باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة الأعراف
(أهلكنا فجاءها بأسُنا)
هذا وصفُ إهلاكها، وذكر مجيئه في وقت نومٍ وأمنةٍ.
وقيل: إذا عُلِمَ أنَّ الهلاك بمجيء البأس لا يفترقا، لا يكون الفاءُ
للتعقيب، كقولك: "أعطيتَ فأحسنْتَ".
وقيل: أهلكناها: حكمنا بالهلاك ثم أرسلنا بأسنا.
(أوْهُمْ قائلون)
قال الفرَّاء: حذف واو الحال لئلاَّ يكون [عطفه على العطف] لو قيل:
"أَوْ وَهُمْ".

(1/504)


وقال الزجاج: "تقديره فجاءهم بأسُنا بياتاً أو قائلةً. فاستغفى عن الواوِ
في الثاني تقديراً، كما استغنى عنها في الأول لفظاً".
"وقائلونَ" معناه: نائمون في [نصف] النَّهارِ، وهو في اللغة: ساكنُونَ
كما قال الراعي:
408 - تَبِيتُ الحَيَّةُ النَّضْنَاضُ منه ... مكانَ الحِبِّ يستمعُ السِّرَارا
409 - فَيَمَّمَ حيثُ قال القلبُ منها ... بحجري ترى فيه اضْطِّمَارا

(1/505)


(دعواهم)
دعاؤُهم. أنشد أبو زيدٍ:
410 - وإن مَذَلَتْ رِجْلي [دَعَوْتُكَ] أَشْتَفِي ... بدعواك من مذلٍ بها فيهُونُ
(فمن ثقلت موازينه)
وهو ميزان واحد، ولكنَّ الجمع إمَّا على تعدُّد أجزاء الميزان، أو تعدُّد
الأعمال الموزونة. كما قال:

(1/506)


411 - أيا ليْلةً خُرْسَ الدجاج طويلةً ... ببغدادَ ما كادَتْ عن الصُّبْحِ تنجلي
[وقال]:
413 - ووجهٌ نَقِيُّ اللونِ صافٍ يَزِينُهُ ... مع الجيدِ لبَّاتٌ لها ومَعَاصِمُ
وإنما هو لَبَّةٌ ومِعْصَمَان، ومن هذا: ثوبٌ أخْلاق، وحَبْل أحْذَاقٌ
[وَنعْلٌ] أسَمْاَطٌ، وبُرْمَةٌ أعْشَارٌ.

(1/507)


(ولقد خلقناكم)
يعني آدم. كقوله: (وإذ أخذنا ميثاقكم) أي: ميثاق آبائكم.
وقيل: خلقناكم في أصلاب آبائكم (ثم صَوَّرْنَاكُم،) في الأرحام (ثم)
أخبرناكم أنَّا (قلنا للملائكة).
(ما منعك ألا تَسْجُدَ)
جاء على المعنى، كأنه ما حملكَ على أن لا تسجَد.
(فبما أغويتني)

(1/508)


على القسم.
وقيل: على الجزاء، أي: لإغوائك.
وفسَّرُوا الإغواء بالإضلال، وبالتخييب [و] بالإهلاك.
غَوِيَ الفصيلُ: أشفى على الهلاك. وبالتخييب كقوله: (فسوف
يَلْقَوْنَ غَيّاً) بالحكم على الغيِّ.
(صراطك)
نُصِبَ على الظرفِ؛ لأنَّ الطريق يكونُ مبهماً غيرَ مختصٍ.

