تفسير الإمام
الشافعي سورة الأحزاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(2)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما
أوحى إليه) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه جل ثناؤه لنبيه - صلى
الله عليه وسلم -:
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان الله أنه قد فرض على نبيه
اتباع أمره، وشهد
له بالبلاع عنه، وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به، تقرُّباً إلى
اللَّه بالإيمان به، وتوسلاً إليه بتصديق كلماته.
(3/1180)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا جَعَلَ
أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ
بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي
السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ
اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ)
الأم: ما يحرم من النساء بالقرابة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أراد نكاح (ابنة جحش) رضي الله عنها، فكانت عند زيد بن
حارثة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - تبناه، فأمر اللَّه
تعالى ذكره.
أن يُدعى الأدعياء لآبائهم: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا
آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)
الآية، وقال: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)
إلى قوله: (وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأشبه - واللَّه تعالى أعلم - أن
يكون قوله: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلَابِكُمْ) الآية، دون أدعيائكم الذين
تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شيء، وحرمنا من
الرضاع بما حرم الله قياساً عليه، وبما قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أنه: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة"
الحديث.
(3/1181)
الأم (أيضاً) : باب (دعوى الولد) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت - أي: للمحاور - نعم، زعم بعض
أهل
التفسير: أن قول اللَّه - عز وجل -: (مَا جَعَلَ اللَّهُ
لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) الآية.
ما جعل اللَّه لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية
قول اللَّه - عز وجل -: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ
أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) الآية.
قال - أي: المحاور -: فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟
قلنا: نعم، زعم بعض أهل التفسير: أن معناها غير هذا، قال: فلك
به حجة تثبت.
قلنا: أما حتى نستطيع أن نقول هو هكذا غير شك، فلا؛ لأنه محتمل
غيره، ولم يقل هذا أحد يلزم قوله.
ولكنه إذا كان يحتمل، وكان معنى الإجماع أن الابن إذا ورث
ميراث ابن كامل، فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل، لم يستقم فيه
إلا هذا القول.
الأم (أيضاً) : باب (المواريث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه لنبيه - صلى الله عليه
وسلم - في زيد بن حارثة - رضي الله عنه -:
(ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ
لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَمَوَالِيكُمْ) الآية
فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله.
ما كان من شرط ليس في كتاب
(3/1182)
الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء
الله أحق، وشرطه أوثق، وإنَّما الولاء لمن أعتق" الحديث.
فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء إنما يكون
للمُعتق.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وروي عن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أنه قال: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب"
الحديث.
فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من
المعتق، كما يكون النسب بمتقدم وِلاد من الأب.
الأم (أيضاً) (رضاعة الكبير) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، أنه سئل
عن
رضاعة الكبير فقال: (أخبرني عروة بن الزبير، أن أبا حذيفة بن
عتبة بن ربيعة، وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - -
قد كان شهد بدراً، وكان قد تبنى سالماً الذي يقال له: سالم
مولى أبي حذيفة، كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
زيد بن حارثة، وأنكح أبو
حذيفة سالماً، وهو يرى أنه ابن، فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت
الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأوَل، وهي
يومئذ من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل اللَّه في زيد بن حارثة
ما أنزل فقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ
اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية.
ردَّ كل واحد
(3/1183)
من أولئك من تبنى إلى أبيه، فإن لم يعلم
أباه رده إلى الموالي، فجاءت سهلة بنت سهيل، وهي امرأة أبي
حذيفة، وهي من بني عامر بن لؤي، إلى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - فقالت يا رسول الله، كنا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل
علي وأنا فُضُل، ولبس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا: "أرضعيه
خمس رضعات، فيحرم بلبنها"
ففعلت، وكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن
كانت تحبُّ أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم
كلثوم، وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال
والنساء، وأبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن
يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر
به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلة بنت سهيل إلا رخصة
في سالم وحده من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يدخل
علينا بهذه الرضاعة أحد، فعلى هذا من الخبر، كان أزواج النبي -
صلى الله عليه وسلم - في رضاعة الكبير) الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهذا - والله تعالى أعلم - في سالم
مولى أبي حذبفة
خاصة.
مختصر المزني: باب (بيع المكاتب) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: بعد أن ذكر حديث عائشة في عتق
بريرة - فقال
لي بعض الناس فما معنى إبطال النبي - صلى الله عليه وسلم - شرط
عائشة لأهل بريرة؟
قلت: إن بيناً -
(3/1184)
واللَّه أعلم - في الحديث نفسه، أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعلمهم أن الله قد قضى أن
الولاء لمن أعتق، وقال: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ
أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) الآية، وأنه
نسبهم إلى مواليهم، كما نسبهم إلى آباءهم، وكما لم يجز أن
يحولُوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولُوا عن مواليهم الذين
وَلُوا منتهم.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما خص اللَّه - عز وجل - به
نبيه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ) الآية. ..
