تفسير ابن أبي
حاتم محققا أَجَعَلَ الْآلِهَةَ
إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
سُورَةُ ص
38
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا
إِلَى قَوْلِهِ: لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ
18326 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالا:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، ثنا
عُبَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالَبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ
مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ
أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا: وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ
وَيَقُولُ فَلَو بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ؟ فَبَعَثَ
إِلَيْهِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي
طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رَجُلٍ، قَالَ: فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ
إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَّقَ
لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ
وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ، فَجَلَسَ، عِنْدَ
الْبَابِ فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: أَيِ ابْنَ أَخِي، مَا
بَالُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ، يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ
آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ؟ قَالَ: وَأَكْثَرُوا
عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ. وَتَكَلَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «يَا عَمِّ إِنِي
أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ
لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ
الْجِزْيَةَ» فَفَزِعُوا لِكَلِمَتِهِ وَلِقَوْلِهِ، وَقَالُوا
كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ! نَعَمْ وأَبِيكَ عَشْرًا فَقَالُوا: وَمَا
هِيَ؟ وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يَا ابْنَ
أَخِي؟ فَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» فَقَامُوا
فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ:
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا! إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ
عُجَابٌ قَالَ: وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى
قَوْلِهِ: لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ لَفْظُ أَبِي كُرَيْبٍ «1»
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ
18327 - مِنْ طَرِيقِ عِكْرَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
الله عَنْهُمَا فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ قَالَ:
نَادَوْا وَالنِّدَاءُ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ، وَأَنْشَدَ
تذكرت «2» .
__________
(1) ابن كثير 7/ 46.
(2) الدر 7/ 145- 147.
(10/3235)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ
مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ
هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
18328 - مَنْ طَرِيقِ أَبِي ظَبْيَانَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ قَالَ: لَا حِينَ
فِرَارٍ «1» .
18329 - مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ
قَالَ: لَيْسَ بِحِينِ مُغَاثٍ «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَانْطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ
18330 - عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَوْمَ
بَدْرٍ، مَا هُمْ إِلا النِّسَاءُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُمُ الْمَلا
وَتَلا: وَانْطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ» «3» .
18331 - عن ابن عباس رضي الله عنهما في قَوْلِهِ: وَانْطَلَقَ
الْمَلا مِنْهُمْ قَالَ:
نَزَلَتْ حِينَ انْطَلَقَ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي
طَالِبٍ يُكَلِّمُونَهُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ
الْآخِرَةِ
18332 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي
الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ قَالَ: مِلَّةُ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلامُ «5» .
18333 - عَنْ مُجَاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا سَمِعْنَا
بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ قَالَ:
النَّصْرَانِيَّةُ «6» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ
18334 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ قَالَ: فِي
السَّمَاءِ «7» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ
الْأَحْزَابِ
18335 - عَنْ قَتَادَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ قَالَ:
وَعَدَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ سَيُهْزَمُ لَهُ
جُنْدُ الْمُشْرِكِينَ فَجَاءَ تَأْوِيلُهَا يَوْمَ بَدْرٍ
وَفِي قَوْلِهِ: وفرعون ذي الْأَوْتَادِ قَالَ: كَانَتْ لَهُ
أَوْتَادٌ، وَأَرْسَانٌ وَمَلاعِبُ يَلْعَبُ لَهُ عَلَيْهَا
وَفِي قَوْلِهِ: إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ
عِقَابِ قَالَ: هَؤُلاءِ كلهم قد كذبوا
__________
(1) الدر 7/ 145- 147.
(2) الدر 7/ 145- 147.
(3) الدر 7/ 145- 147.
(4) الدر 7/ 145- 147.
(5) الدر 7/ 145- 147.
(6) الدر 7/ 145- 147. [.....]
(7) الدر 7/ 147- 149.
(10/3236)
وَقَالُوا رَبَّنَا
عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
الرُّسُلَ فَحَقَّ عَلَيْهِمْ عِقَابِ
وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ يَعْنِي: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً يَعْنِي
السَّاعَةَ مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ يَعْنِي: مَا لَهَا مِنْ
رُجُوعٍ، وَلا مَثْوَبَةٌ، وَلا ارْتَدَادٌ وَقَالُوا رَبَّنَا
عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا
أَيْ نَصِيبَنَا حَظَّنَا مِنَ الْعَذَابِ قَبْلَ يَوْمِ
القيامة، قَدْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ
إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا
حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
«1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا
18336 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ قَالَ: مِنْ رَجْعَةٍ
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَالَ: سَأَلُوا
اللَّهَ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمْ «2» .
18337 - وَمِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ:
عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَالَ: نَصِيبَنَا مِنَ الْجَنَّةِ «3»
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَّابٌ
18338 - عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: الْأَوَّابُ: الْمُسَبِّحُ، بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ «4» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفَصْلَ الْخِطَابِ
18339 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ النُّمَيْرِيُّ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بِلالِ بْنِ أَبِي
بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أََبِِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ» دَاوُدُ
عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ «5» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ
18340 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
ادَّعَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، عِنْدَ دَاوُدَ
عَلَيْهِ السَّلامُ قُتِلَ وَلَدُهُ فَسَأَلَ الرَّجُلَ عَلَى
ذَلِكَ فَجَحَدَهُ فَسَأَلَ الْآخَرَ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ
تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَقَالَ لَهُمَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ:
قُومَا حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمَا، فَقَامَا مِنْ،
عِنْدِهِ فَأَتَى دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي مَنَامِهِ
فَقِيلَ لَهُ: اقْتُلِ الرَّجُلَ الَّذِي اسْتَعْدَى، فَقَالَ:
إِنَّ هذه
__________
(1) الدر 7/ 147- 149.
(2) الدر 7/ 147- 149.
(3) الدر 7/ 147- 149.
(4) الدر 7/ 149.
(5) ابن كثير 7/ 51.
(10/3237)
رُؤْيَا وَلَسْتُ أَعْجَلَ حَتَّى أَثْبُتَ
فَأَتَى اللَّيْلَةَ الثانية فِي مَنَامِهِ فَقِيلَ لَهُ:
اقْتُلِ الرَّجُلَ فَلَمْ يفعل ثم أبى اللَّيْلَةَ
الثَّالِثَةَ فَقِيلَ لَهُ: اقْتُلِ الرَّجُلَ أَوْ تَأْتِيكَ
الْعُقُوبَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَأَرْسَلَ دَاوُدُ
عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى الرَّجُلِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ
أَمَرَنِي أَنْ أَقْتُلَكَ فَقَالَ: تَقْتُلُنِي بِغَيْرِ
بَيِّنَةٍ وَلا تَثَبُّتٌ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ
لانَفِّذَنَّ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ:
لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ إِنِي وَاللَّهِ مَا
أَخَذْتُ بِهَذَا الذَّنْبِ وَلَكِنِّي كُنْتُ اغْتَلْتُ
وَالِدَ هَذَا فَقَتَلْتُهُ فَبِذَلِكَ أَخَذْتُ، فَأَمَرَ
بِهِ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقُتِلَ فَاشْتَدَتْ
هَيْبَتُهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَشَدَّدَ بِهِ مُلْكَهُ
فَهُوَ قَوَلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ
18341 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ قَالَ: أُعْطِيَ الْفَهْمَ «2» .
18342 - عَنِ أََبِِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ» دَاوُدُ
عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُوَ فَصْلُ الخطاب «3» .
18343 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِنَّ
دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنَّهُ
ابْتُلِيَ أَنْ يَعْتَصِمَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ ستبتلى،
وَسَتَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي تُبْتَلَى فِيهِ، فَخُذْ
حِذْرَكَ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تُبْتَلَى
فِيهِ فَأَخَذَ الزَّبُورَ، وَدَخَلَ الْمِحْرَابَ، وَأَغْلَقَ
بَابَ الْمِحْرَابِ وَأَدْخَلَ الزَّبُورَ فِي حِجْرِهِ،
وَأَقْعَدَ مُنْصِفًا عَلَى الْبَابِ وَقَالَ: لَا تَأْذَنْ
لِأَحَدٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ.
فَبَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ الزَّبُورَ إِذْ جَاءَ طَائِرٌ
مُذَهَّبٌ «4» كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ الطَّيْرُ، فِيهِ مِنْ
كُلِّ لَوْنٍ فَجَعَلَ يَدْرُجُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَنَا
مِنْهُ فأمكن أن يأخذه، فتناوله بيده ليأخذه فَطَارَ فَوْقَهُ
عَلَى كُوَّةِ الْمِحْرَابِ، فَدَنَا مِنْهُ لِيَأْخُذَهُ
فَطَارَ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ لِيَنْظُرَ أَيْنَ وَقَعَ فَإِذَا
هُوَ بِامْرَأَةٍ، عِنْدَ بِرْكَتِهَا تَغْتَسِلُ مِنَ
الْحَيْضِ، فَلَمَّا رَأَتْ ظِلَّهُ حَرَّكَتْ رَأْسَهَا
فَغَطَّتْ جسدها أجمع
__________
(1) الدر 7/ 154.
(2) الدر 7/ 154.
(3) الدر 7/ 154.
(4) قال ابن كثير: أورد المفسرون قصة أكثر ما يأخذ من
الإسرائيليات، ولم يثبت فيها، عن المعصوم حديث يجب اتباعه،
وروى ابن ابى حاتم حديثا لا يصلح سنده فالأولى أن يقتصر على
مجرد تلاوة القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل، فإن القرآن
حق وما تضمن فهو حق أيضا- انظر 7/ 51.
(10/3238)
بِشَعْرِهَا، وَكَانَ زَوْجُهَا غَازِيًا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَتَبَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ
إِلَى رَأْسِ الْغُزَاةِ انْظُرْ فَاجْعَلْهُ فِي حَمْلَةِ
التَّابُوتِ، إِمَّا أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِمْ وَإِمَّا أَنْ
يُقْتَلُوا فَقَدَّمَهُ فِي حَمْلَةِ التَّابُوتِ، فَقُتِلَ
فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا خَطَبَهَا دَاوُدُ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ إِنْ وَلَدَتْ غُلامًا أَنْ
يَكُونَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ
خَمْسًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَتَبَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ
كِتَابًا فَأَشْعَرَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ كَتَبَ حَتَّى
وَلَدَتْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَشَبَّ
فَتَسَوَّرَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ الْمِحْرَابَ فَكَانَ
شَأْنُهُمَا مَا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَخَرَّ
دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ سَاجِدًا، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ
وَتَابَ عَلَيْهِ «1» .
