تفسير الإمام الشافعي

الكتاب: تفسير الإمام الشافعي
المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204هـ)
جمع وتحقيق ودراسة: د. أحمد بن مصطفى الفرَّان (رسالة دكتوراه)
الناشر: دار التدمرية - المملكة العربية السعودية
الطبعة الأولى: 1427 - 2006 م
عدد الأجزاء: 3
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أعده للشاملة: أبو إبراهيم حسانين

* * * * * * * * * * * * * *
تنبيه
وقع محقق الكتاب في وهْمٍ تبعاً للعلامة أحمد محمد شاكر (محقق كتاب الرسالة للإمام الشَّافِعِي) زاعماً أن الإمام الشَّافِعِي - رحمه الله - قد أخطأ في آية قرآنية ونحن نذكر كلامه والرد عليه إن شاء الله تعالى
قال محقق الكتاب ما نصه:
قلت: أشرنا في تفسير الآية / 136 من سورة النساء إلى أن الشَّافِعِي رحمه الله ذكر هذه الآية دليلاً على أن اللَّه قرن الإيمان به بالإيمان برسوله، وهنا كلام رائع لمحقق كتاب الرسالة، يستحسن أن ننقله كاملاً بحرفيته كما ورد في تعليقه على هذه الفقرة / 237 إذ يقول رحمه اللَّه:
والعصمة لله ولكتابه ولأنبيائه، وقد أبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، كما قال بعض الأئمة من السلف.
فإن الشَّافِعِي رحمه الله: ذكر هذه الآية محتجاً بها على أن الله قرن الإيمان برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - مع الإيمان به، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن، منها:
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) .
ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) .
ومنها: قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) .
ولكن الآية التي ذكرها الشَّافِعِي هنا ليست في موضع الدلالة على ما يريد.
لأن الأمر فيها بالإيمان بالله وبرسله كافة.
ووجه الخطأ من الشَّافِعِي - رحمه الله -: أنه ذكر الآية بلفظ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) بإفراد لفظ الرسول وهكذا كتبت في أصل الربيع، وطبعت في
الطبعات الثلاثة من الرسالة، وهو خلاف التلاوة، وقد خُيِّل إلي بادئ ذي بدء أن تكون هناك قراءة بالإفراد، وإن كانت - إذا وجدت - لا تفيد في الاحتجاج لما يريد؛ لأن سياق الكلام في شأن عيسى عليه السلام، فلو كان اللفظ: (وَرَسُوله) لكان المراد به عيسى، ولكني لم أجد آية قراءة في هذا الحرف من الآية بالإفراد.
لا في القراءات العشر، ولا في غيرها من الأربع، ولا في القراءات الأخرى التي يسمونها: (القراءات الشاذة) .
ومن عجب أن يبقى هذا الخطأ في الرسالة، وقد مضى على تأليفها أكثر من ألف ومائة وخمسون سنة، وكانت في أيدي العلماء هذه القرون الطوال.
وليس هو من خطأ في الكتابة من الناسخين، بل هو خطأ علمي، انتقل فيه ذهن المؤلف الإمام، من آية إلى آية أخرى حين التأليف: ثم لا ينبه عليه أحد! أولا يلتفت إليه أحد!
وقد مكث أصل الربيع من الرسالة بين يدي عشرات من العلماء الكبار.
والأئمة الحفاظ، نحواً من أربعة قرون إلى ما بعد سنة 650 هـ يتداولونه بينهم قراءة وإقراء ونسخاً ومقابلة، كما هو ثابت في السماعات الكثيرة المسجلة مع الأصل، وفيها سماعات لعلماء أعلام، ورجال من الرجالات الأفذاذ، وكلهم دخل عليه هذا الخطأ، وفاته أن يتدبر موضعه فيصححه.
ومرد ذلك كله - فيما نرى واللَّه أعلم -: إلى الثقة ثم إلى التقليد، فما كان ليخطر ببال واحد منهم أن الشَّافِعِي، وهو إمام الأئمة، وحجة هذه الأمة يخطئ في تلاوة آية من القرآن، ثم يخطئ في وجه الاستدلال بها، والموضوع أصله من بديهيات الإسلام، وحجج القرآن فيه متوافرة، وآياته متلوة محفوظة، ولذلك لم يكلف واحد منهم نفسه عناء المراجعة، ولم يفكر في صدر الآية التي أتى بها الشَّافِعِي للاحتجاج، تقليداً له وَثِقَة به، حتى يرى إن كان موضعها موضع الكلام في شأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو في شأن غيره من الرسل عليهم السلام.
ونقول هنا: ما قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه فيما مضى من الرسالة في الفقرة / 136: (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، واللَّه يغفر لنا ولهم) .
انتهى كلام محقق الكتاب.

