إيجاز البيان عن
معاني القرآن قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ
الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي
بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا
حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا
بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ
آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ
لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي
مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ
كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا
أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا
مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا
سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ
فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ
كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ
لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى
لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ
وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ
وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ
أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي
فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (15)
سورة الأحقاف
4 أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: علم تأثرونه من غيركم «1» .
9 بِدْعاً: أي: لست بأول رسول.
10 وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ: عبد الله بن سلام
«2» .
11 وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: أسلمت جهينة
ومزينة وأسلم وغفار، فقالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع: هم
رعاة البهم ونحن أعز منهم «3» .
15 ووصينا الإنسان بوالديه حسنا «4» : ليأتي فيهما حسنا لأنّ
وَصَّيْنَا استوفى مفعوليه فلا يبقى له عمل «5» .
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً: ثقل الحمل وأمراضه وأعراضه.
__________
(1) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 50، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 407، ومعاني الزجاج: 4/ 438.
(2) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 7/ 262: «وهذا الشّاهد اسم
جنس يعم عبد الله بن سلام وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل
إسلام عبد الله بن سلام ... » .
وقد ثبت ذكر عبد الله بن سلام رضي الله عنه في سياق هذه الآية
في أثر أخرجه الإمام البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله
تعالى عنه قال: «ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد
يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام. قال:
وفيه نزلت هذه الآية: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ
الآية.
صحيح البخاري: 4/ 229، كتاب مناقب الأنصار، باب «مناقب عبد
الله بن سلام رضي الله عنه» .
(3) ذكره الفراء في معانيه: 3/ 51، والزجاج في معاني القرآن:
4/ 440.
ونقله الماوردي في تفسيره: 4/ 29 عن الكلبي، وكذا البغوي في
تفسيره: 4/ 166.
وانظر هذا القول في تفسير القرطبي: 16/ 190، والبحر المحيط: 8/
59.
(4) هذه قراءة نافع، وأبي عمرو، وابن عامر، وقرأ عاصم، وحمزة،
والكسائي: (إِحْساناً) .
السبعة لابن مجاهد: 596، والتبصرة لمكي: 328، والتيسير للداني:
199.
(5) البحر المحيط: 8/ 60.
(2/744)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ
الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ
طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ
بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ
تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ
أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ
عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ
آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ
وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ
قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا
مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ
مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا
عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ
رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ
كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ
مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى
عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ
مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
20 أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ: إذهابها في
الدنيا، من الذهاب بالشّيء على معنى الفوز به.
21 بِالْأَحْقافِ: الحقف نقاء «1» من الرمل يعوج ويدق «2» ،
وكانت منازل عاد برمال مشرفة على البحر بالشّحر «3» من اليمن.
24 عارِضٌ: سحاب في عرض السّماء، أي: ناحيتها «4» .
26 فِيما إِنْ [مَكَّنَّاكُمْ] «5» فِيهِ: أي: في الذي ما
مكناكم فيه لئلا يتكرر «ما» «6» .
__________
(1) النقاء: الكثيب من الرمل.
اللسان: 15/ 339 (نقا) .
(2) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 54، وتفسير غريب القرآن لابن
قتيبة: 407، ومعاني الزجاج: 4/ 444، والمفردات للراغب: 176،
واللسان: 9/ 52 (حقف) . [.....]
(3) الشّحر: بكسر أوله، وسكون ثانيه: موضع قريب من عدن على
ساحل بحر الهند.
ونقل ياقوت عن الأصمعي: هو بين عدن وعمان.
ينظر معجم ما استعجم: 3/ 783، ومعجم البلدان: 3/ 327، والروض
المعطار: 338.
وفي تحديد موضع «الأحقاف» خلاف، والذي ذكره المؤلف- رحمه الله-
قول ابن زيد كما في تفسير الطبري: 26/ 23، وزاد المسير: 7/
384، وتفسير القرطبي: (16/ 203، 204) وقيل غير ذلك، وعقب
الطبري رحمه الله على ذلك بقوله: «وأولى الأقوال في ذلك
بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادا أنذرهم
أخوهم هود «بالأحقاف» ، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة
المشرفة ... وجائز أن يكون ذلك جبلا بالشام.
وجائز أن يكون واديا بين عمان وحضرموت.
وجائز أن يكون الشحر، وليس في العلم به أداء فرض، ولا في الجهل
به تضييع واجب، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما
منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة» اه-
. (4) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2/ 213، وتفسير غريب
القرآن لابن قتيبة: 207، وتفسير الطبري: 26/ 25، والمفردات
للراغب: 330.
(5) في الأصل: «مكناهم» .
(6) هذا معنى قول المبرد، وهو إن «ما» بمعنى الذي، و «أن»
بمعنى ما.
وهو أيضا قول الزجاج في معانيه: 4/ 446.
وانظر معاني القرآن للفراء: 3/ 56، وإعراب القرآن للنحاس: 4/
170، وتفسير البغوي:
4/ 171، وتفسير القرطبي: 16/ 208.
(2/745)
فَاصْبِرْ كَمَا
صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ
لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ
يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ
يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
35 أُولُوا الْعَزْمِ: نوح وإبراهيم وموسى
وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.
ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم
1 أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ: أبطلها «1» ، وهي نحو صدقاتهم، وصلة
أرحامهم.