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقوله: (وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدة تجمع
معاني مختلفة، ومما وصفت من أن الله أحكم كثيراً من فرائضه
بوحيه، وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه - صلى الله عليه
وسلم -، وفي فعله، فقوله: (أُمَّهَاتُهُمْ) يعني في معنى دون
معنى؛ وذلك أنه لا يحل
لهم نكاحهن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بنات، لو كن لهن، كما
يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم.
(3/1185)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويشبهن أن يكن
أمهات لعظم الحق عليهم مع
تحريم نكاحهن.
الأم (أيضاً) : باب (نكاح الولاة والنكاح بالشهادة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإنما افترض عليهم طاعته فيما
أحبوا وكرهوا، ألا
ترى إلى قوله - عز وجل -: (النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ) الآية.
الرسالة: باب (الاختلاف)
قال الشَّافِعِي رحمه الله فانول: لك ذلك اللمخاطَب أو
للمحاوَر) لقول
الله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللَّهِ) الآية، فقلت له:
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) الآية،
نزلت بأن الناس توارثوا
بالحِلْف، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، فكان المهاجر يرث
المهاجر، ولا يرثه مِن ورثته مَن لم يكن مهاجراً، وهو أقرب
إليه ممن ورثه، فنزلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية، على ما
فُرِضَ لهم قال: فاذكر الدليل على ذلك؟
قلت: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللَّهِ) الآية، على ما فرض لهم، ألا ترى أن من ذوي
الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث؛ وأن الزوج يكون أكثر ميراثاً
من أكثر ذوي الأرحام ميراثاً؛ وأنك لو كنت إنما تورث بالرحم
كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن؛ وكان ذوو الأرحام يرثون
معاً، ويكونون أحق من الزوج الذي لا رحم له؛ ولو كانت الآية
كما وصفتَ كنتَ قد خالفتها فيما
(3/1186)
ذكرنا، في أن يترك أخته ومواليه، فتعطى
أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا بذوي أرحام، ولا مفروض لهم
في كتاب الله فرض منصوص.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
الأم: المرتد عن الإسلام:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قال قائل: أخبر اللَّه - عز
وجل - عن أسرارهم (أي: المنافقين) ولعله لم يعلمه الآدميون،
فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان.
منهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير الشهادة، ومنهم من
أنكر بعد الشهادة، وأخبر اللَّه - عز وجل - عنهم بقول ظاهر،
فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
فكلهم إذاً قال ما قال، وثبت على قوله، أو جحد، أو أقرَّ وأظهر
الإسلام، تركِ بإظهار الإسلام فلم يُقتل.
الأم (أيضاً) : تكلف الحجة على قالل القول الأول، وعلى من قال
أقبل إظهار التوبة)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأخبر اللَّه جل ثناؤه - عن طائفة
غيرهم، فقال:
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
وهذه حكاية عنهم، وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين
(3/1187)
منفرداً، وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب
من حكى من الأعراب، وكل
من حقن دمه في الدنيا بما أظهر، مما يعلم جل ثناؤه خلافه من
شركهم؛ لأنه
أبان أنه لم يُوَلَّ الحكمُ على السرائر غيره، وأنه قد ولى
نبيه الحكم على الظاهر، وعاشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
ولم يقتل منهم أحداً، ولم يحبسه، ولم يعاقبه، ولم يمنعه سهمه
في الإسلام إذا حضر القتال، ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم،
والصلاة على موتاهم، وجميع حُكْم الإسلام.
الأم (أيضاً) : من ليس للإمام أن يغزو به بحال
قال الشَّافِعِي رحمه الله: غزا رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، فغزا معه بعض من يُعرَفُ نفاقه، فانخزل يوم أحد عنه
بثلثمائة، ثم شهدوا معه يوم الخندق، فتكلموا بما حكى الله - عز
وجل - من قولهم: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا
غُرُورًا) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
الأم: الاستسلام في الزحام - أي: استلام الحجر الأسود -:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا سعيد بن صالم، قال أخبرني
موسى بن عبيدة
الرَّبَذِي، عن محمد بن كعب القرظي، أن ابن عباس - رضي الله
عنهما - كان يمسح على الركن اليماني والحجر - أي: الأسود -
وكان ابن الزبير - رضي الله عنه - يمسح على
(3/1188)
الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت اللَّه
أن يكون شيء منه مهجوراً، وكان ابن عباس يقول: (لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان ابن عباس رضي اللَّه عنهما
يخبر عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - استلام الركن اليماني والحجر، دون
الشاميين، وبهذا نقول: وقول ابن الزبير - رضي الله عنه -:
(لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجوراً)
ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت اللَّه تعالى، ولكنه
استلم ما استلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمسك عما
أمسك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن استلامه، وقد ترك
استلام
ما سوى الأركان من البيت، فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت
الله
شيئاً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ
الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
الأم: باب (الأذان والإقامة للجمع بين الصلاتين والصلوات)
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرني ابن أبي فديك، عن
ابن أبي ذئب.
