باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة الواقعة
(الواقعة)
القيامة.
وقيل: الصيحة.
(كاذبة)
تكذيب، ومثله (لاغية) أي: لغواً.
(رجت)
زلزلت، فينهدم كل بناء عليها رجة واحدة.
(وبست)
هدت.
وقيل: دقت وفتتت، والبسبسة: السويق.

(3/1446)


قال بعض اللصوص:
1228 - لا تخبزا خبزاً وبسا بسا
1229 - ولا تطيلا بمقام حبسا.
(أزواجاً ثلاثة)
أصنافاً متشاكلة.
وفسرها ابن عباس بما في سورة الملائكة من الظالم والمقتصد والسابق.
وروى النعمان بن بشير: أن النبي عليه السلام قرأ: (وكنتم أزواجاً)

(3/1447)


إلى قوله: (والسابقون السابقون) [فقال: "هم] الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان".
وتكرير السابقين، لأن التقدير: السابقون إلى الطاعة، هم السابقون إلى الرحمة. فيكون الأول: مبتدأ، والثاني: خبره.
و (أولئك المقربون)
من صفتهما.
(ثلة)
جماعة.
(وقليل من الأخرين)

(3/1448)


لأن الذين سبقوا إلى الإيمان بالنبي عليه السلام قليل من كثير ممن سبق إلى الإيمان بالأنبياء قبله.
(موضونة)
مضفورة متداخلة.
(مخلدون)
مسورون.
وفي "تاج المعاني": إنهم روحانيون، لم يتجسموا، من قولهم: "وقع في خلدي" أي: نفسي وروحي.
(إلا قيلاً سلاماً)
نصب سلاماً على البدل من قيل، أي: لا يسمعون إلا سلاماً.

(3/1449)


ويجوز نصبه بالقيل بتقدير: إلا أن يقال يسلمك الله سلاماً.
(في سدر مخضود)
لين لا شوك عليه، ولا عجم فيه، كأنه خضد منه الشوك، قال الشماخ:
1230 - إن تمس في عرفط صلع جماجمه ... من الأساليق عاري الشوك مخضود
1231 - تصبح وقد ضمنت ضراتها غرقاً ... من طيب الطعم حلو غير مجهود.
(وطلح منضود)
أي: قنو الموز، نضد بعضه على بعض، أي: وضع وجمع. قال:

(3/1450)


1232 - إذا دعت غوثها ضراتها فزعت ... أطباق نيء على الأثباج منضود.
(وظل ممدود)
أي: في الزمان والمكان، فلأنه غير متناه إلى حد يفنى فيه، لكنه ظل ظليل، لا شمس تنسخه، ولا حرور ينغصه، ولا برد يفسده، كما قال عز وجل:
(لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا).
(وفرش)
العرب تكني بالفراش عن المرأة.
(مرفوعة)
أي: على السرر.
(أنشأناهن)

(3/1451)


أعدناهن صبايا أبكاراً.
(عرباً)
العروب: الحسنة التبعل، الفطنة بمراد الزوج، كفطنة العرب. (أتراباً)
لدات، فيكون أتم لحسنهن واستوائهن، قال أبو زبيد الطائي:
1233 - نراك أيامنا بالنعف من ظلم ... إذ لست باحسب ظل العيش [منجابا]
1234 - لا أحسب الدهر إلا نشوة اندا ... ر مسمعاً [ ... ] الله أترابا.
(ثلة من الأولين* وثلة من الأخرين)

(3/1452)


لما نزل في السابقين: (وقليل من الأخرين)، [عز] ذلك على الصحابة، فنزلت هذه، وفسرها رسول الله صلى الله عليه فقال: "من آدم إلينا ثلة، ومنا إلى يوم القيامة ثلة".
(وأصحاب الشمال)
العرب تتشاءم بالشمال، [وتعبر] به عن الشيء الأخس، والحظ الأخيب الأنقص. كما قال:
1235 - رأيت بني العلات لما تضافروا ... يحوزون [سهمي] دونهم في الشمائل

(3/1453)


1236 - فأنزلني ذات اليمين ولم أكن ... بمنزلة الملقى شمال الأراذل.
قال الهذلي:
1237 - أبالصرم من أسماء حدثك [الذي] ... جرى بيننا يوم استقل ركابها
1238 - زجرت لها طير الشمال فإن يكن ... هواك الذي [تهوى] يصبك اجتنابها.
(وظل من يحموم)
اليحموم: الدخان.