(1/509)


وقيل: إنه كقولك: ضَرَبَ الظهر والبطن، أي: عليهما.
(مذءوماً مدحوراً)
الذأمُ فوق الذَّمِّ، والدَّحرُ: الطَّردُ والإبعادُ.
(وقاسمهما)
أقسم لهما، مفاعلةٌ بمعنى الفعل. كقول الهذليِّ:
413 - وقاسمهُما بالله جَهْداً لأنْتُمُ ... [أَلَذُّ مِنَ] السَّلوى إذا ما نَشُورُهَا

(1/510)


وقيل: إنه مفاعلةٌ من القسمة، أي: قال لهما: إن كان ذا قلتُه خيراً
فلكما، وإلا فعليَّ دونَكُما.
(فدلاهما)
حطَّهُما عن درجتهما. ولا تكون التدلية إلا من عُلوٍ إلى سُفْلٍ، يقال: تدلَّى
بنفسه، ودلَّى غيره:
414 - فقلتُ لقلبي [يالَكَ] الخيرُ إنما ... يُدَلِّيك للموت [الجديد] حِبَابُها
(وطفقا)
جعلا.
(يخصفان)

(1/511)


[يرقعان] الورق بعضها على بعضٍ من خَصْفِ النِّعالِ. قال الأعشى:
415 - ما نظرت [ذاتُ] أشْفَارٍ كَنَظرَتِها ... حَقّاً كما صَدَقَ الذِّئْبِيُّ [إذْ سَجَعَا]
416 - قالت أرى رجُلاً في كَفِّهِ كَتِفٌ ... [أ] ويَخْصِفُ النَّعْلَ لهفي أيَّةً صَنَعَا
(ولباس التقوى)
رُفِعَ على الابتداء (ذلك خيرٌ) خبرُه.

(1/512)


أو الخبر. (خيرٌ) و (ذلك) فصلٌ لا موضع له من الإعراب.
(إنه يراكم هو وقبيله من حيثُ لا ترونهم)
في معناه لبعض العرب.
417 - رَمَتْنِي بَنَاتُ [الدَّهْرِ] من حيثُ لا أرى ... فكيف بمن [يُرْمَى] وليس بِرَامِ
418 - ولو أنها نَبْلٌ يرى لاتَّقَيْتُها ... ولكنَّما أُرْمَى بغيرِ سِهَامِ
(وأقيموا وجوهكم عند كل مسجدٍ)

(1/513)


أدركتم صلاته ولا تؤخروها لمسجدكم.
وقيل: إنه أمرٌ بالتَّوجه إلى الجماعة.
(كما بدأكم تعودون)
ما معناه فيه أقوالٌ: كما خلقكم ولم تكونوا شيئاً كذلك يعيدُكم
[أ] حياءً.
وقال ابنُ عباسٍ: "كما بدأكم فمنكم شقيٌّ وسعيدٌ كذلك تبعثونَ".

(1/514)


قال عليه السلام: " [تبعثُ] كلُّ نفسٍ على ما كانت عليه".
قال قتادة: كما بدأكم من التراب تعودون إليه (منها خلقناكم وفيها
نعيدكم) (483) وفي معناه قيل:
419 - خُلِقْتَ من التراب فَصِرْتَ شَخْصاً ... يُنَادِي بالفَصِيح من الخطاب
420 - وعدتَ إلى التُّرابِ فَصِرْتَ فيه ... كأنك ما بَرِحْتَ من التراب
(خالصةً)
نصبٌ على الحال، والعامل فيه اللاَّم، أي وهي ثابتةٌ للذين آمنوا في
الحياة الدنيا في حال خلوصها يوم القيامة.

(1/515)


والحالُ يقتضي المصاحبة، وكونها لهم يوم القيامة مصاحبٌ لكونها لهم
في الدنيا [إذ هما] دارَان لا فاصل بينهما.
(ينالهم نصيبُهُم من الكتاب)
أي ما سبق لهم الكتاب به من العذاب.
وقيل: مما كُتِبَ لهم من الأعمال والأرزاق.
(ادَّاركوا)
تداركوا. أي: تتابعوا وتلاحقوا.
(لا تُفَتَّحُ لهم أبوابُ السماء)
قال ابن عباسٍ: (لأرواحهم).