18344 - عَنْ أَنَسٍ «2» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ نَظَرَ إِلَى
الْمَرْأَةِ قَطَعَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى
صَاحِبَ الْجَيْشِ فَقَالَ: إِذَا حَضَرَ الْعَدُوُّ تَضْرِبُ
فُلانًا بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ، وَكَانَ التَّابُوتُ فِي
ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسْتَنْصَرُ بِهِ مِنْ قُدِّمَ بَيْنَ
يَدَيِ التَّابُوتِ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُقْتَلَ، أَوْ
يَنْهَزِمَ مِنْهُ الْجَيْشُ فَقُتِلَ وَتَزَوَّجَ
الْمَرْأَةَ، وَنَزَلَ الْمَلَكَانِ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَسَجَدَ فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاجِدًا
حَتَّى نَبَتَ الزَّرْعُ مِنْ دُمُوعِهِ عَلَى رَأْسِهِ،
فَأَكَلَتِ الْأَرْضُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:
رَبِّ زَلَّ دَاوُدُ زَلَّةً أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. رَبِّ إِنْ لَمْ تَرْحَمْ ضَعْفَ
دَاوُدَ وَتَغْفِرْ ذُنُوبَهُ جُعِلَتْ ذَنْبُهُ حَدِيثًا فِي
الْمَخْلُوقِ مِنْ بَعْدِهِ.
فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً فَقَالَ: يَا دَاوُدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ اللَّهُ عَدْلٌ لَا يَمِيلُ فَكَيْفَ
بِفُلانٍ إِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ
دَمِيَ الَّذِي، عِنْدَ دَاوُدَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ: مَا
سَأَلْتَ رَبَّكَ، عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ شِئْتَ لافْعَلَنَّ
فَقَالَ:
نَعَمْ فَفَرِحَ جِبْرِيلُ. وَسَجَدَ دَاوُدُ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ:
قَدْ سَأَلْتُ اللَّهَ يَا دَاوُدُ، عَنِ الَّذِي
أَرْسَلْتَنِي فِيهِ فَقَالَ: قُلْ لِدَاوُدَ: إِنَّ اللَّهَ
يَجْمَعُكُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: «هَبْ لِي
دَمَكَ الَّذِي، عِنْدَ دَاوُدَ، فَيَقُولُ: هُوَ لَكَ،
فَيَقُولُ: فَإِنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ ما شئت ما اشتهيت
عوضا» «3» .
__________
(1) الدر 7/ 155.
(2) انظر التعليق السابق.
(3) الدر 7/ 156- 157
(10/3239)
إِنَّ هَذَا أَخِي
لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ
فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا أَخِي
18345 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي
قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا أَخِي قَالَ: عَلَى دِينِي «1» .
18346 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا قَالَ: فَمَا زَادَ دَاوُدُ
عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى أَنْ قَالَ: تَحَوَّلْ لِي، عَنْهَا
«2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ
أَنَّمَا فَتَنَّاهُ
18347 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: وَقَلِيلٌ مَا هُمْ يَقُولُ: قَلِيلٌ الَّذِينَ هُمْ
فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ: أَنَّمَا فَتَنَّاهُ قَالَ:
اخْتَبَرْنَاهُ «3» .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنَّ لَهُ، عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ
مَآبٍ
18348 - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ فِي
قَوْلِهِ: وَإِنَّ لَهُ، عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ
قَالَ: يُقَامُ دَاوُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عِنْدَ سَاقِ
الْعَرْشِ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا دَاوُدُ، مَجِّدْنِي الْيَوْمَ
بِذَلِكَ الصَّوْتِ الْحَسَنِ الرَّخِيمِ الَّذِي كُنْتَ
تُمَجِّدُنِي بِهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: وَكَيْفَ وَقَدْ
سَلَبْتَهُ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي أَرُدُّهُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ.
قَالَ: فَيَرْفَعُ دَاوُدُ بِصَوْتٍ يَسْتَفْرِغُ نَعِيمَ
أَهْلِ الْجِنَانِ «4» .
18349 - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ،
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا
ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا مَكْحُولٌ قَالَ: لَمَّا وَهَبَ
اللَّهُ لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لَهُ:
يَا بُنَيَّ، مَا أَحْسَنَ؟ قَالَ: سَكِيَنَةُ اللَّهِ
وَإِيْمَانٌ. قَالَ: فَمَا أَقْبَحَ؟ قَالَ: كُفْرٌ بَعْدَ
إِيْمَانٍ، قَالَ: فَمَا أَحْلَى؟ قَالَ رَوْحُ اللَّهِ بَيْنَ
عِبَادِهِ، قَالَ: فَمَا أَبْرَدَ؟ قَالَ: عَفْوُ اللَّهِ،
عَنِ النَّاسِ، وَعَفْوُ النَّاسِ بَعْضِهُمْ، عَنْ بَعْضٍ،
قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَنْتَ نَبِيٌّ «5» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ
18350 - حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا ابن أبى
زائدة،
__________
(1) الدر 7/ 161- 162. [.....]
(2) الدر 7/ 161- 162.
(3) الدر 7/ 161- 162.
(4) ابن كثير 7/ 54
(5) ابن كثير 7/ 54
(10/3240)
فَقَالَ إِنِّي
أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى
تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
أَخْبَرَنِي إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ:
كَانَتِ الْخَيْلُ الَّتِي شَغَلَتْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ
الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عِشْرِينَ أَلْفَ فَرَسٍ، فَعَقَرَهَا
«1» .
18351 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ قَالَ: الْخَيْلُ خَيْلٌ خُلِقَتْ
عَلَى مَا شَاءَ «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ
18352 - عَنْ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ قَالَ:
حِجَابٌ مِنْ يَاقُوتٍ أَخْضَرَ مُحِيطٌ بِالْخَلائِقِ،
فَمِنْهُ اخْضَرَّتِ السَّمَاءُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا،
السَّمَاءُ الْخَضْرَاءُ، وَاخْضَرَّ الْبَحْرُ مِنَ
السَّمَاءِ، فَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ: الْبَحْرُ الْأَخْضَرُ «3»
.
18353 - عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فِي قَوْلِهِ: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ
الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ قَالَ: كَانَتْ عِشْرِينَ أَلْفَ
فَرَسٍ ذَاتِ أَجْنِحَةٍ فَعَقَرَهَا «4» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: عَنْ ذِكْرِ رَبِّي
18354 - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ،
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: عَنْ ذِكْرِ رَبِّي يَقُولُ: مِنْ ذِكْرِ رَبِّي
فَطَفِقَ مَسْحًا يَقُولُ: جَعَلَ يَمْسَحُ أَعْرَافَ
الْخَيْلِ وَعَرَاقِيهَا «5» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ
وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ
18355 - وَبِسَنَدٍ قَوَيٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا قَالَ: أَرَادَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ
يَدْخُلَ الْخَلاءَ فَأَعْطَى الْجَرَادَةَ خَاتَمَهُ
وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ، وَكَانَتْ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ
فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا:
هَاتِي خَاتَمِي فَأَعْطَتْهُ فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ
الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ، فَلَمَّا خَرَجَ
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْخَلَاءِ قال لها:
هَاتِي خَاتَمِي فَقَالَتْ: قَدْ أَعْطَيْتُهُ سُلَيْمَانَ
قَالَ: أَنَا سُلَيْمَانُ قَالَتْ: كَذَبْتَ لَسْتَ
سُلَيْمَانَ فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ: أَنَا
سُلَيْمَانُ إِلا كَذَّبَهُ حَتَّى جَعَلَ الصِّبْيَانُ
يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَرَفَ
أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَامَ
الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ.
__________
(1) ابن كثير 7/ 56، والدر 7/ 175.
(2) الدر 7/ 177.
(3) الدر 7/ 177.
(4) الدر 7/ 177.
(5) التعليق 4/ 296.
(10/3241)
فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ
يَرُدَّ عَلَى سليمان عليه السلام سلطانه ألْقَى فِي قُلُوبِ
النَّاسِ إِنْكَارَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ فَأَرْسَلُوا إِلَى
نِسَاءِ «1» سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالُوا لهن
أيكون من سليمان شيء؟ قلنا: نَعَمْ إِنَّهُ يَأْتِينَا
وَنَحْنُ حُيَّضٌ، وَمَا كَانَ يَأْتِينَا قَبْلَ ذَلِكَ
فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ قَدْ فُطِنَ لَهُ ظَنَّ
أَنَّ أَمْرَهُ قَدِ انْقَطَعَ، فَكَتَبُوا كُتُبًا فِيهَا
سِحْرٌ وَمَكْرٌ فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ
ثُمَّ أَثَارُوهَا وَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاسِ قَالُوا:
بِهَذَا كَانَ يَظْهَرُ سُلَيْمَانُ عَلَى النَّاسِ
وَيَغْلِبُهُمْ فَأَكَفَرَ النَّاسُ سُلَيْمَانَ فَلَمْ
يَزَالُوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فَدَعَا
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: تَحْمِلُ لِي هذه
السمك؟ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا انْتَهَى
الرَّجُلُ إِلَى بَابِ دَارِهِ، أَعْطَاهُ تِلْكَ السَّمَكَةَ
الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ فَأَخَذَهَا سُلَيْمَانُ
عَلَيْهِ السَّلامُ فَشَقَّ بَطْنَهَا فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي
جَوْفِهَا فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ
لَهُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ، وَعَادَ إِلَى
حَالِهِ، وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ حَتَّى لحق بجزيرة مِنْ
جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ
السَّلامُ فِي طَلَبِهِ، وَكَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا
يَطْلُبُونَهُ وَلا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَجَدَوهُ
يَوْمًا نَائِمًا فَجَاءُوا فَنَقَبُوا عَلَيْهِ بُنْيَانًا
مِنْ رُصَاصٍ فَاسْتَيْقَظَ فَوَثَبَ فَجَعَلَ لَا يَثْبُتُ
فِي مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ إِلا أَنْ دَارَ مَعَهُ الرُّصَاصُ
فَأَخَذُوهُ وَأَوْثَقُوهُ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُقِرَ لَهُ فِي رُخَامٍ
ثُمَّ أُدْخِلَ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ سَدَّ بِالنُّحَاسِ ثُمَّ
أَمَرَ بِهِ فَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى
كُرْسِيِّهِ جَسَدًا يَعْنِي: الشَّيْطَانَ الَّذِي كَانَ
تَسَلَّطَ عَلَيْهِ «2» .