(3/1454)


وقيل: نار سوداء.
ولما كان فائدة [الظل]، التروح من كرب الحر والسموم، فإذا كان الظل من الدخان كان غير بارد ولا كريم.
(شرب الهيم)
الهيم: الإبل العطاش.
والهيام: داء تشرب معه الإبل فلا تروى. كما قال الأعرابي:
1239 - وما وجد [ملواح] من الهيم حلئت ... عن الماء حتى جوفها يتصلصل
1232 - تحوم وتغشاها العصي وحولها ... أقاطيع أنعام تعل [وتنهل]
1233 - بأكثر مني غلة وتعطفاً ... إلى الورد إلا أنني أتجمل.

(3/1455)


(تمنون)
منى وأمنى واحد.
والإمناء: الإراقة، ومنه [منى] لإراقة الدماء بها، فسمي لذلك الماء [الذي] منه الولد منياً.
(حطاماً)
هشيماً.
(تفكهون)
تندمون في لغة تميم.
وقيل: تعجبون.
وذكر أبو عمر الزاهد عن ثعلب أن التفكه [والتفكن: التندم] على النفقة.
(تورون)

(3/1456)


الإيراء: استخراج النار من الزند.
(تذكرة)
تذكركم النار الكبرى.
(ومتاعاً)
للاستضاءة بها، والاصطلاء والإنضاج، [والتخليل] على مذهبنا، وغير ذلك من إذابة الجوهر، وتعقيدها وتكليسها [وكل ذلك لمنافع] العباد.
والماعون الأكبر، المتاع الأعم: هو الماء والنار، ثم الكلأ والملح، وليس للماء وغيره -وإن كان متاعاً للمقوين- ما للنار من التذكرة بعذاب الله الزاجرة من معاصيه.
وأقوى: من الأضداد، أغنى وافتقر فلذلك اختلف تفسيره إلى المسافرين وإلى [المستمتعين].

(3/1457)


(بمواقع النجوم)
مطالعها ومساقطها.
وقيل: انتشارها يوم القيامة.
وقيل: إنها نجوم القرآن، نجمه جبريل على النبي عليهما السلام. وقيل: إنها قبور الأخيار الأبرار.

(3/1458)


وقوله:
(وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)

(3/1459)


اعتراض بين القسم وجوابه، تضمن اعتراضاً بين الموصوف الذي هو "قسم"، وبين صفته التي [هي] (عظيم)، وهو قوله: (لو تعلمون)، فذانكما اعتراضان، أحدهما في الآخر.
(مدهنون)
منافقون أدهن وداهن إذ [ا] لاين ونافق.
كما قال أبو [قيس] بن الأسلت الأنصاري:
1242 - بز امرئ مستبسل حاذر ... للدهر جلد غير مجزاع
1243 - الكيس والقوة خير من آل ... إدهان [والفكه] والهاع.

(3/1460)


(وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)
أي: تجعلون جزاء رزقكم الكفر والتكذيب، فيدخل فيه قول العرب: مطرنا بنوء كذا.
ويدخل فيه ما كان يأخذه بعض العرب من مال أبي سفيان وأمثاله، ليكذبوا رسول الله ولا يؤمنوا به.
(فلولا إذا بلغت الحلقوم)
كناية عن النفس وإن لم تذكر. كما قال حاتم:
1244 - أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق له الصدر
1245 - أماوي إما مانع فمبين ... وإما عطاء لا ينهنهه الزجر.

