باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة بني إسرائيل
(سبحان)
لا يتصرف؛ لأنه صار علماً لأحد معنيين:
إما [التبرئة والتنزيه]، وإما [التعجب].
الأول: براءة الله -الذي أسرى بعبده- من كل سوء.
والثاني: عجباً لمن أسرى بعبده.
وقول الأعشى:
701 - أقول لما جاءني فجره ... سبحان من علقمة الفاجر
(2/816)
قال الخليل: براءة منه.
وقال سيبويه: لما صار [ت] هذه الكلمة في صفات الله [على] معنى
البراءة، لا يفسر بها في غيره، بل يفسر بالعجب منه، ومن فخره.
وأما الإسراء ففي رواية أبي هريرة، وحذيفة بن اليمان، كان
بنفسه في حالة الانتباه.
(2/817)
وفي رواية عائشة، ومعاوية: بروحه حالة
النوم.
قالت عائشة: "ما فقد جسد رسول الله، ولكن الله أسرى [بـ]
روحه".
(2/818)
والحسن أول قوله: (وما جعلنا الرءيا التي
أريناك إلا فتنة للناس) بالمعراج.
والخطابي يقول: "قد رويت الروايتان بطرق صحيحة، فالأولى أن
تجمع بينهما ونقول: كان له عليه السلام معراجان، أحدهما في
النوم، والآخر باليقظة".
(2/819)
وما في القرآن من تعظيم أمر المعراج،
والتعجب به، وما في الأخبار من إنكار قريش حتى أخبرهم بأشياء
من بيت المقدس، والسابلة على طريقه إليها، كل ذلك يدل على أنه
في اليقظة. (ألا تتخذوا)
معناه الخبر، أي: لئلا تتخذوا.
وقيل: إن "أن" زائدة، والقول مقدر، أي: "وقلنا لا تتخذوا".
(بعثنا عليكم)
(2/820)
قال الحسن: خليناكم وخذلناكم.
وقيل: أظهرناهم عليكم، وكان أولئك هم العمالقة.
وقيل: إنه [بختنصر]، إذ كان أصحاب سليمان بن داود -عليهما
السلام- عرفوا من جهة أنبيائهم خراب الشام، ثم عودها إلى
عمارتها.
[ولما] وقفوا على قصد بختنصر، انجلوا عنها واعتصموا بمصر
وملكها.
(2/821)
(فجاسوا)
مشوا وترددوا.
وقيل: عاثوا وأفسدوا.
(ليسئوا وجوهكم)
أي: سادتكم وكبراءكم في المرة الآخرة.
(وليتبروا)
يهلكوا ويخربوا.
(ما علوا)
ما وطئوا من الديار والمنازل.
(حصيراً)
محبساً.
(2/822)
(طائره في عنقه)
أي: عمله، فيكون في اللزوم كالطوق للعنق.
وقيل: طائره: كتابه الذي يطير إليه يوم القيامة.
إلا أن الكتاب مذكور بعده، فإنما حسن هو القول الأول، [مع] أنه
مطرد في كلام العرب.
قال الفرزدق:
702 - [فـ]ـمن يك خائفاً لأذاة شعري ... فقد أمن الهجاء بنو
حرام
703 - هم ردوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام.
(2/823)
(وإذا أردنا أن نهلك قرية)
إرادة الهلاك ها هنا على مجاز المعلوم من عاقبة الأمر، وما
يفضي إليه، كما قال الكميت:
704 - يابن هشام أهلك الناس اللبن ... فكلهم [يعدوا] بقوس
وقرن.
وقال آخر:
705 - وقد جعل الوسمي ينبت بيننا ... وبين بني رومان نبعاً
وشوحطا.
(أمرنا مترفيها)
أي: أمرناهم بالطاعة.
(2/824)
(ففسقوا)
[خرجوا] من أمرنا، كقولك: أمرته فعصى، ودعوته فأبى.
ويجوز (أمرنا) كثرنا، يقال: أمره فهو مأمور، وآمره فهو مؤمر،
وفي الحديث: "خير المال مهرة مأمورة".
قال زهير:
706 - والإثم من شر ما تصول به ... والبر كالغيث نبته أمر.
(2/825)
(كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء)
أي: من أراد العاجلة، ومن أراد الآخرة.
(من عطاء ربك)
من رزق ربك.
(أف)
معناه [التكره] والتضجر.
(محسوراً)
منقطعاً.
وقيل: ذا حسرة.
وقيل: مكشوفاً من قولك: حسرت الذراع.
(خطئاً)
(2/826)
يجوز اسماً كالإثم، ومصدراً كالحذر.
