باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة القيامة
(لا أقسم)
دخول "لا" لتأكيد القسم، لأن الإثبات من طريق النفي آكد. قال امرؤ القيس:
1352 - فلا وأبيك ابنة العامري ... لا تدعي القوم أني أفر. وقيل: إن المراد نفي القسم لوضوح الأمر، وأن لا حاجة إلى القسم، كما قال الهذلي:
1353 - فلست بمقسم لوددت أني ... غداتئذ [ببيضان] الزروب

(3/1586)


1354 - إذاً لغدوت أرهقه بصدق ... حسام الحد [مطروراً خشيباً].
وقيل: إنه [لأقسم] على أنها "لام" الابتداء.
وقيل: لام القسم، إلا أنه لم يسمع "لا أضرب أخاك"، وأنت تريد: لأضربن.
(بالنفس اللوامة)
كل أحد تلومه نفسه على الشر لم عمل؟ وعلى الخير لم لم [تستكثر] منه؟.
(بلى قادرين)

(3/1587)


أي: نجمعها قادرين، فنصبه على الحال من ضمير في فعل محذوف.
(نسوي بنانه)
نجعلها [مع] كفه صحيفة مستوية، لا شقوق فيها بمنزلة خف البعير، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة.
ومن أيمان العرب: "لا والذي شقهن خمساً من واحدة". وللجاحظ رسالة في منافع الأصابع، عد فيها أشياء كثيرة من الإشارة وتقويم العلم، والتصور، والعقد، والدفع بأصناف السلاح، على أنواع الاستعمال، وتناول الطعام، والتضوء، وانتقاد الورق، وإمساك العنان وتصريفه وغير ذلك.
(ليفجر أمامه)
قال مجاهد: يمضي أمامه راكباً رأسه في هواه.

(3/1588)


وقيل: إنه تقديم الحوبة وتأخير التوبة.
وقيل: يتمنى العمر ليفجر منه.
(فإذا برق البصر)
بالكسر: دهش وتحير، وبالفتح: شخص.
(وخسف القمر)
ذهب ضوؤه حتى كأنه في خسيف، وهي: البئر القديمة.
(وجمع الشمس والقمر)
في طلوعهما من المغرب، أو في ذهاب ضوئهما، أو في التسخير بهما.
(أين المفر)
أي: الفرار، مصدر كالفرار.

(3/1589)


والمفر -بكسر الفاء- الموضع الذي يفر إليه.
والمفر -بكسر الميم-: الإنسان الجيد الفرار، كما قال:
1355 - مكر مفر مقبل ... ...
أي: الإنسان الجيد الفرار لا ينفعه الفرار.
(لا وزر)
لا ملجأ ولا منجا.
(بما قدم)
أي: من عمل.
(وأخر)

(3/1590)


من سنة.
(بصيرة)
شاهدة، الهاء للمبالغة.
أو تقديره عين بصيرة، كما قيل:
1356 - كأن على ذي العقل عيناً بصيرة ... [بمقعده] أو منظر هو ناظره
1357 - يحاذر حتى يحسب الناس كلهم ... من الخوف لا يخفى عليهم سرائره.
(ولو ألقى معاذيره)
أي: جوارحه [تشهد] عليه، ولو اعتذر ذب عن نفسه.

(3/1591)


وقال ابن عباس: ولو ألقى ثيابه، [فأخرى] ستوره.
أي: ولو خلا بنفسه، والمعذار: الستر بلغة اليمن.
(إن علينا جمعه)
أي: في صدرك، (و) إعادة (قرآنه) عليك أي: قراءته، حتى تحفظ وتضبط، ثم إنا نبين لك معانيه إذا حفظته.
(ناضرة)
حسنة مستبشرة.
(فاقرة)
داهية تكسر الفقار.
(من راق)
أي: تقول الملائكة من يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم العذاب.