وَأَصْلَحَ بالَهُمْ: [أمرهم] «2» وحالهم في الدين.
4 فَضَرْبَ الرِّقابِ: نصب على الأمر، أي: فاضربوها ضربا «3» .
وفي الحديث «4» : «لم أبعث لأعذّب/ بعذاب الله، إنّما بعثت
بضرب الرقاب وشدّ الوثاق» .
أَثْخَنْتُمُوهُمْ: أكثرتم فيهم القتل «5» ، فَشُدُّوا
الْوَثاقَ: عند الأسر.
تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها: أهل الحرب آثامها، فلا يبقى إلّا
مسلم أو
__________
(1) ينظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: 409، وتفسير الماوردي:
4/ 42، وتفسير البغوي:
4/ 177.
(2) ما بين معقوفين عن «ك» و «ج» .
(3) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 57. وانظر معاني القرآن
للزجاج: 5/ 6، وإعراب القرآن للنحاس: 4/ 179.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 12/ 390، كتاب الجهاد، باب
«من نهى عن التحريق بالنار» عن القاسم بن عبد الرحمن ورفعه.
والحديث مرسل وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي
اختلط قبل موته.
ورواية وكيع عنه قبل اختلاطه، كما في الكواكب النيرات: 293.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: 7/ 459، وزاد نسبته إلى
الطبري عن القاسم عن عبد الرحمن مرفوعا.
(5) معاني القرآن للزجاج: 5/ 6، والكشاف: 3/ 531.
(2/746)
وَيُدْخِلُهُمُ
الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ
وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ
مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى
لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ
وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى
لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً
مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا
نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا
أَهْوَاءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ
وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ
مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ
وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا
مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا
قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا
جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ
وَمَثْوَاكُمْ (19)
مسالم «1» .
أو أَوْزارَها: أثقالها من الكراع والسّلاح «2» .
6 عَرَّفَها: طيّبها «3» ، أو إذا دخلوها عرف كلّ منزله فسبق
إليه «4» .
15 غَيْرِ آسِنٍ: أسن الماء يأسن وياسن وياسن أسنا وأسنا
وأسونا فهو آسن وأسن إذا تغير «5» ، ويجوز المعنى حالا، أي:
غير متغير، واستقبالا، أي: غير صائر إلى التغير وإن طال جمامه
بخلاف مياه الدنيا.
17 وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ: ثوابها «6» ، أو ألهموها «7» .
18 فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ: من أين لهم
الانتفاع بها في ذلك الوقت.
19 فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ: دم عليه
اعتقادا وقولا «8» .
__________
(1) هذا قول الفراء في معانيه: 3/ 57، وذكره الطبري في تفسيره:
26/ 42، والبغوي في تفسيره: 4/ 179، ونقله ابن الجوزي في زاد
المسير: 7/ 397 عن الفراء.
(2) هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: 409، ومكي في
تفسير المشكل: 316 ونقله ابن الجوزي في زاد المسير: 7/ 398 عن
ابن قتيبة.
و «الكراع» : السلاح، وقيل: هو اسم يجمع الخيل والسلاح.
ينظر اللسان: 8/ 307 (كرع) .
(3) ذكر ابن قتيبة هذا القول في تفسير غريب القرآن: 410،
والماوردي في تفسيره: 4/ 45، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير:
7/ 398، وقال: «رواه عطاء عن ابن عباس» .
وانظر هذا القول في تفسير البغوي: 4/ 179، وتفسير القرطبي: 16/
231.
(4) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه الطبري في تفسيره: 26/ 44 عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وذكره الماوردي في تفسيره: 4/
45، والقرطبي في تفسيره: 16/ 231.
(5) ينظر معاني القرآن للفراء: 3/ 60، ومجاز القرآن لأبي
عبيدة: 2/ 215، وتفسير الطبري:
26/ 49، ومعاني الزجاج: 5/ 9، والمفردات للراغب: 18. [.....]
(6) ذكر الفراء هذا القول في معاني القرآن: 3/ 61، ونقله
الماوردي في تفسيره: 4/ 48 عن السدي، وعزاه البغوي في تفسيره:
4/ 181 إلى سعيد بن جبير.
(7) ذكره الفراء في معاني القرآن: 3/ 61، والزجاج في معانيه:
5/ 11.
(8) معاني القرآن للزجاج: 5/ 12، وتفسير البغوي: 4/ 182،
وتفسير الفخر الرازي:
28/ 61.
(2/747)
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ
مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
(24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ
لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي
بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ
وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ
اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
(29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ
بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ
شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا
وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ
وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ
تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا
يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا
فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا
أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا
يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ
الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا
غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
21 طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ: أي: هذا قولهم في الأمر.
فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ: كرهوه «1» .
22 إِنْ تَوَلَّيْتُمْ: وليتم أمور النّاس أن تصيروا إلى أمركم
الأول في الفساد وقطيعة الرحم.
30 لَحْنِ الْقَوْلِ: فحواه وكنايته «2» .
35 يَتِرَكُمْ: يسلبكم، والوتر: السلب «3» .
يحفكم «4» : يجهدكم في المسألة «5» .
38 فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ: عن داعي نفسه لا عن
ربّه. |