باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة يس
(ما أنذر ءاباؤهم)
يجوز أن يكون "ما" بمعنى النفي.
ويجوز بمعنى الذي، أي: لنخوفهم الذي خوف آباءهم.
وهذا أولى، لأن الأرض لا تخلو من حجة تخوف.
(إنا جعلنا في أعناقهم)
نزلت الآيتان فيمن هم أن يفتك برسول الله -صلى الله عليه-
فصرفهم الله عنه.
ويجوز أن يكون ذلك صورة عذابهم في الآخرة.
ويجوز أن يكون ذلك مثل امتناعهم عن الإيمان، كالمغلول عن
التصرف.
(2/1174)
كما قال الأفوه الأودي:
986 - كيف الرشاد إذا ما كنت في نفر ... لهم على الرشد أغلال
وأقياد
987 - أعطوا غواتهم جهلاً مقادتهم ... وكلهم في حبال الغي
منقاد.
(مقمحون)
مرفوعة رؤوسهم.
والقمح: رفع الشيء إلى الفم.
وقيل: المقمح: الذي يرفع رأسه فيصوبها إلى ظهره، فيكون خارج
الصدر، متطامن ما بين المنكبين، وتلك هيئة البعير إذا رفع
رأسه.
(ونكتب ما قدموا)
أعمالهم.
(وءاثارهم)
(2/1175)
سننهم، أي: [ما] استن بها من بعدهم، كقوله:
(ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر).
(أصحاب القرية)
أهل أنطاكية.
والرسولان الأولان: تومان وبولص، والثالث: شمعون.
(2/1176)
(رجل يسعى)
حبيب النجار.
كان من بني إسرائيل، وكانت السماء أمسكت، فتطيروا بهم وقتلوهم،
فلما رأى حبيب نعيم الجنة، تمنى إيمان قومه بني إسرائيل فقال:
(يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) بأي شيء غفر.
(من جند)
لم تحتج إلى جند.
(إن كانت)
أي: ما كانت (إلا صيحة).
(خامدون)
ميتون، كالنار الخامدة.
(يا حسرة على العباد)
(2/1177)
تلقين لهم أن يتحسروا على ما فاتهم.
(وإن كل [لما جميع لدينا محضرون)]
["لما" بالتخفيف على أن "ما" صلة مؤكدة، و"إن" مخففة من
المثقلة أي]: إن كلاً لجميع لدينا محضرون.
وبالتشديد، على أنها بمعنى "إلا"، وإن بمعنى "ما".
أي: ما كل إلا جميع لدينا محضرون.
و (جميع) في الوجهين تأكيد [لـ (كل)].
(ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم)
يحتمل معنى الإثبات والنفي.
الإثبات: أي يأكلون هنيئاً بغير صنعة كالرطب والفواكه، ويصنعون
منه بأيديهم.
(2/1178)
[أو هو على النفي أي: ليأكلوا ولم يعملوا
ذلك بأيديهم]. (نسلخ منه النهار)
نخرج منه ضوءه، كما نسلخ الشاة من جلدها.
(والشمس تجري لمستقر لها)
لانتهائها وفنائها عند انقضاء الدنيا.
(2/1179)
وقيل: لأبعد مغاربها من الأفق، ثم تكر
راجعة إليها.
(والقمر)
نصبه بتقدير فعل مضمر، كأنه قدرنا القمر قدرناه، فيكون الفعل
المضمر قبل القمر معلوماً بالفعل المظهر بعده، هذا هو مذهب
سيبويه في قولك: زيداً ضربته.
قال أبو عبيد: لا سيما وقد تقدم القمر ما يمكن أن يعمل في
نصبه، وهو نسلخ منه النهار، أي نسلخ النهار، ونقدر القمر.
(قدرناه منازل)
هي المنازل المعروفة الثمانية والعشرون.
(كالعرجون القديم)
العذق اليابس.
والعذق: ما يخرج من قضبان الكرم والنخيل فيدق ويتقوس، والقديم
الذي أتى عليه الحول فدق واستقوس.