أقول: اتهام الإمام الشَّافِعِي - رحمه الله - بالخطأ في آية قرآنية ومتابعة فقهاء الشَّافِعِية له فيه قروناً عديدة في غاية البعد البعيد، وهذا قد يرد في حقِّنا وحقِّ أشباهنا أما الشَّافِعِي فهيهات ثم هيهات؟؟!!! إنه الشَّافِعِي.
ويكفي في رد هذا الوهْم قول الربيع بن سليمان - رحمه الله -
قرأت: (كتاب الرسالة المصرية) على الشَّافِعِي نيفاً وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يصححه.
ثم قال الشَّافِعِي في آخره: أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، يدل
على ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) الآية. انتهى كلام الربيع.
وكان الأليق بالمحقق أن لا يجزم بتخطئة الإمام - رحمه الله - وفقهاء مذهبه والاكتفاء بردِّ هذا الخطأ إلى الناسخ كما هو حال أكثر المخطوطات.
والإمام الشَّافِعِي - رحمه الله - لم يفسر القرآن، والآيات التي جمعها المحقق - جزاه الله خيراً - ذكرها الإمام مختصرة وغير مرتبة على ترتيب المصحف الشريف حتى يصح هذا الاتهام.
ولعل الآية التي تكلم فيها إمامُنا الشَّافِعِي - رحمه الله - هي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) .
والله أعلم وأحكم.

(1/182)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القسم الثاني
قسم التفسير والتحقيق
ويتضمن:
جَمْعَ ما أُثر عن الإمام الشَّافِعِي - يرحمه الله تعالى - من تفسير
لآيات القرآن الكريم مرتبة وفقَ ترتيب السور في المصحف الشريف
* * * * * * * * * * * * *

(1/183)


سورة الفاتحة
قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
الأم: باب (التعوذ بعد الافتتاح)
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه تعالى: قال اللَّه - عز وجل -: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) .
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن سعد بن عثمان، عن
صالح بن أبي صالح: أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعاً صوته: (ربنا إنا
نعوذ بك من الشيطان الرجيم) ، في المكتوبة، (وإذا فرغ من أم القرآن) .
- (أي: قبل السورة التالية) -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتعوذ في
نفسه - أي سرًّا -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وأيهما فعل الرجل أجزأه، إن جهر أو أخفى.

(1/185)


وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أم القرآن، وبذلك أقول. وأحبّ أن
يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) .
وإذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأي كلام استعاذ به، أجزأه.
ويقوله في أول ركعة.
وقد قيل: إن قاله حين يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحَسَن، ولا آمر به في
شيء من الصلاة، أمرتُ به في أول ركعة.
وإن تركه - (قول: الاستعاذة) - ناسياً أو جاهلاً أو عامداً، لم يكن عليه
إعادة، ولا سجود سهو. وأكره له تركه عامداً، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها (من الركعات) ، وإنَّما منعني أن آمره أن يعيد؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم رجلاً ما يكفيه في الصلاة فقال:
"كبر ثم اقرأ بأم القرآن" الحديث
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يُروَ عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بتعوذ ولا افتتاح. فدل على أن افتتاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختيار، وأن التعوذ مما لا يفسد الصلاة إن تركه.

(1/186)


مختصر المزني: باب (صفة الصلاة)
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: بعد قراءة دعاء الاستفتاح - ثم يتعوذ فيقول:
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ثم يقرأ مرتلاً بأم القرآن. ..
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات)
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: قال اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحبّ أن يقول حين يفتتح قبل أم، القرآن:
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) الآية، وأي كلام استعاذ به أجزأه.
وقال في الإملاء بهذا الإسناد: ثم يبتدئ، فيتعوذ، ويفول: أعوذ بالسميع
العليم، أو يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو: أعوذ
بالله أن يحضرون. لقول اللَّه - عز وجل -:
(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) .

