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة- أو تسع وتسعين- كلهن
يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء
الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلّا امرأة واحدة
جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله
لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون» .
قال القاضي عياض في الشفا: 2/ 835، «قال أصحاب المعاني: والشق
هو الجسد الذي ألقى على كرسيه حين عرض عليه، وهي عقوبته
ومحنته» .
(2/713)
فَسَخَّرْنَا لَهُ
الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا
فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ
عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا
أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ
بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ
بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي
الْأَلْبَابِ (43)
فسأل ملك الآخرة «1» .
36 حَيْثُ أَصابَ: قصد وأراد «2» . يقال: أصاب الصواب فأخطأ
الجواب «3» .
41 بِنُصْبٍ: بضرّ «4» ، وبِنُصْبٍ «5» تعب، وإنما اشتكى وسوسة
الشّيطان لا المرض، لقوله: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً: كان
الشّيطان يوسوس أن [84/ أ] داءه يعدي، فأخرجوه واستقذروه،
وتركته امرأته «6» /.
42 ارْكُضْ بِرِجْلِكَ: حرّكها واضرب بها الأرض، فضرب فنبعت
عينان «7» .
43 وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ: كانوا مرضى فشفاهم، وقيل «8» :
غائبين فردّهم.
وقيل «9» : موتى فأحياهم.
__________
(1) ذكر نحوه الفخر الرازي في تفسيره: 6/ 210.
(2) ذكره الفراء في معانيه: 2/ 405، وأبو عبيدة في مجاز
القرآن: 2/ 183، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 379، وأخرجه
الطبري في تفسيره: 23/ 167 عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن،
والسدي، والضحاك، وابن زيد.
قال الزجاج في معانيه: 4/ 333: «إجماع المفسرين وأهل اللغة أنه
حيث أراد، وحقيقته:
قصد وكذلك قولك للمجيب في المسألة: أصبت، أي: قصدت فلم تخطئ
الجواب» .
(3) عن الأصمعي في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 380، وتفسير
الماوردي: 3/ 450، وتفسير القرطبي: 15/ 205، واللسان: 1/ 535
(صوب) .
(4) معاني القرآن للفراء: 2/ 406، ومعاني الزجاج: 4/ 334،
وتفسير القرطبي: 15/ 207.
(5) بفتح النون والصاد، قراءة يعقوب من القراء العشرة، وتنسب
هذه القراءة أيضا إلى الحسن، وعاصم الجحدري.
ينظر الغاية لابن مهران: 250، والنشر: 3/ 277، والبحر المحيط:
7/ 400.
(6) ينظر تفسير الطبري: 23/ 168، وتفسير ابن كثير: 7/ 65.
(7) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره: 23/ 166 عن قتادة،
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 193، وزاد نسبته إلى عبد
بن حميد عن قتادة أيضا.
(8) ذكر الماوردي هذين القولين في تفسيره: (3/ 452، 453) ،
وقال: «حكاهما ابن بحر» .
(9) ذكر الزجاج في معاني القرآن: 4/ 335، والماوردي في تفسيره:
3/ 453، وقال: «عليه الجمهور» .
(2/714)
وَخُذْ بِيَدِكَ
ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ
صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ
عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي
الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ
بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ: أي: الخول والمواشي،
أو وهب لهم من أولادهم مثلهم «1» .
44 وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً: جاءته بأكثر مما كانت تأتيه من
خير الخبز، فاتهمها «2» .
والضغث: الحزمة من الحشيش «3» .
45 أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ: القوى في العبادة
والبصائر في الدين «4» .
46 بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ: إذا نونت الخالصة كانت
ذِكْرَى الدَّارِ بدلا عنها، أي: أخلصناهم بذكرى الدار بأن
يذكروا بها، أو يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: بخالصة هي ذكر
الدار.
وإن لم تنون «5» كانت «الخالصة» صفة لموصوف محذوف، أي:
__________
(1) تفسير الماوردي: 3/ 453، والمحرر الوجيز: 12/ 468. [.....]
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 543 عن سعيد بن المسيب، وكذا
القرطبي في تفسيره:
15/ 212.
(3) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 185، وتفسير غريب القرآن
لابن قتيبة: 381، ومعاني الزجاج: 4/ 335، واللسان: 2/ 164
(ضغث) .