(3/1461)


(غير مدينين)
[الدين] في هذا الموضع الطاعة والعبادة، لا الجزاء كما ذهب إليه كثير من الناس.
أي: فهلا إن كنتم غير مملوكين مطيعين مدبرين، وكنتم كما زعمتم مالكين حلتم بيننا وبين قبض الأرواح، ورجعتموها في الأبدان، فهذا صحيح، [وإلا] [فلا] معنى للعجز عن رد الروح في الإلزام [على] إنكار الجزاء والإعادة.
(فروح)

(3/1462)


راحة.
وفي قراءة النبي عليه السلام [من] رواية عائشة، وقراءة ابن عباس، والحسن، وقتادة، والضحاك، والأشهب، ونوح القاري، وبديل، وشعيب

(3/1463)


ابن [الحربي]، وسليمان التيمي، والربيع بن خثيم، وأبي عمران الجوني، وأبي جعفر محمد بن علي، و [الفياض]: (فروح) [بضم] الراء.

(3/1464)


ومعناه: حياة لا موت بعدها.
(وريحان)
استراحة عن ابن عباس.
ورحمة عن الضحاك.
[تمت سورة الواقعة]

(3/1465)


سورة الحديد
(وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)
أي: ورثكم من قبلكم وجعلكم خلفاء عنهم.
وقيل: معناه يخلف بعض عن بعض، ولا يبقى لأحد، وفي معناه:
1246 - الرمح لا أملأ كفي به ... واللبد لا [أ] تبع تزواله
1247 - والدرع لا أبغي به ثروة ... كل امرئ مستودع ماله

(3/1466)


ومثله لتميم بن مقبل:
1248 - فأتلف وأخلف إنما المال عارة ... وكله مع الدهر الذي هو آكله
1249 - فأيسر مفقود وأهون هالك ... على الحي من لا يبلغ الحي نائله.
فقوله: عارة، كالقول: خلفة.
(ولله ميراث السموات والأرض)
أي: فيم لا تنفقون، وأنتم ميتون وتاركون ما تجمعون.
(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح)
أي: هم على سبقهم لغيرهم متفاوتون في الدرجات.
(من ذا الذي يقرض الله)

(3/1467)


كل عمل خير أو شر، إذا كان بمثابة الجزاء، فهو قرض عند العرب، فلذلك وصفه بالحسن، [إذ] كان فيما يجزى ما ليس بحسن. قال الشنفري:
1250 - جزينا سلامان بن مفرج قرضها ... بما قدمت أيديهم وأزلت
1251 - سقينا بعبد الله بعض غليلنا ... وعوف لدى المعدى أوان استهلت.
(يسعى نورهم بين أيديهم)
نور أعمالهم المقبولة.
أو نور الإيمان.
(وبأيمانهم)
وهو نور آخر عن أيمانهم بما أنفقته أيمانهم.

(3/1468)


(بشراكم اليوم)
أي: النور بشراهم بالجنات.
(انظرونا)
انتظرونا كما شوى واشتوى، وحفر واحتفر.
قال الشاعر فجمع بين اللغتين:
1252 - ما زلت مذ أشهر السفار أنظرهم ... مثل انتظار المضحي راعي الغنم.
(قيل ارجعوا وراءكم)
[إذ] لم يتقدم بهم الإيمان.
(فضرب بينهم بسور)
وهو الأعراف.

(3/1469)


قال عبد الله بن عمرو [بن] العاص: "هو سور بالمسجد الأقصى، وراءه وادي جهنم".
وعن كعب: "أن السور هو الباب الذي يسمى باب الرحمة في المسجد الأقصى".
(فتنتم أنفسكم)
أهلكتم وأضللتم.
يقال: فتنه وأفتنه. قال الشاعر -فجمع بين اللغتين-:

(3/1470)


1253 - لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيداً فأمسى قد قلى كل مسلم.
وقيل: فتنتم: ادعيتم الفتنة، لتقعدوا عن الجهاد، أي: قلتم: إئذن لي ولا تفتني.
(وتربصتم)
قلتم: (نتربص به ريب المنون).
(الغرور)
الشيطان.
وقيل: الدنيا.

(3/1471)


(هي مولاكم)
أولى بكم.
(ألم يأن)
يقال: أنى يأني، وآن يئين، بمعنى: حان. فجمع بين اللغتين:
1254 - ألم يأن لي أن تجلى [عما يتي] ... وأقصر عن ليلى؟ بلى قد أنى ليا.
(إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله)
أي: الذين تصدقوا، وأقرضوا الله بتلك الصدقة، [فلذلك] عطف بالفعل.

