باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة ق
(والقرآن المجيد)
جوابه محذوف.
و [تقديره] قيل: ليبعثن، بدليل قوله: (أءذا متنا).
وقيل: إنك رسول الله، بدليل قوله: (بل عجبوا أن جاءهم منذر).
(قد علمنا ما تنقص الأرض منهم)
أي: من يموت منهم.
وقيل: علمنا الأجزاء التي تأكل الأرض منهم.
(3/1351)
قال أرطاة بن [سهية]:
1112 - رأيت المرء تأكله الليالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد
1113 - وما [تجد] المنية حين [تأتي] ... على نفس ابن آدم من
مزيد.
(مريج)
مختلف مختلط.
(وما لها من فروج)
[شقوق وفتوق].
(وحب الحصيد)
كل ما يحصد من الحبوب، ومثل هذه الإضافة قول ذي الرمة:
(3/1352)
1114 - والقرط في حرة الذفرى معلقة ...
تباعد الحبل منه فهو يضطرب.
أي: في أذن حرة الذفرى.
(باسقات)
طوال.
(لها طلع)
كل ما يطلع من ثمر النخل.
والنضيد: المنضود، المتراكب بعضه فوق بعض.
وقال الحسن: هو الطبيع في كفراه.
والطبيع: أم الطلع، وكفراه: وعاؤه.
(كذلك الخروج)
أي: من القبور.
(3/1353)
وقيل: من بطون الأمهات.
(أفعيينا)
عجزنا عن إهلاك الخلق، من تقدم ذكره ها هنا.
(من حبل الوريد)
هو [حبل العاتق]، وهو الوتين، ينشأ من القلب، فينبث في البدم،
والله أقرب منه، وعلمه أقرب إليه من علم القلب. (المتلقيان)
ملكان يتلقيان عمل العبد.
(قعيد)
رصد.
(رقيب)
وهو خبر واحد عن اثنين، كأنه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد،
أو كل واحد منهما قعيد، كما قال البرجمي:
(3/1354)
1115 - من يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني
وقيار بها لغريب.
(وجاءت سكرة الموت بالحق)
لهذه الباء تقديران:
إن شئت [علقتها] بنفس (جاءت)، كقولك: "جئت بزيد" أي: أحضرته
وأجأته.
وإن شئت علقتها بمحذوف وجعلتها حالاً، أي: جاء [ت] سكرة الموت
ومعها [الحق]، كقولك: "خرج بثيابه"، أي: خرج وثيابه معه أو
عليه.
وقراءة أبي بكر رضي الله عنه": "وجاءت سكرة الحق بالموت"،
لاتحادهما في الحال، ولا ينفصل أحدهما من صاحبه.
وروي أن عائشة كانت عند أبي بكر وهو يقضي فأنشدت:
(3/1355)
1116 - أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ...
إذا حشرجت يوماً وضاق [بها] الصدر.
فقال أبو بكر: بل قول الله: "وجاءت سكرة الحق بالموت". (ذلك ما
كنت منه تحيد)
تحيد: [تميل]، قال طرفة:
1117 - أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون
من بعض.
(3/1356)
(معها سائق وشهيد)
سائق من الملائكة، وشهيد من أنفسهم.
(فبصرك اليوم حديد)
علمك نافذ.
(وقال قرينه)
أي: الملك [الـ]ـشهيد عليه، عن الحسن.
(3/1357)
وعن مجاهد: قرينه الذي قيض له من الشياطين.
(هذا ما لدي عتيد)
هذا عمله محصي عندي.
وعلى قول مجاهد: المراد به العذاب.
وقال الزجاج: "ما" في موضع رفع بقوله: (هذا)، و (عتيد) صفة
"ما"، على قولهم: هذا حلو حامض، فيكون صفة بعد صفة، أو يجعل
"ما" نكرة والمعنى: هذا شيء لدي عتيد.
(ألقيا)
(3/1358)
خطاب للملكين على قول من يقول: إن السائق
والشهيد كلاهما [من] الملائكة.
وقيل: [ألقين] بالنون الخفيفة، فأجرى الوصل فيه مجرى الوقف،
كقول الحجاج: يا حرسي اضربا عنقه.
