تفسير الإمام
الشافعي سورة الصافات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ
يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
الأم: اللعان:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: (وقال غيره) سنة رسول اللَّه - صلى
الله عليه وسلم - وجهان:
أحدهما: ما تبين مما في كتاب الله، المبين عن معنى ما أراد
الله يحَملِه خاصاً وعاماً.
والآخر: ما ألهمه اللَّه من الحكمة، وإلهام الأنبياء وحي، ولعل
من حجة من
قال هذا القول أن يقول: قال الله - عزَّ وجلَّ فيما يحكي عن
إبراهيم - عليه الصلاة والسلام: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ
يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) الآية.
فقال غير واحد من أهل التفسير: رؤيا الأنبياء وحي، لقول ابن
إبراهيم الذي أمر بذبحه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
الآية.
ومعرفته أن رؤياه أمرٌ، أُمِرَ به.
(3/1224)
فائدة:
جاء في كتاب - (تهذيب تاريخ دمشق) : رُوِي عن نوح بن حبيب قال:
سعت الشَّافِعِي رحمه الله يقول كلاماً ما سمعت قط أحسن منه،
سمعته -
أى: الشَّافِعِي - يقول: قال إبراهيم خليل الله لولده، وقت ما
قص عليه ما رأى: ماذا ترى؛ أى: ماذا تشير به؟
قال ذلك ليستخرج من هذه اللفظة، ذكر التفويض.
والصبر، والتسليم، والانقياد لأمر اللَّه، لا لمؤامرته له مع
أمر الله، فقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والتفويض: هو الصبر والتسليم، هو
الصبر
والانفباد، هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح - أي: إسماعيل عليه
السلام - جميع ما ابتغاه في هذه اللفظة اليسيرة.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
(139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
الأم: قَسْم النساء إذا حضر السفر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقد ذكر اللَّه - عز وجل - القرعة
في كتابه في موضعين، فكان ذكرها موافقاً ما جاء عن النبي - صلى
الله عليه وسلم -:
1 - قال الله تبارك وتعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
(141) .
(3/1225)
2 - وقال: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس
عليه
السلام، فقالوا: إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه، فيقرع فأيكم خرج
سهمه ألقي، فخرج سهم يونس علبه السلام فألْقِيَ، فالتقمه
الحوت، كما قال تبارك وتعالى، ثم تداركه بعفوه جل وعز.
الأم (أيضاً) : كتاب (القرعة) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تعالى: (وَمَا
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ
يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
(44) .
وقال اللَّه - عز وجل -: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
(141) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأصل القرعة في كتاب اللَّه - عز
وجل - في قصة المقترعين على مريم، والمقارعي يونس مجتمعة، فلا
تكون القرعة - واللَّه أعلم - إلا بين قوم مستوين في الحجة.
(3/1226)
|