تفسير البغوي
إحياء التراث الم (1) ذَلِكَ
الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
2- سُورَةِ الْبَقَرَةِ
[سُورَةُ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ مِائَتَانِ
وَثَمَانُونَ وَسَبْعُ آيَاتٍ] [1]
[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ (2)
الم قَالَ الشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ: الم وَسَائِرُ حُرُوفِ
الْهِجَاءِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ
الَّذِي اسْتَأْثَرَ الله بِعِلْمِهِ، وَهِيَ سِرُّ
الْقُرْآنِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِظَاهِرِهَا وَنَكِلُ
الْعِلْمَ فِيهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفَائِدَةُ
ذِكْرِهَا طَلَبُ الْإِيمَانِ بِهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [2] :
فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ وَسِرُّ الله فِي الْقُرْآنِ
أَوَائِلُ السُّوَرِ.
وَقَالَ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] : أَنَّ لِكُلِّ
كِتَابٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ هَذَا الْكِتَابِ حُرُوفُ
التَّهَجِّي.
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: كُنْتُ أَسْأَلُ
الشَّعْبِيَّ عَنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ فَقَالَ: يَا دَاوُدُ
إِنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ سِرًّا وَإِنَّ سِرَّ الْقُرْآنِ
فَوَاتِحُ السُّوَرِ فَدَعْهَا، وَسَلْ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: [هِيَ] [3] مَعْلُومَةُ الْمَعَانِي،
فَقِيلَ: كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا مِفْتَاحُ اسْمٍ مِنْ
أَسْمَائِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كهيعص (1) [مريم:
1] ، الكاف من كاف، وَالْهَاءُ مِنْ هَادٍ وَالْيَاءُ مِنْ
حَكِيمٍ [4] وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ وَالصَّادُ مِنْ
صَادِقٍ، وَقِيلَ فِي المص (1) [الأعراف: 1] أَنَا اللَّهُ
الْمَلِكُ الصَّادِقُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِي
الم: الْأَلِفُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّهِ وَاللَّامُ
مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّطِيفِ وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ
الْمَجِيدِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الْأَلِفُ آلَاءُ اللَّهِ
وَاللَّامُ لُطْفُهُ وَالْمِيمُ مُلْكُهُ، وَرَوَى سَعِيدُ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى الم
أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَعْنَى المص أَنَا اللَّهُ
أَعْلَمُ وأفضل، وَمَعْنَى الر: أَنَا اللَّهُ أَرَى،
وَمَعْنَى المر [الرعد: 1] أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرَى.
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ
حَرْفًا مِنْ كَلِمَةٍ تُرِيدُهَا كقولهم:
قلت لها قفي فقالت [5] قَافْ
أَيْ: وَقَفْتُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هِيَ أَسْمَاءُ الله
تعالى مقطعة لو أحسن النَّاسُ تَأْلِيفَهَا لَعَلِمُوا اسْمَ
اللَّهِ الْأَعْظَمَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ المر وَحم
وَن فَتَكُونُ الرَّحْمَنَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا إِلَّا
أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى وَصْلِهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ الْحُرُوفُ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ،
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ أَسْمَاءُ السُّوَرِ،
وبيانه أن
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط وحده «حليم» .
(5) زيد في المطبوع وحده «في» . [.....]
(1/80)
الْقَائِلَ إِذَا قَالَ قَرَأْتُ المص
عَرَفَ السَّامِعُ أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ الَّتِي
افْتُتِحَتْ بِالمص.
وَرُوِيَ عَنِ ابن عباس: أَنَّهَا أَقْسَامٌ، وَقَالَ
الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ
لِشَرَفِهَا وفضلها لأنها مباني كتبه المنزلة ومبادئ أسمائه
الحسنى.
ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)
قوله: ذلِكَ الْكِتابُ أَيْ: هَذَا الْكِتَابُ وَهُوَ
الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: هَذَا فِيهِ مُضْمَرٌ أَيْ هَذَا ذَلِكَ
الْكِتَابُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَ
نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْزِلَ
عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ
كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَلَمَّا أَنْزَلَ [1] الْقُرْآنَ قَالَ:
هَذَا ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِي وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْزِلَهُ
عَلَيْكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَعَلَى لِسَانِ
النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِكَ، وَهَذَا لِلتَّقْرِيبِ وَذَلِكَ
لِلتَّبْعِيدِ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ
قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ سُوَرًا كَذَّبَ بِهَا
الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ:
ذَلِكَ الْكِتَابُ يَعْنِي مَا تقدم [سورة] [2] الْبَقَرَةَ
مِنَ السُّوَرِ، لَا شَكَّ فِيهِ، وَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ
وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ كَمَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ
[خَلْقٌ] [3] ، وَهَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ فُلَانٍ، [أَيْ]
[4] : مضروبه، وأصل الكتاب الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَيُقَالُ
لِلْجُنْدِ كَتِيبَةٌ، لِاجْتِمَاعِهَا وَسُمِّيَ الْكِتَابُ
كِتَابًا لِأَنَّهُ جمع حرف إلى أحرف. قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا
رَيْبَ فِيهِ، أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ من عند الله
وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ
بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ: لَا ترتابوا فيه لقوله تَعَالَى:
فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [الْبَقَرَةِ: 197] ، أَيْ: لَا
تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ فِيهِ
بِالْإِشْبَاعِ فِي الْوَصْلِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَاءِ
كِنَايَةٍ [5] قَبْلَهَا سَاكِنٌ يُشْبِعُهَا وَصْلًا مَا لَمْ
يَلْقَهَا [6] سَاكِنٌ، ثُمَّ إِنْ كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ
الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء، وإن كان غيرها يُشْبِعُهَا
بِالضَّمِّ وَاوًا، وَوَافَقَهُ حَفْصٌ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ
مُهاناً [الْفُرْقَانِ: 69] فأشبعه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، يُدْغِمُ الْغُنَّةَ
عِنْدَ اللَّامِ وَالرَّاءِ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ
وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، زَادَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
عِنْدَ الْيَاءِ، وَزَادَ حَمْزَةُ عِنْدَ الْوَاوِ،
وَالْآخَرُونَ لَا يُدْغِمُونَهَا، وَيُخْفِي أَبُو جَعْفَرٍ
النُّونَ وَالتَّنْوِينَ عِنْدَ الْخَاءِ وَالْغَيْنِ، هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ: هُوَ هُدًى، أَيْ: رُشْدٌ وَبَيَانٌ
لِأَهْلِ التَّقْوَى، وَقِيلَ:
هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: هَادِيًا تَقْدِيرُهُ لَا
رَيْبَ [7] فِي هِدَايَتِهِ لِلْمُتَّقِينَ، وَالْهُدَى مَا
يَهْتَدِي بِهِ الْإِنْسَانُ، لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ: للمؤمنين
قال ابن عباس: الْمُتَّقِي مَنْ يَتَّقِي الشِّرْكَ
وَالْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ
الِاتِّقَاءِ، وأصله الحجز بين شيئين، وَمِنْهُ يُقَالُ:
اتَّقَى بِتُرْسِهِ أَيْ: جَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ نَفْسِهِ
وَبَيْنَ ما يقصده.
ع «34» وَفِي الْحَدِيثِ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ [8] الْبَأْسُ
اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.
__________
34- صحيح. هو طرف حديث أخرجه مسلم 1776 ح 79 والبيهقي في
«الدلائل» (5/ 134- 135) عن البراء به. وفيه «إذا احمرّ البأس»
بدل «إذا اشتد» .
- وله شاهد من حديث علي أخرجه أحمد 1/ 86 وأبو الشيخ في «أخلاق
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ص (57) وأبو
يعلى 302 و412 وإسناده صحيح.
(1) زيد في المطبوع وحده «الله» والمثبت عن المخطوط وط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) زيد في المطبوع.
(5) في المطبوع كتابة.
(6) في المطبوع «يلها» .
(7) زيد في المطبوع «فيه» .
(8) في المطبوع «اشتد» .
(1/81)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ (3)
ي: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ جَعَلْنَاهُ
حَاجِزًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، [فَكَأَنَّ
الْمُتَّقِي يَجْعَلُ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ
وَالِاجْتِنَابَ عما بهاه حَاجِزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْعَذَابِ] [1] ، قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [رَضِيَ
اللَّهُ عنه] لكعب الأحبار: حدثنا عن اتقون، فَقَالَ: هَلْ
أَخَذْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَمَا
عَمِلْتَ فِيهِ؟ قَالَ: حَذِرْتُ وَشَمَّرْتُ [2] ، قال كعب
[3] : وذلك التقوى، [وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: التَّقْوَى أَنْ
لَا تَرَى نَفْسَكَ خَيْرًا مِنْ أحد. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ: التَّقْوَى تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَعْدَ
ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ، وَقِيلَ: هُوَ
الِاقْتِدَاءُ [4] بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم.
ع «35» وَفِي الْحَدِيثِ: «جِمَاعُ التَّقْوَى» فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ»
[النَّحْلِ: 90] الْآيَةَ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ:
الْمُتَّقِي الَّذِي يَتْرُكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حذرا مما به
بأس، وَتَخْصِيصُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفٌ لَهُمْ
أو لأنهم هم المنتفعون بالهدى] [5] .
[سورة البقرة (2) : آية 3]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ مَوْضِعُ الَّذِينَ
خَفْضٌ، نَعْتًا لِلْمُتَّقِينَ (يُؤْمِنُونَ) يصدقون، ويترك
همزه أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ، وَالْآخَرُونَ يَهْمِزُونَهُ،
وَكَذَلِكَ يَتْرُكَانِ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ هِيَ فَاءُ
الْفِعْلِ [نَحْوَ] [6] يُؤْمِنُ وَمُؤْمِنٌ إِلَّا أَحْرُفًا
مَعْدُودَةً، وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ
بِالْقَلْبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ
لَنا [يُوسُفَ: 17] أَيْ: بِمُصَدِّقٍ لَنَا.
وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ: الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ
وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلُ بِالْأَرْكَانِ،
فَسُمِّيَ الْإِقْرَارُ وَالْعَمَلُ إِيمَانًا لِوَجْهٍ مِنَ
الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ، وَالْإِسْلَامُ
هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ فَكُلُّ إِيمَانٍ إِسْلَامٌ
وَلَيْسَ كُلُّ إِسْلَامٍ إِيمَانًا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ
تَصْدِيقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا
[الْحُجُرَاتِ: 14] ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يكون
[مسلما] [7] فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُصَدِّقٍ فِي الباطن ويكون
مُصَدِّقًا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ في الظاهر، وقد
اختلف [في] [8] جَوَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْهُمَا [9] حِينَ سَأَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وَهُوَ مَا:
«36» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
مُحَمَّدِ [بْنِ عَلِيِّ بْنِ] ...
__________
35- لا أصل له في المرفوع، وإنما هو من كلام بعض أهل التفسير،
ويأتي في سورة النحل.
36- إسناده صحيح. عيسى بن أحمد العسقلاني ثقة، وقد توبع ومن
دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 8 وأبو داود 4695 و4697 والترمذي 2610 والنسائي
8/ 97 وابن ماجه 63 والطيالسي 21 وابن أبي شيبة 11/ 44- 45
وأحمد 1/ 52 و53 و107 وابن حبان 168 وابن مندة في «الإيمان»
(1- 8 و185 و186) من طرق عن كهمس بهذا الإسناد.
وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 50 و4777 وغيره.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «وتشمرت» .
(3) كعب هو ابن ماتع الحميري، ويعرف ب- كعب الأحبار- عامة
رواياته من الإسرائيليات. [.....]
(4) وقع في الأصل «اقتداء» والمثبت عن «ط» .
(5) في المطبوع تقديم وتأخير في النص.
(6) زيد في المطبوع.
(7) في المطبوع «مستسلما» .
(8) سقط من المطبوع.
(9) في المخطوط «فيها» .
(1/82)
بَوَيْهٍ [1] الزَّرَّادُ الْبُخَارِيُّ،
أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ،
ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ،
ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلَانِيُّ
أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا كَهَمْسُ بْنُ الْحَسَنِ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
يَعْمُرَ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ-
يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ- معبد الجهني، [قال] خرجت أَنَا
وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُرِيدُ مَكَّةَ فَقُلْنَا
لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ [عما] يقول
هَؤُلَاءِ، فَلَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر فاكتنفته أنا
وصاحبي- اكتنفوا أي: أحاطوا- أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ
وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكِلُ
الْكَلَامَ إليّ فقلت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ
ظهر قبلنا أناس يتقفّرون [2] هَذَا الْعِلْمَ وَيَطْلُبُونَهُ،
يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ إِنَّمَا الْأَمْرُ أُنُفٌ [3] ،
قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي
مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَإِنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ
ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَ اللَّهُ
مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ
وَشَرِّهِ، ثُمَّ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ
الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ مَا يُرَى عَلَيْهِ
أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ فَأَقْبَلَ
حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكْبَتُهُ تَمَسُّ رُكْبَتَهُ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ
رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ
سَبِيلًا» ]
، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَتَعَجَّبْنَا مِنْ سُؤَالِهِ
وَتَصْدِيقِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ
تُؤْمِنَ بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وَبِالْبَعْثِ
بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا
الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ
تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ
يَرَاكَ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ
السَّاعَةِ، فَقَالَ: «ما المسئول عنها بأعلم مِنَ السَّائِلِ»
، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا
قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى
الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي
بُنْيَانِ الْمَدَرِ» [5] ، قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ انْطَلَقَ،
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي
مَنِ الرَّجُلُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، قَالَ: «ذَلِكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ
أَمْرَ دِينِكُمْ، وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلَّا
عَرَفْتُهُ فِيهَا إِلَّا فِي صُورَتِهِ هَذِهِ» [6] .
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ
الْإِسْلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ
الْأَعْمَالِ، وَالْإِيمَانَ اسْمًا لما بطن من الاعتقاد، [7]
وذلك لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ،
والتصديق [8] بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ، بَلْ
ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ،
وَجِمَاعُهَا الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قال: «ذاك جِبْرِيلُ
أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ» ، وَالدَّلِيلُ
عَلَى أَنَّ [الْأَعْمَالَ مِنَ] [9] الإيمان، ما:
__________
(1) وقع في الأصل «محمد التوبة» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط»
و «الأنوار» رقم (80) .
(2) وقع في الأصل «يتفقرون» والتصويب من «صحيح مسلم» .
ومعنى «يتقفّرون العلم» : يطلبونه ويتتبعونه- وقيل: معناه
يجمعونه.
(3) وقع في الأصل «أفق» والتصويب من «صحيح مسلم» .
و «إن الأمر أنف» أي مستأنف، لم يسبق به قدر، ولا علم من الله
تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه.
(4) زيد في المطبوع الإسلام.
(5) في «القاموس» : المدر: قطع الطين اليابس، والمدن، والحضر.
(6) زيد في المطبوع هاهنا «قال الفراء» .
(7) زيد في المطبوع «ليس» .
(8) في المطبوع «وتصديق» . [.....]
(9) زيد في المطبوع.
(1/83)
«37» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشاه، ثنا أَبُو أَحْمَدَ
مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ
مُوسَى ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ عن جرير الرازي، عَنْ
سُهَيْلِ [1] بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا قَوْلُ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى
عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» .
[وَقِيلَ] [2] الْإِيمَانُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَمَانِ
فَسُمِّيَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ نَفْسَهُ
مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُؤْمِنٌ لِأَنَّهُ
يُؤَمِّنُ الْعِبَادَ مِنْ عَذَابِهِ.
بِالْغَيْبِ، وَالْغَيْبُ: مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ،
فَقِيلَ لِلْغَائِبِ: غَيْبٌ، كَمَا قِيلَ لِلْعَادِلِ:
عَدْلٌ، وَلِلزَّائِرِ: زَوْرٌ، وَالْغَيْبُ مَا كَانَ
مَغِيبًا عَنِ [3] الْعُيُونِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْغَيْبُ هَاهُنَا كُلُّ مَا أُمِرْتَ
بِالْإِيمَانِ بِهِ فِيمَا غَابَ عَنْ بَصَرِكَ من
الْمَلَائِكَةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ
وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ.
وَقِيلَ: الْغَيْبُ هَاهُنَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ:
الْقُرْآنُ. وَقَالَ الحسن: الآخرة. وَقَالَ زِرُّ بْنُ
حُبَيْشٍ وَابْنُ جريج: الوحي، نَظِيرُهُ: أَعِنْدَهُ عِلْمُ
الْغَيْبِ [النَّجْمِ: 35] ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
بِالْقَدَرِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ: كُنَّا
عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرْنَا أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وما سبقوا بِهِ فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ كَانَ بَيِّنًا [4]
لِمَنْ رَآهُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا آمَنَ أَحَدٌ
قَطُّ إِيمَانًا أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ، ثُمَّ
قَرَأَ: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ، إِلَى قوله: الْمُفْلِحُونَ
[البقرة: 1- 5] ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو
وَوَرْشٌ: يُؤْمِنُونَ، بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ، وَكَذَلِكَ يترك
أبو جعفر كُلِّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ إِلَّا فِي أَنْبِئْهُمْ
[البقرة: 33] ، ويُنَبِّئُهُمُ [المائدة: 14] ، ونَبِّئْنا
[يوسف: 36] ، وَيَتْرُكُ أَبُو عَمْرٍو كُلَّهَا إِلَّا أن
يكون علامة للجزم نحو نَبِّئْهُمْ [القمر: 28] ، وأَنْبِئْهُمْ
[البقرة: 33] ، وتَسُؤْهُمْ [آل عمران: 120] ، وتَسُؤْكُمْ
[المائدة: 101] ، وإِنْ نَشَأْ [الشعراء: 4] ، ونُنْسِها
[البقرة: 106] ، ونحوها أو يكون خروجها مِنْ لُغَةٍ إِلَى
أُخْرَى نَحْوَ: مُؤْصَدَةٌ [البلد: 20] ، ووَ رِءْياً [مريم:
74] ، وَيَتْرُكُ وَرْشٌ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ كانت قبل
فاء الفعل، إلا: تُؤْوِي [5] [الأحزاب: 51] وتُؤْوِيهِ [6]
[المعارج: 13] ، وَلَا يَتْرُكُ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ إلا:
الرُّؤْيَا [الإسراء: 60] ، وَبَابَهُ إِلَّا مَا كَانَ عَلَى
وزن فعلي [7] .
قوله: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، أَيْ: يُدِيمُونَهَا
وَيُحَافِظُونَ عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيتِهَا بِحُدُودِهَا
وَأَرْكَانِهَا وَهَيْئَاتِهَا، يُقَالُ: قَامَ بِالْأَمْرِ
وَأَقَامَ الأمر إذا أتى به معطيا حقوقه، أو المراد بِهَا
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، ذُكِرَ بِلَفْظِ
__________
37- صحيح. خلف ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال مسلم
جرير الرازي هو ابن عبد الحميد.
وهو في «شرح السنة» (17) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 35 وأبو داود 4676 والترمذي 2614 والنسائي 8/ 110
وابن ماجه 57 والبخاري في «الأدب المفرد» (598) وأحمد 2/ 379
و414 والطيالسي 2402 وابن حبان 166 و191 وابن مندة في
«الإيمان» (147) و170 و171 وابن أبي شيبة 11/ 40 والبغوي 17
والآجري في «الشريعة» (110) من طرق كلهم من حديث أبي هريرة وفي
رواية لمسلم وغيره «الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة ...
» .
(1) في الأصل «سهل» والتصويب عن «شرح السنة» و «كتب التراجم» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «من» .
(4) في المطبوع «بيننا» .
(5) في المخطوط «يؤتي» .
(6) في المخطوط «تؤتيه» .
(7) في المطبوع «فعل» .
(1/84)
وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى
هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ
عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ
بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
الواحد كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ
مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [الْبَقَرَةِ: 213] ، يَعْنِي:
الْكُتُبَ، وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التَّوْبَةِ: 103] ،
أَيِ: ادْعُ لَهُمْ، وَفِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ
مَخْصُوصَةٍ مِنْ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقُعُودٍ
وَدُعَاءٍ وَثَنَاءٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
[الْأَحْزَابِ: 56] الْآيَةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ
الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ الدُّعَاءُ.
قوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ، أَيْ: أَعْطَيْنَاهُمْ،
وَالرِّزْقُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى
الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْحَظُّ
وَالنَّصِيبُ.
يُنْفِقُونَ: يَتَصَدَّقُونَ، قَالَ قَتَادَةُ: يُنْفِقُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَصْلُ الْإِنْفَاقِ:
الْإِخْرَاجُ عَنِ الْيَدِ وَالْمُلْكِ، وَمِنْهُ نِفَاقُ
السوق، لأنه يخرج فِيهِ السِّلْعَةُ عَنِ الْيَدِ، ومنه
نَفَقَتِ الدَّابَّةُ: إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهَا، فَهَذِهِ
الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مشركي العرب.
[سورة البقرة (2) : آية 4]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
قوله: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ،
يَعْنِي: الْقُرْآنَ. وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ: من
التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَسَائِرُ الْكُتُبِ
الْمُنَزَّلَةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، وَيَتْرُكُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ
وَقَالُونُ [وَأَبُو عَمْرٍو] [1] وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ ويعقوب
كلّ مدّ يقع بين [2] كَلِمَتَيْنِ، وَالْآخَرُونَ
يَمُدُّونَهَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ [3] .
قوله: وَبِالْآخِرَةِ، أي: بالدار الآخرة، سميت الدنيا دنيا:
لدنوها من الآخرة، وسميت الآخرة آخرة: لتأخرها وكونها بعد
[فناء] [4] الدنيا. هُمْ يُوقِنُونَ، أي: يستيقنون أنها كائنة،
مِنَ الْإِيقَانِ وَهُوَ الْعِلْمُ.
وَقِيلَ: الْإِيقَانُ وَالْيَقِينُ عِلْمٌ عَنِ اسْتِدْلَالٍ،
وَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى اللَّهُ مُوقِنًا وَلَا عِلْمُهُ
يَقِينًا إِذْ لَيْسَ عِلْمُهُ عَنِ اسْتِدْلَالٍ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 5 الى 9]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ
عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى
سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ
عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ
إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
قَوْلُهُ: أُولئِكَ، أَيْ: أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ،
وَأُولَاءِ: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْكِنَايَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ
نَحْوُ: هُمْ، وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، كَمَا فِي حَرْفِ
ذَلِكَ. عَلى هُدىً، أي: [على] [5] رُشْدٍ وَبَيَانٍ
وَبَصِيرَةٍ. مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
النَّاجُونَ وَالْفَائِزُونَ فَازُوا بِالْجَنَّةِ وَنَجَوْا
مِنَ النَّارِ، وَيَكُونُ الْفَلَاحُ بِمَعْنَى البقاء، أي:
الباقون [6] فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَأَصْلُ الْفَلَاحِ:
الْقَطْعُ وَالشَّقُّ، وَمِنْهُ سُمِّي الزَّرَّاعُ:
فَلَّاحًا، لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ، وَفِي الْمَثَلِ:
الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ [أَيْ: يشق] [7] ، فهم
المقطوع لَهُمْ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع «كل» .
(3) في المطبوع «الكتب» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المطبوع. [.....]
(6) في المطبوع «باقون» .
(7) سقط من المخطوط.
(1/85)
قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:
يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي
الْيَهُودَ. وَالْكُفْرُ هُوَ [1] الْجُحُودُ، وَأَصْلُهُ: من
السَّتْرُ وَمِنْهُ: سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا لِأَنَّهُ
يَسْتُرُ الْأَشْيَاءَ بِظُلْمَتِهِ.
وَسُمِّي الزَّرَّاعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ
بِالتُّرَابِ، وَالْكَافِرُ [2] يَسْتُرُ الْحَقَّ
بِجُحُودِهِ، وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: كُفْرُ
إِنْكَارٍ، وَكُفْرُ جَحُودٍ، وَكُفْرُ عِنَادٍ، وكفر نفاق،
فكفر الإنكار هو أَنْ لَا يَعْرِفَ اللَّهَ أَصْلًا وَلَا
يَعْتَرِفَ بِهِ [3] ، وَكُفْرُ الْجَحُودِ هُوَ أَنْ [4]
يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ ولا يعترف بلسانه ككفر إبليس
[لعنه الله] [5] وَكُفْرِ الْيَهُودِ [6] ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
[الْبَقَرَةِ: 89] ، وَكُفْرُ الْعِنَادِ هُوَ أَنْ يَعْرِفَ
اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَيَعْتَرِفَ بِلِسَانِهِ وَلَا يَدِينُ
بِهِ كَكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ يَقُولُ:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... مِنْ خَيْرِ
أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ ...
لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا
وَأَمَّا كُفْرُ النِّفَاقِ فَهُوَ أَنَّ يُقِرَّ بِاللِّسَانِ
وَلَا يَعْتَقِدَ بِالْقَلْبِ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ
سَوَاءٌ فِي أَنَّ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِوَاحِدٍ
مِنْهَا لَا يُغْفَرُ لَهُ. قَوْلُهُ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ:
مُتَسَاوٍ لَدَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ: خَوَّفْتَهُمْ
وَحَذَّرْتَهُمْ، وَالْإِنْذَارُ: إِعْلَامٌ مَعَ تَخْوِيفٍ
وَتَحْذِيرٍ، فكل مُنْذِرٍ مُعَلِّمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُعَلِّمٍ
مُنْذِرًا، وَحَقَّقَ [7] ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ الْهَمْزَتَيْنِ فِي أَأَنْذَرْتَهُمْ،
وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ تَقَعَانِ فِي أَوَّلِ
الْكَلِمَةِ، وَالْآخَرُونَ يُلَيِّنُونَ الثَّانِيَةَ، أَمْ:
حَرْفُ عَطْفٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، لَمْ: حرف جزم لا يلي
إِلَّا الْفِعْلَ، لِأَنَّ الْجَزْمَ يَخْتَصُّ
بِالْأَفْعَالِ. تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ: وَهَذِهِ الآية
[نزلت] [8] فِي أَقْوَامٍ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ
الشَّقَاوَةِ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ
تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ فقال:
خَتَمَ اللَّهُ، أي: طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلَا
تعني خَيْرًا وَلَا تَفْهَمُهُ، وَحَقِيقَةُ الْخَتْمِ:
الِاسْتِيثَاقُ مِنَ الشَّيْءِ كَيْلَا يَدْخُلَهُ مَا خَرَجَ
مِنْهُ وَلَا يَخْرُجَ عَنْهُ مَا فِيهِ وَمِنْهُ الْخَتْمُ
عَلَى الْبَابِ، قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَيْ: حَكَمَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ بِالْكُفْرِ لما سبق من علمه الأوّل فِيهِمْ،
وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: جَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمْ عَلَامَةً
تَعْرِفُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِهَا، وَعَلى سَمْعِهِمْ، أَيْ:
عَلَى مَوْضِعِ سَمْعِهِمْ فَلَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ وَلَا
يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَرَادَ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ كَمَا
قَالَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ
مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ. وَعَلى
أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ: هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، غِشَاوَةٌ
أَيْ: غِطَاءٌ فَلَا يَرَوْنَ الْحَقَّ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو [وَحَمْزَةُ] [9] وَالْكِسَائِيُّ:
أَبْصارِهِمْ بِالْإِمَالَةِ وَكَذَلِكَ كَلُّ أَلِفٍ
بَعْدَهَا رَاءٌ مَجْرُورَةٌ فِي الْأَسْمَاءِ كَانَتْ لَامَ
الْفِعْلِ يُمِيلَانِهَا [10] ، وَيُمِيلُ حَمْزَةُ مِنْهَا
[مَا يَتَكَرَّرُ] [11] فِيهِ الرَّاءُ «كَالْقَرَارِ»
وَنَحْوِهِ، زَادَ الْكِسَائِيُّ إِمَالَةَ (جَبَّارِينَ،
وَالْجَوَارِ، [وَالْجَارِ وَبَارِئِكُمْ] [12] وَمَنْ
أَنْصَارِي، وَنُسَارِعُ) وَبَابِهِ، وَكَذَلِكَ يميل هؤلاء كل
ألف [هي] [13] بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْفِعْلِ أَوْ كَانَ
عَلَمًا لِلتَّأْنِيثِ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا رَاءٌ، فَعَلَمُ
التَّأْنِيثِ مِثْلُ:
(الْكُبْرَى، وَالْأُخْرَى) ، وَلَامُ الْفِعْلِ مِثْلُ:
(تَرَى، وفترى) ، يكسرون الراء منها [14] .
__________
(1) في المطبوع «عن» .
(2) في المطبوع «فالكافر» .
(3) زيد في المطبوع «وكفر به» .
(4) زيد في المطبوع: لا.
(5) سقط من المطبوع.
(6) سقط من المخطوط.
(7) في المطبوع: «خقق» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) في المخطوط «يميلانه» .
(11) العبارة في المطبوع «ما» .
(12) ما بين المعقوفتين في المطبوع «مأواكم» . [.....]
(13) سقط في المطبوع.
(14) في المخطوط «فِيهَا» .
(1/86)
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، أَيْ: فِي
الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِي الدُّنْيَا
وَالْعَذَابُ الدَّائِمُ فِي الْعُقْبَى، والعذاب: كل ما يعيي
[1] الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، قَالَ الْخَلِيلُ [بن
أحمد] : الْعَذَابُ مَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَنْ مُرَادِهِ،
وَمِنْهُ الْمَاءُ الْعَذْبُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَطَشَ.
قَوْلُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ:
نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي ابن [2]
سَلُولٍ وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَجَدِّ بْنِ قَيْسٍ
وَأَصْحَابِهِمْ، حَيْثُ أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ
لِيَسْلَمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَاعْتَقَدُوا خِلَافَهَا،
وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّاسُ: جَمْعُ
إِنْسَانٍ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ،
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ
مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه: 115] ، وَقِيلَ: لِظُهُورِهِ مِنْ
قَوْلِهِمْ [آنَسْتُ] [3] ، أَيْ: أَبْصَرْتُ، وَقِيلَ:
لِأَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَيْ:
بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما هُمْ
بِمُؤْمِنِينَ.
يُخادِعُونَ اللَّهَ، أي: يخالفون الله، وأصل الخداع [4] فِي
اللُّغَةِ الْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ الْمَخْدَعُ لِلْبَيْتِ
الَّذِي يُخْفَى فِيهِ الْمَتَاعُ، والمخادع يظهر خلاف ما
يضمر، والخداع [5] مِنَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ
خادِعُهُمْ
[النِّسَاءِ:
142] ، أَيْ: يُظْهِرُ لَهُمْ وَيُعَجِّلُ لَهُمْ مِنَ
النَّعِيمِ فِي الدُّنْيَا خِلَافَ مَا يَغِيبُ عَنْهُمْ مِنْ
عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ:
أَصْلُ الخداع [6] : الْفَسَادُ. [مَعْنَاهُ: يُفْسِدُونَ مَا
أَظْهَرُوا مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا أَضْمَرُوا مِنَ الْكُفْرِ]
[7] ، وَقَوْلُهُ:
وَهُوَ خادِعُهُمْ
، أَيْ: يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ نَعِيمَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا
يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ
قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: يُخادِعُونَ اللَّهَ،
وَالْمُفَاعَلَةُ لِلْمُشَارَكَةِ وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ
تَعَالَى عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُخَادَعَةِ؟ قِيلَ: قَدْ
تَرِدُ الْمُفَاعَلَةُ لَا عَلَى مَعْنَى الْمُشَارِكَةِ
كَقَوْلِكَ: عَافَاكَ اللَّهُ وَعَاقَبْتُ [8] فُلَانًا
وَطَارَقْتُ النَّعْلَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يُخَادِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ [الْأَحْزَابِ:
57] ، أَيْ: أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَقِيلَ: ذِكْرُ اللَّهِ
هَاهُنَا [9] تَحْسِينٌ، وَالْقَصْدُ بِالْمُخَادَعَةِ
الَّذِينَ آمَنُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الْأَنْفَالِ: 41] ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ يَفْعَلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا هُوَ خِدَاعٌ فِي
دِينِهِمْ. وَالَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ: وَيُخَادِعُونَ
الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ إِذَا رَأَوْهُمْ آمَنَّا وَهُمْ
غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وَما يَخْدَعُونَ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ
وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: «وَمَا يُخَادِعُونَ» [10]
كَالْحَرْفِ الْأَوَّلِ وَجَعَلُوهُ مِنَ الْمُفَاعَلَةِ
الَّتِي تَخْتَصُّ [11] بِالْوَاحِدِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
وَما يَخْدَعُونَ عَلَى الْأَصْلِ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ،
لِأَنَّ وَبَالَ خِدَاعِهِمْ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ لأن الله
يُطْلِعُ [12] نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُفْتَضَحُونَ فِي الدُّنْيَا
وَيَسْتَوْجِبُونَ الْعِقَابَ فِي الْعُقْبَى، وَما
يَشْعُرُونَ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَخْدَعُونَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَنَّ وَبَالَ خداعهم يعود عليهم [13] .
__________
(1) تثبت ألف- ابن- إن وقع بين علمين، لكن أحدهما هاهنا مذكر
والثاني مؤنث وسلول جدة أبي. وقد ثبتت الألف في القرآن الكريم
في «عيسى ابن مريم» فتنبه، والله الموفق.
(2) في المطبوع «يعني» .
(3) سقط من المطبوع.
4 في المخطوط «الخدع» .
5- في المخطوط «الخدع» .
6- في المخطوط «الخدع» .
(7) العبارة في المخطوط [معناه: ما يفسدون من ظهور الإيمان
وإضمار الكفر] .
(8) في المطبوع «وعافيت» .
(9) في المخطوط «هنا» .
(10) وقع في الأصل «يخدعون» والتصويب من «م» و «كتب القراءات»
.
(11) في المطبوع «يختص» .
(12) في المخطوط «أطلع» . [.....]
(13) في المخطوط «إليهم» .
