باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة الكهف
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيماً) أي: أنزل الكتاب قيماً على الكتب كلها.
وقيل: مستقيماً، إليه يرجع، ومنه يؤخذ.
(ولم يجعل له عوجا)
أي: عدولاً عن الحق والاستقامة.
(كبرت كلمة)
أي: كبرت الكلمة كلمة، نصب على القطع.
(باخع نفسك)
قاتلها.

(2/848)


(صعيداً)
أرضاً مستوية.
(جرزاً)
يابسة لا نبات فيها.
أو كأنه حصد نباتها، من الجزر وهو القطع.
(والرقيم)
اسم الجبل الذي كان فيه الكهف.
وقيل: إنه واد عند الكهف، ورقمة الوادي: موضع الماء. (فضربنا على ءاذانهم)

(2/849)


[كقولك]: ضربت على يده: إذا منعته التصرف. قال الأسود بن يعفر:
713 - ومن العجائب لا أبا لك أنني ... ضربت على الأرض بالأسداد
714 - لا أهتدي [فيها لموضع] تلعة ... بين بين العذيب وبين أرض مراد.
(أي الحزبين أحصى)
الفتية أم أهل زمانهم.
(مرفقاً)
معاشاً في سعة.

(2/850)


وقيل: مخلصاً.
ويجوز أن يكون اسماً وآلة لما يرتفق به، والاسم كمرفق اليد، وكالدرهم، والمسحل للحمار الوحشي، والآلة: كالمقطع والمثقب.
(تزاور)
تميل وتنحرف.
(تقرضهم)
[تحاذيهم].
وقيل: تقطعهم.

(2/851)


(فجوة)
متسع، وإنما كان هذا لئلا يفسدهم ضيق المكان بعفنه، ولا يؤذيهم عين الشمس بحرها.
الوصيد: فناء الباب.
وقيل: عتبة الباب.
أو الباب نفسه، ومنه أوصدت الباب: إذا أطبقته.
(وكذلك أعثرنا عليهم)
أي [كما] أطلعناهم على أمرهم وحالهم/في مدة نومهم، أطلعناهم على

(2/852)


أمر القيامة، [فنومهم] الطويل شبيه بالموت، و [البعث] بعده [شبيه بالبعث].
وإنما دخل الواو في الثامن، لأنه ابتداء العطف بها، لأن الكلام كأنه [تم] بالسبعة، لأن السبعة عدد كامل -كما سبق ذكره-، وبعض الناس يقول: إن هذه واو الثمانية لا يذكر إلا بها.
(ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً)
لتفاوت ما بين السنين المذكورة على التقريب من مدة قطع الشمس البروج [الإثنى] عشر في كل ثلاث مائة وخمسة وستين يوماً، ومن قطع القمر إياها في كل ثلاث مائة وأربعة وخمسين يوماً وكسراً.

(2/853)


وتنوين "ثلاث مائة" على أن يكون سنين بدلاً، أو عطف بيان، أو تمييزاً، لأن "ثلاث مائة" تتناول الشهور والأيام.
ومن لم ينون للإضافة، اعتمد على الثلاث دون المائة، لأنه لا يقال: مائة سنين، بل مائة سنة، وإنما يقال: ثلاث سنين بالجمع فيما دون العشر.
(ملتحداً)
معدلاً، عن الأخفش.
ومهرباً عن قطرب.

(2/854)


(ولا تطع من أغفلنا قلبه)
وجدناه غافلاً، قال:
715 - [فأصممت] عمراً وأعميته ... عن الجود والمجد يوم الفخار.
[وقال]:
716 - لقد أخبرت لقحة آل عمر [و] ... وأخبر دونها الفرس الخبير
أي وجدتها خبراً، والخبر: الغزيرة.
وفسر خالد بن كلثوم:

(2/855)


717 - فما [أفجرت] حتى أهب بسدفة ... غلاجيم [عين] ابني صباح [نثيرها]
على رؤية الفجر ومصادفته.
وقال أبو الفتح بن جني في الخصائص: "لو كان [أغفلنا] بمعنى صددنا، ولم يكن بمعنى صادفنا، لكان العطف بالفاء دون الواو، أي: كان "فاتبع هواه" حتى يكون الأول على للثاني، والثاني مطاوعاً، كقولك: سألته فبذل، وجذبته فانجذب".
(فرطاً)
ضياعاً، والتفريط في حق الله: تضييعه.
وقيل: قدماً في الشر، فرس فرط: يقدم الخيل.
وقيل: سرفاً وإفراطاً.