(1/187)


قول: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
الأم: باب (القراءة بعد التعوذ)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن أيوب بن أبي تميمة، عن قتادة.
عن أنس قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، يستفتحون القراءة بالحمد للهِ رب العالمين.
قالَ الشَّافِعِي رحمه الله: يعني يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل ما يُقرأ بعدها -
واللَّه تعالى أعلم - لا يعني أنهم يتركون: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة، فإن
تركها، أو بعضها، لم تُجْزهِ الركعة التي تركها فيها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بلغني أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول: إن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفتتح القراءة ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال:
أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) الآية

(1/188)


قال: هي أم القرآن.
قال أبي: وقرأها على سعيد بن جبير حتى ختمها.
ثم قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة.
قال سعيد: فقرأها عَلَي ابن عباس كما قرأتها عليك، ثم قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة.
قال ابن عباس: (فَدَخرَها لكم، فما أخرجها لأحد قبلكم) .
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهبم بن محمد قال: حدثني صالح مولى
التوأمة: أن أبا هريرة كان يفتتح الصلاة ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج
قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خُثيم، أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره: أن أنس بن مالك أخبره قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التى بعدها حتى قضى تلك القراءة. ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة.
فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان: يا معاوية أسرقت
الصلاة أم نسيت؛ فلما صلى بعد ذلك قرأ: (بِشمرِ اللهِ الرحمن الرحِهصِ
للسورة التى بعد أم القرآن، وكبَّر حين يهوي ساجداً.

(1/189)


أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الله بن
عثمان بن خُئيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه: أن معاوية قدم
المدينة فصلى بهم، فلم يقرأ ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية، ولم يكئر إذا
خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار: أن يا معاوية سرقت
صلاتك! أين: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ؛ وأين التكبير إذا خفضت لماذا
رفعت؛ فصلى بهم صلاة أخرى، فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرني يحيى بن سليم، عن عبد اللَّه بن عثمان بن
خُئيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن معاوية والمهاجرين
والأنصار مثله، أو مثل معناه، لا يخالفه، وأحسب هذا الإسناد أخفض من
الإسناد الأول.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي (الرواية) الأولى، أنه (معاوية) قرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أم القرآن، ولم يقرأها في السورة التي بعدها، فذلك زيادة حفظها ابن جريج.
وقوله: فصلى بهم صلاة أخرى، يحتمل أن يكون أعاد، ويحتمل أن تكون
الصلاة التي تليها - والله تعالى أعلم -.
أخبرنا الربيع قال:

(1/190)


أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مسلم بن خالد، وعبد المجيد، عن ابن جريج.
عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان لا يدع: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لأم
القرآن، وللسورة التي بعدها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: هذا أحبّ إليَّ؛ لأنه حيمئذ مبئدئ قراءة القرآن.
قال الشَّافِعِي: وإن أغفل أن يقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقرأ من:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الآية، حتى يختم السورة كان عليه أن يعود
فيقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، حتى يأتي على السورة.
ولا يجزيه أن يقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بعد قراءة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، ولا بين ظهرانيها، حتى يعود فيقرأ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ثم يبئدئ أم القرآن، فيكون قد وضع كل حرف منها في موضعه. ..
ولو محمد أن يقرأ منها شيئاً ثم يقرأ قبل أن يكملها من القرآن غيرها.
كان هذا عملاً قاطعاً لها، وكان عليه أن يستأنفها لا يجزيه غيرها.
ولو غفل فقرأ ناسياً من غيرها، لم يكن عليه إعادة ما مضى منها؛ لأنه معفو له عن النسيان في الصلاة إذا أتى على الكمال.

(1/191)


مختصر المزني: باب (صفة الصلاة)
قال الشَّافِعِي: ثم بعد قول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) يقراً
مرتلا بأم القرآن ويبتدئها ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بأم القرآن وعدَّها - أي: البسملة - آية.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في
الطهارات والصلوات)
قال الشَّافِعِي في كتاب البويطي: قال اللَّه جل ثناؤه: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) . الآية.
وهي: (الفاتحة) أم القرآن: أولها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، في آخرين قالوا: أخبرنا أبو العباس محمد
ابن يعقوب، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشَّافِعِي، أخبرنا عبد المجيد، عن ابن جريج قال: أخبرني أبي، عن سعيد بن جبير في قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) . الآية، قال: هي أم القرآن.
قال أبي: (وقرأها عَلَي سعيد بن جبير رحمه الله حتى ختمها، ثم قال:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة) .
قال سعيد: وقرأها علي ابن عباس رضي اللَّه عنهما، كما قرأتها عليك، ثم
قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة.

