إيجاز البيان عن معاني القرآن

ومن سورة حم. عسق
3 كَذلِكَ يُوحِي: كالوحي المتقدم يوحي إليك.
5 يَتَفَطَّرْنَ: أي: تكاد القيامة تقوم والعذاب يحضر.
__________
(1) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (25/ 1، 2) عن السدي، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 265 عن مقاتل.
(2) هذا معنى قول الفراء في معانيه: 3/ 20، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 390، وانظر زاد المسير: 7/ 265، وتفسير الفخر الرازي: 27/ 138.
(3) من قوله تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ [آية: 51] .
(4) ينظر تفسير الماوردي: 3/ 509، والمحرر الوجيز: 14/ 199.
(5) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 510 عن ابن جريج، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 267، وذكره القرطبي في تفسيره: 15/ 374 دون عزو.
(6) ينظر المصادر السابقة.
(7) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 509، والفخر الرازي في تفسيره: 27/ 129 دون عزو.
ونقله البغوي في تفسيره: 4/ 119، وابن عطية في المحرر الوجيز: 14/ 199 عن عطاء، وابن زيد.
(8) نقله الماوردي في تفسيره: 3/ 509 عن السدي، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير:
7/ 267 إلى السدي، ومجاهد، والحسن.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 118، وتفسير الفخر الرازي: 27/ 139.

(2/732)


فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)

11 لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: لا مثل له ولا ما يقاربه في المماثلة، تقول: هو كزيد إذا أردت التشبيه المقارب «1» ، وإذا أردت أبعد منه قلت: هو كأنه زيد، والكاف أبلغ في نفي التشبيه «2» ، أي: لو قدّر له مثل في الوهم لم يكن لذلك المثل شبيه فكيف يكون لمن لا مثل له شبيه وشريك «3» ؟.
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ: يخلقكم «4» ، أو يكثّركم «5» ، أي: على هذا الخلق المشتمل عليكم وعلى أنعامكم.
12 لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ: مفاتيحها بالمطر، وَالْأَرْضِ بالثمار والنّبات «6» .
15 لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ: لا حجاج بعد الذي أوضحناه من البينات، وتصديتم لها بالعناد.
وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ: أي: في التبليغ والإعلام «7» .
16 مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ: لظهور حجته بالمعجزات «8» .
19 لَطِيفٌ بِعِبادِهِ: في إيصال المنافع وصرف الآفات من وجه يلطف إدراكه.
__________
(1) في «ج» : المتقارب.
(2) كذا في «ك» ووضح البرهان للمؤلف، وعزا هذا القول هناك إلى القاضي كثير بن سهل، ولعل العبارة نفي الشبيه، وقد يكون المراد نفي التشبيه، لأن نفيه أبلغ من نفي المشابهة.
(3) راجع ما سبق في تفسير الفخر الرازي: (27/ 152، 153) .
(4) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: 2/ 199، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 391، ومكي في تفسير المشكل: 307. [.....]
(5) اختاره الزجاج في معانيه: 4/ 395، والفخر الرازي في تفسيره: 27/ 149، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 276 إلى الفراء، والزجاج.
(6) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: 4/ 122 عن الكلبي.
وذكره الفخر الرازي في تفسيره: 27/ 154، والقرطبي في تفسيره: 15/ 274.
(7) ينظر تفسير الماوردي: 3/ 516، والمحرر الوجيز: 4/ 211، وتفسير القرطبي: 16/ 13.
(8) ذكره الماوردي في تفسيره: 3/ 517.

(2/733)


مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)