(ولا تقف ما ليس لك به علم)
ولا تقل.
وقيل: ولا تتبع من قفوت أثره.
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)
أي: عن الإنسان، لأنها من الأشهاد يوم القيامة.
وقيل: كان الإنسان عن كل ذلك مسؤولاً، لأن الطاعة والمعصية
[بها].
(كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروهاً)
أراد بالسيئة الذنب، فحمل على المعنى.
(2/827)
وقيل: إن مكروهاً بدل عن السيئة، وليس
بوصف.
وعبره البدل حذف المبدل.
وقيل: إنه خبر آخر لكان.
وأما سيئه بالإضافة، فلإنه تقدم الكلام أوامر ونواهي، فما كان
في كل المذكور من [سيء] كان عند الله مكروهاً، فيعلم به ما
يقابله، وهو أن ما كان بخلافه من حسن كان مرضياً.
(ولقد صرفنا في هذا القرآن)
أي: صرفنا القول فيه على وجوه، من أمر ونهي، ووعد ووعيد،
وتسلية وتحسير، وتزكية وتقريع، وقصص وأحكام، وتوحيد وصفات،
وحكم وآيات.
(فتستجيبون بحمده)
(2/828)
أي: بأمره. كما قال الثقفي:
707 - فإني بحمد الله لا ثوب غادر ... لبست ولا من خزية أتقنع.
(إن لبثتم إلا قليلا)
في الدنيا بالقياس إلى الآخرة، كما قال الحسن: "كأنك بالدنيا
لم تكن، وبالآخرة لم تزل".
(وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون)
أي: وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين.
فيكون: (أن نرسل) في موضع النصب، و (أن كذب) في موضع الرفع.
(2/829)
(وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس)
أي: علمه وقدرته، فيعصمك منهم.
(وما جعلنا الرءيا التي أريناك)
أي: ليلة الإسراء على اختلاف الرواية، من رؤيا عيان، أو رؤيا
منام.
(إلا فتنة)
أي: ابتلاءً واختباراً لمن كفر به، فإن قوماً [أنكروا]
المعراج، فارتدوا.
وقيل: إنها رؤيا النبي عليه السلام دخوله المسجد الحرام، فلما
صد عنها عام الحديبية، ارتد قوم، فلما دخلها في القابل نزل:
(لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام).
(2/830)
(والشجرة الملعونة)
أي: وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة.
وذلك أن أبا جهل قال لابن الزبعري: ما الزقوم؟ فقال: الزبد
والتمر بلغة البربر، فقال: زقمينا يا جارية، فأتت بهما، فقال:
[تزقموا]، فهذا ما يخوفكم به محمد.
وقيل: الشجرة الملعونة: بنو أمية، فإنهم الذين بدلوا الأحكام،
وبغوا على أهل البيت، ولم يستعملوا البقيا في سفك الدماء.
(2/831)
والرؤيا ما رآها النبي عليه السلام من
نزوهم على منبره. (لأحتنكن ذريته)
لأستولين عليهم، وأستأصلنهم، كما يحتنكن الجراد الزرع. وقيل:
لأقودنهم إلى الغواية، كما تقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل.
(واستفزز)
(2/832)
استخف.
وقيل: استزل.
(بصوتك)
بدعائك إلى المعاصي.
وقيل: إنه الغناء بالأوتار والمزامير.
(وأجلب عليهم)
أجمع عليهم.
(بخيلك ورجلك)
بكل راكب وماش في الضلالة.
(2/833)
(وشاركهم في الأموال والأولاد)
أي: إذا ولدوهم بالزنا.
وقيل: إذا عودوهم الضلالة والبطالة.
(ضل من تدعون إلا إياه)
أي: بطل. كقوله: (أضل أعمالهم).
وقيل: معناه غاب، كقوله: (أءذا ضللنا في الأرض).
الحاصب: الحجارة الصغار، وهي الحصاب، والحصباء أيضاً.
(2/834)
وقيل: الحاصب: الريح التي ترمي بالحاصب،
كما سمي الجمار بالمحصب لمكان [رمي] الحصباء بها، ولذلك قال
الهذلي:
708 - فيا رب حيرى جمادية ... تنزل فيها ندى ساكب
709 - ملكت سراها إلى صحبها ... بشعث كأنهم حاصب. والقاصف:
الريح التي تقصف الشجر.
والتبيع: المنتصر الثائر.
(2/835)
(يوم ندعوا كل أنس بإمامهم)
قيل: بدينهم.
وقيل: بأعمالهم.
وقيل: بقادتهم ورؤسائهم. فيقال [للضالين]: "يا أتباع الشيطان".
