تفسير الإمام الشافعي

سورة العلق
بسم اللَّه الرحمن الرحبم
قال الله عزَّ وجلَّ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
الأم: باب (سجود التلاوة والشكر) :
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي رحمه الله - نعليفاً قال -: هشيم، عن شعبة، عن
عاصم، عن زر، عن علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود
(الم (1) تَنْزِيلُ) و (وَالنجم) ، و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.
الأم (أيضاً) : مبتدأ التنزيل والفرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى الناس:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال - واللَّه تعالى أعلم -: إن أول ما أنزل اللَّه - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الآية.

(3/1448)


قال الشَّافِعِي رحمه الله: لما بعث الله تعالى محمداً - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه فرائضه كما شاء، لا معقب لحكمه، ثم أتبَعَ كل واحداً منها فرضاً بعد فرض، في حينٍ غير حين الفرض قبله.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ويقال - والله تعالى أعلم -: إن أول ما أنزل الله
عليه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الآية وما بعدها.
ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن: يدعو إلبه المشركين، فمرَّت لذلك مدة.
الأم (أيضاً) : سجود القرآن:
أخبرنا الربيع قال:
أخبرنا الشَّافِعِي قال: أخبرنا هشيم، عن شعبة، عن عاصم، عن زر، عن
علي - رضي الله عنه - قال: عزائم السجود (الم (1) تَنْزِيلُ)
و (حم (1) تَنْزِيلٌ) و (النجم) : و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)
ولسنا وإياهم نقول بهذا، نقول في القرآن عدد سجود مثل هذه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
الأم: باب (الذكر في السجود) :
أخبرنا الربيع قال:

(3/1449)


أخبرني الشَّافِعِي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد قال: "أقرب ما يكون العبد من الله - عزَّ وجلَّ إذا كان ساجداً، ألم تر إلى قوله عز ذكره: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) الآية.
يعني: افعل واقرب"، الحديث.
ويشبه ما قال مجاهد - واللَّه تعالى أعلم - ما قال.

(3/1450)


سورة القدر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
آداب الشَّافِعِي: باب (في الصوم) :
أخبرنا أبو محمد (عبد الرحمن) قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال:
سمعت الشَّافِعِي يقول: قال ربيعة (يعني: ابن أبي عبد الرحمن) من أفطر
يوماً - من شهر رمضان - قضى اثني عشر يوماً، لأن الله تعالى اختار شهراً
من اثني عشر شهراً!
قال الشَّافِعِي رحمه الله: يقال له: قال اللَّه - عز وجل -:
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) الآية.
فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه: أن يصلي ألف شهر.
على قياس قوله!

(3/1451)


سورة البينة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
الأم: باب (حكاية قول من ردَّ خبر الخاصة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قلت - أي: للمحاور - الاختلاف وجهان:
الأول: فما كان لله فيه نص حكم، أو لرسوله سنة، أو للمسلمين فيه
إجماع، لم يَسع أحداً علم من هذا واحداً أن يخالفه.
الثاني: وما لم يكن فيه من هذا واحد، كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب
الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة، فإذا اجتهد من له أن يجتهد، وَسِعَه أن يقول بما وجد الدلالة عليه، بأن يكون في معنى كتاب، أو سنة، أو إجماع، فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين؛ فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيءٍ، وغيره بخلافه، وهذا قليل إذا نظر فيه.
قال: فما حجتك فيما قلت؟
قلت له: الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع.

(3/1452)