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 170 عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 197، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 197، وزاد نسبته إلى ابن
المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا.
وانظر هذا القول في معاني الزجاج: 4/ 336، وتفسير الماوردي: 3/
454، وتفسير البغوي: 4/ 66.
(5) هذه قراءة نافع كما في السبعة لابن مجاهد: 554، والتبصرة
لمكي: 311، والتيسير للداني: 188.
وانظر توجيه القراءتين في معاني القرآن للزجاج: 4/ 336، وإعراب
القرآن للنحاس:
3/ 467، والكشف لمكي: (2/ 231، 232) ، والبحر المحيط: 7/ 402.
(2/715)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ
مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا
يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا
تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا
مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ
لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ
الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ
مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
بخصلة خالصة ذكر الدار. وفي الخبر «1» : أن
«الخالصة» هي الكتب المنزلة التي فيها ذكر الدار.
وعن مقاتل «2» : أَخْلَصْناهُمْ: بالنّبوّة، وذكر الدار:
الآخرة، أي:
يكثرون ذكرها.
49 هذا ذِكْرٌ: أي: شرف يذكرون به، وإنّ لهم مع ذلك لَحُسْنَ
مَآبٍ.
52 أَتْرابٌ: على مقدار أسنان الأزواج «3» .
57 هذا فَلْيَذُوقُوهُ: الأمر هذا حميم منه، حَمِيمٌ
وَغَسَّاقٌ منتن مظلم «4» بالتخفيف «5» ، والتشديد غسق الجرح
سال، وغسق اللّيل: أظلم «6» .
58 وَآخَرُ: عذاب آخر.
مِنْ شَكْلِهِ: شكل ما تقدم ذكره، ويجوز أن يتعلق ب آخَرُ.
أي: وعذاب آخر كائن من هذا الشّكل، ثم أَزْواجٌ صفة بعد صفة
«7» .
59 هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ: هم فوج بعد فوج يقتحمون
النّار، فالفوج
__________
(1) أورده الماوردي في تفسيره: 3/ 455، وقال: «وهذا قول مأثور»
.
(2) ينظر قول مقاتل في تفسير الماوردي: 3/ 455.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 455.
(4) تفسير الطبري: 23/ 178، وتفسير الماوردي: 3/ 456، وتفسير
البغوي: 4/ 67، وتفسير القرطبي: 15/ 222.
(5) بتخفيف السين قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن
عامر، وأبي بكر عن عاصم، وتشديد السين قراءة حمزة، والكسائي،
وحفص عن عاصم.
السبعة لابن مجاهد: 555، والتبصرة لمكي: 312، والتيسير للداني:
188.
(6) ينظر المفردات للراغب: 361، والكشاف: 3/ 379، واللسان: 10/
288 (غسق) .
(7) التبيان للعكبري: 2/ 1105، والبحر المحيط: 7/ 406.
(2/716)
أَتَّخَذْنَاهُمْ
سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ
ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا
أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ
الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ
عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ
مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ
(70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ
بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ
مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ
الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ
اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا
إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ
بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ
وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا
فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى
يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ
يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ
لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ
الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
الأول: الشّياطين، والثاني: الإنس «1» ، أو
الأول الرؤساء، والثاني الأتباع «2» .
لا مَرْحَباً بِهِمْ: لا اتسعت أماكنهم.
63 أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا: من الاستفهام الذي معناه
التوبيخ، أي: كانوا من السّقوط بحيث يسخر منهم.
61 عَذاباً ضِعْفاً: لكفرهم ولدعائهم إليه.
69 بِالْمَلَإِ الْأَعْلى: بالملائكة «3» اختصموا في آدم حين
قيل لهم «4» :
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
72 نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي: توليت خلقه من غير سبب
كالولادة التي تؤدي إليها، وكذا تفسير لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
كلّ ذلك لتحقيق الإضافة، وأنّه لم يكن بأمّ أو بسبب.
84 فَالْحَقُّ: [رفعه على أنه خبر المبتدأ، أي: قال: أنا الحق]
«5» نصبه على التفسير «6» ، فقدّمه، أي: لأملأنّ جهنّم حقّا/.
[84/ ب]
__________
(1) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 456 عن الحسن.
