باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة هود
(أحكمت)
بالأمر والنهي (ثم فصلت) بالوعد والوعيد.
(ألا تعبدوا)
أي: فصلت لئلا تعبدوا.
و (استغفروا ربكم)
من الذنوب السالفة و (توبوا) من الآنفة.
(ويؤت كل ذي فضل فضله)
إعلام بتفاوت الدرجات في الآخرة، وترغيب في العمل لها.
(2/651)
(يثنون صدورهم)
كانوا إذا مروا برسول الله ثنوا صدورهم وتغشوا بثيابهم لئلا
يروه.
وقيل: (يثنون) يطوونها على البغض له والجحد به. كما قيل في
معناه:
524 - طويت الحشا منها على كل كربة ... تااد ولم أجمع على منية
يدا.
(ويعلم مستقرها ومستودعها)
حياتها وموتها.
وقيل: (مستقرها) في الرحم، (ومستودعها) في الصلب.
(2/652)
(وكان عرشه على الماء)
أي: بنية ما بناه على الماء. وذلك أعجب وأدل على القدرة
القاهرة، والصفة الباهرة، يقال عرش يعرش عرشاً، وأصل العرش في
اللغة: خشبات يوضع عليها ثمام يستظل به الساقي قال الراجز:
525 - أكل عام عرشها مقيلي.
526 - حتى ترى المئزر ذا الفضول.
527 - مثل جناح [السبد] الغسيل.
(إلى أمة معدودة)
إلى أجل محدود.
(2/653)
(نوف إليهم أعمالهم)
أي من [أراد] الدنيا، وفاه الله ثواب حسناته في الدنيا.
وقيل: إنها في المنافقين الذين غزول طلباً للمغانم.
(أفمن كان على بينة من ربه)
فيه حذف [الخبر]، من حاله هذه كمن هو في ضلال.
والبينة: القرآن.
وقيل: ما ركز [في] العقل من الاستدلال على التوحيد.
(ويتلوه شاهد)
على هذا القول ما يتضمنه القرآن من الحجج فهو شاهد للعقل.
(2/654)
وعلى القول الأول: ما يتضمنه العقل من وجوه
الأدلة فهو شاهد للقرآن والأولى: حمل الشاهد على القرآن، أو
على النبي عليه السلام ليعود ما بعده من الضمائر إلى واحد
منهما. أعني قوله: (ومن قبله كتب موسى)، وقوله: (ومن يكفر به)،
(فلا تك في مرية منه).
(ويبغونها عوجاً)
وقيل: يؤولون القرآن تأويلاً باطلاً.
وتكرير (هم) في قوله: (هم كافرون)، لتقرير التحذير، وتأكيد
القول، كقول الهذلي:
528 - رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت [وأنكرت] الوجوه
هم هم.
(2/655)
529 - فعاديت شيئاً [والدريس] كأنما ...
يزعزعه وعك من الموم مردم.
(ما كانوا يستطيعون السمع)
أي: استماع الحق والاعتبار به بغضاً له، كقوله: (إنك لن تستطيع
معي صبراً)، أي: لا تفعله.
(لا جرم)
أي: حقاً.
(2/656)
وقيل: (لا جرم) لابد، والجرم: القطع، أي:
لا قطع قاطع أن يكون كذا.
(وأخبتوا إلى ربهم)
تخشعوا له واطمأنوا به.
(بادي الرأي)
بالهمز: أول الرأي، وبغير الهمز: ظاهر الرأي.
(2/657)
وفي معنى الأول قول الخطابي:
531 - ولولا الهوى أبصرت [رائي] ومن يثق ... بأول رائيه فليس
بعاقل.
532 - وذو النصح أهدى فيكم [لي] نصيحة ... ولكنما أهدى إلى غير
قابل.
وفي معنى الثاني قول الآخر:
533 - غموض الحق حين تذب عنه ... يقلل ناصر الرجل المحق
534 - فضل عن الدقيق عقول قوم ... فيقضي للمجل على [المدق].
(2/658)
ونصب بادي الرأي، أي: في بادي الرأي، ويجوز
كونه ظرفاً للرؤية والاتباع والأرذال.
(وما أنا بطارد الذين ءامنوا)
أي: الذين قالوا لهم الأراذل: [لأنهم] (ملاقوا ربهم).
(إن كان الله يريد أن يغويكم)
مجازاةً على كفركم.
(2/659)
وقيل: يحرمكم من رحمته. ومنه قوله تعالى:
(فسوف يلقون غياً) أي: خيبة وحرماناً. قال المرقش:
535 - ومن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على
الغي لائماً.
(فلا تبتئس)
فلا تحزن ولا تأسف، من البأساء.