(ومن كان في هذه أعمى)
أي: عن الطاعة والهدى.
(فهو في الآخرة أعمى)
أي: عن الثواب، وعن طريق الجنة.
وقيل: إن من عمي عن هذه العبر المذكورة قبل هذه الآية، فهو عما
غاب
(2/836)
عنه من أمر الآخرة أعمى.
(وإن كادوا ليفتنونك)
هموا أن يصرفوك.
في وفد ثقيف، حين أرادوا الإسلام على أن يمتعوا باللات سنة،
ويكسر سائر أصنامهم.
(2/837)
(ضعف الحياة)
أي: ضعف عذاب الحياة، أي: مثليه، لعظم ذنبك على شرف منزلتك.
وقيل: إن الضعف هو العذاب نفسه، فكما سمي عذاباً لاستمراره في
الأوقات -كالعذاب الذي يستمر في الحلق- سمي ضعفاً، لتضاعف
الألم فيه.
(وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها)
في اليهود، قالوا: إن أرض الشام أرض الأنبياء، وفيها الحشر.
(خلفك إلا قليلاً):
بعدك.
(2/838)
و (خلافك): بمعناه، كقوله: (بمقعدهم خلاف
رسول الله): أي خلفه.
قال بعض بني عقيل:
710 - ولما حد [ا] الحادي وزمت جمالهم ... وراحوا [يغذون]
القطيعة [إغذاذا]
711 - تيقنت أني سوف آوي خلافهم ... إلى كبد يغدوا على البين
أفلاذا.
دلوك الشمس: غروبها، وصلاة المغرب، قال ذو الرمة:
(2/839)
712 - مصابيح ليست باللواتي يقودها ...
نجوم ولا بالآفلات الدوالك.
وقيل: دلوكها: زوالها، وهذا التفسير يجمع الصلوات الخمس، لأنه
مد من الزوال إلى الغسق.
(وقرآن الفجر) ونصب (وقرآن الفجر) على الإغراء، والتحريض.
وإنما سمى صلاة الفجر قرآناً، لتأكيد القراءة فيها.
(إن قرآن الفجر كان مشهوداً)
تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
(2/840)
(فتهجد)
التهجد من باب السلب، وقد مر نظائره.
(نافلة)
خاصة لك.
(أدخلني مدخل صدق)
أي: المدينة عند الهجرة.
(وأخرجني مخرج صدق)
من مكة.
وقيل: إن المراد به القبور.
(2/841)
ومعنى الصدق: الاستقامة وصلاح العاقبة.
(وزهق الباطل)
ذهب وهلك.
(ونئا بجانبه)
بعد بنفسه، كقوله: (فتولى بركنه).
(شاكلته)
عادته وخليقته، من قولهم: هو على شكله.
(قل الروح من أمر ربي)
أي: من خلق ربي، لأنهم سألوه عنه أقديم أم محدث.
(2/842)
وقيل: معناه من علم ربي.
وإنما لم يجبهم عن الروح، لأن طريق معرفته العقل لا السمع [فلا
يجري] الكلام [فيه] على سمت كلام النبوة، كما هو في كتب
الفلاسفة، ولئلا يصير الجواب طريقاً إلى سؤالهم عن كل ما لا
[يعينهم].
(كسفاً)
قطعاً جمع كسفة.
(2/843)
قال أبو زيد: كسفت الثوب، أكسفه كسفاً: إذا
قطعته، وذلك المقطوع كسف.
ونصب (كسفاً) على الحال.
قال الشيخ عبد الحميد -رحمه الله-: من قرأ (كسفاً) على الواحد،
كان المعنى: ذات قطع على جهة التطبيق.
ومن قرأ (كسفاً)، كان المعنى: ذات قطع على جهة التفريق.
(قبيلاً)
أي: مقابلة نعاينهم.
وقال القتبي: قبيلاً: كفيلاً، والقبالة: الكفالة.
(2/844)
وقال ابن بحر: قبيلاً: جميعاً، من: قبائل
العرب، وقبائل الرأس -وهي الشؤون- لاجتماع بعض منها إلى بعض.
الزخرف: الذهب.
وقيل: نقوش الذهب وتحاسينه.
(مثبوراً)
مهلكاً. والثبور: الهلاك.
وقال المأمون يوماً لرجل: يا مثبور، ثم حدث عن الرشيد عن
(2/845)
المهدي عن المنصور عن ميمون بن مهران عن
ابن عباس: أن المثبور ناقص العقل.
(2/846)
(لفيفاً)
جميعاً، من جهات مختلفة.
وتوحيده على معنى المصدر.
[تمت سورة الإسراء]
(2/847)
|