عن المَقبُري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري
- رضي الله عنه - قال:
(3/1189)
"حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد
المغرب بهَوِيٍّ من الليل حتى
كفينا، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (وَكَفَى اللَّهُ
الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)
فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأمره فأقام
الظهر فصلاها، فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام
العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام
العشاء فصلاها كذلك أيضاً) الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ
سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ
لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأمر الله - عزَّ وجلَّ - رسوله -
صلى الله عليه وسلم - أن يخير نساءه، فقال:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ
تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ
أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ
الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ
أَجْرًا عَظِيمًا (29)
فخيرهنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترنه، فلم يكن
الخيار إذا اخترنه طلاقاً، ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقاً
إذا اخترنه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان تخيير رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - إن شاء اللَّه - كما أمره الله - عزَّ وجلَّ - إن
أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه، وأحدث لهن طلاقاً لا
ليجعل
(3/1190)
الطلاق إليهن، لقول الله - عز وجل -:
(فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا
جَمِيلًا)
حْدِثُ لَكُن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعاً
وسراحاً، فلما اخترنه.
لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقاً ولا متاعاً.
فأما قول عائشة رضي الله عنها: قد خيَّرنا رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فاخترناه، أفكان ذلك طلاقاً؟
تعني: - واللَّه أعلم - لم يوجب ذلك على النبي - صلى الله عليه
وسلم - أن يحدث لنا طلاقاً.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا فرض اللَّه - عز وجل - على
النبي - صلى الله عليه وسلم - إن اخترن الحياة الدنيا أن
يمتعهن، فاخترن الله ورسوله، فلم يطلق واحدة منهن، فكل من خير
امرأته فلم تختر الطلاق، فلا طلاق عليه.
الأم (أيضاً) : ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ذكر الله تبارك وتعالى الطلاق
في كتابه بثلاثة أسماء:
الطلاق، الفِرَاق، السراح فقال - عز وجل -: (إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)
وقال جل ثناؤه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)
.
وقال تبارك اسمه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أزواجه:
(إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا
فَتَعَالَيْنَ) .
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: فمن خاطب امرأته، فأفرد لها
اسماً من هذه
الأسماء، فقال: أنت طالق، أو قد طلقتك، أو فارقتك، أو قد
سرحتك، لزمه الطلاق، ولم يُنَو في الحكم، ونوَّينَاه فيما بينه
وبين الله.
(3/1191)
الأم (أيضاً) : باب تعجيل الصدقة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا لو تصدق بكفارة يمين قبل أن
يحلف فقال:
إن حنث في يمين فهذه كفارتها، فحنث لم تجز عنه من الكفارة؛
لأنه لم يكن
حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث، ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة.
فإن قال قائل من أين قلت هذا؟
قلت: قال اللَّه - عز وجل -: (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
فبدأ بالمتاع قبل السراح، وفي كتاب الكفارات: أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال:
"من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه،
وليأت الذي
هو خير منه" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد روي عن عدد من أصحاب النبي -
صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يحلفون، فيكفرون قبل يحنثون.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا مالك، عنَ نافع، عن ابن عمر
رضي الله
عنهما: "أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر
بيومين أو
ثلاثة" الحديث.
(3/1192)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا نِسَاءَ
النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ)
الأم ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (يَا نِسَاءَ
النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ) الآية.
فأبانهن به - صلى الله عليه وسلم - من نساء العالمين.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)
الزاهر باب (الوصية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: في قوله - عز وجل -:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ) الآية.
قال: الأدنى فالأدنى من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وسئل أيدخل النساء في أهل البيت؟
قال: نعم.
(3/1193)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاذْكُرْنَ مَا
يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: الكتاب: هو ما يتلى عن الله تعالى،
والحكمة: وهي
ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، وقد قال - عز وجل - لأزواجه - أي: لأزواج نبيه -
صلى الله عليه وسلم -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها)
:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت، أي: للمحاور - وأيهم أولى،
إذا ذكر
(الكتاب والحكمة) أن يكونا شيئين، أو شيئاً واحداً؟
قال: يحتمل أن يكونا كما وصفت كتاباً وسنة، فيكونا شيئين،
ويحتمل أن يكونا شيئاً واحداً.