(1/87)
فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
(11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا
يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ
النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا
إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا
خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ
إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
[سورة البقرة (2) : الآيات 10 الى 14]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ
لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ
مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ
لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ
النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا
إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا
خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما
نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شَكٌّ وَنِفَاقٌ، وأصل المرض الضعف،
سمي الشَّكُّ فِي الدِّينِ [1] مَرَضًا لِأَنَّهُ يُضْعِفُ
الدِّينَ كَالْمَرَضِ يُضْعِفُ الْبَدَنَ، فَزادَهُمُ اللَّهُ
مَرَضاً، لِأَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ تَنْزِلُ تَتْرَى آيَةً
بَعْدَ آيَةٍ، كُلَّمَا كَفَرُوا بِآيَةٍ ازْدَادُوا كُفْرًا
وَنِفَاقًا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى
رِجْسِهِمْ [التوبة: 125] ، قرأ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ
فَزادَهُمُ، بِالْإِمَالَةِ، وَزَادَ حَمْزَةُ إِمَالَةَ
(زَادَ) حَيْثُ وقع، (وزاغ، وخاب، وخاف، وحاق، وضاق، وطاب) ،
وَالْآخَرُونَ لَا يُمِيلُونَهَا، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
مُؤْلِمٌ يَخْلُصُ وَجَعُهُ إِلَى قُلُوبِهِمْ، بِما كانُوا
يَكْذِبُونَ [مَا لِلْمَصْدَرِ، أَيْ: بِتَكْذِيبِهِمُ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فِي السِّرِّ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ] [2]
يَكْذِبُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: بِكَذِبِهِمْ إِذْ قَالُوا:
آمَنَّا وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ قرأ
الكسائي (قيل، وغيض، وجيء، وحيل، وسيق، وسيئت) بروم أوائلهن
الضم، ووافق أهل المدينة في (سيئ، وسيئت) وَوَافَقَ ابْنَ
عَامِرٍ فِي (سِيقَ، وحيل، وسيء، وَسِيئَتْ) ، لِأَنَّ
أَصْلَهَا قُوِلَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، مِثْلَ
قُتِلَ، وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهِ، فَأُشِيرَ إِلَى
الضَّمَّةِ لِتَكُونَ دَالَّةً عَلَى الْوَاوِ المنقلبة، و
[قرأ] [3] الْبَاقُونَ بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، اسْتَثْقَلُوا
الْحَرَكَةَ عَلَى الْوَاوِ، فَنَقَلُوا كَسْرَتَهَا إِلَى
فَاءِ الْفِعْلِ وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لكسر مَا
قَبْلَهَا.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: يَعْنِي لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ:
لِلْيَهُودِ، أَيْ: قَالَ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، لَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، بِالْكُفْرِ وَتَعْوِيقِ النَّاسِ
عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا،
وَالْكُفْرُ أَشَدُّ فَسَادًا فِي الدِّينِ، قالُوا إِنَّما
نَحْنُ مُصْلِحُونَ: يَقُولُونَ [4] هَذَا الْقَوْلَ كَذِبًا
كَقَوْلِهِمْ آمَنَّا وَهُمْ كَاذِبُونَ.
أَلا: كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ يُنَبَّهُ بِهَا الْمُخَاطَبُ،
إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ،
وَالنَّاسَ بِالتَّعْوِيقِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَلكِنْ لَا
يَشْعُرُونَ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ،
لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ
إِبِطَانِ الْكُفْرِ صَلَاحٌ، وَقِيلَ: لَا يَعْلَمُونَ مَا
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَيْ: لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ:
لِلْيَهُودِ، آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ: عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ سَلَامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ،
وَقِيلَ: كَمَا آمَنَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، قالُوا
أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَيِ: الْجُهَّالُ، فَإِنْ
قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ النِّفَاقُ مَعَ الْمُجَاهَرَةِ
بِقَوْلِهِمْ: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟ قِيلَ:
إِنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا
بَيْنَهُمْ لَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ
نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ
بِذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَلا إِنَّهُمْ
هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ، أنهم كذلك، والسفيه
خَفِيفُ الْعَقْلِ رَقِيقُ الْحِلْمِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَوْبٌ
سَفِيهٌ أَيْ: رَقِيقٌ، وقيل: السفيه: الكذاب الذي [يعمل] [5]
بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ.
قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ السُّفَهاءُ أَلا
بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ
وَقَعَتَا في كلمتين
__________
(1) في المطبوع «الدنيا» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «يقول» .
(5) في المطبوع «يتعمد» .
(1/88)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ
بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا
رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا
أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ
الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)
اتَّفَقَتَا أَوِ اخْتَلَفَتَا،
وَالْآخَرُونَ يُحَقِّقُونَ الْأُولَى وَيَلِينُونَ
الثَّانِيَةَ فِي الْمُخْتَلِفَتَيْنِ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ،
فَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ مِثْلَ: (هَؤُلَاءِ،
وَأَوْلِيَاءِ، وَأُولَئِكَ، وَجَاءَ أمر ربك) ، قَرَأَ أَبُو
عَمْرٍو وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ
وَاحِدَةٍ، وَقَرَأَ أبو جعفر وورش [والنواس] [1] ويعقوب
بتخفيف [2] الْأُولَى وَتَلْيِينِ الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ
قَالُونُ [بتخفيف الثَّانِيَةِ] [3] لِأَنَّ مَا يُسْتَأْنَفُ
أَوْلَى بِالْهَمْزَةِ مِمَّا يُسْكَتُ عَلَيْهِ.
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ
الْمُنَافِقِينَ إِذَا لَقُوا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ،
قالُوا آمَنَّا كَإِيمَانِكُمْ وَإِذا خَلَوْا رَجَعُوا،
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الخلوة، وإِلى، بِمَعْنَى:
الْبَاءِ، أَيْ: بِشَيَاطِينِهِمْ، وَقِيلَ: إِلَى بِمَعْنَى
مَعَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا
أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاءِ: 2] أَيْ: مَعَ
أَمْوَالِكُمْ.
شَياطِينِهِمْ، أَيْ: رُؤَسَائِهِمْ وَكَهَنَتِهِمْ، قال ابن
عباس: وَهُمْ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ: كَعْبُ بْنُ
الْأَشْرَفِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَبُو بُرْدَةَ فِي بَنِي
أَسْلَمَ، وَعَبْدُ الدَّارِ فِي جُهَيْنَةَ، وَعَوْفُ بْنُ
عَامِرٍ فِي بَنِي أَسَدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّوْدَاءِ
[4] بِالشَّامِ، وَلَا يَكُونُ كَاهِنٌ إِلَّا وَمَعَهُ
[شَيْطَانٌ] [5] تَابِعٌ لَهُ، وَالشَّيْطَانُ الْمُتَمَرِّدُ
الْعَاتِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ،
وَأَصْلُهُ الْبُعْدُ، يُقَالُ: بِئْرٌ شُطُونٌ، أَيْ:
بَعِيدَةُ الْعُمْقِ، سُمِّيَ الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا
لِامْتِدَادِهِ فِي الشَّرِّ وَبُعْدِهِ مِنَ الْخَيْرِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَى أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ
وَالْمُشْرِكِينَ، قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ، أَيْ: عَلَى دينكم
إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِمَا نُظْهِرُ مِنَ
الْإِسْلَامِ. قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: (مُسْتَهْزُونَ،
وَيُسْتَهْزُونَ، وقل استهزؤوا، وَلِيُطْفُوا، وَلِيُوَاطُوا،
وَيَسْتَنْبُونَكَ، وَخَاطِينَ، وَخَاطُونَ، وَمُتَّكِينَ
وَمُتَّكُونَ فَمَالُونَ، وَالْمُنْشُونَ) [6] بِتَرْكِ الهمزة
فيهن.
[سورة البقرة (2) : الآيات 15 الى 19]
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ
يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ
بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ
(16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا
أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ
وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، أَيْ: يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ
اسْتِهْزَائِهِمْ، سُمِّيَ الْجَزَاءُ بِاسْمِهِ لِأَنَّهُ
[فِي] [7] مُقَابَلَتِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: 40] ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يُفْتَحَ لَهُمْ بَابٌ مِنَ
الْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَيْهِ سُدَّ عَنْهُمْ
وَرُدُّوا إِلَى النَّارِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُضْرَبَ
لِلْمُؤْمِنِينَ نور يمشون [به] [8] عَلَى الصِّرَاطِ فَإِذَا
وَصَلَ الْمُنَافِقُونَ إِلَيْهِ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ، كما قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [9] : فَضُرِبَ
بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ [الحديد: 13] الآية. وقال الحسن:
معناه أن اللَّهُ يُظْهِرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ.
وَيَمُدُّهُمْ: يتركهم ويمهلهم،
__________
(1) في المطبوع «والقواش» .
(2) في المطبوع «بتحقيق» .
(3) العبارة في المطبوع «بتليين الأولى وتحقيق الثانية» .
(4) في المخطوط «الأسود» .
(5) زيد في المطبوع.
(6) وقع في الألفاظ المتقدمة اضطراب في المطبوع حيث أثبت فوق
الواو الهمزة أحيانا وحذفت أحيانا، والصواب بحذفها جميعا كما
هو معلوم من قراءة أبي جعفر. والله أعلم.
(7) في المطبوع «ب» بدل «في» .
(8) زيادة عن المخطوط. [.....]
(9) زيد في المطبوع عقب لفظ «تَعَالَى» وَحِيلَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ وقال الله تعالى» .
(1/89)
وَالْمَدُّ وَالْإِمْدَادُ وَاحِدٌ،
وَأَصْلُهُ الزِّيَادَةُ إِلَّا أَنَّ الْمَدَّ [أَكْثَرُ] [1]
مَا يَأْتِي فِي الشَّرِّ، وَالْإِمْدَادُ فِي الْخَيْرِ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَدِّ: وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ
مَدًّا [مَرْيَمَ: 79] ، وَقَالَ فِي الْإِمْدَادِ:
وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ [الْإِسْرَاءِ: 6]
[وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ] [2] [الطُّورِ: 22] . فِي
طُغْيانِهِمْ، أَيْ: في ضلالتهم، وأصل الطغيان:
مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَمِنْهُ: طَغَى الْمَاءُ. يَعْمَهُونَ،
أَيْ: يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَةِ مُتَحَيِّرِينَ [3] .
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى: [أي
اشتروا الْكُفْرَ] [4] بِالْإِيمَانِ، فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ، أَيْ: مَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ، أَضَافَ
الرِّبْحَ إِلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ
فِيهَا كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: رَبِحَ بَيْعُكَ وَخَسِرَتْ
صَفْقَتُكَ. وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: مِنَ الضَّلَالَةِ،
وَقِيلَ: مُصِيبِينَ فِي تِجَارَتِهِمْ.
مَثَلُهُمْ: شَبَهُهُمْ، وَقِيلَ: صِفَتُهُمْ، وَالْمَثَلُ
قَوْلٌ سَائِرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ [يُعْرَفُ] [5] بِهِ
مَعْنَى الشَّيْءِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ
السَّبْعَةِ، كَمَثَلِ الَّذِي: يَعْنِي الَّذِينَ بِدَلِيلِ
سِيَاقِ الْآيَةِ، وَنَظِيرُهُ:
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ (33) [الزُّمَرِ: 33] ، اسْتَوْقَدَ ناراً:
أَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضاءَتْ النَّارُ مَا حَوْلَهُ،
أَيْ: حَوْلَ الْمُسْتَوْقَدِ، وَأَضَاءَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ،
يُقَالُ: أَضَاءَ الشيء نفسه وأضاء غيره، وهو هنا مُتَعَدٍّ،
ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا
يُبْصِرُونَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ
وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ يَقُولُ
مَثَلُهُمْ فِي نِفَاقِهِمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا
فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَاسْتَدْفَأَ وَرَأَى
مَا حوله فاتقى مما يخاف، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي في
ظلمة خائفا مُتَحَيِّرًا، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ
بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ الْإِيمَانِ أَمِنُوا عَلَى
أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَنَاكَحُوا الْمُؤْمِنِينَ
وَوَارَثُوهُمْ وَقَاسَمُوهُمُ الْغَنَائِمَ، فَذَلِكَ
نُورُهُمْ، فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ
وَالْخَوْفِ.
وَقِيلَ: ذَهَابُ نورهم في قبورهم [6] ، وَقِيلَ: فِي
الْقِيَامَةِ حَيْثُ يَقُولُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا
انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، وَقِيلَ: ذَهَابُ
نُورِهِمْ بِإِظْهَارِ عَقِيدَتِهِمْ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ النَّارَ
مَثَلًا، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ:
أَطْفَأَ اللَّهُ نَارَهُمْ [7] لَكِنْ عَبَّرَ بِإِذْهَابِ
النور عنه، لأن النار نُورٌ وَحَرَارَةٌ فَيَذْهَبُ نُورُهُمْ
وَتَبْقَى الْحَرَارَةُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
إِضَاءَةُ النَّارِ إِقْبَالُهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ
وَالْهُدَى، وَذَهَابُ نُورِهِمْ إِقْبَالُهُمْ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ وَالضَّلَالَةِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ وَانْتِظَارِهِمْ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ [بِهِ] [8]
عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَلَمَّا خَرَجَ كَفَرُوا بِهِ،
ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ:
صُمٌّ، أَيْ: هُمْ صُمٌّ عَنِ الْحَقِّ لَا يَقْبَلُونَهُ،
وَإِذَا لَمْ يَقْبَلُوا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا،
بُكْمٌ خُرْسٌ عَنِ الْحَقِّ لَا يَقُولُونَهُ [9] ، أَوْ [10]
أَنَّهُمْ لَمَّا أَبْطَنُوا خِلَافَ مَا أَظْهَرُوا
فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا بِالْحَقِّ، عُمْيٌ، أَيْ: لَا
بَصَائِرَ لَهُمْ، وَمَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ كَمَنْ لَا
بَصَرَ لَهُ، فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَنِ الضَّلَالَةِ إِلَى
الْحَقِّ.
أَوْ كَصَيِّبٍ، أَيْ: كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ، وَهَذَا مَثَلٌ
آخَرُ ضَرَبَهُ اللَّهُ تعالى للمنافقين، معناه [11] : إن
__________
(1) في المطبوع «كثيرا» .
(2) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط.
(3) في المخطوط «متحيرون» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) كذا في المطبوع وب- وفي- أ- «يعرفون» .
(6) في المطبوع «القبر» .
(7) في المخطوط «نوره» بدل «نارهم» .
(8) زيادة في المطبوع.
(9) في المخطوط «لا يقبلونه» .
(10) في المخطوط «أي» بدل: أو.
(11) في المطبوع «بمعنى» .
(1/90)
شِئْتَ مَثِّلْهُمْ بِالْمُسْتَوْقَدِ،
وَإِنْ شِئْتَ [مثّلهم] [1] بِأَهْلِ الصَّيِّبِ، وَقِيلَ:
أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ يُرِيدُ، وَكَصَيِّبٍ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: 147] ، بِمَعْنَى:
وَيَزِيدُونَ، وَالصَّيِّبُ: الْمَطَرُ وَكُلُّ مَا نَزَلْ
مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الأسفل فهو صيّب [2] ، مِنْ صَابَ
يَصُوبُ، أَيْ: نَزَلَ مِنَ السَّماءِ، أَيْ: مِنَ السَّحَابِ.
وقيل: هِيَ السَّمَاءُ بِعَيْنِهَا، وَالسَّمَاءُ كُلُّ مَا
عَلَاكَ فَأَظَلَّكَ، وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ
يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا. فِيهِ، أَيْ: فِي الصَّيِّبِ،
وَقِيلَ: في السماء، أي: في السَّحَابِ، وَلِذَلِكَ ذَكَّرَهُ،
وَقِيلَ:
السَّمَاءُ تذكّر وتؤنّث، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: السَّماءُ
مُنْفَطِرٌ بِهِ [الْمُزَّمِّلِ: 18] ، وَقَالَ: إِذَا
السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) [الِانْفِطَارِ: 1] ، ظُلُماتٌ:
جَمْعُ ظُلْمَةٍ وَرَعْدٌ: وهو الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ
مِنَ السَّحَابِ، وَبَرْقٌ:
وهو النَّارُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ، قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الرَّعْدُ اسْمُ مَلَكٍ
يَسُوقُ السَّحَابَ، وَالْبَرْقُ لَمَعَانُ سَوْطٍ مِنْ نُورٍ،
يَزْجُرُ بِهِ الْمَلَكُ السَّحَابَ، وَقِيلَ: الصَّوْتُ
زَجْرُ السَّحَابِ، وَقِيلَ: تَسْبِيحُ الْمَلَكِ، وَقِيلَ:
الرَّعْدُ نُطْقُ الْمَلَكِ وَالْبَرْقُ ضَحِكُهُ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: الرَّعْدُ اسْمُ الْمَلَكِ، وَيُقَالُ لِصَوْتِهِ
أَيْضًا: رَعْدٌ، وَالْبَرْقُ: [مَصَعَ] [3] مَلَكٌ يَسُوقُ
السَّحَابَ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الرعد ملك يزجر
[السَّحَابَ] فَإِذَا تَبَدَّدَتْ ضَمَّهَا فَإِذَا اشْتَدَّ
غَضَبُهُ طَارَتْ مِنْ فِيهِ النَّارُ فَهِيَ الصَّوَاعِقُ،
وَقِيلَ: الرَّعْدُ صوت انخراق [4] الرِّيحِ بَيْنَ
السَّحَابِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ
فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ: جَمْعُ صَاعِقَةٍ، وَهِيَ
الصَّيْحَةُ الَّتِي يَمُوتُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَوْ يُغْشَى
عَلَيْهِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ عَذَابٍ مهلك: صاعقة، وقال:
الصَّاعِقَةُ قِطْعَةُ عَذَابٍ يُنْزِلُهَا اللَّهُ على من
يشاء.
ع «38» رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ:
«اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا
بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ» .
قَوْلُهُ: حَذَرَ الْمَوْتِ، أَيْ: مَخَافَةَ الْهَلَاكِ،
وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، أَيْ: عَالِمٌ بهم وقيل
جامعهم قال مُجَاهِدٌ: يَجْمَعُهُمْ فَيُعَذِّبُهُمْ،
وَقَيْلَ: مُهْلِكُهُمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا
أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يُوسُفَ: 66] ، أَيْ: تُهْلَكُوا
جَمِيعًا. وَيُمِيلُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ
«الْكَافِرِينَ» فِي مَحَلِّ النَّصْبِ [5] وَالْخَفْضِ، وَلَا
يُمِيلَانِ:
أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة: 41] .
__________
38- ع ضعيف. أخرجه الترمذي 3446 والنسائي في «الكبرى» (8399
و10764) والبخاري في «الأدب المفرد» (721) وأحمد 2/ 100 وابن
السني في «عمل اليوم والليلة» (303) وأبو يعلى 5507 والدولابي
في «الكنى» (2/ 117) من حديث ابن عمر، وفي إسناده أبو مطر، وهو
مجهول، والحجاج بن أرطأة ضعيف.
وضعف إسناده النووي في «الأذكار» (463) وقال الترمذي: هَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الوجه: وهذا توهين
منه للحديث.
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) زيد في المطبوع «فعيل» .
(3) في المطبوع «اسم» وفي المخطوط «مضغ» والمثبت عن كتب الحديث
والأثر، انظر تفسير الطبري (1/ 87) و «الدر المنثور» (4/ 94) .
(4) في نسخة من المخطوط «انخفاض» ولعل الصواب «انخراق» بالخاء.
(5) في المطبوع «أو» .
(1/91)
يَكَادُ الْبَرْقُ
يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ
وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا
تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا
فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)
[سورة البقرة (2) : الآيات 20 الى 23]
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ
مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ
اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً
لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا
عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23)
يَكادُ الْبَرْقُ، أَيْ: يَقْرُبُ، يُقَالُ: كَادَ يَفْعَلُ
إِذَا قَرُبَ وَلَمْ يَفْعَلْ، يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ:
يَخْتَلِسُهَا، وَالْخَطْفُ استلاب [1] بسرعة، كُلَّما: [كلّ
حَرْفٌ جُمْلَةً، ضُمَّ إِلَى مَا الْجَزَاءِ] [2] فَصَارَ
أَدَاةً لِلتَّكْرَارِ، وَمَعْنَاهُمَا [3] مَتَى مَا، أَضاءَ
لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا،
أَيْ: وَقَفُوا مُتَحَيِّرِينَ، فَاللَّهُ تَعَالَى
شَبَّهَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ بِقَوْمٍ كانوا في
مفازة وسواد فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِيهِ
ظُلُمَاتٌ، مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ السَّارِيَ [4] لَا
يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهَا، وَرَعْدٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ
يَضُمَّ السَّامِعُونَ أَصَابِعَهُمْ إِلَى [5] آذَانِهِمْ
مِنْ هَوْلِهِ، وَبَرْقٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ
أَنْ يَخْطِفَ أَبْصَارَهُمْ وَيُعْمِيَهَا مِنْ شِدَّةِ
تَوَقُّدِهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ،
وَصَنِيعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعَهُ،
فَالْمَطَرُ: الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ حَيَاةُ الْجِنَانِ كَمَا
أَنَّ الْمَطَرَ [6] حَيَاةُ الْأَبْدَانِ، وَالظُّلُمَاتُ:
مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ،
وَالرَّعْدُ: مَا خُوِّفُوا بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ، وَذِكْرِ
النَّارِ وَالْبَرْقُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ
والوعد وذكر الجنّة، فالكافرون يَسُدُّونَ آذَانَهُمْ عِنْدَ
قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَخَافَةَ مَيْلِ الْقَلْبِ إِلَيْهِ،
لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ، وَالْكُفْرُ مَوْتٌ،
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أَيِ: الْقُرْآنُ
يَبْهَرُ قُلُوبَهُمْ، وَقِيلَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ
لِلْإِسْلَامِ، فَالْمَطَرُ: الْإِسْلَامُ، وَالظُّلُمَاتُ:
مَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ، وَالرَّعْدُ: مَا
فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْمَخَاوِفِ فِي الْآخِرَةِ،
وَالْبَرْقُ: مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ.
يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ [البقرة: 19] ،
يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا رَأَوْا فِي
الْإِسْلَامِ بَلَاءً وَشِدَّةً هَرَبُوا حَذَرًا مِنَ
الْهَلَاكِ [7] ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ:
جَامِعُهُمْ، يَعْنِي: لَا يَنْفَعُهُمْ هَرَبُهُمْ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى مِنْ وَرَائِهِمْ يَجْمَعُهُمْ
فَيُعَذِّبُهُمْ.
يَكادُ الْبَرْقُ، يَعْنِي: دَلَائِلَ الْإِسْلَامِ
تُزْعِجُهُمْ إِلَى النَّظَرِ لَوْلَا مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ
الشَّقَاوَةِ.
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، يَعْنِي: أَنَّ
الْمُنَافِقِينَ إِذَا أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِيمَانِ
آمَنُوا فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ كُلَّمَا نَالُوا غَنِيمَةً وَرَاحَةً فِي
الْإِسْلَامِ ثَبَتُوا وَقَالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ، وَإِذا
أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ، يعني: رأوا شدّة وبلاء قامُوا [أي
تأخروا] ووقفوا [أو قعدوا] [8] كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الْحَجِّ:
11] .
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ، أَيْ:
بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ الظَّاهِرَةِ، كَمَا ذَهَبَ
بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ الْبَاطِنَةِ، وَقِيلَ:
لَذَهَبَ بِمَا اسْتَفَادُوا مِنَ الْعِزِّ وَالْأَمَانِ
الَّذِي لَهُمْ بمنزلة السمع والبصر، إِنَ
__________
(1) في المخطوط «استيلاء» .
(2) العبارة في المخطوط [حرف كل ضم الجزاء] .
(3) في المخطوط «ومعناه» .
(4) السرى: سير عامة الليل.
(5) في المخطوط «في» .
(6) في المطبوع «المطهر» وفي نسخة من المخطوط «كالمطر» .
(7) في المخطوط «البلاء» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(1/92)
اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
قَادِرٌ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ: «شَاءَ، وَجَاءَ» ،
حَيْثُ كَانَ بِالْإِمَالَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ.
قال ابن عباس يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لأهل [1] مَكَّةَ،
وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب لأهل الْمَدِينَةِ،
وَهُوَ هَاهُنَا عَامٌّ إِلَّا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا
يَدْخُلُهُ الصِّغَارُ وَالْمَجَانِينُ. اعْبُدُوا: وَحِّدُوا.
قَالَ ابن عباس: كَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ من العبادة
فمعناه [2] التَّوْحِيدُ.
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ: وَالْخَلْقُ اخْتِرَاعُ
الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ، أَيْ:
وَخَلَقَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: لعلكم [3] تنجون مِنَ الْعَذَابِ،
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُونُوا عَلَى رَجَاءِ التَّقْوَى بِأَنْ
تَصِيرُوا فِي سَتْرٍ وَوِقَايَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ،
وَحُكْمُ اللَّهِ مِنْ وَرَائِكُمْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ كَمَا
قَالَ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشى (44) [طه: 44] ، أَيِ: ادْعُوَاهُ [4] إِلَى
الْحَقِّ وَكُونَا [5] عَلَى رَجَاءِ التَّذَكُّرِ، وَحُكْمُ
اللَّهِ مِنْ وَرَائِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، قَالَ
سِيبَوَيْهِ: لَعَلَّ وَعَسَى حَرْفَا تَرَجٍّ، وَهُمَا مِنَ
اللَّهِ وَاجِبٌ.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً، أَيْ: بِسَاطًا،
وَقِيلَ: مَنَامًا، وَقِيلَ: وِطَاءً [6] ، أَيْ: ذَلَّلَهَا
وَلَمْ يَجْعَلْهَا حَزْنَةً لا يمكن القرار عليها،
وَالْجَعْلُ هَاهُنَا بِمَعْنَى: الْخَلْقِ، وَالسَّماءَ
بِناءً، أي: سقفا مَرْفُوعًا، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ،
أَيْ: [7] السحاب، ماءً، وهو الْمَطَرَ، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ
الثَّمَراتِ: من أَلْوَانَ الثَّمَرَاتِ وَأَنْوَاعَ
النَّبَاتِ، رِزْقاً لَكُمْ: طَعَامًا لَكُمْ وَعَلَفًا
لِدَوَابِّكُمْ، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً، أَيْ:
أمثالا تعبدونهم كعبادة الله.
وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: النِّدُّ الضِّدُّ، وَهُوَ مِنَ
الْأَضْدَادِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنَ الْمِثْلِ
وَالضِّدِّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنّه واحد خلق [8] هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ، أي: [9] شك [معناه: وإن كنتم]
[10] ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ شَاكُّونَ
مِمَّا نَزَّلْنا، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، عَلى عَبْدِنا:
مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ، فَأْتُوا:
أَمْرُ تَعْجِيزٍ، بِسُورَةٍ، وَالسُّورَةُ قِطْعَةٌ مِنَ
الْقُرْآنِ مَعْلُومَةُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، مِنْ
أَسْأَرْتُ [11] ، أَيْ: أَفْضَلْتُ [12] وحذفت الْهَمْزَةُ.
وَقِيلَ: السُّورَةُ اسْمٌ لِلْمَنْزِلَةِ الرفيعة، ومنه سور
البلد لِارْتِفَاعِهِ، سُمِّيَتْ سُورَةً لِأَنَّ الْقَارِئَ
يَنَالُ بِقِرَاءَتِهَا مَنْزِلَةً رَفِيعَةً حَتَّى
يَسْتَكْمِلَ الْمَنَازِلَ بِاسْتِكْمَالِهِ سُوَرَ
الْقُرْآنِ، مِنْ مِثْلِهِ، أَيْ: مِثْلِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ:
صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا
مِنْ أَبْصارِهِمْ [النُّورِ: 30] ، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي
مَثَلِهِ رَاجِعَةٌ إلى
__________
(1) في المطبوع «أهل» .
(2) في المطبوع «فمعناها» . [.....]
(3) في المطبوع «لكي» .
(4) في المطبوع «ادعوه» .
(5) في المخطوط «وكونوا» .
(6) في القاموس: الوطاء: خلاف الغطاء.
(7) زيد في المطبوع «من» .
(8) في المطبوع «خالق» .
(9) زيد في المطبوع «وإن كنتم في» .
(10) سقط من المطبوع.
(11) في المطبوع «أسارت» والتصويب عن «لسان العرب» (4/ 387) .
(12) كذا في المطبوع و «اللسان» (4/ 387) وهو الصواب.
وفي المخطوط- أ- «أفصلت» وفي- ب- «فصلت» .
(1/93)
فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ
(24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا
هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ
مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (25)
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَعْنِي: مِنْ مِثْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيٌّ لَا يحسن الخط والكتابة.
وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ، أَيْ: وَاسْتَعِينُوا بِآلِهَتِكُمُ
الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: نَاسًا يَشْهَدُونَ لَكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ: أَنَّ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم تقوّله مِنْ
تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا تَحَدَّاهُمْ عجزوا، فقال:
[سورة البقرة (2) : الآيات 24 الى 25]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ
لِلْكافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً
قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ
مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها
خالِدُونَ (25)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، فِيمَا مَضَى وَلَنْ تَفْعَلُوا،
أَبَدًا فِيمَا بَقِيَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِبَيَانِ
الْإِعْجَازِ، وأن القرآن كان معجزة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ عَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ
بِمِثْلِهِ، قوله: فَاتَّقُوا النَّارَ، أَيْ: فَآمِنُوا
وَاتَّقُوا بِالْإِيمَانِ النَّارَ، الَّتِي وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجارَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ
الْمُفَسِّرِينَ: يَعْنِي حِجَارَةَ الْكِبْرِيتِ لِأَنَّهَا
أَكْثَرُ الْتِهَابًا، وَقِيلَ: جَمِيعُ [1] الْحِجَارَةِ، وهو
دليل على عظم تِلْكَ النَّارِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا
الْأَصْنَامَ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَصْنَامِهِمْ كَانَتْ
مَنْحُوتَةً مِنَ الْحِجَارَةِ، كَمَا قَالَ: إِنَّكُمْ وَما
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
[الْأَنْبِيَاءِ: 98] ، أُعِدَّتْ: هيّئت لِلْكافِرِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ:
أَخْبِرْ، وَالْبِشَارَةُ: كُلُّ خَبَرِ صدق يتغيّر [2] بِهِ
بَشَرَةُ الْوَجْهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
وَفِي الْخَيْرِ أَغْلَبُ.
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أَيِ: الْفِعْلَاتِ الصَّالِحَاتِ،
يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ [الَّذِينَ هُمْ] [3] مِنْ أَهْلِ
الطَّاعَاتِ، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رضي الله تعالى
عَنْهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أَيْ: أَخْلَصُوا
الْأَعْمَالَ كَمَا قَالَ: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً
[الكهف: 110] ، أي: خاليا عن الرِّيَاءِ، قَالَ مُعَاذٌ:
الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ:
الْعِلْمُ وَالنِّيَّةُ وَالصَّبْرُ وَالْإِخْلَاصُ.
أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ: جَمْعُ الْجَنَّةِ، وَالْجَنَّةُ:
الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ، سُمِّيَتْ
بِهَا لِاجْتِنَانِهَا وَتَسَتُّرِهَا بِالْأَشْجَارِ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: الْجَنَّةُ مَا فِيهِ النَّخِيلُ،
وَالْفِرْدَوْسُ مَا فِيهِ الْكَرْمُ.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا، أَيْ: مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا
وَمَسَاكِنِهَا الْأَنْهارُ، أَيِ: الْمِيَاهُ فِي
الْأَنْهَارِ، لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يَجْرِي، وَقِيلَ: مِنْ
تَحْتِهَا أَيْ: بأمرهم كقوله [4] تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
فِرْعَوْنَ: وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي
[الزُّخْرُفِ: 51] ، أَيْ [5] : بِأَمْرِي، وَالْأَنْهَارُ
جَمْعُ نَهْرٍ، سُمِّيَ بِهِ لِسِعَتِهِ وَضِيَائِهِ، وَمِنْهُ
النَّهَارُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَجْرِي فِي غَيْرِ
أُخْدُودٍ» [6] .
كُلَّما: مَتَى مَا، رُزِقُوا: أُطْعِمُوا مِنْها أَيْ: مِنَ
الْجَنَّةِ، مِنْ ثَمَرَةٍ أي: ثمرة، ومن: صِلَةٌ، رِزْقاً:
طَعَامًا، قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ، قبل [7]
: رَفْعٌ عَلَى الْغَايَةِ، قَالَ اللَّهُ
__________
(1) في المطبوع «جمع» .
(2) في المطبوع «تتغير» .
(3) زيادة في المطبوع.
(4) في المطبوع «لقوله» . [.....]
(5) سقط لفظ «أي» من المطبوع.
(6) لا أصل له في المرفوع وإنما هو من قول مسروق بن الأجدع كما
في «تفسير الطبري» (509) وليس بالمرفوع، فتنبه، والله الموفق
(7) في المطبوع «وقبل» .
(1/94)
تَعَالَى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ
وَمِنْ بَعْدُ [الرُّومِ: 4] ، قِيلَ: مِنْ قَبْلُ فِي
الدُّنْيَا، وَقِيلَ: الثِّمَارُ فِي الْجَنَّةِ مُتَشَابِهَةٌ
فِي اللَّوْنِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الطَّعْمِ، فَإِذَا رُزِقُوا
ثَمَرَةً بَعْدَ أُخْرَى ظَنُّوا أَنَّهَا الأولى، وَأُتُوا
بِهِ [أي:
الرزق] [1] .
مُتَشابِهاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ:
مُتَشَابِهًا فِي الْأَلْوَانِ مُخْتَلِفًا فِي الطُّعُومِ،
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مُتَشَابِهًا أَيْ يُشْبِهُ
بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْجَوْدَةِ، أَيْ: كُلُّهَا خِيَارٌ
لَا رَذَالَةَ فِيهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ:
يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنْيَا، غَيْرَ أَنَّهَا أَطْيَبُ،
وَقِيلَ: مُتَشَابِهًا فِي الِاسْمِ مُخْتَلِفًا فِي
الطَّعْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه:
لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الجنة [شيء] [2] إلا
الأسامي.