(2) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 180 عن قتادة، ونقله
البغوي في تفسيره:
4/ 67، والقرطبي في تفسيره: 15/ 223 عن ابن عباس رضي الله
عنهما.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: (23/ 183،
184) عن ابن عباس، وقتادة، والسدي.
وأخرجه عبد الرازق في تفسيره: (2/ 168، 169) عن الحسن.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 202، وزاد نسبته إلى محمد
بن نصر المروزي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي
الله عنهما.
كما عزا إخراجه إلى عبد بن حميد، ومحمد بن نصر المروزي عن
قتادة.
ينظر هذا القول- أيضا- في تفسير الماوردي: 3/ 458، وتفسير
البغوي: 4/ 69، وزاد المسير: 7/ 154، وتفسير القرطبي: 15/ 226.
[.....]
(4) سورة البقرة: آية: 30.
(5) ما بين معقوفين عن نسخة «ج» .
(6) على قراءة نافع، وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر،
والكسائي.
السبعة لابن مجاهد: 557، والتبصرة لمكي: 312، والتيسير للداني:
188.
وانظر توجيه هذه القراءة في تفسير الطبري: 23/ 187، وإعراب
القرآن للنحاس:
3/ 474، والكشف لمكي: 2/ 234، والبحر المحيط: 7/ 411.
(2/717)
أَلَا لِلَّهِ
الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى
اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا
هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ
كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ
وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ
هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ
وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ
الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ
الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ
ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ
وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ
دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ
نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ
قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا
وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
وَالْحَقَّ أَقُولُ: اعتراض أو قسم «1» ،
كقولك: عزمة «2» صادقة لآتينّك.
ومن سورة الزمر
1 لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ: ما لا رياء له «3» . وقيل «4» :
الطاعة بالعبادة المستحق بها الجزاء لأنه لا يملكه إلّا هو.
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي: لحجته، أو لثوابه.
6 فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ: ظلمة البطن والرحم والمشيمة «5» .
9 أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ: استفهام محذوف الجواب، أي: كمن هو غير
قانت «6» .
__________
(1) معاني القرآن للفراء: 2/ 412، والبيان لابن الأنباري: 2/
320، والتبيان للعكبري:
2/ 1107.
(2) أشار ناسخ الأصل إلى نسخة أخرى ورد فيها «عزيمتي» .
وانظر هذه العبارة في معاني الفراء: 2/ 412.
(3) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 460.
(4) تفسير الطبري: 23/ 191، وزاد المسير: 7/ 161.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 23/ 196 عن ابن عباس،
ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 382، والزجاج في
معانيه: 4/ 345، والماوردي في تفسيره: 3/ 461.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: (7/ 163، 164) ، وقال: «قاله
الجمهور» .
(6) معاني القرآن للفراء: 2/ 417، والبيان لابن الأنباري: 2/
322، والبحر المحيط:
7/ 419.
(2/718)
فَاعْبُدُوا مَا
شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ
ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ
فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ
يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى
فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ
اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ
حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ
فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ
الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ
يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ
فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
15 خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: بإهلاكها في
النّار، وَأَهْلِيهِمْ: بأن لا يجدوا في النّار أهلا مثل ما
يجد أهل الجنة «1» . أو أهليهم الذين كانوا أعدّوا لهم من
الحور «2» .
16 لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ: الأطباق
والسّرادقات.
وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ: الفرش والمهاد، وهي ظلل وإن كانت من
تحت لأنّها ظلّل من هو تحتهم «3» .
19 أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ: معنى الألف
هنا التوقيف «4» ، وألف أَفَأَنْتَ مؤكدة معادة لما طال
الكلام، ومعنى الكلام: إنّك لا تقدر على إنقاذ من أضلّه الله.
21 يَهِيجُ: ييبس «5» ، حُطاماً: فتاتا متكسرا «6» .
__________
(1) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 464 عن مجاهد، وابن زيد. وكذا
ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 169.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 464، وابن الجوزي في زاد
المسير: 7/ 169 عن الحسن، وقتادة، ونقله أبو حيان في البحر: 7/
420 عن الحسن رحمه الله.
(3) تفسير البغوي: 4/ 74، والمحرر الوجيز: (12/ 518، 519) ،
وزاد المسير: 7/ 169، وتفسير القرطبي: 15/ 343، والبحر المحيط:
7/ 420.
