باهر البرهان فى
معانى مشكلات القرآن سورة المجادلة
(قد سمع الله)
نزلت في خولة بنت ثعلبة بن خويلد وزوجها أوس بن الصامت، قال
لها: أنت علي كظهر أمي، وكان الظهار طلاق الجاهلية.
(ثم يعودون لما قالوا)
توهم بعض الناس من هذا أن الظهار لا يقع في أول مرة حتى يعود
إليه مرة أخرى.
(3/1479)
وقد يكون العود في كلام العرب أن يصير إلى
[شيء]، وإن لم يكن عليه قبل، ومنه يقال للآخرة: المعاد، وهو في
شعر الهذليين شائع، قال ساعدة بن جؤية:
1258 - حتى يقال وراء الدار منتبذاً ... قم لا أبالك سار الناس
[فاحتزم]
1259 - فقام يرعد كفاه بميبله ... قد عاد رهباً [رذياً طائش]
القدم
وقال أبو خراش:
(3/1480)
1260 - وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ...
سوى الحق شيئاً واستراح العواذل
1261 - وأصبح إخوان الصفاء كأنما ... أهال عليهم جانب الترب
هائل.
وإذا ثبت هذا فقد قال [عبيد الله بن الحسين]: معنى (ثم يعودون
لما قالوا): أي: يعودون إلى المقول، أي: إلى نسائهم.
كأن التقدير: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا،
ثم يعودون إلى نسائهم.
وصرف هذا التأويل، أن "ما قالوا" بمعنى المصدر، والمصدر بمعنى
المفعول، مثل قولهم: هذا ضرب الأمير، ونسج بغداد، أي: مضروبه
ومنسوجها.
وقد قال كثير في المقالة بمعنى المفعول:
(3/1481)
1262 - وإن ابن ليلى [فاه] لي بمقالة ...
ولو سرت فيها كنت ممن ينيلها.
فإن المعنى: ولو سرت في طلبها كنت ممن ينيله إياها، وإنما يطلب
ما يعد به الملوك من جوائزها، لا ما تلفظ به.
(ذلك لتؤمنوا بالله)
تطيعوه، ولا تذهبوا إلى طلاق الجاهلية.
وقيل: تقديره: ذلك لإيمانكم بالله، فيقتضي أن لا يصح ظهار
[الذمي].
(كبتوا)
أي: في يوم الأحزاب.
(كما كبت الذين من قبلهم)
(3/1482)
في يوم بدر.
(نهوا عن النجوى)
أي: السرار.
وقيل: إن النجوى أخص من السرار، فإن الإنسان يسر في نفسه ولا
يناجي نفسه، وإنما النجوى: إجالة الرأي: مع القلب [المحتار]،
كما قال نصيب:
1263 - من النفر البيض الذين إذا انتجوا ... أقرت لنجواهم لؤي
بن غالب
1264 - يحيون بسامين طوراً وتارةً ... يحيون عباسين شوس
الحواجب.
[تمت سورة المجادلة]
(3/1483)
سورة الحشر
(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب)
يهود بني النضير، أجلاهم النبي عليه السلام من الحجاز إلى
أذرعات، وهي أعلى الشام بعدما حاصرهم [ثلاثة] وعشرين يوماً.
(لأول الحشر)
الخلق يحشرون أول حشرهم بأرذعات من الشام.
(يخربون بيوتهم بأيديهم)
(3/1484)
لما يئسوا من المقام، شعثوا منازلهم.
وعن الضحاك: أن المؤمنين يخربون حصونهم، وهم يخربون بيوتهم
ليسدوا بها الخراب من الحصون.
(لعذبهم في الدنيا)
بالسبي والقتل كما فعل ببني قريظة.
(من لينة)
نخلة أيها كانت.
وقيل: إنها العجوة منها خاصة.
وقيل: إنها الفسيل للينها.
(3/1485)
وقال الأخفش: [هو] من اللون لا من اللين،
فكان أصلها: "لونة"، فقلبت ياء لانكسار ما قبلها.