«39» أَنَا أَبُو حَامِدٍ [أَحْمَدُ] [3] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى
الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
[عَبْدِ اللَّهِ] [4] الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [5] ، أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا
يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا
يَبْزُقُونَ، يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ والتسبيح كما يلهمون [6]
النَّفَسَ، طَعَامُهُمُ [7] الْجُشَاءُ وَرَشْحُهُمُ
الْمِسْكُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيها: فِي الجنات [8] أَزْواجٌ:
نساء وجوار، يَعْنِي: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، مُطَهَّرَةٌ:
مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ والبصاق
والمخاط والمني والولد [والودي] [9] [وَكُلُّ] قَذَرٍ، قَالَ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: فِي الْجَنَّةِ جِمَاعٌ مَا شِئْتَ
وَلَا وَلَدَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُنَّ عجائزكم العمص [10]
الْعُمْشُ طُهِّرْنَ مِنْ قَذَرَاتِ الدُّنْيَا، وقيل: مطهرة
من [11] مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ، وَهُمْ فِيها خالِدُونَ،
دائمون [فيها] لا يموتون ولا يخرجون منها.
__________
39- إسناده صحيح على شرط مسلم، سفيان هو ابن سعيد، والأعمش هو
سليمان بن مهران، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع الواسطي، وهو في
«شرح السنة» (4271) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2835 وأبو داود 4741 والطيالسي 1776 وأحمد 3/ 349
و384 والدارمي 2/ 335 وأبو يعلى 1906 و2052 وابن حبان 7435
وأبو نعيم في «صفة الجنة» (274 و334) والبغوي في «شرح السنة»
(4375) والبيهقي في «البعث» (316) من طرق كلهم من حديث جابر،
ورواية أبي داود مختصرة جدا.
(1) العبارة في المطبوع «رزقا» .
(2) زيادة عن تفسير الطبري 535.
(3) زيادة عن كتب التراجم.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة»
ومن «ط» .
(5) في الأصل «البزي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وكتاب
«الأنساب» .
(6) في المطبوع «تلهمون» .
(7) كذا في الأصل، ورواية مسلم «ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح
المسك» ورواية أخرى له «قالوا: فما بال الطعام؟ قال:
جشاء ورشح كرشح المسك» - قوله: «فما بال الطعام» أي أين يذهب-
ورواية ابن حبان «طعامهم له جشاء، وريحهم المسك» .
ورواية لأبي نعيم «وإنه يصير طعامهم جشاء، وشرابهم رشح مسك» .
والجشاء: تنفس المعدة من الامتلاء.
وفي النهاية لابن الأثير «الجشّاء» بتشديد الشين: الطحال.
(8) في المطبوع «جنان» .
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) في المطبوع «الغمص» . [.....]
(11) في المطبوع «عن» .
(1/95)
«40» أَنَا أَبُو عَمْرٍو [1] عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ [2] ، أَنَا أَبُو
حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ [3] ، أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ
سَعِيدٍ، أَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ
الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً،
لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا
يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ
الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ [4] ، وَأَزْوَاجُهُمُ
الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ
أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ» .
4»
أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [5] الْمَلِيحِيُّ،
أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو
الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا
فُضَيْلٌ هُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَوَّلُ زُمْرَةٍ [تَدْخُلُ] [6] الْجَنَّةَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ صُورَةُ وُجُوهِهِمْ مِثْلُ صورة القمر ليلة
__________
(1) في الأصل «أبو عمرو وعبد الواحد» والتصويب عن «ط» وعن «شرح
السنة» .
(2) في الأصل «المليجي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(3) في الأصل «العزيزي» والتصويب عن «ط» وكتاب «الأنساب»
للسمعاني.
40- إسناده صحيح على شرطهما. الفربري هو أحد رواة صحيح
البخاري. جرير هو ابن عبد الحميد، وعمارة هو ابن القعقاع بن
شبرمة. أبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير قيل: اسمه هرم، وقيل غير
ذلك.
وهو في «شرح السنة» (4269) بهذا الإسناد.
في «صحيح البخاري» (3327) عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3245 و3246 ومسلم 2834 والترمذي 2537 وعبد
الرزاق في «المصنف» (20866) وأحمد 2/ 316 وأبو نعيم في «صفة
الجنة» (243) من حديث أبي هريرة.
(4) الألوّة: هو العود الذي يتبخر به- العود الهندي.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) العبارة في المطبوع «من يدخل» .
41- إسناده ضعيف لضعف عطية بن سعد العوفي، وتقدم ذكره في
المقدمة، وباقي رجال الإسناد ثقات، علي بن الجعد من رجال
البخاري، وشيخه فضيل بن مرزوق، من رجال مسلم. وقد توبع عطية
على صدر الحديث، وتفرد ببعض ألفاظ عجزه دون بعض.
- وهو في «شرح السنة» (4270) بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي، وهو في «الجعديات»
(2005) عن علي بن الجعد بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 2522 و2535 وابن أبي شيبة 15864 (13/ 120) وأبو
نعيم في «صفة الجنة» (251) وأحمد 3/ 16 والطبراني في «الأوسط»
(919) وابن عدي في «الكامل» (6/ 19) من حديث أبي سعيد الخدري،
ومداره على عطية العوفي، وهو ضعيف.
قال الهيثمي في «المجمع» (18716) : وفي إسناده أبي سعيد عطية،
والأكثر على تضعيفه اهـ. ومع ذلك قال الترمذي:
حسن صحيح! وورد عجزه بلفظ «يرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة
حتى يرى مخها» وهذا ورد من حديث ابن مسعود، أخرجه الترمذي 2533
وابن حبان 7396 بإسناد ضعيف فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط.
وصوب الترمذي فيه الوقف. وهو الصواب، والغريب في المتن لفظ
«على كل زوجة سبعون حلة» فهذا من مناكير عطية العوفي، حيث تفرد
به، ولم يتابع عليه. وكذا تفرد بلفظ «دمائهما وحللهما» فهو من
منكراته، وقد ورد هذا الحديث عن أبي هريرة مرفوعا، أخرجه
البخاري 3254 ومسلم 2834 لكن عجزه عندهما «ولكل واحد منهما
زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم» فهذا هو الصحيح في هذا
[الحديث- والله أعلم.
(1/96)
الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ
عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ الْكَوَاكِبِ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ
رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ
حُلَّةً يُرَى مُخُّ سوقهن دون لحومهن ودمائهن وحللهن» [1] .
«42» أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ
الْخَرَقِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا [أَبُو] [2]
عَبْدِ الرَّحْمَنِ [3] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ
عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطّلعت
إلى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا
بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا [4] عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ
مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فيها» ، صحيح [أخرجه مُحَمَّدٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد عن معاوية بن عمرو عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ] [5] .
«43» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ
الْجُوَيْنِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [مُحَمَّدُ] [6] بْنُ
عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا
عَبْدُ اللَّهِ [بْنُ مُحَمَّدِ] [7] بْنِ مُسْلِمٍ [8] أَبُو
بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ [9] أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ
الْحِمْصِيُّ، أَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ
دِينَارٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ
الْمَعَافِرِيِّ [10] عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى حَدَّثَنِي
كُرَيْبٌ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ:
__________
(1) في المطبوع «لحومها ودمائها وحللها» . وفي «شرح السنة»
4270 «لحومهما ودمائهما وحللهما» .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، واستدرك من «شرح السنة» و
«الأنساب» (4/ 97) .
(3) زيد في الأصل بين «عبد الرحمن» و «عبد الله» : «بن أبي
شريح أنا» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب» .
(4) النصيف: الخمار- وقد نصفت المرأة رأسها بالخمار، وانتصفت
الجارية وتنصفت أي: اختمرت.
(5) زيد في المطبوع، وهو في «شرح السنة» 4272. [.....]
(6) زيد في المطبوع.
(7) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» و «الأنساب» (2/
113) للسمعاني.
(8) زيد في الأصل بين «مسلم» و «أبو بكر» : «أنا» والتصويب عن
«شرح السنة» و «الأنساب» .
(9) وقع في الأصل «الجوريدي» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة»
وراجع التعليق على كتاب «الأنساب» (2/ 113) .
(10) في الأصل «المغافري» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وعن
كتب التراجم.
42- إسناده صحيح على شرطهما، حميد هو ابن أبي حميد أبو عبيدة
البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، كما في
«التقريب» .
وهو في «شرح السنة» (4272) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2796 و6568 والترمذي 1651 وأحمد 3/ 141 و263
وأبو نعيم في «صفة الجنة» (380) وأبو يعلى 3775 وابن حبان 7398
من طرق كلهم من حديث أنس، وصدره عند البخاري وغيره «غدوة في
سبيل أو روحة، خير من الدنيا وما فيها ... » .
43- إسناده ضعيف، الضحاك المعافري، وثقه ابن حبان وحده، وقال
الذهبي في «الميزان» : لا يعرف. وسليمان بن موسى، ضعفه قوم،
ووثقه آخرون، وباقي رجال الإسناد ثقات. كريب هو مولى ابن عباس،
وهو كريب بن أبي مسلم.
وهو في «شرح السنة» (4282) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه 4332 والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 336)
وابن حبان 7381 وأبو نعيم 24 والطبراني في «الكبير» (388) وأبو
الشيخ في «العظمة» (601) والرامهرمزي في «الأمثال» (107)
والبيهقي في «البعث» (391) والبغوي 4386 من طرق عن عثمان بن
سعيد بن كثير بن دينار بهذا الإسناد.
وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد فيه مقال، الضحاك
المعافري ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال الذهبي في «طبقات
التهذيب» : مجهول. سليمان بن موسى الأموي مختلف فيه، وباقي
رجال الإسناد ثقات اهـ.
(1/97)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ،
وَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، وَهِيَ- وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ- نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ،
وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ [1] ، وَثَمَرَةٌ
نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ
وَمَقَامُ أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ [وَفَاكِهَةٌ] [2]
خَضِرَةٌ وَحِبَرَةٌ، وَنِعْمَةٌ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ
بَهِيَّةٍ» ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ
الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: «قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
، قَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ الله.
ع «44» وَرَوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ
الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ ولا
تبلى ثيابهم» .
«45» وأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
التُّرَابِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ
الْحَدَّادِيُّ أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى،
أَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النعمان بن سعد [3]
عن علي قال:
__________
(1) مطّرد: أي جار عليها. من اطّرد الشيء أي تبع بعضه بعضا
وجرى.
(2) كذا في الأصل، وأما عند ابن ماجه وغيره، فقد ورد ذكر
«الفاكهة» بعد قوله «ونهر مطّرد» .
44- ع حديث جيد قوي بمجموع طرقه وشواهده.
أخرجه الترمذي 2539 والدارمي 3829 وأبو نعيم في «صفة الجنة»
(256) من حديث أبي هريرة، ومداره على شهر بن حوشب وهو كثير
الإرسال والتدليس، وقد عنعن وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب
اهـ.
- وورد من طريق آخر عند أحمد 2/ 295 و415 وابن عدي 5/ 198
والطبراني في «الصغير» (808) وفي «الأوسط» (5418) والبيهقي في
«البعث» (463 و465) وفي إسناده عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ
جُدْعَانَ، وهو ضعيف.
وقال الهيثمي في «المجمع» (10/ 399) : وإسناده حسن وفي الصحيح
بعضه اهـ.
- وله شاهد من أنس بن مالك أخرجه الطبراني في «الصغير» (1164)
وابن أبي داود في «البعث» (65) وأبو نعيم في «الحلية» (3/ 56)
والبيهقي في «البعث» (462) .
وفي إسناده هارون بن رئاب، وهو ثقة، لكن مختلف في سماعه من أنس
كما في التهذيب.
- وله شاهد آخر من حديث معاذ بن جبل أخرجه الترمذي 2545 وأحمد
5/ 232 و239 و243 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (257) وفي إسناده
شهر بن حوشب. وهو حسن الحديث في المتابعات.
وقال الترمذي: حسن غريب، وبعض أصحاب قتادة رووا هذا عن قتادة
مرسلا، ولم يسندوه اهـ.
- وحديث أبي هريرة حسّنه لشواهده الأرناؤوط في «جامع الأصول»
(8081) وهو حديث حسن صحيح، ولأصله شواهد.
45- إسناده ضعيف جدا، فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة
الواسطي، وهو ضعيف، متروك الحديث. وشيخه النعمان بن سعد مجهول.
والوهن فقط في صدره، أما عجزه فله شواهد.
وهو في «شرح السنة» (4284) بهذا الإسناد. لكن جعله موقوفا.
وورد مرفوعا وأخرجه الترمذي 2550 و2564 وابن أبي شيبة 13/ 100-
101 وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (1/ 156) وأبو يعلى
268 وابن عدي 4/ 305 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (418) وابن
الجوزي في «الموضوعات» (3/ 256) وفي «العلل المتناهية» (1555)
والبيهقي في «البعث» (418) من حديث علي بن أبي طالب، وقال
الترمذي: هذا حديث غريب اهـ وكذا استغربه العراقي في تخريج
الإحياء 4/ 525، وهذا توهين منهما للحديث.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، والمتهم به عبد الرحمن بن
إسحاق، أبو شيبة الواسطي. قال أحمد: ليس بشيء منكر الحديث،
وقال يحيى: متروك اهـ. قلت: الوهن فقط في صدره، وأما عجزه، وهو
غناء الحور العين إلخ، فله شواهد لكنها ضعيفة. راجع «الترغيب
والترهيب» (4/ 447) فصل «غناء الحور العين» ، وكذا «المجمع»
(10/ 419) .
(3) وقع في الأصل «سعيد» والتصويب من كتب التراجم.
(1/98)
إِنَّ اللَّهَ لَا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا
فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ
بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ
إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ
اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ
اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [1] : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا
لَيْسَ فِيهَا بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ إِلَّا الصُّوَرَ مِنَ
الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلَ صُورَةً
دخلها [2] ، وإن فيها لمجتمع حور الْعِينِ يُنَادِينَ بِصَوْتٍ
لَمْ يَسْمَعِ الخلائق بمثلها [3] : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ
فَلَا نَبِيدُ أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ
أَبَدًا، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ [أَبَدًا] [4]
، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا [وَكُنَّا لَهُ] [5] أَوْ
نَحْنُ لَهُ» .
وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى عَنْ هَنَّادٍ وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ
عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا وَقَالَ: [هَذَا] [6]
حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
«46» أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
الْجُرْجَانِيُّ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ،
أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا
مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ [7]
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ]
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ
جُمْعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي
وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا
فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا
وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أهلوهم [9] : وَاللَّهِ لَقَدِ
ازْدَدْتُمْ [بَعْدَنَا] حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ:
وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازددتم [بعدنا] [10] حسنا وجمالا»
.
[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا
بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا
الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا
مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما
يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ
عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ
يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها.
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
لَمَّا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ
فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ
يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الْحَجِّ: 73] ،
وَقَالَ: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ
__________
46- إسناده صحيح على شرط مسلم: ثابت هو ابن أسلم البناني.
وهو في «شرح السنة» (4285) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (2833) عن أبي
عثمان بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة 13/ 150 وأحمد 3/ 284 و285 والدارمي 2845
وأبو نعيم 417 والبغوي في «شرح السنة» (15/ 226- 227) والبيهقي
في «البعث» (417) من حديث أنس.
(1) زيد في المطبوع، وفي نسخة- ط- وليس هو في المخطوط وشرح
السنة لكن يؤيد الأول هو أنه أخرجه الترمذي وابن أبي شيبة
وغيرهما مرفوعا كما في التخريج، فالله أعلم. [.....]
(2) في المطبوع «دخل فيها» .
(3) في المطبوع «مثله» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من المخطوط.
(7) وقع في الأصل «سعد» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وعن
«صحيح مسلم» .
(8) في الأصل «مسلمة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(9) في المطبوع «أهلهم» .
(10) سقط من المخطوط.
(1/99)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ
بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ
الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [العنكبوت: 41] ، قالت
اليهود: ماذا [1] أَرَادَ اللَّهُ بِذِكْرِ هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ؟.
وَقِيلَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَا نَعْبُدُ إِلَهَا
يَذْكُرُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي، أَيْ: لَا يَتْرُكُ
وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا [أي] [2]
يَذْكُرُ شَبَهًا، مَا بَعُوضَةً، مَا:
صلة، أي: مثلا بالبعوضة، وبعوضة: نَصْبُ بَدَلٍ عَنِ
الْمَثَلِ، وَالْبَعُوضُ صغار البق، سمّيت بعوضة لأنها [3]
بَعْضُ الْبَقِّ، فَما فَوْقَها، يَعْنِي: الذُّبَابَ
وَالْعَنْكَبُوتَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: فَمَا دُونَهَا، كَمَا
يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ:
وَأَجْهَلُ.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا: بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ،
فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ، يَعْنِي: الْمَثَلُ هُوَ الْحَقُّ:
الصِّدْقُ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ أَيْ:
بِهَذَا الْمَثَلِ، فَلَمَّا حَذَفَ الألف واللام نصب عَلَى
الْحَالِ وَالْقَطْعِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: يُضِلُّ بِهِ
كَثِيراً من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فَيَزْدَادُونَ
ضَلَالًا، وَيَهْدِي بِهِ، أَيْ: بهذا المثل كَثِيراً من
الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ
الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ [4] ، وَقِيلَ: هُوَ
الْهَلَاكُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا
هَلَكَ، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ:
الْكَافِرِينَ، وَأَصْلُ الْفِسْقَ: الْخُرُوجُ، يُقَالُ:
فَسَقَتِ الرطبة إذا خرجت عن قِشْرِهَا، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: 50] ،
أَيْ: خَرَجَ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ:
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ: يُخَالِفُونَ وَيَتْرُكُونَ، وَأَصْلُ
النَّقْضِ: الْكَسْرُ، عَهْدَ اللَّهِ: أَمْرُ اللَّهِ الَّذِي
عَهِدَ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ بِقَوْلِهِ: أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: 172] ، وَقِيلَ:
أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى النَّبِيِّينَ
وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [آلِ عِمْرَانَ: 81] الْآيَةَ،
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ
فِي التَّوْرَاةِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبَيِّنُوا نَعْتَهُ، مِنْ بَعْدِ
مِيثاقِهِ:
تَوْكِيدِهِ، وَالْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ،
وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، يَعْنِي:
الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِأَنَّهُمْ
قَالُوا: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء: 150]
، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ
رُسُلِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْأَرْحَامَ، وَيُفْسِدُونَ
فِي الْأَرْضِ: بِالْمَعَاصِي وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ
الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَبِالْقُرْآنِ، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ: الْمَغْبُونُونَ،
ثُمَّ قَالَ لِمُشْرِكِي العرب على وجه التعجب:
[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً
فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ
إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ
فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
(29)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ؟ بَعْدَ نَصْبِ الدَّلَائِلِ
وَوُضُوحِ الْبَرَاهِينِ [5] ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلَائِلَ [6]
فَقَالَ:
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً: نُطَفًا فِي أَصْلَابِ آبَائِكُمْ،
فَأَحْياكُمْ: فِي الْأَرْحَامِ وَالدُّنْيَا، ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ:
لِلْبَعْثِ [7] ، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَيْ:
تُرَدُّونَ في الآخرة فيجزيكم
__________
(1) في المطبوع «ما» .
(2) زيادة عن المخطوط- أ-.
(3) زيد في المطبوع «كانت» .
(4) كذا في المطبوع ونسخة- ط- وفي المخطوط «بالباطل» .
(5) في المطبوع «البرهان» . [.....]
(6) في المخطوط «الدليل» .
(7) في المخطوط «بالبعث» .
(1/100)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى
الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ
لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (32)
بِأَعْمَالِكُمْ، قَرَأَ يَعْقُوبُ
تُرْجَعُونَ [فِي] [1] كُلِّ الْقُرْآنِ بِفَتْحِ الْيَاءِ
وَالتَّاءِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً [2] ، لِكَيْ تَعْتَبِرُوا
وَتَسْتَدِلُّوا، وَقِيلَ: لِكَيْ تَنْتَفِعُوا، ثُمَّ اسْتَوى
إِلَى السَّماءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ مُفَسِّرِي
السَّلَفِ: أَيِ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ
كَيْسَانَ وَالْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ:
أَيْ أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: قَصَدَ
لِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَدَ إِلَى
خَلْقِ السماء، فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ: [أي]
خَلَقَهُنَّ مُسْتَوَيَاتٍ [3] لَا فُطُورَ فِيهَا [4] ولا
صدوع، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ
وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَقَالُونُ (وَهْوَ، وَهْيَ)
بِسُكُونِ الْهَاءِ إِذَا كَانَ قَبْلَ الْهَاءِ: وَاوٌ أَوْ
فَاءٌ أَوْ لَامٌ، زَادَ الْكِسَائِيُّ وَقَالُونُ [ (ثُمَّ
هْوَ) وَقَالُونُ] [5] أَنْ يُمِلَّ هُوَ [البقرة:
212] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي
الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ
فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى
الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا
إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
(32)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ، أَيْ: وَقَالَ
رَبُّكَ وَإِذْ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ إِذْ
قَالَ رَبُّكَ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ
مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَذَا سَبِيلُهُ، وَإِذْ وَإِذَا
حَرْفَا تَوْقِيتٍ إِلَّا أَنَّ إِذْ لِلْمَاضِي وَإِذَا
لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ يُوضَعُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ
الْآخَرِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِذَا جَاءَ إِذْ مَعَ
الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ [الأنفال: 20] ، يريد وإذ مكر،
وَإِذَا جَاءَ [إِذَا] مَعَ الْمَاضِي كانت مَعْنَاهُ
مُسْتَقْبَلًا كَقَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ
[النَّازِعَاتِ: 34] ، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ [النَّصْرِ:
1] ، أَيْ: يَجِيءُ. لِلْمَلائِكَةِ [والملائكة] [6] جَمْعُ
مَلَكٍ، وَأَصْلُهُ مَأْلَكٌ مِنَ الْمَأْلَكَةِ
وَالْأَلُوكَةِ وَالْأُلُوكِ: وَهِيَ الرِّسَالَةُ، فَقُلِبَتْ
فَقِيلَ: مَلْأَكٌ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا
لِلْخِفَّةِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا
إِلَى اللَّامِ: فَقِيلَ: «ملك» وأراد به الْمَلَائِكَةَ
الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْضِ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاءَ
وَالْأَرْضَ وَخَلَقَ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ فَأَسْكَنَ
الْمَلَائِكَةَ السَّمَاءَ وَأَسْكَنَ الْجِنَّ الأرض
فَعَبَدُوا دَهْرًا طَوِيلًا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ ظَهَرَ
فِيهِمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ فأفسدوا [واقتتلوا] [7] ،
فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ جُنْدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ
يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، وَهُمْ خزان الجنان اشتق لهم [اسم]
[8] مِنَ الْجَنَّةِ رَأَسَهُمْ إِبْلِيسَ وَكَانَ رَئِيسَهُمْ
وَمُرْشِدَهُمْ وَأَكْثَرَهُمْ عِلْمًا، فَهَبَطُوا إِلَى
الْأَرْضِ فَطَرَدُوا الْجِنَّ إِلَى شعوب الجبال وَجَزَائِرِ
الْبُحُورِ وَسَكَنُوا الْأَرْضَ وَخَفَّفَ الله عنهم العبادة
وأعطى اللَّهُ إِبْلِيسَ [مُلْكَ] [9] الْأَرْضِ، وَمُلْكَ
السماء الدنيا وخزانة الجنة فكان يَعْبُدُ اللَّهَ تَارَةً فِي
الْأَرْضِ وَتَارَةً فِي السَّمَاءِ وَتَارَةً فِي الجنة فدخله
العجب، وقال فِي نَفْسِهِ: مَا أَعْطَانِي اللَّهُ هَذَا
الْمُلْكَ إِلَّا لِأَنِّي أَكْرَمُ الملائكة عليه، فقال الله
له ولجنده:
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع «للحي» .
(3) في- أ- «سويات» .
(4) في- أ- «فيهن» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع وط- «قتلوا» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط.
(1/101)
إِنِّي جاعِلٌ [خَالِقٌ] [1] فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً، أَيْ: بَدَلًا مِنْكُمْ وَرَافِعُكُمْ إِلَيَّ
فَكَرِهُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْوَنَ
الْمَلَائِكَةِ عِبَادَةً، وَالْمُرَادُ بِالْخَلِيفَةِ
هَاهُنَا آدَمُ سَمَّاهُ خَلِيفَةً لِأَنَّهُ خَلَفَ الْجِنَّ،
أَيْ: جَاءَ بَعْدَهُمْ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ لإقامة أحكامه وتنفيذ قضاياه،
قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها: بِالْمَعَاصِي،
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَيْ: كَمَا فَعَلَ
بَنُو الْجَانِّ فَقَاسُوا الشَّاهِدَ عَلَى الْغَائِبِ،
وَإِلَّا فَهُمْ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، قَالَ الْحَسَنُ: نَقُولُ سُبْحَانَ
اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَهُوَ صَلَاةُ الْخَلْقِ [وَصَلَاةُ
الْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ] [2]
وَعَلَيْهَا يُرْزَقُونَ.
«47» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عِيسَى أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ،
أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ
أَنَا حَبَّانُ [3] بْنُ هِلَالٍ، أَنَا وُهَيْبٌ أَنَا
سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الجسري عن ابن
الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ [4] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ
أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ
لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» .
وقيل: نحن نُصَلِّي بِأَمْرِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ
مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّسْبِيحِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ
الصَّلَاةُ، وَنُقَدِّسُ لَكَ، أَيْ: نُثْنِي عَلَيْكَ
بِالْقُدْسِ والطهارة [عما لا يليق بعظمتك وجلالك] [5] ،
وَقِيلَ: وَنُطَهِّرُ أَنْفُسَنَا لِطَاعَتِكَ، وَقِيلَ:
وَنُنَزِّهُكَ، وَاللَّامُ: صِلَةٌ، وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ
هَذَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِرَاضِ
وَالْعُجْبِ بِالْعَمَلِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ
وَطَلَبِ [وَجْهِ] [6] الْحِكْمَةِ فِيهِ، قالَ اللَّهُ:
إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ: من الْمَصْلَحَةَ فِيهِ،
وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ
يُطِيعُنِي ويعبدني من الأنبياء والأولياء والصلحاء، وَقِيلَ:
إِنِّي [7] أَعْلَمُ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ يَعْصِينِي وَهُوَ
إِبْلِيسُ، وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُذْنِبُونَ
وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ
وَالْبَصْرَةِ: إِنِّي أَعْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ
كَلُّ يَاءِ إِضَافَةٍ اسْتَقْبَلَهَا أَلِفٌ مَفْتُوحَةٌ
إِلَّا فِي مَوَاضِعَ معدودة، ويفتحون في بعض مواضع عِنْدَ
الْأَلِفِ الْمَضْمُومَةِ وَالْمَكْسُورَةِ، وَعِنْدَ غَيْرِ
الْأَلِفِ، وَبَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي تفصيله اختلاف.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها:
سُمِّيَ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ،
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ آدَمَ اللَّوْنِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو
مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْبَشَرِ، فَلَمَّا خَلَقَهُ الله عزّ وجلّ
علّمه أسماء الأشياء [كلها] [8] .
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا لَمَّا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً لِيَخْلُقْ
رَبُّنَا مَا شَاءَ فَلَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ
مِنَّا وَإِنْ كَانَ غيرنا أكرم عليه فَنَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُ
لِأَنَّا خُلِقْنَا قَبْلَهُ وَرَأَيْنَا مَا لَمْ يَرَهُ،
__________
47- إسناده صحيح على شرط مسلم. وهيب هو ابن خالد الباهلي،
وسعيد هو ابن إياس الجريري- بضم الجيم- وأبو عبد الله هو حميري
بن بشير مشهور بكنيته.
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (2731) ح 84 عن
زهير بن حرب بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2731 ح 85 والترمذي 3587 وأحمد 5/ 148 و176 من طرق
عن سعيد الجريري بهذا الإسناد.
(1) زيادة عن المخطوط وط-.
(2) زيد في المطبوع. [.....]
(3) وقع في الأصل «جينان» والتصويب من كتب «تراجم الرجال» .
(4) في الأصل «عن» والتصويب عن «شرح السنة» و «صحيح مسلم» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من المطبوع.
(7) في المطبوع «إن» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(1/102)
قَالَ يَا آدَمُ
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ
بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ
غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
(34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا
تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ
(35)
فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَضْلَهُ
عَلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنْ كَانُوا
رُسُلًا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ
[وَالْجَمَاعَةِ] [1] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: عَلَّمَهُ
اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْقَصْعَةِ وَالْقُصَيْعَةِ،
وَقِيلَ: اسْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَسْمَاءَ
الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ، وَقِيلَ:
صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَ آدَمَ جَمِيعَ اللُّغَاتِ ثُمَّ
تَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ بِلُغَةٍ
فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَاخْتَصَّ كُلَّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ بِلُغَةٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ،
إِنَّمَا قَالَ: عَرَضَهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ عَرَضَهَا، لِأَنَّ
الْمُسَمَّيَاتِ إذا جمعت [2] مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا
يَعْقِلُ يُكَنَّى عَنْهَا بِلَفْظِ مَنْ يَعْقِلُ، كَمَا
يُكَنَّى عَنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِلَفْظِ الذُّكُورِ،
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: خَلَقَ الله كل شيء [من] [3] الْحَيَوَانَ
وَالْجَمَادَ ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الشُّخُوصَ عَلَى
الْمَلَائِكَةِ، فَالْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الشُّخُوصِ
[4] ، فَلِذَلِكَ قَالَ عَرَضَهُمْ، فَقالَ أَنْبِئُونِي
أَخْبَرُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [أي الموجودات] [5] إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ [فِي] [6] أَنِّي لا أخلق خلقا إلّا كنتم
أفضل وأعلم منه، قالُوا [7] الْمَلَائِكَةُ إِقْرَارًا
بِالْعَجْزِ:
قالُوا سُبْحانَكَ: تَنْزِيهًا لَكَ، لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا
ما عَلَّمْتَنا، معناه: إنك أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُحِيطَ
بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِكَ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَلِيمُ بِخَلْقِكَ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِكَ،
وَالْحَكِيمُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْحَاكِمُ وَهُوَ
الْقَاضِي الْعَدْلُ، وَالثَّانِي الْمُحْكِمُ لِلْأَمْرِ كَيْ
لَا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَأَصْلُ الْحِكْمَةِ
فِي اللُّغَةِ:
الْمَنْعُ فَهِيَ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنَ الْبَاطِلِ،
وَمِنْهُ حِكْمَةُ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهَا مِنَ
الِاعْوِجَاجِ، فلما ظهر عجزهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 35]
قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا
أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي
أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ
أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) وَقُلْنا
يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها
رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
قالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ
بِأَسْمائِهِمْ، أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَسَمَّى آدَمُ
كُلَّ شَيْءٍ [بِاسْمِهِ] [8] وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ الَّتِي
لِأَجْلِهَا خُلِقَ، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ
قالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يَا مَلَائِكَتِي
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [مَا كَانَ
مِنْهُمَا وَمَا يَكُونُ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي
أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ] [9] .
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: (إِنِّيَ) ،
بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ يفتحون كَلُّ يَاءِ إِضَافَةٍ
اسْتَقْبَلَهَا أَلِفٌ قطع مفتوحة إلا أحرفا معدودة، ويفتح
نافع و [أبو] [10] عمرو عند الألف المكسورة أيضا إلا أحرفا
معدودة، ويفتح نافع عند المضمومة إلا أحرفا معدودة، والآخرون
لا يفتحون إلا [في] [11] أحرف معدودة، وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي قَوْلَهُمْ
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، وَما كُنْتُمْ
تَكْتُمُونَ:
قَوْلَكُمْ لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ خلقا أكرم عليه منّا.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المخطوط «اجتمعت مع» .
(3) زيادة في المخطوط.
(4) في المطبوع «الخصوص» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيادة عن نسخة- ط-.
(7) في نسخ المطبوع «فقالت» .
(8) زيادة عن المخطوط. [.....]
(9) ما بين المعقوفتين سقط من أحد المخطوطين.
(10) سقط من المطبوع.
(11) زيد في المطبوع.
(1/103)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ إِبْلِيسَ
مَرَّ عَلَى جَسَدِ آدَمَ وَهُوَ مُلْقًى بَيْنَ مَكَّةَ
وَالطَّائِفِ لَا رُوحَ فِيهِ، فَقَالَ:
لِأَمْرٍ مَا خُلِقَ هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ فِي فِيهِ وَخَرَجَ
مِنْ دُبُرِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ خَلْقٌ لَا يَتَمَاسَكُ
لِأَنَّهُ أَجْوَفُ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ
مَعَهُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ فُضِّلَ [الله] [1] هَذَا
عَلَيْكُمْ وَأُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ مَاذَا تَصْنَعُونَ؟
قَالُوا: نُطِيعُ أَمْرَ رَبِّنَا، فَقَالَ إِبْلِيسُ فِي
نَفْسِهِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سُلِّطْتُ عَلَيْهِ
لَأُهْلِكَنَّهُ وَلَئِنْ سُلِّطَ عَلَيَّ لَأَعْصِيَنَّهُ،
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ يَعْنِي: مَا تُبْدِيهِ
الْمَلَائِكَةُ مِنَ الطَّاعَةِ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
يَعْنِي إِبْلِيسَ من المعصية.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لِآدَمَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى جِوَارِ أَلِفِ اسْجُدُوا، وَكَذَلِكَ
قَرَأَ قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الْأَنْبِيَاءِ: 112] ،
بِضَمِّ الْبَاءِ، وَضَعَّفَهُ النُّحَاةُ جِدًّا وَنَسَبُوهُ
إِلَى الْغَلَطِ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا
الْخِطَابَ مَعَ [أي من] [2] الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: مَعَ الَّذِينَ كَانُوا سُكَّانَ الْأَرْضِ
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
[الْحِجْرِ: 30] ، وَقَوْلُهُ: اسْجُدُوا، فِيهِ قَوْلَانِ:
الْأَصَحُّ أَنَّ السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ
وَتَضَمَّنَ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
بِامْتِثَالِ [3] أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سُجُودَ تَعْظِيمٍ
وَتَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، كَسُجُودِ إِخْوَةِ
يُوسُفَ لَهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَخَرُّوا لَهُ
سُجَّداً [يُوسُفَ: 100] ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعُ
الْوَجْهِ عَلَى الأرض إنما كان انحناء، فَلَمَّا جَاءَ
الْإِسْلَامُ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ.
