باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة الأنعام
(بربهم يعدلون)
أي: يعدلون به الأصنام ويعبدونها عبادته، من قولك: هذا بذلك،
أي: جعلتُه
عدلاً له ومثلاً،
(ثم قضى أجلاً)
الموت.
(وأجلٌ مسمى عنده)
الآخرة.
وقيل: الأجل الأول: أجل الحياة، والمسمى عنده أجل الموت إلى
البعث.
(1/452)
(ثم أنتم تمترون)
تشكّون في البعث.
(من قرنٍ)
أهل كلِّ عصرٍ قرنٌ؛ لاقتران الخالف بالسالف.
وقيل: إنه عشرون سنة، مثلُ قران العلويين، لأنه في مثل هذه
العدة
(1/453)
يتبدلُ قومٌ بعد قوم
(لجعلناهُ رجلاً)
لأن الجنس إلى الجنس أميلُ وبه آنس [وعنه أفهمُ]. قال الجاحظ:
"من لطيف صنع الله أن فطر المعلمين على وزن عقول الصبيان وإلا
لم يكن إلى
تأليف الأمر بينهما سبيلٌ".
وسمع عبد الملك بن مروان كلاماً مختلطاً فقال: "كلامُ مجنونٍ
أو مناغيةُ
صبيٍّ" (5).
صبئ" ..
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من كان له صبيٌّ فليتصبَّ له"
أي [ليكلمْهُ] كلام
(1/454)
الصبيان [للاستئناس] والمقاربة وفي معناه.
357 - وأنزلني طولُ النَّوى دار غَرْبَةٍ ...
إذا شئتُ لاقيتُ أمراً لا أشاكله
358 - أُحَامِقُهُ حتى يقال سجيةً ... ولو كان ذا عقلٍ لكنُتُ
أُعَاقِلُهْ
(وللبسنا عليهم ما يلبسون)
أي: إذا جعلناه رجلاً شَبَّهْنَا عليهم وشَككنا بهم كما يشبهون
على أنفسهم.
واللبس: الشك. قالت الخنساء:
359 - ترى الجليس يقول الحق [تحسبُهُ] ... رشداً وهيهات فانظر
ما به التَبَسَا
(1/455)
360 - صَدِّق مقالته واحذر عداوته ...
والبِسْ عليه بشكٍّ مثل ما لَبِسَا
(كتب على نفسه الرحمةَ)
بما عرّض له الخلق من الثواب ودعاهم إلى الطاعة وأراهم من
الأدلة، ثم
لم يعاجل بالعقوبة على المعصية.
(ليجمعنكم)
لا موضع له من إعراب ما مضى؛ لأنه ابتداءُ قسمٍ.
وقيل. موضعه نصب بـ (كَتَبَ).
(الذين خسروا)
نصبٌ على البدل من الضمير في "ليجمعنكم".
(1/456)
وعلى الوجهِ الأول رفعٌ بالابتداء، وخبره:
(فهم لا يؤمنون).
(يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ)
يرزق ولا يرزق ولا. قال ابن عبدة:
361 - ومطعمُ الغنم [يومم الغنم] مُطْعَمُهُ ... [أنَّي]
تَوَجَّهَ والمحروم محروم
فقابل الحرمان بالإطعام، كما يقابل بالرزق.
(لأنذركم به ومن بلغ)
أي ومن بلغه القرآن.
(آلهةً أخرى)
. وصفَ الجماعة بالواحد المؤنث على المعنى؛ لأن الجماعة مؤنثة،
كقوله:
(القرون الأولى) و (والأسماء الحسنى).
(1/457)
(ثم لم تكن فتنتهم)
أي بليّتهم التي غرتهم إلا مقالتهم (ما كنا مشركين) فأنث الفعل
إذ
"أن" مع "الفعل" بمعنى المصدر، ونصب (فتنتهم) على أنها خبرُ
كان،
واسمها في (إلا أن قالوا)، وإنما صار أحقَّ بالاسم؛ لأنه أشبه
المضمر من حيث
لا يوصف والمضمر أعرف من المظهر، فكان أولى بالاسم.
(أكِنَّةً)
جمع كنانٍ، وهو الغطاء.
وكانوا يؤذون رسول الله إذا سمعوا القرآن فصرفهم الله عنه.
(وهم ينهون عنه وينئون عنه)
أي: ينهون الناس عن متابعة الرسول ويبعدون عنه بأنفسهم.