وقيل: هو خطاب [لمالك] على مذهب العرب في تثنية خطاب الواحد،
وقد مر شاهده.
(مريب)
(3/1359)
شاك متهم، قال جميل:
1118 - بثينة قالت يا جميل أربتنا ... فقلت كلانا يا بثين مريب
1119 - وأريبنا من لا يؤدي أمانة ... ولا يحفظ الأسرار حين
يغيب.
(قال قرينه ربنا ما أطغيته)
على قول مجاهد: يقول شيطانه: ما أغويته.
وعلى قول الحسن: يقول الكافر: رب إن الملك قد زاد علي في
الكتابة.
يقول الملك: ربنا ما أطغيته، أي: ما زدت عليه.
فيقول الله:
(لا تختصموا لدي)
(3/1360)
(ما يبدل القول لدي)
ما يكتب غير الحق، ولا يكذب عندي.
(ادخلوها بسلام)
أي: مع سلامة من الزوال.
(فنقبوا في البلاد)
ساروا في طرقها، [وطوفوا] في مسالكها.
والنقب: الطريق في الجبل.
وقيل: [أظهروا] آثارهم فيها من نقب الخف والحافر، إذا ظهر
الحفار فيهما، قال:
1120 - ذريني أصطبح يا هند إني ... رأيت الموت نقب عن هشام
(3/1361)
1121 - وعن عمر [و] وعمرو كان قدماً ...
يؤمل للملمات العظام.
(أو ألقى السمع وهو شهيد)
أي: ألقى سمعه نحو كتاب الله، كما نقول: ألق سمعك إلي.
"وهو شهيد": حاضر قلبه معه.
(وأدبار السجود)
بفتح الألف جمع دبر، مثل: قفل وأقفال، أو جمع دبر، كطنب
وأطناب.
وبالكسر على [المصدر]، وفيه معنى الظرف، (فسبحه) في وقت (إدبار
السجود)، وهو ركعتان بعد المغرب.
(3/1362)
(وإدبار النجوم): ركعتان قبل الفجر.
(من مكان قريب)
عن قتادة: ينادى من صخرة بيت المقدس، فتأتيها العظام البالية.
(وما أنت [عليهم] بجبار)
يجبرهم على الإيمان، ولا يأتي "فعال" من باب الإفعال إلا
الجبار والدراك.
[تمت سورة ق]
(3/1363)
سورة الذاريات
(والذاريات)
الرياح.
(فالحاملات)
السحاب.
(فالجاريات)
السفن.
(فالمقسمات)
الملائكة.
وقد حمل بعضهم الذاريات والحاملات على الرياح، فتكون مقدمة
السحاب [تثيرها] وتسوقها، والثانية تدرها.
والجاريات والمقسمات حملها على السحاب، لأنها تقسم الحظوظ
والأرزاق وتجري بيسر وسهولة في مسير، كما قال الأعشى:
(3/1364)
1122 - غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي
الهوينا كما يمشي [الوجى الوحل]
1123 - كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريث ولا
عجل.
وهذه أقسام، والواو التي فيها واو القسم، وجاز أن يقسم الله
بها، ولا يجوز أن يقسم الخلق إلا بالله، لأن قسم الخلق استشهاد
على صحة قولهم بمن يعلم السر والعلانية، وليس ذلك إلا الله.
وقسم الخالق إرادة تأكيد الخبر في نفوسهم مما جرت به العادة
بينهم، فيقسم ببعض خلقه على وجه يوجب الاعتبار، وإحضار القلب
عند التنبيه على عجائب الفطرة وبدائع القدرة.
(ذات الحبك)
طرائق الغيم، وأثر حسن الصنعة فيه، وهو في البيض الحبيك، وفي
الشعر، وجماح الحمام: الحباك. قال الشماخ:
(3/1365)
1124 - قد وكلت بالهدى إنسان ساهمة ...
كأنه من تمام الطميء مسمول
1125 - حتى استغاث بأحوى فوقه حبك ... تدعو هديلاً به [العزف
العزاهيل].