(4) عن معاني الزجاج: 4/ 349، ونص كلام الزجاج هناك: «هذا من
لطيف العربية، ومعناه معنى الشرط والجزاء وألف الاستفهام ها
هنا معناها معنى التوقيف، والألف الثانية في أَفَأَنْتَ
تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ جاءت مؤكدة معادة لمّا طال الكلام،
لأنه لا يصلح في العربية أن تأتي بألف الاستفهام في الاسم وألف
أخرى في الخبر. والمعنى: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت
تنقذه؟ ومثله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ
تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [المؤمنون: 35] ،
أعاد أَنَّكُمْ ثانية، والمعنى: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم
ترابا وعظاما مخرجون ... » .
وانظر تفسير الطبري: 23/ 208، والمحرر الوجيز: 12/ 521.
(5) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 383، وتفسير الطبري: 23/
208، واللسان: 2/ 395 (هيج) . [.....]
(6) معاني القرآن للزجاج: 4/ 351، والمفردات للراغب: 123.
(2/719)
أَفَمَنْ شَرَحَ
اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ
رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ
اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ
تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ
يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ
الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ
أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا
لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا
فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ
هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ
إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ
(32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ
رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ
بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ
مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ
كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ
مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا
عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ
مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ
ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ
بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ
الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (42)
22 فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ
ذِكْرِ اللَّهِ: أي: للقاسية من ترك ذكر الله.
23 كِتاباً مُتَشابِهاً: يشبه بعضه بعضا، مَثانِيَ: ثنّي فيها
أقاصيص الأنبياء، وذكر الجنّة والنّار «1» . أو يثنّى فيها
الحكم بتصريفها في ضروب البيان، أو يثنّى في القراءة فلا تملّ
«2» .
28 غَيْرَ ذِي عِوَجٍ: غير معدول به عن جهة الصّواب.
29 مُتَشاكِسُونَ: متعاسرون «3» ، خلق شكس.
ورجلا سالما «4» : خالصا ليس لأحد فيه شركة، ليطابق قوله:
رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ، وسَلَماً «5» : مصدر سلم سلما: خلص
خلوصا.
42 وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها: أي: يقبضها عن الحسّ
والإدراك مع بقاء الروح.
قال عليّ «6» رضي الله عنه: «الرؤيا من النّفس في السّماء،
والأضغاث
__________
(1) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 383، ونقله الماوردي
في تفسيره: 3/ 467 عن ابن زيد.
(2) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 467 عن ابن عيسى، وذكره
الزمخشري في الكشاف:
3/ 395، والقرطبي في تفسيره: 15/ 249.
(3) هذا قول المبرد، وهو من: شكس يشكس فهو شكس، مثل: عسر يعسر
عسرا فهو عسر.
(إعراب القرآن للنحاس: 4/ 10) .
وانظر تفسير المشكل لمكي: 303، واللسان: 6/ 112 (شكس) .
(4) بالألف وكسر اللام، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو كما في
السبعة لابن مجاهد: 562، والتبصرة لمكي: 314، والتيسير للداني:
189.
(5) قراءة نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر.
وانظر توجيه القراءتين في معاني القرآن للزجاج: 4/ 352، وإعراب
القرآن للنحاس:
4/ 10، والكشف لمكي: 2/ 338.
قال الزمخشري في الكشاف: 3/ 397: «وقرئ سَلَماً بفتح الفاء
والعين، وفتح الفاء وكسرها مع سكون العين، وهي مصادر «سلم» ،
والمعنى: ذا سلامة لرجل، أي:
ذا خلوص له من الشركاء، من قولهم: سلمت له الضيعة» .
(6) أورده الماوردي في تفسيره: 3/ 471 مع اختلاف في بعض
ألفاظه.
(2/720)
وَإِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ
دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا
كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ
لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ
(47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ
الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ
نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ
هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ
سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ
سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ
بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى
رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ
مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ
(55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ
فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
منها قبل الاستقرار في الجسد يلقيها
الشّياطين» .
وقال ابن عبّاس «1» رضي الله عنهما: «لكلّ جسد نفس وروح،
فالأنفس تقبض في المنام دون الأرواح» .
45 اشْمَأَزَّتْ: انقبضت «2» .
49 إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ: أي: سأصيبه «3» ، أو بعلم
علّمنيه الله «4» .
أو على علم يرضاه عني «5» .
