تفسير البغوي
إحياء التراث وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ
الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ
أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
(91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ
اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ
(92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ
الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا
قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ
الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ
إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
دهمهم [1] عَدُوٌّ: اللَّهُمَّ انْصُرْنَا
عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ
الَّذِي نَجِدُ صِفَتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَكَانُوا
يُنْصَرُونَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِأَعْدَائِهِمْ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ: قَدْ أَظَلَّ [2] زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ
بِتَصْدِيقِ مَا قُلْنَا فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ
وَثَمُودَ وَإِرَمَ.
فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَعَرَفُوا نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ، كَفَرُوا بِهِ: بَغْيًا
وَحَسَدًا، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، بِئْسَ وَنِعْمَ
فِعْلَانِ مَاضِيَانِ وُضِعَا لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ، لَا
يَتَصَرَّفَانِ تَصَرُّفَ الْأَفْعَالِ، مَعْنَاهُ: بِئْسَ
الَّذِي اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ حِينَ اسْتَبْدَلُوا
الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ، وَقِيلَ: الِاشْتِرَاءُ هَاهُنَا
بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى: بِئْسَ مَا بَاعُوا بِهِ
حَظَّ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ [حِينَ] [3] اخْتَارُوا الْكفْرَ
وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّارِ، أَنْ يَكْفُرُوا بِما
أَنْزَلَ اللَّهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، بَغْياً، أَيْ:
حَسَدًا، وَأَصْلُ الْبَغْيِ: الفساد، يقال:
بَغَى الْجُرْحُ إِذَا فَسَدَ، وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ،
وَأَصْلُهُ الطَّلَبُ، وَالْبَاغِي طَالِبُ الظُّلْمِ
وَالْحَاسِدُ يَظْلِمُ الْمَحْسُودَ [جَهْدَهُ طَلَبًا
لِإِزَالَةِ] [4] نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ، أَنْ
يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، أَيِ: النُّبُوَّةَ
وَالْكِتَابَ، عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ أهل مكة والبصرة
«ينزل» وبابه [5] بالتخفيف، إلا في «سبحان» فِي مَوْضِعَيْنِ:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ [الإسراء: 82] وحَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الْإِسْرَاءِ: 93] فَإِنَّ [6]
ابْنَ كَثِيرٍ يُشَدِّدُهُمَا، وَشَدَّدَ الْبَصْرِيُّونَ فِي
الْأَنْعَامِ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الْأَنْعَامِ: 37] ،
زَادَ يَعْقُوبُ تَشْدِيدَ بِما يُنَزِّلُ فِي النحل، وافق
حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ فِي تَخْفِيفِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ
[لقمان: 34] في سورة لقمان وحمعسق، وَالْآخَرُونَ يُشَدِّدُونَ
الْكُلَّ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَشْدِيدِ وَما نُنَزِّلُهُ
إِلَّا بِقَدَرٍ [الحجر: 21] في الحجر، فَباؤُ: رجعوا بِغَضَبٍ
عَلى غَضَبٍ، أي: مع غَضَبٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَمُجَاهِدٌ: الْغَضَبُ الْأَوَّلُ بِتَضْيِيعِهِمُ
التَّوْرَاةَ وَتَبْدِيلِهِمْ [لها] [7] ، وَالثَّانِي:
بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الأول بكفرهم بعيسى
والإنجيل، وَالثَّانِي بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ
السُّدِّيُّ: الْأَوَّلُ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَالثَّانِي
بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلِلْكافِرِينَ: الْجَاحِدِينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، عَذابٌ
مُهِينٌ:
مُخْزٍ يُهَانُونَ فيه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا
نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ
وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ
تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ
ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا
فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ
وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما
يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
قَوْلُهُ عَزَّ وجلّ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما
أَنْزَلَ اللَّهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، قالُوا نُؤْمِنُ بِما
أُنْزِلَ عَلَيْنا،
__________
(1) في «القاموس» : أدهمه: ساءه. ودهمك: غشيك.
(2) في المطبوع وحده «أطل» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) ما بين المعقوفتين في المخطوط «لأنه طالب إزالة» .
(5) في المخطوط «ويائه» وهو خطأ.
(6) في المطبوع وحده «قال» .
(7) سقط من المطبوع.
(1/142)
قُلْ إِنْ كَانَتْ
لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ
دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ
أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ
أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ
يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، يَكْفِينَا ذَلِكَ،
وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ، أَيْ: بِمَا سِوَاهُ مِنَ
الْكُتُبِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ [الْمُؤْمِنُونَ: 7] ، أَيْ:
سِوَاهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بما بعده، وَهُوَ
الْحَقُّ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، مُصَدِّقاً، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، لِما
مَعَهُمْ: من التوراة، قُلْ: لهم يَا مُحَمَّدُ فَلِمَ
تَقْتُلُونَ، أَيْ: قَتَلْتُمْ، أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ
قَبْلُ، و (لم) أَصْلُهُ لِمَا، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ فَرْقًا
بين الخبر وَالِاسْتِفْهَامِ، كَقَوْلِهِمْ فِيمَ وَبِمَ، إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: بِالتَّوْرَاةِ، وَقَدْ نُهِيتُمْ
فِيهَا عَنْ قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السّلام.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى
بِالْبَيِّناتِ بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَةِ وَالْمُعْجِزَاتِ
الْبَاهِرَةِ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ.،
[أي: من بعد انطلاقه إلى الجبل] [1] ، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ
وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ
بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا، أَيِ: اسْتَجِيبُوا وَأَطِيعُوا،
سُمِّيَتِ الطَّاعَةُ وَالْإِجَابَةُ: سمعا على المجاز، لأنها
[2] سَبَبٌ لِلطَّاعَةِ وَالْإِجَابَةِ، قالُوا سَمِعْنا:
قولك، وَعَصَيْنا: أمرك، وقيل: سمعنا بالآذان [3] ،
وَعَصَيْنَا بِالْقُلُوبِ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي:
إِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا هَذَا بِأَلْسِنَتِهِمْ ولكن لما
سمعوا وتلقوه بالعصيان نسب ذَلِكَ إِلَى الْقَوْلِ اتِّسَاعًا.