(1/458)
وقيل: إنه أبو طالبٍ ينهاهم عن أذى الرسول،
ثم يبعد عن الإيمان به.
(ولا نُكَذِبُ)
بالرفع عطفاً على (نُرَدُّ) وهو مرفوع بخبر ليت. فالردُّ وترك
التكذيب دخلا في التمني، ويجوز الرفغ على الاستئناف أي: بأنا
لا نكذب.
(1/459)
(ونكون): ابتداء إخبار عن أنفسهم.
قال سيبويه: هذا كما تقول: دعني ولا أعود، أي: وأنا لا أعود.
(ما كانوا يخفون)
يجدونه خافياً.
وقيل: بدا للاتباع ما علماؤهم يخفونه عنهم.
(فإنهم لا يكذبونك)
جاء على مثال: ما كذبك فلانٌ، وإنما كذبني.
وقيل: لا يجدونك كاذباً، كقولك: عدلتُه وفسقتُه.
(1/460)
(نفقاً)
سرباً في الأرض، قال كعبُ بن زهير:
363 - وما لكما منجاً على الأرض فابغيا ... به نفقاً أو في
السماوات سُلَّما
(إنما يستجيب الذين يسمعون)
أي: إنما يسمع الأحياء لا الأموات كما قال:
363 - لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي
وفي معناهُ:
364 - كأني أُنادي [ماتِحاً] فوق رَحْلِهَا ... [ونى غَرْفُهُ]
والدَّلو ناءٍ قليبها
(1/461)
(يطير بجناحيه)
قال بجناحيه لأن السمك طائرٌ في الماء ولا جناح لها.
والمراد ما في الأرض وما في الجوِّ؛ إذ لا حيوان غيرهما؛ ولأن
الطيران قد
يكون بمعنى الإسراع كما قال سلمةُ بن خَرْشَبٍ:
365 - فلو أنها تجري على الأرضى أدركتْ ... ولكنها تهفو بتمثال
طائر
366 - خداريةٍ فتخاء ألثق ريشها ... سحابة يوم ذي شابيب ماطرِ
(إلا أممٌ)
جماعاتٌ.
(أمثالكم)
في حاجات النّفس.
وقيل: في اختلاف الصّور والطبائع.
(1/462)
وقيلَ الدلالة على الصانع ببديع الفطرة
وعجيب الصنعة.
وقيل: في [الاحتيال] للمعيشة. كما قال الأعرابي:
367 - [سقى]) الله أرضاً يعلم الضَّبُّ أنها ... بعيدٌ من
الآفات طيِّبة البقل
368 - بني بيته فيها على رأس كُدْيَةٍ ... وكل امريءٍ في حرفة
العيش ذو عقل
(ما فرَّطنا في الكتاب)
أي اللوح المحفوظ من آجال الحيوان وأرزاقه وأحواله؛ ليعلم
الإنسان أن
عمله أولى بالحفظ والإحصاء.
(1/463)
وقيل: إن الكتاب: القرآن، فإنَّ فيه كلَّ
شيءٍ إمَّا على الجملة وإما على
التفصيل.
(مبلسون)
الإبلاس: السكوت مع اكتئابٍ.
وقال الفرار: الإبلاس: التحيرُ عند انقطاع الحجة.
(دابر القوم)
أخرهم الذي يدبرُهم ويعقبُهم. ومنه. التدبير: وهو النظر في
عواقب
الأمور. أي: لم يبق منهم خلفٌ وعقبٌ.
(وكذلك فتنا بعضهم ببعضٍ)
امتحنَّا الفقراء الأغنياء في السَّعة والجِدَة، والأغنياء
بالفقراء في سبق
الإسلام وغيره؛ ليتبيَّن صبرهم وشكرهم ومنافستُهم في الدين
والدنيا.
(1/464)
(ليقولوا)
لكي يقولوا، فاللام للعاقبة، كما قال:
369 - لِدُوا للموت وابنو للخراب ... فكلكم يصير إلى التراب
370 - الأيا موت لم أر منك بداً ... أبيت فما تحيف ولا تحابي
371 - كأنك قد هجمت على مشيبي ... كما هجم المشيب على شبابي
(ولتستبين سبيلُ المجرمين)
(1/465)
السبيل: مونثة كقوله: (قل هذه سبيلي). قال
كثيرٌ:
372 - يغادرن عَسْبَ الوالقي وناصِحٍ ... تخصُّ بِرَمِّية
السبيل عيالها
وإن جعلت الاستبانة بتعدية، ونصبت (السبيل) فتاءُ الخطاب للنبي
عليه السلام إذ سبق خطابه (وإذا جاءك).
