باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة سبأ
(وله الحمد في الأخرة)
هو حمد أهل الجنة سروراً بالنعيم من غير تكليف.
(يعلم ما يلج في الأرض)
من المطر.
(وما يخرج منها)
من النبات.
(وما ينزل من السماء)
من الأقضية والأقدار.
(وما يعرج فيها)
(2/1147)
من الأعمال.
(أفلم يروا إلى ما بين أيديهم)
أي: ألا ترون أنا إن نشأ نعذبهم في الأرض أو في السماء.
(أوبي معه)
رجعي التسبيح.
والأوب: الرجوع، والتأويب: السير إلى الليل، أي: سبحي من الصبح
إلى الليل، قال الراعي:
960 - لحقنا بحي أوبوا السير بعدما ... رفعنا شعاع الشمس
والطرف مجنح
961 - فنلنا غراراً من حديث نقوده ... كما اغتر بالنص القضيب
المسمح.
(2/1148)
(والطير)
نصبه: بالعطف على موضع المنادى.
أو على المفعول معه، أي: سخرنا له الجبال وسخرنا معه الطير.
(وقدر في السرد)
وهو دفع المسمار في ثقب الحلقة.
والتقدير فيه: أن يجعل المسمار على قدر الثقب، لا دقيقاً
فيقلق، ولا غليظاً فيفصمه. قال الشماخ:
962 - شككن بأحساء الذناب على هدى ... كما تابعت سرد العنان
الخوارز.
(2/1149)
(وأسلنا له عين القطر)
سالت له القطر، وهو النحاس من عين فيما وراء أندلس بمسيرة
أربعة أشهر، فبني منه قصراً، [وحصر] فيها مردة الشياطين، ولا
باب لهذا القصر، ذكر ذلك في حكاية طويلة من أخبار عبد الملك بن
مروان، وأن من جرده لذلك تسورها من أصحابه عدد، فاختطفوا فكر
راجعاً.
(كالجواب)
كالحياض يجمع فيها الماء. قال كثير:
(2/1150)
963 - أتيتك والعيون مقدحات ... هوارب في
جماجم كالجواب.
(وقدور راسيات)
لا تزول عن أماكنها. كما قال بعض بني منقر:
964 - يفرج ما بين الأثافي ويذبل ... ومثل ذراها راسيات قدورنا
965 - فأضيافنا في المحل حول خبائنا ... وأعداؤنا من خوفنا ما
نطورنا.
(اعملوا ءال داود شكراً)
أي: اعملوا لأجل شكر الله، فيكون مفعولاً له، كقولك: جئتك
حباً.
(2/1151)
ويجوز مفعولاً به كأنه اعملوا عملاً دون
ذلك، عمل الأركان. ومثل هذه الآية في احتمال اللفظ على وجهين:
له وبه، قول حاتم:
966 - وعوراء قد أعرضت عنها فلم تضر ... [وذي أود] قومته
فتقوما
967 - واغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم
بتكرما]
أي: اغفرها لأجل ادخاره، أو أغفرها مغفرة تكون ادخاراً له
واستبقاءً [لـ]ـمودته.
(منسأته)
(2/1152)
عصاه، نسأت الغنم سقتها.
قال الهذلي:
968 - إذا دببت على المنساة من كبر ... فقد تباعد عنك اللهو
والغزل.
(العرم)
المسنيات، واحدها عرمة.
وقيل: العرم: اسم الجرذ الذي نقب السكر.
(2/1153)
(ذواتى أكل خمط)
ذواتي ثمر خمط، والخمط شجر الأراك، وله حمل يؤكل فيكون على أكل
عطف بيان، أي: الأكل لهذا الشجر.
وقيل: بل الخمط صفة حمل الشجرة، وهو المر الذي فيه حموضة، كما
قال الهذلي:
(2/1154)
969 - وما الراح [راح] الشام جاءت سبيئة
... لها غاية [تهدي] الكرام عقابها
970 - عقار كماء النيئ ليست بخمطة ... ولا خلة يكوي الشروب
شهابها.
والأثل: شبيه بالطرفاء.
والسدر: النبق.
(وجعلنا بينهم وبين القرى)
(2/1155)
كانت بينهم وبين بيت المقدس (قرى ظاهرة)،
إذا قاموا في واحدة، ظهرت لهم الثانية.
(وقدرنا فيها السير)
للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية.
(ءامنين)
من الجوع والظمأ، وكانت المرأة تدخلها بمكتلها فتمتلئ من ألوان
الفواكه، من غير أن تأخذ شيئاً بيدها.
(باعد بين أسفارنا)
قالوا: ليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا.