(3/1592)


وقيل: هو قول أهله: من راق يرقيه، وطبيب يشفيه.
كما قال [يزيد بن خذاق]:
1358 - هل للفتى من بنات الدهر من واق ... أم هل له من حمام الموت من راق
1359 - قد رجلوني وما رجلت من شعث ... وألبسوني ثياباً غير أخلاق.
(والتفت الساق بالساق)
أهوال الدنيا بأهوال الآخرة.

(3/1593)


وفسر ذلك أيضاً بكرب [الموت] وهول المطلع.
وقال الضحاك: اجتمع عليه أمران، أهله يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.
(يتمطى)
يتبختر، ويختال، [والمطيطاء] مشية يهتز فيها المطا وهو الظهر. (أولى لك فأولى)
قاربك ما تكره، ووليك، وأنشد في الياقوتة:
1360 - فإني إن أقع بك لا أهلل ... كوقع السيف ذي الأثر الفرند

(3/1594)


1361 - فأولى ثم أولى ثم أولى ... وهل للدر يحلب من مرد. (أن يترك سدىً)
مهملاً لا يؤمر ولا ينهى.
(يمنى)
يراق.
وقيل: يقدر ويخلق من المنا، وهو القدر، كما قال الهذلي:
1362 - لعمر أبي عمرو لقد ساقه المنى ... إلى جدث [يوزى] له بالأهاضب

(3/1595)


1363 - لحية جحر في وجار مقيمة ... تأمل إلى سوق المنى [والجوالب]
[تمت سورة القيامة]

(3/1596)


سورة الإنسان
(هل أتى على الإنسان)
يمكن تقدير هل على وضعه في الاستفهام [ها هنا]، كأنـ[ـه] سؤال عن الإنسان: هل أتى عليه هذا؟
فلا بد في جوابه من "نعم" ملفوظاً أو مقدراً، ثم يكون المعنى:/إن الأمر كما أنه كذلك، فينبغي للإنسان أن يحتقر نفسه، ولا يرتكب ما قبح له.
ويبين هذا ما عدد عليه من النعم بعده.
وقوله:
(إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج)
المشج: الخلط وهي ماء الرجل والمرأة.

(3/1597)


قال صلى الله عليه: "أي الماءين سبق أو علا فمنه يكون الشبه".

(3/1598)


(نبتليه)
نختبره حالاً بعد حال.
(إما شاكراً وإما كفوراً)
الفعول للمبالغة والكثرة، وشكر الإنسان قليل بالإضافة إلى كثرة النعم عليه.
وعلى العكس فإن كفره [وإن قل] كثير بالإضافة إلى الإحسان إليه.
(إنا أعتدنا للكافرين سلاسلاً)
بالتنوين بمشاكلة قوله: (أغلالاً وسعيراً).
أو أجرى السلاسل مجرى الواحد، فيكون الجمع "سلاسلات"، كما في الحديث: "إنكن صواحبات يوسف".

(3/1599)


وكذلك قوله: (قواريرا)، إذ جمعها قواريرات، ولأنها خاتمة الآية، فصرفت ليتفق النظام.
وليس هذا المعنى في (قواريرا) الثانية.
قال أبو عبيد: رأيت حك الألف في "قوارير" الثانية في المصحف الإمام.

(3/1600)


(كان مزاجها كافوراً)
أي: في طيب الجنة.
قال قتادة: "مزج بالكافور، وختم بالمسك".
(يفجرونها)
يجرونها كيف شاؤوا.
(مستطيراً)
منتشراً.
(قمطريراً)
شديداً طويلاً.
(لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً)
أي: حراً وبرداً. قال المتلمس:

(3/1601)


1364 - من القاصرات سجوف الحجال ... لم تر شمساً ولا زمهريراً.
(قواريرا من فضة)
أي: كأنها في بياضها من فضة، على التشبيه بالفضة، وإن لم يذكر حرفه، كما قال:
1365 - حلبانة ركبانة صفوف
1366 - تخلط بين وبر وصوف.
أي: كأن يديها في إسراعها يدا خالط وبراً بصوف.