(1/466)
(يَقْضِ الحق)
أي: يقضي القضاء الحق.
وقيل: يصنع الحقَّ. كقول الهذليِّ:
373 - وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ
تُبَّعُ
(1/467)
(مفاتح الغيب)
المقدورات التي يفتح الله لعباده بها ما في الغيب من الأرزاق
والخيرات.
(وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها)
ليعلم أن الأعمال أولى بالإحصاء للجزاء.
(يتوفاكم باليل)
يقبضكم عن التصرف بالليل.
وقيل: إنه من توفِّي العدد. أي يحصيكم بالليل. قال الراجز:
،
37 - إن بني [الأدرم] ليسوا من أحد
375 - ليسوا إلى قيس وليسوا من أسد
376 - ولا توفاهم قريش في العدد
(توفته رسلنا)
(1/468)
أيضاً من توفِّي العدد وإحصائه. وكذلك
قوله: (يتوفاكم ملك الموت)
أي يستوفيكم جميعاً.
(من فوقكم)
بالآفات السماوية من الطُّوفان والقذف والصيحة.
(أو من تحت أرجلكم)
بالخسف والرجفة.
(أو يلبسكم شيعاً)
يخلطَكُم فرقاً مختلفين يتحاربون ولا يتسالمون.
(تُبْسَلَ)
تسلم.
وقيل: تحبس وترتهن. قال الشنفري في المعنيين:
(1/469)
377 - إذا ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري ...
وغُودِرَ عند الملتقى ثَمَّ سائِرِ
378 - هنالك لا تلقى حياةً تسرني ... سَجِيسَ الليالي مبسلاً
بالجرائر
(ونردُّ على أعقابنا)
يقال للخائب ارتد على عقبيه
(استهوته)
استزلته من الهُوُيِّ. يقال: هوى يهوي من الهُوُيّ، وهَوِيَ
يَهْوَى من الهَوَى
وقيل: استمالته من الهوى وقد ذكرهما في قول الشاعر:
(1/470)
379 - وما زُرتُكم عمداً ولكنَّ ذا الهوى
... إلى حيث يهوى القلب تهوي به الرِّجل
(في الصُّورِ)
أي: في الصُّوَر. تُجمع الصورة عليها، كالسُّور والسُّوَر في
جمع سورةٍ.
قال العجاج:
380 - يارب ذي سرادقٍ محجور
381 - سُرْتُ إليه في أعالي السُّورِ
(وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات)
(1/471)
قيل: إنه أُسْرِيَ به.
وقيل: كُشفَ له عن السموات والأرض وما فيهما.
(فلما جنَّ عليه اليلُ)
يقال: جَنَّه جناناً وجنوناً وأجَنَّهُ إجْنَاناً إذا
غَشِيَهُ. قال الهذلي:
383 - وماءٍ وردت قُبيل الكَرَى ... وقد جَنَّه السَّدَفُ
الأدهم
وإنما جَنَّ عليه؛ لأنه نظير أظلم عليه.
(هذا ربي)
(1/472)
قاله على تمهيد الحجَّة وتقرير الإلزام.
وهو الذى يسمِّيه أصحاب القياس:
[قياس الخُلْفِ]، وهو: أن يُفرض الأمر الواجب على وجوهٍ [لا
تمكن ليجب]
به الوجه الممكن.
ويقال: إنه على الاستفهام والإنكار وإن لم يذكر حرف الاستفهام
كقوله:
(أفإين مِتَّ فهم الخالدون). قال:
383 - لعمرك ما أدري وإن كُنتُ دارِياً ... بسبعٍ رَمَيْنَ
الجَمْرَ أم بثمان
(1/473)
وزعمت الرواة أنه عليه السلم لما ولد،
خُبِّئَ في [مغارةٍ] لئَّلا يقتله
نمرود، فبقي ثلاث عشر سنةً فيها لا يرى أرضاً ولا سماءً. [ثم].
أخرجته أمه
ذات ليلةٍ، فرأى كوكباً فقال: ما [ا] قتصَّه الله من شأنه،
وجعل يظنُّ وينفي
الظن بالدليل، حتى استوى به الفكر على معرفة الله عز وجل.