18356 - عَنْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ جَالِسًا
عَلَى شَاطِئِ البحر، وهو يبعث بِخَاتَمِهِ إِذْ سَقَطَ مِنْهُ
فِي الْبَحْرِ، وَكَانَ مُلْكُهُ فِي خَاتَمِهِ، فَانْطَلَقَ
وَخَلَّفَ شَيْطَانًا فِي أَهْلِهِ فَأَتَى عَجُوزًا فَأَوَى
إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ الْعَجُوزُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ
تَنْطَلِقَ فَتَطْلُبَ وَأَكْفِيكَ عَمَلَ الْبَيْتِ وَإِنْ
شِئْتَ أَنْ تَكْفِينِي عَمَلَ الْبَيْتِ وَأَنْطَلِقُ
فَالْتَمِسُ قَالَ: فَانْطَلَقَ يَلْتَمِسُ فَأَتَى قَوْمًا
يَصِيدُونَ السَّمَكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ فَنَبَذُوا
سَمَكَاتٍ فَانْطَلَقَ بِهِنَّ حَتَّى أَتَى الْعَجُوزَ
فَأَخَذَتْ تُصْلِحُهُ فَشَقَتْ بَطْنَ سَمَكَةٍ فَإِذَا
فِيهَا الْخَاتَمُ فَأَخَذْتُهُ وَقَالَتْ لِسُلَيْمَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ، مَا هَذَا؟ فَأَخَذَهُ سليمان عليه السلام
فلبسه فأقبلت
__________
(1) قال ابن كثير: إن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء
سليمان بل عصمهن الله منه تشريفا وتكريما لنبيه صلى الله عليه
وسلم. انظر التفسير 7/ 60
(2) الدر 7/ 178. قال ابن كثير: هذه كلمات من الإسرائيليات ومن
أنكرها ما قال ابن أبي حاتم. انظر التفسير 7/ 59
(10/3242)
إِلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَالْإِنْسُ
وَالْجِنُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ، وَهَرَبَ الشَّيْطَانُ
الَّذِي خَلَّفَ فِي أَهْلِهِ فَأَتَى جَزِيرَةً فِي الْبَحْرِ
فَبَعَثَ إِلَيْهِ الشَّيَاطِينَ فَقَالُوا: لَا نَقْدِرُ
عَلَيْهِ إِنَّهُ يَرِدُ عَيْنًا فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ
فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلا نَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى
يَسْكَرَ.
قَالَ: فَصَبَّ لَهُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ خَمْرًا فَأَقْبَلَ
فَشَرِبَ فَسَكِرَ، فَأَرَوْهُ الْخَاتَمَ فَقَالَ: سَمْعًا
وَطَاعَةً فَأَوْثَقَهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ
بَعَثَ بِهِ إِلَى الْجَبَلِ فَذَكَرُوا أَنَّهُ جَبْلُ
الدُّخَانِ فَالدُّخَانُ الَّذِي يَرَوْنَ مِنْ نَفَسِهِ
وَالْمَاءُ يَخْرُجُ مِنَ الْجَبَلِ بَوْلُهُ «1» .
18357 - عَنِ الْحَسَنِ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ
جَسَدًا قَالَ: هُوَ الشَّيْطَانُ. دَخَلَ سُلَيْمَانُ
عَلَيْهِ السَّلامُ الْحَمَّامَ، فَوَضَعَ خَاتَمَهُ، عِنْدَ
امْرَأَةٍ مِنْ أَوْثَقِ نِسَائِهِ فِي نَفْسِهِ فَأَتَاهَا
الشَّيْطَانُ فَتَمَثَّلَ لَهَا عَلَى صُورَةِ سُلَيْمَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَخَذَ الْخَاتَمَ مِنْهَا، فَلَمَّا
خَرَجَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَتَاهَا فَقَالَ
لَهَا: هَاتِي الْخَاتَمُ فَقَالَتْ: قَدْ دَفَعْتُهُ إليك.
قَالَ مَا فَعَلْتِ..! فَهَرَبَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ
السَّلامُ، وَجَلَسَ الشَّيْطَانُ عَلَى مُلْكِهِ وَانْطَلَقَ
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ هَارِبًا فِي الْأَرْضِ
يَتَتَبَّعُ وَرَقَ الشَّجَرِ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَنْكَرَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ أَمْرَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ: هَلْ تُنْكِرُونَ مَنْ أَمَرِ مَلِكِكُمْ مَا
نُنْكِرُ عَلَيْهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: أَمَّا لَقَدْ
هَلَكْتُمْ أَنْتُمُ الْعَامَّةُ، وَأَمَّا قَدْ هَلَكَ
مَلِكُكُمْ فَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ، عِنْدَكُمْ مِنْ هَذَا
الْخَبَرِ، نِسَاؤُهُ مَعَكُمْ فَاسْأَلُوهُنَّ، فَإِنْ كُنَّ
أَنْكَرْنَ مَا أَنْكَرْنَا فَقَدِ ابْتُلِينَا
فَسَأَلُوهُنَّ، فَقُلْنَ: إِي وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْكَرْنَا.
فَلَمَّا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ انطلق سليمان عليه السلام حتى
أتي سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَوَجَدَ صَيَّادِينَ يَصِيدُونَ
السَّمَكَ فَصَادُوا سَمَكًا كَثِيرًا غَلَبَهُمْ بَعْضُهُ،
فَأَلْقَوْهُ فَأَتَاهُمْ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ
فَاسْتَطْعَمَهُمْ فَأَعْطَوْهُ تِلْكَ الْحِيتَانَ قَالَ:
لَا، بَلْ أَطْعِمُونِي مِنْ هَذَا فَأَبَوْا فَقَالَ: أطعموني
فإني سليمان، فوثب إليه بعضهم بالعصا فَضَرَبَهُ غَضَبًا
لِسُلَيْمَانَ، فَأَتَى إِلَى تِلْكَ الْحِيتَانِ الَّتِي
أَلْقَوْا فَأَخَذَ مِنْهَا حُوتَيْنِ فَانْطَلَقَ بِهِمَا
إِلَى الْبَحْرِ فَغَسَلَهُمَا فَشَقَّ بَطْنَ أَحَدَهُمَا
فَإِذَا فيه الخاتم، فأخذه فجعله فِي يَدِهِ فَعَادَ فِي
مُلْكِهِ فَجَاءَهُ الصَّيَادُونَ يَبِيعُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ
لَهُمْ: لَقَدْ كُنْتُ اسْتَطْعَمْتُكُمْ فَلَمْ تُطْعِمُونِي
فَلَمْ أَظْلِمْكُمْ إِذَا هِنْتُمُونِي، وَلَمْ أحمدكم إذا
أكرمتموني؟ «2» .
__________
(1) الدر 7/ 183.
(2) الدر 7/ 183.
(10/3243)
فَسَخَّرْنَا لَهُ
الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
18358 - عَنِ ابْنِ عُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم: «مَا رَفَعَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ
طَرْفِهِ إِلَى السَّمَاءِ تَخَشُّعًا حَيْثُ أَعْطَاهُ
اللَّهُ تَعَالَى مَا أَعْطَاهُ» «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً
18359 - عن ابن عباس رضي الله عنهما في قَوْلِهِ: تَجْرِي
بِأَمْرِهِ رُخَاءً قَالَ:
مُطِيعَةٌ لَهُ حَيْثُ أَرَادَ «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى
رَبَّهُ إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
18360 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِنَّ
الشَّيْطَانَ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ:
يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ
اللَّهُ: قَدْ سَلَّطْتُكَ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ، وَلَمْ
أُسَلِّطْكَ عَلَى جَسَدِهِ فَنَزَلَ فَجَمَعَ جُنُودَهُ
فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ سُلِّطْتُ عَلَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ
السَّلامُ، فَأَرُونِي سُلْطَانَكُمْ، فَصَارُوا نِيرَانًا،
ثُمَّ صَارُوا مَاءً، فَبَيْنَمَا هُمْ بِالْمَشْرِقِ إِذَا
هُمْ بِالْمَغْرِبِ، وَبَيْنَمَا هُمْ بِالْمَغْرِبِ إِذَا
هُمْ بِالْمَشْرِقِ، فَأَرْسَلَ طَائِفَةً مِنْهُمْ إِلَى
زَرْعِهِ، وَطَائِفَةً إِلَى أَهْلِهِ، وَطَائِفَةً إِلَى
بَقَرِهِ وَطَائِفَةً إِلَى غَنَمِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا
يَعْتَصِمُ مِنْكُمْ إِلا بِالْمَعْرُوفِ. فَأْتُوهُ
بِالْمَصَائِبِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، فَجَاءَ صَاحِبُ
الزَّرْعِ فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ
أَرْسَلَ عَلَى زَرْعِكَ عَدُوًّا فَذَهَبَ بِهِ وَجَاءَ
صَاحِبُ الْإِبِلِ فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ تَرَ إِلَى
رَبِّكَ أرسل على بقرك عدوا، فذهب بها؟ وتفرد هو ببنيه جمعهم
فِي بَيْتِ أَكْبَرِهِمْ.
فَبَيْنَمَا هُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ إِذْ هَبَّتْ
رِيحٌ فَأَخَذَتْ بِأَرْكَانِ الْبَيْتِ، فَأَلْقَتْهُ
عَلَيْهِمْ فَجَاءَ الشَّيْطَانُ إِلَى أَيُّوبَ بِصُورَةِ
غُلامٍ فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ
جَمَعَ بَنِيكَ فِي بَيْتِ أَكْبَرِهِمْ؟ فَبَيْنَمَا هُمْ
يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ إِذْ هَبَّتْ رِيحٌ فَأَخَذَتْ
بِأَرْكَانِ الْبَيْتِ فَأَلْقَتْهُ عَلَيْهِمْ، فَلَو
رَأَيْتَهُمْ حِينَ اخْتَلَطَتْ دِمَاؤُهُمْ وَلُحُومُهُمْ
بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ فقال لَهُ أَيُّوبُ: أَنْتَ
الشَّيْطَانُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنَا الْيَوْمَ كَيُومِ
وَلَدَتْنِي أُمِّي، فَقَامَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَامَ
يُصَلِّي، فَرَنَّ إِبْلِيسُ رَنَّةً سَمِعَ بِهَا أَهْلُ
السَّمَاءِ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ
فقال: أي رب إنه
__________
(1) الدر 7/ 189. [.....]