(1/516)


[وقال] الحسن: لدعائهم.
وقال مجاهدٌ: لأعمالهم.
(سَمِّ الخِيَاطِ)

(1/517)


ثقبِ الإبرة. وفي بعض القراءة "حتَّى يلجَ الجُمَّلُ" والجُمَل، بالتثقيل
والتخفيف. وهما الحبلُ الغليظ.
(وعلى الأعراف)
سورٌ بين الجنة والنار، سُمِّيَ بذلك [لارتفاعه].
(رِجَالٌ)
قيل. هم العلماء الأتقياء.

(1/518)


وقيل: قومٌ توازنت حسناتهم وسيناتهم، وقفَهُم الله بالأعراف لم يدخلوا
الجنة ولا النار، وهم يطمعون ويخافون. كما قيل في معناه:
421 - فكأنِّي بين الوِصَالِ وبين الـ ... ـهَجْرِ مِمَّنْ مقامُهُ الأعْرَافُ
422 - في مَحَلٍّ بين الجنان وبين النَّا ... ر أرجو طوراً وطوراً أخافُ
(بِسِيمَاهُم)
بعلامتهم في نضرة الوجوهِ، [أ] وغبرتها.
والسِّيما للإنسان كالسِّمَةِ للأنعام. قال:

(1/519)


423 - وأصبح أخداني [كأنَّ] عليهم ... مُلاء العراق والثَّغَام المُنَزَّعَا
424 - يُبَيِّنُهُم ذُو الُّلبِّ [حين] يَرَاهُمُ ... بسيماهم بِيضاً لِحَاهُمْ وأصْلَعَا
(يطلبه حثيثاً)
يطلبُه: يجوز حالاً من النهار -وإن كان مفعولاً- كقولك: ضربتْ هندٌ
زيداً مؤلمةً له، فيكون "مؤلمةً" حالٌ من هندٍ ومن زيدٍ أيضاً؛ لأن لكل واحدٍ
منهما في الحال ضميراً.
(إن رحمت الله قريبٌ)
حملٌ على المعنى، [إذ] المعنى: إنعامَه وثوابَه.
وقيل: تقديُره: "مكان رحمة الله أو زمانه".

(1/520)


وقال [النضرُ]: المصادر تجري على التذكير.
(يُرسِلُ الرياح نُشُراً)
جمعُ نشورٍ، كرَسُولٍ ورُسُلٍ لأنَّها تنشرُ السحاب [وتستدرُّه]، والتثقيل
لغة الحجاز، والتخفيف لتميمٍ. ويجوزُ (نَشْراً)، أي: ناشراتٍ كقوله:
(ثمَّ ادْعُهُنَّ يأتِينَكَ سَعْياً)

(1/521)


أي: ساعياتء وقد قُرِيءَ (بُشُراً) جمع بشيرٍ؛ لأن الريح تبشرُ
بالسحاب، وقُرِيءَ (بَشْراً) مصدرٌ في موضعِ الحال، أي: باشراتٍ بمعنى
مبشراتٍ. وقُرِئَ "بُشْرَى" غير منون، وقُرِيءَ "نَشَرا" ذاتُ نشرٍ،
والنَّشَرُ: انتشار النَّعم بالليل في الرَّعِي، فشبّهَ السحاب في انتشاره
وعمومه بها.
(ما لكم من إله غيره)
رفع (غيره) على الصّفة لموضع (من إله) كأنه: ما إلهٌ غيرُهُ لكم،
ويجوز على البدل من (إلهٍ)، واعتبار حذف المبدل كأنه ما غيره لكم، فيكونُ

(1/522)


أعمَّ في المعنى.
وقيل: إنه اسم (ما) فأُخِّرَ، كأنه ما غيره لكم من إلهٍ.
(أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا)
وإن لم يكونوا فيها إذ كان العَوْدُ قد يتناولُ الابتداء. فقال:
435 - إذا [التِّسْعُونَ] أقْصَدَنِي سَراها ... [وسَارَتْ] في المفاصِلِ والعِظَامِ
426 - وصِرْتُ كأنني أقْتَادُ [عيراً] ... وعاد الرَّأسُ منِّي كالثَّغَامِ
(كأن لم يَغْنَوْا فيها)
أي: لم يقيمُوا، وفي معناه لبعضِ الجاهليةِ:

