باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة النبأ
(نومكم سباتاً)
قطعاً لأعمالكم وراحة لأبدانكم.
وابن الراوندي قال: بأن السبات النوم، فكأنه قيل: وجعلنا نومكم نوماً.
والسبات ليس من أسماء النوم، وإنما هو من صفاته، كما قلنا: إنه قطع الأعمال، كما يقال: يوم السبت إذ كانوا يقطعون فيه العمل.
ويقال لنوع من النعال الحسنة التخصير والتقطيع: سبت على وجه الوصف لا الاسم، كما قال الشاعر:
1371 - [فليت] قلوصي حليت من مجاشع ... إلى جعفر في داره وابن جعفر

(3/1612)


1372 - إلى معشر لا يخصفون نعالهم ... ولا يلبسون السبت ما لم يخصر.
فهذا واحد.
[ويجوز] أيضاً أن يكون أصل هذه الكلمة التمدد، كما [يقال]: سبتت المرأة شعرها، إذا مدت عقيصتها المفتولة.
ويقال: الليل والنهار أبناء سبات، لامتداد اختلافهما في العالم، كما قال ابن أحمر:
1373 - وكنا وهم كابني سبات تفرقا ... سوى ثم كانا منجداً وتهاميا

(3/1613)


1374 - فألقى التهامي [منهما] بلطاته ... [وأحلط] هذا لا [أريم] مكانيا.
فمعنى السبات على هذا: النوم الممتد الغرق، وكان وجه الامتنان بأن لم يجعل نومنا تقويماً وعزاراً.
وهذا الجواب أولى، لأنه يقال: سبت الرجل بمعنى: قطع العمل واستراح، كما يقال: سبت إذا نام نوماً طويلاً.
(من المعصرات)
السحاب التي دنت أن تمطر، كالمعصرة التي دنت من الحيض. قال أبو النجم:
1375 - جارية بسفوان دارها
1376 - تمشي الهوينا مائلاً خمارها

(3/1614)


1377 - قد أعصرت أو قد دنا إعصارها.
(ألفافاً)
مجتمعة بعضها إلى بعض، واللف الشجر الملتف بالثمر.
(ميقاتاً)
منتهى الأجل المضروب.
وقيل: ميعاد البعث المشهود.
(مرصاداً)
مفعال من الرصد، وهو [الارتقاب].
وقيل: الحبس.

(3/1615)


(لا يذوقون فيها برداً)
قيل: نوماً.
وقيل: برد الماء والهواء.
(جزاءً وفاقاً)
جارياً على وفاق أعمالهم.
(كذاباً)
يقال: كذب يكذب كذباً وكذاباً، وكذب كذاباً، ومثله: كلم كلاماً، وقضى قضاءً.
(مفازاً)

(3/1616)


مواضع الفوز والنجاة.
(دهاقاً)
ملاءً ولاءً.
(عطاءً حساباً)
كافياً.
وقيل: كثيراً، قالت امرأة من بني قشير:
1378 - [و] نقفي وليد الحي إن كان جائعاً ... ونحسبه إن كان ليس بجائع
[تمت سورة النبأ]

(3/1617)


سورة النازعات
(والنازعات)
الملائكة تنزع الأرواح.
(غرقاً)
إغراقاً في النزع.
(والناشطات)
أيضاً الملائكة [تنشط] الأرواح كنشط العقال.
(والسابحات)
الملائكة تنزل من السماء بسرعة وسهولة كالسبح.

(3/1618)


وقيل: النجوم تسبح في الأفلاك.
وقيل: الفلك في البحر.
وقيل: الخيل السوابق.
(فالسابقات)
الملائكة تسبق [الشياطين] بالوحي إلى الأنبياء [عليهم] السلام. وقيل: المنايا تسبق الأماني.
وقيل: الآجال تسبق الآمال.
(الراجفة)
النفخة الأولى تميت الأحياء.
و (الرادفة)

(3/1619)


التي تحيي الموتى كأنها من الأولى في موضع الردف من الراكب. (واجفة)
خافقة مضطربة، من الوجيف في السير.
(في الحافرة)
في الأمر الأول، رجع في حافرته: إذا ذهب في الطريق الأول. (نخرة)
بالية متآكلة.
وناخرة: صيتة صافرة، كأن الريح تنخر فيها، والنخير: الصوات.
(بالساهرة)

(3/1620)


أرض القيامة، وهي الصقع الذي بين جبلي أريحا وجبل حسان، يمده الله مداً كيف [يشاء].
وسميت بـ"الساهرة"، لأنه لا نوم فيها ولا قرار.
ويكون في غير هذا الموضع الساهرة وجه الأرض، على طريقة السلب، [إذ] كان النوم والقرار على وجه الأرض، قال الهذلي في الساهرة:
1379 - والدهر لا يبقى على حدثانه ... قب يردن بذي شجون مبرم
1380 - [يرتدن] ساهرة كأن [جميمها ... وعميمها] أسداف ليل مظلم

(3/1621)


(وأغطش ليلها)
بعد مظلماً.
(والأرض بعد ذلك)
أي: مع ذلك، كقوله (عتل بعد ذلك).
(دحاها)
بسطها، ومنه أدحي النعام لبسطها موضعه.
(الطامة الكبرى)
الداهية العظمى.
[تمت سورة النازعات]

(3/1622)


سورة عبس
(الأعمى)
ابن [أم] [مكتوم].
(تصدى)
تعرض، وبتشديد الصاد، تتعرض.
(تلهى)

(3/1623)


تشاغل وتغافل.
(تذكرة)
تبصرة، أي: هذه السورة.
(فمن شاء ذكره)
أي: القرآن.
(بأيدي سفرة)
ملائكة يسفرون بالوحي.
وقيل: كتبة.
وقيل: أراد القراء والمفسرين.
والجميع من تبيين الشيء وإيضاحه، ومنه: أسفر الصبح، وسفرت المرأة: كشفت نقابها.
(قتل الإنسان)
لعن.