(أتحاجوني)
أصله أتحاجونني. كقوله: (قل أتحاجوننا) فالأولى: علامة الرفع
في الفعل، والثانية: زيدت ليسلم بها الفعل من الجر. واجتمع
مثلان فوجب
تخفيفها إما بالحذف وإما بالإدغام.
(ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً)
(1/474)
بأن يحييه ويقدره عليه.
وقيل: معناه لكن أخاف مشيئة ربي، فيكون الاستثناء منقطعاً.
(واليسع)
إنما دخلته الألف واللام. إمَّا لأنه اسمٌ أعجمي [وافق] أوزان
العرب. كما قال الشاعر:
(1/475)
384 - وجدنا الوليد بن اليزيد مباركاً ...
شديداً بأعباء الخلافة كاهله
وإما أن يكون عربياً كاليسر، أو هو فعل المضارع. والألف واللام
بمعنى الذي لا للتعريف، كأنه الذي يسعُ خيره وبركته. كما قال:
385 - ويستخرج اليربوع من نَافِقَائِهِ ... ومن بيته ذي
الشِّيحة اليَتَقَصَّعُ
أي: الذي يتقصع.
(1/476)
(فإن يكفر بها هؤلاء)
أهلُ مكة.
(فقد وكلنا بها قوماً)
يعني أهل المدينة.
(فبهداهم اقتده)
(1/477)
هذه هاء الضمير للمصدر المقدر وليس التي
للوقف، وتقديره: "فبهداهم
اقتدِ اقتداءً". قال:
386 - هذا سُراقة للقرآن يدرُسُه ... والمرء عند الرُّشا إن
يلقها ذِيبُ
والهاء في يدرسه للمصدر وليس للمفعول به، لأنه تعدَّى إليه
الفعل باللام.
وقيل: إنها [للاستراحة]، ولهذا يصحُّ الوقف عليها.
(ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)
(1/478)
إنما لم يجزم (يلعبون)؛ لأنه ليس بجواب
الأمر، ولكنَّه توبيخ في
موضع الحال، كأنه: ثم ذرهم في خوضهم لاعبين. وكذلك من ضمَّ
(فهب
لي من لدنك ولياً يرثني) ضمَّه على الحال، أي: ولياً وارثاً
لي.
(فُرَادَى)
جمعُ فريدٍ، مثل: رديفٍ ورُدَافى، أو جمع فَرْدَان كسكران
وسُكَارى.
(تقطع بينكم)
ذهب تواصلكم، عن مجاهدٍ.
(1/479)
والبين ليس بظرفٍ هنا، ولكنه اسمٌ للوصل،
وهو من الأضداد يتناول
الهجر والوصل. قال الله تعالى: (وأصلحوا ذات بينكم) قال:
(فلمَّا
بلغا مجمع بينهما).
وقال أبو علي: "هو في الأصل ظرف، إلا أنه عند الاتساع يُستعمل
اسماً،
ويُخلعُ عنه معنى الظرف". كما قال الهذلي:
387 - فلاقته ببلقعةٍ بَرَازٍ ... فصادف بين عينيها الجَبُوبَا
(1/480)
وأمَّا من نصبه فقد [أقرَّهُ] على الظرف.
وهو عند الكوفيين: تقطع ما
بينكم فحذف ما. وعند البصريين: تقطَّع الأمر أو السبب بينكم،
وينكرون
مذهب الصلة.
(والشمس والقمر حسباناً)
أي حساباً، مثل شهابٍ وشهبانٍ وذلك على معنيين:
أحدهما: أنَّ سيرهما في منازلهما بحسابٍ معلومٍ.
والثاني: أن حساب الشُّهور والأعوام بمسيرهما.
(فمستقرٌ)
في الصلب.
(ومستودع)
(1/481)
في الرَّحم.
وقيل: مستقرٌ عى الأرض ومستودعٌ في القبر.
(فأخرجنا به نباتَ كُلِّ شئٍ)
أي: رزق كل شئ.
(حباً متراكباً)
أي: السنبل الذي تراكب حبُّه.
(ومن النَّخل من طلعها قنوانٌ)
ذكر الطلع، ولم يقل: من النخل قنوان: كان الطلع طعاماً لذيذاً،
وإداماً
نافعًا، ولم يكن كسائر أكمام الثِّمار.