(1/523)


427 - كأن لم يكن بين الحُجُونِ إلى الصَّفَا ... أنيسٌ ولم يستمر بمكَّة سَامِرُ
428 - بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صرُوفُ الليالي والجُدُودُ العواثِرُ
وفي لفظه ومعناه الأسود بنُ يعفرَ قال:
429 - ولقد غَنَوْا فيها بأنْعَم عِيشَةٍ ... في ظِلِّ مُلْكٍ ثَابتِ الأوْتَادِ
430 - فإذا النَّعِيمُ وكلُّ ما [يُلهَي] به ... يوْماً يَصِيرُ إلى بِلىً ونَفَادِ
(وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين)

(1/524)


"إن" هذه للتوكيد، وهي مخففةٌ من الثقيلةِ. [كـ] قوله:
431 - وعَلِمْتُ أن من يثقفوه يتركوا ... جَزْراً لِخَامِعَةٍ وفَرْخِ غُرَابِ
(حقيقٌ)
حريصٌ.
وقيل: هو بمعنى محقوقٌ، من قولهم: حَقَّ عليه بكذا، وكما يقال: حَقَّ

(1/525)


عليه يقالُ: حُقَّ عليه، أي وجبَ.
فأيُّ حاجةٍ إلى تغييرِه دون تقريره؟!
(أرْجِهْ)
أخرْهُ. وقيل: احبسْهُ.
(من خلافٍ)
أي: كلُّ واحدٍ منهما من شقٍّ.
(بالسِّنِينَ)
بالجَدْبِ. قال حاتمٌ:
433 - وإنَّا نُهِينُ المَالَ من غير ضِنَّةٍ ... وما يَشْتَكِينَا في السِّنِينَ ضَرِيرُها

(1/526)


وقال أوسٌ فقرَّرَ المعنى:
433 - على دُبُرِ الشَّهْرِ الحَرَام بأرضِنَا ... وما حولها جَدْبٌ سِنُونٌ تَلَمَّعُ
أي لا خصبٌ ولا نباتٌ. كقولِهم السنة الشهباء، [توصفُ] بالشَّهبِ -الذي
هو البياض-[والتلمُّعُ]، كما يوصف خلافُها بالسَّوادِ.
(يَطَّيَّرُوا بموسى)
يتشائَمُوا به.
(طائرهم عند الله)
ما معناه قال سيبويه: الطائر اسمٌ للجمع غيرُ مكسَّرٍ. كالجامل والباقر.
وأنشد:

(1/527)


434 - كأنه تهتَانُ يوم ماطر
435 - على رؤوس كرؤوس الطائر
فيكون المعنى على الجمع ما يُجْرَى به الطير -وهي جمعٌ أيضاً- من
السعادة والشقاوة، والنفع والضر، والجدب والخصب، فكلُّها من عند الله، لا صنع
فيه لخلقٍ، ولا عمل لطيرٍ.
(مهما تأتنا)
أي: أيُّ شيءٍ تأتينا به، وأصله عند الخليل: "ماما" فقلبوا الألف هاءً
ذهاباً عن التكرير.

(1/528)


وقال الكسائي: هي "مَهْ" بمعنى كُفَّ، دخلت على "ما" الذي بمعنى
الشرط.
(مُتَبَّرٌ)
مهلكٌ، ومنه يقال للذَّهب -ما دام في تراب معدنه أو مكسوراً- تبرٌ، وهو
فِعْلٌ من التَّبارِ، كما يقالُ للفضَّة -ما دامَتْ متلجنةً بتراب المعدن-
اللجينُ.
(تَجَلَّى ربه للجبل)
ظهر وبان بأمرِهِ، الذي أحدثه في الجبل، كما قال الشاعر:

(1/529)