قلت - له -: فأظهرهما أولاهما، وفي القرآن دلالة على ما قلنا،
وخلاف ما ذهبت إليه.
قال: وأين هي؟
قلت: قول اللَّه - عز وجل -: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الآية.
فأخبر أنه يتلى في بيوتهن شيئان.
قال: فهذا القرآن يتلى، فكيف تتلى الحكمة؟
قلت: إنما معنى التلاوة: أن ينطق بالقرآن، والسنة كما ينطق
بها، قال: فهذه أبين في أن الحكمة غير القرآن من الأولى.
(3/1194)
الرسالة: باب (ما نزل عاماً دلت السنة خاصة
على أنه يراد به الخاص)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا
يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)
فذكر الله الكتاب، وهو: القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من
أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، وهذا يشبه ما قال، واللَّه أعلم؛ لأن القرآن ذكر
وأتبِعَته الحكمة، وذكر الله منهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب
والحكمة، فلم يجز - واللَّه أعلم - أن يقال: الحكمة هاهنا إلا
سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وذلك أنها مقرونة مع كتاب اللَّه، وأن الله افترض طاعة رسوله،
وحتَّم على
الناس اتباع أمره فلا يجوز أن يقال لقولٍ: فرضٌ إلا لكتاب الله
ثم سنة رسوله، لما وصفنا، من أن الله جعل الإيمان برسوله
مقروناً بالإيمان به، وسنة رسول اللَّه مبينة عن الله معنى ما
أراد، دليلاً على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه
فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)
الأم: باب (الخلاف فيه - أي: حكم من دخل في صلاة أو صوم هل له
قطع ما دخل فيه قبل تمامه -؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إذا كان له أن يفطر في السفر في
شهر رمضان لا عِلَّة
غيره، برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزي عنه، من أفطر
قبل أن
(3/1195)
يستكمله، دل هذا على معنى قولي: من أنه لما
كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه، كان بالدخول فيه
في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن
يخرج منه بكل حال، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في
ذلك الوقت إلى أن يقضيه
في غيره.
قال: فتقول بهذا؟
قلت: نعم: أقوله اتباعاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .
الأم (أيضاً) : الخلاف في نكاح الشغار:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال - أي: المحاور - فلأي شيء
أفسدت أنت
الشغار والمتعة؟
قلت: بالذي أوجب اللَّه - عز وجل - على من طاعة رسوله - صلى
الله عليه وسلم -، وما أجد في كتاب اللَّه من ذلك، فقال:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية.
الأم (أيضاً) : بيان فرائض الله تعالى:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فَرَض اللَّه - عز وجل - الفرائض -
في كتابه من وجهين:
أحدهما: أبان فيه كيف فرض بعضها، حتى استُغني فيه بالتنزيل عن
التأويل وعن الخبر.
(3/1196)
والآخر: أنه أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هي
على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم أثبت فرض ما فرض رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه بقوله - عز وجل -:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الآية،
مع غير آية في القرآن بهذا المعنى، فمن قبل عن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فبفرض الله - عزَّ وجلَّ قَبِلَ.
الأم (أيضاً) : كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض - اللَّه حليهم اتباع ما أنزل
عليه، وسن
رسول - صلى الله عليه وسلم - لهم فقال: (وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
مُبِينًا (36)
فأعلم أن معصيته في ترك أمره وأمر رسوله، ولم يجعل لهم إلا
اتباعه.
مختصر المزني: ومن كتاب الرسالة إلا ما كان معاداً:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا مسلم، وعبد المجيد، عن ابن
جريج، عن
عامر بن صعب، أن طاووساً أخبره أنه سأل ابن عباس رضي اللَّه
عنهما عن
الركعتين بعد العصر فنهاه عنهما، قال طاووس فقلت: ما أدعهما.
فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الآية.
(3/1197)
الرسالة: الحجة في تثبيت خبر الواحد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر ما سبق في مختصر
المزني، زاد ما يلي -:
فرأي ابن عباس رضي الله عنهما الحجة قائمة على طاووس بخبره عن
النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودلَّهُ بتلاوة كتاب اللَّه،
على أن فرضاً عليه أن لا تكون له الخيرة إذا قضى الله ورسوله
أمراً.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ)
الأم: باب (المواريث) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (وَإِذْ
تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ
عَلَيْهِ) الآية، فنسب الموالي نسبين:
أحدهما: إلى الآباء.
والآخر: إلى الولاء، وجعل الولاء بالنعمة.