(إنكم لفي قول مختلف)
أمر مختلف، واحد مؤمن، وآخر كافر، وواحد مطيع وآخر عاص، وواحد
يقول إنه ساحر، وآخر يقول: شاعر، وآخر: مجنون.
(يؤفك عنه من أفك)
(3/1366)
يصرف عن هذه الأفعال من صرف.
وقيل: يصرف عن الجزاء.
(قتل الخراصون)
لعن الكذابون.
(على النار يفتنون)
[يحرقون]، كما يفتن الذهب بالنار.
(ءاخذين ما آتاهم ربهم)
من الفرائض.
وقيل: من الثواب.
(كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)
أي: قليلاً هجوعهم، إذ "ما" مع "الفعل" بمعنى المصدر.
(3/1367)
(والمحروم)
الذي لا يسأل تعففاً وحياءً فيحرم.
وقالت عائشة: "هو [المحارف] الذي نبا عنه مكسبه".
(وفي السماء رزقكم)
الأمطار.
أو تقدير رزقكم، وما قسم لكم.
(3/1368)
(وما توعدون)
من خير أو شر.
(مثل ما أنكم تنطقون)
لو جاء: "مثل ما تنطقون"، لفهم منه أنه حق مثل ما أن نطقكم حق،
[ويكون] في نطقهم غير حق.
وإذ قال: (مثل ما أنكم تنطقون)، كان معناه: مثل صحة كونكم
ناطقين، كاذبين أو صادقين.
ونصب (مثل): على الحال، أي: إنه لحق مماثلاً لكونكم ناطقين، أو
على أنه وصف مصدر محذوف، أي: إنه لحق حقاً يقيناً مثل [نطقكم]،
ويجوز أن يبني مثل مع ما.
(3/1369)
(قوم منكرون)
غرباء لا يعرفون.
(فراغ [إلى] أهله)
[مال] في خفية.
والصرة: الرنة.
وقيل: الصيحة من الصرير.
(حجارة من طين)
محجر، كقوله: (من سجيل).
(وفي موسى)
أي: آية فيه، عطف على قوله: (وتركنا فيها آية).
(3/1370)
(فتولى بركنه)
أعرض بجموعه وجنوده.
وقيل: بجانبه، ومنه الركون بمعنى الميل، لأنه يكون إلى جانب.
(الريح العقيم)
هي الدبور: لأنها لا تلقح بل تقشع السحاب، وهذا أصح مما روى
ابن أبي ذئب: "أنها الجنوب"، ومما روى ابن جريج عن مجاهد:
"إنها
(3/1371)
الصبا"؛ لأن كل واحدة من الصبا والجنوب
تلقح وتدر ولا تعقم، ولذلك [تحب وتؤثر،] كما قال حميد بن ثور:
1126 - فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة
[سنتوب]
1127 - ليالي أبصار الغواني وسمعها ... إلي وإذ ريحي لهن جنوب.
وقال الأعشى:
1128 - وما عنده فضل تليد ولا له ... من الريح فضل لا الجنوب
ولا الصبا.
أي: لم ينل نائلاً، فيكون كالجنوب في مجيئه بالمطر، ولم ينفس
عن [أ] حد كربة فيكون كالصبا في التنفيس، هذا قول أبي علي فيه،
[وأن] الظاهر منه: أمر الصبا الإلقاح والإثارة، ومن الجنوب:
الإمطار والإدرار.
(3/1372)
(كالرميم)
كالتراب.
وقيل: كالرماد.
وقيل: هو الشيء البالي الفاني.
ويشهد للجميع قول أبي حية النميري:
1129 - رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشية آرام الظباء رميم
1130 - ألا رب يوم لو رمتني رميتها ... ولكن عهدي بالنضال
قديم.
(3/1373)
(فما استطاعوا من قيام)
أي: ما نهضوا بعذاب الله، وما قدروا على دفاع.
(وإنا لموسعون)
أي: ذو سعة وقدرة.
وقيل: قادرون على أوسع من السماء.
وقيل: لموسعون الرزق على الخلق.
وقيل: [لموسعون] ما بين السماء والأرض.
(ومن كل شيء خلقنا زوجين)
أي: ضدين غنى وفقراً، وحسناً وقبحاً، وموتاً وحياة، ونحوها.