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ، أَيْ:
حب العجل، مَعْنَاهُ: أُدْخِلَ فِي قُلُوبِهِمْ حُبُّ
الْعَجَلِ وَخَالَطَهَا، كَإِشْرَابِ اللَّوْنِ لِشِدَّةِ
الْمُلَازَمَةِ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُشْرَبُ [4] اللَّوْنِ
إِذَا اخْتَلَطَ بَيَاضُهُ بِالْحُمْرَةِ، وَفِي الْقِصَصِ:
أَنَّ مُوسَى أُمِرَ أَنْ يُبْرَدَ الْعِجْلُ بِالْمِبْرَدِ،
ثُمَّ يَذُرَّهُ فِي النَّهْرِ وَأَمَرَهُمْ بِالشُّرْبِ
مِنْهُ، فَمَنْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ حُبِّ
الْعِجْلِ ظَهَرَتْ سُحَالَةُ الذَّهَبِ عَلَى شَارِبِهِ،
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ
إِيمانُكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوا الْعِجْلَ مِنْ دُونِ اللَّهِ،
أَيْ: بِئْسَ إِيمَانٌ يأمر بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: بِزَعْمِكُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
قَالُوا: نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا، فَكَذَّبَهُمُ
اللَّهُ عزّ وجلّ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ
خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ
أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ
يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ
الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ
ادَّعَوْا دَعَاوَى بَاطِلَةً مِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً
[الْبَقَرَةِ: 80] ، لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ
كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَةِ: 111] ، وَقَوْلِهِمْ:
نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: 18] ،
فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَلْزَمَهُمُ
الْحُجَّةَ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كانَتْ
لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ، يَعْنِي:
الْجَنَّةَ، خالِصَةً، أَيْ: خَاصَّةً [5] مِنْ دُونِ النَّاسِ
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، أَيْ: فَأَرِيدُوهُ أو اسألوه،
لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ حَنَّ
إِلَيْهَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى دُخُولِهَا إِلَّا بَعْدَ
الْمَوْتِ، فَاسْتَعْجَلُوهُ بِالتَّمَنِّي، إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ: فِي قَوْلِكُمْ، وَقِيلَ: فَتُمَنُّوا الْمَوْتَ،
أَيِ: ادْعُوَا بِالْمَوْتِ عَلَى الْفِرْقَةِ الكاذبة.
__________
(1) زيد في المطبوع وحده.
(2) في المطبوع «لأنه» . [.....]
(3) في المطبوع «بالأذن» .
(4) في المطبوع «أشرب» .
(5) في المطبوع وحده «خالصة» .
(1/143)
قُلْ مَنْ كَانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ
بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى
وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)
ع 6»
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَغُصَّ
كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِرِيقِهِ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ يَهُودِيٌّ إلا مات» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ فِي
دَعْوَاهُمْ كَاذِبُونَ، وَأَرَادَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
بما قدّموه من الأعمال، وأضاف [1] العمل إِلَى الْيَدِ [دُونَ
سَائِرِ الْأَعْضَاءِ] [2] لِأَنَّ أَكْثَرَ جِنَايَاتِ
الْإِنْسَانِ تَكُونُ بِالْيَدِ، فَأُضِيفَ إِلَى الْيَدِ
أَعْمَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَدِ فِيهَا عَمَلٌ،
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
وَلَتَجِدَنَّهُمْ، اللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، وَالنُّونُ
تَأْكِيدٌ لِلْقِسْمِ، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ لَتَجِدَنَّهُمْ
يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي:
الْيَهُودَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا، قيل: هو متصل بالأول، أي: وَأَحْرَصَ مِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ:
عَلى حَياةٍ، ثم ابتدأ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَأَرَادَ
بِالَّذِينِ أَشْرَكُوا الْمَجُوسَ، قَالَهُ [3] أَبُو
الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ، سُمُّوا مُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ
يَقُولُونَ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. يَوَدُّ: يُرِيدُ
وَيَتَمَنَّى، أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ،
يَعْنِي: تَعْمِيرَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَهِي تَحِيَّةُ الْمَجُوسِ
فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَقُولُونَ:
عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ أَلْفٍ نَيْرُوزٌ ومهرجان، يَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: الْيَهُودُ أَحْرَصُ على الحياة من المجوس
الذين يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ: بمباعده،
مِنَ الْعَذابِ، [أي] : من النَّارِ أَنْ يُعَمَّرَ، أَيْ:
طُولُ عمره لا ينقذه [4] من العذاب، و (زحزح) لازم ومتعدّ،
يقال: زحزحته، فتزحزح، وزحزحته: فزحزح، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما
يَعْمَلُونَ، [قرأ يعقوب بالتاء والباقون بالياء] [5] .
[سورة البقرة (2) : آية 97]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى
قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ
وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ.
ع «70» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ
حِبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ
اللَّهِ بن صوريا قال
__________
69- ع الراجح وقفه. أخرجه البيهقي في «الدلائل» (6/ 274- 275)
عن ابن عباس مرفوعا بأتم منه، وإسناده ضعيف جدا، بل مصنوع فيه
الكلبي، وهو محمد بن السائب، وهو متروك متهم، وأبو صالح غير
ثقة في ابن عباس، وقد أقر الكلبي بأن كل ما رواه عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس، كذب. راجع ترجمة في «الميزان» . وقد
مر الكلام عليه في المقدمة.
وأخرجه الطبري 1570 عن الأعمش عن ابن عباس موقوفا، وهذا إسناد
ضعيف لانقطاعه بين الأعمش وابن عباس، وكرره الطبري 1573 بنحوه
عن ابن عباس موقوفا، وفيه محمد بن أبي محمد شيخ ابن إسحاق، وهو
مجهول.
- وورد من وجه آخر عن ابن عباس موقوفا أخرجه النسائي في
«التفسير» (81) وأحمد 1/ 248 ورجال النسائي ثقات والإسناد
متصل.
وانظر ما قاله الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 167) و «الفتح»
(8/ 724) وخلاصة القول أنه لم يصح مرفوعا، وإنما هو من كلام
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والله أعلم، وانظر
«تفسير الكشاف» (44) بتخريجي، والله الموفق.
70- ع لم أجده مسندا بهذا التمام. ذكره الواحدي في «أسباب
النزول» (41) عن ابن عباس بدون إسناد، وقال الحافظ في «تخريج
الكشاف» (1/ 169) بعد أن زاد نسبته للثعلبي: ولم أقف له على
سند، ولعله من تفسير الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن
عباس اهـ.
وهذه إشارة إلى وهن الخبر فإن الكلبي متهم كما تقدم. ولبعضه
شاهد عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ابن عباس، أخرجه الطبري
1608 وإسناده لين، وكرره 1609 عن شهر بن حوشب مرسلا، وهو أرجح
من الموصول.
(1) في المخطوط «أضافها» بدل و «أضاف العمل» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «قال» .
(4) في المطبوع «يبعده» .
(5) زيد في المطبوع دون المخطوط وط-.