(2/856)


(أحاط بهم سرادقها)
[روى] [يعلى بن] أمية، عن النبي عليه السلام "أن سرادقها هي البحر المحيط بالدنيا".
وقال قتادة: سرادقها دخانها ولهبها.
المهل: دردي الزيت، عن ابن عباس.
والصديد، عن مجاهد.
وكل جوهر معدني إذا أذيب أزبد [وانماع]، عن ابن مسعود.

(2/857)


الأساور: جمع إسوار، وأسورة.
والأرائك: الأسرة.
وقيل: الأكلة.
(كلتا الجنتين ئاتت أكلها)
كلتا وإن كانت في المعنى جمعاً، فلفظها واحد، [فلذلك] لم يقل آتتا، قال الأعشى:
718 - وما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ... وبحرك ساج لا يواري الدعامصا
719 - كلا أبويكم كان فرعاً دعامة ... ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا.

(2/858)


([و] لم تظلم)
لم [تنقص].
(وكان له ثمر)
أموال مثمرة نامية.
(حسباناً)
ناراً.
وقيل: برداً.
وقيل: عذاباً بحساب، لأن عذاب الله يكون بحساب [الذنب]. وقيل: إن أصل الحساب، سهام ترمى في مرمى واحد.

(2/859)


(صعيداً زلقاً)
أرضاً ملساء، لا ينبت فيها نبات ولا يثبت عليها قدم.
(أو يصبح ماؤها غوراً)
أي: ويصبح غائراً، أقيم المصدر مقام الوصف. قال الراجز:
720 - شتان هذا والغناء والنوم ... والمشرب البارد والظل الدوم.
(يقلب كفيه)
يضرب إحداهما على الأخرى تحسراً.
(لكنا)
أصله "لكن أنا" بإشباع ألف "أنا"، فألقيت حركة الهمزة من "أنا" على النون الساكنة في "لكن"، كما قالوا في الأحمر: الحمر، فصار "لكننا" بنونين، فأدمغت إحداهما في الأخرى، فصار "لكنا"، كقوله: (مالك لا تأمنا).

(2/860)


وفي (أنا) بعد [لكن] ضمير الشأن والحديث، أي: لكن أنا، الشأن والحديث (الله ربي). قال:
721 - [وترمينني] بالطرف أي: أنت مذنب ... [وتقلينني] لكن إياك لا أقلي.
(هنالك الولاية)
بالفتح، مصدر الولي: أي: يتولون الله يومئذ ويتبرؤون مما سواه. وبالكسر: مصدر الوالي، أي: الله [يلي جزاءهم] يومئذ.
وقيل: عما سواء، [كالجداية] والجداية في الأسماء، والوصاية في المصادر.

(2/861)


(لله الحق)
كسر الحق على الصفة لله، أي: الله على الحقيقة.
ورفعه على النعت للولاية.
(وخير عقبا)
أي: الله خير لهم في العاقبة.
(كماء أنزلناه)
تمثيل الدنيا بالماء، من حيث إن أمورها في السيلان، ومن حيث إن قليلها كاف، وكثيرها إتلاف، ومن حيث اختلاف أحوال بنيها، كاختلاف ما ينبت بالماء من النبات.
(فأصبح هشيماً)
الهشيم: النبت إذا جف وتكسر، فذرته الرياح، ويشبه به فانية المتاع، وضعفة الناس، قال ابن ميادة:
722 - أمرتك يا رياح بأمر حزم ... فقلت هشيمة من أهل نجد.

(2/862)


723 - نهيتك عن رجال من قريش ... على محبو [كة] [الأصلاب] جرد
(تذروه الرياح)
يقال: ذرته الريح، وذرته، [وأذرته] إذا نسفته فطارت به. (وخير أملاً)
لأنه لا يكذب، بخلاف سائر الآمال.
(وترى الأرض بارزة)
لا يسترها جبل.
وقيل: قد برز ما في بطنها من الأموات والكنوز.