(بل هم قوم طاغون)
هذا هو الموضع الذي يقول البصريون: إن "أم" المنقطعة بمعنى
"بل"، للترك والتحول، إلا أن ما بعد "بل" متيقن، وما بعد "أم"
مشكوك فيه ومسؤول عنه.
(3/1374)
(ذو القوة المتين)
المتين: القوي.
ولا يفسر بالشديد، لأن الشديد ليس في أسماء الله، والقوي منها،
فكأن القول: ذو القوة التي يعطيها خلقه، القوي في نفسه، فخولف
بين اللفظين والمعنى واحد -وإن كان المراد بها مختلفاً- لتحسين
النظم.
(ذنوباً)
نصيباً، وأصله الدلو فيها ماء. كما قال حسان:
(3/1375)
1131 - لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى
الغوادي قبر [هـ] بذنوب.
[تمت سورة الذاريات]
(3/1376)
سورة الطور
(في رق منشور)
قيل: إنه صحيفة الأعمال، كقوله تعالى: (وإذا الصحف نشرت).
وقيل: إنه اللوح المحفوظ.
وقيل: إنه كتاب من كتب الله في رق.
وهو إما التوراة بسبب اقترانه بالطور، أو القرآن بسبب
[الـ]ـبيت المعمور، وهو الكعبة.
(3/1377)
وهذا القول أولى، لمكان "الرق"، وسمي به
لرقة حواشيه، وقد عرفت العرب ذلك. قال التغلبي:
1132 - لا بنت حطان بن عوف منازل ... كما نمق العنوان في الرق
كاتب
1133 - ظللت بها أعرى وأشعر [سخنة] ... كما [اعتاد محموماً]
بخيبر [صالب].
(والبحر المسجور)
في الخبر: "أنه جهنم"، وبذلك فسر مجاهد المسجور، وقال: "إنه
الموقد ناراً"، كقوله: (وإذا البحار سجرت).
(3/1378)
وقال ابن كيسان: المسجور: المجموع. وأنشد
للنمر بن تولب:
(3/1379)
1134 - إذا شاء طالع مسجورة ... ترى حولها
النبع و [الساسما].
وقال لبيد:
1135 - فتوسطا عرض السري فصدعا ... مسجورة متجاوراً قلامها.
(تمور السماء مورا)
تدور طوراً فترجع رجعاً.
قال ذو الرمة:
(3/1380)
1136 - موارة الرجع مسكات إذا رجلت ...
تهوي انسلالاً إذا ما اغبرت البيد
1137 - نظارة حين تعلو الشمس راكبها ... [طرحاً] بعيني لياح
فيه [تجديد].
(فويل يومئذ)
دخلت الفاء على معنى المجازاة، لأنه بمنزلة إذا كان كذا.
(دعاً)
دفعاً عنيفاً، قال [الراجز]:
1138 - يدعه بضفتي حيزومه
1139 - دع الوصي جانبي يتيمه.
(3/1381)
(أفسحر هذا)
[إذ] كانوا يقولون لآيات الله إنها سحر.
(يتنازعون)
يتعاطون، ويتساقون.
وهذه اللفظة تداولتها العرب "معاطاة الكؤوس، ومجاذبة الأعنة"،
قال الأخطل:
1140 - وشارب مربح بالكأس نادمني ... لا [بالحصور] ولا فيها
[بسوار]
1141 - نازعته طيب الراح الشمول وقد ... صاح الدجاج وحانت وقعة
الساري.
وقال بشر في مجاذبة الأعنة، وليس [لفصاحة] قوله نهاية:
(3/1382)
1142 - وما يسعى رجالهم ولكن ... فضول
الخيل ملجمة صيام
1143 - [ينازعن] الأعنة مصغيات ... كما يتفارط الثمد الحمام.
وقال آخر:
1144 - منازعة العنان بغصن بان ... على كتفين كالقتب الشميم.
وقال أيضاً:
(3/1383)
1145 - بكل قياد مسنفة عنود ... أضر بها
المسالح والغوار
1146 - منازعة العنان كأن فيها ... جرادة هبوة فيها اصفرار.