436 - تجلَّى [لنا] بالمشرفيَّةِ والقَنَا ... وقد كان من وَقْعِ الأسِنَّةِ نَائِيَا
أي: ظهر تدبيره. وما أسرَّه من أمرِه واختيارِه.
(جعله دَكّاً)
أي: مدكوكاً. كقوله: (خَلْقُ اللهِ) أي. مخلوقُه، وقيل: معناه
ذَادَكٍ.
وقيل: تقديره دكَّه [دكاً]. فجاء المصدر على غير لفظِ الفعل، كقوله:

(1/530)


(تدعونه تَضَرُّعاً). . والمعنى أنه جعل أحجارها تراباً وسَوَّاهُ على وجهِ
الأرض. من قولهم: ناقةٌ دكاءٌ ليس لها سنامٌ. وأنشد المبردُ:
437 - قد كان [شَغْبٌ] لو أنَّ الله عَمَّرَهُ ... [عِزّاً تُزَادُ به] في عِزِّها مُضَرُ
438 - لَيْتَ الجِبَالَ تَداعَتْ قَبْلَ مَصْرَعِهِ ... دَكّاً فلم يَبْقَ في أحجارها حَجَرُ
(صَعِقاً)
مغشياً عليه.
(عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ)

(1/531)


قيل: إنه الروح لم يدخلها لئلاَّ يُشْبِهَ المعجزة النبوية، وإنما جعل له
[خروقاً] تدخلها الريحُ فَيُسْمَعُ كالخوارِ.
وقال الحسنُ: بلْ صارَ ذا روحٍ، ولمْ يشبه المعجزة؛ لأن الله أجرى
العادة أنَّ القبضة من أثر الملك إذا أُلقيتْ على أيةِ صورةٍ حَيَتْ.
(سقط في أيديهم)
يُقال للنادمِ العاجزِ سُقِطَ وأُسْقِطَ في يَدِه. وأصله في الرجل يستأسرُ
فَيُلْقِي بيده ليُكتَّفْ.

(1/532)


وقيل: إنه مثلٌ للخائف. كما قالَ عنترةُ في معناه:
439 - ومْرقِصَةٍ رَدَدْتُ الخيل عنها ... وقد هَمَّتْ بإلقاءِ الزِّمَامِ
(قال ابن أُمَّ)
بالفتح. [و] وجهُ انتصابِ (أُمَّ) -وَهُوَ مضافٌ إليه- عى جَعْلِ
الاسمين اسماً واحداً، كقولهم: جئتُه صباحَ مساءَ، والفرق في شَغَرَ
بَغَرَ.

(1/533)


وبالكسر على أنه يابن أُمِّي، فحُذِفَتْ [ياءُ الإضافة].
(ولمَّا سَكَتَ)
أحسنُ من سكنَ لتضمُّنِه [معَ] سكونِ الغضب سكوتَه [عن] معاقبةِ
أخيه.
[(وَيَضَعُ عنهم إِصْرَهُم)]
ويقطع عنهم إصرَهُم.
(والأغلالُ)

(1/534)


أي: المواثيقُ الغلاظُ التي [هي] كالأغلال اللازمة كما قال الهذلي في
حدود الإسلام وفروضه [عليهم] بعد [بطالةِ] الجاهلية:
440 - فَلَيْسَتْ كعَهْدِ الدارِ يا أُمَّ مَالكٍ ... ولكن أحَاطَتْ بالرِّقَابِ [السَّلاسِلُ]
441 - وعاد الفتى كالكَهْلِ ليس بقائلٍ ... سِوَى الحَقِّ شيئاً واسْتَرَاحَ العَوَاذِلُ
(اثنتي عَشْرَةَ أسْبَاطَاً)

(1/535)


بدلٌ ولو كان تمييزاً لكان سبْطاً كما يقال: [اثنيْ عشرَ رجلاً].
وقيل: إنه صفةُ موصوفٍ محذوفٍ، كأنه اثنتا عشرةَ فرقةً أسباطاً
(شُرَّعاً)
ظاهرةً على الماء، ومنه: الطرق الشوارعُ.
(قالوا معذرةٌ)
أي: موعظتُنا معذرةٌ، فحذف المبتدأ.