(2) الدر 7/ 189.
(10/3244)
قَدِ اعْتَصَمَ فَسَلِّطْنِي عَلَيْهِ،
فَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُهُ إِلا بِسُلْطَانِكَ قَالَ: قَدْ
سَلَّطْتُكَ عَلَى جَسَدِهِ، وَلَمْ أُسَلِّطْكَ عَلَى
قَلْبِهِ. فَنَزَلَ فَنَفَخَ تَحْتَ قدمه نَفْخَةً قَرَحَ مَا
بَيْنَ قَدَمَيْهِ إِلَى قَرْنِهِ فَصَارَ قَرْحَةً وَاحِدَةً،
وَأُلْقِيَ عَلَى الرَّمَادِ حَتَّى بَدَا حِجَابُ قَلْبِهِ
فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ تَسْعَى إِلَيْهِ حَتَّى قَالَتْ لَهُ:
أَمَا تَرَى يَا أَيُّوبُ؟ نَزَلَ بِي وَاللَّهِ مِنَ
الْجَهْدِ وَالْفَاقَةِ مَا إِنْ بِعَتُ قُرُونِي بِرَغِيفٍ
فَأُطْعِمُكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكَ وَيُرِيحَكَ
قَالَ: وَيْحَكَ..! كُنَّا فِي النَّعِيمِ سَبْعِينَ عَامًا
فَاصْبِرِي حَتَّى نَكُونَ فِي الضُّرِّ سَبْعِينَ عَامًا،
فَكَانَ فِي الْبَلاءِ سَبْعَ سِنِينَ وَدَعَا.
فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمًا فَأَخَذَ
بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: قُمْ فَقَامَ فَنَحَّاهُ، عَنْ
مَكَانِهِ وَقَالَ:
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ فَنَبَعَتْ عَيْنٌ فَقَالَ: اغْتَسِلْ
مِنْهَا ثُمَّ جَاءَ أَيْضًا فَقَالَ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ
فَنَبَعَتْ عَيْنٌ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ: اشْرَبْ مِنْهَا
وَهُوَ قَوْلُهُ: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ
وَشَرَابٌ وَأَلْبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى حُلَّةً مِنَ
الْجَنَّة، فَتَنَحَّى أَيْوبَ فَجَلَسَ فِي نَاحِيةٍ
وَجَاءَتُ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقَالَتْ: يَا
عَبْدَ اللَّهِ أَيْنَ الْمُبْتَلَى الّذِي كَانَ هَاهُنَا
لَعَلَّ الْكِلابَ ذَهَبَتْ بِهِ وَالذِّئَابَ؟ وَجَعَلَتْ
تُكَلِمُهُ سَاعَةً فَقَالَ:
وَيْحَكِ..! أَنَا أَيُّوبُ قَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ
جَسَدِي، وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَوَلَدَهُ
عَيَانًا وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ
جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَأْخُذُ الْجَرَادَ بِيَدِهِ
ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي ثَوْبِهِ وَيَنْشُرُ كِسَاءَهُ
فَيُجَعَلُ فِيهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا أَيُّوبُ،
أَمَا شَبِعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْبَعُ
مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ «1» .
18361 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
إِنَّ إِبْلِيسَ قَعَدَ عَلَى الطَّرِيقِ فَاتَّخَذَ تَابُوتًا
يُدَاوِي النَّاسَ فَقَالَتِ امْرَأَةُ أَيُّوبَ: يَا عَبْدَ
اللَّهِ إِنَّ هَاهُنَا مُبْتَلًى، مِنْ أَمْرِهِ كَذَا
وَكَذَا.. فَهَلْ لَكَ أَنْ تُدَاوِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
بِشَرْطِ إِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ
شَفَيْتَنِي لَا أُرِيدُ مِنْهُ أَجْرًا غَيْرَهُ. فَأَتَتْ
أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:
وَيْحَكِ ... !
ذَاكَ الشَّيْطَانُ، لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ شَفَانِي اللَّهُ
تَعَالَى أَنْ أَجْلِدَكَ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَلَمَّا شَفَاهُ
اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ ضغثا فأخذ عِذْقًا
فِيهِ مَائَةُ شِمْرَاخٍ، فَضَرَبَ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً.
18362 - قَالَ الشَّيْطَانُ الَّذِي مَسَّ أَيُّوبَ يُقَالُ
لَهُ: مُسَوَّطٌ. فَقَالَتِ امْرَأَةُ أَيُّوبَ:
ادْعُ اللَّهَ يَشْفِيكَ فَجَعَلَ لَا يَدْعُو حَتَّى مَرَّ
بِهِ نَفَرٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ بَعْضَهُمْ
لِبَعْضٍ:
مَا أَصَابَهُ إِلا بِذَنْبٍ عَظِيمٍ أَصَابَهُ، فَعِنْدَ ذلك
قال: رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين «2» .
__________
(1) الدر 7/ 192.
(2) الدر 7/ 192.
(10/3245)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي
وَالْأَبْصَارِ (45)
قوله تعالى: واذكر عبادنا إبراهيم
18363 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ
كان يقرأ: واذكر عبدنا إبْرَاهِيمَ وَيَقُولُ: إِنَّمَا ذَكَرَ
إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ وَلَدَهُ «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ
18364 - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ،
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: أُوْلِي الْأَيْدِي
وَالْأَبْصَارِ قَالَ: الْأَبْصَارِ:
الْفِقْهُ فِي الدِّينِ «2» .
18365 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: أُولِي الْأَيْدِي قَالَ: الْقُوَّةُ فِي
الْعِبَادَةِ وَالْأَبْصَارِ قَالَ: الْبَصَرُ فِي أَمْرِ
اللَّهِ «3» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى
الدَّارِ
18366 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ
قَالَ: أَخْلَصُوا بِذَلِكَ وَبِذِكْرِهِمْ دَارَ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ «4» .
قَوْلُهُ تَعَالَى أَتْرَابٌ
18367 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قوله:
أَتْرَابٌ قَالَ: أَمْثَالٌ «5» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ
نَفَادٍ
18368 - عن قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا
مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ أَيْ مِنِ انْقِطَاعٍ هَذَا
فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ قَالَ: كُنَّا نُحَدِّثُ
أَنَّ الْغَسَّاقَ مَا يَسِيلُ مِنْ بَيْنِ جَلْدِهِ
وَلَحْمِهِ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ قَالَ: مِنْ
نَحْوِهِ أَزْوَاجٌ مِنَ الْعَذَابِ «6» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ
18369 - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَآخَرُ مِنْ شكله
أزواج قال:
الزمهرير «7» .
__________
(1) الدر 7/ 197.
(2) التعليق 4/ 299.
(3) الدر 7/ 198- 200.
(4) الدر 7/ 198- 200.
(5) الدر 7/ 198- 200.
(6) الدر 200- 208
(7) الدر 200- 208
(10/3246)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ
قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
(61)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَزِدْهُ عَذَابًا
ضِعْفًا فِي النَّارِ
18370 - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: فَزِدْهُ عَذَابًا
ضِعْفًا فِي النَّارِ قَالَ: أَفَاعِي وَحَيَّاتٌ «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلا
الْأَعْلَى
18371 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلا الْأَعْلَى
قَالَ: الْمَلائِكَةُ حِينَ شُووِرُوا فِي خَلْقِ آدَمَ
عَلَيْهِ السَّلامُ فَاخْتَصَمُوا فِيهِ:
قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «2» .
18372 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلا الْأَعْلَى
إِذْ يَخْتَصِمُونَ قَالَ: هِيَ الْخُصُومَةُ فِي شَأْنِ آدَمَ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا «3» .
18373 - عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَمَّا سَرَى بِيَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلا الْأَعْلَى؟
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ» «4» .
قَوْلُهُ تعالى: ما أسئلكم
18374 - عن ابن عباس رضي الله، عنهما في الآية قال: قل يا محمد
ما أسئلكم عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ عَرَضٍ
من الدنيا «5» .
__________
(1) الدر 7/ 200- 208.
(2) الدر 7/ 200- 208.
(3) الدر 7/ 200- 208.
(4) الدر 7/ 200- 208. [.....]
(5) الدر 7/ 208.
(10/3247)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ
وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ
الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
سُورَةُ الزُّمَرِ
39
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ
18375 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ قَالَ:
يَحْمِلُ اللَّيْلَ «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ
18376 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ قَالَ:
عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ
قَالَ: ظُلْمَةُ الْبَطْنِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ
المْشَيِمَةِ «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ،
عَنكُمْ
18377 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِنَّ
تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ، عَنكُمْ يَعَنِي
الْكُفَّارَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ
قُلُوبَهُمْ فَيَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ
قَالَ: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَهُمْ عِبَادُهُ
الْمُخْلِصُونَ الَّذِينَ قَالَ: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ
عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ فَأَلْزَمَهُمْ شِهَادَةَ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحَبَبَهَا إِلَيْهِمْ «3» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ
سَاجِدًا وَقَائِمًا يحذر الآخرة ويرجوا رَحْمَةَ رَبِّهِ
18378 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ عُبَيْدَةَ
النُّمَيْرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلْفٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عِيسَى الْخُزَّازُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى الْبَكَّاءُ أَنَّهُ
سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَرَأَ: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ
اللَّيْلِ ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رَحْمَةَ رَبِّهِ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَاكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ،
لِكَثْرَةِ صَلاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ
بِاللَّيْلِ وَقِرَاءَتِهِ حَتَّى إِنَّهُ رُبَّمَا قَرَأَ
الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ أَبُو عبيدة، عنه
رضي الله عنه وقال الشاعر.
__________
(1) الدر 7/ 211- 213.
(2) الدر 7/ 211- 213.
(3) الدر 7/ 211- 213.
(10/3248)
وَالَّذِينَ
اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى
اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ، عِنْوَانُ السُّجُودِ
بِهِ ... يَقْطَعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنًا «1»
18379 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ يَقُولُ:
يَحْذَرُ عذاب الْآخِرَةِ «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ
يَعْبُدُوهَا
18380 - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ
اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا قَالَ: نَزَلَتْ
هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي ثَلاثَةِ نَفَرٍ كَانُوا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فِي
زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَأَبِي ذَرٍّ الغفاري،
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ «3» .