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ أَيْ: إِلَى
آدَمَ فَكَانَ آدَمُ قِبْلَةً وَالسُّجُودُ لِلَّهِ تَعَالَى
كَمَا جُعِلَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةً لِلصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَجَدُوا يَعْنِي: الْمَلَائِكَةُ،
إِلَّا إِبْلِيسَ، وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ
بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَبِالْعَرَبِيَّةِ الْحَارِثُ، فَلَمَّا
عَصَى [4] غُيِّرَ اسْمُهُ وَصُورَتُهُ، فقيل [له] [5] :
إِبْلِيسُ لِأَنَّهُ أَبْلَسَ مِنْ رَحْمَةِ الله تعالى، أي:
يئس [منها] [6] .
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ
الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ،
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مِنَ الْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ
مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: 50] ،
فَهُوَ أَصْلُ الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ،
وَلِأَنَّهُ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَالْمَلَائِكَةَ خُلِقُوا
مِنَ النُّورِ، وَلِأَنَّ لَهُ ذُرِّيَّةً وَلَا ذُرِّيَّةَ
لِلْمَلَائِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ خِطَابَ
السُّجُودِ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَوْلُهُ: كانَ مِنَ
الْجِنِّ، أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ
الْجَنَّةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: مِنَ الملائكة الذين [كانوا]
[7] يَصُوغُونَ حُلِيَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ
فِرْقَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ خُلِقُوا مِنَ النَّارِ سُمُّوا
جِنًّا لِاسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْأَعْيُنِ، وَإِبْلِيسُ كَانَ
مِنْهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً
[الصَّافَّاتِ: 158] ، وَهُوَ قَوْلُهُمُ:
الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَلَمَّا أَخْرَجَهُ اللَّهُ
مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُعِلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ، قَوْلُهُ: أَبى
أَيِ: امْتَنَعَ فَلَمْ يَسْجُدْ، وَاسْتَكْبَرَ، أَيْ:
تَكَبَّرَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ، وَكانَ أي: وصار مِنَ
الْكافِرِينَ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:
وَكَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ [أنه] [8] مِنَ
الْكَافِرِينَ الَّذِينَ وَجَبَتْ لَهُمُ الشقاوة.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المخطوط تقديم وتأخير في العبارات هاهنا، وسياق المطبوع
وفي نسخة- ط- هو الصواب، والله أعلم.
(4) تحرف في المطبوع «عصى» إلى «أعصى» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) ليست في المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(1/104)
فَأَزَلَّهُمَا
الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي
الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى
آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا
جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ
هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
«48» أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ أَنَا [1] الْحَاكِمُ أَبُو
الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ أَنَا
أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ [2] ،
أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا
جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ
الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا وَيْلَهْ أُمِرَ ابْنُ
آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ [3] فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ
بِالسُّجُودِ فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ لم يكن [له] [4]
فِي الْجَنَّةِ مَنْ يُجَانِسُهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَخَلَقَ
اللَّهُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ من قصيراء [أي من] [5] شِقِّهِ
الْأَيْسَرِ، وَسُمِّيَتْ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ
حَيٍّ، خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يحسّ
بِهِ آدَمُ وَلَا وَجَدَ لَهُ أَلَمًا، وَلَوْ وَجَدَ لَمَا
عَطَفَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ قَطُّ، فَلَمَّا هَبَّ مِنْ
نَوْمِهِ رَآهَا جَالِسَةً عند رأسه كأحسن ما خَلْقِ اللَّهِ،
فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: زَوْجَتُكَ خَلَقَنِي
اللَّهُ لَكَ تَسْكُنُ إِلَيَّ وَأَسْكُنُ إِلَيْكَ وَكُلا
مِنْها رَغَداً: وَاسِعًا كَثِيرًا، حَيْثُ شِئْتُما: كَيْفَ
شِئْتُمَا [وَمَتَى شِئْتُمَا] [6] وَأَيْنَ شِئْتُمَا، وَلا
تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ، يعني: بالأكل، قال بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ: وَقَعَ النَّهْيُ عَلَى جِنْسٍ مِنَ الشَّجَرِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَى شَجَرَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تلك الشجرة، فقال ابْنُ عَبَّاسٍ
وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ السُّنْبُلَةُ،
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَقَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: شَجَرَةُ التِّينِ، وَقَالَ قَتَادَةُ:
شَجَرَةُ الْعِلْمِ، وَفِيهَا مِنْ كل شيء، وقال علي: شَجَرَةُ
الْكَافُورِ، فَتَكُونا: فَتَصِيرَا مِنَ الظَّالِمِينَ، أي:
[من] [7] الضَّارِّينَ [8] بِأَنْفُسِكُمَا بِالْمَعْصِيَةِ،
وَأَصْلُ الظُّلْمِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ
[9] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 36 الى 38]
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا
كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا
مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ
تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
(38)
__________
48- إسناده على شرط البخاري، تفرد البخاري عن محمد بن يحيى
الذهلي دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، جرير هو ابن
عبد الحميد، ووكيع هو ابن الجراح، وأبو معاوية هو محمد بن
خازم، الأعمش سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» بإثر (654) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 81 وابن ماجه 1052 وأحمد 2/ 443 وابن خزيمة 549
وابن حبان 2759 والبغوي 654.
والبيهقي في «الشعب» (1487) من طرق عن أبي صالح به.
(1) في الأصل «ابن الحاكم» والتصويب عن «شرح السنة» .
(2) في «شرح السنة» : «الخالدي» بدل «بن خالد» . [.....]
(3) في المطبوع «فأطاع» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المطبوع، وفي- ط- «من» بدون «أي» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «الضاربين» .
(9) في المخطوط «محله» .
(1/105)
فَأَزَلَّهُمَا، [أي] [1] : اسْتَزَلَّ
[الشَّيْطَانُ] [2] آدَمَ وَحَوَّاءَ، أَيْ: دَعَاهُمَا إِلَى
الزَّلَّةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ «فَأَزَالُهُمَا» ، أَيْ:
نَحَّاهُمَا الشَّيْطانُ: فَيْعَالُ مِنْ شَطَنَ، أَيْ:
بَعُدَ، سُمِّيَ بِهِ لِبُعْدِهِ عَنِ الْخَيْرِ وَعَنِ
الرَّحْمَةِ، عَنْها عَنِ الْجَنَّةِ فَأَخْرَجَهُما مِمَّا
كانا فِيهِ: من النَّعِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ أَرَادَ
أن يدخل [الجنة] [3] لِيُوَسْوِسَ إِلَى [4] آدَمَ وَحَوَّاءَ
فَمَنَعَتْهُ الْخَزَنَةُ فَأَتَى الْحَيَّةَ وَكَانَتْ
صَدِيقَةً لِإِبْلِيسَ وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الدَّوَابِّ
لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ كَقَوَائِمِ الْبَعِيرِ وَكَانَتْ
مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، فَسَأَلَهَا إبليس [لعلمه بصداقتها
له] [5] أن تدخله في فَمَهَا فَأَدْخَلَتْهُ وَمَرَّتْ بِهِ
عَلَى الخزنة وهم لا يعلمون [به] [6] ، فَأَدْخَلَتْهُ
الْجَنَّةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا رَآهُمَا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ،
لِأَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ آدَمُ
حِينَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ
قَالَ: لو أن أخلد، فَاغْتَنَمَ ذَلِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ
فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ مِنْ قِبَلِ الْخُلْدِ، فَلَمَّا
دَخَلَ الْجَنَّةَ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ آدَمَ وَحَوَّاءَ
وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ إِبْلِيسُ فَبَكَى وَنَاحَ
نِيَاحَةً أَحْزَنَتْهُمَا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَاحَ،
فَقَالَا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَيْكُمَا
تَمُوتَانِ فَتُفَارِقَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ مِنَ
النِّعْمَةِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا فَاغْتَمَّا،
وَمَضَى إبليس [عنهما] [7] ثم أتاهما بعد ذلك فقال: يَا آدَمُ
هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ، فَأَبَى أَنْ
يَقْبَلَ مِنْهُ وَقَاسَمَهُمَا بِاللَّهِ إِنَّهُ لَهُمَا
لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَاغْتَرَّا، وَمَا ظَنَّا أَنَّ أَحَدًا
يَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبًا فبادرت حواء إلى الأكل [من] [8]
الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَاوَلَتْ آدَمَ حَتَّى أكل [منها] [9] .
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا
أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ وَلَكِنْ
حَوَّاءُ سَقَتْهُ الْخَمْرَ حَتَّى [إِذَا] [10] سَكِرَ
قَادَتْهُ إِلَيْهَا فَأَكَلَ [11] ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
أَدْهَمَ: أَوْرَثَتْنَا تِلْكَ الْأَكْلَةُ حُزْنًا طَوِيلًا،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ لِآدَمَ: أَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَبَحْتُكَ مِنَ
الْجَنَّةِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: بَلَى يَا
رَبِّ وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا
يَحْلِفُ بِكَ كَاذِبًا، قَالَ: فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّكَ
إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ لَا تنال العيش إلا كدّا [12] [ولا تنال
من النساء إلا مشقة وتعبا] [13] . فأهبط من الجنة، وكانا
يأكلان منها رَغَدًا فَعُلِّمَ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ وَأُمِرَ
بالحرث فحرث وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى حَتَّى إِذَا بلغ حصد، ثم
درسه [14] ثُمَّ ذَرَاهُ ثُمَّ طَحَنَهُ ثُمَّ عَجَنَهُ ثُمَّ
خَبَزَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ، فَلَمْ يَبْلُغْهُ [15] حَتَّى
بَلَغَ [مِنْهُ] [16] ما شاء اللَّهِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ آدَمَ
لَمَّا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وجلّ:
يا آدم مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ
زَيَّنَتْهُ لِي حَوَّاءُ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْقَبْتُهَا أَنْ
لَا تَحْمِلَ إِلَّا كُرْهًا وَلَا تَضَعَ إِلَّا كُرْهًا
وَدَمَيْتُهَا [17] فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، فَرَنَّتْ
حَوَّاءُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ: عَلَيْكِ الرَّنَّةُ وَعَلَى
بناتك، فلما أكلا منها فتت [18] عَنْهُمَا ثِيَابُهُمَا
وَبَدَتْ سَوْآتُهُمَا وَأُخْرِجَا مِنَ الْجَنَّةِ فَذَلِكَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا:
انْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ، يَعْنِي: آدَمَ وَحَوَّاءَ
وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةَ، فَهَبَطَ آدَمُ بسر نديب مِنْ
أَرْضِ الْهِنْدِ عَلَى جَبَلٍ يقال
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط «لآدم» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) سقط من المطبوع. [.....]
(8) سقط من المطبوع، وفي المطبوع «أكل «بدل «الأكل» .
(9) في المطبوع «أكلها» .
(10) سقط من المطبوع.
(11) زيد في المخطوط «منها» .
(12) في المطبوع «نكدا» .
(13) زيادة عن المخطوط.
(14) في المطبوع «درس» وفي المخطوط «داسه» .
(15) في المخطوط «يبتلعه» والمثبت عن كتب التخريج والمطبوع.
(16) زيادة عن المخطوط.
(17) في المخطوط «أدميتها» .
(18) في- ط- «تهافتت» .
(1/106)
لَهُ نُودٌ [1] ، وَحَوَّاءُ بِجُدَّةَ،
وَإِبْلِيسُ بالأبلّة، وَالْحَيَّةُ بِأَصْفَهَانَ، بَعْضُكُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أَرَادَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي بَيْنَ
ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَالْحَيَّةِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ
ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ [الْأَعْرَافِ: 22]
.
«49» أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ [بْنُ] [2] بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ [3] مَنْصُورٍ
الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس قال: لَا أَعْلَمَهُ
إِلَّا رَفَعَ الْحَدِيثَ:
«أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ وَقَالَ: مَنْ
تَرَكَهُنَّ خَشْيَةَ أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ فَلَيْسَ مِنَّا»
، وَزَادَ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي
الْحَدِيثِ: «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حاربناهنّ» [4] .
ع «50» وَرُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ البيوت» .
ع «51» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ
بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِنْ رَأَيْتُمْ
مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا
لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ
شَيْطَانٌ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ:
مَوْضِعُ قَرَارٍ وَمَتاعٌ بُلْغَةٌ وَمُسْتَمْتَعٌ إِلى
حِينٍ: إلى انقضاء آجالكم.
فَتَلَقَّى: تلقن [5] ، وَالتَّلَقِّي: هُوَ قَبُولٌ عَنْ
فِطْنَةٍ وَفَهْمٍ، وَقِيلَ: هُوَ التَّعَلُّمُ، آدَمُ مِنْ
رَبِّهِ كَلِماتٍ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ آدَمُ بِرَفْعِ
الْمِيمِ وَكَلِمَاتٍ بِخَفْضِ التاء، وقرأ ابْنُ كَثِيرٍ
(آدَمَ) بِالنَّصْبِ (كَلِمَاتٌ) بِرَفْعِ التَّاءِ، يَعْنِي:
جَاءَتِ الْكَلِمَاتُ آدَمَ مِنْ رَبِّهِ وَكَانَتْ سَبَبَ
تَوْبَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، فقال [6]
سعيد بن
__________
(1) في نسخة من المخطوط «نور» . والمثبت عن نسخ المطبوع، و
«الدر المنثور» (1/ 116) .
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط» و «أ» و «شرح السنة» .
(3) زيد في الأصل: [محمد بن الصفار حدثنا] بين «أحمد» و
«منصور» والتصويب عن «شرح السنة» . [.....]
(4) كذا وقع في الأصل وفي مصنف عبد الرزاق وفي رواية لأبي داود
5249 من حديث ابن مسعود «فمن خاف ثأرهن» .
4 هذه الزيادة لأبي داود.
(5) في المطبوع «تلقى» .
(6) في المطبوع «قال» .
49- صحيح، أحمد بن منصور الرمادي، ثقه حافظ، كما في «التقريب»
وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن
راشد، وأيوب هو ابن أبي كريمة، وعكرمة هو أبو عبد الله مولى
ابن عباس.
وهو في «شرح السنة» (3158) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 5250 وعبد الرزاق في «المصنف» (19617) وأحمد
1/ 230 من حديث ابن عباس وإسناده صحيح.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود 5248 والحميدي
1156 وأحمد 2/ 247 و432 و250 وابن حبان 5644، وله أيضا شواهد
أخرى في الصحيحين.
50- ع صحيح. أخرجه البخاري 3297 و3312 و3313 ومسلم 2233 وأبو
داود 5253 وعبد الرزاق 19616 وابن حبان 5643 من طرق من حديث
ابن عمر، وفيه قصة.
51- ع صحيح. أخرجه مسلم 2236 وأبو داود 5259 والترمذي 1484
والنسائي في «الكبرى» (8871 و10805 و10808) ومالك 2/ 976- 977
وابن حبان 5637 والطحاوي في «المشكل» (4/ 94- 95) والبغوي 3264
من حديث أبي سعيد الخدري، وله قصة.
(1/107)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا
نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا
بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)
وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا
تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي
ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا
تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ
النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ
تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)
جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: هِيَ
قَوْلُهُ: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: 23]
الْآيَةَ.
وَقَالَ [مُجَاهِدٌ] [1] وَمُحَمَّدُ بْنُ كعب القرظي: هو
قَوْلُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ
رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي
إِنَّكَ أنت الغفور الرَّحِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ
نَفْسِي فَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ،
وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: هِيَ أَنَّ آدَمَ قَالَ: يَا
رَبِّ أَرَأَيْتَ مَا أَتَيْتُ، أَشَيْءٌ ابْتَدَعْتُهُ مِنْ
تِلْقَاءِ نَفْسِي أَمْ شَيْءٌ قَدَّرْتَهُ عَلَيَّ قَبْلَ
أَنْ تَخْلُقَنِي؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا بَلْ شَيْءٌ
قُدَّرْتُهُ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكَ، قَالَ: يَا رب
فكما قدّرته [علّي] [2] [3] فَاغْفِرْ لِي، وَقِيلَ: هِيَ
ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْحَيَاءُ وَالدُّعَاءُ وَالْبُكَاءُ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَكَى آدَمُ وَحَوَّاءُ عَلَى مَا
فَاتَهُمَا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَلَمْ
يَأْكُلَا وَلَمْ يَشْرَبَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَمْ
يَقْرُبْ آدَمُ حَوَّاءَ مِائَةَ سَنَةٍ.
وَرَوَى الْمَسْعُودِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ خباب [4] وعلقمة بن
مرثد قالا: لَوْ أَنَّ دُمُوعَ [جَمِيعِ] [5] أَهْلِ الْأَرْضِ
جُمِعَتْ لَكَانَتْ دُمُوعُ دَاوُدَ أَكْثَرَ [6] حَيْثُ
أَصَابَ الْخَطِيئَةَ، وَلَوْ أَنَّ دُمُوعَ دَاوُدَ وَدُمُوعَ
أَهْلِ الْأَرْضِ جُمِعَتْ لَكَانَتْ دُمُوعُ آدَمَ أَكْثَرَ
حَيْثُ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: بلغني أن آدم لما أهبط إِلَى
الْأَرْضِ مَكَثَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ لا يرفع رأسه [إلى
السماء] [7] حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَوْلُهُ: فَتابَ
عَلَيْهِ: فَتَجَاوَزَ عَنْهُ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ:
يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ، الرَّحِيمُ: بخلقه.
قوله تَعَالَى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً، يَعْنِي:
هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ، وَقِيلَ: الْهُبُوطُ الْأَوَّلُ مِنَ
الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ [8] الدنيا، والهبوط الثاني [9]
مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ، فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُمْ، أَيْ: فَإِنْ يَأْتِكُمْ يَا ذُرِّيَّةَ
آدَمَ مِنِّي هُدىً، أَيْ: رُشْدٌ وَبَيَانُ شَرِيعَةٍ،
وَقِيلَ: كِتَابٌ وَرَسُولٌ، فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، قَرَأَ يَعْقُوبُ: فَلا
خَوْفٌ بالنصب [في] [10] كل القرآن، والآخرون بالرفع [11]
وَالتَّنْوِينِ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا يستقبلهم وَلا
هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا [12] ، وَقِيلَ: لَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [فِي الدُّنْيَا] [13] ، وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ في الآخرة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 44]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ
فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما
مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا
بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا
تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
__________
(1) سقط من المخطوط والصواب إثباته، فكلا القولين ورد عن
مجاهد.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع «قبل أن تخلقني» وهي غير موجودة في المخطوط
ولا في «الدر المنثور» .
(4) في المطبوع «خطاب» وهو تصحيف.
(5) زيادة في نسخ المطبوع.
(6) زيد في المخطوط «من» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المخطوط «سماء» . [.....]
(9) في نسخة- ط- الآخر» .
(10) في المطبوع «بالفتح» .
(11) في المطبوع «بالضم» .
(12) في المطبوع «خلقوا» .
(13) سقط من المخطوط.
(1/108)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا: جَحَدُوا
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا بِالْقُرْآنِ أُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ: [يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هُمْ فِيها خالِدُونَ: لَا
يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ يَا أَوْلَادَ
يعقوب، ومعنى إسرا [1] : عبد [2] ، وَإِيلُ: هُوَ اللَّهُ
تَعَالَى.
وَقِيلَ: صَفْوَةُ اللَّهِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ:
(إسرائيل) بغير همزة، اذْكُرُوا: احْفَظُوا، وَالذِّكْرُ
يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَقِيلَ: أَرَادَ
بِهِ الشُّكْرَ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الذِّكْرِ، لِأَنَّ في
الشكر ذكرا وفي الكفر [3] نِسْيَانًا، قَالَ الْحَسَنُ: ذِكْرُ
النِّعْمَةِ شُكْرُهَا، نِعْمَتِيَ، أَيْ: نِعَمِي، لَفْظُهَا
وَاحِدٌ وَمَعْنَاهَا جَمْعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: 34]
، الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، أَيْ: عَلَى أَجْدَادِكُمْ
وَأَسْلَافِكُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النِّعَمُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا بَنُو
إِسْرَائِيلَ: فلق البحر، وإنجاؤهم مِنْ فِرْعَوْنَ
بِإِغْرَاقِهِ، وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ عَلَيْهِمْ فِي
التِّيهِ، وَإِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَإِنْزَالِ
التَّوْرَاةِ، فِي نِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَا تُحْصَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ جَمِيعُ النِّعَمِ الَّتِي لِلَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي [أَيْ] :
بِامْتِثَالِ أَمْرِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ: بِالْقَبُولِ
وَالثَّوَابِ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهَذَا
الْعَهْدِ مَا ذكر في سورة المائدة [في قوله] [4] : وَلَقَدْ
أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ
اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: 12] إِلَى أَنْ قَالَ:
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [الْمَائِدَةِ: 12] ،
فَهَذَا قَوْلُهُ: أُوفِ بِعَهْدِكُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ:
هُوَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا
فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
[الْبَقَرَةِ: 63] ، فَهُوَ [5] شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ،
وَقَالَ مقاتل:
هو قَوْلُهُ [تَعَالَى] : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي
إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [الْبَقَرَةِ: 83]
.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَهِدَ اللَّهُ إِلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ عَلَى لسان موسى [عليه الصّلاة والسّلام] :
إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ نبيا أمّيّا من تبعه
وصدق بالنور الذي يأتي معه [6] غفرت له ذنوبه [7]
وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ، وَجَعَلْتُ لَهُ أَجْرَيْنِ
اثْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آلَ
عِمْرَانَ: 187] ، يَعْنِي: أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ: فَخَافُونِي فِي
نَقْضِ الْعَهْدِ، وَأَثْبَتَ يَعْقُوبُ الْيَاءَآتِ المحذوفة
في الخط مثل (فارهبون، فاتقون، واخشون) ، والآخرون يحذفونها في
[8] الْخَطِّ.
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ يَعْنِي الْقُرْآنَ، مُصَدِّقاً
لِما مَعَكُمْ، أَيْ: موافقا لما معكم من [9] التَّوْرَاةَ فِي
التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْأَخْبَارِ وَنَعْتِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَزَلَتْ فِي
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ عُلَمَاءِ
الْيَهُودِ وَرُؤَسَائِهِمْ، وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ
بِهِ، أَيْ: بِالْقُرْآنِ، يُرِيدُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ،
لِأَنَّ قُرَيْشًا كَفَرَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ بِمَكَّةَ،
مَعْنَاهُ: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ
فتتابعكم اليهود على ذلك فتبوؤوا بآثامكم وآثامهم [لأنكم أصل
إضلالهم] [10] ، وَلا تَشْتَرُوا، أَيْ: وَلَا تَسْتَبْدِلُوا
بِآياتِي: بِبَيَانِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثَمَناً قَلِيلًا، أي: عوضا يَسِيرًا مِنَ
الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ
وَعُلَمَاءَهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مآكل [11] يصيبونها
__________
(1) زيد في المطبوع «إيل» .
(2) زيد في المطبوع «الله» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المخطوط «فهذه» .
(6) في المطبوع «به» .
(7) في المطبوع «ذنبه» .
(8) في نسخ المطبوع «على» .
(9) في المخطوط «يعني» بدل «من» . [.....]
(10) زيادة عن المخطوط.
(11) في المطبوع «مأكلة» .
(1/109)
من سفلتهم وجهالهم يأخذون كل عام منهم
شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ زُرُوعِهِمْ وَضُرُوعِهِمْ ونقودهم،
فخافوا أنهم إن بَيَّنُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابَعُوهُ أَنْ تَفُوتَهُمْ تلك
المأكلة، فغيّروا نعته وكتموا اسمه [عنهم] [1] ، فَاخْتَارُوا
الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ: فاخشون.
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، أَيْ: لَا تَخْلِطُوا،
يُقَالُ: لَبِسَ الثَّوْبَ يَلْبَسُ لُبْسًا، وَلَبِسَ
عَلَيْهِ الْأَمْرُ يلبس لبسا، أي: خلط، يقال: لَا تَخْلِطُوا
الْحَقَّ الَّذِي أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي
تكتبونه بأيديكم من تغيير [صفته] [2] ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى
أَنَّهُ أَرَادَ لَا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرانية، قال
[3] مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْيَهُودَ أَقَرُّوا بِبَعْضِ صِفَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَمُوا
بَعْضًا [4] لِيُصَدَّقُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَلا
تَلْبِسُوا الْحَقَّ الَّذِي تُقِرُّونَ بِهِ [5] بِالْباطِلِ،
يَعْنِي: بِمَا تَكْتُمُونَهُ، فَالْحَقُّ بَيَانُهُمْ [6]
وَالْبَاطِلُ كِتْمَانُهُمْ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ، أَيْ: لَا
تَكْتُمُوهُ، يَعْنِي: نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ
مُرْسَلٌ.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ
بِمَوَاقِيتِهَا وَحُدُودِهَا، وَآتُوا الزَّكاةَ أَدُّوا
زَكَاةَ أَمْوَالِكُمُ المفروضة، فهي مأخوذة من زكاة الزَّرْعُ
إِذَا نَمَا وَكَثُرَ، وَقِيلَ: مِنْ تَزَكَّى، أَيْ:
تَطَهَّرَ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ [7] فِي
الزَّكَاةِ لِأَنَّ فِيهَا تَطْهِيرًا وَتَنْمِيَةً لِلْمَالِ،
وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، أَيْ: صَلُّوا مَعَ
الْمُصَلِّينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابِهِ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الرُّكُوعِ لأن الركوع
رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ صَلَاةَ
الْيَهُودِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ركوع، وكأنه قَالَ: صَلُّوا
صَلَاةً ذَاتَ رُكُوعٍ، قيل: وإعادته بَعْدَ قَوْلِهِ:
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، لِهَذَا أَيْ:
صَلُّوا مَعَ الَّذِينَ فِي صَلَاتِهِمْ [8] رُكُوعٌ،
فَالْأَوَّلُ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَهَذَا فِي حَقِّ
أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ، وَقِيلَ:
هَذَا حَثٌّ على إقام الصَّلَاةِ جَمَاعَةً كَأَنَّهُ قَالَ
لَهُمْ: صَلُّوا مَعَ [الْمُصَلِّينَ] [9] الَّذِينَ
سَبَقُوكُمْ بالإيمان.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، أَيْ: بِالطَّاعَةِ،
نَزَلَتْ فِي عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ
مِنْهُمْ كَانَ يَقُولُ لِقَرِيبِهِ [10] وَحَلِيفِهِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ [11] إِذَا سَأَلَهُ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْبُتْ عَلَى دِينِهِ
فَإِنَّ أَمْرَهُ حَقٌّ، وَقَوْلَهُ صِدْقٌ، وَقِيلَ: هُوَ
خِطَابٌ لِأَحْبَارِهِمْ حَيْثُ أَمَرُوا أَتْبَاعَهُمْ
بِالتَّمَسُّكِ بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ خَالَفُوا وَغَيَّرُوا
نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: تَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ
فَلَا تَتَّبِعُونَهُ، وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ:
تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ فِيهَا نَعْتُهُ وَصَفْتُهُ، أَفَلا
تَعْقِلُونَ: أَنَّهُ حَقٌّ فَتَتَّبِعُونَهُ [12] ،
وَالْعَقْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ عِقَالِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مَا
يُشَدُّ بِهِ رُكْبَةُ الْبَعِيرِ فيمنعه عن [13] الشُّرُودِ،
فَكَذَلِكَ الْعَقْلُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ من الكفر والجحود،
[والمخالفة لما علمه الحق] [14] .
«52» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَنَا أَبُو عُمَرَ [15] بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ،
أَنَا أَبُو بكر محمد بن
__________
52- حديث قوي بطرقه، وشواهده، إسناده ضعيف لضعف عَلِيِّ بْنِ
زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وبقية رجال الإسناد ثقات، عفان هو ابن
مسلم بن عبد الله الباهلي، ثقة ثبت روى له الشيخان، وحماد بن
سلمة، روى له مسلم دون البخاري.
- وهو في «شرح السنة» (4054) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14/ 308) وأحمد 3/ 120 و180
و231 و239 كلهم عن علي بن زيد به، وقد توبع ابن زيد، تابعه
مالك بن دينار عند ابن حبان 53 وأبي نعيم في «الحلية» (8/ 43-
44) ، وعند ابن حبان المغيرة ختن مالك بن دينار، وهو لين
الحديث، وقد توبع في «الحلية» ، وأخرجه البيهقي في «الشعب»
(1773) من وجه آخر عن مالك بن دينار عن ثمامة بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ، فجعل واسطة بينهما- ثمامة- ومالك سمع من
أنس، وأخرجه أبو نعيم 8/ 172 من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُوسَى عَنْ ابن الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ
عَنْ أنس، فالحديث قوي بطرقه. وفي الباب أحاديث، منها الآتي.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم» .
(3) في المطبوع «وقال» .
(4) في المخطوط «بعضها» .
(5) في المطبوع «تغيرون» .
(6) في المخطوط «إثباتهم» .
(7) في المطبوع «موجودان» .
(8) في المطبوع «صلواتهم» والمثبت عن المخطوط وط-.
(9) زيد في نسخ المطبوع.
(10) في المخطوط «لقرينه» .
(11) في المطبوع «المؤمنين» والمثبت عن المخطوط وط-. [.....]
(12) في المطبوع «فتتبعون» .
(13) في المخطوط «من» .
(14) سقط من نسخ المطبوع.
(15) في المطبوع «عمرو» .
(1/110)
وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى
الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو
رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ
عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا
وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا
عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ
مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي
ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ
حَمْزَةَ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ
أَنَا عَفَّانُ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ
بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أسري بي رجالا تقرض شفافهم
بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا
جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءٌ مِنْ أُمَّتِّكَ
يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبَرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ
وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ» .
«53» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ [بْنُ] [1] عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ،
أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ
الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وائل قال: قال أسامة [بن زيد] [2] :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى
فِي النَّارِ فتندلق أقتابه [3] فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا
يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ [4] [5] ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ
النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ
أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ
الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا
آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» .
وَقَالَ شُعْبَةُ عن الأعمش:
«فيطحن [فيها كطحن] [6] الحمار برحاه» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 49]
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ
إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ
(46) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي
أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ
نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ
مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ
نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
__________
53- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن علي بن عبد
الله وهو المديني، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الأعمش هو
سليمان بن مهران، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة.
وهو في «شرح السنة» (4053) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (3267) عن علي
بن عبد الله بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 7098 ومسلم 2989 وأحمد 5/ 206 من طرق من حديث
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) الأقتاب: الأمعاء.
(4) الرحى: الطاحون.
(5) كذا في المطبوع وشرح السنة، وفي المخطوط «بالرحى» .
(6) في نسخ المطبوع «بها كما يطحن» والمثبت عن المخطوط، وشرح
السنة.
(1/111)
وَاسْتَعِينُوا: عَلَى مَا
يَسْتَقْبِلُكُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، وَقِيلَ: عَلَى
طَلَبِ الآخرة، بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ:
[على تمحيض محو الذنوب] [1] أَرَادَ حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ
الْمَعَاصِي، وقيل: أراد بالصبر: الصَّبْرَ عَلَى أَدَاءِ
الْفَرَائِضِ، وَقَالَ مجاهد: الصبر [هو] : الصَّوْمُ،
وَمِنْهُ سُمِّيَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَذَلِكَ
لِأَنَّ الصَّوْمَ يُزَهِّدُهُ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ
تُرَغِّبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ بِمَعْنَى
«عَلَى» أَيْ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ عَلَى الصَّلَاةِ
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ
وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [التوبة: 132] ، وَإِنَّها، ولم يقل
وإنهما، ردّ الكناية إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَيْ:
وَإِنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ: كِلْتَا
الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها [الْكَهْفِ:
33] ، أَيْ: كُلُّ [2] وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ [وَإِنَّهُ لِكَبِيرٌ،
وَبِالصَّلَاةِ] [3] وَإِنَّهَا لِكَبِيرَةٌ، فَحَذَفَ أحدهما
اختصارا.
وقال المورّج [4] : رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ
لِأَنَّهَا أَعَمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها
[التَّوْبَةِ: 34] رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْفِضَّةِ
لِأَنَّهَا أَعَمُّ، وَقِيلَ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى
الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّبْرَ دَاخِلٌ فِيهَا كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ
يُرْضُوهُ [التَّوْبَةِ: 62] ، ولم يقل يرضوهما، لأن رضى
الرسول داخل في رضى الله عزّ وجلّ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى
الِاسْتِعَانَةِ، لَكَبِيرَةٌ، أَيْ: لِثَقِيلَةٌ إِلَّا عَلَى
الْخاشِعِينَ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ:
الْخَائِفِينَ، وَقِيلَ: الْمُطِيعِينَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ
بْنُ حَيَّانَ: الْمُتَوَاضِعِينَ، وَأَصْلُ الْخُشُوعِ:
السُّكُونُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ
لِلرَّحْمنِ [طه: 108] ، فَالْخَاشِعُ سَاكِنٌ إِلَى طَاعَةِ
اللَّهِ تَعَالَى.