الأم (أيضاً) : باب (الولاء والحِلْف) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
(3/1198)
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال: أمر
اللَّه تبارك وتعالى أن يُنسب من
كان له نسب من الناس نسبين:
1 - من كان له أب: أن ينسب إلى أبيه.
2 - ومن لم يكن له أب: فلينسب إلى مواليه. ..
وأصل ما قلت من هذا في كتاب اللَّه - عز وجل -، وسنة نبيه -
صلى الله عليه وسلم -، وما أجمع عليه عوام أهل العلم، وقال -
عز وجل -: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ
اللَّهَ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (تفريع العتق)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)
ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب اللَّه - عز وجل -، كان في
قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
"إنَّما الولاء لمن أعتق" الحديث.
دليل على أن المسيَّب والمؤمن يعتق الكافر، والكافر يعتق
المؤمن، لا يعدون أن يكونوا معتقين، فيكون في سنة رسول اللَّه
- صلى الله عليه وسلم -:
"إنَّ الولاء لمن أعتق" الحديث.
(3/1199)
الأم (أيضاً) : ما يحرم من النساء
بالقرابة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أراد نكاح ابنة جحش - رضي الله عنها -، فكانت عند زيد
بن حارثة - رضي الله عنه - فكان النبي - صلى الله عليه وسلم -
تبناه فأمر اللَّه تعالى ذكره أن
يدعى الأدعياء لآبائهم. . .، وقال اللَّه لنبيه - صلى الله
عليه وسلم -:
* * *
(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا
لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ)
الآية.
الأم (أيضاً) : الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل - لنبيه -
صلى الله عليه وسلم -: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا
زَوَّجْنَاكَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيات التي وردت في
مسمى عقد
الزواج - فسمَّى تبارك وتعالى النكاح اسمين: النكاح، والتزويج.
..
وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو
التزويج، ولا يقع
بكلام غيرهما، وإن كانت معه نية التزويج.
(3/1200)
قال الله عزَّ وجلَّ: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ
أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)
الأم: كتاب الجزية:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأنه - سبحانه وتعالى، - فتح به -
صلى الله عليه وسلم - رحمته، وختم به نبوته، فقال - عز وجل -:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ
رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
الأم: الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية،
وفي هذا - وغيرها من الآيات - دلالة على أن لا يجوز
نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج، ولا يقع بكلام غيرهما، وإن
كانت معه نية التزويج، وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه
الطلاق من الكلام مع نية
(3/1201)
الطلاق؛ وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة
الفرج، فلا تحل إلا بما سمى الله - عز وجل - أنها تحل به لا
بغيره.
الأم (أيضاً) : الخلاف في طلاق المختلعة
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في المختلعة،
فقال: إذا طلقت
في العدة لحقها الطلاق، قلت: وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة
(أي: وقت بقاء الزوجية) ؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى قال: (إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ)
قال: نعم. فقلت له: كتاب اللَّه إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل
على أنها
ليست بزوجة، وهي خلاف قولكم!
أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وابن
الزبير، رضي اللَّه عنهما، أنهما قالا: في المختلعة يطلقها
زوجها، قالا: لا يلزمها طلاق؛ لأنه طلق ما لا يملك، - قال -
وأنت تزعم أنك لا تخالف واحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه
وسلم - إلا إلى قول مثله، فخالفت ابن عباس وابن الزبير رضي
الله عنهما معاً، وآيات من كتاب اللَّه تعالى. . ..
الأم (أيضاً) : اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية،
فكان هذا عامًّا للأزواج والنساء، لا يخرج منه زوج مسلم حرٌّ
ولا عبدٌ، ولا ذمِّي حرٌّ ولا عبدٌ، فكذلك اللعان لا يخرج منه
زوج ولا زوجة.
(3/1202)
الأم (أيضاً) الخلاف في اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإنَّما كتبنا في كتابنا: (إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية،
كما قلنا في قول اللَّه - عز وجل -، وأن حكم الكتاب والسنة
فيه.
فقال بعض من خالفنا: لا يُلاَعَن بين الزوجين أبداً حتى يكونا
حرين
مسلمين، ليسا بمحدودين في قذف، ولا واحد منهما، فقلت له: ذكر
اللَّه - عز وجل - اللعان بين الأزواج لم يخص واحداً منهم دون
غيره.
وما كان عامًّا في كتاب اللَّه تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا
أنت أنه على
العموم كما قلنا.
الأم (أيضاً) : الخلاف فيما يؤتى بالزنا:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاوَر - قال الله
تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، وقال: (فَإِن طَلَّقَهَا)
الآية، فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العِدَد، قال: نعم.
