تفسير الإمام
الشافعي سورة غافر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا
تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأعلم عباده، مع ما أقام عليهم من
الحجة، بان
ليس كمثله أحد في شيء، أن علمه بالسر والعلانية واحد، فقال عز
وعلا: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي
الصُّدُورُ) الآية.
مع آيات أخر من الكتاب.
الأم: باب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إن الله - عزَّ وجلَّ حكم على
عباده حُكمين.
حكماً فيما بينهم وبينه: أن أثابهم وعاقبهم على ما أسروا، كما
فعل بهم فيما أعلنوا، وأعلمهم إقامة الحجة للحجة عليهم، وبينها
لهم أنه عَلِم سرائرهم، وعَلِم علانيتهم فقال: (يَعْلَمُ
السِّرَّ وَأَخْفَى) .
وقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي
الصُّدُورُ) الآية.
و خلق - خَلْقُه لا يعلمون إلا ما شاء - عز وجل - وحجب
علم السرائر عن عباده.
(3/1235)
سورة فصلت
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ (2)
الأم: سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: أخبرنا هشيم عن شعبة، عن
عاصم، عن
زر، عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود (الم (1)
تَنْزِيلٌ)
و (حم (1) تَنْزِيلٌ) ، و (النجم) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم - أي: المحاوَرِين - نقول بهذا، نقول في
القرآن عدد سجود مثل هذه. ..
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا
صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ)
الأم: كتاب (العيدين) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا من لا أتهم، أخبرنا العلاء
بن راشد، عن
عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ما هبت ريح قط إلا
جثا النبي - صلى الله عليه وسلم -
(3/1236)
على ركبتيه وقال: "اللهم اجعلها رحمة ولا
تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً" الحديث.
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما في كتاب اللَّه:
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا) الآية.
أخبرنا من لا أتهم قال: أخبرني صفوان بن سليم قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها" الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا
لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا
فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
الأم: كتاب (صلاة الكسوف) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه تبارك تعالى:
(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ
وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ
عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) .
(3/1237)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر الله -
عزَّ وجلَّ الآيات، ولم يذكر معها سجوداً إلا مع الشمس والقمر،
وأمر بأن لا يُسجَد لهما، وأمر بأن يُسجَد له، فاحتمل أمره أن
يُسجد له عند ذكر الشمس والقمر، بأن يأمر بالصلاة عند حادث في
الشمس والقمر، واحتمل أن يكون إنَّما نهي عن السجود لهما، كما
نهي عن عبادة ما سواه، فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - على أن يصلى لله عند كسوف الشمس والقمر
فأشبه ذلك معنيين:
أحدهما: أن يصلى عند كسوفهما لا يختلفان في ذلك، وأن لا يؤمر
عند كل آية كانت في غيرهما بالصلاة، كما أمر بها عندهما؛ لأن
الله تبارك وتعالى لم يذكر في شيء من الآيات صلاة، والصلاة في
كل حال طاعة لله تبارك وتعالى، وغبطة لمن صلاها.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فيُصلى عند كسوف الشمس والقمر صلاة
جماعة.
ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرها.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا
يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ
خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وأنزل الله عليه كتابه فقال:
(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ
حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) .
فنقلهم من الكفر والعَمَى، إلى الضياء والهدى، وبين فيه ما أحل
منًّا بالتوسعة على خلقه،
(3/1238)
وما حرّم: لما هو أعلم به من حظهم في الكف
عنه في الآخرة والأولى. وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل،
وإمساك عن محارم حماهُمُوها، وأثابهم على طاعته من الخلود في
جنته، والنجاة من نعمته: ما عظمت به نعمتُه جل ثناؤه وأعلمهم
ما أوجب على أهل معصيته من خلاف ما أوجب لأهل طاعته..
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا
أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ
أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأقام اللَّه سبحانه حجته بأن
كتابه عربي، في كل آية
ذكرناها، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه - جل ثناؤه - كل لسان غير
لسان العرب في آيتين من كتابه:
1 - فقال تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ
يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي
يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ
مُبِينٌ (103) .
2 - وقال: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا
لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ
وَعَرَبِيٌّ) الآية.
(3/1239)
|