(1/144)
مَنْ كَانَ عَدُوًّا
لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ
فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا
إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا
نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
(100)
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أيّ ملك يأتيك مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: «جِبْرِيلُ»
، قَالَ: ذَلِكَ عَدُّونَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ كَانَ
مِيكَائِيلَ لَآمَنَّا بِكَ، إِنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ
بِالْعَذَابِ وَالْقِتَالِ وَالشِّدَّةِ وإنه عادانا مرارا،
كان أَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ
عَلَى نَبِيِّنَا: أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَيُخَرَّبُ عَلَى
يَدِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: بُخْتُنَصَّرُ، وَأَخْبَرَنَا
بِالْحِينِ الَّذِي يُخَرَّبُ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُهُ
بَعَثْنَا رَجُلًا مِنْ أَقْوِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي
طَلَبِهِ ليقتله، فَانْطَلَقَ حَتَّى لَقِيَهُ بِبَابِلَ
غُلَامًا مِسْكِينًا فَأَخَذَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَدَفَعَ عَنْهُ
جِبْرِيلُ، وَكَبُرَ بُخْتُنَصَّرُ وَقَوِيَ وَغَزَانَا
وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلِهَذَا نَتَّخِذُهُ عدوا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ جِبْرِيلَ عدوّنا
لأنه أمر أن يجعل النُّبُوَّةِ فِينَا فَجَعَلَهَا فِي
غَيْرِنَا.
ع «71» وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ
لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْضٌ
بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ، وَمَمَرُّهَا على مدراس الْيَهُودِ،
فَكَانَ إِذَا أَتَى أَرْضَهُ يأتيهم ويسمع منهم، فَقَالُوا
لَهُ: مَا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ،
إِنَّهُمْ يمرّون بنا [1] فَيُؤْذُونَنَا وَأَنْتَ لَا
تُؤْذِينَا وَإِنَّا لِنَطْمَعُ فِيكَ، فَقَالَ عُمَرُ:
وَاللَّهِ مَا آتِيكُمْ لِحُبِّكُمْ وَلَا أَسْأَلُكُمْ
لِأَنِّي شَاكٌّ فِي دِينِي وَإِنَّمَا أَدْخُلُ عَلَيْكُمْ
لِأَزْدَادَ بَصِيرَةً فِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَى آثَارَهُ فِي كِتَابِكُمْ
[وَأَنْتُمْ تَكْتُمُونَهَا] [2] ، فَقَالُوا: مَنْ صَاحِبُ
مُحَمَّدٍ الَّذِي يَأْتِيهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قال: جبريل،
فقالوا: ذاك عدوّنا يطلع محمدا على سرّنا، وَهُوَ صَاحِبُ
كُلِّ عَذَابٍ وَخَسْفٍ وَسَنَةٍ وَشِدَّةٍ، وَإِنَّ
مِيكَائِيلَ إِذَا جاء، جاء بالخصب والسلم، فَقَالَ لَهُمْ
عُمَرُ: تَعْرِفُونَ جِبْرِيلَ وَتُنْكِرُونَ مُحَمَّدًا؟
قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ مَنْزِلَةِ
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا:
جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يساره، وميكائيل
عدو لجبريل، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ كَانَ
عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَهُوَ عَدُوٌّ لِمِيكَائِيلَ، وَمَنْ
كَانَ عَدُوًّا لِمِيكَائِيلَ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِجِبْرِيلَ،
وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُمَا كَانَ اللَّهُ عَدُوًّا لَهُ،
ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ جِبْرِيلَ قَدْ سَبَقَهُ
بِالْوَحْيِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيات، فَقَالَ: «لَقَدْ وَافَقَكَ رَبُّكَ
يَا عُمَرُ» ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَعْدَ
ذَلِكَ فِي دِينِ اللَّهِ أَصْلَبَ مِنَ الْحَجَرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ،
فَإِنَّهُ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ، نَزَّلَهُ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، كِنَايَةً عَنْ [3] غَيْرِ مَذْكُورٍ، عَلى
قَلْبِكَ: يَا مُحَمَّدُ بِإِذْنِ اللَّهِ: بِأَمْرِ اللَّهِ
مُصَدِّقاً: مُوَافِقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: لِمَا قَبْلَهُ
مِنَ الْكُتُبِ، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، قوله عزّ
وجلّ:
[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 100]
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ
وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ
(98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما
يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّما عاهَدُوا
عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ (100)
__________
71- ع أخرجه الطبري 1616 عن السدي مرسلا، وأخرجه برقم 1613 عن
قتادة مرسلا بنحوه.
- وأخرجه الواحدي في «الأسباب» (40) والطبري 1611 و1612 عن
الشعبي عن عمر، وهذا منقطع الشعبي لم يلق عمر.
وهذه المراسيل لعلها تتأيد بمجموعها، اللهم إن لم يكن أخذ
بعضهم عن بعض، فعند ذلك لا تتقوى لاتحاد مخارجها.
وأرجح شيء في هذا الباب ما أخرجه الطبري 1608 و1609 وهو أمثل
شيء في الباب، فانظره، والله أعلم.
(1) في المطبوع «بها» وفي المخطوط «علينا» والمثبت عن الطبري.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «من» . [.....]
(1/145)
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ: خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ من
جملة الملائكة مع دخولها فِي قَوْلِهِ: وَمَلائِكَتِهِ،
تَفْضِيلًا وَتَخْصِيصًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِما
فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) [الرَّحْمَنِ:
68] ، خَصَّ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ بِالذِّكْرِ مَعَ
دُخُولِهِمَا فِي ذِكْرِ الفاكهة، [للتفضيل] [1] ، وَالْوَاوُ
فِيهِمَا بِمَعْنَى «أَوْ» ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ عَدُوًّا
لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ [فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلْكُلِّ] [2] ،
لِأَنَّ الْكَافِرَ بِالْوَاحِدِ كَافِرٌ بِالْكُلِّ، فَإِنَّ
اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: جِبْرُ وميك
[3] وإسراف هنّ [4] العبد بالسريانية، قال [5] وَإِيلُ هُوَ
اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُمَا: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «جَبْرِيلَ» بِفَتْحِ
الْجِيمِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، بِوَزْنِ فَعْلِيلَ، قَالَ
حَسَّانٌ:
وَجَبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدْسِ [6]
لَيْسَ لَهُ كَفَاءُ
وقرأ حمزة والكسائي بالهمزة [7] والإشباع وزن (سَلْسَبِيلَ) ،
وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالِاخْتِلَاسِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِكَسْرِ الْجِيمِ غَيْرَ مهموز، وميكائيل قرأ أبو عمر
وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ «مِيكَالَ» بِغَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ
جَرِيرٌ:
عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بمحمد ... وبجبرائيل
وَكَذَّبُوا مِيكَالَا
[وَقَالَ آخَرُ] [8] :
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مع نصر
جبريل وميكال
وقرأ نافع وأهل المدينة: بالهمز والاختلاس، بوزن ميكاعل،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِالْهَمْزِ وَالْإِشْبَاعِ بِوَزْنِ
ميكاعيل [9] ، قال ابن صوريا: ما جئتنا [يا محمد] [10]
بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ: وواضحات
مُفَصَّلَاتٍ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحُدُودِ
وَالْأَحْكَامِ، وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ:
الْخَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وجلّ.
