باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة مريم
(ذكر رحمت ربك)
أي: هذا ذكر، أو فيما أنزل عليك ذكر.
(واشتعل الرأس شيباً)
نصب على المصدر، كأنه شاب الرأس شيباً.
ويجوز على [التمييز]، كقولك: ضقت به ذرعاً، وتصببت عرقاً. (يرثني)
بالرفع، على صفة الولي ومعنى النكرة، لأن صفة النكرة نكرة، أي: ولياً وارثاً.

(2/881)


وإنما دعا أن يرثه [الدين] والعلم، لئلا يغير بنو عمه كتبه. (عتياً)
سناً عالياً.
و [العاتي] والعاسي الذي أيبسه الكبر، وأعجفه السن.
(وحناناً لمن لدنا)
رحمة من عندنا.
وقيل: تعطفاً وتحنناً على [عبادنا]، وإنما فسر بالتحنن، لأنه لم يوجد له فعل ثلاثي.
(انتبذت)
تباعدت وانفردت.

(2/882)


البغي: الفاجرة، مصروفة عن الباغية.
أو بمعنى [المفعولة]، يقال: نفس [قتيل]، وكف خضيب. (فأجاءها المخاض)
ألجأها [أ] و [جاء] بها، كما قال زهير في المعنيين:
732 - وسار سار معتمداً علينا ... أجاءته المخافة والرجاء
733 - ضمنا ماله فغدا سليماً ... علينا نقصه وله النماء. (نسياً منسياً)

(2/883)


مصدر موصوف، كقوله: (حجراً محجوراً).
وقيل: إن النسي: اسم ما يرمى به لوتاحته وحقارته.
وفي الشعر للشنفري: النسي: المفقود، فيكون المنسي غير معنى النسي، قال:
734 - لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعها ... إذا ما مشت ولا بذات تلفت
735 - كأن لها في الأرض نسياً تقصه ... على أمها وإن تكلمك تبلت.
(تحتك سرياً)
أي: شريفاً وجيهاً، قال السدي: إنه كان والله سرياً.

(2/884)


وقيل: السري: النهر الصغير، لكون الرطب طعامها، والنهر شرابها.
قال لبيد:
736 - سحق يمتعها [الصفا] وسريه ... عم نواعم بينهن كروم.
(تساقط)
أي: [تـ]ـتساقط، فأدغمت التاء في السين، لأنهما مهموستان.
(رطباً جنياً)
نصب على [التمييز].
وقيل: على وقوع الفعل عليه، لأن التساقط متعد، مثل: تقاضيته، وتناسيته، قال الله تعالى: (لولا أن تداركه نعمة).

(2/885)


وقيل: تقدير الكلام "وهزي رطباً جنياً بجذع النخلة تساقط عليك".
(فأتت به قومها تحمله)
يجوز أن يكون (تحمله) حالاً منها ويجوز منه، ويجوز منهما، على قوله:
737 - [فلئن] لقيتك خالياً لتعلمن ... أيي وأيك فارس الأحزاب
ولو كانت الآية "فأتت به قومها تحمله إليهم"، لجاز أن يكون تحمله حالاً منها، ومنه، ومنهما، ومنهم جميعاً، لحصول الضمائر في الجملة التي هي حال.
(فرياً)
عجيباً.

(2/886)


وقيل: مفترى، من الفرية.
(من كان في المهد صبياً)
أي: من يكن في المهد، كيف نكلمه.
على الشرط والجزاء، فوضع الماضي موضع الاستقبال، لأن الشرط لا يكون إلا في المستقبل، وقد يوضع كان موضع يكون، ويكون موضع كان، قال جرير:
738 - لقد وجداني حين مدت حبالنا ... أشد محاماة وأبعد منزعا
739 - فأدركت من قد كان قبلي ولم أدع ... لمن كان بعدي في القصائد مصنعا
وقال الصلتان:

(2/887)


740 - فإذا مررت بقبره فاعقر به ... كوم الهجان وكل طرف سائح
741 - وانضح جوانب قبره بدمائها ... فلقد يكون أخادم وذبائح.
(فاختلف الأحزاب)
لأنهم تحزبوا إلى يعقوبية، وملكائية، ونسطورية، وغيرها.
(أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا)
أي: إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا، فما أسمعهم يوم القيامة.
ووجه التعجب أنهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم. (واهجرني ملياً)