(3/1624)


وقيل: عذب، وهو أمية بن خلف.
(فأقبره)
جعل له قبراً يدفن فيه، ولم يجعله جيفة ملقاة.
[قالت] بنو [تميم] لابن هبيرة، لما قتل صالح بن عبد الرحمن: أقبرنا صالحاً، قال: فدونكموه.

(3/1625)


(أنشره)
أحياه: أنشره الله فنشر.
قال الأعشى:
1381 - لو أسندت ميتاً إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر
1382 - حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجباً للميت الناشر. (وقضباً)
القت، وكل رطب يقضب مرة فينبت ثانيةً.
(غلباً)

(3/1626)


[غلاظ] الأشجار، ملتفة الأغصان، جمع [غلباء].
[ويقرب] أن يكون الغلباء اسم النخلة العظيمة، كما يقال لها: الجبارة والمجنونة.
ألا ترى إلى [جمع] الشاعر بين الأغلب والمجنون:
1383 - هر [المقادة] من لا يستعد لها ... واعصوصب الشر وارتد المساكين
1384 - من كل أغلب قد مالت عمامته ... كأنه من حذار الضيم مجنون

(3/1627)


والفاكهة: الثمرة الرطبة.
واليابسة منها: الأب، لأنه يعد للشتاء والأسفار.
والأب: الاستعداد.
وقال الأعشى:
1385 - صرمت [ولم] أصرمكم وكصارم ... أخ قد طوى كشحاً وأب ليذهبا.
(الصاخة)
صيحة القيامة، وهي التي تصك [الأسماع] وتصخها.
(شأن يغنيه)
يكفيه ويشغله عن غيره.
(ترهقها قترة)

(3/1628)


تغشاها ظلمة الدخان.
[تمت سورة عبس]

(3/1629)


سورة التكوير
[التكوير]: [التلفيف] على جهة الاستدارة، من كور العمامة. أي: طويت الشمس.
(انكدرت)
انقضت.
(وإذا العشار)
جمع العشراء، وهي الناقة أتت من لقاحها عشرة أشهر، وهي أعز أموالهم، قال:
1386 - فإن تنكحوني بنت هند فإنني ... سأمنحها ألفي مشوف على الصدر

(3/1630)


1387 - وأنحر من كوم العشار قلائصاً ... تفري المدى منها الملوى من النحر.
(عطلت)
أهملت.
(سجرت)
ملئت ناراً.
(زوجت)
ضم الشكل إلى شكله.
قال عمر رضي الله عنه: "الفاجر مع الفاجر، والصالح مع الصالح".

(3/1631)


وقيل: قرنت بجزائها وأعمالها.
(وإذا الموءودة)
المثقلة بالتراب.
قال قتادة: "كان أحدهم يقتل بنته، ويغذو كلبه، فأبى الله ذلك عليهم".
(كشطت)
الكشط: النزع عن شدة التزاق.
(علمت نفس ما أحضرت)
أي: عملت من خير وشر.
(فلا أقسم بالخنس)
الخمسـ[ـة] السيارة، لأنها تخنس في سيرها و [تتردد] في

(3/1632)


مواضعها، وربما [وقفت] مدة، أو رجعت القهقرى.
ومعنى رجوعها: مسيرها إلى خلاف التوالي في أسافل التدوير، فترى متحركة إلى خلاف التدوير.
ومعنى وقوفها: إبطاؤها في حالتي الاستقامة والرجوع حتى يبلغ حد الوقوف على الحركة بالرؤية [شكاً] في ما يرى من مسير جرمها على محيط التدوير إلى خلاف التوالي، ومسير مركز التدوير إلى التوالي.

(3/1633)


(الجواري الكنس)
ويستتر العلوي منها بالسفلي عند القرانات، كما تستتر الظباء [في] كنايسها، كما قال أوس:
1388 - ألم تر أن الله أنزل مزنة ... وعفر الظباء في الكناس تقمع.
لفظ (الكنس) تضمنت أبواباً عظيمة من علم التنجيم.
منها: باب الاجتماع، وباب الكسوف، وباب القرانات، وباب اختلاف

(3/1634)


المناظر، وباب مقادير الأقطار في المناظر، وباب دقائق السقوط والمكث،

(3/1635)


وباب الانحرافات، وباب الحال المسماة طرف الليل، وباب الاحتراق، وباب التصميم، وباب تحت الشعاع، إلى غير ذلك مع كثرة الفصاحة، وحسن الموازنة بين "الخنس" و"الكنس".

(3/1636)


(والليل إذا عسعس)
أظلم وأدبر، من الأضداد.
قال الراجز:
1389 - حتى إذا ما ليلهن عسعسا
1390 - ركبن من حد الظلام حندسا
[وقال]:
1391 - حتى إذا الصبح لها تنفسا
1392 - وانجاب عنها ليلها وعسعسا.

(3/1637)


(وما هو على الغيب بظنين)
بمتهم، كما قال الشماخ:
1393 - كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنين آن مطرح الظنين
1394 - وما أروى ولو كرمت علينا ... بأدنى من [موقفة حرون]

(3/1638)


وقيل: معناه ليس بضعيف، كما قال الرياحي:
1395 - وإن علالتي وجراء حول ... لذو شق على الضرع الظنين
1396 - عذرت البزل إن هي صاولتني ... فما بالي وبال ابني لبون.
[تمت سورة التكوير]
وبها تم الكتاب بعون الله وتوفيقه.

(3/1639)