باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة الفاتحة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
افتتاح القراءة باسم الله واجب لقوله تعالى اقرأ باسم ربك فإن
إعمال الباء يقتضي الحق على افتتاح القراءة بالتسمية
والاستنجاح بها على سائر الأمور سنة لقوله عليه السلام كل أمر
ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر
(1/4)
والله اسمه جل وعز وحده وليس بمشتق عن شيء
ومعناه الذي تحق له العبادة وليس معناه المعبود ولا المستحق
للعبادة لأن من يعبده أو تستحق عليه عبادته إنما خلق بعد أن لم
يكن وهو عز اسمه إله فيما لم يزل الرحمن الرحيم اسمان من
الرحمة والرحمة هي النعمة على المحتاج وتمام النعمة أن يكون
المنعم بها مستغنياً عن فعلها والمنعم عليه محتاجا إليه وذلك
المنعم هو الله فحق له العبادة ووجب له الحمد والنعمة قد تبلغ
مبلغا لا يقدر أحد من الخلق على شيء منه مثل نعمة الحياة
والعقل والحواس وقد يكون يما يتيسر للعباد المعاونة على أسباب
منها مثل تعليم العلم وتهذيب الخلق والمواساة بالجاه والمال
فذلك اختص أحد الاسمين الجاري بناؤه على المبالغة بالله وهو
الرحمن لا يشارك ويشترك الثاني بين جميع المنعمين والرب المالك
المدبر والربانيون العلماء الذين يربون العلم
(1/5)
ويجوز أن يكون معنى الرب الحافظ يقال
للخرقة التي تحفظ فيها القداح ربابة وربة قال الهذلي
1 - وما الراح راح الشام جاءت سبيئة ... لها غاية تهدى الكرام
عقابها
2 - توصل بالركبان حينا وتؤلف الـ ... جوار ويغشيها الأمان
ربابها
ولا يجوز أن يكون معنى الرب السيد حقيقة لأن السيد لا يستعمل
بالإضافة إلى الحي المختار والرب يستعمل عاما في الجميع
والعالم اسم للعدد الكثير ممن يعقل وعن ابن عباس رضي الله
عنهما أنه اسم كل ذي روح
(1/6)
وعن الحسن رحمه الله ان العالم بما يحويه
الفلك والأول أولى لأنه جم جمع العقلاء ولأنه لا يقال رأيت
عالما من الإبل ولأن الأصل في اللغة الظهور من ذلك العالم
فالعلم رأس الجبل والعلم اللواء والأعلم المشقوق الشفة العليا
لأن ذلك ظاهر بين والظهور انما يكون للجمع الكثير وعلى الخصوص
فيمن يعقل فانهم في الخليقة كالرؤوس والأعلام وإنهم مستدلون
كما أنهم أدلة إلا أن يقال إن جميع المخلوقات يدخل في العالم
على التبع لما يعقل فيكون حسنا لأنه أعم معنى والمالك القادر
على التصرف ملكا والملك القادر عليه أمرا وتدبيرا فالأول أخص
ظهورا إلا أنه أشد نفوذا واختيار قراءة الملك أو المالك أحدهما
على الآخر لا يستقيم مع العلم بأنهما منزلان وأن في كل واحد
منهما فائدة على حدة
(1/7)
والدين فسر بالجزاء والقضاء والحساب
والطاعة والأصل الجزاء لأن الحساب للجزاء وكذلك القضاء
المجازاة والطاعة القضاء يقتضي المجازاة عليها فتكون تسمية
السبب باسم المسبب وتخصيص الملك بيوم الدين للرفع منه الإشادة
به كقوله رب العرش ولأنه تعالى يملك في الدنيا بعض العباد
ممالك كالعواري المستردة وأما الآخرة فالأمر فيها لله واحدة
والصحيح في إياك مذهب الأخفش أنه اسم موضوع مضمر معرف غير مضاف
والكاف فيه حرف خطاب ولا موضع لع من الإعراب بمنزلة الكاف في
ذلك ولهذا لم يكن مشقا لأن الأسماء المضمرة لا اشتقاق في شيء
منها إلا ما حكى عن الزجاج أنه كان يشتقه من الآية أي العلامة
وأن إياك نعبد حقيقتك
(1/8)
نعبد فقيل له كيف يكون الاسم المضمر
مشتقاً؟ فقال هو مظهر خص به المضمر وإنما كرر إياك لأنه بمعنى
الكاف في نعبدك ونسستعينك ولأنه تعليم أن يجدد لكل دعوة عزيمة
وتوجها ولا نجمعهما في ربقة ولا نعرضهما في صفقة وإنما لم يقل
نعبدك ونستعينك وهو أوجز لأن نستعين على نظم أي السورة ولهذا