18381 - عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: الطَّاغُوتَ الشَّيْطَانُ
هُوَ هَاهُنَا وَاحِدٌ وَهِيَ جَمَاعَةٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: يَا
أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ قَالَ: هِيَ لِلنَّاسِ
كُلِّهِمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّمَا هُوَ
وَاحِدٌ «4» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ
18382 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبوُ قُتَيْبَةَ عُتْبَةُ
بْنُ يَقَظَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ
السماء ماء فسلكه يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ قَالَ: لَيْسَ فِي
الْأَرْضِ مَاءٌ إِلا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَكِنْ
عُرُوقٌ فِي الْأَرْضِ تُغَيِّرُهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ سَرَّهَ
أَنْ يَعُودَ الْمِلْحُ عَذَبًا فَلْيَصْعَدْ «5» .
18383 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
قَالَ: قُلْتُ لَجَدَّتِي أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَرَءُوا الْقُرْآنَ؟
قَالَتْ: كَانُوا كَمَا نَعَتَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى تَدْمَعُ
أَعْيُنُهُمْ وَتُقَشْعِرُّ جُلُودُهُمْ قُلْتُ: فَإِنَّ
نَاسًا هَاهُنَا إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ تَأْخُذُهُمْ عَلَيْهِ
غَشْيَةٌ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ «6» .
18384 - عَنِ الْفَرَجِ بْنِ زَيْدِ الْكُلاعِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالُوا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ حَكَّمْتَ كَافِرًا وَمُنَافِقًا فَقَالَ: مَا
حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا، مَا حَكَمْتُ إِلَّا القرآن «7» .
__________
(1) - ابن كثير 7/ 79.
(2) الدر 7/ 214.
(3) الدر 7/ 214.
(4) الدر 7/ 217.
(5) ابن كثير 7/ 83 والدر 7/ 219.
(6) الدر 7/ 222- 223.
(7) الدر 7/ 222- 223.
(10/3249)
ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
قَوْلُهُ تَعَالَى ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
18385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ حَاطِبٍ يَعْنِي يَحْيَى بْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عِندَ
رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قَالَ الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الْخُصُومَةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
قَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ إِذًا لَشَدِيدٌ «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ
شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ
18386 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ
قَالَ: الرَّجُلُ يَعْبُدُ آلِهَةً شَتَّى، فَهَذَا مَثَلٌ
ضَرْبَهُ اللَّهَ تَعَالَى لِأَهْلِ الْأَوْثَانِ وَرَجُلًا
سَلَمًا يَعْبُدُ إِلَهًا وَاحِدًا ضَرَبَ لِنَفْسِهِ مَثَلًا
«2» .
18387 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: وَرَجُلًا سَلَمًا قَالَ: ليس لأحد فيه شَيْءٌ «3» .
18388 - عَنْ مُبَشِّرٍ بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ قَالَ:
خَالِصًا لَرَجُلٍ. قَائِمًا يَعْنِي مُسْتَسْلِمًا لِرَجُلٍ
«4» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
18389 - عَنِ ابْنِ عُمْرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ
لَبِثْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ
هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِينَا وَفِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
مِنْ قَبْلُ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ
إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
قُلْنَا: كَيْفَ نَخْتَصِمُ وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ،
وَكِتَابُنَا وَاحِدٌ؟
حَتَّى رَأَيْتُ بَعْضَنَا يَضْرِبُ وَجُوهَ بَعْضٍ
بِالسَّيفِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِينَا «5» .
18390 - حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَوْسَجَةَ،
حَدَّثَنَا ضِرَارٌ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ
مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْقُمَيُّ يَعْنِي
يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ-، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَا نَعْلَمُ فِي أَيِّ
شَيْءٍ نَزَلَتْ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عِندَ
رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ، قُلْنَا: مَنْ نُخَاصِمُ؟ ليس بيننا
__________
(1) ابن كثير 7/ 87.
(2) الدر 7/ 224- 225.
(3) الدر 7/ 225- 225. [.....]
(4) الدر 7/ 225- 225.
(5) الدر 7/ 225- 225.
(10/3250)
فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ
جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)
وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ خُصُومَةٌ،
فَمَنْ نُخَاصِمُ؟ حَتَّى وقعت الفتنة فقال ابن عمر: هذ
الَّذِي وَعَدَنَا رَبُّنَا- عَزَّ وَجَلَّ- نَخْتَصِمُ فِيهِ
«1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى
اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ
18391 - عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ أَيْ بِالْقُرْآنِ
وَصَدَّقَ بِهِ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ
18392 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِي جَاءَ
بِالصِّدْقِ يَعْنِي بَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ:
وَصَدَّقَ بِهِ يَعْنيِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوْلَئِكَ هم المتقون يعني اتقوا
الشِّرْكَ «3» .
18393 - عَنِ السُّدِّي فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِي جَاءَ
بِالصِّدْقِ قَالَ: هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ
وَصَدَّقَ بِهِ قَالَ: هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «4» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ
18394 - عَنْ قَتَادَةَ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ
دُونِهِ قَالَ: بِالْآلِهَةِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ
لِيَكْسَرَ الْعُزَّى فَقَالَ سَادَتُهَا: وَهُوَ قَيْمُهَا-
يَا خَالِدُ إِنِّي أُحَذِّرُكَهَا لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ
فَمَشَى إِلَيْهَا خَالِدٌ بِالْفَأْسِ وَهَشَّمَ أَنْفَهَا
«5» .
18395 - حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ حَنَشٍ
الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «احْفَظِ
اللَّهَ يِحْفَظُكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدُهُ تِجَاهَكَ،
تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُكَ فِي
الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا
اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ
الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ
لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَضُرُّوكَ، وَلَوِ
اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ
اللَّهُ لَكَ لَمْ يَنْفَعُوكَ. جَفَّتِ الصُّحُفُ وَرُفِعَتِ
الْأَقْلامُ، وَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِينِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا
كَثِيرًا. وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ
الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وأن مع العسر يسرا «6» .
__________
(1) ابن كثير 7/ 89.
(2) الدر 7/ 228.
(3) الدر 7/ 228.
(4) الدر 7/ 228.
(5) الدر 7/ 229.
(6) ابن كثير 7/ 91.
(10/3251)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ
أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ
أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ
قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ
(38)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ
18396 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ الْأَنْصَارِيُّ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ-
مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ- رَفَعَ الْحَدِيثَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ
فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ
أَغْنَى النَّاسِ فَلْيَكُنْ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقُ
بِمَا فِي يَدَيْهِ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ
النَّاسِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ» «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ
18397 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ يَتَوَفَّى
الْأَنفُسَ الْآيَةَ قَالَ: نَفْسٌ وَرُوْحٌ بينهما شعاع
الشمس، فيتوفى الله النفس في منامه، ويدع الروح في جسده وجوفه
يتقلب ويعيش، فإن بدا لله أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْضَ الرُّوحَ
فَمَاتَ أَوْ أَخَّرَ أَجَلَهُ رَدَّ النَّفْسَ إِلَى
مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ «2» .
18398 - عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ قَالَ: الْعَجَبُ مِنْ رُؤْيَا الرَّجُلِ إِنَّهُ
يُبِيتُ فَيَرَى الشَّيْءَ لَمْ يَخْطُرْ لَهُ عَلَى بَالِهِ
فَتَكُونُ رُؤْيَا كَأَخْذٍ بِالْيَدِ، وَيَرَى الرَّجُلُ
الرُّؤْيَا فَلا تَكُونَ رُؤْيَاهُ شَيْئًا! فَقَالَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَفَلا أُخْبِرُكَ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ؟ يَقَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ
فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ كُلَّهَا، فَمَا رَأَتْ وَهِيَ،
عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ فَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ،
وَمَا رَأَتْ إِذَا أُرْسِلَتْ إِلَى أَجْسَادِهَا
تَلَقَّتَهَا الشَّيَاطِينُ فِي الْهَوَاءِ فَكَذَبَتْهَا
وَأَخْبَرَتِهَا بِالْأَبَاطِيلِ فَكَذَبَتْ فِيهَا فَعَجِبَ
عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ «3» .
18399 - عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ كَانَ نَازِلًا
عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ قَالَ
كَلامًا لَمْ نَفْهَمْهُ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، عَنْ ذَلِكَ
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ تَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، فَتُمْسِكُ
الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ وَتُرْسِلُ الْأُخْرَى
إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنْتَ
تَتَوَفَّانِي، فَإِنْ أَنْتَ تَوَفَّيْتَنِي فَاغْفِرْ لِي،
وَإِنْ أَنْتَ أَخَّرْتَنِي فاحفظني» «4» .
__________
(1) ابن كثير 7/ 91
(2) الدر 7/ 230- 231.
(3) الدر 7/ 230- 231.
(4) الدر 7/ 230- 231.
(10/3252)
قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ
18400 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنفُسِهِمْ فِي مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ «1» .
18401 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ وَحْشِيٌّ
أَنْزَلَ اللَّهُ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ قَالَ وَحْشِيٌّ وَأَصْحَابُهُ:
فَنَحْنُ قَدِ ارْتَكَبْنَا هَذَا كُلَّهُ. فَأَنْزَلَ
اللَّهُ: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنفُسِهِمْ ... الْآيَةَ «2» .
18402 - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا: ثَابِتٌ
وَحُمَيْدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عبيد ابن عُمَيْرٍ قَالَ:
إِنَّ إِبْلِيسَ- عَلَيْهِ لَعَائِنُ اللَّهِ- قَالَ: يَا
رَبِّ إِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ أَجْلِ
آدَمَ وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُهُ إِلا بِسُلْطَانِكَ. قَالَ:
فَأَنْتَ مُسَلَّطٌ. قَالَ: يَا رَبِّ، زِدْنِي قَالَ: لَا
يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ إِلا وُلِدَ لَكَ مِثْلُهُ. قَالَ: يَا
رَبِّ زِدْنِي قَالَ: أَجْعَلُ صُدُورَهُمْ مَسَاكِنَ لَكُمْ،
وَتَجْرُونَ مِنْهُمْ مَجْرَى الدَّمِ. قَالَ: يَا رَبِّ،
زِدْنِي قَالَ: أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ
وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وعدهم وما يعدهم
الشيطان إلا غرورا. فَقَالَ آدَمُ: يَا رَبِّ، قَدْ
سَلَّطْتَهُ عَلَيَّ، وَإِنِّي لَا أَمْتَنِعُ إِلا بِكَ
قَالَ: لَا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء
قال: يا رب، زِدْنِي قَالَ: الْحَسَنَةُ عَشْرٌ أَوْ أُزِيدُ،
وَالسَّيْئَةُ وَاحِدَةٌ أَوْ أَمْحُوهَا. قَالَ: يَا رَبِّ
زِدْنِي قال: باب التوبة مفتوح ما كان الروح فِي الْجَسَدِ.
قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «3» .
18403 - عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ-
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ
الآيَةُ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ ... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ رَجُلٌ، يَا
رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ أَشْرَكَ؟ فَسَكَتَ النَّبِيِّ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَلا وَمَنْ أَشْرَكَ
ثَلاثَ مَرَّاتٍ» «4» .
18404 - عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: يَا رَبِّ زدني
__________
(1) الدر 7/ 230- 231.
(2) الدر 7/ 235. [.....]
(3) - ابن كثير 7/ 100.
(4) الدر 7/ 238.
(10/3253)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
قال: صدوركم مساكن لكم، وتجرون منهم مجرى
الدم قال: يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ:
أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ
فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وعدهم وما يَعِدُهُمُ
الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا فَقَالَ آدَمُ عَلَيْهِ
السَّلامُ: يَا رَبِّ قَدْ سَلَّطْتَهُ عَلَيَّ وَإِنِّي
لَا أَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلا بِكَ فَقَالَ: لَا يُوَلَدُ
لَكَ وَلَدٌ إِلَّا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء.
قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ: الْحَسَنَةُ عَشْرٌ أَوْ
أُزِيدُ، وَالسَّيْئَةُ وَاحِدَةٌ أَوْ أَمْحُوهَا قَالَ:
يَا رَبِّ زِدْنِي قال:
باب التوبة مفتوح مَا كَانَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ قَالَ:
يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «1» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى
علَى مَا فَرَّطْتُ.
18405 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
قَوْلِهِ: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا
فَرَّطْتُ ... الْآيَاتِ. قَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ
سُبْحَانُهُ مَا الْعِبَادُ قَائِلُونَ قَبْلَ أَنْ
يَقُولُوهُ وَعَمْلَهُمْ؟ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهُ وَلا
يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا
حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ
كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ يَقُولُ الْمَخْلُوقِينَ:
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ
أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يَقُولُ:
مِنَ الْمُهْتَدِينَ. فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانُهُ
وَتَعَالَى: أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى
الْهُدَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ رُدُّوا
لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
وَقَالَ:
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ: وَلَوْ رُدُّوا
إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهُدَى
كَمَا حِلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي
الدُّنْيَا «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
18405 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الْبَصَرِيُّ
بِمِصْرَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا
الْأَغْلَبُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ مُجَلَّدِ بْنِ هُذَيْلِ
الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ تَفْسِيرِ لَهُ
مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ: «مَا
سَأَلَنِي، عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ يَا عُثْمَانُ» قَالَ:
«تَفْسِيرُهَا: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، والله أكبر
وسبحان الله وبحمده، أستغفر
__________
(1) الدر 7/ 238.
(2) الدر 7/ 240.
(10/3254)
وَمَا قَدَرُوا
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ
بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
(67)
اللَّهَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ،
الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ،
بِيَدِهِ الْخَيْرُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ مَنْ قَالَهَا يَا عُثْمَانُ إِذَا
أَصْبَحَ عَشْرَ مَرَّاتٍ أُعْطِيَ خَصْلًا سِتًّا أَمَّا
أُولاهُنَّ: فَيُحْرَسُ مِنْ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ،
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيُعْطَى قِنْطَارًا مِنَ
الْأَجْرِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَتُرْفَعُ لَهُ
دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ:
فَيَتَزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا
الْخَامِسَةُ: فَيَحْضَرُهُ اثْنَا عَشْرَ مَلَكًا،
وَأَمَّا السَّادِسَةُ: فَيُعْطَى مِنَ الْأَجْرِ كَمَنْ
قَرَأَ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
وَالزَّبُورَ. وَلَهُ مَعَ هَذَا يَا عُثْمَانُ مِنَ
الْأَجْرِ كَمَنْ حَجَّ وَتُقُبِّلَتْ حَجَّتُهُ،
وَاعْتَمَرَ فَتُقُبِّلَتْ عُمْرَتُهُ، فَإِنَّ مَاتَ مِنْ
يَوْمِهِ طُبِعَ بِطَابِعِ الشُّهَدَاءِ «1» .
18406 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي
قَوْلِهِ: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
قَالَ: مَفَاتِيحُهَا «2» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
18406 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: تَكَلَّمَتِ الْيَهُودُ فِي صِفَةِ الرَّبِّ
فَقَالُوا مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَمَا لَمْ يَرَوْا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ «3» .
18407 - عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
الْيَهُودُ نظروا في خلق السموات وَالْأَرْضِ
وَالْمَلائِكَةِ، فَلَمَّا زَاغُوا أَخَذُوا
يُقَدِّرُونَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَمَا قَدَرُوا
اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «4» .
18408 - عَنِ الرَّبِيعِ بن أنس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:
لَمَّا نَزَلَتْ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا
الْكُرْسِيُّ هَكَذَا فَكَيْفَ بِالْعَرْشِ؟ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «5» .
18409 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ
هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَمَا
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ وَرَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ،
وَيُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ يُمَجِّدُ
الرَّبُّ نَفْسَهُ أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا
الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْكَرِيمُ. فَرَجَفَ بِرَسُولِ
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المنبر حتى
قلنا ليخرن به» «6» .
__________
(1) ابن كثير 7/ 103- وقال: حديث غريب جدا وفي صحته نظر.
(2) الدر 7/ 246.
(3) الدر 7/ 246- 248.
(4) الدر 7/ 246- 248.
(5) الدر 7/ 246- 248.
(6) الدر 7/ 246- 248.
(10/3255)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ
فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى
فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
18410 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا قَالَ: يَطْوِي اللَّهُ السَّمَوَاتِ بِمَا
فِيهَا مِنَ الْخَلِيقَةِ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ بِمَا
فِيهَا مِنَ الْخَلِيقَةِ. يُطْوِي كُلَّهُ بِيَمِينِهِ
يَكُونُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ خردلة «1» .
قوله: إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ
18411 - عَنْ قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
الْآيَةِ قَالَ: مَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلا مَاتَ، وَقَدِ
اسْتَثْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ مُثْنَيَاهَ «2» .
18412 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ
وَعِنْدَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «إِنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا فَرَغَ مِنْ خلق السموات
وَالأَرْضِ خَلَقَ الصُّوَرَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ،
فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصٌ بَصَرُهُ إِلَى
السَّمَاءِ، فَيَنْظُرُ مَتَى يُؤْمَرُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ:
الْقَرْنُ، قُلْتُ: فَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: عَظِيمٌ.
وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ أَنَّ عظم دارة فيه لعرض
السموات وَالْأَرْضِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ النَّفْخَةَ
الْأُولَى فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ، ثُمَّ يَنْفُخُ فيه أُخْرَى فَإِذَا هُم
قِيَامٌ يَنظُرُونَ لِرَبِّ الْعَالَميِنَ، فَيَأْمُرُ
اللَّهُ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي النَّفْخَةِ
الْأُولَى أَنْ يَمُدَّهَا وَيُطَوِّلَهَا فَلا يَفْتُرُ،
وَهُوَ الذي يقول الله:
ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لِهَا
مِنْ فَوَاقٍ فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ فَتَكُونُ
سَرَابًا، وَتَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجًّا
فَتَكُونُ كَالسَّفِينَةِ الْمُوسَقَةِ فِي الْبَحْرِ
تَضْرِبُهَا الرِّيَاحُ تَنْكَفِأَ بِأَهْلِهَا
كَالْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْعَرْشِ، تُمِيِّلُهَا
الرِّيَاحُ وَهِيَ الَّتِي يَقَوْلُ اللَّهُ: يَوْمَ
تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ. قُلُوبٌ
يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ فيميد الناس على ظهرها وَتَذْهَلُ
الْمَرَاضِعُ وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ
الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ
الْفَزَعِ حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ فَتَلْقَاهَا
الْمَلائِكَةُ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَهَا فَتَرْجِعُ،
وَتَوَلَّى النَّاسُ بِهِ مُدَبْرِينَ يُنَادِي بَعْضُهُمْ
بَعْضًا.
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضِ
كُلُّ صَدْعٍ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوَا أَمْرًا
عَظِيمًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ
مِنَ الْكَرْبِ وَالْهَوْلُ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ،
ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هِيَ
كَالْمُهْلِ، ثُمَّ انْشَقَّتْ وانتثرت نجومها، وخسف شمسها
وقمرها فقال
__________
(1) الدر 7/ 246- 248.
(2) الدر 7/ 251.
(10/3256)
رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: وَالأَمْوَاتُ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ
ذَلِكَ فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ حِينَ
يَقُولُ: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي
الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: أُولَئِكَ
الشُّهَدَاءُ وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى
الْأَحْيَاءِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، عند ربهم يرزقون [الله]
وَوَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ،
وَأَمَّنَهُمْ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَقَوْلُ اللَّهُ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ:
وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
فَيُنْفَخُ الصُّورُ فَيُصْعَقُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ
وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا هُمْ
خُمُودٌ، ثُمَّ يَجِئُ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ مَاتَ أَهْلُ السموات وَأَهْلُ
الْأَرْضِ إِلا مَنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ- وَهُوَ أعلم: فمن
بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ
الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ،
وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ
وَبَقِيتُ أَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ: لِيَمُتْ جِبْرِيلُ
وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ؟ وَيُنْطِقُ اللَّهُ
الْعَرْشَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ تُمِيتُ جِبْرِيلَ
وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ:
اسْكُتْ، فَإِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى مَنْ كَانَ
تَحْتَ عَرْشِي، فَيَمُوتُونَ ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ
الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ
مَاتَ جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ،
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ- من بقي؟
فَيَقَولَ اللَّهُ لَهُ، لِيَمُتْ حَمَلَةُ عَرْشِي،
فَيَمُوتُونَ وَيَأْمُرُ اللَّهُ الْعَرْشَ فَيَقْبِضُ
الصُّورَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ الرَّبَّ عَزَّ
وَجَلَّ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ،
فَيَقُولُ اللَّهُ- وَهُوَ أعلم- فمن بَقِيَ؟ فَيَقُولُ:
يَا رَبِّ بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ،
وَبَقِيتُ أَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَنْتَ خَلْقٌ
مِنْ خَلْقِي خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ فَمُتْ، فَيَمُوتُ
فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
وَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كَانَ
آخَرًا كَمَا كان أولا طوى السموات وَالْأَرْضَ كَطَيِّ
السِّجِلِ لِلْكِتَابِ ثُمَّ قَالَ بِهِمَا فَلَفَّهُمَا.