الَّذِينَ يَظُنُّونَ: يَسْتَيْقِنُونَ، وَالظَّنُّ [5] مِنَ
الْأَضْدَادِ يَكُونُ شَكًّا ويقينا، كالرجاء يكون أمنا وخوفا،
أَنَّهُمْ مُلاقُوا: معاينوا رَبِّهِمْ: فِي الْآخِرَةِ،
وَهُوَ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ
اللِّقَاءِ الصَّيْرُورَةُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ
راجِعُونَ: فَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي
أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
الْعالَمِينَ (47) ، أي: عالمي زمانكم، [لا مطلق العالمين] [6]
وَذَلِكَ التَّفْضِيلُ وَإِنْ كَانَ فِي حق الآباء ولكن يحصل
به الشرف في حق الأبناء.
وَاتَّقُوا يَوْماً: وَاخْشَوْا عِقَابَ [7] يَوْمٍ، لَا
تَجْزِي نَفْسٌ: لَا تَقْضِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً،
أَيْ:
حَقًّا لَزِمَهَا، وَقِيلَ: لَا تُغْنِي، وَقِيلَ: لَا تَكْفِي
شَيْئًا مِنَ الشَّدَائِدِ، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ،
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ [8]
بِالتَّاءِ، لِتَأْنِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
بِالْيَاءِ، لِأَنَّ الشَّفْعَ وَالشَّفَاعَةَ بمعنى واحد
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) زيد في المطبوع «أكل» .
(3) سقط من المخطوط. [.....]
(4) هو الإمام اللغوي مؤرّج بن عمرو السدوسي، أخذ عن الخليل بن
أحمد، راجع «الأعلام» للزركليّ (7/ 318) .
(5) زيد في نسخة- ط- «أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، وَأَنَّهُمْ
مُحَاسَبُونَ، وَأَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى،
أَيْ يصدقون بالبعث، وجعل رجوعهم إلى المحشر رجوعا إليه» .
وقال محققه: ساقط من ب.
قلت: ليس هو في نسخ المخطوط ولا نسخة المطبوع الأخرى، وسيفسر
المصنف العبارات الآتية من الآية، مما يدل على عدم ثبوت تلك
الزيادة فتأمل، والله أعلم.
(6) زيد عن المخطوط- أ- ب.
(7) في المخطوط «عذاب» .
(8) جعل في نسختي المخطوط «وأهل البصرة» بدل «ويعقوب» والمثبت
هو الصواب، حيث رجعت إلى كتب القراءات، فرأيت المثبت هو
الصواب.
(1/112)
كَالْوَعْظِ وَالْمَوْعِظَةِ،
فَالتَّذْكِيرُ عَلَى الْمَعْنَى وَالتَّأْنِيثُ عَلَى
اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ
مِنْ رَبِّكُمْ [يُونُسَ: 57] ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الْبَقَرَةِ: 275] ،
أَيْ: لَا تُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ إِذَا كَانَتْ كَافِرَةً
وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ، أَيْ: فِدَاءٌ، وسمي به لأنه مثل
[المعدل] [1] الْمَفْدِيِّ [2] وَالْعَدْلُ الْمِثْلُ، وَلا
هُمْ يُنْصَرُونَ: يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ، [يَعْنِي] : أَسْلَافَكُمْ
وَأَجْدَادَكُمْ فَاعْتَدَّهَا مِنَّةً عَلَيْهِمْ،
لِأَنَّهُمْ نَجَوْا بِنَجَاتِهِمْ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ:
أَتْبَاعِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ، وَفِرْعَوْنُ هُوَ الْوَلِيدُ
بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ، وَكَانَ مِنَ الْقِبْطِ
الْعَمَالِيقِ وَعُمِّرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ
سَنَةٍ، يَسُومُونَكُمْ: يُكَلِّفُونَكُمْ وَيُذِيقُونَكُمْ
سُوءَ الْعَذابِ: أَشَدَّ الْعَذَابِ وَأَسْوَأَهُ، وَقِيلَ:
يَصْرِفُونَكُمْ فِي الْعَذَابِ [مرة هكذا و] [3] مرة هَكَذَا
كَالْإِبِلِ السَّائِمَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ جَعْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدَمًا
وَخَوَلًا، وَصَنَّفَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ فَصِنْفٌ
يَبْنُونَ، وَصِنْفٌ يَحْرُثُونَ ويزرعون، وصنف يخدمون، وَمَنْ
لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عمل وضع عليه الجزية.
قال وَهْبٌ: كَانُوا أَصْنَافًا فِي أَعْمَالِ فرعون، فذو
والقوة يَنْحِتُونَ السَّوَارِيَ مِنَ الْجِبَالِ حَتَّى
قُرِحَتْ أَعْنَاقُهُمْ [وَأَيْدِيهِمْ] [4] وَدَبِرَتْ
ظُهُورُهُمْ مِنْ قَطْعِهَا وَنَقْلِهَا، وَطَائِفَةٌ
يَنْقُلُونَ الحجارة [والطين يَبْنُونَ لَهُ الْقُصُورَ] [5] ،
وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَضْرِبُونَ اللَّبِنَ وَيَطْبُخُونَ
الْآجُرَّ، وَطَائِفَةٌ نَجَّارُونَ وَحَدَّادُونَ،
وَالضَّعَفَةُ مِنْهُمْ يَضْرِبُ عليهم الخراج، جزية [6]
يُؤَدُّونَهَا كُلَّ يَوْمٍ فَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ
الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ ضَرِيبَتَهُ غُلَّتْ
يَمِينُهُ إِلَى عُنُقِهِ شَهْرًا، وَالنِّسَاءُ يَغْزِلْنَ
الْكَتَّانَ وَيَنْسِجْنَ، وقيل: تفسير قوله يَسُومُونَكُمْ
سُوءَ الْعَذابِ: ما [7] بعده وهو قوله تعالى: يُذَبِّحُونَ
أَبْناءَكُمْ، فهو مَذْكُورٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِنْ
قَوْلِهِ: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، وَيَسْتَحْيُونَ
نِساءَكُمْ يَتْرُكُونَهُنَّ أَحْيَاءً.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا
أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحَاطَتْ بِمِصْرَ
وَأَحْرَقَتْ كُلَّ قِبْطِيٍّ فِيهَا، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ [8]
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَالَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْكَهَنَةَ
عَنْ رؤياه فقالوا يولد ولد فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ غُلَامٌ
يَكُونُ على يديه [9] هَلَاكُكَ وَزَوَالُ مُلْكِكَ، فَأَمَرَ
فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ كُلِّ غُلَامٍ يُولَدُ فِي بني إسرائيل،
وجمع القوابل قال لَهُنَّ: لَا يُسْقَطَنَّ عَلَى أَيْدِيكُنَّ
غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا قُتِلَ وَلَا
جَارِيَةٌ إِلَّا تُرِكَتْ، ووكّل بالقوابل [أمناء ينظرون ما
يصنع كل حامل من ذكر أو أنثى ويخبرونه] [10] ، فَكُنَّ
يَفْعَلْنَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ: إنه قتل فِي طَلَبِ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ اثني عشر ألف صبي، وَقَالَ وَهْبٌ:
بَلَغَنِي أَنَّهُ ذَبَحَ فِي طَلَبِ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ تسعين ألف وليد، [قال] [11] : ثم أسرع الْمَوْتُ
فِي مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فدخل رؤوس الْقِبْطِ عَلَى
فِرْعَوْنَ وَقَالُوا: إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ وَقَعَ فِي بَنِي
إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت في أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ
عَلَيْنَا، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَةً
وَيَتْرُكُوا سنة فولد هرون في السنة التي
__________
(1) في المطبوع «المعدي» وهو ساقط من- ط- والمثبت عن
المخطوطتين.
(2) في المطبوع «والعدل» والمثبت عن المخطوطتين، ونسخة- ط-.
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المطبوع.
(6) في المطبوع «ضريبة» .
(7) زيد في المخطوط «ذكره» عقب لفظ «ما» .
(8) في المطبوع «يتعرض» .
(9) في المطبوع «يده» . [.....]
(10) سقط في نسخ المطبوع.
(11) زيد عن المخطوط.
(1/113)
وَإِذْ فَرَقْنَا
بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ
فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
لا يذبحون [1] فيها وولد موسى فِي
السَّنَةِ الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ
مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، قِيلَ:
الْبَلَاءُ: الْمِحْنَةُ، أَيْ: فِي سَوْمِهِمْ إِيَّاكُمْ
سُوءَ الْعَذَابِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: الْبَلَاءُ:
النِّعْمَةُ، أَيْ: فِي إِنْجَائِي إِيَّاكُمْ مِنْهُمْ
نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْبَلَاءُ يَكُونُ بِمَعْنَى
النِّعْمَةِ وَبِمَعْنَى الشِّدَّةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ
يَخْتَبِرُ عَلَى النِّعْمَةِ بِالشُّكْرِ، وعلى الشدة بالصبر،
قال اللَّهُ تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ
فِتْنَةً [الأنبياء: 35] .
[سورة البقرة (2) : آية 50]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ، قِيلَ: معناه فرقنا لكم
[البحر] [2] ، وَقِيلَ: فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ
إِيَّاهُ، وَسُمِّيَ الْبَحْرُ بَحْرًا لِاتِّسَاعِهِ،
وَمِنْهُ قِيلَ لِلْفَرَسِ: بَحْرٌ إِذَا اتَّسَعَ فِي
جَرْيِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَنَا هَلَاكُ فِرْعَوْنَ أَمَرَ
اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يسير
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ لَيْلًا فَأَمَرَ مُوسَى
قَوْمَهُ أَنْ يُسْرِجُوا [3] فِي بُيُوتِهِمْ إِلَى
الصُّبْحِ، وَأَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ وَلَدِ زِنًا
فِي الْقِبْطِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِمْ وَكُلَّ
وَلَدِ زِنًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْقِبْطِ إِلَى
الْقِبْطِ، حَتَّى رَجَعَ كُلٌّ إِلَى أَبِيهِ، وَأَلْقَى
اللَّهُ الْمَوْتَ عَلَى الْقِبْطِ فَمَاتَ كُلُّ بِكْرٍ
لَهُمْ فاشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا، حتى طلعت الشَّمْسُ
وَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ
وَعِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ لَا يَعُدُّونَ ابْنَ
الْعِشْرِينَ لِصِغَرِهِ وَلَا ابْنَ السِّتِّينَ لِكِبَرِهِ،
وَكَانُوا يَوْمَ دَخَلُوا مِصْرَ مَعَ يَعْقُوبَ اثْنَيْنِ
وَسَبْعِينَ إِنْسَانًا مَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَعَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ
مُوسَى سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كَانُوا سِتَّمِائَةِ
أَلْفٍ، فَلَمَّا أَرَادُوا السَّيْرَ ضُرِبَ عَلَيْهِمُ
التِّيهُ فَلَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَذْهَبُونَ، فَدَعَا مُوسَى
مَشْيَخَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ،
فَقَالُوا: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَا حَضَرَهُ
الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَى إِخْوَتِهِ عَهْدًا أَنْ لَا
يَخْرُجُوا مِنْ مِصْرَ حَتَّى يُخْرِجُوهُ مَعَهُمْ
فَلِذَلِكَ انْسَدَّ عَلَيْنَا الطَّرِيقُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ
مَوْضِعِ قَبْرِهِ فَلَمْ يَعْلَمُوا فَقَامَ مُوسَى يُنَادِي
أُنْشِدُ اللَّهَ كُلَّ مَنْ يَعْلَمُ أَيْنَ مَوْضِعُ قَبْرِ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلَا أَخْبَرَنِي بِهِ، وَمَنْ
لَمْ يَعْلَمْ [بِهِ] [4] فَصُمَّتْ أذناه عن سماع قَوْلِي،
وَكَانَ يَمُرُّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُنَادِي [فَلَا] [5]
يَسْمَعَانِ صَوْتَهُ، حَتَّى سَمِعَتْهُ عَجُوزٌ لَهُمْ
فَقَالَتْ: أَرَأَيْتُكَ إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى قَبْرِهِ
أَتُعْطِينِي كُلَّ مَا سَأَلْتُكَ؟ فَأَبَى عَلَيْهَا وَقَالَ
حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي، فَأَمَرَهُ الله تعالى بإيتائها
سؤالها، فَقَالَتْ: إِنِّي عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ لَا أَسْتَطِيعُ
الْمَشْيَ فَاحْمِلْنِي وَأَخْرِجْنِي مِنْ مِصْرَ، هَذَا فِي
الدُّنْيَا، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا
تَنْزِلَ [غُرْفَةً مِنَ] [6] الْجَنَّةِ إِلَّا نَزَلْتُهَا
مَعَكَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِنَّهُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ
فِي النيل، فادع الله تعالى حَتَّى [يَحْسِرَ عَنْهُ]]
الْمَاءَ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَحَسِرَ عَنْهُ الْمَاءَ،
ودعا الله [8] أَنْ يُؤَخِّرَ طُلُوعَ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ
يَفْرَغَ مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَفَرَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ
وَاسْتَخْرَجَهُ فِي [9] صُنْدُوقٍ مِنْ مَرْمَرٍ وَحِمَلَهُ
حَتَّى دَفَنَهُ بِالشَّامِ، فَفُتِحَ لَهُمُ الطَّرِيقُ
فَسَارُوا وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ساقتهم [10]
وهرون على مقدمتهم،
__________
(1) في المخطوط «يذبح» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) أي أمرهم أن يضيئوا السراج.
(4) سقط في المخطوط.
(5) في المطبوع «ولا» .
(6) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «منزلا في» .
(7) في المطبوع «ينحسر» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) في المخطوط «من» .
(10) ساقة الجيش: مؤخّره.
(1/114)
وَنَذَرَ [1] بِهِمْ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ
قَوْمَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَخْرُجُوا فِي طلب بني
إسرائيل حتى [تصيح الديكة] [2] فو الله مَا صَاحَ دِيكٌ تِلْكَ
اللَّيْلَةَ فَخَرَجَ فِرْعَوْنُ فِي طَلَبِ بَنِي إسرائيل،
وعلى مقدمة [3] عسكره هَامَانُ فِي أَلْفِ أَلْفِ
وَسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ فِيهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا
مِنْ دُهْمِ الْخَيْلِ سِوَى سَائِرِ الشِّيَاتِ [4] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ
فِي عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ مِائَةُ أَلْفِ حِصَانٍ أَدْهَمَ
سِوَى سَائِرِ الشِّيَاتِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ [يَكُونُ] [5]
فِي الدُّهْمِ [6] وَقِيلَ: كَانَ فِرْعَوْنُ فِي سَبْعَةِ
آلَافِ أَلْفٍ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِائَةُ أَلْفِ
نَاشِبٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ أَصْحَابُ حِرَابٍ، وَمِائَةُ أَلْفٍ
أَصْحَابُ الْأَعْمِدَةِ فَسَارَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَتَّى
وَصَلُوا إلى البحر أو لماء في غاية الزيادة.
ونظروا فَإِذَا هُمْ بِفِرْعَوْنَ حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ،
فَبَقُوا مُتَحَيِّرِينَ فَقَالُوا: يَا مُوسَى كَيْفَ
نَصْنَعُ وَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا؟ هَذَا فِرْعَوْنُ
خَلْفَنَا إِنْ أَدْرَكَنَا قَتَلَنَا وَالْبَحْرُ أَمَامَنَا
إِنْ دَخَلْنَاهُ غَرِقْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا
تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
(61) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
[الشُّعَرَاءِ: 61. 62] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ
اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [الشعراء: 63] ، فَضَرَبَهُ فَلَمْ
يُطِعْهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ كَنِّهِ، فَضَرَبَهُ
وَقَالَ: انْفَلِقْ يَا أَبَا خَالِدٍ بِإِذْنِ اللَّهِ
تَعَالَى، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ [الشعراء: 63] ، وَظَهَرَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ
طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ، وَارْتَفَعَ الْمَاءُ بَيْنَ
كُلِّ طَرِيقَيْنِ كَالْجَبَلِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ الرِّيحَ
وَالشَّمْسَ عَلَى قَعْرِ البحر حتى صار [البحر] يَبِسَا
فَخَاضَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ كُلُّ سِبْطٍ فِي
طَرِيقٍ وَعَنْ جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يَرَى
بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَخَافُوا وَقَالَ كُلُّ سِبْطٍ: قَدْ
قُتِلَ إِخْوَانُنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جِبَالِ
الْمَاءِ أَنْ تَشَبَّكِي فَصَارَ الْمَاءُ شَبَكَاتٍ
كَالطَّبَقَاتِ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْمَعُ
بَعْضُهُمْ كَلَامَ بَعْضٍ، حَتَّى عَبَرُوا الْبَحْرَ
سَالِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ فَرَقْنا
بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ
وَالْغَرَقِ.
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ لِمَا
وَصَلَ إِلَى الْبَحْرِ فرآه منفلقا قَالَ لِقَوْمِهِ:
انْظُرُوا إِلَى الْبَحْرِ انْفَلَقَ مِنْ هَيْبَتِي حَتَّى
أُدْرِكَ عبيدي الذين أبقوا مني، ادْخُلُوا الْبَحْرَ فَهَابَ
قَوْمُهُ أَنْ يَدْخُلُوهُ، وَقِيلَ: قَالُوا لَهُ: إِنْ
كُنْتَ رَبًّا فَادْخُلِ الْبَحْرَ كَمَا دخل موسى، وكان فرعون
[راكبا] عَلَى حِصَانٍ أَدْهَمَ، وَلَمْ يَكُنْ في خيل فرعون
أُنْثَى فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى وَدِيقٍ [7] ،
فَتَقَدَّمَهُمْ وَخَاضَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا شَمَّ أَدْهَمُ
فِرْعَوْنَ رِيحَهَا اقْتَحَمَ الْبَحْرَ فِي أَثَرِهَا وَهُمْ
لَا يَرَوْنَهُ [8] ، وَلَمْ يَمْلِكْ فِرْعَوْنُ مِنْ
أَمْرِهِ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَرَى فَرَسَ جِبْرِيلَ،
وَاقْتَحَمَتِ الْخُيُولُ خَلْفَهُ فِي الْبَحْرِ وَجَاءَ
مِيكَائِيلُ عَلَى فَرَسٍ خَلْفَ الْقَوْمِ [يَشْحَذُهُمْ] [9]
يسوقهم حَتَّى لَا يَشِذَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ [10] وَيَقُولَ
لَهُمُ: الْحَقُوا بِأَصْحَابِكُمْ حَتَّى خَاضُوا كُلُّهُمُ
الْبَحْرَ وَخَرَجَ [11] جِبْرِيلُ من البحر
__________
(1) أي أعلم. ووقع في المطبوع «وندر» .
(2) في نسخ المطبوع «يصبح الديك» . [.....]
(3) في المخطوط «مقدمته» دون «عسكره» .
(4) الشيات: جمع الشية: وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس.
(5) زيادة عن المخطوط وط-.
(6) الدهم: العدد الكثير- وقيل: الخيل السوداء.
(7) في القاموس: ودق ذات الحافر وداقا: أرادت الفحل- وأتان
وفرس وديق وبها وداق وفي المثل: «ودق البعير إلى الماء» يضرب
لمن خضع لشيء حرصا عليه- وذات ودقين: الداهية.
(8) هذه الأخبار من الإسرائيليات لا حجة فيها.
(9) سقط من المطبوع.
(10) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «لا يشرد منهم رجل» .
(11) في المطبوع «وخاض» .
(1/115)
وَإِذْ وَاعَدْنَا
مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ
مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا
عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ
إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
[وخرج ميكائيل مِنَ الْبَحْرِ] [1] وَهَمَّ
أَوَّلُهُمْ بِالْخُرُوجِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى
الْبَحْرَ أَنْ يأخذهم فالتطم [عليهم] [2] وأغرقهم
أَجْمَعِينَ، وَكَانَ بَيْنَ طَرَفَيِ الْبَحْرِ أربعة فراسخ
وهو [بحر القلزم طَرَفٌ مِنْ بَحْرِ فَارِسَ] [3] ، قَالَ
قتادة: [هو] بَحْرٌ مِنْ وَرَاءِ مِصْرَ يُقَالُ: إِسَافٌ،
وَذَلِكَ بِمَرْأًى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَذَلِكَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَى
مَصَارِعِهِمْ، وَقِيلَ: إِلَى إهلاكهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 54]
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ
اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ
(51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قالَ مُوسى
لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ
فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ
بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (54)
وَإِذْ واعَدْنا، هذا [4] مِنَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ
مِنَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِمْ: عَافَاكَ اللَّهُ وَعَاقَبْتُ
اللِّصَّ وَطَارَقْتُ النَّعْلَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَانَ
مِنَ اللَّهِ الْأَمْرُ وَمِنْ مُوسَى الْقَبُولُ، فَلِذَلِكَ
ذُكِرَ بِلَفْظِ المواعدة، وقرأ أبو عمرو وأهل الْبَصْرَةِ
«وَإِذْ وَعَدْنَا» مِنَ الْوَعْدِ، مُوسى: اسم عبري عرّب وهو
بالعبرانية [موشي ومو الماء وشا الشجر] [5] ، سُمِّيَ بِهِ
لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ بَيْنِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ، ثُمَّ
قُلِبَتِ الشِّينُ الْمُعْجَمَةُ سِينًا فِي الْعَرَبِيَّةِ،
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أي: انقضاءها ثلاثون من ذي الْقِعْدَةِ
وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَرَنَ [التَّارِيخَ] [6]
بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ لِأَنَّ شُهُورَ الْعَرَبِ
وُضِعَتْ عَلَى سَيْرِ الْقَمَرِ، [وَالْهِلَالُ إِنَّمَا
يُهِلُّ بِاللَّيْلِ] [7] .
وَقِيلَ: لِأَنَّ الظُّلْمَةَ أَقْدَمُ مِنَ الضَّوْءِ،
وَخَلْقُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ
[يس: 37] ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا أَمِنُوا
مِنْ عَدُوِّهِمْ وَدَخَلُوا مِصْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ
كِتَابٌ وَلَا شَرِيعَةٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهِمَا [8] ،
فَوَعَدَ الله موسى أن ينزل عليهم التَّوْرَاةَ، فَقَالَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ: إِنِّي ذاهب لميقات ربي [9] آتِيكُمْ
بِكِتَابٍ فِيهِ بَيَانُ مَا تَأْتُونَ وَمَا تَذْرُوَنَ،
وَوَاعَدَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثَلَاثِينَ مِنْ ذِي
الْقِعْدَةِ وعشر مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَاسْتَخْلَفَ
عَلَيْهِمْ أَخَاهُ هَارُونَ، فَلَمَّا أَتَى الْوَعْدُ جَاءَ
جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ، يُقَالُ لَهُ:
فَرَسُ الْحَيَاةِ لَا يُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا حُيِيَ
لِيَذْهَبَ بِمُوسَى إِلَى رَبِّهِ، فَلَمَّا رَآهُ
السَّامِرِيُّ وَكَانَ رَجُلًا صَائِغًا مِنْ أَهْلِ
بَاجَرْمَى وَاسْمُهُ مِيخَا [10] ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ [11] : كَانَ مِنْ أَهْلِ كَرْمَانَ، وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: اسْمُهُ موسى بن ظفر.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ
قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا سامرة، ورأى موضع قدم الفرس تخضرّ من
ذلك، وَكَانَ مُنَافِقًا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ مِنْ
قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ، فَلَمَّا رأى جبريل على ذلك
الفرس، [فقال: إن لهذا لشأنا وأخذ قَبْضَةً] [12] مِنْ
تُرْبَةِ حَافِرِ فَرَسِ جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ
عِكْرِمَةُ: أُلْقِيَ في
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) في المطبوع [على طرف بحر من بحر فارس] .
(4) في المطبوع «هو» .
(5) ما بين المعقوفتين في المطبوع «الماء والشجر» . [.....]
(6) سقط من المطبوع.
(7) سقط من المخطوط.
(8) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «ينتمون إليها» .
(9) في المطبوع «ربكم» .
(10) في المخطوط «ميحا» وفي «الدر» (4/ 545) «ما جرما» بدل
«باجرما» .
(11) في المخطوط «المسيب» وهو خطأ.
(12) العبارة في المطبوع «علم إِنَّ لِهَذَا شَأْنًا فَأَخَذَ
قَبْضَةً» .
(1/116)
رَوْعِهِ أَنَّهُ إِذَا أُلْقِيَ فِي شيء
غيره حيي، وكان بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدِ اسْتَعَارُوا حُلِيًّا
كَثِيرَةً مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ [حِينَ أرادوا الخروج من مصر
لعلّة عُرْسٍ لَهُمْ فَأَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ] [1]
وَبَقِيَتْ تِلْكَ الْحُلِيُّ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْرَائِيلَ،
فَلَمَّا فَصَلَ مُوسَى قال هارون [2] لِبَنِي إِسْرَائِيلَ:
إِنَّ الْحُلِيَّ الَّتِي اسْتَعَرْتُمُوهَا [3] مِنْ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ غَنِيمَةٌ لَا تَحِلُّ لَكُمْ فَاحْفِرُوا حُفْرَةً
وَادْفِنُوهَا فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى، فَيَرَى فِيهَا
رَأْيَهُ.
وَقَالَ [4] السُّدِّيُّ: إِنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
أَمَرَهُمْ أن يلقوها في حفرة [5] ، حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى
فَفَعَلُوا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحُلِيُّ صَاغَهَا
السَّامِرِيُّ عِجْلًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَلْقَى
فِيهَا [6] الْقَبْضَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ تُرَابِ
[أَثَرِ] فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَخَرَجَ
عِجْلًا مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعًا بِالْجَوَاهِرِ كَأَحْسَنِ مَا
يَكُونُ، فخار خَوْرَةً، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَخُورُ
وَيَمْشِي فَقَالَ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وإله موسى،
فنسي، أَيْ: فَتَرَكَهُ هَاهُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبُهُ،
وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخْلَفُوا الوعد فعدّوا
اليوم مع الليلة يومين، فلما مضى عِشْرُونَ يَوْمًا وَلَمْ
يَرْجِعْ مُوسَى وَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ، وَقِيلَ: كَانَ
مُوسَى قَدْ وَعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثُمَّ زِيدَتِ
الْعَشَرَةَ فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ،
فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى ظَنُّوا
أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَرَأَوُا الْعِجْلَ وسمعوا قول السامري،
فعكف ثَمَانِيَةُ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى الْعِجْلِ
يَعْبُدُونَهُ، وَقِيلَ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ
مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ
وَحْدَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ
الْعِجْلَ، أَيْ: إِلَهًا مِنْ بَعْدِهِ، أَظْهَرَ ابْنُ
كَثِيرٍ وَحَفْصٌ الذَّالَ مِنْ (أَخَذْتُ، وَاتَّخَذْتُ) ،
وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ:
ضَارُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْمَعْصِيَةِ وَاضِعُونَ
الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ: مَحَوْنَا ذنوبكم، مِنْ بَعْدِ
ذلِكَ: من عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
لِكَيْ تَشْكُرُوا عَفْوِي عَنْكُمْ وَصَنِيعِي إِلَيْكُمْ،
قِيلَ: الشُّكْرُ هُوَ الطَّاعَةُ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ فِي
السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، قَالَ الْحَسَنُ: شُكْرُ
النِّعْمَةِ ذِكْرُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضُّحَى: 11] .
قَالَ الْفُضَيْلُ: [شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْ لَا يُعْصَى
اللَّهُ بَعْدَ تِلْكَ النِّعْمَةِ] [7] ، وَقِيلَ: حَقِيقَةُ
الشُّكْرِ الْعَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ، حُكِيَ أَنَّ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِلَهِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ
النِّعَمَ السَّوَابِغَ وَأَمَرَتْنِي بِالشُّكْرِ، وَإِنَّمَا
شُكْرِي إِيَّاكَ نِعْمَةٌ مِنْكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
يَا مُوسَى تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ الذي لا يفوقه عِلْمٍ [8] ،
حَسْبِي مِنْ عَبْدِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ
نِعْمَةٍ فَهُوَ مِنِّي، وَقَالَ دَاوُدُ: سُبْحَانَ مَنْ
جَعَلَ اعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ عَنْ شُكْرِهِ
شُكْرًا، كَمَا جَعَلَ اعْتِرَافَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ
مَعْرِفَتِهِ مَعْرِفَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ، يَعْنِي:
التَّوْرَاةَ، وَالْفُرْقانَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ
التَّوْرَاةُ أَيْضًا ذَكَرَهَا بِاسْمَيْنِ، وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ: الْفُرْقَانُ نَعْتُ الْكِتَابِ، وَالْوَاوُ
زَائِدَةٌ، يَعْنِي: الكتاب الفرقان، أي:
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) وقع في كافة نسخ المطبوع والمخطوط «السامري» وهو سبق قلم
من المصنف رحمه الله، والمثبت كتب الحديث والأثر.
والروايات ظاهرة في أن القائل هارون عليه السلام. انظر تفسير
الطبري 920 و922 و923 و924 و «الدر المنثور» (4/ 545- 547) .
(3) في المخطوط «استعرتموه» .
(4) في المخطوط «قال» .
(5) في المطبوع «حفيرة» .
(6) في المخطوط «فيه» .
(7) ما بين المعقوفتين هكذا في نسخ المطبوع. وهي في المخطوط
[شكر النعمة أن لا يعصي الله بعدها] . [.....]
(8) زيد في المطبوع «شيء من» قبل لفظ «علم» .
(1/117)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا
مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)
ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ
وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ
كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
الْمُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَلَالِ
وَالْحَرَامِ، وَقَالَ يَمَانُ بْنُ رَبَابٍ [1] : أَرَادَ
بِالْفُرْقَانِ انفراق البحر كما قال [تَعَالَى] : وَإِذْ
فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ، لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ، [يعني] : بِالتَّوْرَاةِ.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ،
يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ: ضَرَرْتُمْ
بِأَنْفُسِكُمْ، بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ: إِلَهًا. قَالُوا:
فَأَيُّ شَيْءٍ [2] نَصْنَعُ؟ قَالَ: فَتُوبُوا: فَارْجِعُوا
إِلى بارِئِكُمْ: خَالِقِكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَتُوبُ؟
قَالَ: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، يَعْنِي: لِيَقْتُلِ
الْبَرِيءُ مِنْكُمُ الْمُجْرِمَ، ذلِكُمْ، أَيِ: الْقَتْلُ،
خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ مُوسَى
بِالْقَتْلِ، قَالُوا: نَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ فَجَلَسُوا
بِالْأَفْنِيَةِ مُحْتَبِينَ، وَقِيلَ لَهُمْ: مَنْ حلّ
حَبَوْتَهُ أَوْ مَدَّ طَرْفَهُ إِلَى قَاتِلِهِ أَوِ
اتَّقَاهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ مَلْعُونٌ مَرْدُودَةٌ
تَوْبَتُهُ، وأصلت [3] القوم عليهم الخناجر وكان الرَّجُلُ
يَرَى ابْنَهُ [4] وَأَبَاهُ وَأَخَاهُ وَقَرِيبَهُ
وَصَدِيقَهُ وَجَارَهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْمُضِيُّ [5]
لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا [6] : يَا مُوسَى كَيْفَ
نَفْعَلُ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ [7]
ضَبَابَةً وَسَحَابَةً سَوْدَاءَ لَا يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا فَكَانُوا يَقْتُلُونَهُمْ إِلَى الْمَسَاءِ، فَلَمَّا
كثر القتل دعا موسى وهرون عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَبَكَيَا
وَتَضَرَّعَا وَقَالَا: يَا رَبُّ هَلَكَتْ بَنُو
إِسْرَائِيلَ، الْبَقِيَّةَ الْبَقِيَّةَ، فَكَشَفَ اللَّهُ
تَعَالَى السَّحَابَةَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ
القتل، فكشف عَنْ أُلُوفٍ مِنَ الْقَتْلَى، يُرْوَى عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَدَدُ
الْقَتْلَى سَبْعِينَ أَلْفًا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنْ
أُدْخِلَ الْقَاتِلَ والمقتول [منهم] [8] الْجَنَّةَ؟ فَكَانَ
مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَهِيدًا، وَمَنْ بَقِيَ مُكَفَّرًا
عَنْهُ ذُنُوبُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتابَ
عَلَيْكُمْ، أَيْ: فَفَعَلْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَتَابَ
عَلَيْكُمْ فَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ:
القابل للتوبة [منكم] [9] الرَّحِيمُ بكم [10] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 57]
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ
تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ
الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ
لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَأْتِيَهُ
فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ
مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَاخْتَارَ [مُوسَى] سَبْعِينَ
رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خيارهم وقال لَهُمْ: صُومُوا
وَتَطَهَّرُوا وَطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ
بِهِمْ مُوسَى إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ،
فَقَالُوا لموسى: اطلب لنا أن نسمع كلام ربنا، فقال: أفعل فلما
دنا موسى مِنَ الْجَبَلِ وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُودُ الْغَمَامِ
وَتَغَشَّى الْجَبَلَ كُلَّهُ فَدَخَلَ فِي الْغَمَامِ،
وَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْنُوَا فدنا القوم حَتَّى دَخَلُوا فِي
الْغَمَامِ وَخَرُّوا سُجَّدًا، وَكَانَ مُوسَى إِذَا
كَلَّمَهُ رَبُّهُ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ نُورٌ سَاطِعٌ لَا
يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ،
فَضُرِبَ دُونَهُمُ الْحِجَابُ وَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ
مُوسَى يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ، وَأَسْمَعَهُمُ اللَّهُ:
أَنِّي أَنَا اللَّهُ لَا
__________
(1) في المطبوع «ريان» .
(2) في المخطوط «فما» بدل «فأي شيء» .