(لا لغو فيها ولا تأثيم)
أي: لا سباب ولا ملاحاة، مثل ما يكون في خمور الدنيا، كما قال
بعض الصحابة:
1147 - من يقرع الكأس اللئيمة سنه ... فلا بد أن يلغو ويؤذي
ويجهلا
1148 - فلم أر [مطلوباً] أخس غنيمة ... وأوضع للأشراف منها
وأخملا
(3/1384)
1149 - وأجدر أن يلقى كريماً يذمها ...
ويشر بها حتى يخر [مجدلا].
وقال ذو الرمة في قريب من هذا المعنى، وإن عكسه إلى المدح في
قصيدته لبلال بن أبي بردة:
1150 - فلا الفحش فيها يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة
هي ماهيا
1151 - بمستحكم جزل المروءة مؤمن ... من القوم لا يهوى الكلام
اللواغيا.
(كأنهم لؤلؤ مكنون)
(3/1385)
أي: مصون لنفاسته.
واقتبسه عبد الرحمن بن حسان فقال لرملة بنت معاوية:
1152 - وهي زهراء مثل لؤلؤة الغو ... اص ميزت من جوهر مكنون
1153 - وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون.
(نتربص به ريب المنون)
ننتظر به صرف الدهر.
(3/1386)
قال أبان بن عثمان في ابنتي معاوية أيضاً:
1154 - تربص بهند أن يموت ابن عامر ... ورملة يوماً أن يطلقها
عمرو
1155 - فإن صدقت [أمنيتي كنت] مالكاً ... لإحداهما إن طال بي
وبها العمر.
(3/1387)
(أم هم المصيطرون)
المسلطون.
وقيل: الحفظة الكتبة من السطر.
وإنما تقلب صاداً لأجل الطاء، طلباً لمجانسة الإطباق.
(أم لهم سلم يستمعون فيه)
أي: يرتقي إلى السماء.
(أم عندهم الغيب)
بأن محمداً يموت قبلهم.
(3/1388)
سورة النجم
(والنجم إذا هوى)
قيل: إنها النجوم المنقضة على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، انقضاضاً على أحد.
وقيل: إن المراد جنس النجوم، فأقسم بها إذا هوت للمغيب، لما
فيه من الدلالة على التوحيد، كما في قصة إبراهيم عليه السلام.
وقيل: إن النجم [في] لغة العرب: الثريا، [قال]:
(3/1389)
1156 - إذا شالت الجوزاء والنجم طالع ...
فكل مخاضات الفرات معابر
1157 - وإني إذا ضن الأمير بإذنه ... على الإذن من [نفسي] إذا
شئت قادر.
وتخصيص القسم بالثريا، لأنهم كانوا يستدلون بها على أمور،
ونوءها أغزر، ولما أراد عمر الاستسقاء بالعباس قال: "يا عم
رسول الله كم بقي من نوء الثريا".
(3/1390)
وهو بعد تصغير ثروى، لأن مطرها تكون منه
الثروة، أو الكثرة من الندى عند نوئها.
قال الزجاج في كتاب "الأنواء": وزعم بعض المؤمنين من المنجمين
أن الثريا إذا هوى للغروب طلع رقيبه الإكليل من العقرب.
أي: إن صاحبكم هو الذي دل عليه برج قران الملة، فهو النبي
حقاً.
وظنه آخرون من طالع مولده [إذ] كان الميزان، فإن الهوي للغروب
ليس بنفس الغروب، وإنما هو الذهاب إليه، وحينئذ يكون الميزان
طالعاً، وهذا هو الهذيان الذي لا يحل سوداء جالينوس.
(3/1391)
(ذو مرة)
ذو حزم في قوة، كما قال جرير:
1158 - وما زادني طول المدى نقص مرة ... ولا رق عودي للضروس
العواجم.
(فاستوى)
ارتفع إلى مكانه.
وقيل: استوى على صورته، وذلك أنه رأى جبريل على صورته في الأفق
الأعلى.