وهذا قول صحيح عجيب، متناول لجميع ألوان النخل، مأخوذ لفظه من
معناه، أي: من تلون ينعه من أول ما يبدو إلى أن يدرك، ألا ترى
إليها في أول حالها [بيضاء] كأنها صدف مليء دراً نضد بعضه إلى
بعض، ثم تصير غبراء، ثم خضراء كأنها قطع زبرجد خلق منها النشؤ،
ثم حمراء كأنها قطع يواقيت رص بعضها ببعض، ثم صفراء كأنها شذر
عقيان، وكذلك إذا بلغ
(3/1486)
الإرطاب [نصفها] سميت مجزعة، لاختلاف
لونيها، كأنها الجزع الظفاري. قال امرؤ القيس في تشبيه العيون
إذا كانت ذوات ألوان:
1265 - كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم
يثقب.
(أو جفتم عليه)
وجف الفرس وجيفاً، وأوجفته، وهو الإسراع في السير.
(3/1487)
نزلت في مال بني النضير، أي: الفيء الذي
يكون من غير قتال، يكون للرسول يضعه حيث وضعه أصلح، فوضعه صلى
الله عليه في المهاجرين.
(كي لا يكون دولة)
الدولة -بالفتح- في الحرب، والدولة -[بالضم]- في غيرها مما
يتداوله الناس من متاع الدنيا.
وقال أبو عبيدة: الدولة بالفتح في الأيام [و] بالضم في
الأموال. (والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم).
هم الأنصار من أهل المدينة، آمنوا بالنبي عليه السلام قبل
مصيره إليهم.
(ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا)
أي: لا يجدون حسداً على إيثار المهاجرين بمال بني النضير.
(ومن يوق شح نفسه) [9]
(3/1488)
قال النبي عليه السلام: "وقي الشح من أدى
الزكاة، وقرى الضيف، وأعطى في النائبة".
(تحسبهم [جميعاً] وقلوبهم شتى)
أي: اجتمعوا على عدوانكم ومع ذلك اختلفت قلوبهم، لاختلاف
أديانهم، وفي هذا اللفظ [قال] الشاعر:
1259 - إلى الله أشكو نية شقت العصا ... هي اليوم شتى [وهي]
[أمس] جميع
(3/1489)
(كمثل الذين من قبلهم)
أهل بدر.
(نسوا الله)
تركوا أداء حقه.
(فأنساهم أنفسهم)
بحرمان حظوظهم.
-أو بالعذاب الذي مني به [أن يذكر] بعضهم بعضاً.
(3/1490)
-أو بخذلانهم حتى تركوا طاعته.
(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً)
أي: لو أنزلنا [هـ] على جبل -والجبل مما يتصدع إشفاقاً وخشية-
لتصدع مع [صلابته] [وقوته]، فكيف بكم مع ضعفكم وقلتكم.
وقد أوضح هذا التأويل قوله: (وتلك الأمثال نضربها)، وله نظائر
من كلام العرب مثل قول الشاعر:
1267 - ولو أن ما بي بالحصى قلق الحصى ... وبالريح لم يسمع لهن
هبوب.
وقول آخر:
(3/1491)
1268 - سلمى أحبك حباً لو تضمنه ... سلمى
سميك ذاك الشاهق الراسي.
وقول هدبة:
1269 - أصبت بما لو أن سلمى أصابها ... [لسهل] من أركانها ما
توعرا.
(القدوس)
الطاهر المنزه عن أن يكون له ولد، أو يكون في حكمه وفعله ما
ليس بعدل.
(السلام)
ذو السلام [على] عباده، أو السلام: الباقي.
والسلامة: البقاء، والصفة منها للعبد: السالم، ولله: السلام.
(المؤمن)
(3/1492)
المصدق، أي: يصدق الموحدين له على توحيدهم
إياه.
وقيل: إنه المؤمن عذابه من لا يستحقه.
(المهيمن)
سبق ذكره.
(العزيز)
هو الممتنع المنتقم.
(الجبار)
العالي العظيم الذي يذل من دونه.
والسحوق العالية [من] النخيل يسمى جباراً. قال سويد:
1270 - على كل جبار كأن فروعها ... طلين بقار أو بحمأة ماتح
1271 - فليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين
[الجوائح]
(3/1493)
(المتكبر)
المستحق لصفات الكبر والتعظيم.
[تمت سورة الحشر]
(3/1494)
|