الأم (أيضاً) : إباحة الطلاق:
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: - بعد أن ذكر الآيات المتعلقة
بإباحة الطلاق -
وقال الله تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، مع ما ذكرته
(3/1203)
من الطلاق في غير ما ذكرت، ودلت عليه
سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إباحة الطلاق.
فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض.
الأم (أيضاً) : باب (لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فكان بيناً في حكم اللَّه - عز وجل
-، أن لا عدة على المطلقة.
قبل أن تُمسَّ، وأن المسيس: هو الإصابة، ولم أعلم في هذا
خلافاً.
ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها، فيغلق باباً
ويرخي ستراً.
وهي غير مُحْرمِة ولا صائمة، فقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما
وشريح
وغيرهما: لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها؛ لأن اللَّه - عز
وجل - هكذا قال.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز
ذكره.
الأم (أيضاً) : من يقع علبه الطلاق من النساء.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى: (إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ) ، مع ما
ذكر به الأزواج، ولم أعلم مخالفاً في أن: أحكام اللَّه تعالى
في الطلاق، والظهار، والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة
النكاح، يحل للزوج جماعها، وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه
محرم الجماع في الإحرام والمحيض، وما أشبه ذلك حتى ينقضي.
(3/1204)
الأم (أيضاً) : باب (ما جاء في الصداق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ليس إرخاء الستور يوجب الصداق
عندي، لقول
الله جل ثناؤه:. ..
(إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ)
ولا نوجب الصداق إلا بالمسيس، قال وكذا روي عن ابن عباس رضي
اللَّه
عنهما وشريح، وهو معنى القرآن.
الأم (أيضاً) : ما يعتق به الكاتب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كان بيناً في كتاب اللَّه - عز وجل
-: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية، أن الطلاق إنما هو
بإيقاعه بكلام الطلاق المصرح لا التعريض، ولا ما يشبه الطلاق،
هكذا عامة من جمل الفرائض، أحكمت جملها في آية، وأبينت أحكامها
في كتاب، أو سنة، أو إجماع.
الأم (أيضاً) : الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقلت له - أي: للمحاور - الذي ذهب
إليه من
قول اللَّه تبارك وتعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
إنما هو على من عليه العدة؛ لقول اللَّه - عز وجل -:
(طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا
لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا
فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
(3/1205)
فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله.
علمت أن الله تبارك وتعالى إنَّما قصد بالرجعة في العدة قصد
المعتدات، وكان
المفسَّر من القرآن يدل على معنى الجمل، ويفترق بافتراق حالات
المطلقات.
الأم (أيضاً) : باب (الخلاف فيه أي: فيمن دخل في صلاة أو صوم،
هل له قطعهما قبل إتمامهما؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه لة: ولقوله: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ
مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
قالوا: إنَّما أوجب الله المهر والعدة في الطلاق بالمسيس -
وبسط النقاش في المسألة -.
مختصر المزني: (نكاح المتعة والمحلل) من الجامع:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفي القرآن والسنة دليل على تحريم
المتعة، قال اللَّه
تعالى: (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ) الآية، فلم يحرمهن اللَّه على
الأزواج إلا بالطلاق مع أحكام ما بين الأزواج فكان بيناً -
واللَّه أعلم -، أن نكاح المتعة منسوخ بالفرآن والسنة، لأنه
إلى مدة، ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه، ولا فيه أحكام
الأزواج.
مختصر المزني (أيضاً) : من كتاب (اليمين مع الشاهد الواحد) :
أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، عن ليث بن أبي سليم، عن
طاووس، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ليس لها إلا نصف المهر،
ولا عدة
عليها يعني لمن قال الله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ
عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الآية.
(3/1206)
أحكام القرآن: ما يؤثر عنه الشَّافِعِي وفي
خلع الطلاق والرجعة:
قال البيهقي: قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، أخبرنا عبد
الرحمن بن
العباس الشَّافِعِي - قرأت عليه بمصر - قال: سمعت يحيى بن
زكريا، يقول: قرأ علي يونس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في الرجل يحلف بطلاق المرأة قبل أن
ينكحها، قال:
لا شيء عليه، لأني رأيت اللَّه - عز وجل - ذكر الطلاق بعد
النكاح، وقرأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ
وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ
وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ
وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ
النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأحسب قول عائشة رضي اللَّه عنها
أحل له
النساء لقول اللَّه تبارك وتعالى: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ)
إلى قوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
(3/1207)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: نذكر اللَّه -
عز وجل - ما أحل لى، فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن، وذكر بنات
عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، وامرأة مؤمنة إن
وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فدل ذلك على معنيين:
أحدهما: أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له؛ وذلك
أنه
لم يكن عنده - صلى الله عليه وسلم - من بنات عمه، ولا بنات
عماته، ولا بنات خاله، ولا بنات خالاته امرأة، وكان عنده عدد
نسوة.