20 وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها: أي: كما نؤتي غيره، لا أنّه يؤتى كل ما يسأل وفي الحديث «1» : «اخرجوا إلى معايشكم وخرائثكم» .
23 إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى: إلّا أن توددوني لقرابتي منكم «2» ، أو إلّا أن تودّدوا قرابتي «3» ، أو إلّا التّودّد على التقرّب إلى الله بالعمل الصالح «4» .
24 يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ: ينسك القرآن «5» .
__________
(1) أخرجه الخطابي في غريب الحديث: 1/ 554 عن معتمر بن سليمان عن أبيه، وهو من قول المشركين في غزوة بدر عند ما بلغهم خروج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر يرصدون العير، وفي إسناد الخطابي يعقوب بن زهير، لم أجد له ترجمة، وبقية رجاله ثقات.
والحديث أيضا في الفائق: 1/ 274، وغريب الحديث لابن الجوزي: 1/ 200.
قال الخطابي رحمه الله: «الحرائث: أنضاء الإبل، واحدتها حريثة، وأصله في الخيل إذا هزلت ... » .
(2) يدل على هذا القول الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 6/ 37، كتاب التفسير، باب قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم. فقال ابن عباس:
عجلت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلّا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. اه.
وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 23 عن ابن عباس، وعكرمة، وأبي مالك.
وهو قول الأكثرين كما في زاد المسير: 7/ 284، ورجحه- أيضا- ابن كثير في تفسيره:
(7/ 187، 188) .
(3) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 25 عن علي بن الحسين، وسعيد بن جبير، وعمرو بن شعيب.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 518 عن علي بن الحسين، وعمرو بن شعيب، والسدي.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 348، وعزا إخراجه إلى سعيد بن منصور عن سعيد ابن جبير.
(4) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (25/ 25، 26) عن الحسن رحمه الله تعالى.
ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 518، وابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 285 عن الحسن، وقتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 350، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن الحسن رحمه الله.
(5) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 27 عن قتادة.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 350، وزاد نسبته إلى عبد الرازق، وعبد بن حميد عن قتادة.
وانظر تفسير الماوردي: 3/ 518، وتفسير البغوي: 4/ 126، وتفسير القرطبي: 16/ 25.

(2/734)


وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)

26 وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا: أي: دعاء ربهم، أو في دعاء بعضهم لبعض.
و «السين» في مثله لتوكيد الفعل، كقولك: ثبت واستثبت، وتعظم واستعظم.
31 وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ: الكلمة التي سبقت في تأخير عذابهم.
35 وَيَعْلَمَ: نصبه على الصرف «1» من الجزم عطفا على قوله: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ.
38 وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ: لا يستأثر بعضهم على بعض/ ولا ينفرد [87/ أ] برأي. ومثله: أمرهم فوضى. والشّور: العرض «2» .
48 كَفُورٌ: يعدّد المصائب ويجحد النعم «3» .
51 وَحْياً: إلهاما «4» .
أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ: بكلام بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب.
52 رُوحاً مِنْ أَمْرِنا: القرآن «5» .
__________
(1) يعني أن يَعْلَمَ منصوب، وصرف عن الجزم مع أنه معطوف على الفعل وَيَعْفُ، وهو مجزوم، وعلامة الجزم حذف حرف العلة وهو الواو والضمة قبلها دليل عليها، وقد ورد هذا التوجيه على قراءة النصب، وهي لعاصم، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبي عمرو.
ينظر السبعة لابن مجاهد: 581، والكشف لمكي: 2/ 252، والبيان لابن الأنباري: 2/ 349.
(2) ينظر اللسان: 4/ 435، وتاج العروس: 12/ 253 (شور) .
(3) نص هذا القول في تفسير الطبري: 25/ 44.
(4) ذكره الطبري في تفسيره: 25/ 45، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 525 عن مجاهد، وكذا القرطبي في تفسيره: 16/ 53.
(5) ذكر الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 46، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 298 عن ابن عباس رضي الله عنهما. [.....]

(2/735)


وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)

سورة الزخرف
4 أُمِّ الْكِتابِ: اللّوح المحفوظ «1» .
لَعَلِيٌّ: في أعلى طبقات البلاغة، حَكِيمٌ: ناطق بالحكمة.
5 أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً: نعرض ولا نوجب الحجة.
أَنْ كُنْتُمْ: لأن كنتم.
13 لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ: على التذكير لأنّ الأنعام كالنّعم اسم جنس «2» .
مُقْرِنِينَ: مطيقين «3» .
15 جُزْءاً: نصيبا «4» .
26 بَراءٌ: مصدر لا يثنّى ولا يجمع «5» ، و «براء» »
جمع «برىء» .
__________
(1) ذكره الزجاج في معانيه: 4/ 405، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 527 عن مجاهد.
وانظر تفسير البغوي: 4/ 133، وزاد المسير: 7/ 302، وتفسير القرطبي: 16/ 62.
(2) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 28.
وأورده النحاس في إعراب القرآن: 4/ 101، ثم قال: «وأولى من هذا أن يكون يعود على لفظ «ما» لأن لفظها مذكر موحد، وكذا ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ جاء على التذكير» اه-.
وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 202، ومعاني القرآن للأخفش: 2/ 688، وتفسير القرطبي: 16/ 65.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 202، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 395، ومعاني الزجاج: 4/ 406، وتفسير الطبري: 25/ 54.
(4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 202، وتفسير غريب القرآن: 396، وتفسير الطبري:
25/ 55، والمفردات للراغب: 93.
(5) مجاز القرآن: 2/ 203، وتفسير الطبري: 25/ 62، ومعاني الزجاج: 4/ 409، والبحر المحيط: 18/ 11.
(6) بضم الباء، قرأ بها جماعة منهم الزعفراني، وأبو جعفر، وابن المناذري عن نافع.
(البحر المحيط: 8/ 11) ، وانظر هذه القراءة في الكشاف: 3/ 484، والمحرر الوجيز:
14/ 251.

