باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن

سورة الجن
(تعالى جد ربنا)
سلطانه وعظمته.
عن أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا، أي عظم.
(سفيهنا)
إبليس.
(شططاً)
كفراً وكذباً [لبعده] عن الحق.
(يعوذون برجال)
كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بوادٍ نادى:

(3/1558)


إني أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه.
(رهقاً)
فساداً وإثماً. قال الأعشى:
1325 - لا شيء ينفعني من دون رؤيتها ... هل يشتفي عاشق ما لم يصب رهقا
أي: زاد الإنس الجن باستعاذتهم غياً وإثماً.
(وأنا لمسنا السماء)
طلبنا، بمعنى التمسنا.
(ملئت حرساً)
ملائكة.
(وشهباً)

(3/1559)


كواكب الرجم.
وعن الزهري، وغيره: أن النجوم كانت تنقض قبل المبعث، إلا أنه زيد عند البعث زيادة لا إلى حد.

(3/1560)


واستشهد بقول الأفوه الأودي:
1326 - إن يجل مهري فيكم جولة ... فعليه الكر فيكم والغوار
1327 - كشهاب الرجم يرميكم به ... فارس في كفه للحرب نار.
والصحيح أن الرجم كان على عهد رسول الله إرهاصاً لنبوته، وتمهيداً لدعوته.
ورأيت عدة نسخ من ديوان الأفوه:
كشهاب القذف ... ... ...
وهو النار التي يرمي بها البحريون في الحرب.
وما في كتب أهل الحساب من علله وأسبابه، فذلك من زيادة المترجمين، فإنهم [ضموا] إلى كلام صاحب المنطق أشياء كثيرة، توسعاً في القول وتصرفاً، وكذلك من بعدهم عليهم.

(3/1561)


(طرائق قدداً)
فرقاً شتى، جمع قدة.
وقيل: أهواء مختلفة، كما قال الراعي:
1328 - ضافي العطية معصيه وواعده ... سيان أفلح من يعطي ومن يعد
1329 - القابض الباسط الهادي لطاعته ... في فتنة [الناس] إذ أهواؤهم قدد.
[(القاسطون)

(3/1562)


الجائرون].
قال الشاعر:
1330 - قوم [هم] قتلوا ابن هند عنوة ... ظلماً وهم قسطوا على النعمان.
(تحروا رشداً)
[ا] لتحري: تعمد الصواب.
(وألو استقاموا على الطريقة)
أي: طريقة الكفر، لزدنا في نعيمهم وأموالهم فتنة.
قال عمر: حيث كان الماء كان المال، وحيث كان المال كانـ[ت] الفتنة.

(3/1563)


وقيل: على عكس ذلك، أي: على طريقة الإسلام، [لوسعنا] عليهم. وقيل: إنه كناية عن إدرار مواد [الهوى] عليهم، فتكون الفتنة بمعنى التخليص، كقوله: (فنجيناك من الغم وفتناك فتوناً). والغدق: العذب والعين.
وقيل: الغمر الغزير.
وذكر بعضهم أن كل ما في السورة من "إن" المكسورة المثقلة فهو حكاية قول الجن، وكل ما فيها من "أن" المفتوحة مخففة [أو] مثقلة فهو ابتداء قول الله.

(3/1564)


(صعداً)
شديداً شاقاً.
(وأن المساجد لله)
ما يسجد على الأرض من جسد المصلي.
(لبداً)
جمع لبدة، و"لبداً" جمع لبدة، مثل: حذوة وحذوة، وربوة وربوة. أي: ازدحم الجن على النبي عليه السلام، [حتى] [كاد] يركب بعضهم بعضاً كتراكب اللبد.
(من رسول)
[يعني] جبريل.
(رصداً)

(3/1565)


طريقاً.
أي: نجعل له إلى علم بعض ما كان قبله، وما يكون بعده طريقاً. وقيل: إن ["الرسول"]: النبي عليه السلام، "والرصد": الملائكة يحفظونه من الجن والإنس.
(ليعلم أن قد أبلغوا)
على القول الأول: ليعلم محمد أن جبريل أبلغ، وما نزل جبريل بشيء إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة.
وقيل: ليعلم محمد أن الرسل المتقدمين أبلغوا.
وقيل "ليعلم الله" -وإن كان عالماً من قبل- ولكنها لام العاقبة، أي: ليتبين علم الله.