56 أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ: لئلا تقول «6» ، أو كراهة أن تقول/
«7» . [85/ أ] يا حَسْرَتى: الألف بدل ياء الإضافة لمدّ الصّوت
بها في الاستغاثة «8» .
فِي جَنْبِ اللَّهِ: في طاعته «9» ، أو أمره «10» .
يقال: صغر في جنب ذلك، أي: أمره وجهته لأنّه إذا ذكر بهذا
الذكر دلّ على اختصاصه به من وجه قريب من معنى صفته.
__________
(1) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 470، وأورده السيوطي في الدر
المنثور: 7/ 230، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس
رضي الله عنهما.
(2) تفسير الطبري: 24/ 10، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 15،
وتفسير القرطبي: 15/ 264.
(3) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 471، وقال: «حكاه
النقاش» .
(4) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 471 عن الحسن، وكذا القرطبي
في تفسيره: 15/ 266.
(5) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 471 عن ابن عيسى.
(6) ذكره الطبري في تفسيره: 24/ 18، ونقله النحاس في إعراب
القرآن: 4/ 17 عن الكوفيين.
(7) قال الزجاج في معانيه: 4/ 359: «المعنى: اتبعوا أحسن ما
أنزل خوفا أن تصيروا إلى حال يقال فيها هذا القول، وهي حال
الندامة ... » . [.....]
(8) ينظر تفسير الطبري: 24/ 18، وتفسير القرطبي: 15/ 270،
والبحر المحيط: 7/ 435.
(9) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: 4/ 85 عن الحسن رحمه
الله، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 192، والقرطبي في
تفسيره: 15/ 271.
(10) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 24/ 19 عن مجاهد،
والسدي.
(2/721)
وَيُنَجِّي اللَّهُ
الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ
اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ
قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ
رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا
فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ
يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ
رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا
بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى
الْكَافِرِينَ (71)
السَّاخِرِينَ: المستهزئين.
61 بِمَفازَتِهِمْ: ما فازوا به من الإرادة «1» .
67 وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ: في حكمه وتحت أمره «2» .
68 فَصَعِقَ: مات «3» ، أو غشي عليهم «4» .
إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ: من الملائكة «5» .
ثُمَّ نُفِخَ: يقال: بين النّفختين أربعون سنة «6» .
71 زُمَراً: أمما.
__________
(1) تفسير الماوردي: 3/ 473.
(2) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 7/ 104: «وقد وردت أحاديث
كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة، والطريق فيها وفي أمثالها
مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف» .
(3) ذكره الطبري في تفسيره: 24/ 30، والزجاج في معانيه: 4/
362، والماوردي في تفسيره: 3/ 474، وقال: «وهو قول الجمهور» .
ينظر أيضا تفسير البغوي: 4/ 87.
(4) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 474، وقال: «حكاه ابن عيسى» .
(5) راجع الاختلاف في المستثنين في هذه الآية عند تفسير قوله
تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي
السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ
[النمل: 87] .
ورجح الطبري في تفسيره: 24/ 30 القول الذي أورده المؤلف رحمه
الله.
(6) ورد هذا القول في أثر طويل أخرجه ابن أبي داود في كتاب
البعث: 80 عن أبي هريرة مرفوعا، وأخرجه ابن مردويه كما في فتح
الباري: 8/ 552، والدر المنثور: 7/ 252 عن أبي هريرة رضي الله
عنه مرفوعا.
قال الحافظ ابن حجر: «وهو شاذ» .
وأخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوما، قال:
أبيت. قال: أربعون سنة، قال: أبيت، قال: أربعون شهرا، قال:
أبيت ... » .
ينظر صحيح البخاري: 6/ 34، كتاب التفسير، باب قوله: وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ.
وصحيح مسلم: 4/ 2270، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب «ما بين
النفختين» .
(2/722)
وَسِيقَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا
جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ
نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى
الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
73 وَفُتِحَتْ أَبْوابُها: واو الحال، أي: يجدونها عند المجيء
مفتّحة الأبواب، وأمّا النّار فمغلقة لا تفتح إلّا عند دخولهم
«1» .
71 حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ: ظهر حقّها بمجيء مصداقها.
74 وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ: أرض الجنّة «2» لأنّها صارت لهم
في آخر الأمر كما يصير الميراث «3» .
75 حَافِّينَ: محدقين مطيفين «4» . |