تفسير الإمام
الشافعي سورة ص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في حسن مناظرة الشَّافِعِي
وغلبته بالعلم
والبيان. .) :
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ قال: أنباني أبو أحمد (بكر بن
محمد بن حمدان
الصيرفي) بمرو، شفاهاً، وأكثر ظني أن صالحاً بن محمد الحافظ
جزرة، حدثهم
قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
كان الشَّافِعِي رحمه الله يقول: إذا ناظره إنسان في مسألة عدا
منها إلى
غيرها، نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد.
فإذا أكثر عليه قال: مثلك مثل معلم كان بالمدينة يعلم الصبيان
القرآن من كراسة، فأملى على صبي: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ) فقال:
بسؤال، ثم لم يدر ما بعده، فمرَّ رجل فقام إليه فقال: - أصلحك
اللَّه - بسؤال نعجتك أو بعجتك؛ فقال له الرجل: يا أبا عبد
اللَّه، افرغ من سؤال ثم سل عما هو بعده، إنما هو - ويحك -
بسؤال نعجتك.
(3/1227)
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ
الْحِسَابِ (26)
الأم: باب (في الأقضية) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: (يَا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ
الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ
يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا
نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلمَ اللَّه نبيه - صلى الله
عليه وسلم - أن فرضاً عليه، وعلى من قبله، والناس، إذا حكموا
أن يحكموا بالعدل، والعدل: اتباع حكمه المنزَّل.
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله عزَّ وجلَّ: (يَا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) الآية.
وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق، إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق
معلوماً إلا عن اللَّه نصاً أو دلالة، فقد جعل اللَّه الحق في
كتابه، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
(3/1228)
ترتيب مسند الشَّافِعِي في سجود التلاوة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عبدة، عن
زرِّ بن حُبَيش، عن
ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أنه كان لا يسجد في سورة (ص)
ويقول إنَّما هي توبة نبي " الحديث.
أخبرنا ابن عيينة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه
عنهما:
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سجدها: يعنى في (ص)
الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ
وَلَا تَحْنَثْ)
الأم: من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة
سوط.
فجمعها فضربه بها، فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته
كلها، فقد برَّ.
وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر، وإن كان العلم
مغيباً قد
تماسه ولا تماسه، فضرب بها ضربة، لم يحنث في الحكم، ويحنث في
الورع، فإن قال قائل: فما الحجة في هذا؟
قيل: معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة.
أو غير مجموعة، وقد قال اللَّه - عز وجل -: (وَخُذْ بِيَدِكَ
ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ)
(3/1229)
الآية؛ وضرب رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - رجلاً نضواً (1) في الزنا، بأثكال النخل، وهذا شيء
مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته.
__________
(1) النضوُ: المهزول من الإبل وغيره، وقيل: المجهد من السفر،
انظر القاموس المحيط، ص / 1726، والمعجم الوسيط، ص / 929.
(3/1230)
سورة الزمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تبارك وتعالى: (خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
الآية، فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء: من سماء، وأرض، وذي روح.
وشجر وغير ذلك، فالله خلقه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو
الْأَلْبَابِ (9)
الأم: فيمن تجب عليه الصلاة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن غلب على عقله بعارض مرض، أي
مرض
كان، ارتفع عنه الفرض في قوله تعالى: (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي
الْأَلْبَابِ)
(3/1231)
وقوله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو
الْأَلْبَابِ) الآية.
وإن كان معقولاً لا يخاطب بالأمر، والنهي إلا من عقلهما.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو
الْأَلْبَابِ (18)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشافعى - من الإيمان)
:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وفرض اللَّه على السمع أن يتنزه عن
الاستماع إلى ما
حرّم اللَّه، وأن يغضي عما نهى اللَّه عنه، فقال: (فَبَشِّرْ
عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ
اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) .
فذلك ما فرض الله جل ذكره على السمع، من التنزيه عما لا يحل
له.
وهو عمله، وهو من الإيمان.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه سبحانه: (قُرْآنًا
عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الآية.
(3/1232)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام - اللَّه
- عز وجل - حجته بأن كتابه عربي، في كل آية ذكرناها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
انظر تفسير الآية / 5 من سورة الزمر فتفسيرهما واحد، ولا حاجة
للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
الأم: باب (المرتد الكبير)
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا محمد بن إدريس الشَّافِعِي رحمه الله قال: وقال تعالى:
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ
لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ) .
(3/1233)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يشبه - والله
أعلم - أن يكون إذا حقن الدم
بالإيمان، ثم أباحه بالخروج منه، أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل
كافراً
محارباً، وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه، ورجع إلى
الذي أبيح الدم فيه والمال، والمرتد به أكبر حكماً من الذي لم
يزل مشركاً؛ لأن اللَّه أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح
قدَّم - المشرك - قبل شركه، وأن اللَّه جل ثناؤه كَفَّر عمَّن
لم يزل مشركاً ما كان قبله، وأن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أبان أن من لم يزل مشركاً، ثم أسلم كُفِّر عنه ما كان
قبل الشرك، وقال لرجل كان يقدم خيراً في الشرك:
"أسلمت على ما سبق لك من خير" الحديث.
(3/1234)
|