(2/1180)
ولا يعجبنا اختيار المتكلمين لفظة القديم
من بين أسماء الله الحسنى، وقد شبه الله بالعرجون بعض خلقه في
أضعف حالاته، وجعل القديم من أدق صفاته.
(2/1181)
وكذلك قولهم الذات خطأ، لأن صفات الله لا
تلحقها تاء التأنيث للمبالغة، لا يقال: علامة، وهو أعلم
[العالمين].
(2/1182)
(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر)
أي: بسرعة سير القمر، كما يرى ذلك في حركتها من المغرب إلى
المشرق.
فبينا هو يجامع الشمس في الأفق الغربي من أول الشهر، إذ هو
يستقبله في النصف منه.
(2/1183)
وقال يحيى بن سلام: إن المراد به ليلة
البدر، لأنه يبادر في صبيحتها بالمغيب قبل طلوعها.
(ولا الليل سابق النهار)
أي: لا يأتي الليل إلا بعد النهار، وقت النهار بتمامه.
وسئل الرضا عند المأمون عن الليل والنهار أيهما أقدم وأسبق؟،
فقال: النهار، فطلب منه الدليل؟
فقال: أما من القرآن فقوله: (ولا الليل سابق النهار)، وأما من
الحساب: فخلق الدنيا بطالع السرطان، والكواكب في أشرافها،
فيقتضي
(2/1184)
كون الشمس من الحمل في عاشر الطالع أن يكون
في وسط السماء.
(يسبحون)
يسيرون بسرعة، ومنه فرس سابح وسبوح.
قال الراجز:
988 - ومهمه فيه السراب يسبح
989 - يدأب فيه القوم حتى يطلحوا
(2/1185)
990 - وإن غدوا فيه وإن تروحوا
991 - كأنما أمسوا بحيث أصبحوا.
(حملنا ذرياتهم)
أي آباءهم، سمى الآباء ذرية، لأنه ذرأ الأبناء منهم على طريق
تسمية السبب باسم المسبب، كما قال الراجز:
992 - أقبل في المستن من ربابه
993 - [أسنمة] الآبال من سحابه.
(من مثله)
(2/1186)
من سائر السفن التي هي مثل سفينة نوح.
وقيل: هي الزواريق.
وقيل: الإبل فإنها سفن البر. قال طرفة:
994 - كأن حدوج المالكية [غدوة] ... خلايا [سفين] بالنواصف
[من] دد.
وقال المثقب:
995 - وهن كذاك حين قطعن [فلجاً] ... كأن حمولهن على سفين
(2/1187)
996 - يشبهن السفين وهن بخت ... عراضات
الأباهر والشؤون.
(اتقوا ما بين أيديكم)
من عذاب الدنيا.
(وما خلفكم)
من عذاب الآخرة.
(وهم يخصمون)
أي: في متاجرهم ومبائعهم.
(ينسلون)
يسرعون.
وقيل: يخرجون.
(2/1188)
(من مرقدنا)
يخفف عنهم بين النفختين فينامون.
(في شغل فاكهون)
ناعمون، وذلك الشغل افتضاض الأبكار.
وقيل: السماع.
والأولى: أن يحمل على كل لذة ونعيم.
(2/1189)
وقال الفراء: الفكه [والفاكه] واحد، وهو
الرجل الطيب الحديث، الناعم البال.
وقال أبو عبيدة: الفكه الذي يتفكه بالطعام، والفاكه صاحب
الفاكهة، كالتامر واللابن.
(ما يدعون)
يستدعون ويتمنون.
(سلام قولاً)
أي: ولهم من الله سلام يسمعونه، ومعناه: بشارة الله لهم
بسلامتهم أبداً.
(2/1190)
(وامتازوا اليوم)
ينفصل فرق المجرمين بعضهم عن بعض.
(جبلاً كثيراً)
خلقاً كثيراً. والأولى: جبلاً بدليل مؤنثه الجبلة، كقوله:
(والجبلة الأولين). وهذا كما يقال: بعير ذفر، وناقة ذفرة: إذا
كانت عظيمة الذفرى.