الثاني: وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره، ومن يائهب
بغير مهر ما حظره على غيره.
الأم (أيضاً) : الكلام الذى ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال عزَّ وجلَّ: (وَامْرَأَةً
مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ
النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَاا) الآية،. ..
فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
دون المؤمنين، والهبة - والله تعالى أعلم - تجمع أن ينعقد له
عليها عقدة النكاح، بأن تهب نفسها له بلا مهر.
الأم (أيضاً) : كتاب (الصداق) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر
فيثبت، فهذا
دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع.
والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم،
(3/1208)
والنكاح ينعقد بغير مهر، استدللنا على أن
العقد يصلح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبداً، فإذا
كان هكذا، فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة
بالكلام، وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت، وعلى أنه لا صداق
على من طلق إذا لم يسمِّ مهراً ولم يدخل؛ وذلك أنه يجب بالعقدة
والمسيس، وإن لم يسم مهراً بالآية، لقول الله - عز وجل -
(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ
إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
يريد - واللَّه تعالى أعلم - النكاح والمسيس بغير مهر.
الأم (أيضاً) : ما جاء في نكاح المشرك:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من
أربع، إلا ما
خص اللَّه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون المسلمين من
نكاح أكثر من أربع يجمعهن، ومن النكاح بغير -، مهر فقال عز
وعلا:
(خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
الأم (أيضاً) : باب (الصوم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أحل اللَّه - عز وجل - له - أي:
لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من عدد النساء ما شاء، وأن
يستنكح المرأة إذا وهبت نفسها له، فقال اللَّه تعالى:
(خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
فلم يكن لأحد أن يقول: قد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- بين
أكثر من أربع، ونكح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة
بغير مهر، وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفياً
(3/1209)
من المغانم وكان لرسول الله - صلى الله
عليه وسلم -؛ لأن الله قد بين في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى
الله عليه وسلم -
أن ذلك له دونهم، وفرض الله تعالى عليه أن يخير أزواجه في
المقام معه والفراق، فلم يكن لأحد أن يقول علي أن أخير امرأتي
على ما فرض اللَّه - عز وجل - على رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -، وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان
قاله:
"لا يمسكن الناس عليَّ بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله،
ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله" الحديث.
الأم (أيضاً) : كتاب (النفقات) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية، -
وذكر آيات النفقات ثم قال -: هذا جملة ما ذكر اللَّه - عز وجل
- من الفرائض بين الزوجين، وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض
الله - عز وجل - للمرأة على الزوج، وللزوج على المرأة، مما
سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه - عز وجل - أن يؤدي كل
ما عليه بالمعروف.
الأم (أيضاً) : جماع عشرة النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فجعل اللَّه للزوج على المرأة، وللمرأة على الزوج حقوقاً
بينهما في كتابه، وعلى لسان نبيه، مفسرة ومجملة، ففهمها العرب
الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم.
(3/1210)
الأم (أيضاً) : النفقة على النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: على الزوج نفقة امرأته وولده
الصغار بالمعروف.
والمعروف: نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه، بُراً كان أو شعيراً
أو ذرة، لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها،
ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك، لقول الله - عزَّ وجلَّ: (قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) الآية،
فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن،
وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
الأم (أيضاً) : القسْمُ للنساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد
الأيام والليالي.
وأن عليه أن يعدل في ذلك، لا أنه مرخص له أن يجوز فيه، فدل ذلك
على أنه إنما أريد به ما في القلوب، مما قد تجاوز الله للعباد
عنه، فيما هو أعظم من الميل على النساء - والله أعلم -.
الأم (أيضاً) : ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء، وما
تحل به الفروح:
أخرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تبارك وتعالى: (قَدْ
عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
فأطلق الله - عزَّ وجلَّ - ما ملكت الأيمان
(3/1211)
فلم يحد فيهن حداً يُنتهي إليه، فللرجل أن
يتسرى كم شاء، ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا، وانتهى ما أحل
اللَّه بالنكاح إلى أربع، ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - المبينة عن اللَّه - عز وجل -، على أن انتهاءه إلى أربع
تحريماً منه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وذلك مفرق في مواضعه في القسم
بينهن والنفقة
والمواريث وغير ذلك.
الأم (أيضاً) : جماع القسم في النساء:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه - عز وجل -:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
ولم أعلم مخالفاً في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن.