(2/736)


بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)

29 بَلْ مَتَّعْتُ: بلغ الإمتاع غايته فلم يبق إلّا الإيمان أو العذاب.
32 نَحْنُ قَسَمْنا: أي: «فرحمة ربّك» : [وهي] «1» النّبوّة أولى باختيار موضعها «2» .
31 عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ: من إحداهما: مكة والطائف، وهما الوليد بن المغيرة من مكة، وحبيب بن عمرو الثقفي من الطائف «3» .
والسّقف «4» : جمع «سقيفة» كل خشب عريض، أو جمع «سقف» ك «رهن» و «رهن» «5» .
والمعنى: أنّ في إغناء البعض وإحواج البعض مصلحة العالم، وإلّا لبسط على الكافر الرزق، وفيه توهين أمر الدنيا أيضا.
__________
(1) في الأصل و «ج» : وهو، والمثبت في النص عن «ك» وعن وضح البرهان للمؤلف، وذكر القرطبي في تفسيره: 16/ 84 هذا القول في المراد ب «الرحمة» دون عزو.
(2) في «ك» : مواضعها.
(3) ورد هذا القول في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 25/ 65 عن ابن عباس من طريق محمد بن سعد عن أبيه عن جده ... ، وهو إسناد مسلسل بالضعفاء.
تقدم بيان ذلك ص (135) .
وقد عقب الطبري- رحمه الله- على هذا القول وغيره من الأقوال في المراد ب «الرجل» فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جل ثناؤه، مخبرا عن هؤلاء المشركين: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء، ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عنوا منهم في كتابه، ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والاختلاف فيه موجود على ما بينت» اه.
(4) من قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ [آية: 33] .
(5) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 32، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 203، وتفسير الطبري:
25/ 69، ومعاني الزجاج: 4/ 410.

(2/737)


وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)

36 وَمَنْ يَعْشُ: العشو: السّير في الظّلمة «1» .
نُقَيِّضْ لَهُ: نعوّضه عن إغفاله الذكر بتخلية الشّيطان وإغوائه.
38 الْمَشْرِقَيْنِ: المشرق والمغرب، كقولهم: العمران والقمران.
39 وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ: معناه: منع روح التآسي «2» .
49 يا أَيُّهَا السَّاحِرُ: خاطبوه بما تقدّم له عندهم من التسمية «3» .
بِما عَهِدَ عِنْدَكَ: فيمن آمن «4» به من كشف العذاب عنه «5» .
51، 52 أَفَلا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ: أي: أم أنتم بصراء لأنهم لو قالوا: أنت خير، كان كقولهم: نحن بصراء ليصحّ معنى المعادلة في أَمْ، والتقدير في المعادلة: على أي الحالين أنتم؟ أعلى حال البصر أم على خلافه «6» ؟.
مَهِينٌ: يمتهن نفسه في عمله، ليس له من يكفيه.
55 آسَفُونا:
__________
(1) نص هذا القول في تفسير الماوردي: 3/ 534، وقال: «مأخوذ من «العشو» ، وهو البصر الضعيف، ومنه قول الشاعر:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... إذا الريح هبت والمكان جديب
وانظر اللسان: 15/ 57 (عشا) .
(2) ذكره الزجاج في معانيه: (4/ 412، 413) عن المبرد، وقال: «لأن التأسي يسهل المصيبة، فاعلموا أن لن ينفعهم الاشتراك في العذاب وأن الله- عز وجل- لا يجعل فيهم أسوة ... » .
(3) هذا قول الزجاج في معانيه: 4/ 414، ونص كلامه: «إن قال قائل: كيف يقولون لموسى- عليه السلام- يا أيها الساحر وهم يزعمون أنهم مهتدون؟ فالجواب أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالسحر» . [.....]
(4) في «ج» : بربك.
(5) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج: 4/ 414، وأخرجه الطبري في تفسيره: 25/ 80 عن مجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 537 عن الضحاك.
(6) عن معاني القرآن للزجاج: 4/ 415.