أَوَكُلَّما، وَاوُ الْعَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ
الِاسْتِفْهَامِ، عاهَدُوا عَهْداً، يَعْنِي: الْيَهُودَ
عَاهَدُوا: لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وسلّم
ليؤمنن [11] به، فلما خرج [إليهم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [12] كَفَرُوا بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا ذَكَّرَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخَذَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ [مِنَ الْمِيثَاقِ] [13] وَعُهِدَ إِلَيْهِمْ فِي
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْمِنُوا
بِهِ، قَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ: وَاللَّهِ مَا عُهِدَ
إلينا عهدا في محمد، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَبِي رَجَاءٍ العطاردي
«أو كلما عوهدوا» فَجَعَلَهُمْ مَفْعُولَيْنِ، وَقَالَ
عَطَاءٌ: هِيَ الْعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ
الْيَهُودِ: أَنْ لَا يُعَاوِنُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى
قِتَالِهِ، فَنَقَضُوهَا كَفِعْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ
وَالنَّضِيرِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ
عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ
[الْأَنْفَالِ: 56] ، نَبَذَهُ: طَرَحَهُ ونقضه فَرِيقٌ: طوائف
مِنْهُمْ، من الْيَهُودُ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
__________
(1) زيد في المطبوع وحده.
(2) سقط من المخطوط.
(3) في المطبوع «جبير وميت» .
(4) في المطبوع «هي» .
(5) في المطبوع «وآل» .
(6) في المطبوع «القديس» .
(7) وقع في الأصل «بالهمة» والتصويب من النسخة «م» .
(8) سقط في المخطوط.
(9) في المطبوع «ميكاعل» وفي- ط- «ميفاعل» .
(10) زيادة عن المخطوط.
(11) في المطبوع «لتؤمنن» .
(12) زيد في المطبوع وحده.
(13) سقط من المخطوط.
(1/146)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ
رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ
فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ
وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ
سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا
يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ
فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا
يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ
بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ
عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ
خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ
كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 102]
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما
مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ
(101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ
سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ
مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا
تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ
أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا
يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ
اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا
شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي:
مُحَمَّدًا مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ
ظُهُورِهِمْ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَقِيلَ: الْقُرْآنَ،
كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ الشعبي: كانوا يقرؤون
التَّوْرَاةَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ: أَدْرَجُوهَا فِي الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ
وَحَلَّوْهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَمْ يَعْمَلُوا
بِهَا، فَذَلِكَ نَبْذُهُمْ.
وَاتَّبَعُوا، يعني اليهود ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ، أَيْ:
مَا تَلَتْ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْمُسْتَقْبَلَ مَوْضِعَ
الْمَاضِي، وَالْمَاضِي موضع المستقبل، وقيل: ما كانت تَتْلُو،
أَيْ: تَقْرَأُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
تَتَّبِعُ وَتَعْمَلُ بِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحَدَّثُ وتتكلم
بِهِ، عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، أَيْ: فِي مُلْكِهِ وَعَهْدِهِ،
وَقِصَّةُ الْآيَةِ:
أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَتَبُوا السِّحْرَ وَالنِّيرَنْجِيَّاتِ
عَلَى لِسَانِ آصَفَ بْنِ بَرْخِيَا: هَذَا مَا عَلَّمَ آصَفُ
بْنُ بَرْخِيَا سُلَيْمَانَ الْمَلِكَ، ثُمَّ دَفَنُوهَا
تَحْتَ مُصَلَّاهُ حَتَّى نَزَعَ اللَّهُ الْمُلْكَ عَنْهُ،
وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ، فَلَمَّا مَاتَ
اسْتَخْرَجُوهَا وَقَالُوا للناس: إنما ملككم [1] سليمان بها
[2] فتعلّموها، فَأَمَّا عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَصُلَحَاؤُهُمْ فَقَالُوا:
مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هذا من علم سليمان، وَأَمَّا
السَّفِلَةُ فَقَالُوا: هَذَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ وَأَقْبَلُوا
عَلَى تَعَلُّمِهِ، وَرَفَضُوا كُتُبَ أَنْبِيَائِهِمْ
وَفَشَتِ الْمَلَامَةُ [عَلَى] سُلَيْمَانَ [3] ، فَلَمْ
يَزَلْ هَذَا حَالُهُمْ [وَفِعْلُهُمْ] [4] حَتَّى بَعَثَ
اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَرَاءَةَ سُلَيْمَانَ، هَذَا قَوْلُ
الْكَلْبِيِّ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ
تصعد إلى السماء، فيستمعون [5] كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا
يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ وَغَيْرِهِ، فَيَأْتُونَ
الكهنة ويخلطون بما سمعوا فِي كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ
كِذْبَةً ويخبرونهم بها، فاكتتب الناس ذَلِكَ وَفَشَا فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ أن الجنّ تعلم الْغَيْبَ، فَبَعَثَ
سُلَيْمَانُ فِي النَّاسِ، وَجَمَعَ تِلْكَ الْكُتُبَ
وَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ وَدَفَنَهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ،
وَقَالَ: لَا أَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ، إِنَّ الشياطين تعلم
[6] الْغَيْبَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَلَمَّا مَاتَ
سُلَيْمَانُ وَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ كَانُوا
يَعْرِفُونَ أَمْرَ سُلَيْمَانَ وَدَفَنَةُ الْكُتُبِ،
وَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ عَلَى
صُورَةِ إِنْسَانٍ فَأَتَى نَفَرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ،
فَقَالَ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزٍ لَا تَأْكُلُونَهُ
أَبَدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قال: فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم
فأراهم المكان، وقام ناحية فقالوا: ادن، قال: لا ولكني [7]
هاهنا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فَاقْتُلُونِي وَذَلِكَ أَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَدْنُو مِنَ
الْكُرْسِيِّ إِلَّا احترق، فحفروا وأخرجوا تلك
__________
(1) في المطبوع «ملكهم» . [.....]
(2) في المطبوع «بهذا» .
(3) في المطبوع وحده «لسليمان» .
(4) زيادة عن المخطوط، وط-.
(5) في المخطوط «فيسمعون» والمثبت عن المطبوع والطبري 1649.
(6) في المطبوع «الشيطان يعلم» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(7) في المطبوع «ولكن» .