ويجوز أن يكون الجبل جمع جبلة. وأما (جبلاً) بالضمتين، فهي جمع
جبيل، مثل: سبيل وسبل.
(2/1191)
ومعناه: المجبول: مثل الجريح والقتيل.
(لطمسنا على أعينهم)
أعميناهم في الدنيا.
(فاستبقوا [الصراط]) الطريق.
(فأنى يبصرون)
فكيف يبصرون.
(لمسخناهم على مكانتهم)
أي: في منازلهم حيث يجترحون المآثم.
(ومن نعمره)
[نبلغه] ثمانين سنة.
(ننكسه)
نرده من القوة إلى الضعف، ومن الجدة إلى البلى، ومن الزيادة
إلى النقصان.
(2/1192)
(مما عملت أيدينا)
مما تولينا خلقه، كقوله: (فبما كسبت أيديكم).
وقال الحسن: مما عملت قوانا. واليد: القوة كالأيد والله يتعالى
عن أن تحله القوة أو الضعف، ولكن معناه: مما عملت قوانا التي
أعطيناها الأشياء من الأمور السماوية والأرضية.
(وهم لهم جند محضرون)
أي: في النار، أو عند الحساب.
أي: لا [يتمكنون] من نصرهم وهم حاضرون.
[تمت سورة يس]
(2/1193)
سورة الصافات
(والصافات صفا)
الملائكة، لأنها صفوف في السماء.
أو لأنها تصف أجنحتها في الهواء، حتى يأمرها الله بما خلقوا
لها. (فالزاجرات زجرا)
[تدركه] القلوب كما [تدرك] وسوسة الشيطان، وذلك من دواعي
التكليف.
(فالتاليات ذكرا)
وهو تلاوة كتب الله، أو ذكر تسبيحه وتقديسه.
أقسم بثلاثة أصناف من الملائكة، أو برب الأصناف الثلاثة.
(2/1194)
وكل واحد من هذا جمع الجمع، لأن الملائكة
ذكور، فنقول في جمعها صافة، ثم يجمع على الصافات.
(بزينة الكواكب)
الزينة تجوز اسماً فأضيفت إلى الكواكب إضافة محضة، أي: بزينة
من الكواكب، وتجوز مصدراً أضيفت إلى المفعول به.
وقيل: الإضافة كانت "بزينة الكواكب" بتنوين الأول ونصب الثاني،
كما هو في بعض القراءات، وهو من باب قوله تعالى: (دعاء الخير)
و (سؤال نعجتك)، أي: دعائه الخير، وسؤاله نعجتك.
(دحورا)
(2/1195)
قذفاً في النار.
وقيل: دفعاً بعنف.
(واصب)
دائم مؤلم.
(إلا من خطف)
استلب السمع واسترق.
وعن ابن عباس: "من وثب الوثبة فلا يلحقه الرجم".
(شهاب ثاقب)
شعلة من النار، يثقب ضوؤها ويستوقد. قال:
997 - ليت شعري ولليت نبوة ... أين صار الروح مذبان الجسد
(2/1196)
998 - بينما المرء شهاب ثاقب ... ضرب الدهر
سناه فخمد. (أم من خلقنا)
أي: من السماء والأرض والجبال.
وقيل: من الملائكة.
وقيل: من الأمم الماضية الذين أهلكوا.
(لازب)
لاصق لازق، وبينهما فرق، فاللاصق الذي يلصق بعضه ببعض،
واللازق: الذي يلزق [بما] أصابه.
وقيل: لازب لازم. فالأربعة الألفاظ متقاربة.
(2/1197)
قال النابغة:
999 - ولا يحسبون الخير لا شر بعده ... ولا يحسبون الشر ضربة
لازب.
(يستسخرون)
يستدعون السخرية.
وقيل: ينسبون الآيات إلى السخرية، كما تقول: استحسنته
واستقبحته إذا وصفته بهما.
(داخرون)
أذلاء صاغرون.
(وأزواجهم)
أشباههم، يحشر صاحب الزنا مع صاحب الزنا وصاحب الخمر مع صاحب
الخمر.