(فجعلناهم أحاديث)
حتى قالوا في المثل: تفرقوا أيدي سبأ.
(ولقد صدق عليهم إبليس ظنه)
(2/1156)
أصاب في ظنه، والظن مفعول.
وقيل: مصدر، تقديره: صدق عليهم إبليس ظناً ظنه.
وظن إبليس: أن آدم لما نسي، قال إبليس: لا تكون ذريته إلا
ضعافاً عصاة.
(وما كان له عليهم من سلطان)
لولا التخلية للمحنة.
(إلا لنعلم)
لنظهر المعلوم.
(فزع عن قلوبهم)
أزيل عنها الخوف.
(2/1157)
أفزعته: إذا [ذعرته]، وفزعته: [جليت] عنه
الفزع.
مثل: أقذيت وقذيت، وأمرضت ومرضت.
(وإنا أو إياكم)
معناه إنا وأنتم لسنا على أمر واحد، فلا محالة يكون أحدنا على
هدى، والآخر في ضلال، فأضلهم بأحسن تعريض، كما يقول الصادق
للكاذب، [إن أحدنا] لكاذب.
وفي معناه:
971 - بنو عم النبي وأقربوه ... أحب الناس كلهم إليا
(2/1158)
972 - فإن يك [حبهم] رشداً أصبه ... ولست
[بمخطئ] إن كان غيا.
فخرج التقسيم على الإلزام لا على الشك من القائل، ومثله أو
قريب منه:
973 - زعم المنجم والطبيب كلاهما ... لا يبعث الأموات قلت
إليكما
974 - إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولي فالخسار عليكما.
وذكر الفقيه نصير المرغيناني: بأن من محاسن الكلام تجاهل
(2/1159)
[العارف]، مثل قوله تعالى: (وإنا أو إياكم
لعلى هدى)، وأنشد في نظائره قول المجنون:
975 - بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أو ليلى من
البشر.
وقول دريد بن الصمة:
976 - تنادوا [فقالوا] أردت الخيل فارساً ... فقلت أعبد الله
ذلكم الردي
(2/1160)
977 - فإن يك عبد الله خلى مكانه ... فما
كان وقافاً ولا طائش اليد.
(إلا كافة للناس)
إلا رحمة شاملة جامعة.
والكافة: الجماعة التي تكف غيرها.
وقال [الجبائي]: الكافة الجماعة التي تتكفأ يميناً وشمالاً.
فجعل المضاعف من المهموز، ونقله عن المعنى المعروف.
(2/1161)
وقال ابن بحر: معناه كافاً لهم، أي: مانعاً
من الشرك.
فغير المأخذ اللفظي دون المعنى، وكذلك البلخي في قوله: إنه من
[كف] الثوب، إذا جمعه، فضم أطرافه، فقد سها في تفسير هذه
اللفظة رؤساء المتكلمين.
(بل مكر الليل والنهار)
قيل: معصيتهما.
وقيل: مرهما واختلافهما، فقالوا: إنهما لا إلى نهاية.
(وما بلغوا معشار ما ءاتيناهم) [45]
(2/1162)
أي: ما بلغ أهل مكة معشار ما أوتي الأولون
من القوى والقدر. وقال ابن عباس: هم الأولون، ما بلغوا معشار
ما آتيناهم، أي: هذه الأمة، فلا أمة أعلم منهم ولا كتاب أهدى
من كتابهم.
(أن تقوموا لله مثنى وفرادى)
أي: تناظرون مثنى، وتتفكرون في [أنفسكم] فرادى، فهل تجدون في
أحواله، وأخلاقه، ومنشئه، ومبعثه، ما يتهمه في صدقه.
(يقذف بالحق)
[يرمي] به على الباطل.
(وما يبدئ الباطل)
لا يثبت إذا بدأ، (وما يعيد) [لا يعود] إذا زال.
(2/1163)
وقيل: لا يأتي بخير في البدء والإعادة، أي:
الدنيا والآخرة.
(وأنى لهم التناوش)
[التباطؤ]،
وقيل: التناول. قال الراجز:
978 - بات ينوش الدلو نوشاً من علا
979 - نوشاً به يقطع أجواز الفلا
(2/1164)
والمراد بالتناوش هنا: الرجعة، عن ابن
عباس.
والتوبة عن سدي.
والإيمان عن الزجاج.
أي: كيف يكون التناول من بعيد لما كان قريباً منهم فلم
يتناولوه.
(ويقذفون بالغيب)
يقولون: لا بعث ولا حساب.