(1/147)
الكتب، فقال الشيطان: إِنَّ سُلَيْمَانَ
كَانَ يَضْبِطُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ
وَالطَّيْرَ بِهَذَا، ثُمَّ طار الشيطان وَفَشَا فِي النَّاسِ
أَنَّ سُلَيْمَانَ كان ساحرا وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب،
فَلِذَلِكَ أَكْثَرَ مَا يُوجَدُ السِّحْرُ فِي الْيَهُودِ،
فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَرَّأَ اللَّهُ تَعَالَى سُلَيْمَانَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ
فِي عُذْرِ سُلَيْمَانَ: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ: بِالسِّحْرِ،
وَقِيلَ: لَمْ يكن سليمان كافرا يسحر وَيَعْمَلُ بِهِ،
وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا، قرأ [ابن عامر] [1] والكسائي
وحمزة (ولكن) ، خَفِيفَةَ النُّونِ، (وَالشَّيَاطِينُ) ،
رَفْعٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (وَلَكِنَّ) ، مُشَدَّدَةَ
النُّونِ (وَالشَّيَاطِينَ) نَصْبٌ، وَكَذَلِكَ وَلكِنَّ
اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: 17] ،
ومعنى وَلكِنَّ نَفْيُ الْخَبَرِ الْمَاضِي وَإِثْبَاتُ
الْمُسْتَقْبَلِ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، قِيلَ:
مَعْنَى السِّحْرِ:
الْعِلْمُ وَالْحِذْقُ بِالشَّيْءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ
[الزُّخْرُفِ: 49] ، أَيِ: الْعَالِمُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ
السِّحْرَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ،
وَالسِّحْرُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُمَمِ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ
كُفْرٌ، حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ قَالَ: السِّحْرُ يُخَيِّلُ وَيُمْرِضُ وَقَدْ
يَقْتُلُ، حَتَّى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِهِ،
فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يَتَلَقَّاهُ السَّاحِرُ
مِنْهُ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، فَإِذَا تَلَقَّاهُ منه
بتعليمه إياه اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ
يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجْعَلُ الْآدَمِيَّ
عَلَى صُورَةِ الْحِمَارِ، وَيَجْعَلُ الْحِمَارَ عَلَى
صُورَةِ الْكَلْبِ [2] ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ تَخْيِيلٌ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ
أَنَّها تَسْعى [طه: 66] ، ولكنه يُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ
بِالْأَمْرَاضِ وَالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَلِلْكَلَامِ
تَأْثِيرٌ فِي الطِّبَاعِ وَالنُّفُوسِ، وَقَدْ يَسْمَعُ
الْإِنْسَانُ مَا يَكْرَهُ فَيَحْمَى وَيَغْضَبُ، وَرُبَّمَا
يُحَمُّ مِنْهُ، وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ بِكَلَامٍ سَمِعُوهُ،
فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَارِضِ وَالْعِلَلِ الَّتِي
تُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبابِلَ، أَيْ: وَيُعَلِّمُونَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ، أَيْ:
إِلْهَامًا وَعِلْمًا، فَالْإِنْزَالُ: بِمَعْنَى الْإِلْهَامِ
وَالتَّعْلِيمِ وَقِيلَ: وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ عَلَى
الْمَلَكَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ:
«الْمَلِكَيْنِ» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
هُمَا رَجُلَانِ سَاحِرَانِ كَانَا بِبَابِلَ، وَقَالَ
الْحَسَنُ:
عِلْجَانِ [3] ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُعَلِّمُونَ
السِّحْرَ، وَبَابِلُ هِيَ بَابِلُ الْعِرَاقِ، سُمِّيَتْ
بَابِلَ لِتَبَلْبُلِ الْأَلْسِنَةِ بِهَا عِنْدَ سُقُوطِ
صَرْحِ نُمْرُودَ، أَيْ: تَفَرُّقِهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
بَابِلُ أَرْضِ الْكُوفَةِ، وَقِيلَ: جَبَلُ دَمَاوَنْدَ [4] ،
وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ: عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِالْفَتْحِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ تَعْلِيمُ
السِّحْرِ مِنَ الملكين [5] ؟ قِيلَ: لَهُ تَأْوِيلَانِ،
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَا يَتَعَمَّدَانِ التَّعْلِيمَ
لَكِنْ يَصِفَانِ السِّحْرَ، وَيَذْكُرَانِ بُطْلَانَهُ
وَيَأْمُرَانِ بِاجْتِنَابِهِ، وَالتَّعْلِيمُ: بِمَعْنَى
الْإِعْلَامِ، فَالشَّقِيُّ يَتْرُكُ نَصِيحَتَهُمَا
وَيَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْ صَنْعَتِهِمَا، وَالتَّأْوِيلُ
الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ،
فَمَنْ شَقِيَ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْهُمَا [وَيَأْخُذُهُ
عَنْهُمَا وَيَعْمَلُ بِهِ] [6] فَيَكْفُرُ بِهِ، وَمِنْ
سَعِدَ يَتْرُكُهُ، فَيَبْقَى عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَزْدَادُ
الْمُعَلِّمَانِ بِالتَّعْلِيمِ عَذَابًا فَفِيهِ ابْتِلَاءٌ
لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ
عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ فَلَهُ الْأَمْرُ وَالْحُكْمُ، قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: هارُوتَ وَمارُوتَ: هما اسْمَانِ
سُرْيَانِيَّانِ وَهُمَا فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ عَلَى
تَفْسِيرِ الْمَلَكَيْنِ إِلَّا أنهما نصبا لعجمتهما
__________
(1) في نسخ المطبوع «ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»
والمثبت عن المخطوط وكتب القراءات.
(2) هذا قول باطل ليس بشيء. والصواب كما قال المصنف: هو تخييل.
(3) العلج: الرجل من كفّار العجم- ومعنى الكافر: الزارع كما في
«القاموس» .
(4) في المخطوط «دبناوند» .
(5) في المطبوع «الملئكة» .
(6) سقط من المطبوع وحده.
(1/148)
وَمَعْرِفَتِهِمَا، وَكَانَتْ قِصَّتُهُمَا
عَلَى مَا:
ع «72» ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ رَأَوْا مَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ
أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ الخبيثة في
__________
72- ع لا أصل له في المرفوع. وإنما هو من الإسرائيليات.
عزاه المصنف لابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ
التَّفْسِيرِ.
- وورد مرفوعا من وجوه متعددة منها حديث ابن عمر أخرجه الطبري
1691 وابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 86) والذهبي في «الميزان»
(3567) من طريق سنيد بن داود عن فرج بن فضالة، عن معاوية بن
صالح عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، وهذا إسناد ساقط. قال ابن
الجوزي: هذا حديث لا يصح، والفرج بن فضالة قد ضعفه يحيى، وقال
ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد
الصحيحة، وأما سنيد، فقد ضعفه أبو داود، وقال النسائي:
ليس بثقة اهـ. وقد استغربه ابن كثير في «تفسيره» (1/ 143) جدا.
- وورد من وجه آخر أخرجه أحمد 2/ 134 والبزاز (2938) «كشف»
وابن حبان 6186 والبيهقي 1/ 4- 5 كلهم من طريق يحيى بن أبي
بكير عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر
مرفوعا بنحوه وأتم، وهذا إسناد ساقط، زهير بن محمد مختلف فيه،
وقد ضعفه غير واحد، واتفقوا على أنه روى مناكير، والظاهر أن
هذا منها، فقد خالفه موسى بن عقبة، وهو أوثق منه وأحفظ، فجعله
عن ابن عمر عن كعب الأحبار. كذا أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره»
(97) وعنه الطبري 1687 كلاهما عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن
سالم، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، وهذا إسناد كالشمس، لا غبار
عليه البتة.