قال: فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف.
قلت له: قال الله - عزَّ وجلَّ -:
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) الآية.
وقال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ)
فإنما رأيت اللَّه ذم الاختلاف في موضع الذي أقام عليهم الحجة، ولم يأذن
لهم فيه.
قال: قد عرفتُ هذا، فما الوجه الذي دلك على أنَّ ما ليس فيه نص حكم
وُسِّعَ فيه الاختلاف؟
فقلت له: - قد - فرض الله على الناس التوجه في القبلة
إلى المسجد الحرام. ..
الأم (أيضاً) : باب (إبطال الاستحسان)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فإن قيل: ذم الله تعالى على الاختلاف.
قيل: الاختلاف وجهان:
الأول: فما أقام اللَّه تعالى به الحجة على خلقه حتى يكونوا على بينة
منه ليس عليهم إلا اتباعه، ولا لهم مفارقته، فإن اختلفوا فيه فذلك الذي ذم الله عليه، والذي لا يحل الاختلاف فيه.
فإن قال: فأين ذلك؟
قيل: قال اللَّه تعالى:
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) الآية.
فمن خالف نص كتاب لا يحتمل التأويل.
أو سنة قائمة، فلا يحلُّ له الخلاف، ولا أحسبه يحل له خلاف جماعة الناس، وإن لم يكن في قولهم كتاب أو سنة.
ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد، فذهب إلى

(3/1453)


معنى يحتمل ما ذهب إليه، ويكون عليه دلائل لم يكن في ضيق من خلافٍ لغيره، وذلك كتاباً نصاً ولا سنة قائمة ولا أنه لا يخالف حينئذ.
الثاني: ومن خالف في أمر له فيه الاجتهاد، فذهب إلى معنى يحتمل ما
ذهب إليه، ويكون عليه دلائل لم يكن في.،. من خلاف لغيره، وذلك أنه لا يخالف حينئذ كتاباً نصاً، ولا سنة قائمة، ولا جماعة، ولا قياساً، بأنه إنما نظر في القياس، فأداه إلى غير ما أدى صاحبه إليه القياس، كما أداه في التوجه للبيت بدلالة النجوم إلى غير ما أدى إليه صاحبه.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)
الأم: باب "أصل فرض الصلاة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) الآية.
مع عدد آي فيه ذكر فرض الصلاة.
الأم (أيضاً) : كتاب (الزكاة) :
أخبرنا الربيع بن سليمان قال:

(3/1454)


أخبرنا محمد بن إدريس المطلبي الشَّافِعِي رحمه الله قال: قال اللَّه - عز وجل -: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فأبان الله - عزَّ وجلَّ أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.
الأم (أيضاً) : كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وقول أبي بكر:
"لا تفرقوا بين ما جمع الله"
يعني: فيما أرى - والله تعالى أعلم - أنه مجاهدهم على الصلاة، وأن الزكاة مثلها، ولعل مذهبه فيه، أن اللَّه - عز وجل - يقول: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية.
وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق، والصلاة، والزكاة، وأنه متى منع فرضاً قد لزمه لم يُترَك ومَتعِه، حتى يؤديه أو يقتل.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فسار إليهم أبو بكر - رضي الله عنه - بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله، معه عمر وعامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم أمضى أبو بكر - رضي الله عنه - خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في قتال من ارتد، ومن منع الزكاة معاً، فقاتلهم بعوامٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله - عز وجل - عليه، فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله.

(3/1455)


أحكام القرآن: فصل (فيما يؤثر عنه - الشَّافِعِي - من التفسير والمعاني في آيات متفرقة) :
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي حسين، أخبرنا
عبد الرحمن بن محمد الحنظلي، أخبرنا أبو عبد الملك بن عبد الحميد الميموني.
حدثني أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشَّافِعِي قال:
سمعت أبي يقول ليلة (للحميدي) : ما يُحَجُّ عليهم (يعني: على أهل
الإرجاء) بآية أحجُّ من قوله - عز وجل -:
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) الآية.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
الأم: المكاتب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: والخير كلمة يُعرَف ما أريد منها بالمخاطبة بها.
قال الله - عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) الآية.
فعقلنا أنهم: خير البرية بالإيمان وعمل الصالحات لا بالمال.