(2/863)


(لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة)
أي: أحياء.
(موبقاً)
[محبساً].
وقيل: مهلكاً.
(قبلاً)
مفاجأة.
وقيل: أنواعاً من العذاب، كأنه جمع قبيل.

(2/864)


وقيل: مقابلة وهو معنى "قبلاً".
(ليدحضوا به الحق)
ليبطلوه ويزيلوه.
والدحض: المزل المزلق، قال:
724 - وأستنقذ المولى من الأمر بعدما ... يزل كما زل البعير عن الدحض.
(موئلاً)
منجاً.

(2/865)


وقيل: ملجأ. كما قال حسان:
725 - أقمنا على الرس النزوع لياليا ... بأرعن جرار عظيم المبارك
726 - [نسير] فلا تنجو اليعافير وسطنا ... وإن وألت منا بشد [مواشك].
(لمهلكهم)
أي: لإهلاكهم فهو على هذا مصدر، كقوله تعالى: (مدخل صدق)
قال:
727 - ألم تعلم مسرحي القوافي ... فلا عياً بهن ولا اجتلابا

(2/866)


أي: تسريحي.
ويجوز أن يكون "مهلكهم" اسماً لزمان الهلاك، أي: جعلنا لقوت إهلاكهم موعداً.
ولكن المصدر أولى وأفصح [لتقدم] (أهلكناهم)، والفعل يقتضي المصدر وجوداً وحصولاً، وهو المفعول المطلق، ويقتضي الزمان والمكان محلاً وظرفاً.
وكل فعل زاد على ثلاثة أحرف، فالمصدر، واسم الزمان، والمكان، [منه] على مثال المفعول به.
وإذا كان المهلك اسماً لزمان الهلاك، لا يجوز الموعد اسماً للزمان أيضاً، لأن الزمان وجد في المهلك، فلا يكون للزمان زمان، بل يكون الموعد بمعنى المصدر، أي: جعلنا لزمان هلاكهم وعداً، وكذلك على العكس: إذا جعل المهلك مصدراً، كان الموعد اسم الزمان.
وهذا من المشكل على كثير من الناس، حتى على الأصمعي، فإنه أنشد للعجاج:

(2/867)


728 - جأباً ترى تليله مسحجاً.
فقال أبو حاتم: إنما هو بليته.
فقال: من أخبرك بهذا؟.
فقال: من سمعه من فلق [في] رؤبة -يعني أبا زيد- قال: هذا لا يكون.
فقال: بلى جعل "مسحجاً" مصدراً، كما قال:
729 - ألم تعلم مسرحي القوافي .... .... .... ....
فكأنه أراد أن يدفعه، فقال: قال الله عز اسمه: (ومزقناهم كل ممزق)، فسكت.

(2/868)


(وإذ قال موسى لفتاه)
وهو ابن أخته يوشع بن نون.
(لا أبرح) لا [أ] زال أمشي.
(مجمع البحرين)
بحر روم، وبحر فارس، يبتدئ أحدهما من المشرق، والآخر من

(2/869)


المغرب، حتى يلتقيا.
وقيل: أراد بالبحرين الخضر وإلياس بغزارة علمهما.
(حقباً)
حيناً طويلاً.
يقال: إنه ثمانون سنة.

(2/870)


وقيل: أقل من ذلك.
(فلما بلغا مجمع بينهما)
أي: أفريقية.
(فاتخذ سبيله في البحر)
أي: الحوت أحياه الله، فطفر في البحر.
(سرباً)
مسلكاً.
(ذلك ما كنا نبغي)
كان أوحي إلى موسى، أنك تلقى الخضر حيث تنسى شيئاً من متاعك.

(2/871)


(فارتدا على ءاثارهما قصصاً)
أي: رجعا يقصان الأثر ويتبعانه.
(شيئاً إمراً)
عجباً.
(لا تؤاخذني بما نسيت)
أي: تركت.
(ولا ترهقني)
ولا تعاسرني.
(زاكية)
التي لم تذنب، و (زكية) التي غفر لها ذنبها.

