تفسير الإمام
الشافعي سورة الشورى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ
حَوْلَهَا)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه عز شانه: (لِتُنْذِرَ
أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وفيها قومه.
الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن
لسانه لسانُ
النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز - واللَّه أعلم - أن
يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل
كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه.
وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه - منها -: وقال:
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.
(3/1240)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه
تعالى: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)
وأم القرى: مكة، وهي بلده وبلد قومه، فجعلهم في كتابه خاصة.
وأدخلهم مع المنذرين عامة، وقضى أن ينذروا بلسانهم العربي:
لسان قومه
منهم خاصة.
أحكام القرآن: فصل: (فيما ذكره الشَّافِعِي رحمه الله في
التحريض على تعلم
أحكام القرآن) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ
الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الآية.
فأقام حجته بأن كتابه عربي، ثم أكَّد ذلك بأن نفى عنه كل لسان
غير لسان العرب.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - في
الإيمان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى
السماوات.
فهو - الله تعالى - على العرش كما أخبر بلا كيف، بائن من خلقه،
غير مُمَاسٍّ من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ
السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الآية.
(3/1241)
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ)
الأم: باب (المشاورة) :
انظر تفسير الآية / 159 من سورة آل عمران فتفسيرهما واحد، ولا
حاجة
للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ
اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ
يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)
الأم: من قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني:
انظر تفسير الآية / 94 من سورة التوبة فقد ورد تفسيرهما مع هذه
الآية.
ولا حاجة للتكرار.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا
مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا
الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ
نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)
(3/1242)
وقال عزَّ وجلَّ: (صِرَاطِ اللَّهِ)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ثم مَنَّ - اللَّه - عز وجل -
عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وأن لا
يتولوا غيره إلا بما علَّمهم، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم
-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا
مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) الآية.
الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل الخيل:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك افترض عليه، قال اللَّه - عز
وجل -: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه، وشهد له أنه على صراط
مستقيم، وكذلك قال:
(وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ
عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
الآية.
فأخبر - اللَّه - أنه فرض عليه اتباع ما أنزل الله، وشهد له
بأنه
هادٍ مهتدٍ، وكذلك يشهد له قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا يمسكنَّ الناس علي بشيء. . ." الحديث.
فإن اللَّه أحل له أشياء حظرها على غيره.
(3/1243)
الأم (أيضاً) : الإقرار والاجتهاد والحكم
بالظاهر:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب
اللَّه أو سنة
رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الذي قد عصمه الله من الخطأ،
وبرَّأه منه، فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ) الآية.
فأما من كان رأيه خطأ أو صواباً فلا يؤمر أحد باتباعه، ومن قال
للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل، فقد أمر
باتباع من يمكن منه الخطأ، وأقامه مقام رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - الذي فرض اللَّه اتباعه.
فإن كان قائل هذا ممن بعقل ما تكلم به، فتكلم به بعد معرفة
هذا، فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبياً عُلِّم هذا حتى
يرجع.
مختصر المزني: كتاب اختلاف الحديث - المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وشهد - اللَّه تعالى - له باتباعه،
فقال جل ثناؤه:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ
اللَّهِ) الآيتان.
فأعلمَ اللَّه خلقه أنه يهديهم إلى صراطه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فتفام سنة رسول اللَّه، مع كتاب
الله جل ثناؤه مقام
البيان عن اللَّه عدد فرضه، كبيان ما أراد بما أنزل عامًّا -
العام أراد به أو الخاص - وما أنزل فرضاً، وأدباً، وإباحة
وإرشاداً، إلا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه يخالف كتاب اللَّه
في حال؛ لأن اللَّه جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدي إلى
صراط مستقيم، صراط الله، ولا أن شيئاً من سنن رسول اللَّه ناسخ
لكتاب اللَّه، لأنه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن
مثله، والسنة تبع للقرآن، وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب
اللَّه بعض ما حضرني، مما يدل على مثل معناه إن شاء الله - ثم
ذكر أمثلة على ذلك -.
(3/1244)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فليست تنزيل بأحدٍ من أهل دين الله
نازلة إلا وفي
كتاب اللَّه الدليل على سبيل الهدى فيها - ثم ذكر آيات تدل على
ذلك، ومنها - وقال الله تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
الرسالة (أيضاً) : باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله
اتباع ما أوحى
إليه، وما شهد له به من اتباع ما أُمر به) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما
أمره به، والهدى
في نفسه، وهداية من اتبعه، فقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما سنَّ رسول الله فيما ليس لله
فيه حكم.
فبحكم اللَّه سنَّهُ.
وكذلك أخبرنا اللَّه في قوله:
(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ
اللَّهِ)
الآيتان.
(3/1245)
سورة الزخرف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ (3)
الرسالة: باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وأولى الناس بالفضل في اللسان، مَن
لسانُه لسانُ
النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز - والله أعلم - أن يكون
أهل لسانه اتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرفٍ واحدٍ، بل كل
لسانٍ تبَعٌ للسانه وكل أهل دين قَبلَهُ فعليهم اتباع دينه،
وقد بين اللَّه في غير آية من كتابه - منها - وقال: (حم (1)
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا
عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) .