(3) وقع في الأصل «واصلت» والتصويب من نسخة «ف» .
(4) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «أمه» .
(5) زيد في المخطوط «إليه» .
(6) في المخطوط «فقالوا» .
(7) في المخطوط «إليهم» .
(8) سقط من المطبوع.
(9) سقط من المطبوع.
(10) في المطبوع «بهم» وفي نسخة- ط- «بخلقه» بدل «بكم» .
(1/118)
إِلَهَ إِلَّا أَنَا ذُو بَكَّةَ [1]
أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ
فَاعْبُدُونِي وَلَا تَعْبُدُوا غَيْرِي، فَلَمَّا فَرَغَ
مُوسَى وَانْكَشَفَ الْغَمَامُ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا
لَهُ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً
مُعَايَنَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْعِلْمَ
بِالْقَلْبِ رُؤْيَةً، فَقَالَ: جَهْرَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ
الْمُرَادَ مِنْهُ الْعِيَانُ، فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ،
أَيِ: الْمَوْتُ.
وَقِيلَ: نَارٌ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهُمْ،
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، أَيْ: يَنْظُرُ بَعْضُكُمْ [إِلَى]
[2] بَعْضٍ حِينِ أَخَذَكُمُ الْمَوْتُ، وَقِيلَ: تَعْلَمُونَ،
وَالنَّظَرُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَلَمَّا هَلَكُوا
جَعَلَ مُوسَى يَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ وَيَقُولُ: مَاذَا
أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَتَيْتُهُمْ وقد هلك
خِيَارَهُمْ؟ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ
وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا
[الْأَعْرَافِ: 155] ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُ رَبَّهُ حَتَّى
أَحْيَاهُمُ اللَّهُ تعالى رجلا [3] رجلا، بَعْدَ مَا مَاتُوا
يَوْمًا وَلَيْلَةً وينظر بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ كَيْفَ
يُحْيَوْنَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ: أَحْيَيْنَاكُمْ، وَالْبَعْثُ: إِثَارَةُ
الشَّيْءِ عَنْ مَحَلِّهِ، يُقَالُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ
وَبَعَثْتُ النَّائِمَ فَانْبَعَثَ، مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ،
قال قتادة: أحياهم [الله] [4] لِيَسْتَوْفُوا بَقِيَّةَ
آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَلَوْ مَاتُوا بِآجَالِهِمْ لَمْ
يُبْعَثُوا [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] [5] لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ.
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ، في التيه تقيكم حَرَّ
الشَّمْسِ وَالْغَمَامُ مِنَ الْغَمِّ، وَأَصْلُهُ:
التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، سُمِّيَ السَّحَابُ غَمَامًا
لِأَنَّهُ يُغَطِّي وَجْهَ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ لَهُمْ فِي التِّيهِ كُنٌّ [6] يَسْتُرُهُمْ فَشَكَوْا
إِلَى مُوسَى فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى غَمَامًا أَبْيَضَ
رَقِيقًا أَطْيَبَ مِنْ غَمَامِ الْمَطَرِ، وَجَعَلَ لَهُمْ
عَمُودًا مِنْ نُورٍ يُضِيءُ لَهُمُ اللَّيْلَ [7] إِذْ لَمْ
يَكُنْ لَهُمْ قَمَرٌ، وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوى، أَيْ: فِي التِّيهِ، وَالْأَكْثَرُونَ: عَلَى
أَنَّ الْمَنَّ هُوَ التَّرَنْجَبِينُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ شَيْءٌ كَالصَّمْغِ كَانَ يَقَعُ
عَلَى الْأَشْجَارِ طَعْمُهُ كَالشَّهْدِ، وَقَالَ وَهْبٌ:
هُوَ الْخُبْزُ الرُّقَاقُ، قَالَ الزجاج: [8] الْمَنِّ مَا
[9] يَمُنُّ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ.
«54» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ
عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
زَيْدٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وماؤها شفاء للعين» [10] .
__________
54- إسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم، أبو نعيم هو الفضل
بن دكين، وسفيان هو الثوري.
وهو في «شرح السنة» (2890) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (4478) عن أبي
نعيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4478 و4639 و5708 ومسلم 2049 والترمذي 2068
وأحمد 1/ 178 و187 و188 وأبو يعلى 961 من حديث سعيد بن زيد.
(1) أي: ذو قوة.
(2) في المطبوع «ل» بدل «إلى» . [.....]
(3) في المخطوط «رجلا بعد رجل» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) سقط من المخطوط.
(6) الكن: ووقاء كل شيء وستره والكنان: البيت- والكنة: جناح
يخرج من حائط أو سقيفة فوق باب الدار، أو ظلة.
(7) في المخطوط «بالليل» .
(8) زيد في الأصل جملة» .
(9) في المطبوع «من» .
(10) وقع في الأصل «للعي» والتصويب من صحيح البخاري وغيره.
(1/119)
وَإِذْ قُلْنَا
ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ
شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا
حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ
الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا
غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
(59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ
بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ
عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا
وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
قالوا: فكان هذا المنّ [يقع] كل ليلة [1]
عَلَى أَشْجَارِهِمْ مِثْلَ الثَّلْجِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ
مِنْهُمْ صَاعٌ، فَقَالُوا:
يَا مُوسَى قَتَلَنَا هَذَا الْمَنُّ بِحَلَاوَتِهِ، فَادْعُ
لَنَا رَبَّكَ أَنْ يُطْعِمَنَا اللَّحْمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى عَلَيْهِمُ السَّلْوَى وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ
السُّمَانَى، وَقِيلَ: هُوَ السُّمَانَى بِعَيْنِهِ، بَعَثَ
الله سحابة فأمطرت السماني في عرض ميل [من الأرض] [2] وَطُولِ
رُمْحٍ فِي السَّمَاءِ بَعْضُهُ على بعض [3] ، فَكَانَ اللَّهُ
يُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلَّ صَبَاحٍ مِنْ
طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَكْفِيهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِذَا
كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا
يَكْفِيهِ لِيَوْمَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ
يَوْمَ السَّبْتِ. كُلُوا، أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ كُلُوا:
مِنْ طَيِّباتِ: [من] [4] حَلَالَاتِ، مَا رَزَقْناكُمْ، وَلَا
تَدَّخِرُوا لِغَدٍ، فَفَعَلُوا فَقَطَعَ اللَّهُ ذَلِكَ
عَنْهُمْ، وَدَوَّدَ وَفَسَدَ مَا ادَّخَرُوا، فَقَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ، أَيْ: وَمَا بَخَسُوا بِحَقِّنَا وَلَكِنْ
كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بِاسْتِيجَابِهِمْ عَذَابِي،
وَقَطْعِ مَادَّةِ الرِّزْقِ الَّذِي كَانَ يُنَزَّلُ
عَلَيْهِمْ بِلَا مُؤْنَةٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا حِسَابٍ فِي
الْعُقْبَى.
«55» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا
أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ
الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ
يَخْنَزِ [5] اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ
أُنْثَى زَوْجَهَا الدهر» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 60]
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها
حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً
وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ
الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً
غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59)
وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ
الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ
عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ
رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ،
سُمِّيَتِ الْقَرْيَةُ قَرْيَةً لِأَنَّهَا تَجْمَعُ
أَهْلَهَا، وَمِنْهُ الْمِقْرَاةُ لِلْحَوْضِ لِأَنَّهَا
تَجْمَعُ الْمَاءَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هي
أريحا وَهِيَ قَرْيَةُ الْجَبَّارِينَ كَانَ فِيهَا قوم
__________
55- إسناده صحيح. أحمد بن يوسف أبو الحسن، من رجال مسلم، وقد
توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد.
وهو في «شرح السنة» (2328) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1470 ح 63 من طريق أحمد بن يوسف به.
- وأخرجه البخاري 3399 وأحمد 2/ 315 وابن حبان 4169 من طريق
عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3330 من طريق عبد الله عن معمر به، ومسلم
1470 من طريق أبي يونس مولى أبي هريرة عن أبي هريرة به.
وأخرجه أحمد 2/ 304 من طريق خلاس بن عمرو الهجري عن أبي هريرة
به.
(1) لفظ «يقع» في المطبوع هاهنا.
(2) سقط من المطبوع.
(3) زيد في المطبوع هاهنا «وقال المؤرج: السلوى والعسل» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) خنز اللحم: إذا أنتن وتغير ريحه. [.....]
(1/120)
مِنْ بَقِيَّةِ عَادٍ يُقَالُ لَهُمُ:
الْعَمَالِقَةُ، وَرَأْسُهُمْ عُوجُ بْنُ عُنُقَ، وَقِيلَ:
بَلْقَاءُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: هِيَ الرَّمْلَةُ وَالْأُرْدُنُّ وَفِلَسْطِينُ
وَتَدْمُرُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِيلِيَا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
الشَّامُ، فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً:
مُوَسَّعًا عَلَيْكُمْ، وَادْخُلُوا الْبابَ، يَعْنِي: بَابًا
مِنْ أَبْوَابِ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ
سُجَّداً، أَيْ: رُكَّعًا خُضَّعًا مُنْحَنِينَ.
وَقَالَ وَهْبٌ: فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَاسْجُدُوا شُكْرًا
لِلَّهِ تَعَالَى، وَقُولُوا حِطَّةٌ، قَالَ قَتَادَةُ: حُطَّ
عَنَّا خَطَايَانَا، أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ، وقال ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهَا تَحُطُّ
الذُّنُوبَ، وَرَفَعَهَا عَلَى تَقْدِيرِ:
قُولُوا مَسْأَلَتُنَا حِطَّةٌ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ:
مِنَ الْغَفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ [1] ، فَالْمَغْفِرَةُ:
تَسْتُرُ الذُّنُوبَ، وقرأ نَافِعٌ بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا
وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ بِالتَّاءِ
وَضَمِّهَا [وفتح الفاء] [2] ، وفي الأعراف [3] قرأا جَمِيعًا
وَيَعْقُوبُ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
فِيهِمَا: بِنَصْبِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، وَسَنَزِيدُ
الْمُحْسِنِينَ: ثَوَابًا مِنْ فَضْلِنَا [4] . فَبَدَّلَ:
فَغَيَّرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا: أَنْفُسَهُمْ، وَقَالُوا:
قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
بَدَّلُوا قَوْلَ الْحِطَّةِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالُوا
بِلِسَانِهِمْ: حِطَانَا [5] سِمْقَاثَا، أَيْ: حِنْطَةٌ
حَمْرَاءُ اسْتِخْفَافًا بِأَمْرِ [6] اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مجاهد: طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فَأَبَوْا أَنْ
يَدْخَلُوهَا سُجَّدًا فَدَخَلُوا يزحفون عَلَى أَسْتَاهِهِمْ
مُخَالَفَةً فِي الْفِعْلِ، كَمَا بَدَّلُوا الْقَوْلَ
وَقَالُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.
«56» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا
وَقُولُوا حِطَّةٌ، فبدّلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم [7]
وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ» ، فَأَنْزَلْنا عَلَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ، قِيلَ:
أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَاعُونًا فَهَلَكَ مِنْهُمْ فِي
سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، بِما كانُوا
يَفْسُقُونَ: يَعْصُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
تَعَالَى.
وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى: طَلَبَ السُّقْيَا لِقَوْمِهِ،
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَطِشُوا فِي التِّيهِ فَسَأَلُوا مُوسَى
أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ فَفَعَلَ، فَأَوْحَى [الله] [8]
إِلَيْهِ كَمَا قَالَ: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ وَكَانَتْ
مِنْ آسِ الْجَنَّةِ طولها
__________
56- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن إسحاق وهو
ابن إبراهيم بن نصر البخاري السّعدي، ومن فوقه رجال البخاري
ومسلم، عبد الرزاق هو ابن همام صاحب «المصنف» وشيخه معمر هو
ابن راشد.
هو في «صحيح البخاري» (4641) عن إسحاق بن نصر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3403 و4479 ومسلم 3015 والترمذي 2956 وهمام بن
منبه 116 وأحمد 2/ 318 والطبري 1019 وابن حبان 6251 من حديث
أبي هريرة.
(1) في المخطوط «والمغفرة» .
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المطبوع «قرأ» وهو خطأ.
(4) في المخطوط «عندنا» .
(5) في المخطوط «هطا» .
(6) في المخطوط «غير ما أمر» بدل «استخفافا بأمر» .
(7) الاست: الورك.
(8) زيد لفظ الجلالة من المخطوط ونسخة- ط- ولفظ «إليه» ليس في
المخطوط، وهو مثبت في نسخ المطبوع.
(1/121)
عَشَرَةُ أَذْرُعٍ عَلَى طُولِ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَهَا شُعْبَتَانِ تَتَّقِدَانِ فِي
الظُّلْمَةِ نُورًا، وَاسْمُهَا عَلَّيْقٌ، حملها آدم من الجنة
[فنزل بها منها] [1] فَتَوَارَثَهَا الْأَنْبِيَاءُ حَتَّى
وَصَلَتْ إِلَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَعْطَاهَا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ مُقَاتِلٌ: اسْمُ الْعَصَا
بنعته [2] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَجَرَ، اخْتَلَفُوا فِيهِ،
قَالَ وَهْبٌ: لَمْ يَكُنْ حَجَرًا مُعَيَّنًا بَلْ كَانَ
مُوسَى يَضْرِبُ أَيَّ حَجَرٍ كَانَ مِنْ عُرْضِ الْحِجَارَةِ
فَيَنْفَجِرُ عُيُونًا، لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ، وَكَانُوا
اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا ثُمَّ تُسِيلُ كُلُّ عَيْنٍ فِي
جَدْوَلٍ إِلَى السِّبْطِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَسْقِيَهُمْ،
وَقَالَ الْآخَرُونَ: كَانَ حَجَرًا مُعَيَّنًا بِدَلِيلٍ أنه
عرّفه بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ
حَجَرًا خَفِيفًا مُرَبَّعًا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الرَّجُلِ،
كَانَ يَضَعُهُ [موسى] [3] فِي مِخْلَاتِهِ فَإِذَا احْتَاجُوا
إِلَى الْمَاءِ وَضَعَهُ وَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ، وَقَالَ
عَطَاءٌ: كَانَ لِلْحَجَرِ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ لِكُلِّ وَجْهٍ
ثَلَاثَةُ أَعْيُنٍ، لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ، وَقِيلَ: كَانَ
الْحَجَرُ رخاما [4] ، وقيل: كان من الكدّان [5] ، فِيهِ
اثْنَتَا عَشْرَةَ حُفْرَةً يَنْبُعُ مِنْ كُلِّ حُفْرَةٍ
عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَإِذَا فَرَغُوا وَأَرَادَ مُوسَى
حَمْلَهُ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَذْهَبُ الْمَاءُ [منه] ،
وَكَانَ يَسْقِي كُلَّ يَوْمٍ سِتَّمِائَةِ ألف [وكان وسعة
العسكر اثني عشر ميلا] [6] .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي وَضَعَ
مُوسَى ثَوْبَهُ عَلَيْهِ لِيَغْتَسِلَ فَفَرَّ بِثَوْبِهِ
وَمَرَّ بِهِ عَلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ
رَمَوْهُ بِالْأُدْرَةِ [7] ، فَلَمَّا وقف [الحجر] أتاه جبريل
فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ [لك] ارْفَعْ هَذَا
الْحَجَرَ فَلِي فِيهِ قُدْرَةٌ وَلَكَ فِيهِ مُعْجِزَةٌ
فَرَفَعَهُ وَوَضَعُهُ فِي مِخْلَاتِهِ [8] .
قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ يَضْرِبُهُ مُوسَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
ضَرْبَةً فَيَظْهَرُ عَلَى مَوْضِعِ كُلِّ ضَرْبَةٍ مِثْلُ
ثَدْيِ الْمَرْأَةِ فَيَعْرَقُ [ثم] [9] تفجر [10]
الْأَنْهَارُ ثُمَّ تَسِيلُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ
يَقُولُونَ: انْبَجَسَتْ وَانْفَجَرَتْ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَبُو
عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: انبجست عرقت، وانفجرت سَالَتْ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَانْفَجَرَتْ، أَيْ: فَضَرَبَ
فَانْفَجَرَتْ أَيْ سَالَتْ، مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً:
عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاطِ، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ
مَشْرَبَهُمْ:
مَوْضِعَ شُرْبِهِمْ، لَا يُدْخِلُ سِبْطٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي
شُرْبِهِ [11] ، كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ،
أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ:
كُلُوا مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَاشْرَبُوا مِنَ الْمَاءِ
فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ رِزْقِ الله [الذي] يَأْتِيكُمْ بِلَا
مَشَقَّةٍ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، والعثي:
أَشَدُّ الْفَسَادِ، يُقَالُ: عَثَى يَعْثِي عثيا، وَعَثَا
يَعْثُو عَثْوًا، وَعَاثَ يَعِيثُ عيثا.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «بنعته» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «خاما» .
(5) كذا في الأصل. وفي «القاموس» الكديون: دقاق التراب عليه
درديّ الزيت تجلى به الدروع اه- وقيل: هو الحجر الرخو كأنه
مدر، وربما كان نخرا. [.....]
(6) سقط من المطبوع.
(7) الآدر: من يصيبه فتق في إحدى خصيتيه- وقيل: الأدرة: انتفاخ
الخصية.
(8) في «القاموس» : الخلي: الرطب من النبات واحدته خلاة-
والمخلاة: ما وضع فيه.
(9) سقط من المطبوع.
(10) كذا في المطبوع، وفي- ط- «يتفجر» وفي المخطوط «تنفجر» .
(11) في المخطوط «مشربه» .
(1/122)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا
مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ
بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا
قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ
خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
[سورة البقرة (2) : آية 61]
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ
فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ
مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها
قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ
خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ
بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ
عَلى طَعامٍ واحِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا وَسَئِمُوا
مِنْ أَكْلِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَإِنَّمَا قَالَ: عَلى
طَعامٍ واحِدٍ وَهُمَا اثْنَانِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ
عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ كَمَا تُعَبِّرُ عَنِ
الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرَّحْمَنِ:
22] ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِحِ دُونَ الْعَذْبِ،
وَقِيلَ: كَانُوا يَأْكُلُونَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَكَانَا
كَطَعَامٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ:
كَانُوا يَعْجِنُونَ الْمَنَّ بِالسَّلْوَى فَيَصِيرَانِ
وَاحِدًا، فَادْعُ لَنا:
فَاسْأَلْ [1] لِأَجْلِنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا
تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها، قال
ابن عباس: الفوم الْخُبْزُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْحِنْطَةُ،
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحُبُوبُ
الَّتِي تُؤْكَلُ كُلُّهَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الثوم،
وَعَدَسِها وَبَصَلِها، قالَ، لَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى: أخسّ
وأردأ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ: أَشْرَفُ وَأَفْضَلُ؟ وَجَعَلَ
الْحِنْطَةَ أَدْنَى فِي الْقِيمَةِ وإن كانت هِيَ [2] خَيْرًا
مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا أَسْهَلُ
وُجُودًا عَلَى الْعَادَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ
رَاجِعًا إِلَى اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُمْ وَاخْتِيَارِهِمْ
لِأَنْفُسِهِمْ، اهْبِطُوا مِصْراً، يَعْنِي: فَإِنْ
أَبَيْتُمْ إِلَّا ذَلِكَ فَانْزِلُوا مِصْرًا مِنَ
الْأَمْصَارِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ مِصْرُ مُوسَى
وَفِرْعَوْنَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ
لَمْ يَصْرِفْهُ [3] ، فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ:
من نَبَاتُ الْأَرْضِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ: جُعِلَتْ
عَلَيْهِمْ، وَأُلْزِمُوا الذِّلَّةُ: الذُّلُّ وَالْهَوَانُ،
قيل:
الجزية [4] ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: هُوَ
الْكُسْتِيجُ [5] وَالزُّنَّارُ وَزِيُّ الْيَهُودِيَّةِ،
وَالْمَسْكَنَةُ: الْفَقْرُ، سُمِّيَ الْفَقِيرُ مِسْكِينًا
لِأَنَّ الْفَقْرَ أَسْكَنَهُ وَأَقْعَدَهُ عَنِ الْحَرَكَةِ،
فَتَرَى الْيَهُودَ وَإِنْ كَانُوا مَيَاسِيرَ كأنهم فقراء،
وقيل:
الذلّة فَقْرُ الْقَلْبِ فَلَا تَرَى فِي أَهْلِ الْمِلَلِ
أَذَلَّ وَأَحْرَصَ عَلَى المال من اليهود، وَباؤُ بِغَضَبٍ
مِنَ اللَّهِ:
رَجَعُوا، وَلَا يقال: باء إلّا بالشر، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ: احْتَمَلُوا وَأَقَرُّوا به.
ومنه الدعاء: ع «57» «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ
وَأَبُوءُ بِذَنْبِي» .
أَيْ: أُقِرُّ.
ذلِكَ، أَيِ: الْغَضَبُ، بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ
بِآياتِ اللَّهِ: بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَآيَةِ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ، وَيَكْفُرُونَ
[6] بِالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَيَقْتُلُونَ
النَّبِيِّينَ، تَفَرَّدَ نَافِعٌ بِهَمْزِ النَّبِيِّ
وَبَابِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ:
الْمُخْبِرُ، مِنْ أنبأ ينبئ [ونبأ يُنْبِئُ] ، وَالْقِرَاءَةُ
الْمَعْرُوفَةُ تَرْكُ الْهَمْزَةِ، وَلَهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا هُوَ أَيْضًا مِنَ الْإِنْبَاءِ تُرِكَتِ
الْهَمْزَةُ فِيهِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ،
وَالثَّانِي: هُوَ بِمَعْنَى الرَّفِيعِ مَأْخُوذٌ مِنَ
النُّبُوَّةِ، وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، فَعَلَى هَذَا
يَكُونُ (النَّبِيِّينَ) عَلَى الْأَصْلِ، بِغَيْرِ الْحَقِّ،
أَيْ: بِلَا جُرْمٍ، فَإِنْ قيل: فلم قال
__________
57- ع صحيح. هو بعض حديث أخرجه البخاري 6306 والنسائي 8/ 289
والترمذي 3393 وأحمد 4/ 122 و124 وابن حبان 932 و933 من حديث
شداد بن أوس وصدره «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني،
وأنا عبدك ... » .
(1) في المطبوع «فسل» .
(2) في المخطوط وط- «كان هو» .
(3) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط- «يعرفه» وهو خطأ.
(4) في نسخ المطبوع «بالجزية» .
(5) الكستيج: هو خيط غليظ يشدّه الذميّ فوق ثيابه دون الزنار.
كذا في «القاموس» .
(6) في المطبوع «ويكفر» والمثبت عن- ط- وهو ساقط من المخطوط.
(1/123)
إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ
وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ
بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)
بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقَتْلُ النَّبِيِّينَ
لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْرِ الْحَقِّ؟ قِيلَ: ذَكَرَهُ
وَصْفًا لِلْقَتْلِ، وَالْقَتْلُ تَارَةً يوصف بالحق، وتارة
يُوصَفُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الأنبياء: 112] ، ذكر الحق وصف
للحكم لا أنّ حكمه [تعالى] يَنْقَسِمُ إِلَى الْجَوْرِ
وَالْحَقِّ، وَيُرْوَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ سَبْعِينَ
نَبِيًّا في أول النهار، وقامت إلى [1] سوق بقلها فِي آخِرِ
النَّهَارِ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ:
يَتَجَاوَزُونَ أَمْرِي ويرتكبون محارمي.
[سورة البقرة (2) : الآيات 62 الى 63]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى
وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنا
مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا
آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (63)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا، يَعْنِي:
الْيَهُودَ سُمُّوا بِهِ لِقَوْلِهِمْ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ،
أَيْ: مِلْنَا إِلَيْكَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ هَادُوا، أَيْ:
تَابُوا عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ
مَالُوا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ دِينِ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:
لِأَنَّهُمْ يَتَهَوَّدُونَ، أَيْ: يَتَحَرَّكُونَ عِنْدَ
قراءة التوراة، ويقولون: إن السموات وَالْأَرْضَ تَحَرَّكَتْ
حِينَ آتَى اللَّهُ موسى التوراة، وَالنَّصارى، سمّوا بذلك [2]
لِقَوْلِ الْحَوَارِيِّينَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ: لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا:
نَاصِرَةُ، وَقِيلَ لِاعْتِزَائِهِمْ [3] إِلَى نَصِرَةَ
وَهِيَ قَرْيَةٌ كَانَ يَنْزِلُهَا [4] عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وَالصَّابِئِينَ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
وَالصَّابِينَ وَالصَّابُونَ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ،
وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ، وَأَصْلُهُ الْخُرُوجُ، يُقَالُ:
صَبَأَ فُلَانٌ أَيْ خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ آخَرَ،
وَصَبَأَتِ النُّجُومُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ مَطَالِعِهَا،
وَصَبَأَ نَابُ الْبَعِيرِ إِذَا خَرَجَ، فَهَؤُلَاءِ سُمُّوا
بِهِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ.
قال عمر بن الخطاب وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ أهل
الكتاب، قال عمر: [تحل] [5] ذبائحهم [مثل] [6] ذَبَائِحُ
أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا
مناكحتهم، قال مُجَاهِدٌ: هُمْ قَبِيلَةٌ نَحْوَ الشَّامِ بين
اليهود والمجوس، قال الْكَلْبِيُّ: هُمْ قَوْمٌ [بَيْنَ] [7]
الْيَهُودِ والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويجبّون [8]
مذاكيرهم، وقال قتادة: هم قوم يقرون بالله ويقرؤون الزَّبُورَ
وَيَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إِلَى الكعبة
أَخَذُوا مِنْ كُلِّ دِينٍ شَيْئًا، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ يَحْيَى: انْقَرَضُوا. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: مَنْ
آمَنَ بِاللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي ابْتِدَاءِ الْآيَةِ إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا قِيلَ: اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا عَلَى التَّحْقِيقِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ
قَوْمٌ: هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَهُمْ
طُلَّابُ الدِّينِ، مِثْلَ حَبِيبٍ النَّجَّارِ وَقُسِّ بْنِ
سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةَ
بْنِ نَوْفَلٍ وَالْبَرَاءِ السِّنِّيِّ [9] وَأَبِي ذَرٍّ
الْغِفَارِيِّ
__________
(1) زيد في المطبوع. [.....]
(2) في المطبوع «به» .
(3) في المخطوط «لاغترابهم» .
(4) في المخطوط «نزل بها» .
5 زيد في المطبوع وحده.
6 زيد في المطبوع وحده.
(7) سقط من المطبوع.
(8) جبّ: قطع.
(9) في المطبوع «الشني، وفي المخطوط البستي» .
(1/124)
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَبَحِيرَا
الرَّاهِبِ وَوَفْدِ النَّجَاشِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَ
النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وتابعه، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ
يُدْرِكْهُ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْأُمَمِ
الْمَاضِيَةِ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ
الْأُمَّةِ، وَالَّذِينَ هادُوا الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يُبَدِّلُوا، وَالنَّصارى
الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ.
قَالُوا: وَهَذَانِ الِاسْمَانِ لَزِمَاهُمْ زَمَنَ مُوسَى
وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حَيْثُ كَانُوا عَلَى
الْحَقِّ كَالْإِسْلَامِ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّابِئِينَ زَمَنَ اسْتِقَامَةِ
أَمْرِهِمْ مَنْ آمَنَ، أي: مَاتَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
لِأَنَّ حقيقة الإيمان الموافاة، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
الْوَاوُ مُضْمَرًا، أَيْ: وَمَنْ آمَنَ بَعْدَكَ يَا
مُحَمَّدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
إِنَّ الْمَذْكُورِينَ بِالْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ
عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِينَ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِكَ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِقُلُوبِهِمْ،
وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ اعْتَقَدُوا
الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بَعْدَ التَّبْدِيلِ،
وَالصَّابِئُونَ بَعْضُ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ، مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر من هَذِهِ الْأَصْنَافُ
بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ
أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، إنما ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ
لِأَنَّ مَنْ يَصْلُحُ [1] لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ
وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ: فِي الدُّنْيَا [2] وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: فِي
الآخرة.
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ: عَهْدَكُمْ يَا مَعْشَرَ
الْيَهُودِ، وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، وهو الْجَبَلَ
بِالسُّرْيَانِيَّةِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ
مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: مَا مِنْ لُغَةٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا
فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ فِي
الْقُرْآنِ لُغَةٌ غَيْرُ لُغَةِ الْعَرَبِ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف: 2] ، وإنما هذا وأشباهه
وفاق وقع [3] بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَبَلًا مِنْ
جِبَالِ فِلَسْطِينَ فَانْقَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ حتى قام على
رؤوسهم، وذلك أن اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ
يَقْبَلُوهَا وَيَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهَا، فَأَبَوْا أَنْ
يَقْبَلُوهَا لِلْآصَارِ [4] وَالْأَثْقَالِ الَّتِي هِيَ
فِيهَا، وَكَانَتْ شَرِيعَةً ثَقِيلَةً، فَأَمَرَ اللَّهُ
تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَلَعَ جَبَلًا
عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِهِمْ وَكَانَ فَرْسَخًا فِي فرسخ فرفعه
فوق رؤوسهم مثل قَامَةِ الرَّجُلِ كَالظُّلَّةِ، وَقَالَ
لَهُمْ: إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا التَّوْرَاةَ أَرْسَلْتُ هَذَا
الْجَبَلَ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: رَفَعَ اللَّهُ فَوْقَ
رؤوسهم الطُّورَ وَبَعَثَ نَارًا مِنْ قِبَلِ وجوههم وأتاهم
البحر الملح مِنْ خَلْفِهِمْ، خُذُوا، أَيْ: قُلْنَا لَهُمْ
خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ: أَعْطَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ: بِجِدٍّ
وَاجْتِهَادٍ وَمُوَاظَبَةٍ، وَاذْكُرُوا: وادرسوا ما فِيهِ،
وقيل: احفظوا وَاعْمَلُوا بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لِكَيْ
تَنْجَوْا مِنَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي
الْعُقْبَى، فَإِنَّ قَبِلْتُمْ وَإِلَّا رَضَخْتُكُمْ بِهَذَا
الْجَبَلِ وَأَغْرَقْتُكُمْ فِي هَذَا الْبَحْرِ
وَأَحْرَقْتُكُمْ بِهَذِهِ النَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنْ
لَا مهرب لهم منها قَبِلُوا وَسَجَدُوا، وَجَعَلُوا
يُلَاحِظُونَ الْجَبَلَ وهم سجود فصار سنة
__________
(1) في المخطوط «تصلح» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) لفظ «وقع» ليس في المخطوط.
(4) الآصار: جمع إصر، وهنا بمعنى: العهد والميثاق.
(1/125)
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ
مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ
عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ
فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا
خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا
بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ
بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
في اليهود [1] لا يَسْجُدُونَ إِلَّا عَلَى
أَنْصَافِ وُجُوهِهِمْ، وَيَقُولُونَ: بِهَذَا السُّجُودِ
رُفِعَ الْعَذَابُ عنّا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 64 الى 67]
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ
(64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي
السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65)
فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قالَ مُوسى
لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا
بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ
أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67)
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ: أَعْرَضْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: مِنْ
بَعْدِ مَا قَبِلْتُمُ التوراة، فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، يَعْنِي: بِالْإِمْهَالِ
وَالْإِدْرَاجِ وَتَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ، لَكُنْتُمْ
لَصِرْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ: مِنَ الْمَغْبُونِينَ
بِالْعُقُوبَةِ وَذَهَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقِيلَ:
مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي الْحَالِ كأنه رحمهم بالإمهال.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا
مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ، أَيْ: جَاوَزُوا الْحَدَّ، وَأَصْلُ
السَّبْتِ الْقَطْعُ، قِيلَ: سُمِّيَ يَوْمُ السَّبْتِ
بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ فِيهِ الْخَلْقَ،
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْيَهُودَ أُمِرُوا فِيهِ بِقَطْعِ
الْأَعْمَالِ.
وَالْقِصَّةُ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا زَمَنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ صَيْدَ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَكَانَ إِذَا
دَخَلَ السَّبْتُ لَمْ يَبْقَ حُوتٌ فِي الْبَحْرِ إِلَّا
اجْتَمَعَ هُنَاكَ حَتَّى يُخْرِجْنَ خَرَاطِيمَهُنَّ مِنَ
الْمَاءِ لِأَمْنِهَا [2] ، حتى لا يرى الماء [3] لكثرتها،
فإذا مضى [4] السبت تفرّقن ولزمن قعر الْبَحْرِ فَلَا يُرَى
شَيْءٌ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ تَأْتِيهِمْ
حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا
يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ [الْأَعْرَافِ:
163] .