(1/482)
[والقنو]!: العذقُ. وقال الشمَّاخ:
388 - دار الفتاة التي كنا نقول لها ... يا ظبية عُطُلاً
حُسَّانة الجيد
389 - تُدني الحمامة منها وهي لاهيةٌ ... من يانع الكرم قنوان
العناقيد
وقنوانٌ: جمع جاء على حد التثنية. ومثله: صنوانٌ [جمع صنوٍ]،
وصيدان
جمع صاد، وتثنيتها، وهو النُّحاس. قال الهذلي:
(1/483)
390 - لنا صِرَمٌ [ينْحَرْنَ] في كل
شَتْوَةٍ ... إذا [ما سماء الناس قل] قطارها
391 - وسودٌ من الصَّيْدان فيها [مذانب] ... [النُّضَار] إذا
لم نستفدها نُعَارُهَا
(دانيةٌ)
متدليةٌ يقرب تناولها.
وقيل: دانيةٌ بعضها من بعضٍ.
(وينعه)
نضجِه وإدراكه.
(1/484)
(وخرقوا)
أي كذبوا.
(وليقولوا)
لام العاقبة، أي: (وليقولوا درست)، قرأت وكتبت الكتب المنزلة
قبلك.
وقيل: إنه فيه حذفاً أي: نصرِّف الآيات ولئلاَّ يقولوا درست
وكثيراً ما يحذف
"لا" في كلام العرب. قال الهذليُّ:
(1/485)
392 - تبين صلاة الحرب منا ومنكم ... إذا
ما ألتقينا والمسالم بادِنُ
393 - فيبرح منا سَلْفَعٌ مُتَلَبِّب ... [جري] على [الغراء]
والغزو [مارِنُ]
أي: لا يبرح.
(فيسبُّوا الله عَدْوَاً)
العَدْو والعدُوُّ والعُدُوان والعِدَاء والاعتداءُ واحدٌ.
(1/486)
(وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)
تراهن المتوكِّلُ والفتح عليها.
فقال الفتحُ: (إنها)، وقال المتوكل: (إنها) بالفتح، فأشخصَ
المبرِّد من البصرة. فلقي الفتح، وقال: المختار (إنها) بالكسر
[لتمام]
الكلام بقوله: (قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم) قال: يا
محمد (أنها
إذا جاءت لا يؤمنون) على الاستنناف.
(1/487)
فركب إلى المتوكل وسأله الخطر، فأمر بإحضار
المبرد، فقال. أكثر
القرَّاء يقرأ بالفتح. فاستبشر وقال: المال يا فتحُ فلمَّا
خرجا قال الفتحُ: أول
ما ابتدأ تَنَابِه الكَذِبُ. قال: ما كذبتكم، وإنما قلتُ: أكثر
الناس يقرأ (أنها).
وأكثر الناس كما قال أبو الأسود:
394 - وأكثر هذا الناس إمَّا مُكَذِّبٌ ... يقول بما يهوى
وإمَّا مُصَدِّق
395 - يقولون أقوالاً ولا يثبتونها ... وإن قيل هاتوا
حَقِّقُوا لم يحقِّقُوا.
(1/488)
وجه فتح الهمزة بتقدير حذف اللام، وما
يشعركم إيمانهم؛ لأنها إذا جات
[لا يؤمنون، أو "لا" صلةٌ وفي الكلام حذفٌ، أي: وما يُشْعرُكُم
أنَّها إذا
جاءت] يؤمنون أو لا يؤمنون.
(قُبُلاً)
معاينةً، رأيته قُبُلاً. وقِبَلاً.
وقيل: قُبُلاً جمعُ قبيلٍ، وهو الكفيلُ، أي: لو حشرنا عليهم
كلَّ شيءٍ فكفِلَ
بعا نقول ما كانوا ليؤمنوا.
(1/489)
وقيل: القبيل جمع قبيلة، والقُبُل: جمع
قبيلٍ. مثل سفينةٍ وسَفِينٌ
وسفنٌ، أي: لو جاءهم كلُّ شيءٍ قبيلةً وصنفاً صنفاً ثم لم
يؤمنوا.
(ولتصغى)
لامُ العاقبة، وهي معطوفةٌ على الغرور من قوله: (يوحى بعضهم
إلى بعضٍ زُخْرُفَ القول غروراً)، أي: للغرور، ولأن تصغى أفئدة
الذين لا يؤمنون
(وليرضوه وليقترفوا).