(1/192)


قال ابن عباس: "فَدخرَها (الله) لكم فما أخرجها لأحد قبلكم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في رواية حرملة عنه: - كان ابن عباس يفعله.
يعني: يفتتح القراءة ب (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، ويقول: انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن: وكان يقول - ابن عباس -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف ختم السورة حتى تنزل:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
ذكر فوائد في (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
الأولى: قال ابن خالويه: اعلم أن (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية من سورة
الحمد، وآية من أوائل كل سورة في مذهب الشَّافِعِي، وليست آية في كل ذلك عند مالك، وعند الباقين هي آية من أول أم الكتاب، وليست آية في غير ذلك
وقد ذكرنا - والكلام لابن خالويه - الاحتجاج في ذلك في كتاب شرح
أسماء الله جل وعز. فأما القراء السبعة فيثبتون (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
الآية، في أول كل سورة إلا في براءة، ما خلا أبا عمرو وحمزة فإنهما كانا لا
يفصلان بين السورتين ب "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
حدثني أبو سعيد الحافظ قال: حدثني أبو بكر النيسابوري قال: سمعت
الربيع يقول:

(1/193)


سمعت الشَّافِعِي يقول: أول الحمد: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الآية.
وأول البقرة: (الم) الآية.
وكل ما ذكرت - والكلام: لابن خالويه - من اختلاف العلماء والقراءة
فقد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي صح عندي فمذهب الشَّافِعِي رحمه اللَّه، وإليه أذهب.
الثانية: إن سأل سائل فقال: لم كُسرت الباء في: (بِسْمِ اللَّهِ) ؟ الآية.
فالجواب في ذلك: أنهم لما وجدوا الباء حرفاً واحداً، وعملها الجر، ألزموها
حركة عملها.
الثالثة: وقال الأزهري: (والباء في قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
معناها الابتداء، أي: أبتدئ باسم اللَّه. ولم يحتج إلى ذكر (بدأت) ، لأن
الحال أنبأت أنك مبتدئ.

(1/194)


قول: (أمين) بعد قوده تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
اثم: باب (التأمين عند الفراغ من قراءة أم القرآن)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب.
وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" الحديث.
قال ابن شهاب: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "آمين،.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك قال: أخبرنا سُمَي (مولى أبي بكر) عن
أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا قال
الإمام: (غَيرِ المغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضآِلين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي
هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: أمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غَفَرَ اللَّه له ما تقدم من ذنبه" الحديث.

(1/195)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذا فرغ الإمام من قراءة أمّ القرآن، قال: آمين.
ورفع بها صوته، ليقتدي به من كان خلفه، فإذا قالها قالوها وأسمعوا أنفسهم.
ولا أحب أن بجهروا بها، فإن فعلوا فلا شيء عليهم، وإن تركها الإمام، قالها من خلفه، وأسمعه، لعله يَذكُر فيقولها، ولا يتركونها لتركه.
فائدة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول أمين يدل على أنه لا بأس أن يسأل العبد ربه
في الصلاة كلها، في الدين والدنيا مع ما يدل من السنن على ذلك.
ولو قال مع آمين رب العالين وغير ذلك من ذكر اللَّه كان حسناً لا يقطع
الصلاة شيء من ذكر اللَّه.
وجاء في الأم (أيضاً) : باب (الجهر بأمين)
قال الربيع:
سألت الشَّافِعِي عن الإمام إذا قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
الآية، هل يرفع صوته بآمين؛ قال: نعم، ويرفع بها من خلفه أصواتهم. فقلت:
وما الحجة فيما قلت من هذا؟
فقال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن: أنهما أخبراه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن
رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينُه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه" الحديث.

(1/196)


قال ابن شهاب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:
"أمين".
قال الشَّافِعِي: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمن الإمام فأمِّنوا" الحديث، دلالة على أنه أمر الإمام بأن يجهر بأمين؛ لأن من خلفه لا يعرف وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه، - أي: تأمين الإمام -.
قال الشَّافِعِي: ولو لم يكن عندنا وعندكم - أي: أهل العراق - علم إلا
هذا الحديث الذي ذكرنا عن مالك، انبغى أن نستدل بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بأمين، وأنه أمر الإمام أن يجهر بها، فكيف ولم يزل أهل العلم عليه.
وروى وائل بن حُجر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "أمين" يجهر بها صوته، ويحكي مطهُ إياها.
وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول للإمام: لا تسبقني بآمين، وكان يُؤذنَ له.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء
قال: كنت أسمع الأئمة - ابن الزبير ومن بعده رضي اللَّه عنهم - يقولون آمين، ومن خلفهم: آمين حتى إن للمسجد لَلَجَّة.

(1/197)


مختصر المزني: باب (صفه الصلاة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله:. . . فإذا قال - الإمام -: (وَلَا الضآِلينَ) ، قال:
"آمين"، فيرفع بها صوته ليقتدي به من خلفه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمن الإمام فأمِّنوا" الحديث.
وبالدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بالجهر بها، وأمر الإمام
الجهر بها، وليسمع من خلفه أنفسهم - أي: بقول آمين -.

(1/198)