(3/1566)


وهذا أوجه لا تصالـ[ـه] بقوله: (وأحاط بما لديهم)
[تمت سورة الجن]

(3/1567)


سورة المزمل
(المزمل)
أصله المتزمل، ومثله (المدثر)، تزمل وتدثر إذا تلفف بغطاء.
قال امرؤ القيس:
1331 - في بجاد مزمل.
(قم الليل)
اسم الجنس، أي: كل ليلة.
(إلا قليلاً)

(3/1568)


من عدد الليالي، فقاموا على ذلك سنة فرخص بعدها بقوله: (فاقرءوا ما تيسر).
(ورتل)

(3/1569)


بين وفصل، من الثغر الرتل: وهو الحسن الرصف.
(قولاً ثقيلاً)
راجحاً ليس بسخيف مهلهل.
وقيل: ثقيل المحمل.
وكان إذا أوحي إليه ثقل عليه الحركة فلا يستطيع شيئاً.
(ناشئة الليل)
الصلاة التي ينشأ فيه.
وقيل: [ساعته] التي تنشأ.

(3/1570)


(وطاءاً)
مصدر كالمواطأة، مثل: الوفاق والموافقة.
أي: قيام الليل أبلغ في مواطأة قلبك لعملك ولسانك.
وقيل: معناه أن ما ينشأ في حفظك من القرآن بالليل أشد موافقة لك، لمكان الخلوة، وإمكان التفهم لها.
وكذلك تفسير وطئاً.
(سبحاً طويلاً)
فراغاً للعمل والاستراحة.
والسبح: سهولة الحركة.
(وتبتل)
انقطع إلى عبادته.

(3/1571)


(وكيلاً)
ولياً معيناً.
(أنكالاً)
قيوداً واحدها نكل.
(غصة)
تأخذ بالحلق فلا تدخل ولا تخرج.
(كثيباً مهيلاً)
رملاً سائلاً، مفعول هلت الرمل: [حركت] أسفله فانهال أعلاه.
(وبيلاً)
ثقيلاً شديداً.
(يجعل الولدان شيباً)
مثل لصعوبة الأمر، أي: هم كالشيب في الانكسار وتخاذل القوى.
(السماء منفطر)

(3/1572)


السماء يذكر ويؤنث. قال الفرزدق:
1332 - ولو رفع السماء إليه قوماً ... لحقنا بالسماء مع السحاب.
(علم أن لن تحصوه)
أي: إحصاء نصف الليل وثلثه.
[تمت سورة المزمل]

(3/1573)


سورة المدثر
(وثيابك فطهر)
قيل: إن المراد بالثياب: النفس، كما قال عنترة:
1333 - فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم
1334 - وتركته جزر السباع ينشنه ... ما بين قلة رأسه والمعصم.
وقال ابن عباس: معناه لا تلبسها على غدر ولا إثم.
واستشهد بقول غيلان الثقفي:

(3/1574)


1335 - فإني بحمد الله لا ثوب غادر ... لبست ولا من جزاية أتقطع.
وهذا القول أظهر فائدة، وأكثر نظيراً.
وقال امرؤ القيس:
1336 - ثياب بني عوف طهارى نقية ... وأوجههم بيض المسافر غران
أي: طهارى من العار والغدر.
وقال أبو الأسود الدؤلي:
1337 - أطهر أثوابي عن الغدر والخنا ... وأنحو الذي قد كان خيراً وأعوداً
1338 - ألم تر أني والتكرم عادتي ... وما المرء إلا لازم ما تعودا.