(1/536)


[أو] معذرةُ الله نريدها فحذف الخبر.
(بعذابٍ بئيس)
على وزن فعيلٍ. من قولهم: بَئِسَ الرَّجل بأسَة إذا شجع وصارَ مقداماً،
فكأنه عذابٌ مُقْدِمٌ عليهم غيرُ متأخرٍ عنهم.
قال الهذليُّ:
443 - ولقد صبرتُ على السَّمُوم يَكِنُّني ... قَرِدٌ على [اللِّيتينِ] غيرُ [مُرَجَّلِ]

(1/537)


443 - وَمَعِي لَبُوسٌ لِلبَئِيسُ كأنَّهُ ... رَوْقٌ بِجبهةِ ذِي نعَاجِ مُجْفِلِ
(وإذ تأذن ربُّكَ)
[تألىَّ]، وأقسمَ قسماً سمعَهُ الإنسانُ.
وقيلَ: تأذَّنَ: أمرَ وأعلمَ، من أذِنَ، وَتفَعَّلَ يرادُ به فَعِلَ.
وقالَ زهيرٌ:
444 - تَعَلَّم أَنَّ شَرَّ النّاسِ قومٌ ... ُينَادىَ فِي [شِعَارِهُم] يَسَارُ

(1/538)


وقالَ:
445 - [تَعَلَّمَن هَا] لَعَمْرُ اللهِ ذَا قَسَماً ... فاقْصِدْ بِذَرْعِكَ وانْظُر أَينَ يَنْسلِكُ
فليسَ "تعلَّمْ" هذا عنْ جهلٍ، وإنما يريدُ بِه "اعْلَمْ" كأنَّه ينبهُهُ ليُقْبِلَ
على خطاِبه.
(وقَطَّعْنَاهُم في الأرض)
شتَّتْنَا شملَهم.
(وإن يأتِهِمْ عَرَضٌ مثلُهُ يأخذوه)
أيْ: مصرَّفونَ، لا يكفيِهم شيءٌ ولا يشبعُهم مالٌ.
(ودَرَسُوا ما فِيهِ)

(1/539)


تركوُه حتَى صارَ دارساً.
وقيلَ: تلَوْهُ ودرسُوهُ ثمَّ خالفُوهُ معَ تلاوتِه.
(وإذ نتقنا الجبل)
قلعنَاه ورفعناه.
(وإذ أخذ ربك من بني آدم)
قالَ ابنُ عباسٍ: "أخرجَ الله من ظهرِ آدمَ ذريتَهُ وأرَاهُ إيَّاهُم كهيئةِ الذَّرِ
وأعطاهُم مِن العَقْلِ، وقالَ: هؤلاء ولدُك آخذُ عليِهم الميثاقَ أنْ يعبدوَننِي
وأرزقُهم. ثمَّ قالَ: (ألستُ بربكم قالوا بلى) ".

(1/540)


وهذا صحيحٌ قريبٌ معقولٌ وكذلكَ القولُ في الإعادَةِ، يعادُ لكلِّ واحدٍ روحُه
وبنيتُه التِي يقومُ [بِهَا] روحُه، فلاَ يجبُ إعادةُ المريضِ المدنفِ، والشيخِ
البالِي على صورتِهما.
فإنْ قيلَ: أيُّ فائدةٍ فيهِ ولا نذكرُه؟!
قيلَ لهُ: إنَّما [أنْسَانَا] الله ذلكَ فِي الدنْيَا ليصِحَّ الاختبارُ، ولا [نكونُ]
كالمضطرينَ. والفائدةُ: علمُ آدمَ، وما يحصلُ له من السرورِ بكثرةِ ذريتهِ.

(1/541)


وعن الحسنِ: عنَّ نعيمَ الأطفالِ في الجنةِ ثوابُ إيماِنهم فِي الذَّرِ الأولِ.
وقيلَ: إنهم بنُو آدمَ ونسلُه الموجودون فِي الدنيَا على طول الأيامِ، فإنَّ اللهَ
أشهدَهُمْ على أنفسِهم بمَا أبدَعَ فيِهم منْ دلائلِ التوحيدِ، فأقرُّوا بِها أنَّ اللهَ
ربُّهم على وجهِ الدلالةِ والاعتبارِ، وإنْ لمْ يفعلُوا بالنطقِ والحوار.