(فاهدوهم إلى صراط الجحيم)
(2/1198)
دلوهم.
قال ابن كيسان: قدموهم، والهادي: السابق. والهادية: العنق،
وهاديات الوحش: أوائلها.
قال امرؤ القيس:
1000 - كأن دماء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل
(وقفوهم)
احبسوهم، لازم ومتعد، قال الأعرابي:
(2/1199)
1001 - رئمت لسلمى بوضيم وإنني ... قديماً
لآبي الضيم وابن أبات
1002 - فقد وقفتني بين شك وشبهة ... وما كنت وقافاً على
الشبهات.
(تأتوننا عن اليمين)
تقهروننا بالقوة. قال الشماخ:
1003 - رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الغايات منقطع القرين
1004 - إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين.
وقال الحسن: اليمين مثل [الدين]، أي: تأتوننا من قبله،
فتصدوننا عنه.
(2/1200)
(رزق معلوم)
لأن النفس إلى المعلوم منه اسكن.
كما قال سلمان: "النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت).
(بكأس من معين)
تسمية الخمر بالمعين على معاني تسمية الماء:
-إما من ظهورها للعين.
-[أو] لامتداد العين بها لطول اتصالها، أو عدم انقطاعها.
-أو لشدة جريها، من الإمعان في السير.
-أو لكثرتها، من المعن، وهو الشيء الكثير، ومنه الماعون لكثرة
الانتفاع به.
(2/1201)
(لا فيها غول)
أي: أذى وغائلة.
وقيل: لا تغتال عقولهم. كما قال:
1005 - فما زالت الكأس تغتالنا ... وتذهب بالأول الأول. (لا
ينزفون)
بكسر الزاي، أي: لا يسكرون، لئلا يقل حظهم من النعيم واللذات.
قال [الأبيرد] الرياحي:
(2/1202)
1006 - لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ... لبئس
الندامى أنتم آل [أبجرا].
وقيل: لا [ينفد] شرابهم، ولا يعل عقولهم من باب "أقل" و"أعسر"
و"أفنى" و"أنفد"، من نزفت الركية إذا استخرجت جميع مائها.
ولا ينزفون بفتح الزاي على بناء الفعل للمفعول من هذا.
ويقال منه: نزف الرجل فهو نزيف ومنزوف. وفي الأول نزيف لا غير.
قال المخزومي:
(2/1203)
1007 - قالت: واحق أبي وأكبر إخوتي ...
لأنبهن الحي [إن] لم تخرج
1008 - ولثمت فاها آخذاً بقورنها ... شرب النزيف ببرد ماء
الحشرج.
(قاصرات الطرف)
يقصرن طرفهن على أزواجهن.
قال امرؤ القيس:
1009 - من القاصرات الطرف لودب محول ... من الذر فوق الإتب
منها لأثرا.
(كأنهن بيض)
(2/1204)
في نقائها واستوائها.
وبلغ من جهل ابن الرواندي بأشعار العرب، ومحاسن التشبيه أن
قال: ما في بيض النعام من محاسن [الجمال]، حتى يصير موضع
تشبيهها به؟! والعرب تناقلت ذكره، والقرآن على لسانهم، قال
الراجز في الجاهلية:
1010 - كأن لون البيض في الأدحي
1011 - لونك إلا صفرة الجادي.
وقال عروة:
1012 - وكأنهن [و] قد حسرن لواغباً ... بيض بأكناف الحطيم
مركم.
وقال الفرزدق:
1013 - فجئن إلي لم يطمثن قبلي ... وهن أصح من بيض النعام.
(2/1205)
(سواء الجحيم)
وسطه، لاستواء البعد إليه من الجوانب.
وقال:
1014 - وصاحب غير ذي ظل ولا نفس ... هيجته في سواء البيد
فاهتاجا.
(شجرة الزقوم)
أخبث شجر.
(طلعها)
أي: ما يطلع منها وهو الثمر، وقبح صورة الشيطان متقرر في
النفوس، فجرى التشبيه عليه وإن لم ير، كما قال امرؤ القيس:
1015 - اتقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال.