وقوله:
(بالأفق الأعلى)
أي: استوى جبريل ومحمد عليهما السلام بالأفق الأعلى، وحسن
الحذف لئلا يتكرر "هو"، كما قال الشاعر:
(3/1392)
1159 - ألم تر أن النبع يصلب عوده ... ولا
يستوي والخروع المتقصف.
أي: لا يستوي هو والخروع.
وقيل: إن (وهو بالأفق) جبريل، وهذا القول أظهر.
(ثم دنا فتدلى)
يعني جبريل على هذا القول.
أي: نزل بالوحي في الأرض.
وعلى [الأول] محمد عليه السلام دنا من جبريل عليه السلام.
والتدلي: النزول والاسترسال. قال لبيد:
(3/1393)
1160 - فتدليت عليه قافلاً ... وعلى الأرض
غيايات الطفل. (فكان قاب قوسين أو أدنى)
قدر قوسين.
قال مجاهد: أي: بحيث الوتر من القوس مرتين.
وفي معناه لأبي حية النميري:
1161 - إذا ريدة من حيث ما [نفحت] له ... أتاه برياها خليل
يواصله
1162 - وفي الجانب الأقصى الذي ليس ضربة ... برمح بلى حران زرق
معابله
(3/1394)
أي: ليس بين القانص وبين الآتن إلا قدر
رمح.
وقال الزجاج: إنما لم يقل: "فكان أدنى من قوسين"، لأنه لا شك
في الكلام، لأن المعنى فكان [على] ما تقدرونه أنتم قدر قوسين
أو أدنى. وقد مر نظيره.
(فأوحى إلى عبده ما أوحى)
أي: أوحى إلى جبريل ما أوحى جبريل إلى محمد.
(ما كذب الفؤاد ما رأى)
أي: ما كذب فؤاده ما رآه، وهو من رؤية القلب بمعنى: علمه
ويقينه، لأن محل الوحي القلب، كما قال عز وجل: (فإنه نزله على
قلبك).
(3/1395)
(أفتمارونه على ما يرى)
أي: أتجحدونه على علمه ويقينه.
وقال المبرد: أفتدفعونه عما يرى.
(ما زاغ البصر)
ما أقصر عما أبصر.
(وما طغى)
ما طلب لما حجب.
(أفرءيتم اللات)
صنم لثقيف.
(والعزى)
سمرة لغطفان.
(3/1396)
(ومناة)
صخرة لهذيل وخزاعة.
وإنما أنثوا أسماء هذه الأصنام تشبيهاً لها بالملائكة، على
زعمهم أنهم بنات الله، فرد الله عليهم بقوله:
(ألكم الذكر).
(قسمة ضيزى)
جائرة، وبالهمز: ظالمة.
أنشدت في الأول:
1163 - ضازت بنو أسد بحكمهم ... إذ يعدلون الرأس بالذنب.
وفي الثاني:
(3/1397)
1164 - إن تنأ عنا ننتقصك وإن تقم ... فحظك
مضؤوز وأنفك راغم.
ووزن "ضيزى" فعلى، لأنه ليس في النعوت فعلى، إلا أنه كسر الضاد
للياء.
ومثله: "حيكى" مشية فيها تفكك وتبختر.
و"الكيسى" و"الضيقى" في "الكوسى" و"الضوقى"، تأنيث الأكيس
والأضيق، ولهذا قالوا: "بيض"، و"عين"، وكان ينبغي: "بوض" مثل:
"أحمر" و"حمر".
(أم للإنسان ما تمنى)
أي: من الذكور.
(إلا اللمم)
أي: الصغائر.
(3/1398)
وقيل: هو الإلمام بالذنب من غير معاودة.
وقيل: إنها ما دون الوطء من المضاجعة والمغازلة.
وأنشد لوضاح اليمن:
1165 - إذا قلت يوماً نوليني تبسمت ... وقالت: معاذ الله من
فعل ما حرم
1166 - فما نولت حتى تضرعت حولها ... وأقرأتها ما رخص الله في
اللمم.
(أفرءيت الذي تولى)
أي: [ا] لعاص بن وائل.
(3/1399)
(وأعطى قليلاً)
من الخير بلسانه.
(وأكدى)
منع ما أعطى وقطع.