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا
وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
السنن المأثورة: الدعاء عند ركوب الدابة
أخبرنا أحمد قال: حدثنا المزني قال:
(3/1246)
حدثنا الشَّافِعِي - رحمه الله - عن سفيان
قال: قلت لابن عباس رضي اللَّه
عنهما، ما كان أبوك يقول إذا ركب الدابة؟
قال: كان يقول: اللهم إن هذا من رزقك، ومن عطائك، فلك الحمد
ربنا على نعمتك: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا
كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى
أُمَّةٍ)
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير
والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه (بالدَّامغان) ،
أخبرنا الفضل
ابن الفضل الكندي، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال: سمعت أبا
عبد اللَّه
(ابن أخي ابن وهب) يقول:
سمعت الشَّافِعِي وحمه اطُه يقول: الأمَّة على ثلاثة وجوه:
1 - قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)
قال: على دِين.
2 - قوله تعالى: (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)
قال: بعد زمان.
3 - وقوله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا
لِلَّهِ)
قال: معلماً.
(3/1247)
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ
مُقْتَدُونَ (23)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذكر الله لنبيه - صلى الله عليه
وسلم - جواباً من جواب بعض من عَبَدَ غيره من هذا الصنف، فحكى
جل ثناؤه عنهم قولهم: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى
أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الآية.
أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير
والمعاني في آيات متفرقة) :
انظر تفسير الآية / 22 من السورة نفسها (الآية السابقة) فلها
متعلق بما ورد
هنا.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ
إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
الأم: كتاب (إبطال الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه للُه: أعلم نبيه بما فرض من اتباع كتابه،
فقال: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) الآية.
(3/1248)
الأم (أيضاً) : سهم الفارس والراجل وتفضيل
الخيل) :
قال الشَّافِعِي - رحمه الله -: وكذلك افترض - الله - عليه،
قال الله - عزَّ وجلَّ -:
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
ففرض عليه الاستمساك بما أوحى إليه، وشهد له أنه على صراط
مستقيم.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ
وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
الرسالة: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَإِنَّهُ
لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) .
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد
رحمه الله، في قوله: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)
الآية.
قال: يُقال: ممن الرجل؟
فيقال: من العرب، فيقال: من أي العرب؛ فيقال: من قريش.
قال الشَّافِعِي - رحمه الله - وما قال مجاهد من هذا بيْن في
الآية، مستغنى عنه
بالتنزيل عن التفسير.
الرسالة (أيضاً) : باب (البيان الخامس) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكان مما عرَّف الله نبيه - صلى
الله عليه وسلم - إنعامه أن قال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ
وَلِقَوْمِكَ) الآية.
فخص قومه بالذكر معه بكتابه.
(3/1249)
مناقب الشَّافِعِي: باب (ما جاء في قول
الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) :
أخبرنا أبو طاهر (محمد بن محمد الفقيه) حدثنا أبو بكر (محمد بن
عمر بن
حفص) الزاهد، حدثنا حمدون السِّمسَار، حدثنا الأزرق بن علي،
حدثنا حسان ابن إبراهيم الكَرْمَاني، حدثنا سفيان الثوري، عن
موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قَتَّة، عن ابن عباس رضي
اللَّه عنهما في قوله - عز وجل -: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ
وَلِقَوْمِكَ) الآية.
قال: شرف لك ولقومك.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ (86)
الأم: الخلاف في اليمين مع الشاهد:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فقلت له - أي: للمحاور -: الشهادة
على علمه
أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه، أو يراها، أو
اليمين.
قال - أي: المحاور -: كل لا ينبغي إلا هكذا، وإن الشهادة
لأَولاهما أن لا
يشهد منها إلا على ما رأى، أو سمع.
قلتُ: لأن اللَّه - عز وجل - حكى عن قوم أنهم قالوا:
(وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا)
وقال: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
الآية.
قال نعم.
(3/1250)
الأم: (أيضاً) : باب (التحفظ في الشهادة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه - عز وجل -: (إِلَّا
مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
أخبرنا الربيع قال:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ولا يسع شاهداً أن يشهد إلا بما
عَلِمَ، والعلم من
ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة.
الوجه الثاني: ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعاً من المشهود
عليه.
الوجه الثالث: ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في
أكثره العيان.
وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد على هذا الوجه.
(3/1251)
سورة الجاثية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ
الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ (18)
الرسالة: باب (ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما
أوحى إليه) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال اللَّه تعالى:
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ
فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ)
فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع أمره، وشهد له بالبلاع
عنه وشهد به لنفسه، ونحن نشهد له به تقرباً إلى الله بالإيمان
به، وتوسلاً إليه بتصديق كلماته.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا
الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا
الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا
يَظُنُّونَ (24)
مناقب الشافعى: باب (ما يستدل به على معرفة الشافعى بمعاني
أخبار رسول
الله - صلى الله عليه وسلم) :
وقرأت - القول: للبيهقي - في كتاب أبي منصور الحمشاذي، أنبأنا
أبو
علي الماسَرْجسِي قال: أخبرنا أبو بكر (أحمد بن مسعود) ، قال:
حدثنا يحيى بن أحمد بن أخي حرملة قال: حدثنا عمي قال:
(3/1252)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقول عز وجل:
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ
وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ
بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" الحديث.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: إنَّما تأويله - واللَّه أعلم - أن
العرب كان من شأنها
أن تذمَّ الدهرَ، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم: من موت،
أو هدم، أو تلف مال أو غير ذلك، وتسب الليل والنهار - وهما:
الجديدان، والفتيان - ويقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم
الدهر، وأتى عليهم؛ فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"لا تسبوا الدهر ... " الحديث.
على أنه الذي يفعل بكم هذه الأشياء؛ فإنكم إن سببتم فاعل هذه
الأشياء، فإنما تسبون اللَّه - عز وجل -، فإن اللَّه تعالى
فاعل هذه الأشياء.
(3/1253)
|