(2/1206)
وقيل: إن الشياطين الحيات، وأنشد:
1016 - تلاعب مثنى حضرمي كأنه ... تعمج شيطان بذي خروع [قفر].
وما يشبه زماماً مضفوراً من أدم بتلوي حية في غيضة.
(من حميم)
من ماء حار.
وقيل: من عرق.
وجاء الشعر في معناه، قال:
1017 - وليس بها ريح ولكن وديقة ... يظل [بها] الساري يهل
وينقع.
(2/1207)
[وقال]:
1018 - يبل بمعصور جناحي ضئيلة ... أفاويق منها هلة ونقوع.
(ثم إن مرجعهم)
معناه معنى الواو، وليس للتراخي، وهو كما قال عبدة بن الطبيب:
1019 - لما وردنا رفعنا ظل أخبية ... وفار باللحم للقوم
المراجيل
1020 - ورداً وأشقر لم يهنئه طابخه ... ما غير الغلي منه [فهو]
مأكول
1021 - ثم قمنا إلى جرد مسومة ... أعرافهن لأيدينا مناديل.
(2/1208)
لم يريدوا التراخي بدليل أنهم [لم يهنئوا]
اللحم، أي: لم ينضجوه، ولم يتفرغوا للتنظف وغسل اليد.
(وتركنا عليه في الآخرين)
أبقينا له الثناء الحسن.
(بقلب سليم)
سالم من الشك والرياء.
(فما ظنكم برب العالمين)
حين خلقكم ورزقكم وعبدتم غيره.
(فنظر نظرة في النجوم)
للاستدلال بها على الصانع.
وقال الحسن: ليس هو نجوم السماء، ولكنه ما نجم في قلبه من
[أمر] الأصنام، وقصد إهلاكها.
(2/1209)
وقيل: إن علم النجوم كان حقاً، وكان من
النبوة ثم نسخ.
قال الضحاك: [إن علم النجوم كان] ثابتاً إلى [زمن] عيسى عليه
السلام. والنسخ في مثل هذا الموضع بعيد، وإنما النسخ في
الأحكام والشرائع، وما كان من علم النجوم ثابتاً من [تصريف]
الله على أمور في العالم، فذلك ثابت أبداً.
(2/1210)
وما ليس بثابت اليوم من فعلها في العالم
بعلمها واختيارها، فلم يكن ثابتاً، إلا أن يقال: إن الاشتغال
بمعرفتها والتوفر على ضبطها وتحصيلها نسخ، فيكون ذلك صحيحاً.
وقيل: معناه أنه نبين بها أن الحركات العلوية معدة للتغيرات في
السفلية، ولا بقاء مع دورانها على الأشخاص البالية، قال أسقف
نجران:
1022 - منع البقاء تصرف الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي
1023 - وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس
1024 - اليوم يعلم ما يجيء به ... ومضى [بفصل] قضائه أمس
(2/1211)
وقال أمية بن أبي [الـ] صلت:
1025 - وكيف أعد الشاء مالاً وربما ... أتى سبع يغدو عليها
فتشعب
1026 - أو الإبل اللاتي إذا الشمس أشرقت ... عليها فماتت كلهن
حين تغرب.
(فقال إني سقيم)
أي: خلقت للموت، فأنا سقيم أبداً.
وقيل: إنه استدل بها على حدوث سقم في بدنه.
والأولى القول الأول، وذلك أنه أراد أن يتأخر عن عيد لهم، ليتم
كيده في أصنامهم، [فاعتذر] بالسقم على تأويل أن المخلوق للموت
والأسقام، سقيم أبداً، صحته داء، وسلامته عناء قال لبيد:
(2/1212)
1027 - كانت قناتي لا [تلين] لغامز ...
فألانها الإصباح والإمساء
1028 - ودعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة
داء.
وقال حميد بن ثور:
1029 - أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما
1030 - فلن يلبث العصران يوم وليلة ... إذا تمما أن يدركا ما
تيمما.