(2/738)


وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)

أغضبونا «1» .
57 وَلَمَّا/ ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا: آية في القدرة على كلّ شيء بخلق [87/ ب] إنسان من غير أب.
يَصِدُّونَ: يضجّون «2» ، ومنه مُكاءً وَتَصْدِيَةً «3» .
والجدل والخصومة «4» قولهم: رضينا أن تكون آلهتنا مع المسيح لما نزل إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ «5» .
61 وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ: نزول عيسى «6» عليه السلام، أو القرآن «7» ، ففيه أنّ السّاعة كائنة قريبة.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 35، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 399، وتفسير الطبري: 25/ 84، والمفردات للراغب: 17.
(2) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 205، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 400، وتفسير الطبري: 25/ 86.
(3) سورة الأنفال: آية: 35.
(4) من قوله تعالى: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [آية: 58] .
(5) سورة الأنبياء: آية: 98.
وانظر أسباب النزول للواحدي: 435، وتفسير الماوردي: 3/ 539.
(6) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: (25/ 90، 91) عن ابن عباس، ومجاهد، والسدي، والضحاك، وابن زيد.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 386، وزاد نسبته إلى الفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ورجح الحافظ ابن كثير هذا القول في تفسيره: 7/ 222، فقال: «بل الصحيح أنه عائد على عيسى، فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، كما قال تبارك وتعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ... » .
(7) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 91 عن الحسن، ونقله الماوردي في تفسيره:
3/ 541 عن الحسن، وسعيد بن جبير.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 387، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وعبد الرزاق عن قتادة.

(2/739)


فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)

65 فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ: اليهود والنّصارى «1» ، مِنْ بَيْنِهِمْ: من تلقاء أنفسهم.
67 بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ: أي: المتحابون في الدنيا على المعاصي.
81 أَوَّلُ الْعابِدِينَ: من عبد: أنف «2» ، ولكنه عبد يعبد فهو عبد، فالمعنى: فأنا أول العابدين على أنه واحد ليس له ولد. أو معنى الْعابِدِينَ: الموحدين، إذ كل من يعبده يوحّده «3» .
86 إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ: أي: لا تشفع الملائكة إلّا من شهد بالحق وهو يعلم الحق «4» .
88 وَقِيلِهِ: أي: إلّا من شهد بالحقّ، وقال: «قيله» «5» ، نصبه على المصدر، وجرّه «6» على معنى عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وعلم قِيلِهِ.
__________
(1) تفسير الطبري: 25/ 93، وتفسير الماوردي: 3/ 542.
(2) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 401، وقال: «ويقال: عبدت من كذا أعبد عبدا، فأنا عبد وعابد. قال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
أي: آنف. اه-.
وأورد الطبري هذا القول في تفسيره: 25/ 102، والزجاج في معانيه: 4/ 420، ونقله الماوردي في تفسيره: 3/ 545 عن الكسائي، وابن قتيبة.
(3) ينظر ما سبق في معاني القرآن للزجاج: 4/ 420.
(4) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: 3/ 546 عن الحسن، وذكره القرطبي في تفسيره:
16/ 122. [.....]
(5) ورد هذا التوجيه لقراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبي عمرو بنصب اللام في (قيله) .
ينظر إعراب القرآن للنحاس: 4/ 123، والكشف لمكي: 2/ 263، وتفسير الماوردي:
3/ 547، وزاد المسير: 7/ 434، والبحر المحيط: 8/ 30.
(6) وهي قراءة عاصم، وحمزة كما في السبعة لابن مجاهد: 589، والتبصرة لمكي: 325، والتيسير للداني: 197.
وانظر هذا المعنى في تفسير الطبري: 25/ 106، ومعاني القرآن للزجاج: 4/ 421، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 123، وتفسير القرطبي: 16/ 123.

(2/740)