ثُمَّ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ
إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَخْذِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَعَمَدَ
رِجَالٌ فَحَفَرُوا الْحِيَاضَ حَوْلَ الْبَحْرِ، وَشَرَّعُوا
مِنْهُ إِلَيْهَا الْأَنْهَارَ، فَإِذَا كَانَتْ عَشِيَّةُ
الْجُمْعَةِ فَتَحُوا تِلْكَ الْأَنْهَارَ فَأَقْبَلَ
الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ إِلَى الْحِيَاضِ فَلَا يَقْدِرْنَ
[5] عَلَى الْخُرُوجِ لِبُعْدِ عُمْقِهَا وَقِلَّةِ مَائِهَا،
فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ أَخَذُوهَا، وَقِيلَ: كَانُوا
يَسُوقُونَ الْحِيتَانَ إِلَى الْحِيَاضِ يَوْمَ السَّبْتِ
[وَلَا يَأْخُذُونَهَا] [6] ، ثُمَّ يَأْخُذُونَهَا يَوْمَ
الْأَحَدِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَنْصِبُونَ الْحَبَائِلَ
وَالشُّخُوصَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَيُخْرِجُونَهَا يَوْمَ
الْأَحَدِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا وَلَمْ تنزل عليهم
عقوبة، فتجرؤوا عَلَى الذَّنْبِ وَقَالُوا: مَا نَرَى [7]
السَّبْتَ إِلَّا قَدْ أُحِلُّ لَنَا، فَأَخَذُوا وَأَكَلُوا
وَمَلَّحُوا وَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا وَكَثُرَ مَالُهُمْ،
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَكَانُوا
نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ
أَمْسَكَ وَنَهَى، وَصِنْفٌ أَمْسَكَ وَلَمْ يَنْهَ، وَصِنْفٌ
انْتَهَكَ الْحُرْمَةَ، وَكَانَ النَّاهُونَ اثْنَيْ عَشَرَ
أَلْفًا، فَلَمَّا أَبَى الْمُجْرِمُونَ قَبُولَ نُصْحِهِمْ
[8] قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُسَاكِنُكُمْ فِي قَرْيَةٍ
وَاحِدَةٍ، فَقَسَّمُوا الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ [وداموا على ذلك
سنين] [9] ولعنهم دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ،
فَخَرَجَ النَّاهُونَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَابِهِمْ وَلَمْ
يَخْرُجْ مِنَ الْمُجْرِمِينَ أَحَدٌ ولم يفتحوا بابهم، فلما
أبطؤوا تَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْحَائِطَ فَإِذَا هُمْ
__________
(1) كذا في المطبوع، وفي- ط- «سنة لليهود» وفي المخطوط «في
اليهود سنة» .
(2) في المطبوع «لا منها» والمثبت عن- ط- وسقط من المخطوط.
[.....]
(3) في- ط- «من» بدل «ل» .
(4) في المخطوط «انقضى» .
(5) في المخطوط «فلا يقدرون» .
(6) زيد في نسخ المطبوع.
(7) في المطبوع «ما ندري» .
(8) في المخطوط «نصيحتهم» .
(9) في المطبوع «غيروا بذلك سنتين» وفي نسخة- ط- «وعبروا بذلك
سنتين» .
(1/126)
جَمِيعًا [1] قِرَدَةً لَهَا أَذْنَابٌ
يَتَعَاوَوْنَ.
قَالَ قَتَادَةُ: صَارَ الشُّبَّانُ قِرَدَةً وَالشُّيُوخُ
خَنَازِيرَ، فَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا،
وَلَمْ يَمْكُثْ مَسْخٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ
يَتَوَالَدُوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَقُلْنا لَهُمْ
كُونُوا قِرَدَةً: أَمْرُ تَحْوِيلٍ وَتَكْوِينٍ، خاسِئِينَ:
مبعدين مطرودين، قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ
كُونُوا خَاسِئِينَ قِرَدَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ
خَاسِئَاتٍ، وَالْخَسْأُ:
الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ،
يُقَالُ: خَسَأْتُهُ خَسْأً فَخَسَأَ خُسُوءًا، مِثْلَ
رَجَعْتُهُ رَجْعًا فَرَجَعَ رُجُوعًا.
فَجَعَلْناها، أَيْ: جَعْلِنَا عُقُوبَتَهُمْ بِالْمَسْخِ
نَكالًا، أَيْ: عُقُوبَةً وَعِبْرَةً، وَالنَّكَالُ: اسْمٌ
لِكُلِّ عُقُوبَةٍ يُنَكَّلُ النَّاظِرُ مِنْ فِعْلِ مَا
جُعِلَتِ الْعُقُوبَةُ جَزَاءً عَلَيْهِ، وَمِنْهُ النُّكُولُ
عَنِ الْيَمِينِ: وَهُوَ الِامْتِنَاعُ، وَأَصْلُهُ مِنَ
النِّكْلِ وَهُوَ القيد، وجمعه يكون أَنْكَالًا، لِما بَيْنَ
يَدَيْها.
قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، يَعْنِي:
مَا سَبَقَتْ [2] مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ: جَعَلْنَا تِلْكَ
الْعُقُوبَةَ جَزَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ
[3] نَهْيِهِمْ عَنْ أَخْذِ الصَّيْدِ، وَما خَلْفَها: مَا
حَضَرَ [4] مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أُخِذُوا بِهَا، وَهِيَ
الْعِصْيَانُ بِأَخْذِ الْحِيتَانِ، وَقَالَ أَبُو
الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: عُقُوبَةً لِمَا مَضَى مِنْ
ذُنُوبِهِمْ وَعِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يستنّوا
بسنّتهم، وما الثَّانِيَةُ بِمَعْنَى: مَنْ، وَقِيلَ:
جَعَلْنَاهَا أَيْ: جَعَلْنَا قَرْيَةَ أَصْحَابِ السَّبْتِ
عِبْرَةً لِما بَيْنَ يَدَيْها، أَيِ: الْقُرَى الَّتِي
كَانَتْ مَبْنِيَّةً فِي الحال، وَما خَلْفَها ما يحدث من
القرى بُعْدٍ لِيَتَّعِظُوا، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ
وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: فَجَعَلْنَاهَا وَمَا خَلْفَهَا،
أَيْ: مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ العذاب في الآخرة [نكالا] [5]
وَجَزَاءً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، أَيْ: لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذُنُوبِهِمْ بِاعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْتِ، وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ:
لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فعلهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً: الْبَقَرَةُ
هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْبَقَرِ، يُقَالُ: هِيَ مأخوذة من
البقر وهي الشق، سمّيت به لأنها تبقر الأرض، أي: تشقّها
لِلْحِرَاثَةِ، وَالْقِصَّةُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ غَنِيٌّ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ فَقِيرٌ لَا
وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ مَوْتُهُ
قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ وَحَمَلَهُ إلى قرية أخرى وألقاه بفنائها
[6] ، ثُمَّ أَصْبَحَ يَطْلُبُ ثَأْرَهُ وَجَاءَ بِنَاسٍ إِلَى
مُوسَى يَدَّعِي عَلَيْهِمُ القتل، فسألهم موسى فجحدوا فاشتبه
أَمْرُ الْقَتِيلِ عَلَى مُوسَى.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْقَسَامَةِ [7]
فِي التَّوْرَاةِ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ بِدُعَائِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ
بِذَبْحِ بَقَرَةٍ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، قالُوا أَتَتَّخِذُنا
هُزُواً، أَيْ:
تَسْتَهْزِئُ بِنَا نَحْنُ نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِ الْقَتِيلِ
وَتَأْمُرُنَا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا قَالُوا
ذَلِكَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الظَّاهِرِ
وَلَمْ يَدْرُوا مَا الْحِكْمَةُ فيه.
قرأ حمزة «هزءا وكف ءا» بالتخفيف [8] ، وقرأ الآخرون بالتثقيل،
ويترك الْهَمْزَةِ حَفْصٌ. قالَ مُوسَى: أَعُوذُ بِاللَّهِ:
أَمْتَنِعُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، أَيْ:
مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بالمؤمنين، وقيل: من
__________
(1) في المطبوع وحده «جميع» .
(2) في المطبوع وحده «سبق» .
(3) في المخطوط «مثل» .
(4) في المخطوط «حضرت» .
(5) زيادة عن المخطوط وط-.
(6) في المطبوع «بفنائهم» .
(7) في المطبوع وحده «قسامة» . [.....]
(8) أي بسكون الزاي والهمز، والتثقيل يكون بضم الزاي.
جاء في «البدور الزاهرة» (ص 32) : قرأ حفص بالواو بدلا من
الهمز وصلا ووقفا مع ضم الزاي. وقرأ خلف بإسكان الزاي مع الهمز
وصلا ووقفا، وقرأ حمزة بإسكان الزاي مع الهمز وصلا اهـ.
باختصار.
(1/127)
الْجَاهِلِينَ بِالْجَوَابِ لَا عَلَى
وَفْقِ السُّؤَالِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا عَلَى وَفْقِ
السُّؤَالِ جَهْلٌ، فَلَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّ ذَبْحَ
الْبَقَرَةِ عَزْمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
اسْتَوْصَفُوهَا [1] ، وَلَوْ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى
أَدْنَى بَقَرَةٍ فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ،
وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ حِكْمَةٌ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ صَالِحٌ
لَهُ ابْنٌ طِفْلٌ وَلَهُ عِجْلَةٌ أَتَى بِهَا إِلَى
غَيْضَةٍ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ [2] هذه
العجلة لا بني حتى يكبر [3] ، وَمَاتَ الرَّجُلُ فَصَارَتِ
الْعِجْلَةُ فِي الْغَيْضَةِ عَوَانًا، وَكَانَتْ تَهْرُبُ
مِنْ كُلِّ مَنْ رَآهَا فَلَمَّا كَبُرَ الابن كان بَارًّا
بِوَالِدَتِهِ، وَكَانَ يُقَسِّمُ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ
أَثْلَاثٍ يُصَلِّي ثُلْثًا وَيَنَامُ ثُلْثًا وَيَجْلِسُ
عِنْدَ رَأْسِ أُمِّهِ ثُلْثًا، فَإِذَا أَصْبَحَ انْطَلَقَ
فَاحْتَطَبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْتِي بِهِ إِلَى [4]
السُّوقِ، فَيَبِيعُهُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ
بِثُلْثِهِ وَيَأْكُلُ ثُلْثَهُ وَيُعْطِي وَالِدَتَهُ
ثُلْثَهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ يَوْمًا: إِنَّ أَبَاكَ
وَرَّثَكَ عِجْلَةً اسْتَوْدَعَهَا اللَّهَ فِي غَيْضَةِ كذا
انطلق وَادْعُ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْكَ، وَعَلَامَتُهَا أَنَّكَ إِذَا
نَظَرْتَ إِلَيْهَا يُخَيَّلُ [5] إِلَيْكَ أَنَّ شُعَاعَ
الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِنْ جلدها، وكانت تلك البقرة تُسَمَّى
الْمُذَهَّبَةَ لِحُسْنِهَا وَصُفْرَتِهَا، فَأَتَى الْفَتَى
الْغَيْضَةَ فَرَآهَا تَرْعَى فَصَاحَ بها، وقال: أعزم عليك
بِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ
يَدَيْهِ، فَقَبَضَ عَلَى عُنُقِهَا يَقُودُهَا، فَتَكَلَّمَتِ
الْبَقَرَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَتْ: أَيُّهَا
الْفَتَى الْبَارُّ بِوَالِدَتِكَ ارْكَبْنِي، فَإِنَّ ذَلِكَ
أَهْوَنُ عَلَيْكَ، فَقَالَ الْفَتَى: إِنَّ أُمِّي لَمْ
تَأْمُرْنِي بِذَلِكَ، وَلَكِنْ قَالَتْ: خُذْ بِعُنُقِهَا،
فَقَالَتِ الْبَقَرَةُ: بِإِلَهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَوْ
رَكِبْتَنِي مَا كُنْتَ تقدر عليّ أبدا انطلق [6] ، فَإِنَّكَ
لَوْ أَمَرْتَ الْجَبَلَ أَنْ يَنْقَلِعَ مِنْ أَصْلِهِ
وَيَنْطَلِقَ مَعَكَ لَفَعَلَ، لِبِرِّكَ بِأُمِّكَ فَسَارَ
الْفَتَى بِهَا إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهُ [أمه] : إِنَّكَ
فَقِيرٌ لَا مَالَ لَكَ فَيَشُقُّ عَلَيْكَ الِاحْتِطَابُ
بِالنَّهَارِ وَالْقِيَامُ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلِقْ فَبِعْ
[هَذِهِ] الْبَقَرَةَ، فقال: بِكَمْ أَبِيعُهَا؟ قَالَتْ:
بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ، وَلَا تَبِعْ بِغَيْرِ مَشُورَتِي،
وَكَانَ ثمن البقرة ثلاثة دنانير، فانطلق بها [الفتى]]
إلى السوق.
وبعث اللَّهُ مَلَكًا لِيُرِيَ خَلْقَهُ قُدْرَتَهُ، وليختبر
الفتى كيف برّه بأمه وَكَانَ اللَّهُ بِهِ خَبِيرًا فَقَالَ
لَهُ الْمَلَكُ:
بِكَمْ تَبِيعُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ؟ قَالَ: بِثَلَاثَةِ
دَنَانِيرَ وَأَشْتَرِطُ عليك رضا وَالِدَتِي، فَقَالَ
الْمَلَكُ: لَكَ سِتَّةُ دَنَانِيرَ وَلَا تَسْتَأْمِرْ
وَالِدَتَكَ، فَقَالَ الْفَتَى: لَوْ أَعْطَيْتَنِي وَزْنَهَا
ذَهَبًا لم آخذه إلا برضا أمي، فردّها إلى أمه وأخبرها
بِالثَّمَنِ، فَقَالَتِ: ارْجِعْ فَبِعْهَا بِسِتَّةِ [8]
دَنَانِيرَ عَلَى رِضًى مِنِّي، فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى
السُّوقِ، وَأَتَى الْمَلَكَ فَقَالَ:
اسْتَأْمَرْتَ أُمَّكَ؟ فَقَالَ الْفَتَى: إِنَّهَا
أَمَرَتْنِي أَنْ لَا أَنْقُصَهَا عن ستة [9] دنانير عَلَى
أَنْ أَسْتَأْمِرَهَا، فَقَالَ الْمَلَكُ:
فَإِنِّي أُعْطِيكَ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى أَنْ لَا
تَسْتَأْمِرَهَا، فَأَبَى الْفَتَى ورجع إلى أمه فأخبرها بذلك،
فَقَالَتْ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِيكَ مَلَكٌ [10] فِي صُورَةِ
آدَمِيٍّ [لِيَخْتَبِرَكَ] [11] فَإِذَا أَتَاكَ فَقُلْ لَهُ:
أَتَأْمُرُنَا أَنَّ نَبِيعَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ أَمْ لَا؟
فَفَعَلَ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ
وَقُلْ لَهَا: أَمْسِكِي هَذِهِ الْبَقَرَةَ فَإِنَّ مُوسَى
بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْتَرِيهَا مِنْكِ
لِقَتِيلٍ يُقْتَلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فلا تبعها إلا
بملء مسكها دنانير فأمسكها، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَبْحَ تِلْكَ الْبَقَرَةِ بِعَيْنِهَا
فَمَا زَالُوا [يَسْتَوْصِفُونَ مُوسَى] حَتَّى وصف [12] لهم
تلك البقرة [بعينها] [13]
__________
(1) أي طلبوا وصفها، وفي المخطوط «استوصفوه» .
(2) في المطبوع «استودعتك» .
(3) في المطبوع «تكبر» .
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(5) في المخطوط «خيل» .
(6) في المطبوع «فانطلق» .
(7) زيد في المطبوع.
8 في المخطوط «عشرة» بدل «ستة» .
9 في المخطوط «عشرة» بدل «ستة» .
(10) في المطبوع «ذلك» بدل «ملك» .
(11) سقط من المطبوع.
(12) في المطبوع «يستوصفونها حتى وصفت» .
(13) زيد في المطبوع وحده. [.....]
(1/128)
قَالُوا ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ
ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ
لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا
إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ
إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا
تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا
الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا
يَفْعَلُونَ (71)
مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى بِرِّهِ
بِوَالِدَتِهِ فضلا منه ورحمة [1] ، فذلك قوله تعالى:
[سورة البقرة (2) : الآيات 68 الى 71]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ
إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ
عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا
ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ
يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا
مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ
شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها
بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي
الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ
بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ، أَيُ: مَا
سنّها قالَ مُوسَى إِنَّهُ يَقُولُ، يَعْنِي: فَسَأَلَ اللَّهَ
تَعَالَى فَقَالَ إِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ، أَيْ: لَا
كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ، وَالْفَارِضُ: الْمُسِنَّةُ
الَّتِي لَا تَلِدُ، يُقَالُ: مِنْهُ فَرَضَتْ تَفْرِضُ فروضا،
والبكر: الفتية الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ،
وَحُذِفَتِ الْهَاءُ [2] مِنْهُمَا لِلِاخْتِصَاصِ
بِالْإِنَاثِ كَالْحَائِضِ، عَوانٌ: وَسَطٌ نِصْفٌ بَيْنَ
ذلِكَ، أَيْ: بَيْنِ السِّنِينَ، يُقَالُ: عَوَّنَتِ
الْمَرْأَةُ تَعْوِينًا إِذَا زَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِينَ،
قَالَ الْأَخْفَشُ: [الْعَوَانُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ
وَقِيلَ] [3] : الْعَوَانُ الَّتِي نَتَجَتْ مِرَارًا،
وَجَمْعُهَا عون، فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ: من ذَبْحُ
الْبَقَرَةِ وَلَا تُكْثِرُوا السُّؤَالَ.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ
إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ، وَقَالَ
قَتَادَةُ: صَافٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الصَّفْرَاءُ
السَّوْدَاءُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ
أَسْوَدُ فَاقِعٌ، إِنَّمَا يُقَالُ أَصْفَرُ فَاقِعٌ،
وَأَسْوَدُ حالك وأحمر قانىء وأخضر ناضر وأبيض بقق
لِلْمُبَالَغَةِ، تَسُرُّ النَّاظِرِينَ: إِلَيْهَا
يُعْجِبُهُمْ حُسْنُهَا وَصَفَاءُ لَوْنِهَا.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ:
أَسَائِمَةٌ أَمْ عَامِلَةٌ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ
عَلَيْنا، وَلَمْ يَقُلْ تَشَابَهَتْ لِتَذْكِيرِ لَفْظِ
الْبَقَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ
[الْقَمَرِ: 20] ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ جِنْسُ الْبَقَرِ
تَشَابَهَ، أَيِ: الْتَبَسَ وَاشْتَبَهَ أَمْرُهُ عَلَيْنَا
فَلَا نَهْتَدِي إِلَيْهِ، وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ
لَمُهْتَدُونَ: إِلَى وصفها.
ع «58» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم:
«وايم الله لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُمْ
إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ» .
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ:
مُذَلَّلَةٌ بِالْعَمَلِ، يُقَالُ: رَجُلٌ ذلول بيّن الذل
ودابة ذلولة بَيِّنَةُ الذُّلِّ، تُثِيرُ الْأَرْضَ:
تَقْلِبُهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ، أَيْ:
ليست بسانية، مُسَلَّمَةٌ: بَرِيئَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ، لَا
شِيَةَ فِيها: لَا لَوْنَ لَهَا سِوَى لَوْنِ جَمِيعِ
جِلْدِهَا، قَالَ عطاء: لا عيب فيها، قال مُجَاهِدٌ:
لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا سَوَادَ، قالُوا الْآنَ جِئْتَ
بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالْبَيَانِ التَّامِّ الشَّافِي الَّذِي
لا إشكال فيه،
__________
(1) هذا الخبر من الإسرائيليات لا حجة فيه.
(2) في المخطوط «التاء» .
(3) سقط من المطبوع وحده.
58- ع ضعيف. هو طرف حديث أخرجه الطبري 1246 عن ابن جريج مرسلا
و1248 عن قتادة مرسلا وصدره «إنما أمروا بأدنى بقرة ... » وقال
ابن كثير في «تفسيره» 1/ 141. هذا حديث غريب من هذا الوجه،
وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة. وانظر تفسير ابن كثير
عند هذه الآية بتخريجي، وكذا «تفسير الشوكاني» (182) و «تفسير
الكشاف» (39) ، والثلاثة بتخريجي. وقد قال الحافظ ابن كثير:
أحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة.
(1/129)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ
نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا
كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا
كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ
بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ
الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ
مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
وَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوا [1]
بِكَمَالِ وَصْفِهَا إِلَّا مَعَ الْفَتَى فَاشْتَرَوْهَا
بِمَلْءِ مَسْكِهَا ذَهَبًا، فَذَبَحُوها وَما كادُوا
يَفْعَلُونَ: مِنْ غَلَاءِ ثَمَنِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
كَعْبٍ: وَمَا كَادُوا يَجِدُونَهَا بِاجْتِمَاعِ
أَوْصَافِهَا، وَقِيلَ: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ مِنْ
شِدَّةِ اضْطِرَابِهِمْ واختلافهم فيها.
[سورة البقرة (2) : الآيات 72 الى 74]
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ
مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ
بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ
آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ
قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ
أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ
مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ
مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ
اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً: هَذَا
أَوَّلُ الْقِصَّةِ، وَإِنْ كان [2] مؤخّرا فِي التِّلَاوَةِ،
وَاسْمُ الْقَتِيلِ عَامِيلُ، فَادَّارَأْتُمْ فِيها، أَصْلُهُ
تَدَارَأْتُمْ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ
وَأُدْخِلَتِ الْأَلْفُ مثل قوله: اثَّاقَلْتُمْ [التوبة: 38]
، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ
فَاخْتَلَفْتُمْ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:
تَدَافَعْتُمْ، أَيْ: يُحِيلُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنَ
الدَّرْءِ: وَهُوَ الدَّفْعُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدْفَعُ
عَنْ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ مُخْرِجٌ، أَيْ: مُظْهِرٌ: مَا
كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ كان يكتم القتل.
قوله عز وجل: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ
، يَعْنِي: الْقَتِيلَ، بِبَعْضِها
، أَيْ: بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذلك البعض،
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرُ
الْمُفَسِّرِينَ: ضَرَبُوهُ بِالْعَظْمِ الَّذِي يَلِي
الْغُضْرُوفَ وَهُوَ الْمَقْتَلُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ: بِعَجْبِ الذَّنَبِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا
يُخْلَقُ وَآخِرُ مَا يَبْلَى، وَيُرَكَّبُ عليه الخلق [ثانيا
وهو البعث] [3] ، وقال الضحاك: بلسانها، قَالَ [4] الْحُسَيْنُ
بْنُ الْفَضْلِ: [هَذَا أَدُلُّ بِهَا] [5] لِأَنَّهُ آلَةُ
الْكَلَامِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: بِفَخْذِهَا
الْأَيْمَنِ، وَقِيلَ: بِعُضْوٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ،
فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَقَامَ الْقَتِيلُ [6] حَيًّا بِإِذْنِ
اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْدَاجُهُ- أَيْ: عُرُوقُ الْعُنُقِ-
تَشْخُبُ دَمًا، وَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ سَقَطَ
وَمَاتَ مَكَانَهُ فَحُرِمَ قَاتِلُهُ الْمِيرَاثَ، وَفِي
الْخَبَرِ: «مَا وَرِثَ قَاتِلٌ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ»
[7] ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فضرب فحيي [8] ، كَذلِكَ
يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
: كَمَّا أَحْيَا عَامِيلَ، وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ
، قِيلَ: تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي، أَمَّا
حكم هذه المسألة إذا وجد في [الإسلام] قَتِيلٌ فِي مَوْضِعٍ
وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ لَوْثٌ عَلَى
إِنْسَانٍ، وَاللَّوْثُ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الْقَلْبِ صِدْقُ
الْمُدَّعِي بِأَنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ
صَحْرَاءَ فَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ يَغْلِبُ عَلَى
الْقَلْبِ أَنَّ الْقَاتِلَ فِيهِمْ [9] ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ
فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ كُلُّهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْقَتِيلِ
[10] لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ فَيَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ
أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، فَادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى بَعْضِهِمْ،
يَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى مَنْ يَدَّعِي
عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ جَمَاعَةً تُوَزَّعُ
الأيمان عليهم، ثم بعد ما حلفوا أخذوا
__________
(1) في المخطوط «يجدوها» .
(2) في المخطوط «كانت مؤخرة» .
(3) زيد في المطبوع وحده.
(4) في المخطوط «فقال» .
(5) زيد في نسخ المطبوع.
(6) في المخطوط «المقتول» .
(7) لا أصل له في المرفوع.
(8) في المطبوع «فضربت فحيي» .
(9) في المخطوط «منهم» .
(10) في المخطوط «القتيل» . [.....]
(1/130)
الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَةِ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ إن ادّعوا قتل خطأ [أو شبه عمد] [1] ، وَإِنِ
ادَّعَوْا قَتْلَ عَمْدٍ فَمِنْ مَالِهِ، وَلَا قَوَدَ عَلَى
قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ
الْقَوَدِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْثٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ هَلْ يَحْلِفُ يَمِينًا
وَاحِدَةً أَمْ خَمْسِينَ يَمِينًا فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا فِي سَائِرِ
الدَّعَاوَى، وَالثَّانِي يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا
تَغْلِيظًا لِأَمْرِ الدَّمَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ لَا حكم للوث، ولا يبدأ [2] بِيَمِينِ
الْمُدَّعِي، وَقَالَ: «إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ [3] فِي
مَحَلَّةٍ يَخْتَارُ الْإِمَامُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ
صُلَحَاءِ أَهْلِهَا فَيُحَلِّفُهُمْ أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ
وَلَا عَرَفُوا لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ يَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ
سُكَّانِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْبِدَايَةَ [4]
بِيَمِينِ الْمُدَّعِي عِنْدَ وجود اللوث ما:
«59» أخبرنا به عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ
أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ، أَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَنَا
الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ
عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ:
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ
مَسْعُودٍ: خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا
لِحَاجَتِهِمَا، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ،
فَانْطَلَقَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْمَقْتُولِ
وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ قَتْلَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا
وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ» ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ
نَحْضُرْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله فكيف نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ
كُفَّارٍ؟ فَعَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَقْلَهُ مِنْ عِنْدِهِ. [وَفِي لَفْظٍ آخَرَ:
فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَقْلَهُ مِنْ عِنْدِهِ] [5] . قَالَ بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ:
قَالَ سَهْلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ [6] مِنْ تِلْكَ
الْفَرَائِضِ فِي مِرْبَدٍ [7] لَنَا وَفِي رِوَايَةٍ: لَقَدْ
رَكَضَتْنِي نَاقَةٌ حَمْرَاءُ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ فِي
مِرْبَدٍ لَنَا [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمَثْنَى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ] [8] .
وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنَ الْخَبَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ
ليقوى [9] جَانِبَهُمْ بِاللَّوْثِ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي خَيْبَرَ، وَكَانَتِ
الْعَدَاوَةُ ظَاهِرَةً بين الأنصار وأهل خيبر، فكان يغلب على
__________
59- إسناده صحيح. الشافعي هو محمد بن إدريس، ثقة إمام، قد توبع
ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» (2539) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (2/ 113- 114)
عن عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2702 و3173 و6142 و6143 ومسلم 1669 وأبو داود
4520 و423 والترمذي 1422 والنسائي 8/ 8- 12 وعبد الرزاق 8259
والحميدي 403 وابن أبي شيبة 9/ 383 وأحمد 4/ 2 و142 والدارقطني
3/ 108- 110 والطحاوي 3/ 198 والطبراني 5625 و5629 وابن حبان
6009 والبيهقي 8/ 118- 120 من طرق عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي
حَثْمَةَ به.
(1) زيد عن المطبوع وحده.
(2) في- ط- «ولا يزيد» .
(3) في المخطوط «المقتول» .
(4) في المخطوط «البداة» .
(5) زيد في المطبوع.
(6) الفريضة: ما فرض في السائمة من الصدقة وقيل: الناقة
الهرمة.
(7) المربد: هو الموضع التي تحبس فيه الإبل، وهو مثل الحظيرة
للغنم.
(8) زيد عن المخطوط وط-.
(9) في المطبوع «لتقوى» .
(1/131)
الظن [1] أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ،
وَالْيَمِينُ أَبَدًا تَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ يَقْوَى
جَانِبُهُ، وَعِنْدَ عَدَمِ اللَّوْثِ يَقْوَى [2] جَانِبُ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْأَصْلَ براءة
ذمّته، فكان [3] القول قوله مع يمينه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، أي: يبست وجفت،
[و] [4] جَفَافُ الْقَلْبِ: خُرُوجُ الرَّحْمَةِ وَاللِّينُ
عَنْهُ [5] ، وَقِيلَ: غَلُظَتْ، وَقِيلَ: اسْوَدَّتْ، مِنْ
بَعْدِ ذلِكَ: مِنْ بَعْدِ ظُهُورِ الدَّلَالَاتِ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ: قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْنُ لَمْ نَقْتُلْهُ،
فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قَلْبًا وَلَا أَشَدَّ
تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عند ذلك، فَهِيَ: فِي
الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ: كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ
قَسْوَةً، قِيلَ: أَوْ بِمَعْنَى الواو كقوله: مِائَةِ أَلْفٍ
أَوْ يَزِيدُونَ [الصَّافَّاتِ: 147] ، أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ
[أَوْ وَيَزِيدُونَ] [6] ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشَبِّهْهَا
بِالْحَدِيدِ مَعَ أَنَّهُ أَصْلَبُ مِنَ الْحِجَارَةِ لِأَنَّ
الْحَدِيدَ قَابِلٌ لِلِّينِ، فَإِنَّهُ يَلِينُ بِالنَّارِ،
وَقَدْ لَانَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحِجَارَةُ
لَا تَلِينَ قَطُّ، ثُمَّ فَضَّلَ الْحِجَارَةَ عَلَى
الْقَلْبِ الْقَاسِي فَقَالَ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما
يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ
الْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ
يضرب [7] مُوسَى لِلْأَسْبَاطِ، وَإِنَّ مِنْها لَما
يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ: أَرَادَ بِهِ عُيُونًا
دُونَ [8] الْأَنْهَارِ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ:
يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ:
وَقُلُوبُكُمْ لَا تَلِينُ وَلَا تَخْشَعُ يَا مَعْشَرَ
الْيَهُودِ، فَإِنْ قِيلَ: الْحَجَرُ جَمَادٌ لَا يَفْهَمُ
فَكَيْفَ يَخْشَى؟ قِيلَ: اللَّهُ يُفْهِمُهُ وَيُلْهِمُهُ
فَيَخْشَى بِإِلْهَامِهِ، وَمَذْهَبُ أهل السنة والجماعة [أن
الله تعالى علّم فِي الْجَمَادَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ،
سِوَى العقلاء علما لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ] [9] ،
فَلَهَا صَلَاةٌ وَتَسْبِيحٌ وَخَشْيَةٌ كَمَا قَالَ جَلَّ
ذِكْرُهُ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
[الْإِسْرَاءِ: 44] ، وَقَالَ: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ
قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النُّورِ: 41] ، وَقَالَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [الْحَجِّ: 18]
الْآيَةَ، فيجب على المرء الْإِيمَانُ بِهِ وَيَكِلُ عِلْمَهُ
إِلَى الله سبحانه وتعالى.
ع «60» وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرٍ [10] ، والكفار يطلبونه فقال
[له] [11] الْجَبَلُ: انْزِلْ عَنِّي فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ
تُؤْخَذَ عَلَيَّ فَيُعَاقِبُنِي اللَّهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ
لَهُ جَبَلُ حِرَاءٍ: إليّ [إِلَيَّ] [12] يَا رَسُولَ
اللَّهِ.
«61» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، ثَنَا السَّيِّدُ [13] أَبُو الحسين محمد
بن الحسين [14]
__________
60- ع لم أره مسندا، وهو غريب جدا، وأمارة الوضع لائحة عليه.
61- إسناده على شرط مسلم، تفرد مسلم بالرواية عن سماك بن حرب،
وباقي الإسناد على شرطهما. وإبراهيم بن طهمان، توبع.
وهو في «شرح السنة» (3603) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2277 والترمذي 3624 والطيالسي 1907 وابن أبي شيبة
11/ 464 والدارمي 1/ 21 وابن حبان 6482 والطبراني في «الكبير»
(1907 و1961 و2028) وفي «الأوسط» (2033) وفي «الصغير» (167)
والبغوي 3709 والبيهقي في «الدلائل» (2/ 153) من طرق عن سماك
بن حرب به.
(1) في المطبوع «القلب» .
(2) في المطبوع «تقوى» . [.....]
(3) في المطبوع «وكان» .
(4) زيد عن المخطوط.
(5) في المخطوط «ضده» .
(6) سقط من المطبوع.
(7) في نسخ المطبوع «يضرب عليه» .
(8) في المخطوط «غير» .
(9) العبارة في المطبوع «أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا فِي
الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء، لا يقف عليه غير الله»
.
وفي نسخة- ط-: «أن الله خلق عِلْمًا فِي الْجَمَادَاتِ
وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْعَقْلِ، لَا يَقِفُ
عَلَيْهِ غيره» .
(10) ثبير: اسم جبل معروف عند مكة.
(11) زيادة عن المخطوط.
(12) زيادة عن المخطوط.
(13) وقع في الأصل «السدي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(14) وقع في الأصل «حسن» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» .
(1/132)
الْعَلَوِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّيْسَابُورِيُّ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، أَنَا يحيى بن أبي
بكير [1] ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكِ
بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنِّي لِأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ
قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، وَإِنِّي لِأَعْرِفُهُ الْآنَ» ، هَذَا
حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يحيى بن أبي بكير [2] .
وصح عن أنس:
ع «62» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: طلع
له أُحُدٍ، فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونحبّه» .
ع «63» وَرَوِيِّ [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ [3] : صَلَّى
بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ وَقَالَ:
«بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ عَيِيَ فَرَكِبَهَا
فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا
إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ، فَقَالَ النَّاسُ:
سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ؟» فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُومِنُ
بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَمَا هُمَا ثَمَّ،
وَقَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا
الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا
فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ الذِّئْبَ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ
السَّبْعِ، أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ
لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ
يَتَكَلَّمُ!» فقال: «أو من بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ» وما هما ثم] [4] .
ع «64» وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم على حراء هو وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ،
فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ- أَيِ: اسْكُنْ- فَمَا عَلَيْكَ
إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» ، صَحِيحٌ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
«65» أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا
أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ أحمد بن علي الصائغ [5] ، أنا أبو
الحسن
__________
1 وقع في الأصل «بكر» والتصويب من كتب التراجم.
2 وقع في الأصل «بكر» والتصويب من كتب التراجم. [.....]
(3) كذا في نسخ المطبوع، وهو ليس في المخطوط، ولعل الصواب
«قال» .
(4) ما بين المعقوفتين مثبت في نسخ المطبوع، وهو ساقط من
المخطوط.