وقال آخر:
1031 - لعمرك [ما الدنيا] بدار إقامة ... إذا زال عن عين
البصير غطاؤها
1032 - وكيف بقاء المرء فيها وإنما ... ينال بأسباب الفناء
بقاؤها.
(2/1213)
وفي معاني هذه الأبيات، وفي قولهم:
1033 - كل يدور على البقاء بجهده ... وعلى الفناء يديره
الأيام.
وقولهم:
1034 - يميتك ما يحييك في كل ساعة ... ويحدوك حاد يريد بك
الهزءا.
وغير ذلك.
قالت الحكماء: إن تحلل الرطوبة التي منها خلقنا -وهو المني-
والرطوبة الخاصة منها [لغذاء] القلب -وهي رطوبة دهنية لذيذة
ملساء هي لنار القلب كالدهن [لشعلة] السراج- دائم أبداً،
بسببين: بالهواء المحلل من خارج، وبالحرارة الغريزية وبالغريبة
من داخل.
وهذه الأسباب متعاونـ[ـة] على التجفيف أولاً أولاً.
(2/1214)
بل هذا الجفاف ضرورة الاستكمال، والبلوغ من
تتمة الأفعال. فإنا في أول الأمر ما [نكون] في غاية الرطوبة،
[وبحسب] ذلك كثرة الحرارة، وإلا عفنت واحتنقت، فهي تستولي
عليها، [وتعمل] في أكلها وتجفيفها حتى يبلغ البدن الحد
المعتدل، ثم التجفيف يكون أقوى من الأول، لأن المادة تهي أقبل
فلا يزال يزداد حتى يفني رطوبة القلب بحرارته، فتصير الحرارة
الغريزية بالعرض سبباً لإطفاء نفسها، وعند ذلك يعرف، وجعل
حياته بالفناء والآفات. فهو -وهو حي- ميت. كما قال عز من قائل:
(إنك ميت وإنهم لميتون).
(فراغ عليهم)
مال إليهم.
والروغ [والروغان] ذهاب في ختل وخفية.
(ضرباً باليمين)
بالقوة.
وقيل: باليمين التي هي خلاف الشمال.
(2/1215)
وقيل: بالحلف التي [تألى] بها في قوله:
(وتالله لأكيدن أصنامكم).
وقول [الحادرة]:
1035 - ولدى أشعث باسط ليمينه ... قسماً لقد أنضجت لم يتورع.
يحتمل اليمينين التي هي خلاف الشمال، والتي هي القسم. (يزفون)
يسرعون. زف يزف زفيفاً، وأزف يزف إزفافاً.
(فلما بلغ معه السعي)
أي: ألوان السعي في طاعة الله وعبادته.
(2/1216)
(فانظر ماذا ترى)
ليس ذلك على المؤامرة، ولكنه اختبر بذلك أيجزع أم يصبر، فقال:
(ستجدني إن شاء الله من الصابرين).
(وتله)
صرعه على جبينه.
وقال قطرب: ضرب به على تل.
[وجواب] (فلما أسلما): (وناديناه) فيكون الواو [مقحمة،] كما
قال:
1036 - حتى إذا [قملت] بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبوا
(2/1217)
1037 - وقلبتم ظهر المجن لنا ... إن اللئيم
لعاجز [خب]. أي: قلبتم.
ويجوز أن يكون الجواب: (إن هذا لهو البلاء)، أي: لما بلغ الأمر
بهما إلى ما ذكر، بلغ البلاء غايته.
وقيل: إن البلاء هاهنا بمعنى النعمة، بدليل ما تقدمه من:
(وناديناه) وما تعقبه من: (وفديناه).
وهذا كما قال أوس بن حجر:
1038 - وقد غبرت شهري ربيع كليهما ... بحمل البلايا والخباء
الممدد
1039 - سنجزيك أو يجزيك عنا مثوب ... وحسبك أن يثنى عليك
وتحمدي.
(2/1218)
(وبشرناه بإسحاق نبيا)
أي: بشرناه بنبوته بعد ما بشرناه فيما مضى بولادته.
(آل ياسين)
يجوز أن يكون ياسين محمداً وأمته، لأنهم أهل سورة يس.