(3/1456)


سورة الزلزلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
مختصر المزني: ومن كتاب (الأمالي) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن
أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ في السفر، أحسبه قال (في العتمة) : (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)
فقرأ بأم القرآن فلما أتى عليها قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قال: فقلت: (إِذَا زُلْزِلَتِ)
فقال: (إِذَا زُلْزِلَتِ) - يعني: فقرأ سورة الزلزلة -، الحديث.
* * *
قال الله عزَّ وجلَّ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
الأم: باب (الوصية بجزء من ماله) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وجدت قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
فكان مثقال ذرة قليلاً، وقد

(3/1457)


جعل الله تعالى لها حكماً يرى في الخير والشر، ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء، يقضي بأدائه على من أخذه غصباً، أو تعدياً، أو استهلكه
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت ربع دينار قليلاً، وقد يُقطع فيه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ووجدت مائتي درهم قليلاً وفيها زكاة، وذلك قد
يكون قليلاً، فكل ما وقع عليه اسم قليل، وقع عليه اسم كثير.
الأم (أيضاً) : الإقرار والمواهب:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وهكذا إذا قال: له على مال.
قيل له: أقِر بما شئت؛ لأن كل شيء يقع عليه اسم مال: وهكذا إذا قال: له على مال كثير، أو مال عظيم.
فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟
قيل قد ذكر الله - عز وجل - العمل، فقال: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
فإذا كوفئ على مثقال ذرة في الخير والشر كانت عظيماً، ولا شيء من المال أقل من مثقال ذرة.
فأما من ذهب إلى أنه يقضي عليه بما تجب فيه الزكاة، فلا أعلمه ذهب إليه
خبراً، ولا قياساً، ولا معقولاً، ورأيت مسكيناً يرى الدرهم عظيماً، فقال لرجل: عليَّ مال عظيم، ومعروف منه أنه يرى الدرهم عظيماً، أجبره على أن يعطيه مائتي درهم! ، أو رأيت خليفة أو نظيراً للخليفة يرى ألفَ ألف قليلاً، أقر لرجل فقال له: عليَّ مال عظيم كم ينبغي أن أعطيه من هذا؟
فإن قلت مائتي درهم، فالعامة تعرف أن قول (هذا عظيم) مما يقع في القلب كثر من ألف ألف درهم.
فتعطي منه التافه، فتظلم في معنى قولك المقر له، إذا لم يك عندك فيه محمل إلا كلام الناس، وتظلم المسكين المقر - له - الذي يرى الدرهم عظيماً.

(3/1458)


مختصر المرني: ومن كتاب إيجاب الجمعة) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني عمرو - رضي الله عنه - أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - خطب يوماً فقال في خطبته: "ألا إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق يمضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، أو وإن الشر بحذافيره في النار، ألا فأعلموا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكلم معروضون على أعمالكم: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) "
الحديث.
مختصر المزني (أيضاً) : مقدمة (اختلاف الحديث)
قال الشَّافِعِي رحمه الله: فذهب بعض أصحابنا إلى أن ابن عمر رضي اللَّه
عنهما قال: لا يحج أحد عن أحدٍ، فرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله له المرء إلا عن نفسه، وتأول قول اللَّه - عز وجل -: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) .
وتأويل: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
وقال: السعي: العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه؛ إلا أن
الذي روى هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن يُثبت أهل الحديث حديثهم، وأن الله فرض طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ليس لأحد خلافه، ولا التأول معه؛ لأنه المنزل عليه الكتاب، المبين عن اللَّه معناه، وأن اللَّه جل ثناؤه يعطي خلقه بفضله
ما ليس لهم، وأن ليس في أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قال بخلافه حجة، وأن عليه - أن لو علم هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له - اتباعه، قال: هذه الحجة عليه.

(3/1459)


مختصرالمزني (أيضاً) : باب (في بكاء الحي على الميت) :
في الرد على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "ان الميت ليعذب ببكاء
أهله عليه.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وما روت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه" الحديث.
أشبه أن يكون محفوظاً عنه - صلى الله عليه وسلم - بدلالة الكتاب، ثم السنة
فإن قيل فأين دلالة الكتاب؟
قيل: في قوله - عز وجل -:
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الآية
وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8، وقوله:
(لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) .
الرسالة: باب (الاستحسان) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: قال الله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) .
فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير أحمد، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر أعظم في المأثم.

(3/1460)


سورة العصر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
المجموع: المقدمة:
قال الشَّافِعِي رحمه الله: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة
لكفتهم.
قال الشَّافِعِي رحمه اللَّه: الناس في غفلة عن هذه السورة: (وَاَلعَصر. .) .

(3/1461)