(1/542)


(فأتبعه الشيطانُ)
قالَ القتيبيُّ: أَتْبَعْتُ الرَّجلَ: لحقتَهُ، وتبعتُهُ: سرَت خلفَهُ. فالمعنى: لحقَهُ
الشيطانُ فَأغوَاهُ.
(أخْلَدَ إلى الأرضِ)
سكنَ إليها، ورضِيَ بِمَا عليْهَا.
وأصلُ الإخلادِ: اللزومُ على الدوام. يقالُ لمنْ لا يكاد يشيبُ أَوْ [يتغيَّرُ]
مخلدٌ.
(فمثله كمثل الكلب)
أيْ: فِي ذلتِه ومهانتِه كالكلب الذِي ليسَ منْهُ فِي الحالَيْنِ إلاَّ الجوعُ واللهاثُ،
وكلُّ شيءٍ يلهثُ فإنَّما يلهثُ منْ تعبٍ أَوْ عطشٍ، والكلبُ يلهثُ فِي كلِّ حالٍ.
(ذرأنا لجهنم)
لامُ العاقبةِ كما مضَى، إذ لمْ يخلقْ اللهُ الخلقَ إلاَّ [للرحمةِ]. ولكن لما
كانَتْ عاقبةُ المعتدينَ جهنَّمَ، كانَ كأنه خلقَهُم لَها.

(1/543)


(بَل هُم أَضَلُّ)
هذا على المبالغةِ فِي التمثيلِ. [لا] على التحقيقِ؛ لأنَّها لا تدعُ ما فيهِ
صلاحُها، حتَّى النَّخلةُ والنملةُ.
وهؤلاءِ كفرُوا بمَن دلائلُ توحيد فِي أنفسِهم صادقةٌ، وألسنةُ مواهبهِ على
أحوالهِم ناطقةٌ.
قالَ المفضلُ: قلتُ لمحمدٍ بنِ سهلٍ [راوية] الكميتِ: ما معنَى

(1/544)


[قولِ] الكميتِ فِي الرَّخمةِ:
446 - وَذَاتِ اسمَيْنِ والألوَانُ شَتَّى ... [تُحَمَّقُ وَهي] كَيِّسَةُ الحَويلِ
447 - لَها خِبٌّ [تَلُوذُ] بهِ فَلَيْسَتْ ... بِضَائِعَةِ [الجَنِين]، ولا مَذوُلِ
ونحن لا نرَى طائر [اً] ألأَمَ منها، ولا أظهَر مَوْقاً حتى صارَت فِي ذلكَ
مثلاً.

(1/545)


فقالَ: وما حمقُها وهيَ تحضنُ بيضَها، وتحمي فَرْخَها وتحبُ ولدَها، ولاَ
ُتُمَكِّنُ إلاَّ زوجَها، وتقطع فِي أوَّلِ القواطع وترجعُ فِي أوّلِ [الرواجع]، ولاَ
تطيرُ فِي التحسيرِ. ولا تغْتَرُّ [بالشَّكِيرِ]، ولا تَرِب بالوكورِ، ولا تسقطُ
على الجفيرِ.
(يلحدون)
لحدَ وألحدَ مالَ عن الحقِّ.