قدمت العبادة على الاستعانة كما قدم الرحمن وهو أبلغ مع ما في
تقديم ضمير المعبود على ذكر العابد من مراعاة التعظيم وإحسان
الترتيب وإنما كان إياك نعبد بلفظ الخطاب والحمد لله في أول
السورة بالغيبة لأنك تحمد نظيرك ولا تعبده فاستعمل لفظ الحمد
لتوسطه مع الغيبة والعبادة التي هي الأمر الأقصى جرت بالخطاب
تقربا منه تعالى بالانتهاء إلى محدودة منها وعلى هذا جاء آخر
السورة
(1/9)
صراط الذين أنعمت عليهم باسناد النعمة إليه
لفظا وصرف لفظ الغضب إلى المغضوب عليهم تحسناً وتلطفاً وإنما
سئلت الهداية وهي حاصلة للتثبيت عليها في المستقبل من العمر
وقيل إنه سؤال الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة فكأنه استنجاز
لما وعدنا في قولة يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام أي
سبل دار السلام وقيل إنه لما كانت بإزاء كل دلالة شبهة حسن من
المهتدي سؤال الهداية التي تزاح بها عن القلب الشبهات
(1/10)
وعن على رضي الله عنه أن الصراط المستقيم
هنا كتاب الله فيكون سؤال الهداية لحفظة وتبين معانيه وعن
النبي عليه السلام أن الصراط المستقيم سنتي وسنة الخلفاء
الراشدين من بعدي فيحسن طلب الهداية إلى جميع مناهج السنة ممن
قد هدى بالإيمان وسأل عدي بن حاتم النبي عليه السلام عن
المغضوب عليهم فقال هم اليهود وعن الضالين
(1/11)
فقال هم النصارى والقرآن يدل عليه هو قوله
في اليهود وباءوا بغضب من الله وفي النصارى وضلوا عن سواء
السبيل فإن قيل إن غير أبداً نكرة فكيف وصف بها المعرفة؟ قلنا
غير المغضوب عليهم على مذهب الأخفش بدل من الذين وليس بوصف وفي
كلام أبي على إن غير هاهنا مع ما أضيف إليه معرفة وحكم كل مضاف
إلى معرفة أن يكون معرفة وإنما تنكرت في الأصل غير ومثل مع
(1/12)
إضافتها إلى المعارف - من أجل معناهما لأنك
إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء تراه سواه هو غيره وكذلك إذا قال
رأيت مثلك فما هو مثله من خلقه وخلقه وجاهه وعلمه لا يحصى
فإنما صارتا نكرتين من أجل المعنى فأما إذا كانت المعرفة له ضد
واحد وأردت إثباته ونفي ضده وعلم ذلك السامع فوصفته بغير وأضفت
غير إلى ضده فهو معرفة كقولك عليك بالحركة غير السكون فغير
السكون معرفة وهو الحركة فكأنك كررت الحركة تأكيدا فكذلك هذه
لأن كل من أنعم عليه بالإيمان فهو غير مغضوب عليه على العكس
فغير المغضوب هم الذين أنعم عليهم فهو مساو له في معرفته فغير
على هذا التقدير معرفة وهاهنا إشكال آخر معنوي في كيفية غضب
الله فينبغي أن تعلم أن الغضب من الله يخالف غضبنا فإنه منا
شهوة الانتقام عند غليان دم القلب وهو من الله إرادة المضار
بمن عصاه وهاهنا أصل تعرف به عامة الصفات المشكلة المعاني وهو
أن لا يذهب فيها إلى التوهم اللفظي بحسب المبدأ ولكنه بحسب
التمام
(1/13)
أوصاف الله تعالى تحمل على الأغراض
الانتهائية لا على الأغراض الابتدائية مثاله الرأفة والرحمة
فإنهما انعصار القلب لمكروه في الغير ثم طريانه علينا ببعث على
إغاثة المبتلى بذلك المكروه فوصفنا إيانا بالرحمة والرأفة
للمبدأ الذي هو انعصار القلب وأما في وصفه تعالى فللتمام الذي
هو إغاثة المبتلى وكذلك المحبة منا ميل الطباع وتمامها إرادة
الخير والإصلاح ووصف الله بها على معنى تمامها والغضب يعرض لنا
فينتقض الطبع على جهة الحمية ويتغير الوجه وتحمر العين وربما
يرتعد البدن ثم يدعو إلى جنس من العقوبة يضاد الرضي فيوصف الله
تعالى به على هذا المعنى الأخير الذي هو الغاية والمال وعلى
هذا يجري القول في الصفات والله أعلم
(1/14)
آمين معناه اللهم افعل اسم سمى به الفعل
مثل صه ومه ورويدا وإليك ودونك وأصله أمين فأشبعت الهمزة كأنه
فعيل من الأمن وليس به.
تمت سورة الفاتحة
(1/15)
|