وكرره الطبريّ 1688 عن عبد العزيز بن مختار، عن موسى به، وقد
قدح في رفع الحديث البزار والبيهقي وغيرهما.
قال البزار عقب الحديث: رواه بعضهم عن نافع، عن ابن عمر
موقوفا، وإنما أتى رفع هذا عندي من زهير لأن لم يكن بالحافظ.
وكذا ذكر البيهقي، وهو الذي اختاره ابن كثير في «تفسيره» (1/
143) والعجب أن البيهقي أخرجه في «الشعب» (163) عن موسى بن
جبير، عن موسى بن عقبة به مرفوعا، لكن فيه محمد بن يونس
الكديمي، وهو متروك كذاب، والحمل عليه في هذا الحديث.
ثم كرره البيهقي 164 عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، وصوّبه.
- وورد حديث ابن عمر من وجه آخر. أخرجه ابن مردويه كما في
«تفسير ابن كثير» (1/ 143) وإسناده ساقط فيه موسى بن سرجس، وهو
مجهول، وفيه هشام بن علي بن هشام، وثقه ابن حبان وحده على
قاعدته في توثيق المجاهيل، وسعيد بن سلمة، وإن روى له مسلم فقد
ضعفه النسائي، وجهله ابن معين.
- ولحديث ابن عمر شاهد من حديث علي أخرجه ابن الجوزي في
«الموضوعات» (1/ 185- 186) وقال: موضوع والمتهم به مغيث. قال
الأزدي خبيث كذاب.
- وبهذا الإسناد أخرجه ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (1/
143) وكرره ابن مردويه من وجه آخر، وفيه جابر الجعفي، وهو
متروك، وقد كذبه أبو حنيفة رحمه الله.
قال الحافظ ابن كثير: لا يصح، وهو منكر جدا.
- وقد جاء موقوفا ومقطوعا، فقد أخرجه الطبري 1684 عن ابن عباس،
وفيه أبو شعبة العدوي، وهو مجهول، وكرره الطبري 1685 عن ابن
مسعود وابن عباس، وفيه علي بن زيد ضعيف روى مناكير.
- وكرره برقم 1686 عن علي، وقد استغربه ابن كثير 1/ 143 جدا،
وأعله ابن حزم في «الملل» بعمير بن سعيد واتهمه بهذا الحديث،
وأنه كذب.
- وكرره الطبري 1687 عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، بإسناد
كالشمس وقد تقدم.
وكرره 1689 عن السدي قوله و1690 عن الربيع قوله و1692 عن مجاهد
قوله، وهو الراجح.
فهو باطل مرفوعا، وإنما هو عن كعب الأحبار، وعنه أخذه مجاهد
وغيره، ولا أصل له في المرفوع، ولهذا لم يروه البغوي مرفوعا،
وقد قدح بصحته ابن العربي في «أحكام القرآن» حيث قال: إنما
سقنا هذا الخبر لأن العلماء رووه ودونوه، وتحقيق القول أنه لم
يصح سنده.
أورده القرطبي أيضا في «تفسيره» (2/ 52) حيث قال: هذا كله
ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره لا يصح منه شيء اهـ. باختصار.
وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي بتخريجي رقم (31) و «تفسير
الشوكاني» (200) بتخريجي، والله الموفق.
الخلاصة: هو حديث باطل لا أصل له، والظاهر أنه من أساطير
الإسرائيليين وافتراءاتهم، ومصدره كعب الأحبار، ووهب بن منبه،
وغيرهما ممن يروي الإسرائيليات.
(1/149)
زَمَنِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
فَعَيَّرُوهُمْ وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلْتَهُمْ
فِي الْأَرْضِ [خَلِيفَةً] [1] وَاخْتَرْتَهُمْ، فَهُمْ
يَعْصُونَكَ [بأنواع المعاصي] [2] ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
لَوْ أَنْزَلْتُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَرَكَّبْتُ فِيكُمْ مَا
ركبت فيهم لارتكبتم مثل ما ارتكبوا، فَقَالُوا: سُبْحَانَكَ
مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أن نعصيك، قال اللَّهُ تَعَالَى:
فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْ خِيَارِكُمْ أُهْبِطُهُمَا إِلَى
الْأَرْضِ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَكَانَا مِنْ
أَصْلَحِ الْمَلَائِكَةِ وَأَعْبَدِهِمْ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ: اخْتَارُوا
ثَلَاثَةً فَاخْتَارُوا عَزَا [3] وَهُوَ هَارُوتُ وَعَزَايَا
وهو ماروت، غيّرا اسْمُهُمَا لَمَّا قَارَفَا الذَّنْبَ
[وَعَزَائِيلَ] [4] ، فَرَكَّبَ اللَّهُ فِيهِمُ الشَّهْوَةَ
وَأَهْبَطَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا
بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ
وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ،
فَأَمَّا عَزَائِيلُ فَإِنَّهُ لِمَا وَقَعَتِ الشَّهْوَةُ فِي
قَلْبِهِ استقال [5] رَبَّهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى
السَّمَاءِ فَأَقَالَهُ، فَسَجَدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ
يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ
حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْآخَرَانِ
فَإِنَّهُمَا ثَبَتَا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا يَقْضِيَانِ
بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَهُمَا، فَإِذَا أَمْسَيَا ذَكَرَا اسْمَ
اللَّهِ الْأَعْظَمَ وَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ
قَتَادَةُ: فَمَا مَرَّ عَلَيْهِمَا شَهْرٌ حَتَّى افْتَتَنَا،
قالوا جميعا، وذلك أنه اختصم إِلَيْهِمَا ذَاتَ يَوْمٍ
الزُّهْرَةُ وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، قَالَ
عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَانَتْ
مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، وَكَانَتْ مَلِكَةً فِي بَلَدِهَا،
فَلَمَّا رَأَيَاهَا أَخَذَتْ بِقُلُوبَهُمَا، فَرَاوَدَاهَا
عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ وَانْصَرَفَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فِي
الْيَوْمِ الثَّانِي فَفَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ فَأَبَتْ،
وَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَعْبُدَا مَا أَعْبُدُ
وَتُصَلِّيَا لِهَذَا الصَّنَمِ، وَتَقْتُلَا النَّفْسَ
وَتَشْرَبَا الْخَمْرَ، فَقَالَا: لَا سَبِيلَ إِلَى هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَانَا
عَنْهَا، فَانْصَرَفَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الْيَوْمِ
الثَّالِثِ وَمَعَهَا قَدَحٌ مِنْ خَمْرٍ وَفِي أَنْفُسِهِمَا
مِنَ الْمَيْلِ إِلَيْهَا مَا فِيهَا، فَرَاوَدَاهَا عَنْ
نَفْسِهَا فَعَرَضَتْ عَلَيْهِمَا مَا قَالَتْ بِالْأَمْسِ،
فَقَالَا: الصَّلَاةُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَظِيمٌ وَقَتْلُ
النَّفْسِ عَظِيمٌ، وَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ شُرْبُ الْخَمْرِ
فَشَرِبَا الْخَمْرَ فَانْتَشَيَا وَوَقَعَا بِالْمَرْأَةِ،
فَزَنَيَا فَلَمَّا فَرَغَا رَآهُمَا إِنْسَانٌ فَقَتْلَاهُ،
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَسَجَدَا لِلصَّنَمِ، فَمَسَخَ
اللَّهُ الزُّهْرَةَ كَوْكَبًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
جَاءَتْهُمَا امْرَأَةٌ من أحسن الناس [وجها] [6] تخاصم زوجا
لها، فَقَالَ أَحَدُهَمَا لِلْآخَرِ: هَلْ سَقَطَ فِي نَفْسِكَ
مِثْلُ الَّذِي سَقَطَ فِي نَفْسِي [مِنْ حُبِّ هَذِهِ] [7] ؟
قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَهَلْ لَكَ أَنْ تَقْضِيَ لَهَا
عَلَى زَوْجِهَا؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا
عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ
صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ
وَالرَّحْمَةِ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لا إلا أن
تقضيا لي على زوجي، فقضيا لها ثُمَّ سَأَلَاهَا نَفْسَهَا،
فَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَقْتُلَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا:
أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ
وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا
عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، فَقَتَلَاهُ
ثُمَّ سَأَلَاهَا [8] نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا إلّا إِنَّ
لِي [9] صَنَمًا أَعْبُدُهُ [10] إِنْ أنتما صلّيتما معي له
[11]
__________
(1) زيد في المطبوع. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «عزرائيل» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «استقبل» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «سألاهم» .