(3/1575)


وعلى ضده -وهو في معناه- قول جرير:
1339 - وقد لبست بعد الزبير مجاشع ... ثياب التي حاضت ولم تغسل [الدما].
وأنشد ابن السكيت وثعلب:
1340 - وبالبشر قتلى لم تطهر ثيابها.
وأنشدا [لـ]ـلفرزدق:
1341 - بني عاصم لا تلجئوها فإنكم ... ملاجئ للسوءات دسم العمائم
1342 - [بني] عاصم لو كان حياً أبوكم ... للام بينه اليوم قيس بن عاصم

(3/1576)


وفسراه بأنه لم يطلب ثأرهم: وقريب منه قول أوس:
1343 - نبئت أن دماً حراماً نلته ... وهريق في برد عليك محبر
1344 - نبئت أن بني جذيمة أدخلوا ... أبياتهم تامور نفس المنذر.
وقول الهذلي:
1345 - تبرأ من دم القتيل وبزه ... وقد علقت دم القتيل إزارها

(3/1577)


(والرجز فاهجر)
قال مجاهد: الرجز بالكسر العذاب، وبالضم الأوثان.
(ولا تمنن تستكثر)
لا تعط شيئاً، لتصيب أكثر منه.
وقال الحسن: معناه لا تمنن لعملك تستكثر على ربك.
وقال مجاهد: لا تمنن: لا تنقص من الخير تستكثر الثواب.
أي: يكثر ثوابك.
(فإذا نقر في الناقور)
الناقور: أول النفختين، فاعول من النقر.

(3/1578)


(فذلك يومئذ يوم عسير)
"ذلك" إشارة إلى النقر، كأنه قال: فذلك النقر يومئذ نقر يوم عسير.
(ذرني ومن خلقت وحيداً)
يعني الوليد بن [الـ]ـمغيرة.
أي: خلقته وحيداً لا مال له ولا بنون.
(مالاً ممدوداً)
المال النامي الذي له مادة من الزيادة.
(وبنين شهوداً)
كان له عشر [ة] بنين لا يغيبون عن عينه، زيناً له في النادي، [وعزاً] على الأعادي.
(سأرهقه)
الإعجال بالعنف.

(3/1579)


(صعوداً)
عقبة في النار.
(إنه فكر وقدر)
فكر [في] القرآن، فقال: ليس بشعر، وله حلاوة وتأثير في القلوب، فقدر في نفسه أنه سحر.
(ثم عبس وبسر)
فكر حتى ضاق صدره بالفكر، فبدا أثر العبوس والبسور في وجهه.

(3/1580)


وقيل: إن العبوس يكون مع المحاورة والمنازعة، والبسور مع الإعراض والصدود، فلذلك جمع بينهما، قال توبة:
1346 - وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
1347 - وقد رابني منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتي وبسورها.
(لواحة للبشر)
مسودة للجلود، وقال الأخفش:
1348 - تركنا صياكلة عراة ... يسارون الوحوش ملوحينا.

(3/1581)


وقال الأخفش: معناه معطشة للناس. واللوح: العطش.
قال الشاعر:
1349 - وأي فتى صبر على الأين والظمأ ... إذا اعتصروا للوح ماء فظاظها.
(عليها تسعة عشر)
ذكر الله هذا العدد في الكتب [المتقدمة]، ثم ذكره كذلك في القرآن؛ (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب).
وذكر القاضي الماوردي في "تفسيره": أن التسعة نهاية الآحاد، والعشرة بداية العشرات، فكان أجمع الأعداد، فجعلت بحسابها خزنة النار.
وذكر أيضاً أن البروج اثنا عشر، والسيارة سبعة فتلك تسعة عشر، فإذا لم [يستبعد] عدد النجوم السيارة والبروج، محصوراً في تسعة عشر فكذلك خزنة جهنم.

(3/1582)


(وما يعلم جنود ربك إلا هو)
أي: من كثرتهم.
(وما هي إلا ذكرى للبشر)
أي: هذه النار التي في الدنيا تذكير وتحذير بنار الآخرة.
(والليل إذا أدبر)
جاء بعد النهار، دبر الشيء وأدبر، وقبل وأقبل.
(إنها لإحدى الكبر)
أي: الساعة، أو سقر، لتقدم ذكرها.
قال الحرمازي:

(3/1583)


1350 - يا ابن المعلى نزلت إحدى الكبر
1351 - داهية الدهر وصماء [الغبر].
(مستنفرة)
بكسر الفاء: نافرة.
وبفتحها: منفرة مذعورة.
والقسورة: الرماة.
وقيل: إنه الأسد، فعولة من القسر.

(3/1584)


(هو أهل التقوى)
أهل أن يتقى محارمه أو عذابه.
[تمت سورة المدثر]

(3/1585)