(واصنع الفلك بأعيننا).
(2/660)
أي: حفظنا حفظ من يرى.
([و] وحينا)
أي: تعليمنا من أمرنا.
(وفار التنور)
قال مجاهد: فار الماء من مكان النار آيةً للعذاب.
(2/661)
وقال ابن عباس: التنور وجه الأرض.
وعن علي: أنه [فار] من الكوفة/ثم طبق الأرض، وأن التنور من
تنوير الصبح، [فكما] أن الصبح إذا نور ملأ الآفاق، فكذلك ذلك
الماء لما سال عم الأرض.
(2/662)
وقيل: إنه على طريقة المثل، أي: اشتد غضب
الله عليهم، وحل عذابه بهم، كقوله عليه السلام: "الآن حمي
الوطيس".
وكقول الشاعر:
536 - تفور علينا قدرهم [فنديمها] ... ونفثؤها عنا إ [ذا]
حميها [غلا].
(2/663)
وكقول الفرزدق:
537 - وقدر فثأنا غليها بعدما غلت ... وأخرى حششنا بالعوالي
[تؤثف].
(من كل زوجين اثنين)
أي: ذكر وأنثى في حال ازدواجهما.
[والزوج واحد له شكل، والاثنان زوجان] ولذلك حسن لفظ اثنين بعد
زوجين.
(مجراها ومرساها)
أي: إجراؤها، وإرساؤها، بمعنى المصدر.
(2/664)
[و] يجوز بمعنى الوقت، كالممسى والمصبح،
أي: بسم الله وقت إجرائها وإرسائها، وإنما لم يجز مرساها
بالفتح، وإن قرئ مجرايها بالفتح لأنه يقال: [جرت] السفينة
مجرى، وأرساها الملاح مرسى، لأنها إذا أخذت في الجري لا ترسو
بنفسها.
[يا أرض ابلعي ماءك)
أي: تشربي في سرعة بخلاف العادة، ليكون أدل على القدرة، وأشد
في العبرة.
(ويا سماء أقلعي)
أي: لا تمطري.
(وغيض الماء).
(2/665)
نقص، يقال: غاض الماء وغضته.
(إنه عمل غير صالح)
أي: ذو عمل، أو عمله عمل غير صالح فحذف.
وقيل: إنه لا حذف فيه وإنما هو على مجاز المبالغة والكثرة في
مثل قولك: الشعر زهير، والجود حاتم.
وقيل: إن الكناية في (إنه) راجعة إلى السؤال، أي: سؤالك/نجاته
عمل غير صالح.
(2/666)
وقراءة (إنه عمل غير صالح)
أي: فعل سوءاً.
(إن ربي على صراط مستقيم)
أي: على الحق والعدل.
(واستعمركم فيها)
جعلكم عمارها، وهذا يدل أن الله يريد عمارة الأرض، لا التخلي
والتبتل.
(2/667)
وقيل: معناه جعلها لكم مدة أعماركم،
فاستعمر بمعنى أعمره داره عمرى، إذا جعلها له مدة عمره.
وقيل: أطال أعماركم فيها بمنزلة عمركم.
وكانت ثمود طويلة الأعمار، فكانت إذا بنت من المدر انهدم
وصاحبه حي فاتخذوا البيوت من الجبال.
(فما تزيدونني غير تخسير)
أي: لا تزيدونني لو اتبعت دين آبائكم غير خساري.
وقيل: غير خساركم حين أنكرتم تركي دينكم.
(جاثمين)
هلكى ساقطين على الوجوه والركب.
(قالوا سلاماً)
على وجه التحية.
فـ (قال سلام).
(2/668)
أجابهم بمثل تحيتهم.
ونصب الأول بإيقاع القول، أو بالمصدر من غير لفظ الفعل، لأن
السلام قول، ورفع الثاني على تقدير: وعليكم سلام، أو على
الحكاية كقوله: (قل الحمد لله).
والحنيذ: الحار عن أبي علقمة النحوي.
[وقيل]: المشوي بالرضف في الحجارة المحماة. قال:
(2/669)
538 - إذا ما [ا] عتبطنا اللحم للطالب
القرى ... حنذناه حتى يمكن اللحم آكله.
(نكرهم)
أنكرهم وقد جمعهما الأعشى:
539 - وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب
والصلعا
(وأوجس)
أحس، وقيل: أضمر.
(2/670)
(فضحكت)
أي: تعجبا من غرة قوم لوط وغفلتهم عما يحل بساحتهم. وقيل:
تعجباً من إحياء الحنيذ حين مسحه جبريل عليه السلام. وقيل: كان
ضحكها سروراً بالولد، كأنه على التقديم/والتأخير. أي: فبشرناها
بإسحاق ويعقوب فضحكت.