(إنَّ ربَّكَ هو أعلم من يضلُّ عن سبيله)
لا يجوز أن يكون (من) في موضع جر بإضافة (أعلم) إليها؛ لأن
أفعل
متى أضيف إلى شيءٍ فهو بعضه كقولك: "زيدٌ أفضل عشيرته"وتعالى
الله أن
يكون بعض الضَّالين، فكان في موضعِ نصبٍ، وكان المراد: أعلم
بمن ضلَّ عن
(1/490)
سبيله. فحذف الباء وأوصل أعلم هذا بنفسه،
[أ] وأضمر فعلاً واصلاً
يدلُّ هذا الظاهر عليه حتى كأنَّ القول: يعلم أو علم من يضِلُّ
عن سبيله، يدلُّ
عليه ظهور الباء بعده وهو في قوله: (وهو أعلم بالمهتدين).
ويجوز أن [تكون] مرفوعةٌ بالابتداء، ويضِلُّ بعدها. خبرُها،
كأنه قال:
إن ربك هو أعلم أيُّهم يضل عن سبيله.
(ميتاً فأحييناه)
أي: ضالاً فهديناه.
(ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً)
(1/491)
أي: ذا حرجٍ.
وقيل: إنه صفةٌ كالحرج، وليس بمصدرٍ، كما يقال: دَنِفٌ ودَنَف
وقَمِنٌ وقَمَنٌ، وهذا الكلام على طريقة المثل، [إذ] كان القلب
محلَّ العلم
والإيمان، فوصف قلب من يستحقُّ الإضلال بالضيق وأنه على خلاف
الشرح
والانفساح وأنه مطبوعٌ على قلبه وأن قلبه [في] [كنانٍ] وغلافٍ،
كما وصف
الجبان بأنه مفؤود، وأنه لا قلب له. وأنه فارغُ الصدر كما قال
الله تعالى:
(وأفئدتهم هواءٌ). أي فارغةٌ ذوات هواء. خاليةٌ من القلب. قال
طفيلُ
الغنوي:
(1/492)
366 - لقد أردى الفوارس يومَ حسْي ...
غلاماً غير منَّاع المتاع
397 - ولا فرحٍ بخيرٍ إن أتاه ... ولا جزعٍ من الحدثان لاع
398 - ولا وقَّافَةٍ والخيل تردي ... ولا خالٍ كأنبوب اليراع
(كأنما يصعد في السماء)
أي: من ضيق صدره ونفوره عن الإسلام كمن يراد على ما لا يقدر
عليه. كما
قال الهذليُّ:
(1/493)
399 - يَظَلُّ على الثَّمْرَاءِ منها
جوارسٌ ... مراضيع صُهْبُ الرِّيش زُغْبٌ رقابها
400 - إذا نهضت فيه تصعَّد نفرها ... كَقِتْرِ الغلاء [مستدراً
صيا بها]
(يامعشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس)
استتبعتموهم وأغويتموهم فاستكثرتم من إغوائهم، واستمتع الإنسُ
بالجنِّ
بتزيين الشهوات والعون على الهوى، والجنُّ بالإنس باتباعهم
خطوات الجن.
(نولي بعض الظالمين بعضاً)
نسلط، كقولهم:
(1/494)
401 - وما من يد إلاَّ يد الله فوقها ...
وما ظالمٌ إلاَّ سيبلى بظالم
وقيل: نكلُ بعضهم إلى بعضٍ كقوله: (نوله ما تولى).
قال الأخطل في معناه:
402 - تواكلها بنو العلاَّت منهم ... وغالت مالكاً ويزيد غُول
(قالوا شهدنا على أنفسنا)
أي: [بوجوب] الحجة علينا.
(على مكانتكم)
طريقتكم.
(1/495)
وقيل: على تمكنكم، (فسوف تعلمون من تكون له
عقبةُ الدار)
(وجعلوا لله مما ذرأ)
أي خلق.
(من الحرث)
سمُّوا لله حرثاً، ولأصنانهم حرثاً، ثم ما حملتهُ الريح من حرث
الله،
واختلط بحرث الأصنام تركوه، وقالوا الله غنيٌّ عن هذا وعلى
العكس.
(ساء ما يحكمون)
موضع (ما) رفعٌ، أي: ساء الحكم حكمهم.
أو نصبٌ، أي: ساء حكماً حكمهُم.
(وليلبسوا عليهم دينهم)
لبِسْتُ الثوب ألبسه، ولبَسْتُ عليه الأمر أَلْبِسُه.
(وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا)
(1/496)
قيل: إنّه في منع الزيادة على الزكاة على
وجه [المباهاة].
وقيل: إنه يكون السرف بمعنى التقصير. قال جرير:
403 - أعْطَوا [هُنَيْدةَ يحدوها] ثمانيةٌ ... ما في عطانهم
مَنٌّ ولا سَرَفُ
أي. تقصيرٌ.
(حمولة وفرشاً)
الحمولة كبار الإبل التي تحمل عليها. والفرش: صغارها التي لا
تحمل
عليها.
(1/497)
وعن ابن عباس: إن الفرش الغنم وما يؤكل من
الراتعةِ.
وفسَّر أبو عبيدة قول الهذلي:
،
40 - ولله فَتْخَاءُ الجناحين لقوة ... تَوَسَّدُ فرخيها لحوم
الأرانب
405 - كأن قلوب الطير في جوف وكرها ... نوى القَسْبِ يُرْمَى
عند بعض المآدبِ
وقال: توسدُّها: تفرشُّها، كقوله تعالى: (حمولةً وفرشاً) أي.
جعل
اللحوم المأكولة وسادة كما جعلها الله فرشاً.
(1/498)
وهذا معنىً غريبٌ رغيبٌ، ونظرٌ بديعٌ
بعيدٌ، ولأنهم كما يتنعمون بالفرش
والوسائد كذلك بالأطايب من [المطاعم]. وتلاحظت المعاني فترادفت
الألفاظ.
ألا ترى إلى قولهم ما بها دبِّيجٌ. وتناسل عليه الوَشَاء،
وإنما يريدون
بالدِّبِّيج: الحيَّ الحلول، وبالوشاء: الماشية السارحة وبهما
تعمر الديار [و]
تحسن وتطيب الآثار، وأحدهما فعيلٌ من الديباج، والآخر: فعال من
الوَشْي،
وكذلك قالوا لأنفس أموالهم ناقة وجمل، والناقة: فعلةٌ من
تنوُّق الشئ وتخيره
وأجوده.
والجمل: فعل من الجمال، كما قال الله تعالى: (ولكم فيها جمالٌ
حين
تريحون وحين تسرحون). ومن معناه يقول القائل:
(1/499)
406 - جمال معيشة المثري ... جمالٌ تدمن
الحركة
407 - إذا تُرِكَتْ [بباب] فتى ... أناخت حولها البركه
(ثمانية أزواج)
أنشأ الأنعام نمانية أزواجٍ، من أربعة أصنافٍ، من كلِّ صنفٍ
اثنين:
ذكر وأنثى، فذكر الضأن والمعز، والبقر و [الإبل] في التي
تليها.
(قل ءالذكرين حرَّم)
أي: إن كان التحريم من جهة الذَّكرين [فكل] ذكرٍ حرام، أم من
جهة
الأنثيين فكلُّ أنثى حرام، أم [الـ] جميع [حلال] في الحال،
ثمَّ حرم ما يتولَّدُ
(1/500)
منه، فكلُّه حرامٌ، لأن الأرحام [تشتمل]
على الجميع.
(نبئوني)
خبروني.
(بعلمٍ)
أي: بصدقٍ، ثم قال:
(أم كنتم شهداء)
فخبروني عن مشاهدةٍ، فالكلام مشتملٌ على أتمِّ تقسيمٍ في
الحجاج.
(الحوايا)
المباعرُ.
وقيل: كلُّ ما يحوي عليه البطنُ.
(1/501)
وهي فواعلٌ، وواحدُها حاوياء وحاوية، مثل:
قاصعاء وقواصعَ.
وإن كان واحدها حوية فهي فعائل كسفينةٍ وسفائنٍ.
(بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها)
أي. أقيموا الميزان إقامةَ المثل بمبلغِ الوسعِ.
(تماماً على الذي أحْسَنَ)
أي: تمَّمنا جزاء إحسان موسى بأن أتيناه الكتاب.
(أن تقولوا)
لئلاَّ تقولوا، أو كراهة أن تقولوا.
(1/502)
(أو يأتي ربُّك)
أي: يصير الأمر كلُّه لله. كقوله: (لمن الملك اليوم)
(بعضُ آيات ربِّك)
أشراطُ الساعة.
(وكانوا شيعاً)
أي: اليهود شايعوا المشركين على المسلمين.
[تمت سورة الأنعام]
(1/503)
|