وقد بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
كان يقسم فيعدل ثم يقول:
اللهم هدا قَسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك" الحديث.
الأم (أيضاً) : امرأة المفقود:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال اللَّه تبارك وتعالى:
(قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ
وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) الآية.
وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزوج نفقة امرأته.
وحكم اللَّه - عز وجل - بين الزوجين أحكاماً منها: اللعان،
والظهار، والإيلاء، ووقوع الطلاق.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم يختلف المسلمون - فيما علمته -
في أن ذلك
لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر.
(3/1212)
قال الله عزَّ وجلَّ: (تُرْجِي مَنْ
تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ
ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأزواجه:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: ثم جعل له في اللاتي يهبن
أنفسهن له أن يأتهب.
ويترك، فقال: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي
إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فمن اتهب منهن فهي زوجة، لا تحل
لأحد بعده.
ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة، وهي تحل له ولغيره.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ
بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ
أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأزواجه:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: (لَا
يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ
بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا
مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الآية.
(3/1213)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال بعض أهل
العلم أنزلت عليه: (لَا يَحِلُّ لَكَ)
بعد تخييره أزواجه.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن
عائشة
رضي اللَّه عنها أنها قالت: ما مات رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - حتى أحِل له النساء.
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في
قول اللَّه تبارك
وتعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ
تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا
رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ
بَعْدِهِ أَبَدًا)
الأم: ما جاء في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وأزواجه)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما خص اللَّه - عز وجل -،
نبيه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ
أُمَّهَاتُهُمْ) .
(3/1214)
وقال: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا
رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ
بَعْدِهِ أَبَدًا) . الآية.
فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين، ليس هكذا نساء أحد غيره
- صلى الله عليه وسلم -.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
الأم: باب (التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فرض اللَّه - عز وجل - الصلاة على
رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع
أولى منه في
الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
بما وصفت من أن الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فرضٌ
في الصلاة - واللَّه تعالى أعلم -.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني
صفوان بن
سُليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله
عنه - أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟
يعني: في الصلاة، قال: قولوا "اللهم صل على محمد
(3/1215)
وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك
على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، ثم تسلمون عليَّ"
الحديث.
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد
قال: حدثني سعد
ابن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن كعب
بن
عجرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
كان يقول في الصلاة: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما
صليت على إبراهيم وآل ابراهبم، وبارك على محمد وآل محمد.
كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فلما رُوِي أن رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة
لم يجز - والله تعالى أعلم - أن نقول: التشهد واجب، والصلاة
على النبي - صلى الله عليه وسلم - غير
واجبة، والخبر فيهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - زيادة
فرض القرآن.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فعلى كل مسلم وجبت عليه الفرائض،
أن يتعلم
التشهد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن صلى
صلاة لم يتشهد فيها ولم يصلي
(3/1216)
على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحسن
التشهد فعليه إعادتها، وإن تشهد ولم يصل على النبي - صلى الله
عليه وسلم - أو صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم
يتشهد، فعليه الإعادة - حتى يجمعهما جميعاً، وإن كان لا يحسنها
على وجههما أتى بما أحسن منهما، ولم يجزه إلا بأن يأتي باسم
تشهد وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أحسنهما
فأغفلهما، أو عمد تركهما، فسدت صلاته، وعليه الإعادة فيهما
جميعاً.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير
والمعاني في الطهارات والصلوات)
وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني رحمه اللَّه،
أخبرنا أبو سعيد
ابن الأعرابي، أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني.
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: أحبرنا مالك،
عن نعيم بن
عبد اللَّه المجمر - أن محمد بن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري -
وعبد اللَّه بن زيد: هو الذي كان أُرِيَ النداء بالصلاة، أخبره
عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا
اللَّه أن نصلي عليك يا نبي اللَّه؛ فكيف نصلي عليك؟
فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولوا: "اللهم صل على
محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى
آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين. إنك حميد مجيد"
الحديث.
ورواه المزني وحرملة عن الشَّافِعِي، وزاد فيه:
"والسلام كما قد علمتم"
وفي هذا إشارة إلى السلام الذي
(3/1217)
في التشهد، على النبي - صلى الله عليه وسلم
-، وذلك في الصلاة، فيشبه: أن تكون الصلاة التي أمر بها (عليه
الصلاة والسلام) - أيضاً - في الصلاة؛ واللَّه أعلم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: في رواية حرملة - والذي أذهب إليه
- من هذا -
حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه
وسلم -، وإنَّما ذهبت إليه؛ لأني رأيت اللَّه - عز وجل - ذكر
ابتداء صلاته على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأمر المؤمنين
بها، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية.
(3/1218)
|