(5) في الأصل «الصانع» والتصويب عن «شرح السنة» (3604) و
«الأنوار» (35) .
62- ع صحيح. أخرجه البخاري 1481 و4422 ومسلم 1392 وأبو داود
3079 وابن أبي شيبة 14/ 539- 540 وأحمد 5/ 424- 425 وابن خزيمة
2314 وابن حبان 4503 و6501 والبيهقي في «السنن» (4/ 122) و
«دلائل النبوة» 50/ 238- 239) من حديث أبي حميد الساعدي، وله
قصة وفيه «فلمّا رأى أحدا» بدل «طلع له أحد» .
63- ع صحيح. أخرجه البخاري 2324 و3471 و3663 ومسلم 2388
والترمذي 3677 و3695 والطيالسي 2354 والحميدي 1054 وأحمد 2/
245- 246 وابن حبان 6485 من طرق من حديث أبي هريرة.
64- ع صحيح. أخرجه مسلم 2417 والترمذي 3696 وأبو داود 4651
والترمذي 3697 والنسائي في «الكبرى» - وفي الباب من حديث أنس
عند البخاري 3675 و3699 وأبو داود 4651 والترمذي 3697 والنسائي
في «الكبرى» (8135) وأحمد 3/ 112 وأبو يعلى 2910 وابن حبان
3865 والبغوي 3901 ولفظ البخاري وغيره «اثبت أحد، فإن عليك نبي
وصدّيق وشهيدان» .
65- ضعيف جدا. الوليد هو ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ
ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وصالح جزرة وغيرهم. وقال أبو
زرعة: منكر الحديث. وقال مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نمير: كذاب. فهذه علة، وله علة ثانية: عباد بن أبي يزيد مجهول،
وفيه إسماعيل بن أبي كريمة السدي الكبير، وهو صدوق عنده
مناكير. لكن لا يحتمل مثل هذا.
(1/133)
علي بن إسحاق بن خوشنام [1] الرَّازِيُّ
أَنَا مُحَمَّدُ [بْنُ] أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ الْبَجَلِيُّ
[2] الرَّازِّيُّ، أَنَا محمد بن الصباح [3] حدثنا الْوَلِيدِ
بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ السدي عن عباد [4] بْنِ أَبِي يَزِيدَ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بمكة فمررنا [5] فِي نَوَاحِيهَا خَارِجًا مِنْ
مَكَّةَ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ يَمُرَّ [6]
بِشَجَرَةٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ» .
«66» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ
أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا
الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ
سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقُولُ:
«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
خَطَبَ اسْتَنَدَ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي
الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَاسْتَوَى
عَلَيْهِ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ، وَحَنَتْ [7]
كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ
حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ» .
__________
(1) في الأصل «هشام» والتصويب عن «الأنوار» (35) و «شرح السنة»
(3604) .
وهو في «شرح السنة» (3604) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 3626 والدارمي 1/ 12 والحاكم 2/ 620 وأبو نعيم
في «دلائل النبوة» (289) من طرق عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي
ثَوْرٍ بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم ... ! ووافقه الذهبي ... !؟ مع أن الذهبي ذكر
الوليد في «الميزان» ونقل عن الأئمة توهينه، وذكر أيضا عباد بن
أبي زيد مع هذا الحديث في «الميزان» (2/ 378/ 4148) وقال: لا
يدرى من هو تفرد عنه إسماعيل السدي بحديث ... فذكره.
قلت: ولو صح هذا لورد من طرق صحاح وعن جماعة من الصحابة، ولكن
كل ذلك لم يكن، وهو حديث منكر جدا.
وقد ضعفه الترمذي بقوله: غريب.
(2) في المطبوع «وهو بجلي» .
(3) في الأصل «الصاح» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنوار» وعن
النسخة «ط» .
(4) في الأصل «عبادة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(5) في المطبوع «فخرجنا» وفي «شرح السنة» «فرحنا» .
(6) كذا في المطبوع وشرح السنة، وفي المخطوط «فما نمر» .
(7) في المطبوع «وهن» وفي المخطوط «ولها حنين» والمثبت عن- ط-
وهذه الألفاظ جميعا ليست في «شرح السنة» . [.....]
66- حديث صحيح مشهور. إسناده صحيح. أبو العباس هو محمد بن
يعقوب والربيع هو ابن سليمان المرادي- وهو غير الجيزي، وكلاهما
من أصحاب الشافعي، وعبد المجيد من رجال مسلم، وفيه ضعف لكن
توبع، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، وأبو الزبير، هو
محمد بن مسلم المكي.
وهو في «شرح السنة» (3618) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (1/ 142- 143) عن
عبد المجيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 918 و3584 و3585 والنسائي 3/ 102 وابن ماجه
1417 وعبد الرزاق 5254 وابن أبي شيبة 11/ 485- 486 وأحمد 3/
206 و293 و395 و300 وابن حبان 6508 وأبو نعيم في «دلائل
النبوة» (303) والبيهقي 3/ 195 وفي «الدلائل» (2/ 556 و560) من
طرق من حديث جابر.
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه الترمذي 3631 وابن ماجه 1415
وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (3341) وأحمد 3/ 226 وأبو
يعلى 3384 والدارمي 1/ 19 وابن خزيمة 1776 وابن حبان 6507
والبيهقي في «الدلائل» (2/ 559) .
- ومن حديث ابن عمر عند البخاري 3583 والترمذي 505 والدارمي 1/
15 والبيهقي 3/ 196، وفي الباب أحاديث تبلغ به حد الشهرة.
والله أعلم.
(1/134)
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ
يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ
آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى
بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (76)
قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَنْزِلُ حَجَرٌ من
أعلى [1] إلى أسفل [2] إِلَّا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ،
وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ
خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ
الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
(21) [الْحَشْرِ: 21] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ: بِسَاهٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ: وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَقِيلَ: بِتَارِكِ
عُقُوبَةِ مَا تَعْمَلُونَ، بَلْ يُجَازِيكُمْ بِهِ، قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ يعملون بالياء والآخرون بالتاء.
[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 76]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ
مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذا
لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا
بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ
أَفَلا تَعْقِلُونَ (76)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَتَطْمَعُونَ: أَفَتَرْجُونَ؟
يُرِيدُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ:
يصدقكم الْيَهُودُ بِمَا تُخْبِرُونَهُمْ بِهِ؟ وَقَدْ كانَ
فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ، يَعْنِي:
التَّوْرَاةَ، ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ: يُغَيِّرُونَ مَا فِيهَا
مِنَ الْأَحْكَامِ، مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ: عَلِمُوهُ
[كَمَا] [3] غَيَّرُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآيَةِ الرَّجْمِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ:
أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ
وَعِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ:
نَزَلَتْ فِي السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى
لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لما رجعوا بعد ما
سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ إِلَى قَوْمِهِمْ رَجَعَ النَّاسُ
إِلَى قَوْلِهِمْ، وَأَمَّا الصَّادِقُونَ مِنْهُمْ فَأَدَّوْا
كَمَا سَمِعُوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: سَمِعْنَا
اللَّهَ يَقُولُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ
تَفْعَلُوا [فَافْعَلُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَفْعَلُوا]
[4] ، فَهَذَا تَحْرِيفُهُمْ وهم يعلمون أنه الحق.
قوله عزّ وجلّ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي: مُنَافِقِي
الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ إِذَا لَقُوا
الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ، قالُوا آمَنَّا:
كَإِيمَانِكُمْ، وَإِذا خَلا: رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ،
كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَوَهْبُ بن
يهودا، أو غيرهم مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، لِأَمْرِهِمْ
عَلَى ذَلِكَ، قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ: بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِكُمْ
أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ وَقَوْلَهُ صِدْقٌ، وَالْفَتَّاحُ:
الْقَاضِي [5] .
وقال الكسائي: بما بيّنه لكم من العلم بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ، وَقَالَ
الْوَاقِدِيُّ [6] : بِمَا أنزل الله عليكم وأعطاكم،
وَنَظِيرُهُ لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96] ، أي: أنزلنا، وقال أبو
__________
(1) في المطبوع «الأعلى» .
(2) في المطبوع «الأسفل» .
(3) سقط من المطبوع وحده.
(4) سقط من المطبوع وحده.
(5) وقع في المطبوع «القاض» وفي «ط» . «القاضي» ، وفي
«القاموس» : الفتح: الحكم بين خصمين، وفاتح: قاضي.
والفتاح: الحاكم اه ملخصا من مادة- ف ت ح- وهذا يرجح ما في «ط»
وأن المراد «القاضي» وانظر القرطبي عند هذه الآية، والله أعلم.
(6) هو محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي، متروك الحديث لا
يحتج بما ينفرد به.
(1/135)
أَوَلَا يَعْلَمُونَ
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا
أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ
لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ
يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ
ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ
وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
عُبَيْدَةَ [1] : بِمَا مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ وأعطاكم، لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ: ليخاصموكم بِهِ،
يَعْنِي: أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَيَحْتَجُّوا بِقَوْلِكُمْ عَلَيْكُمْ،
فَيَقُولُوا: قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَقٌّ فِي
كِتَابِكُمْ، ثُمَّ لَا تَتَّبِعُونَهُ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
قَالُوا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ شَاوَرُوهُمْ فِي
اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
آمِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بما فتح الله عليكم [2] ، ليكون
لَهُمُ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ. عِنْدَ رَبِّكُمْ [فِي
الدُّنْيَا] [3] وَالْآخِرَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَخْبَرُوا
الْمُؤْمِنِينَ بِمَا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى
الْجِنَايَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ
الْعَذَابِ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ، لِيَرَوُا
الْكَرَامَةَ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَيْكُمْ عِنْدَ اللَّهِ،
وَقَالَ مُجَاهِدٌ [4] : هُوَ قَوْلُ يَهُودَ قُرَيْظَةَ
[قَالَ] [5] بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا إِخْوَانَ
الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، فَقَالُوا: مَنْ أَخْبَرَ
مُحَمَّدًا بِهَذَا؟ مَا خَرَجَ هَذَا إِلَّا مِنْكُمْ، أَفَلا
تَعْقِلُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 77 الى 79]
أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ
وَما يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ
الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ
(78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ
ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ
ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ
وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
قوله عزّ وجلّ: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
يُسِرُّونَ: يُخْفُونَ، وَما يُعْلِنُونَ: يُبْدُونَ، يَعْنِي
الْيَهُودَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ، أَيْ: مِنَ
الْيَهُودِ أُمِّيُّونَ لَا يُحْسِنُونَ الْقِرَاءَةَ
وَالْكِتَابَةَ، جَمْعُ: أُمِّيٍّ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ
كَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا انْفَصَلَ مِنَ الْأُمِّ لَمْ
يَتَعَلَّمْ [6] كِتَابَةً ولا قراءة.
ع «67» [وروي عن الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ» .
أَيْ: لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ
إِلَى أُمِّ الْقُرَى وَهِيَ مَكَّةُ] [7] . لَا يَعْلَمُونَ
الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ:
«أَمَانِيَ» ، بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، كُلَّ الْقُرْآنِ، حَذَفَ
إِحْدَى الْيَاءَيْنِ تَخْفِيفًا، وقراءة العامّة بالتشديد،
وهو جمع: أمنية وهي التلاوة، وقال اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا
إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ
[الْحَجِّ: 52] ، أَيْ: فِي قِرَاءَتِهِ، قَالَ أَبُو عبيدة:
إلا تلاوة وقراءة عن ظهر القلب لا يقرؤونه مِنْ كِتَابٍ،
وَقِيلَ: يَعْلَمُونَهُ حِفْظًا وقراءة، لا يعرفون معناه، قال
ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي غَيْرَ عَارِفِينَ بِمَعَانِي
الْكِتَابِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ [8] : إِلَّا
كَذِبًا وَبَاطِلًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَمَانِيُّ [9] :
الْأَحَادِيثُ الْمُفْتَعَلَةُ، قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ:
مَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، أَيْ: مَا كَذَبْتُ
وَأَرَادَ بِهَا الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَتَبَهَا عُلَمَاؤُهُمْ
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ [10] أضافوها إلى الله مِنْ
تَغْيِيرِ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو
الْعَالِيَةِ: هِيَ مِنَ التمنّي وهي أمانيهم
__________
(1) هو الإمام معمر بن المثنى النحوي اللغوي صدوق أخباري توفي
سنة 208.
(2) زيد في المطبوع «ليحاجوكم به، يعني» .
(3) زيادة عن المخطوط وط-.
(4) أخرجه الطبري 1350 وهذا مرسل، فهو ضعيف. والمرفوع ورد من
قول علي، وهو أصح.
(5) زيد في المطبوع.
(6) في المطبوع وحده «يعلم» .
(7) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط. [.....]
(8) زيد في المطبوع.
(9) في المطبوع «أماني» .
(10) في المخطوط «مما» .
67- ع صحيح. أخرجه البخاري 1913 ومسلم 1080 ح 13 وأبو داود
2319 والنسائي 4/ 39- 40 وفي «الكبرى» (2450) وأحمد 2/ 43 من
حديث ابن عمر بأتم منه.
(1/136)
الباطلة التي يتمنّونها عَلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ
إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَةِ:
111] ، وَقَوْلِهِمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا
أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: 80] ، وَقَوْلِهِمْ:
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: 18] ،
فعلى هذا (لا) يكون بِمَعْنَى (لَكِنْ) ، أَيْ: لَا
يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ لَكِنْ يَتَمَنَّوْنَ أَشْيَاءَ لَا
تَحْصُلُ لَهُمْ، وَإِنْ هُمْ، وَمَا هم إِلَّا يَظُنُّونَ،
يعني: وَمَا [هُمْ إِلَّا] [1] يَظُنُّونَ ظَنًّا وَتَوَهُّمًا
لَا يَقِينًا، قَالَهُ قَتَادَةُ والربيع، وقال مجاهد: يكذبون.
قوله عزّ وجلّ: فَوَيْلٌ، قَالَ الزَّجَّاجُ: «وَيْلٌ»
كَلِمَةٌ تقولها العرب: لكل وَاقِعٍ فِي هَلَكَةٍ، وَقِيلَ:
هُوَ دُعَاءُ الْكُفَّارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ
وَالثُّبُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شِدَّةُ الْعَذَابِ،
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ لَوْ سُيِّرَتْ فِيهِ جِبَالُ
الدُّنْيَا لَانْمَاعَتْ [2] ولذابت مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ [3]
.
«68» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
[بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ
بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ] [4] الْخَلَّالُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ [5] بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ [6]
عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ
أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ،
وَالصُّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ
خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي فَهُوَ كذلك» ، يَكْتُبُونَ الْكِتابَ
بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّ أحبار
اليهود خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ
حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ، فَاحْتَالُوا فِي تَعْوِيقِ الْيَهُودِ عَنِ
الْإِيمَانِ بِهِ فَعَمَدُوا إِلَى صِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ،
وَكَانَتْ صِفَتُهُ فِيهَا: حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشعر
أكحل العينين ربعة [القامة] [7] ، فَغَيَّرُوهَا وَكَتَبُوا
مَكَانَهَا طِوَالٌ أَزْرَقُ
__________
(1) في المطبوع «وما يظنون إلا ظنا ... » .
(2) في المخطوط «لماعت» وليس فيه «ولذابت» .
(3) في المطبوع «حرّها» .
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «شرح
السنة» (4305) .
(5) في الأصل «راشيد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(6) في الأصل «السمع» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(7) زيد في المطبوع.
68- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد وأبي السمح في روايته
عن أبي الهيثم، وأبو السمح اسمه درّاج بن سمعان وأبو الهيثم هو
سليمان بن عمرو العتواري.
وهو في «شرح السنة» (4305) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 3164 وأحمد 3/ 75 وأبو يعلى 1383 وابن حبان
7467 والحاكم 4/ 296 و507 والطبري 1387 والبيهقي في «البعث»
(513) كلهم من طريق دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ به، وبعضهم اقتصر
على ذكر واد الويل فقط، ولم يذكر جبل الصعود.
والحديث صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! مع أنه من رواية درّاج عن
أبي الهيثم، وهي واهية، قال الذهبي في مواضع أخر في تلخيص
المستدرك: دراج ذو مناكير.
وقال في «الميزان» (2/ 24) : قال أحمد: درّاج أحاديثه مناكير.
وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين: ثقة، قال فضلك الرازي: ما هو
ثقة ولا كرامة.
النسائي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقال الحافظ في «التقريب» في دراج: في روايته عن أبي الهيثم
ضعف.
- وضعفه الترمذي بقوله: غريب. وكذا ضعفه ابن كثير في «تفسيره»
(1/ 121) بقوله: هذا منكر.
(1/137)
وَقَالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ
أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ
عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
(80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ
خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ
إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ
حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ
تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ
مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا
تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ
دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
سَبْطُ الشَّعْرِ، فَإِذَا سَأَلَهُمْ
سَفِلَتُهُمْ عن صفته قرؤوا مَا كَتَبُوا فَيَجِدُونَهُ
مُخَالِفًا لِصِفَتِهِ فَيُكَذِّبُونَهُ [وَيُنْكِرُونَهُ] [1]
، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ
أَيْدِيهِمْ، يَعْنِي: [مَا] كَتَبُوا]
بِأَنْفُسِهِمُ اخْتِرَاعًا من تغيير نعته صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ: من
المآكل، ويقال: من المعاصي.
[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 81]
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً
مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ
يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا
لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ
بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ (81)
وَقالُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ: لَنْ
تُصِيبَنَا النَّارُ، إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً: قَدْرًا
مُقَدَّرًا ثُمَّ يَزُولُ عَنَّا الْعَذَابُ [وَيَعْقُبُهُ
النَّعِيمُ] [3] ، واختلفوا في هذه الأيام، فقال ابْنُ
عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: كَانَتِ الْيَهُودُ يقولون مدة [4]
الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا نُعَذَّبُ
بِكُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ يَنْقَطِعُ
الْعَذَابُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ
وَعَطَاءٌ: يَعْنُونَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا الَّتِي عَبَدَ
فِيهَا آبَاؤُهُمُ الْعِجْلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو
الْعَالِيَةِ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنْ رَبَّنَا عَتَبَ
عَلَيْنَا فِي أَمْرِنَا فأقسم الله لَيُعَذِّبُنَا
أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا
أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَحِلَّةَ الْقِسْمِ، فَقَالَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ تَكْذِيبًا لَهُمْ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ
أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ، أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دخلت على
ألف الوصل، عَهْداً مُوَثَّقًا أَنْ لَا يُعَذِّبَكُمْ إِلَّا
هَذِهِ الْمُدَّةَ، فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ، وعده،
وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: عَهْدًا بِالتَّوْحِيدِ، يَدُلُّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ
الرَّحْمنِ عَهْداً [مَرْيَمَ:
87] ، يعني: قَوْلُ [5] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمْ
تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ؟ ثُمَّ قَالَ:
بَلى، وبلى وبل: حَرْفَا اسْتِدْرَاكٍ، وَمَعْنَاهُمَا نَفْيُ
الْخَبَرِ الْمَاضِي وَإِثْبَاتُ الْخَبَرِ الْمُسْتَقْبَلِ.
مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً، يَعْنِي: الشِّرْكَ وَأَحاطَتْ بِهِ
خَطِيئَتُهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ «خَطِيئَاتُهُ»
بِالْجَمْعِ، وَالْإِحَاطَةُ: الْإِحْدَاقُ بِالشَّيْءِ مِنْ
جَمِيعِ نَوَاحِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ
وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ والربيع وجماعة: هو [6]
الشِّرْكُ يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: السَّيِّئَةُ
الْكَبِيرَةُ وَالْإِحَاطَةُ بِهِ أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا
فَيَمُوتُ غَيْرَ تَائِبٍ، قَالَهُ عكرمة والربيع بن خيثم.
[قال الواحدي رحمه الله في تفسيره «الوسيط» : المؤمنون لا
يدخلون في حكم هذه الآية لأن الله تعالى أوعد بالخلود في النار
من أحاطت به خطيئته، وتقدمت منه سيّئة وهي الشرك، والمؤمن وإن
عمل الكبائر لم يوجد منه الشرك] [7] . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ
الذُّنُوبُ تُحِيطُ بالقلب كلما عمل ذَنْبًا ارْتَفَعَتْ
حَتَّى تَغْشَى [8] الْقَلْبَ، وهي الرين، قال الكلبي: أو بقته
ذُنُوبُهُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ
بِكُمْ [يُوسُفَ:
66] ، أَيْ: تَهْلِكُوا، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ
فِيها خالِدُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 82 الى 84]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ
أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) وَإِذْ
أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ
اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ
إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ
أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا
تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ
وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «كتبوه» دون- ما-. [.....]
(3) زيادة عن المخطوط، وط.
(4) في المخطوط وط- «هذه» بدل «مدة» والمثبت عن المطبوع
والطبري (1412 و1413) .
(5) في المطبوع «قوله» .
(6) في المطبوع «هي» .
(7) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط، وط-.
(8) في المخطوط «يقسى» وفي نسخة «يقسو» والمثبت عن المطبوع و
«الدر المنثور» (1/ 164) .
(1/138)
ثُمَّ أَنْتُمْ
هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا
مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ
بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى
تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ
فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ
إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ (85)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا
مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ: فِي التَّوْرَاةِ وَالْمِيثَاقُ
الْعَهْدُ الشَّدِيدُ، لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ والكسائي لا يعبدون، بالياء،
والآخرون بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ [1] تَعَالَى: وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة: 83] ، معناه أن لا تَعْبُدُوا،
فَلَمَّا حَذَفَ (أَنْ) صَارَ الْفِعْلُ مَرْفُوعًا وَقَرَأَ
أُبَيُّ بْنُ كعب:
«لا تعبدوا» ، على النهي، وَبِالْوالِدَيْنِ، أَيْ:
وَوَصَّيْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ، إِحْساناً بِرًّا بِهِمَا
وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا وَنُزُولًا عِنْدَ أَمْرِهِمَا فِيمَا
لَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِي الْقُرْبى،
أَيْ: وَبِذِي الْقَرَابَةِ، وَالْقُرْبَى مَصْدَرٌ
كَالْحُسْنَى، وَالْيَتامى، جَمْعُ يَتِيمٍ وَهُوَ الطِّفْلُ
الَّذِي لَا أَبَ لَهُ، وَالْمَساكِينِ، يَعْنِي:
الْفُقَرَاءَ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً: صِدْقًا وَحَقًّا
فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَمَنْ سَأَلَكُمْ عَنْهُ فَاصْدُقُوهُ وَبَيِّنُوا صِفَتَهُ
لا تَكْتُمُوا أَمْرَهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٍ،
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقِيلَ: هُوَ اللِّينُ فِي
الْقَوْلِ وَالْمُعَاشَرَةُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ:
«حَسَنًا» بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ، أَيْ: قَوْلًا
حَسَنًا، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ
تَوَلَّيْتُمْ، أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ،
إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ
آمَنُوا، وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ، كَإِعْرَاضِ آبائكم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا
تَسْفِكُونَ، أَيْ: لَا تُرِيقُونَ، دِماءَكُمْ، أَيْ: لَا
يَسْفِكُ بَعْضُكُمْ دَمَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: لَا تَسْفِكُوا
دِمَاءَ غَيْرِكُمْ فيسفك دِمَاءَكُمْ فَكَأَنَّكُمْ
سَفَكْتُمْ دِمَاءَ أَنْفُسِكُمْ، وَلا تُخْرِجُونَ
أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، [أَيْ] [2] : لَا يُخْرِجُ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ دَارِهِ، وَقِيلَ: لَا تُسِيئُوا
جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ فَتُلْجِئُوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ
بِسُوءِ جِوَارِكُمْ، ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ: بِهَذَا الْعَهْدِ
أَنَّهُ حَقٌّ وَقَبِلْتُمْ، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ:
الْيَوْمَ عَلَى ذَلِكَ يا معشر اليهود وتعترفون بالقبول.
[سورة البقرة (2) : آية 85]
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ
وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ
عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ
أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى
أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
(85)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ، يَعْنِي: يَا
هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ لِلتَّنْبِيهِ، تَقْتُلُونَ
أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا،
وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ
عَلَيْهِمْ، بِتَشْدِيدِ الظَّاءِ، أَيْ:
تَتَظَاهَرُونَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ، وَقَرَأَ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِتَخْفِيفِ الظَّاءِ
فَحَذَفُوا تَاءَ التَّفَاعُلِ وَأَبْقَوْا تَاءَ الْخِطَابِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَعاوَنُوا [المائدة: 2] ،
مَعْنَاهُمَا جَمِيعًا تَتَعَاوَنُونَ، وَالظَّهِيرُ:
الْعَوْنُ، بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ: بالمعصية والظلم،
وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى، [و] قرأ حَمْزَةُ أَسْرَى، وَهُمَا
جَمْعُ:
أَسِيرٍ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، «تَفْدُوهُمْ» : بِالْمَالِ
وَتُنْقِذُوهُمْ، [و] قرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ
وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ
__________
(1) في المطبوع وحده «كقوله» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(1/139)
أُولَئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ
بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا
جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا
تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
تُفادُوهُمْ، أَيْ: تُبَادِلُوهُمْ،
أَرَادَ مُفَادَاةَ الْأَسِيرِ بِالْأَسِيرِ، وَقِيلَ: مَعْنَى
الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ، قَالَ
السُّدِّيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ أَنْ لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا وَلَا يُخْرِجَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ دِيَارِهِمْ،
وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ فَاشْتَرُوهُ بِمَا قَامَ مِنْ ثَمَنِهِ
وَأَعْتِقُوهُ، فَكَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الْأَوْسِ
وَالنَّضِيرُ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، وَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ
فِي حَرْبٍ سنين، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائهم وبنو النضير مع
حلفائهم وإذا غلبوا خرّبوا دِيَارَهُمْ وَأَخْرَجُوهُمْ
مِنْهَا، وَإِذَا أُسِرَ رَجُلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمَعُوا
لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ وَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ مِنْ
عَدُوِّهِمْ، فَتُعَيِّرُهُمُ الْعَرَبُ وَتَقُولُ [1] :
كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ؟
قَالُوا: إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيَهُمْ، فَيَقُولُونَ:
فَلِمَ تقاتلوهم؟ قالوا: إنا نستحي أن نستذل [2] حلفاءنا،
فعيّرهم الله تعالى، فَقَالَ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ
تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ
وَتَأْخِيرٌ، وَنَظْمُهَا: وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ
مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ،
وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ، فَكَأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ عُهُودٍ: تَرْكَ
الْقِتَالِ وَتَرْكَ الْإِخْرَاجِ وَتَرْكَ الْمُظَاهَرَةِ
عَلَيْهِمْ مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَفِدَاءَ أَسْرَاهُمْ [3] ،
فَأَعْرَضُوا عَنِ الْكُلِّ إِلَّا الْفِدَاءَ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتَهُ فِي يَدِ
غَيْرِكَ فَدَيْتَهُ وَأَنْتَ تَقْتُلُهُ بِيَدِكَ، فَما
جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ: يَا مَعْشَرَ
الْيَهُودِ، إِلَّا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ، فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا، فَكَانَ خِزْيُ قُرَيْظَةَ الْقَتْلَ وَالسَّبْيَ،
وَخِزْيُ النَّضِيرِ الْجَلَاءَ وَالنَّفْيَ مِنْ
مَنَازِلِهِمْ إِلَى أَذَرِعَاتٍ وأريحا مِنَ الشَّامِ،
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وهو
عَذَابِ النَّارِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ،
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ،
وَالْبَاقُونَ بالتاء.
[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 88]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا
بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً
تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ
اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (88)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا:
اسْتَبْدَلُوا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا
يُخَفَّفُ، يُهَوَّنُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ، لَا يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ.
وَلَقَدْ آتَيْنا: أَعْطَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ: التَّوْرَاةَ
جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَفَّيْنا: وَأَتْبَعْنَا، مِنْ
بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ: رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ، وَآتَيْنا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ: الدَّلَالَاتِ
الْوَاضِحَاتِ، وَهِيَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ آلِ
عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْإِنْجِيلَ،
وَأَيَّدْناهُ: قَوَّيْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، قَرَأَ ابْنُ
كَثِيرٍ «الْقُدْسِ» بِسُكُونِ الدَّالِ، وَالْآخَرُونَ
بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ: الرُّعُبِ وَالرُّعْبِ،
وَاخْتَلَفُوا فِي رُوحِ الْقُدُسِ، قَالَ الرَّبِيعُ
وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بالروح [الروح] [4] الذي لا نفخ فيه، [و]
القدس هُوَ اللَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَكْرِيمًا
وَتَخْصِيصًا [5] ، نَحْوَ: بَيْتِ اللَّهِ، وَنَاقَةِ
اللَّهِ، كَمَا قَالَ: فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا
[التَّحْرِيمِ:
12] ، وَرُوحٌ مِنْهُ [النِّسَاءِ: 171] ، وَقِيلَ: أَرَادَ
بِالْقُدُسِ: الطِّهَارَةَ، يَعْنِي: الرُّوحَ الطَّاهِرَةَ،
سَمَّى روحه
__________
(1) في المطبوع «يقولون» .
(2) في المطبوع «تذل» .
(3) في المطبوع «أسرائهم» وفي المخطوط «أساراهم» والمثبت عن-
ط-.
(4) زيادة عن نسخة- ط- وفي المخطوط «الروع» .
(5) زيد في المطبوع وحده هاهنا «أي: التي نفخ فيه» .
(1/140)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ
كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ
كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا
اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ
وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
قُدُسًا لِأَنَّهُ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ
أَصْلَابُ الفحول وَلَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ
الطَّوَامِثِ، إِنَّمَا كَانَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
تَعَالَى، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: رُوحُ
الْقُدُسِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام، قيل: وصف جبريل [عليه
السلام] بِالْقُدُسِ أَيْ بِالطَّهَارَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ
يقترف ذنبا، قال الْحَسَنُ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ، وَرُوحُهُ
جِبْرِيلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ
[النَّحْلِ: 102] ، وَتَأْيِيدُ عِيسَى بِجِبْرِيلَ
عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُ
حَيْثُ سَارَ حَتَّى صعد به إِلَى السَّمَاءِ، وَقِيلَ:
سُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحًا لِلَطَافَتِهِ
وَلِمَكَانَتِهِ مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ
الْقُلُوبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
رُوحُ الْقُدُسِ هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْظَمُ الذي
كان يحيي به الْمَوْتَى، وَيُرِي النَّاسَ [بِهِ] [1]
الْعَجَائِبَ، وقيل: هو الإنجيل جعل [الله] [2] لَهُ رُوحًا
كَمَا جَعْلَ الْقُرْآنَ رُوحًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ،
وقال الله تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً
مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] ، فلما سمعت الْيَهُودُ ذِكْرَ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قالوا: يَا مُحَمَّدُ لَا مِثْلَ
عِيسَى كَمَا تَزْعُمُ عَمِلْتَ، وَلَا كَمَا يقصّ عَلَيْنَا
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَعَلْتَ، فَأْتِنَا بِمَا أَتَى بِهِ
عِيسَى إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
أَفَكُلَّما جاءَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ رَسُولٌ بِما
لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ: تَكَبَّرْتُمْ
وَتَعَظَّمْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، فَفَرِيقاً: طَائِفَةً
كَذَّبْتُمْ: مِثْلَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ، أَيْ: قَتَلْتُمْ
مِثْلَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَشَعْيَا، وَسَائِرِ مَنْ قتلوا
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَقالُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، قُلُوبُنا غُلْفٌ، جَمْعُ أغلف
وهو الذي عليه غشاوة، معناه: عليها غشاوة فلا تسمع ولا تفقه ما
يقول، قَالَهُ [3] مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ
[فُصِّلَتْ: 5] ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «غُلُفٌ» بِضَمِّ
اللَّامِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْرَجِ، وهي جَمْعُ غِلَافٍ،
أَيْ: قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ عِلْمٍ فَلَا [تَحْتَاجُ
إِلَى عِلْمِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ علم فهي لا] [4]
تسمع حديثا إلا وعته إِلَّا حَدِيثَكَ لَا تَعْقِلُهُ وَلَا
تَعِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ لَوَعَتْهُ وَفَهِمَتْهُ،
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ:
طَرَدَهُمُ اللَّهُ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ،
بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ، قَالَ قتادة:
معناه لا [5] يُؤْمِنَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، لِأَنَّ مَنْ
آمَنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُ مِمَّنْ آمَنَ مِنَ
الْيَهُودِ، أَيْ: فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، وَنَصْبُ
(قَلِيلًا) عَلَى الْحَالِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: لَا يُؤْمِنُونَ
إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ وَيَكْفُرُونَ
بِأَكْثَرِهِ، أَيْ: فَقَلِيلٌ يُؤْمِنُونَ [وَنَصْبُ
(قَلِيلًا) بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَ (مَا) صِلَةٌ عَلَى
قَوْلِهِمَا، وَقَالَ الواقدي: معناه لا يؤمنون] [6] لا
قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ: مَا
أَقَلَّ مَا تَفْعَلُ كَذَا، أَيْ: لَا تَفْعَلُهُ أَصْلًا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما
مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى
الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا
بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا
اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ
اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى
مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90)
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ مُصَدِّقٌ: مُوَافِقٌ لِما مَعَهُمْ، يَعْنِي:
التَّوْرَاةَ، وَكانُوا، يعني: اليهود، مِنْ قَبْلُ، [أَيْ] :
مِنْ قَبْلِ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، يَسْتَفْتِحُونَ:
يَسْتَنْصِرُونَ، عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا: عَلَى مُشْرِكِي
الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أنهم كانوا يقولون إذا أحزنهم أمر أو
__________
1 زيادة عن المخطوط. [.....]
2 زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «قال» .
(4) سقط من المخطوط.
(5) في المخطوط «لن» والمثبت عن المطبوع والطبري (1518 و1519)
.
(6) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(1/141)
|