ثُمَّ قَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْجَبَّارُ ثَلاثَ
مَرَّاتٍ ثُمَّ هَتَفَ بِصَوْتِهِ لِمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ؟ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمُ؟ لِمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمُ؟ فَلا يُجِيبَهُ أَحَدٌ ثُمَّ يَقُولُ
لِنَفْسِهِ: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
فَبَسَطَهَا وَسَطَّحَهَا ثُمَّ مَدَّهَا مَدَّ الأَدِيمِ
الْعُكَاظِيِّ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا
ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً وَاحِدَةً
فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ مَنْ كَانَ فِي
بَطْنِهَا كان فِي بطنها، وَمَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا
كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ
السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرُ أَرْبِعِينَ يَوْمًا
حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ فَوْقَكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ
ذِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ الْأَجْسَادَ أَنْ
تَنْبُتَ فَتَنْبُتُ
(10/3257)
نَبَاتَ الطَّوَانِيتِ كَنَبَاتِ
الْبَقَلِ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَامُهُمْ
وَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ قَالَ اللَّهُ:
لِيَحْيَى حَمَلَةُ الْعَرْشِ فَيَحْيَوْنَ وَيَأْمُرُ
اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَأْخُذُ الصُّورَ، فَيَضَعُهُ
عَلَى فِيهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: ليحيي جبريل وميكائيل
فيحييان، ثم يدعوا اللَّهُ بِالْأَرْوَاحِ فَيُؤْتَى
بِهِنَّ تَوَهَّجُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ نُورًا
وَالْأُخْرَى ظُلْمَةً، فَيَقْبَضُهُنَّ اللَّهُ جَمِيعًا
ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَأْمُرُ
إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ،
فَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ قَدْ مَلأَتْ
مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. فَيَقُولُ: وعزتي
وجلالي ليرجعن لَيَرْجِعَنُّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ،
فَتَدْخُلُ الأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ،
فَتَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ، ثُمَّ تَمْشِي فِي
الْأَجْسَادِ كَمَا يَمْشِي السُّمُّ فِي اللَّدِيغِ،
ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ، عَنْكُمْ، وَأَنَا أَوَّلُ
مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ، عَنْهُ فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا
سِرَاعًا إِلَى رَبِّكُمْ تَنَسِلُونَ «مُهْطِعِينَ إِلَى
الداعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ»
حُفَاةً عُرَاةً غلفا غرلا.
فبينما نَحْنُ وُقُوفٌ إِذْ سَمِعْنَا حَسًّا مِنَ
السَّمَاءِ شَدِيدًا، فَيَنْزِلُ أَهْلُ سَمَاءِ
الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ،
أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ
السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلِيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ
الْمَلائِكَةِ، وَمِثْلِيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ
أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا
مَصَافَّهُمْ ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ
الثَّالِثَةِ بِمِثْلِيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلائِكَةِ،
وَمِثْلِيْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ حَتَّى
إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ
بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، ثُمَّ يَنْزِلُونَ
عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ من التضعيف إلى السموات السَّبْعِ
ثُمَّ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ
وَالْمَلائِكَةُ يَحْمِلُ عَرْشَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
وَهُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ أَقْدَامُهُمْ عَلَى تُخُومِ
الْأَرْضِ السُّفْلَى والأرضون والسموات إِلَى حَجْزِهِمْ،
وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ لَهُمْ زَجْلٌ
بِالتَّسْبِيحِ فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ
وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذي الملك والملكوت سبحان الحي
الذي لا يموت سبحان الَّذِي يُمِيتُ الْخَلائِقَ وَلا
يَمُوتُ، سَبُوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ
وَالرُّوحِ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى الَّذِي
يُمِيتُ الْخَلائِقَ وَلا يَمُوتُ.
فَيَضَعُ عَرْشَهُ حَيْثُ يَشَاءُ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ
يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ فَيَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكُمْ مُنْذُ يَوْمِ
خَلْقِكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا أَسْمَعُ قَوْلَكُمْ،
وَأُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ فَأَنْصِتُوا إِلَيَّ.
فَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ
عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ،
وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا
نَفْسَهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ جهنم فيخرج
(10/3258)
مِنْهَا، عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ
يَقُولُ: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ
لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ
إِلَى قَوْلِهِ: وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا
الْمُجْرِمُونَ فَيَمِيزُ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَجْثُوا
الْأُمَمُ قَالَ: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ
أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا، وَيَقِفُونَ وَاحِدًا
مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ
فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، وَيَدْمَعُونَ
دَمًا وَيَعْرَقُونَ عَرَقًا إِلَى أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ
مِنْهُمْ أَنْ يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ وَأَنْ يَبْلُغَ
الْأَذْقَانَ مِنْهُمْ.
فَيَصْيَحُونَ وَيَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى
رَبِّنَا؟ فَيَقْضِي بَيْنَنَا فَيَقُولُونَ: وَمَنْ
أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ عَلَيْهِ
السَّلامُ، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَأْبَى
وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، ثُمَّ
يَسْتَفِزُّونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا كُلَّمَا
جَاءُوا نَبِيًّا أَبَى عَلَيْهِمْ. قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يأتوني
فَأَنْطَلَقُ حَتَّى آتِيَّ، فَأَخِرُّ سَاجِدًا، قَالَ:
أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُبَّمَا قَالَ:
قُدَّامُ الْعَرْشِ، حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيَّ مَلَكًا
فَيَأْخُذُ بِعَضُدِي فَيَرْفَعُنِي فَيَقُولُ لِي يَا
مُحَمَّدُ فَأَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ فَيَقُولُ: مَا
شَأْنُكَ؟ - وَهُوَ أَعْلَمُ- فَأَقُولُ: يَا رَبِّ
وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقِكَ
فَاقْضِ بَيْنَهُمْ.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأجيء فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ فَيَقْضِي
اللَّهُ بَيْنَ الْخَلائِقِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ
يَقْضِي فِيهِ فِي الدِّمَاءِ، وَيَأْتِي كُلُّ مَنْ
قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَحْمِلُ رَأْسَهُ وَتَشْخُبُ
أَوْدَاجُهُ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا قَتَلَنَا فُلانٌ
وَفُلانٌ ... فَيَقُولُ اللَّهُ- وَهُوَ أَعْلَمُ-
أَقُتِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا قُتِلْنَا
لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ:
صَدَقْتُمْ فَيَجْعَلُ لِوُجُوهِهِمْ نُورًا مِثْلَ نُورِ
الشَّمْسِ، ثُمَّ تُوَصِّلُهُمُ الْمَلائِكَةُ إِلَى
الْجَنَّةِ، وَيَأْتِي مَنْ كَانَ قُتِلَ عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ يحمل رأسه وتشتخب أَوْدَاجُهُ فَيَقُولُونَ: يَا
رَبَّنَا قَتَلَنَا فُلانٌ وَفُلانٌ ... فيقول: لم؟ - وهو
أعلم- فيلقون: لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ فَيَقُولُ
اللَّهُ: تَعِسْتُمْ ثُمَّ مَا يَبْقَى نَفْسٌ قَتَلَهَا
إِلا قُتِلَ بِهَا، وَلا مَظْلَمَةٌ ظَلَمَهَا إِلا أَخُذِ
بِهَا، وَكَانَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ
عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ ثُمَّ يَقْضِي اللَّهُ
بَيْنَ مَا بَقِيَ مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى
مَظْلَمَةٌ لِأَحَدٍ، عِنْدَ أَحَدٍ إِلا أَخَذَهَا
اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، حَتَّى
إِنَّهُ لَيُكَلِّفُ يَوْمَئِذٍ شَائِبَ اللَّبَنِ
لِلْبَيْعِ الَّذِي كَانَ يَشُوبُ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ
ثُمَّ يَبِيعُهُ فَيُكَلَّفُ أَنْ يُخَلِّصَ اللَّبَنَ
مِنَ الْمَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ نَادَى
نِدَاءً أَسْمَعَ الْخَلِائِقَ كُلَّهُمْ: أَلا لِيَلْحَقْ
كُلُّ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ. فَلا يَبْقَى أَحَدٌ عَبَدَ من دون
(10/3259)
الله شيئا إِلا مُثِّلَتْ لَهَ آلِهَةٌ
بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُجْعَلُ مِنَ الْمَلائِكَةِ عَلَى
صُورَةِ عُزَيْرٍ، وَيُجْعَلُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ
عَلَى صُورَةِ عِيسَى، فَيَتَبَعُ هَذَا الْيَهُودُ،
وَهَذَا النَّصَارَى، ثُمَّ يَعُودُ بِهِمْ آلِهَتُهُمْ
إِلَى النَّارِ. فَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: لَوْ كَانَ
هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا
خَالِدُونَ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلا الْمُؤْمِنُونَ
وَفِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ ذَهَبَ النَّاسُ فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا
كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا
إِلَهٌ إِلا اللَّهُ، وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ
فَيُقَالُ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ذَهَبَ النَّاسُ
فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ.
فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلا اللَّهُ،
وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ فَيُقَالُ لَهُمُ:
الثَّانِيَةُ. وَالثَّالِثَةُ فَيَقُولُونَ:
مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَهَلْ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ بِهَا؟
فيقولون: نعم.