(2/872)


وقيل: الزكية: في الدين والعقل، والزاكية: في البدن، أي: تامة نامية، وهو معنى قول ابن عباس: "إن المقتول كان شاباً يقطع الطريق".
والبالغ يقال له: الغلام، أيضاً، كما قالت الأخيلية:
729 - إذا نزل الحجاج أرضاً مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
730 - شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز [القناة] سقاها.
(يريد أن ينقض)
يكاد أن ينقض.

(2/873)


وحكى الصولي في معانيه: أن بعض الكتاب أنكر الإرادة للجماد، وتكلم على وجه الطعن، فألقمته الحجر بقول الراعي:
731 - في مهمه فلقت بهاها ماتها ... فلق الفؤوس إذا أردن [نصولا].
(فخشينا)
كرهنا.

(2/874)


وقيل: علمنا.
وخشي مثل حسب، وظن، من الأفعال التي تقارب أفعال الاستقرار والثبات.
(وأقرب رحماً)
أكثر براً لوالديه، وأتم نفعاً.
(من كل شيء سبباً)
علماً يتسبب به إلى نيله.
(فأتبع سبباً)
أي: طريقاً من المشرق والمغرب، كقوله: (أسباب السماوات)، أي: طرائقها.
(وجدها تغرب في عين حمئة)
ذات حمأة.

(2/875)


فإن من ركب البحر وجد الشمس تطلع وتغرب منها رؤية لا حقيقة.
(جزاء الحسنى)
أي: الجنة الحسنى، فحذف الموصوف اكتفاءً بالصفة.
وربما نون الجزاء، ثم يكون الحسنى بدلاً منه.
(لم نجعل لهم من دونها ستراً)
أي: كنا ببناء أو بخمر، وقيل: بل أراد دوام طلوعها عليهم في الصيف، وإلا فالحيوان يحتال للكن، حتى الإنسان.

(2/876)


ولكن وراء بربر من تلقاء بلغار، إذا سلك السالك منهم لحق القطب في البحر -لامتناع المسير في البر- وصل إلى حيث يبطل الليل في الصيف بواحدة، وتدور الشمس ظاهرة فوق الأرض. وقد حكي أن رسولاً من أهل بلغار، ورد على الأمير الماضي -أنار الله برهانه- وكان بلغ الموضع المذكور، فحكاه بين يديه، وكان -رحمه الله- عظيم الصلابة في دين الله، فتسارع إلى شتم الرجل، ونسبته إلى إلحاد على براءة أولئك القوم عنه حتى قال له الشيخ أبو نصر بن مشكان: إن هذا لا

(2/877)


يذكره عن رأي ومذهب، وإنما يحكيه عن رؤية وعيان، والقرآن يشهد له بذلك في قوله: (لم نجعل لهم من دونها ستراً) فلم يقنعه حتى سأل/أصحاب العلم بالنجوم عنه، فوصفوا له بصور إقناعية.
فقال: كيف تعرفون؟ والله يقول: (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض)؟!
فقيل: كما نعرف تشريح أبداننا، وقد قال: (ولا خلق أنفسهم) فكف عن الرجل.
(خرجاً)
خراجاً، [كالنبت والنبات]، والحصد والحصاد، وقيل: الخرج: الفيء، والخراج: الضريبة والجزية.

(2/878)


وقال الفراء: الخراج من الأرض، والخرج: فيما يخرج من سائر الأموال.
(زبر الحديد)
قطعاً منه.
(بين الصدفين)
بين الجبلين، كل واحد منهما يصادف صاحبه ويقابله.
وقيل: بل كل واحد منهما ينحرف ويتزاور عن صاحبه، فيكون بمعنى الصدوف والصدود.
(قطراً)
نحاساً مذاباً.
(أن يظهروه)
أن يعلوه.

(2/879)


(وما استطاعوا له نقباً)
من أسفله.
(دكاء)
هدماً، حتى يندك ويستوي بالأرض.
(وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض)
أي: يختلط كما يختلط أمواج البحر بعضها في بعض.
[تمت سورة الكهف]

(2/880)