(3/1602)


وعن ابن عباس: إن قوارير كل أرض من تربتها، وأرض الجنة فضة، فقواريرها من فضة".
(كان مزاجها زنجبيلاً)
أي: في [لذاذة] المقطع، لأن الزنجبيل [يحذي] اللسان، وهو عند العرب من أجود الأوصاف للخمر، قال الأعشى:
1367 - كأن القرنفل والزنجبيلا ... باتاً بفيها وأرياً [مشوراً].
وقال ابن مقبل:
1368 - مما تفتق في الحانوت ناطفها ... بالفلفل الجون والرمان مختوم.

(3/1603)


وقال حسان:
1369 - كأن فاها قهوة مزة ... حديثة العهد بفض الختام
1370 - من خمر بيسان تخيرتها ... درياقة تسرع فتر العظام. (سلسبيلاً)
سميت به لسهولتها وسلاستها.
(عاليهم)
نصبه على أنه صفة جعلت ظرفاً، كقوله تعالى: (والركب أسفل منكم).

(3/1604)


(وشددنا أسرهم)
خلقهم.
[تمت سورة الإنسان]

(3/1605)


سورة المرسلات
(والمرسلات عرفاً)
الملائكة ترسل بالمعروف.
وقيل: السحائب.
وقيل: الرياح.
و (عرفاً) متتابعاً.
(فالعاصفات)
الملائكة تعصف بأرواح الكفار.
وقيل: الرياح العواصف وهي الشديدة الهبوب.

(3/1606)


(والناشرات)
الرياح أيضاً تنشر السحاب.
وقيل: المطر لنشرها النبات.
وقيل: الملائكة تنشر الكتب.
(فالفارقات)
الملائكة تفرق بين الحق والباطل.
(فالملقيات ذكراً)
الملائكة تلقي الوحي.
(عذراً [أ] ونذراً)
نصب على الحال، كقوله: (رسلاً مبشرين).

(3/1607)


ويجوز على المفعول له، أي: عذراً من الله إلى عباده، ونذراً لهم من عذابه، أي: لذلكما تلقي الملائكة الذكر.
(إنما توعدون لواقع)
جواب الإقسام.
(طمست)
[محيت].
(فرجت)
فتحت وشقت.
(نسفت)
قلعت من أصولها.
(أقتت)
جمعت لوقت.
(كفاتاً)

(3/1608)


كناً ووعاءً.
وأصله: الضم، في اللغة.
نظر الشعبي إلى الدور فقال: "كفت الأحياء، وإلى القبور فقال: "كفت الأموات".
فكان قوله:
(أحياءً وأمواتاً)
تفسير قوله: "كفاتا".
(ذي ثلاث شعب)
قيل: إنها اللهب والشرر والدخان.
وقال المبرد: إنما قال ذلك، لأن النار ليس لها إلا ثلاث جهات: يمنة ويسرة وفوق.

(3/1609)


والأولى أن يقال: إن الوراء وإن كان من جهاتها، ولم يباينها في الصفة المكروهة، فإنها لا تدرك قبل الالتفات، وكذلك الفوق والتحت، بخلاف الشعب الثلاث من اليمنة واليسرة والأمام، لأنها ترى أول وهلة، ولأن الشكل الحسكي يلقب بالناري، فيجوز أن يقال: إنه ليس لها فوق ووراء وتحت [يدرك] بالبصر. (بشرر كالقصر)
قال أبو علي: القصر بمعنى القصور، وهي: بيوت من أدم كانوا يضربونها إذا نزلوا على الماء.
(جمالات)
جمع [جمالة]، وهي الشيء المجمل.

(3/1610)


ويقال: جمع جمال.
والصفر: السود، لأن سود الإبل فيها شكلة من صفرة، أي: خلطة. وقيل: هي [قلوس] السفن.
(فبأي حديث)
إذا كفروا بالقرآن (فبأي حديث بعده يؤمنون).
[تمت سورة المرسلات]

(3/1611)