(3/1472)


ومن خفف الصاد، كان المعنى قوله تعالى: (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات)، لأن التصديق إيمان، وإقراض الله من العمل الصالح.
(أعجب الكفار)
الزراع.
ويجوز الكافرين، لأن [الدنيا] أفتن لهم وأعجب عندهم.
(من قبل أن نبرأها)
نخلقها، أي: الأرض والأنفس، ولما حمل سعيد بن جبير إلى الحجاج، بكى بعض أصحابه، فسلاه سعيد بهذه الآية.
(لكيلا تأسوا على ما فاتكم)
أي: أعلمناكم بذلك لتسلوا عن الدنيا، إذا علمتم أن ما ينالكم في كتاب قد سبق، لا سبيل إلى تغييره.

(3/1473)


قال ابن مسعود: "لجمرة على لساني تحرقه جزءاً جزءاً، أحب إلي من أن أقول لشيء كتبه الله: ليته لم يكن".
وحدث قتيبة [بن] سعيد قال: هبطت وادياً، فإذا أنا بفضاء مملوء من جيف الإبل، لا يحصى عدداً، وشيخ على تل كأفرح ما يكون، فقلت: أكانت كلها لك؟
فقال: كان باسمي فارتجعها مالكها، وأنشد:
1255 - لا والذي أنا عبد في عبادته ... والمرء في الدهر نصب الرزء والمحن
1256 - ما سرني أن إبلي في مباركها ... وأن شيئاً قضاه الله لم يكن.

(3/1474)


(فإن الله هو الغني)
"هو" في مثل هذا الموضع فصل في عبارة البصريين، [وعماد] في عبارة الكوفيين.
قال سيبويه: إنما يدخل، ليعلم أن الاسم قبله قد تم، ولم يبق نعت ولا بدل، فينتظر الخبر. ومثله: (إني أنا ربك)، (أنهم هم الفائزون)، (إنا نحن نزلنا الذكر)، فكلها فصول مؤكدة لا موضع لها من الإعراب.
وهذا أصوب وأقرب ممن قال: إنه مبتدأ، و"الغني": خبره، و"الحميد": خبر بعد خبر، والجملة من المبتدأ والخبر، خبر، لأن كونهما خبري إن من

(3/1475)


غير واسطة أقصد [وأقسط] من أن [يجعلا خبرا] مبتدأ، ثم "هو" وهما: خبر "إن".
(وأنزلنا الحديد)
قيل: إن آدم هبط إلى الأرض بالسندان والمطرقة والكلبتين. وقيل: إنها من الأرض، ومعنى الإنزال: الإظهار، [فالماء] ينزل من السماء، ثم يغور في الأرض، ثم ينعقد في المعادن جواهر، مثل: الكبريت والزئبق، فيكون بامتزاجهما على الأيام الحديد ونحوه، ومثلها قوله: (وأنزل لكم [من] الأنعام).

(3/1476)


(وليعلم الله من ينصره ورسله)
أي: أزيحت العلل في خلق الأشياء وتيسير المنافع والمصالح، ليعلم الله من ينصره.
(بالغيب)
أي: سره مثل علانيته.
(رهبانية)
تقديره: وابتدعوا رهبانية.
(ما كتبناها عليهم)
[أي: ما كتبنا عليهم] غير ابتغاء رضوان الله.
(كفلين من رحمته)
نصيبين، أحدهما لإيمانهم بالرسل الأولين، والثاني لإيمانهم بخاتم النبيين.
(لئلا يعلم أهل الكتاب)
قيل: إن يعلم هنا بمعنى: "يظن" كما جاء "الظن" في مواضع بمعنى "العلم".

(3/1477)


وقيل: معناه: لأن يعلم، قال الراجز:
1257 - ولا ألوم البيض ألا تسخرا
1258 - وقد رأين الشمط [ا] لقفندرا
[تمت سورة الحديد]

(3/1478)