(إبراهيم الذي وفى)
هذا على تسمية السبب باسم مسببه، فإن معناه: إذا قال [فـ]ـقد
فعل، أو وقع ما يقوله، وهذا كقول بعض المولدين:
1167 - مبارك إذا رأى فقد رزق
وأصله لامرئ القيس:
1168 - إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتي
الصيد نحطب
1169 - نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن [شواء]
مضهب.
(3/1400)
(ثم يجزاه الجزاء الأوفى)
جزيته الجزاء، أفصح من جزيته بالجزاء، وقد جمعهما الشاعر في
قوله:
1170 - إن أجز علقمة بن سيف سعيه ... لا أجزه ببلاء يوم واحد
1171 - لأحبني حب الصبي [ورمني ... رم] الهدي إلى [الغني
الواجد]
(3/1401)
(أضحك وأبكى)
ساء وسر.
وقيل: خلق الإنسان ضاحكاً باكياً.
وقيل: أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر.
واقتبسه بعض من جمع أنواعاً من الاقتباسات، في بيتين فقال:
1172 - أما والذي أبكى وأضحك عبده ... وأطعم من جوع وآمن من
خوف
1173 - لما كان لي قلب سوى ما سلبته ... وما جعل الرحمن قلبين
في جوف.
(3/1402)
(من نطفة إذا تمنى)
تسال وتصب.
وقيل: تخلق وتقدر. كما قال الهذلي:
1174 - لا تأمنن وإن أصبحت في حرم ... إن المنايا بجنبي كل
إنسان
1175 - ولا تقولن لشيء سوف أفعله ... حتى تبين ما يمني لك
الماني.
(أغنى وأقنى)
أعطى الغنية والقنية، وهي أصل المال.
(وأنه هو رب الشعرى)
(3/1403)
خصت بالذكر [لتفردها] بالعظم والنور، فليس
في الكواكب الثابتة ما يدانيها، ولذلك ابتدع أبو كبشة عبادتها،
وشبه رسول الله به، ونسبت وأضافت العرب شدة الحر إليها.
وكذلك لأوباش المنجمين وسوسة فيها، حتى قال بعض المذكورين
منهم: إذا بلغ أوج الشمس إلى درجتها، استولت هي بقوتها
وتأثيرها على الدنيا، فيرتفع الجزر والفساد، وينعدم التعب
والكد، ويتغير طباع التحسين.
(3/1404)
وهذا القائل ينظر في التنجيم من وراء حجاب،
ويؤذي أصحاب تلك الصناعة، فإن أوج الشمس عندهم ثابت ألبتة.
وقد نظم ذلك بعض كتاب هذه الدولة في الأمير الماضي -رحمه الله-
فقال:
1176 - تجاوزت أوج الشمس عزاً ورفعة ... وذللت قسراً كل من
يتملك
1177 - فما حركات متعبات تديمها ... تأي [فأوج] الشمس لا
يتحرك.
(3/1405)
وكذلك ما يدرى كيف اختار هذا القائل الشعرى
على قلب الأسد الملكي، الذي هو على ممر الأوج، أن لو كان
يتحرك، وما دام هذا العالم موسوماً بالموت والحياة، والسباع
بالأنياب والبراثن، والأعمال بالمحاولة والمزاولة، كان ما قاله
هذا القائل محالاً.
(3/1406)
وفي الاختلاف بين الناس ائتلاف مصالحهم،
فإنهم إذا تساووا في السعة والدعة هلكوا.
(والمؤتفكة)
أي: المنقلبة، مدائن قوم لوط.
(أهوى)
رفعها جبريل إلى السماء ثم أهوى بها.
(أزفت الأزفة)
اقتربت القيامة.
(ليس لها من دون الله كاشفة)
(3/1407)
أي: من يكشف عن [علمها] ويجليها.
وقيل: من يكشفها ويدفع شدائدها وأهوالها. ...
والهاء: من أجل أن "كاشفة" مصدر مثل: عاقبة [وعافية]. (سامدون)
[حائرون]. وأنشد:
1178 - رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا
(3/1408)
1179 - فرد شعورهن السود بيضاً ... ورد
وجوههن البيض سودا.
[تمت سورة النجم]
(3/1409)
|