تفسير الإمام
الشافعي سورة الفرقان
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
قال الله عزَّ وجلَّ: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ
عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
الرسالة: وجه آخر بين الاختلاف:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن
عروة، عن
عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله
عنه - يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على
غير ما أقرؤها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها،
فكدت أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف ثم لبَّبتُه بردائه، فجئت
به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول اللَّه،
إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها؛ فقال له
رسول اللَّه: "اقرأ"، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول
اللَّه: "هكذا أنزلت"، ثم قال لي: "اقرأ"، فقرأت، فقال: هكذا
أنزلت، إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر
منه" الحديث.
(3/1155)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإذ كان اللَّه
لرأفته بخلقه أنزل كتابة على سبعة
أحرف، معرفة منه بأن الحفظ قد يزل: ليَحِل لهم قراءته وإن
اختلف اللفظ فيه، ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى، كان ما
سوى كتاب اللَّه أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يُحِل
معناه، وكل ما لم يكن فيه حكم، فاختلاف اللفظ فيه لا يحيل
معناه.
وقد قال بعض التابعين: لقيت أناساً من أصحاب رسول اللَّه - صلى
الله عليه وسلم - فاجتمعوا في المعنى، واختلفوا على في اللفظ.
فقلت لبعضهم ذلك، فقال: لا بأس ما لم يُحِيلُ المعنى.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
طَهُورًا (48)
مختصر المزني: باب (الطهارة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) الآية.
وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في البحر:
"هو الطهور ماؤه الحل ميتته" الحديث.
(3/1156)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكل ماء من بحر
عذب أو مالح، أو بئر، أو سماء
أو برد أو ثلج، مسخن وغير مسخن فسواء، والتطهير به جائز، ولا
أكره الماء المشمس إلا من جهة الطب، لكراهية عمر - رضي الله
عنه - عن ذلك.
مختصر المزني (أيضاً) : باب (الطهارة بالماء)
حدثنا الربيع رحمه الله قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)
فدل على أن الطهارة بالماء كله.
حدثنا الربيع قال:
أخبرنا الثمانعي رحمه الله، حدثنا الثقة، عن ابن أبي ذئب، عن
الثقة عنده.
عمن حدثه، أو عن عبيد اللَّه بن عبد الرحمن العدوي، عن أبي
سعيد الخدري
- رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- فقال: إن بئر بُضَاعَة يطرح فيها الكلاب والحيَّص، فقال
النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"إنَّ الماء لا ينجسه شيء" الحديث.
أخبرنا الثقة من أصحابنا، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد
بن
جعفر، عن عبد الله بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه - رضي الله
عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً" الحديث.
(3/1157)
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا
وَصِهْرًا)
الأم: ما جاء في أمر النكاح:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفيل إن الحفدة: الأصهار، وقال
عزَّ وجلَّ: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فبلغنا أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تناكحوا تكثروا فإني أباهي
بكم الأمم حتى بالسِّقطِ" الحديث.
الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يحرم بالزنا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذكر الله - عزَّ وجلَّ ما مَن به
على العباد فقال: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) الآية، فحرم
بالنسب الأمهات، والأخوات، والعمات، والخالات، ومن سمى، وحرم
بالصِّهر ما نكح الآباء، وأمهات النساء، وبنات المدخول بهن
منهن، فكان تحريمه - جل وعلا - بأن جعله للمحرمات على من حرم
عليه حقاً، لغيرهن عليهن، وكان ذلك منًّا مِنهُ بما رضي من
حلاله، وكان مَن حَرَمنَ عليه لهن محرماً، يخلو بهن ويسافر،
ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة
لهن، ولمن حَرُمْنَ عليه، ومنًّا عليهنَّ وعليهم، لا عقوبة
لواحد منهما.
(3/1158)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى
بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه - الشافعى - في التفسير في آيات
متفرقة سوى ما مضى
أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلَّمِي، سمعت علي بن أبي عمرو
البلخي يقول:
سمعت عبد المنعم بن عمر الأصفهاني يقول: أخبرنا أحمد بن محمد
المكي، أخبرنا محمد بن إسماعيل، والحسين بن زيد، والزعفراني،
وأبو ثور؛ كلهم قالوا: سمعنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه
الله يقول: نزه اللَّه - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم -
ورفع قدره، وعلمه وأدبه، وقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ
الَّذِي لَا يَمُوتُ) الآية.
وذلك أن الناس في أحوال شتى: متوكل على نفسه، أو على ماله، أو
على
زرعه، أو على سلطان، أو على عطية الناس، وكل مستند إلى حي
يموت، أو على شيء يفنى، يوشك أن ينقطع به.
فنزه الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأمره: أن يتوكل على
الحي الذي لا يموت - سبحانه وتعالى -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
الأم: باب (من عاد لقتل الصيد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ
لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا
يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ
فِيهِ مُهَانًا (69)
(3/1159)
وجعل اللَّه القتل على الكفار، والقتل على
القاتل عمداً، وسن رسول اللَّه
- صلى الله عليه وسلم - العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولي
المقتول، وجعل الحد على الزاني، فلما أوجب اللَّه عليهم النقمة
بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا، وجعل الحدَّ على
الزاني فلما أوجب اللَّه عليهم الحدود، دلَّ هذا على أن النقمة
في الآخرة لا تسقِط حكم غيرها في الدنيا.
الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له (أي: للمحاور) : قال
اللَّه - عز وجل -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
ثم حد الزاني الثيب على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -
وفي فعله
أعظم حدًّا، حده الرجم، وذلك أن القتل بغير رجم أخف منه، وهتك
بالزنا حرمة الدم، فجعل حقاً أن يقتل بعد تحريم دمه، ولم يجعل
فيه شيئاً من الأحكام التي أثبتها بالحلال، فلم يثبت رسول الله
- صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أهل دين اللَّه بالزنا
نسباً، ولا ميرائاً، ولا حُرَماً أثبتها بالنكاح.
الأم (أيضاً) : أصل تحريم القتل من القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
(3/1160)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - أصل تحريم
القتل من القرآن آيات كثيرة منها -:
(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ
أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ
وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
مناقب الشَّافِعِي رحمه الله: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي
- في الإيمان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على السمع: أن يتنزه
عن الاستماع
إلى ما حرّم الله، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال:
(وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) الآية، فذلك ما فرض اللَّه جل
ذكره على السمع من التنزيه عما لا يحل له، وهو عمله، وهو من
الإيمان.
(3/1161)
|