ف يكشف، عَنْ سَاقٍ، وَيُرِيهِمُ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنَ
الْآيَةِ أَنْ يُرِيَهُمْ، فَيَعْرَفُونَ أَنَّهُ
رَبُّهُمْ، فَيَخُرِّونَ لَهُ سُجَّدًا لِوُجُوهِهِمْ،
وَيَخِرُّ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَى قَفَاهُ يَجْعَلُ اللَّهُ
أَصْلابَهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ، ثُمَّ يَأْذَنُ
اللَّهُ لَهُمْ فَيَرْفَعُونَ رؤوسهم، وَيَضْرِبُ
الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ جَهَنَّمَ كَدِقَّةِ
الشَّعْرِ، وَكَحَدِّ السَّيْفِ عَلَيْهِ كَلالَيْبُ،
وَخَطَاطِيفُ، وَحَسْكٌ كَحَسْكِ السَّعْدَانَ، دُونَهُ
جِسْرٌ دَحْضُ مَزَلَّةٍ، فَيَمُرُّونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ
وَكَلَمْحِ الْبَرْقِ وَكَمَرِّ الرِّيحِ، وَكَجِيَادِ
الْخَيْلِ، وَكَجِيَادِ الرِّكَابِ، وَكَجِيَادِ
الرِّجَالِ، فَنَاجٍ مُسْلِمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ
وَمَكْدُوشٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَهَنَّمَ.
فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الجنة إلى الجنة فدخلوها، فو الذي
بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَنْتُمْ فيِ الدُّنْيَا
بِأَعْرَفَ بأزواجهم ومساكنهم، إذ دَخَلُوا الْجَنَّةَ.
فَدَخَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ
وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ فِي
الْجَنَّةِ، وَاثْنَتَيْنِ آدَمِيِّتَيْنِ مِنْ وَلَدِ
آدَمَ لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ
لِعِبَادَتِهِمَا فِي الدنيا، فيدخل على الأولى مِنْهِنَّ
فِي غُرْفَةٍ مَنْ يَاقُوتَةٍ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ
مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ
سُنْدُسٍ وَإسْتَبْرِقٍ، ثُمَّ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ
بَيْنَ كَتِفَيْهَا، فَيَنْظُرُ إِلَى يَدِهَا مِنْ
صَدْرِهَا، وَمِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَلَحْمِهَا
وَجِلْدِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى يَدِهَا مِنْ
صَدْرِهَا وَمِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَلَحْمِهَا
وَجِلْدِهَا وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخِّ سَاقِهَا
كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي
الْيَاقُوتَةِ كَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ. فَبَيْنَمَا هُوَ،
عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلا تَمَلُّهُ، وَلا يَأْتِيهَا
مَرَّةً إِلا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ لَا يَفْتُرَانِ وَلا
يَأْلَمَانِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ
فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لَا
تَمَلُّ وَلا تُمَلُّ وَإِنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا،
فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً واحدة، كلما جاد
وَاحِدَةً قَالَتْ لَهُ: وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي
الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْكَ وَلا شَيْئًا فِي
الْجَنَّةِ أَحَبَّ مِنْكَ.
(10/3260)
قَالَ: وَإِذَا وَقَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي
النَّارِ وَقَعَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
أَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ فَمِنْهُمْ مِنْ تَأْخُذُهُ
النَّار إِلَى رُكْبَتِيهِ، وَمِنْهُمْ مِنْ تَأْخُذُهُ
النَّارُ فِي جَسَدِهِ كُلِّهُ إِلا وَجْهَهُ حَرَّم
اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى، النَّارِ فَيُنَادُونَ فِي
النَّارِ فَيَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى
رَبِّنَا حَتَّى يُخْرِجَنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَقُولُونَ:
وَمَنْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ؟
فَيَنْطَلِقُ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى آدَمَ فَيَقُولُونَ:
خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ،
وَكَلَّمَكَ فَيَذْكُرُ آدَمُ ذَنْبَهُ فَيَقُولُ:
مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ
فَإِنَّهُ أَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا
عَلَيْهِ السَّلامُ وَيَذْكُرُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ،
فَيَذْكُرُ ذَنْبًا فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ
وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ اللَّهَ
اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، فَيُؤْتَى إِبْرَاهِيمُ فَيُطْلَبُ
ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا فَيَقُولُ: مَا أَنَا
بِصَاحِبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّ
اللَّهَ قَرَبَهُ نَجِيًّا وَكَلَّمَهُ، وَأَنْزَلَ
عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ. فَيُؤْتَى مُوسَى فَيُطْلَبُ
ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَذْكُرُ ذَنْبًا وَيَقُولُ: مَا أَنَا
بِصَاحِبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِرُوحِ اللَّهِ،
وَكَلِمَتِهُ عِيسَى بِنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
فَيُؤْتَى عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ،
فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: مَا أَنَا
بِصَاحِبِ ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَأْتُونِي وَلِي، عِنْدَ
رَبِّي ثَلاثُ شَفَاعَاتٍ وَعَدَنِيهِنَّ فَأَنْطَلِقُ
حَتَّى آتيَ بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلَقَةِ
الْبَابِ، فَأَسْتَفْتِحُ فيُفْتَحُ لِي، فَأَخِرُّ
سَاجِدًا، فَيُأْذَنُ لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ
بِشَيْءٍ مَا أُذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ
يَقُولُ: ارْفَعُ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ
تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي قَالَ
لِي: وَهُوَ أَعْلَمُ مَا شَأْنُكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ
وعدتني الشفاعة فشفعني.
فأقول: يَا رَبِّ مَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أمتي؟
فيقول الله: أخرجوا من عرفتم صورته، فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ
حَتَّى لَا يَبْقَى نَبِيٌّ وَلا شَهِيدٌ إِلا شُفِّعَ،
فَيَقُولُ اللَّهُ: أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي
قَلْبِهِ زِنَةَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ، فَيَخْرُجُ
أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَحَتَّى
لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مَنْ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ وَلا
يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ شَفَاعَةٌ إِلا شُفِّعَ.
حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ لَيَتَطَاوَلُ فِي النَّارِ لِمَا
يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ رَجَاءً أَنْ يَشْفَعَ لَهُ،
ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: بَقِيتُ وَأَنَا أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً فَيَخْرُجُ مِنْهَا
مَا لَا يُحْصِيهُ غَيْرُهُ فَيُنْبِتَهُمْ عَلَى نَهْرٍ
يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَوَانِ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ
كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، فَمَا
يَلِي الشَّمْسَ أَخْضَرُ وَمَا يَلِي الظِّلَّ أَصْفَرُ،
فَيَنْبُتُونَ كَالدُّرِّ مَكْتُوبٌ فِي رِقَابِهِمُ
الْجَهَنَّمِيُّونَ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ لم يعملوا لله
خير قَطُّ يَقُولُ مَعَ التَّوْحِيدِ، فَيَمْكُثُونَ فِي
الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ
(10/3261)
وَسِيقَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى
إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ
خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا
خَالِدِينَ (73)
وَذَلِكَ الْكِتَابُ فِي رِقَابِهِمْ ثُمَّ
يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا امْحُ، عَنَّا هَذَا الْكِتَابَ
فَيَمْحُوهُ، عَنْهُمْ» «1» .
قوله تعالى: وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زُمَرًا
18413 - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ
مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عاصم ابن ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيَّ
بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتقوا ربهم إلى الجنة زُمَرًا
قَالَ: سِيقُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ
أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَجَدُوا، عِنْدَهَا شَجَرَةً
يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ، فَعَمَدُوا
إِلَى إِحْدَاهُمَا فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا، فَجَّرَتْ
عَلَيْهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، فَلَمْ تُغَيَّرْ
أَبْشَارُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَمْ تَشْعَثْ
أَشْعَارُهُمْ أَبَدًا بَعْدَهَا، كَأَنَّمَا دُهِنُوا
بِالدِّهَانِ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى كَأَنَّمَا
أَمَرُّوا بِهَا، فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَأَذْهَبَتْ مَا
كَانَ فِي بُطُونِهِمْ مِنْ أَذًى أَوْ قَذًى.
وَتَلَقَّتَهُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ
سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ
وَيَلْقَى كُلُّ غُلْمَانٍ صَاحِبَهُمْ يَطِيفُونَ بِهِ،
فَعَلَ الْوِلْدَانُ بِالْحَمِيمِ جَاءَ مِنَ الْغِيبَةِ:
أَبْشِرْ قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ
كَذَا وَكَذَا، قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ
الْكَرَامَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: وَيَنْطَلِقُ غُلامٌ
مِنْ غِلْمَانِهِ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ
الْعَيْنِ، فَيَقُولُ: هَذَا فُلانٌ- بِاسْمِهِ فِي
الدُّنْيَا فَيَقُلْنَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَيَقُولُ:
نَعَمْ فَيَسْتَخِفُّهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَخْرُجَ
إِلَى أَسْكِفَةِ الْبَابِ قَالَ: فيجيء فَإِذَا هُوَ
بِنَمَارِقٍ مَصْفُوفَةٍ، وَأَكْوَابٍ مَوْضُوعَةٍ،
وَزَرَابِيٍّ مَبْثُوثَةٍ. قَالَ: ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى
تَأْسِيسِ بُنْيَانِهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ أُسِّسَ عَلَى
جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ، بين أحمر وأخصر وَأَصْفَرَ، وَمِنْ
كُلِّ لَوْنٍ. ثُمَّ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى سَقْفِهِ
فَلَوْلا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَهُ لَهُ لالَّم أَنْ
يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ، إِنَّهُ لَمِثْلُ الْبَرْقِ، ثُمَّ
يَنْظُرُ إِلَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ،
ثُمَّ يَتَّكِئُ عَلَى أَرِيكَةٍ مِنْ أَرَائِكِهِ ثُمَّ
يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا
وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ ...
الْآيَةَ «2» .
أَمَّا قُوْلُهُ تَعَالَى: وفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
18414 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
قَالَ: لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أبواب. باب للمصلين، وباب
للصائمين، وَبَابٌ لِلْحَاجِّينَ، وَبَابٌ
لِلْمُعْتَمِرِينَ، وَبَابٌ لِلْمُجَاهِدِينَ، وَبَابُ
للذاكرين، وباب للشاكرين «3» .
__________
(1) الدر 7/ 256- 262.
(2) ابن كثير 7/ 114. [.....]
(3) الدر 7/ 264.
(10/3262)
|