وقيل: بل سروراً بالسلامة من عذاب القوم، فوصلوها بسرور آخر،
وهو البشارة بإسحاق.
ومن قال: إن ضحكت: حاضت، لروعة ما سمعت من عذاب القوم.
(2/671)
أو حاضت مع الكبر لتوقن بالولد.
وارتفاع (يعقوب) بالابتداء، وخبره: الظرف المقدم عليه، أي:
ويعقوب من بعد إسحاق.
وقيل: إن الحال مقدر فيه، أي: فبشرناها بإسحاق آتياً من ورائه
يعقوب.
ومن نصب "يعقوب"، فهو يعطفه على موضع إسحاق، إلا أن [الفصل]
(2/672)
بين العطف والمعطوف [قبيح].
والأولى: تقدير فعل آخر، أي: فبشرناها وزدناها من وراء إسحاق
يعقوب، قال [الراجز]:
540 - لو جئت بالتمر له ميسراً
541 - والبيض مطبوخاً معاً والسكرا.
(قالت ياويلتى)
قالت ذلك على عادة النساء إذا عجبن من شيء.
(يجادلنا في قوم لوط)
(2/673)
يراجع القول فيهم، إن فيها لوطاً وإنكم
تحلون بهم العذاب أم [تحرفونهم].
والأواه: الدعاء.
وقيل: كثير التأوه من خوف الله.
(يوم عصيب)
شديد، يعصب بالشر.
(يهرعون)
يسرعون، من الأفعال التي [يرفع] فيها الفعل بالفاعل.
ومثله: أولع و [أرعد] وزهي.
(2/674)
(هؤلاء بناتي هن أطهر لكم)
أي: لو تزوجتم بهن.
وقيل: أراد بهن نساء أمته، فكل نبي أبو أمته.
(ركن شديد)
عشيرة منيعة.
(سجيل)
حجارة صلبة.
قيل: إنها معربة "سنك" و"كل".
(2/675)
وقيل: إنه فعيل من السجل وهو الإرسال.
(منضود)
أي: نضد وجمع بعضه فوق بعض.
(مسومة)
معلمة باسم من ترمى به.
(عند ربك)
في خزانته التي لا يملكها غيره ولا يتصرف فيها سواه.
وإنما رجم بهذه الحجارة من قوم [لوط] من كان غائباً عن
[المؤتفكات] مدائنهم.
(لرجمناك)
(2/676)
لرميناك بالحجارة.
وقيل: [لشتمناك].
(واتخذتموه وراءكم ظهرياً)
أي: منسياً، من قوله: (وكان الكافر على ربه ظهيراً)، أي:
ذليلاً هيناً بمنزلة الشيء المنسي.
وقيل: نبذتهم ثم أمره [وراء] ظهوركم.
وقيل: إنه من قولهم: ظهرت به، أي: أعرضت عنه ووليته ظهري. قال:
542 - تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً ... يا أبتا أنت والأنصاب
مقتول.
(2/677)
543 - خلفتنا بين قوم يظهرون بنا ...
أموالهم عازب عنا ومشغول.
وقيل: إنه من قولهم: جعلت حاجته بظهر، قال:
544 - تميم بن قيس لا تكونن حاجتي ... بظهر ولا يعيا عليك
جوابها.
(يقدم قومه)
يتقدمهم.
(2/678)
وقيل: يمشي على قدمه.
(بئس الرفد المرفود)
أي: بئس العطية النار بعد الغرق بالماء.
وقال أبو عبيدة: معناه بئس العون المعان.
وعن الأصمعي: الرفد ما في القدح من الشراب، والرفد -بالفتح-:
القدح.
(منها قائم وحصيد)
أي: عامر وخراب.
وقيل: قائم الرسم دارس العين.
(2/679)
[التتبيب] والتباب: الهلاك، عن قتادة.
والخسران، عن مجاهد.
الزفير: الصوت في الحلق. والشهيق: في الصدر.
قال الراجز: ...
545 - حشرج في الجوف صهيلاً أو شهق
546 - حتى يقال ناهق وما نهق.
(2/680)
وقيل: إن الشهيق أمد من شاهق الجبل.
والزفير: أنكر من الزفر، وهو/الحمل العظيم على الظهر.
(إلا ما شاء ربك).
أي: من أهل التوحيد فيخرجهم من النار، وقيل: إلا ما شاء ربك من
أهل التوحيد أن لا يدخلهم.
فيها ولا يخلدهم. وقيل: معناه أنتم خالدون فيها ما دامت
السموات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها فيكون (إلا)
بمعنى "سوى".
