باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة إبراهيم عليه السلام
(الله الذي له ما في السماوات)
رفعه على الاستئناف، وجره -وهو القراءة المعروفة- على البدل، أو على أنه عطف بيان.
ولا يجوز الجر على أنه صفة للحميد، لأن [الـ]ـشيء يوصف بما هو أنقص منه وأخص، وهذا الاسم العظيم فوق كل اسم، وبمنزلة الأسماء الأعلام، فلا يصلح وصفاً.

(2/757)


(الذين يستحبون)
يعتاضون ويستبدلون.
وقيل: يختارون.
(وإذ تأذن ربكم)
أذن وأعلم.
والتفعل يجيء بمعنى الإفعال والتفعيل وغيرهما. قال جرير:
633 - بيض ترببها النعيم وخالطت ... عيشاً كحاشية الحرير غرير [اً]
634 - أصبحن عني للمشيب [نوافرا] ... ولقد يكن إلى حديثي صورا.
(فردوا أيديهم في أفواههم)

(2/758)


أي: عضوا على أيديهم من الغيظ والحزن، والمحزون المغيظ يعض يده. أنشد المبرد:
635 - لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي
636 - وبعد أهلي وجفاء عودي ... عضت من الوجد بأطراف [اليد].
قال الحسن: كأنهم ردوا أيديهم على أفواه الرسل، على طريقة المثل، إما على ردهم قولهم، وعدم استماعهم، وإما لخوفهم منهم.

(2/759)


قال عبد يغوث:
637 - أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشرتيم أطلقوا عن لسانيا.
وقال عمرو بن معد يكرب -وشبه مثل هذه الحال بإجرار [الفيصل] بالرضاع-:
638 - فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح [أجرت]

(2/760)


ويجوز الحمل على كراهيتهم ما قاله الرسل، كما يقال لمن كره استماع شيء:
رد يده إلى صماخه، وجعل إصبعه في أذنه، قال الله تعالى: (يجعلون أصابعهم في ءاذانهم)
وقال ابن ناعصة الأسدي:
639 - وحصا المنادح من حماها ... يرد بها البنان إلى الصماخ
640 - فقلنا "ها" فأنجدنا قرآها ... بنعمانا إلى العيش الرخاخ. (من ماء صديد)
أي: من ماء مثل الصديد، فاختصر، كقولك: [هو] أسد.

(2/761)


وقيل: من ماء يصد الصادي عنه لشدته [وكراهيته].
(ويأتيه الموت من كل مكان)
أي: أسبابه من جميع جسده، كأن من تحت كل منبت شعرة منبع ألم. وقيل: من جهاته الست.
(في يوم عاصف)
أي: عاصف الريح فاكتفي بدلالة الحال، وقيل: يوم عاصف: ذو عصوف.
(ما أنا بمصرخكم)

(2/762)


هذه من لغات السلب، فإن الصارخ: المستغيث، والمصرخ: المغيث، ونظائرها كثيرة، مثل: الإشكاء، والإعتاب، ونحوهما. قال سلامة بن جندل:
641 - كنا إذا ما أتانا صارخ [فزع] ... كان الصراخ له قرع [الظنابيب].
وقال آخر:
642 - نثوب إليهم كلما صاح صارخ ... وتصرخهم فيما ينوب وتفرع.

(2/763)


وجميع النحاة لا يقبلون قراءة حمزة (بمصرخي) بكسر الياء.
وهو لغة بني يربوع، ولها وجهان: إشباع ياء الإضافة، فيصير بمصرخي، ثم حذفت الزيادة وتركت الحركة للدلالة عليها. والثاني: أنه لما حذفت نون الجمع للإضافة التقت/ياء الجميع [بياء الإضافة] وهما ساكنتان في الأصل، فحركت ياء الإضافة إلى الكسرة.

(2/764)


(اجتثت)
انتزعت. قال الهذلي:
643 - أو كالنعامة إذ غدت من بيتها ... [ليصاغ] قرناها [بغير] أذين
644 - فاجتثت الأذنان منها فانتهت ... صلماء ليست [من] ذوات قرون.

(2/765)


(لا بيع فيه)
خص البيع، لما في المبايعة من المعاوضة، فيظن أن ذلك كالفداء في النجاة عما أوعدوا به، فصار في المعنى كقوله: (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها).
(ولا خلال)
مصدر خاللته مخالة، وخلالاً.
(دائبين)
دائمين فيما سخرهما الله عليه.
(أفئدة من الناس)
قلوباً.
وقيل: إنها تكسير [وفود على أوفدة]، ثم قلب اللفظ، ثم قلبت الواو، كما قلب في الأفئدة التي هي جمع الفؤاد.
(تهوى إليهم)

(2/766)


تقصدهم.
(وتقبل دعائي)
عبادتي.
(ربنا اغفر لي ولوالدي)
[كانا] في الأحياء، فرجا إيمانهما.
(تشخص فيه الأبصار)
[ترتفع] من قولهم شخص بصر المريض شخوصاً، وشق شقوقاً. (مهطعين)
مسرعين.

(2/767)


[ولا يفسر بالإطراق] لقوله: (مقنعي رءوسهم)، والإقناع: رفع الرأس إلى السماء من غير إقلاع، قال الراعي:
645 - زجل الحداء كأن في حيزومه ... قصباً ومقنعة الحنين عجولا.
العجول: الناقة مات ولدها فحنت، وإذا حنت الناقة، رفعت رأسها.
(وأفئدتهم هواء)
جوف عن القلوب، لشدة الارتياع.
أنشد أبو زيد:
646 - لقد أعجبتموني من جسوم ... وأسلحة ولكن لا فؤادا.

(2/768)


[و] مثله [للراعي]:
647 - وغدو بصكهم وأحدب أسأرت ... منه السياط يراعةً إجفيلا.
(وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)
أي ما [كا] ن مكرهم لتزول منه الجبال، توهيناً لمكرهم، وتحقيراً لأمرهم.
(فلا تحسين الله مخلف وعده رسله)
قيل: تقديره: مخلف رسله وعده، فجاء مقلوباً:
648 - وكل كميت كأن السليـ ... ـط في حيث وارى الأديم [الشعارا]

(2/769)


أي: الشعار الأديم.
وقال آخر:
649 - ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع.
والأولى: أن يقرر على اللفظ، لأن الإخلاف من الأفعال الجارية على الوجهين، يقال: أخلف [زيد] وعده، وأخلف وعده [زيداً]، ومثله: أصاب زيد مالاً، وأصاب زيداً مال، ووافق زيد [حديثنا]، إذا صادفهم يتحدثون، ووافق زيداً حديثنا، إذا سره وأعجبه، وأحرز زيد سيفه، إذا صانه في غمده، وأحر [ز] زيداً سيفه، إذا [حصنه] وصانه من القتل.

(2/770)


(مقرنين في الأصفاد)
أي: يجمعون في الأغلال، كما كانوا في الدنيا [مقترنين] على الضلال.
[تمت سورة إبراهيم]

(2/771)