ويجوز أن يكون ياسين لغة في ياس على قراءة من قرأ "وإن إلياس"
موصولاً.
قال خداش بن زهير:
(2/1219)
. ... ... ... ... ... ... ... ،
مثل إبراهيم وإبراهام.
ويجوز أن يكون لذلك النبي اسمان، مثل: يعقوب وإسرائيل، ومحمد
وأحمد.
وأما من قرأ (الياسين) بكسر الهمزة وسكون اللام، فيقول أبو
عمرو: إن الياسين لغة في إلياس، مثل (وطور سينين) في (طور
سيناء).
(2/1220)
ويدل عليه ما في أواخر قصص الأنبياء
المتقدمة من إعادة ذكرهم بالسلام.
وقيل: إنه جمع إلياس بعينه وأهل دينه بالياء والنون على
العدد/بغير إضافة، كما يقال: المهلبون والأشعرون.
قال الراجز:
1040 - أنا ابن سعد سيد السعدينا.
(أتدعون بعلاً)
اسم صنم من ذهب يعبدونه.
وبذلك الصنم سمي بعلبك، كما يقال: بغ داد، ولذلك غير فسمي
مدينة المنصور، ومدينة السلام، إذ كان بغ اسم صنم.
(2/1221)
وقيل: إنـ[ـه] الرب والسيد، ويقال: من بعل
هذه الدار. وقيل: إن البعل اسم الله بلغة اليمن، وتقديره:
أتدعون إلهاً غير الله.
(مغاضباً)
قيل: لقومه، لاستحالة مغاضبة الله.
ولكن قوله: (وهو مليم) يمنع من هذا التأويل، لأن المليم هو
المستحق للملام، كما قال الأسدي:
(2/1222)
1041 - وإني أحب الخلد لو أستطيعه ...
وكالخلد عندي أن أموت [ولم] ألم.
وليست المغاضبة بمعنى المفاعلة بين الشيئين، ولكن المتسخط
[للشيء] الكئيب به، يقال له: المغاضب، كما قال الهذلي:
1042 - يبيت إذا ما آنس الليل كانساً ... مبيت الغريب ذي
الكساء المغاضب
ولما ركب السفينة خافوا الغرق من الأمواج.
وقيل: من الحوت الذي عارضهم.
فقالوا: [ههنا] عبد مذنب لا [ننجوا] أو نلقيه في البحر،
فاقترعوا، فخرجت القرعة على يونس، فألقوه وذلك قوله:
(2/1223)
(فساهم)
أي: قارع بالسهام.
(فكان من المدحضين)
أي: المقروعين المغلوبين.
(فنبذناه بالعراء)
بالفضاء.
(وهو سقيم)
كالصبي المنفوس.
(من يقطين)
قرع.
وقيل: إنه كل ما ينبسط ورقه على الأرض، وهو يفعيل من قطن
بالمكان.
قال مقاتل: كان تأتي إليه وعلة فيشرب لبنها في مثل تلك الشجرة.
(2/1224)
(أو يزيدون)
على شك [المخاطبين]، أو للإبهام عليهم، كأنه قيل إلى أحد
العددين.
(فئامنوا فمتعناهم إلى حين)
أي: إلى حين موتهم.
وإنما آمنوا قبل حضور العذاب، ولكنهم استدلوا بخروج يونس على
العذاب، فآمنوا قبل أن [يبلغوا] إلى حد اليأس والإلجاء.
(وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً)
(2/1225)
قالوا: إن الملائكة بنات الله، حتى قال لهم
أبو بكر: فمن أمهاتهم؟ وقيل: إنها الأصنام، والنسب الشركة،
[لأن] الجن [يكلمهم] منها، ويغويهم فيها.
وهذا القول أولى، لقوله: (إنهم لمحضرون) أي: مزعجوم في العذاب.
(ما أنتم [عليه] بفاتنين)
(2/1226)
مضلين.
(إنهم لهم المنصورون)
قال الحسن: لم يقتل نبي أمر بالجهاد.
[تمت سورة الصافات]
(2/1227)
|