(من مكان بعيد)
أي: يقذفون من قلوبهم، وهي بعيدة عن الصدق والصواب. [تمت سورة
سبأ]
(2/1165)
سورة الملائكة
(مثنى وثلاث ورباع)
قد [ذكرنا] أنها لتكرر تلك الأعداد، ولم ينصرف للعدل [والصفة].
[وقال] بعض الطاعنين: إن صاحب الأجنحة الثلاثة لا يطير، لزوال
الاعتدال، ويكون كالجادف [الذي] أحد جناحيه مقصوص.
فأجاب عنه الجاحظ: "إنه قريب معقول في الطيران، إذا وضع على
غير هذا الوضع، يصير ثلاثة أجنحة وفق تلك الطبيعة.
ولو كان [الوطواط] في تركيبه كسائر الطير، لما طار لا ريش.
(2/1166)
وكل إنسان فإنما ركبته في رجله، وذوات
الأربع ركبها في أيديها، والإنسان وكل سبع فكفه في يده،
والطائر كفه في رجله.
ويجوز أن يكون موضع الجناح الثالث بين الجناحين، فيكون عوناً
لهما [فتستوي] [في] [القوى] والحصص.
وإذ كان ذلك [ممكناً] في معرفة العبد، فكيف في قدرة الرب"،
وأيضاً [فإن] هذا البناء لتعدد العدد المسمى به، ولذلك عدل عن
البناء الأول، فثلاث إذا عبارة عن ثلاث ثلاث، فتكون ثلاثة
أجنحة من جانب، وثلاثة من جانب، فيعتدل.
(أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا)
جوابه محذوف، يجوز أن يكون مثل: تريد أن تهديه.
(2/1167)
ويجوز: فإنه يتحسر عليه.
ويجوز: كمن آمن وعمل صالحاً.
ويجوز: كمن علم الحسن والقبيح.
ويجوز: فإن الله يضله، إلا أنه وقع (من يشاء) موقع الجميع.
وإنما كان أكثر استفهامات القرآن بلا جواب، لمعنيين، أحدهما:
ليكثر احتمال الجواز، والثاني: لأنها من عالم لا يستعلم
مستفيداً. (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)
قال قتادة:
أي: فليتعزز بطاعة الله.
وقال علي: من سره الغنى بلا مال، والعز بلا سلطان، والكثرة بلا
عشيرة، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته.
(2/1168)
وأنشد:
980 - من رام ملكاً في الورى ... من غير سلطان ومال
981 - وأراد عزاً لم يؤثله ... العشائر والموالي
982 - فليعتصم بدخوله ... في عز طاعة ذي الجلال.
(إليه يصعد الكلم الطيب)
التوحيد.
وقيل: الثناء الحسن على الصالحين.
(والعمل الصالح يرفعه)
أي: يرتفع الكلام الطيب بالعمل الصالح.
(2/1169)
(وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره)
قال البلخي: أي: من عمر آخر غير الأول، كما تقول: عندي درهم
ونصفه، أي: نصف آخر، [بل] لا يمتنع أن يزيد الله في العمر أو
[ينقص]، كما روي: "أن صلة الرحم تزيد في العمر" على أن تكون
(2/1170)
الأحوال قبل التغيير وبعده مستقرة في سابق
علمه.
(ومن الجبال جدد)
طرائق. والجدة: الطريقة.
(وغرابيب)
من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر
فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب،
لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل:
الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر.
قال أبو عبيدة -في بيت الأعشى-:
983 - تلك خيلي منهم وتلك ركابي ... هن صفر أولادها كالزبيب
فبدأ الله بما هو أحب عندهم، وأخر ما هو أكره في أسماعهم.
(فمنهم ظالم لنفسه)
يحتمل أصحاب الصغائر والكبائر، فيكون قوله (الذين اصطفينا من
(2/1171)
عبادنا) دليلاً على أن جملة هذه الأمة
مصطفاة متخيرة على غيرها، وإن كان فيها الفسقة المرقة.
والمقتصد: المتوسط في الطاعة.
والسابق: أهل الدرجة القصوى منها.
(أذهب عنا الحزن)
هموم الدنيا ومعايشها.
(وجاءكم النذير)
النبي عليه السلام.
وقيل: الشيب، وفي معناه قيل:
(2/1172)
984 - وقائلة: تبيض والغواني ... نوافر عن
معاينة القتير
985 - ألا إن المشيب نذير ربي ... ولست مسوداً وجه النذير.
(إلا سنت الأولين)
ما لقوة من صنوف العذاب أو الموت.
(على ظهرها من دابة)
لأنها خلقت للناس.
[تمت سورة فاطر]
(2/1173)
|