(2/681)
قال الفراء: "هذا كقولك: عليك ألف درهم إلا
ألفي القرض". فألفان زيادة بلا شك، إذ الكثير لا يستثنى من
القليل.
وقيل: إلا ما شاء ربك من مدة كونهم في الدنيا وفي البرزخ الذي
هو ما بين الحياة والموت، ووقوفهم في العرصات.
وتعليق الخلود بدوام السموات والأرض والمراد أبداً على عادة
العرب في أمثاله. قال زيد الخيل:
547 - لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقى ... على الأرض قيسي يسوق
الأباعرا.
(2/682)
وقال كثير:
548 - فأقسمت لا أنساك ما عشت ليلة ... وإن شحطت دار وشط
مزارها
549 - وما استن رقراق السراب وما جرى ... ببيض الربى إنسيها
ونوارها.
(غير مجذوذ)
غير مقطوع.
(فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء)
أي: لا تشك في [كفرهم].
(وإن كلاً لما ليوفينهم)
"لما" بالتشديد بمعنى "إلا" كقوله: (إن كل نفس لما عليها
حافظ).
(2/683)
ألا ترى أنه في القسم كذلك، تقول: "نشدتك
الله لما فعلت"، أي: إلا فعلت، يبين ذلك أن "لم" و"لا" كلتاهما
للنفي فضمت إلى إحداهما "ما"، وإلى الأخرى "إن" وهما أيضاً
للنفي فتقاربتا وتعاقبتا.
والفراء يقول: "إنه لما ليوفينهم" فحذفت إحدى الميمات
لكثرتها".
والزجاج يقول: إنها من لممت الشيء: إذا جمعته، إلا أنها لم
تصرف نحو: تترى وشتى، كأنه: وإن كلاً جميعاً ليوفينهم.
(2/684)
والسراج يقول: (لما) فيه معنى الظرف وقد
دخل الكلام اختصار، كأنه: وإن كلاً لما بعثوا ليوفينهم ربك
أعمالهم.
ومن إشكال هذا الموضع، ما حكي عن الكسائي -وحمده على ذلك أبو
علي- أنه قال: "ليس بتشديد (لما) علم، وإنما نقرأ كما أقرئنا".
وأما (لما) بالتخفيف فعلى أن "ما" بمعنى "من" كما في قوله:
(فانكحوا ما طاب لكم)، أي: وإن كلاً لمن ليوفينهم.
(2/685)
وقيل: بل هو وإن كلاً لليوفينهم، واللام
الأولى: لام التأكيد دخل على خبر إن، والثانية: لام القسم،
فاحتيج إلى فاصل بينهما ففصل بـ"ما" التي تدخل كثيراً في
الكلام زيادة.
والفرق بين لام التأكيد والقسم، أن لام التأكيد تدخل على
المستقبل.
(2/686)
زلف الليل: ساعاته. قال العجاج:
550 - ناج طواه [الأين] مما وجفا
551 - طي الليالي زلفاً فزلفا
552 - سماوة الهلال حتى احقوقفا.
(فلولا كان)
أي: فهلا كان، أي: فلم يكن في القرون التي أهلكوا.
(أولوا بقية)
[يبقون] على أنفسهم وقومهم من عذاب الله.
(إلا قليلاً ممن أنجينا)
(2/687)
استثناء منقطع، لأنه إيجاب لم يتقدمه نفي،
وإنما تقدمه تهجين لهم، وتوبيخ لمن يسلك مسلكهم.
(واتبع الذين ظلموا ما أترفوا)
أي: ما عودوا من نعيم الدنيا.
وموضعه رفع، أي: هلكوا وتبعتهم آثارهم وديارهم.
(وما كان ربك ليهلك القرى بظلم)
أي: [بظلم] منه، تعالى [عنه].
(ولا يزالون مختلفين)
أي: في الآراء والديانات.
(إلا من رحم ربك)
من أهل الحق.
(2/688)
وقيل: مختلفين في الأحوال من الغنى والفقر،
والعناء/والدعة، ليأتلفوا في المصالح بذلك الاختلاف، (إلا من
رحم ربك) بالرضى والقناعة.
وقال ابن بحر: (مختلفين) يخلف بعضهم بعضاً من قولهم: ما اختلف
الجديدان، كما يقال: قتل واقتتل، وشغل واشتغل. (ولذلك خلقهم)
قيل: [للاختلاف].
وقيل: للرحمة.
(2/689)
ولم يؤنث ذلك؛ لأن الرحمة هنا بمعنى
المصدر، أي: خلقهم ليرحمهم، [قالت] الخنساء:
553 - فذلك يا هند الرزية فاعلمي ... ونيران حرب حين شب
وقودها.
[تمت سورة هود]
(2/690)
|