(1/546)


وقالَ الفراءُ: لحدَ: مالَ، وألحدَ: اعترض.
إلحادُهم فِي أسماءِ اللهِ قولُهم: اللَّاتُ مِن اللهِ، والعُزَّى مِن العزيز.
(سَنَسْتَدْرِجُهُم)
[نهلكُهُم]. منْ درجَ: هلكَ.
(من حيثُ لا يعلمون)
بوقتِ الهلاكِ لماَ فِي إخفاء ذلكَ منْ صِحَّة التكليفِ.
وقيلَ: إنَّه مِن الدرجةِ، أي: يتدرجُ بِهم على مدارجِ النِّعمِ إلى الموتِ الَّذي
هو ميعادُ عقابِهم.
(وأٌمْلِي لهم)
اُنْظِرُهُمْ فِي الملاوةِ وهيَ الدهرُ.
(أيَّانَ مُرسَاهَا)

(1/547)


مَثْبتَهُا.
وقيلَ: متَى قِيَامُها.
(لا يُجَلِّيهَا)
لا يظهرُها.
(يسألونك كأنَّكَ حفيٌّ عنها)
قالَ الأخفشُ: أيْ: يسألونَكَ عنْهَا كأنَّك حفيٌّ بِها. فأخَّرَ، "عن"،
وحذفَ الجارَّ والمجرورَ [للدلالة] عليها.
ألاَ ترَى إنَّه إذَا كانَ حفياً بِها. فإنه يُسْأَلُ عنْها، كمَا أنَّه إذَا سُئِلَ عنْها
فليسَ ذلكَ إلاَّ [لحفاوتِه] بِها. وإذا لمْ يكنْ بِها [حفيّاً] لمْ يكنْ عنها مسؤولاً.
وكلُّ واحدٍ منْ [حرفيِّ] الجرِّ دلَّ عليهِ ما صحبَهُ [فساغَ] حذفُه.

(1/548)


(إنَّما علمُهَا عند ربي)
أيْ: علمُ وقتِها. وقولهُ: (إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله).
أيْ: علمُ وصفِها وحاِلها فلذلك كرَّرَ.
(هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ)
أيْ: مِنْ آدمَ.
(وَجَعَلَ مِنهَا زوجَهَا)
أيْ: جعلَ من كلِّ نفسٍ زوجَها.
كأنَّه وجعلَ من النَّفسِ زوجَها على طريقِ الجنسِ ليميلَ إليهَا ويألفَها.
(فَلَمَّا تَغَشَّاهَا)
أصابَها (حَمَلَتْ حَمْلاً خفيفاً فَمَرَّتْ به) أيْ: سعَتْ بِه مستخفةً لهُ إلى
أَنْ أثقلَت.
(فلما أثقلت دَعَوَا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً)
أيْ ولداً سوياً [صالحَ] البنيةِ. هذا هوَ التأويلُ الصحيحُ.

(1/549)


ومنْ حملَ الآيةَ على آدمَ وحواءَ، قدَّرَ فِي (جَعَلا لَه شُرَكاءَ) حذفاً، أيْ:
جعلَ ذريتُهما، كمَا تقولُ: فعلَتْ تغلبُ، أيْ: بنُو تغلبَ، ولذلك قالَ: (فَتَعَالىَ
[اللهُ] عَمَّا يشركُونَ).
(إنَّ الذين تدعون من دون الله عبادٌ أمْثَالُكُمْ فادعُوهُم)

(1/550)


الدعاءُ الأول: تسميتُهم الأصنامَ آلهةً، والدعاءُ الثاِني: فِي طلبِ النَّفع،
ودفعِ الضرُّ [من] جهتِهم، وذلكَ لا يكونُ. وسمَّاهَا عباداً [لأنها] مخلوقةٌ
مذللة.
(وإما ينزغَنَّكَ)
يُزْعِجَنَّك.
(من الشيطان [نَزْغٌ])
وسوسةٌ، وأكثرُ ما يكونُ عندَ الغضب
(طائفٌ)
خاطرٌ أو عارضٌ.
وقيلَ: لممٌ كالطيفِ الَّذِي يطيفُ فِي النَّومِ.

(1/551)


(وإخوانهم يمدونهم)
أي: إخوانُ الشياطينِ يمدُّهُم الشياطينُ.
(لولا اجْتَبَيْتَهَا)
هلاَّ تقبلْتَها منْ ربِّكَ.
وقيلَ: هلاَّ اقتضَيْتَها منْ عندِ نفسِكَ.
[تمت سورة الأعراف]

(1/552)