(2/888)


حيناً طويلاً.
(حفياً)
لطيفاً رحيماً.
والتحفي: التلطف في القول والفعل، والحفاوة: الرأفة والكرامة. (فخلف من بعدهم خلف)
الخلف في البقية الفاسدة، والخلف في الصالحة، وأنشد أبو عبيد:
742 - عرقت أبوك ولا أراك معرقاً ... وأباك دار في انتخاب المولد
743 - فاخلفه لبيك ولا تكن خلفاً ... ومن يخلف ولا يخلف أباً لا يرشد.
وإعراب هذا الشعر من المشكلات، وسنشرحها إن شاء الله.

(2/889)


(يلقون غياً)
خيبة،
وقيل: شراً.
وقيل: حذف منه المضاف، أي: جزاء الغي، كقوله تعالى: (يلق أثاماً). قال أنس بن [مدرك] الخثعمي:

744 - ومقوز يأبى الظلام شهدته ... والليل أليل ماله لألاء
745 - فرجت عنه بطعنة مشفوعة ... للنيب حول رشاشها ضوضاء.
أي: [يأبى] رد الظلامة، فحذف المضاف.

(2/890)


(جثياً)
و (عتياً)
من بنات الواو، إلا أنها قلبت ياء لموافقة رؤوس الآي.
وقيل: بل هو الوجه، لأن الواو وقعت طرفاً في موضع الإعلال، وقبلها ضمة، إذ أصلها "جثوواً".
746 - إذ [ا] الخصوم اجتمعت جثياً ... وجدت ألوى محكاً أبيا.
(صلياً)
دخولاً.
وقيل: لزوماً. قال كليب وائل:

(2/891)


747 - قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال
748 - لم أكن من جناتها علم الله ... وإني لحرها اليوم صالي. (وإن منكم إلا واردها)
منكم بمعنى منهم، وكذلك قرئت في بعض [القراءات]، كقوله: (إن هذا كان لكم جزاء) بعد قوله: (وسقاهم ربهم).
وقيل: إنه ورود حضور، لا ورود دخول، كقول زهير:

(2/892)


749 - ولما وردن الماء زرقاً جمامه ... وضعن عصي الحاضر [المتخيم].
(حتماً)
أي: حقاً، وليس التفسير بالواجب صحيحاً.
كما قال الهذلي:
750 - فوالله أنساتيك ما عشت ليلة ... صفي من الإخوان والولد الحتم.
وقال:

751 - وما أحد حي تأخر يومه ... بأخلد ممن صار قبل إلى الرجم

(2/893)


752 - سيأتي على [الباقين] يوم كما أتى ... على من مضى حتم عليهم من الحتم.
([و] رءياً)
مهموزاً ساكنة على وزن رعي، اسم المرئي.
يقال: رأيته رؤية ورأياً. [والمصدر] رئي، كالرعي والرعي، والحمل والحمل، أي: أحسن متاعاً ومنظراً.
وقيل: أحسن ما لا يراه الناس وهو الأثاث، وما يراه الناس وهو الرئي.
وأما "الري" مشدداً غير مهموز، فهو من الري: الشباب، وارتواء النعمة. قال المزرد:

(2/894)


753 - وأسحم ريان القرون كأنه ... أساودرمان السباط الأطاول
754 - وتخطو على برديتين غذاهما ... نمير المياه والعيون [الغلاغل].
(فليمدد له الرحمن مداً)
أي: فليدعه في ضلالته وليمله في غيه.
(وخير مرداً)
أي: مرجعاً يرد إليه.
(تؤزهم أزاً)

(2/895)


تزعجهم إزعاجاً.
وقيل: تهيجهم وتثيرهم، وفي الحديث: "ولجوفه أزيز كأزيز المرجل".
(نعد لهم عداً)
أي: أعمالهم للجزاء.
وقيل: أنفاسهم للفناء.
(وفداً)
ركباناً مكرمين.

(2/896)


وقيل: زواراً مجتمعين.
(ورداً)
عطاشاً من ورود الإبل.
(إداً)
منكراً عظيماً.
وقيل: داهية شديدة.
(ركزا)
صوتاً خفياً.
[تمت سورة مريم]

(2/897)