(9) في المطبوع «لنا» .
(10) في المطبوع «تعبده» .
(11) في المطبوع «عنده» .
(1/150)
فَعَلْتُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ
مِثْلَ القول الأول، وقال صاحبه مثله، فصليا [1] معها فمسخت
شهابا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَالْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهَا قَالَتْ
لَهُمَا [حِينَ سَأَلَاهَا عن نَفْسَهَا] [2] : لَنْ
تُدْرِكَانِي حَتَّى تُخْبِرَانِي بِالَّذِي تَصْعَدَانِ بِهِ
إِلَى السَّمَاءِ، فقالا باسم الله الأعظم [3] ، قالت: فما
أنتما بمدركي حَتَّى تُعَلِّمَانِيهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ: عَلِّمْهَا، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ
[رَبَّ الْعَالَمِينَ] [4] ، قَالَ الْآخَرُ: فَأَيْنَ
رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَعَلَّمَاهَا ذَلِكَ، فتكلّمت به
وصعدت إِلَى السَّمَاءِ فَمَسَخَهَا اللَّهُ كَوْكَبًا، وذهب
بعضهم إلى أنها هي الزُّهْرَةُ بِعَيْنِهَا، وَأَنْكَرَ
الْآخَرُونَ هَذَا وَقَالُوا: إِنَّ الزُّهْرَةَ مِنَ
الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ الَّتِي أَقْسَمَ
اللَّهُ بِهَا، فَقَالَ: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) [التَّكْوِيرِ: 15- 16] ، وَالَّتِي
فَتَنَتْ هَارُوتَ وماروت [إنما هي] [5] امْرَأَةٌ كَانَتْ
تُسَمَّى الزُّهْرَةَ لِجَمَالِهَا، فَلَمَّا بَغَتْ مَسْخَهَا
اللَّهُ تَعَالَى شِهَابًا، قَالُوا: فَلَمَّا أَمْسَى
هَارُوتُ وماروت بعد ما قَارَفَا الذَّنْبَ هَمَّا
بِالصُّعُودِ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ تُطَاوِعْهُمَا
أَجْنِحَتُهُمَا، فَعَلِمَا مَا حَلَّ بِهِمَا [مِنَ
الْغَضَبِ] [6] فَقَصَدَا إِدْرِيسَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَأَخْبَرَاهُ بِأَمْرِهِمَا وَسَأَلَاهُ أَنْ
يَشْفَعَ لَهُمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَا لَهُ:
إِنَّا رَأَيْنَاكَ يَصْعَدُ لك من العبادة [7] مِثْلَ مَا
يَصْعَدُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الأرض فاشفع [8] لَنَا إِلَى
رَبِّكَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَخَيَّرَهُمَا اللَّهُ بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ
الْآخِرَةِ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا إِذْ عَلِمَا
أَنَّهُ يَنْقَطِعُ فَهُمَا بِبَابِلَ يُعَذَّبَانِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ عَذَابِهِمَا، فَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هُمَا مُعَلَّقَانِ بِشُعُورِهِمَا
إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: رؤوسهما منصوبة تَحْتَ
أَجْنِحَتِهِمَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: كُبِّلَا مِنْ
أَقْدَامِهِمَا إِلَى أُصُولِ أَفْخَاذِهِمَا، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: جُعِلَا فِي جُبٍّ ملئ نارا.
قال عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْكُوسَانِ يُضْرَبَانِ بسياط
الْحَدِيدِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَصَدَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ فَوَجَدَهُمَا مُعَلَّقَيْنِ
بِأَرْجُلِهِمَا مُزْرَقَّةً أَعْيُنُهُمَا مُسْوَدَّةً
جُلُودُهُمَا، لَيْسَ بَيْنَ أَلْسِنَتِهِمَا وَبَيْنَ
الْمَاءِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَهُمَا يُعَذَّبَانِ
بِالْعَطَشِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ هَالَهُ مَكَانُهُمَا،
فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَمَّا سُمِعَا
كَلَامَهُ قَالَا لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ
النَّاسِ، قَالَا:
مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ [أَنْتَ] ؟ قَالَ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، قالا: أو قد بُعِثَ مُحَمَّدٌ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَا:
الْحَمْدُ لله وأظهرا الاستبشار، فقال الرجل: وبم استبشاركما؟
قال: إِنَّهُ نَبِيُّ السَّاعَةِ وَقَدْ دَنَا انقضاء عذابنا.
وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ، أَيْ: أحدا ومِنْ صلة حَتَّى:
ينصحاه أولا، يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ: ابْتِلَاءٌ
ومحنة، فَلا تَكْفُرْ، أي: فلا تَتَعَلَّمِ السِّحْرَ
فَتَعْمَلَ بِهِ فَتَكْفُرَ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ:
الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَتَنْتُ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، إِذَا أَذَبْتُهُمَا بِالنَّارِ
لِيَتَمَيَّزَ الْجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ، وَإِنَّمَا وَحَّدَ
الْفِتْنَةَ وَهُمَا اثْنَانِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ مَصْدَرٌ،
وَالْمَصَادِرُ لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ، وَقِيلَ:
إِنَّهُمَا يَقُولَانِ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا
تَكْفُرُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ:
فَإِنْ أَبَى إِلَّا التَّعَلُّمَ قَالَا لَهُ: ائْتِ هَذَا
الرماد فبل عَلَيْهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ نُورٌ سَاطِعٌ فِي [9]
السَّمَاءِ، فَذَلِكَ نُورُ الْمَعْرِفَةِ، وَيَنْزِلُ شَيْءٌ
أَسْوَدُ شِبْهُ الدُّخَانِ حَتَّى يَدْخُلَ مَسَامِعَهُ،
وَذَلِكَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا أَحَدٌ
وَيَخْتَلِفُ [فِيمَا] [10] بَيْنَهُمَا شَيْطَانٌ في كل مسألة
__________
(1) في المطبوع وحده «فصلبا» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «الأكبر» .
(4) سقط من المطبوع. [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع «العبادات» .
(8) في المطبوع «فاستشفع» .
(9) في المخطوط «إلى» .
(10) زيد في نسخ المطبوع.
(1/151)
وَلَوْ أَنَّهُمْ
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ
لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا
وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا
يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا
الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ
رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(106)
اخْتِلَافَةً وَاحِدَةً، فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ،
وهو أَنْ يُؤْخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ صاحبه ويبغض كل واحد
منهما [1] صَاحِبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما هُمْ،
قِيلَ: أَيِ السَّحَرَةُ، وَقِيلَ:
الشَّيَاطِينُ، بِضارِّينَ بِهِ، أَيْ: بِالسِّحْرِ مِنْ
أَحَدٍ، أَيْ: أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ:
بِعِلْمِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَالسَّاحِرُ يَسْحَرُ وَاللَّهُ
يُكَوِّنُ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ إِلَّا
بِقَضَائِهِ وقدره وَمَشِيئَتِهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا
يَضُرُّهُمْ، يَعْنِي: السِّحْرَ يَضُرُّهُمْ، وَلا
يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، لَمَنِ
اشْتَراهُ، أَيِ: اخْتَارَ السِّحْرَ، مَا لَهُ فِي
الْآخِرَةِ، أي: في الجنة، مِنْ خَلاقٍ مِنْ نَصِيبٍ،
وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ: بَاعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ،
حَظَّ أنفسهم حيث اختاروا السحر وَالْكُفْرَ عَلَى الدِّينِ
وَالْحَقِّ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ بعد ما أَخْبَرَ
أَنَّهُمْ عَلِمُوا؟ قِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ
عَلِمُوا، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ، وَقَوْلُهُ:
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَقِيلَ:
كِلَاهُمَا فِي الْيَهُودِ لَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا
بِمَا علموا، فكأنهم لم يعلموا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 103 الى 104]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا
وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَاتَّقَوْا: الْيَهُودِيَّةَ
وَالسِّحْرَ، لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ: لَكَانَ
ثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ خَيْرًا لَهُمْ، لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَقُولُوا راعِنا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا
يَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَ
الْمُرَاعَاةِ، أَيْ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ، أَيْ: فَرِّغْ سمعك
لكل منّا، يقال: أرعى إلى [2] الشيء وأرعاه، أَيْ: أَصْغَى
إِلَيْهِ وَاسْتَمَعَهُ، وَكَانَتْ هذه اللفظة سبا قَبِيحًا
بِلُغَةِ الْيَهُودِ، وَقِيلَ: كَانَ مَعْنَاهَا عِنْدَهُمُ:
اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ، وقيل: هي من الرعونة، كانوا إِذَا
أَرَادُوا أَنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَانًا قالوا [له] : راعنا،
يعني [3] : يَا أَحْمَقُ فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودُ هَذِهِ
اللَّفْظَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ:
كُنَّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا فَأَعْلِنُوا بِهِ الْآنَ،
فَكَانُوا يَأْتُونَهُ وَيَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا مُحَمَّدُ
وَيَضْحَكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَسَمِعَهَا سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ فَفَطِنَ لَهَا وَكَانَ يَعْرِفُ لُغَتَهُمْ، فَقَالَ
لِلْيَهُودِ: لَئِنْ سمعتها من أحد منكم يقولها لِلرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأضربنّ عنقه، فقالوا:
أو لستم تَقُولُونَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا
تَقُولُوا راعِنا لكيلا يَجِدَ الْيَهُودُ بِذَلِكَ سَبِيلًا
إِلَى شَتْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقُولُوا انْظُرْنا، أَيِ: انْظُرْ إِلَيْنَا،
وَقِيلَ: انْتَظِرْنَا وَتَأَنَّ بِنَا، يُقَالُ نَظَرْتُ
فُلَانًا وَانْتَظَرْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الْحَدِيدِ: 13] ،
قَالَ مُجَاهِدٌ: معناها [4] فهمنا، وَاسْمَعُوا: مَا
تُؤْمَرُونَ بِهِ وَأَطِيعُوا، وَلِلْكافِرِينَ، يَعْنِي:
الْيَهُودَ، عَذابٌ أَلِيمٌ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا
الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ
رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(106)
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا
إِذَا قَالُوا لِحُلَفَائِهِمْ
__________
(1) في المطبوع «إلى» .
(2) في المطبوع وحده «الله» .
(3) في المطبوع «بمعنى» .
(4) في المطبوع وحده «معناه» .
(1/152)
مِنَ الْيَهُودِ: آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: مَا هَذَا
الَّذِي تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ بِخَيْرٍ مما نحن عليه،
وَلَوَدِدْنَا لَوْ كَانَ خَيْرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَكْذِيبًا لَهُمْ مَا يَوَدُّ، [أي] [1] : ما يحب [2] وما
يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، يَعْنِي
الْيَهُودَ، وَلَا الْمُشْرِكِينَ، جَرَّهُ بِالنَّسَقِ عَلَى
(مِنْ) أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ،
أَيْ: خَيْرٌ وَنُبُوَّةٌ، ومِنْ، صِلَةٌ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ
بِرَحْمَتِهِ: بِنُبُوَّتِهِ، مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَالْفَضْلُ ابْتِدَاءُ إِحْسَانٍ بِلَا
عِلَّةٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ الْإِسْلَامُ
وَالْهِدَايَةُ، وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى بَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ
فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِوُدِّ اليهود
ومحبّتهم [3] ، وأمّا المشركون، فإنما لم يقع بِوُدِّهِمْ
لِأَنَّهُ جَاءَ بِتَضْلِيلِهِمْ [4] وَعَيْبِ آلهتهم، [فنزلت
الآية فيه] [5] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنْسِها، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا إِنَّ
مُحَمَّدًا يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِأَمْرٍ ثُمَّ يَنْهَاهُمْ
عنه، ويأمر بخلاف ما يقوله، [فما يَقُولُهُ] [6] [إِلَّا] مِنْ
تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، يَقُولُ الْيَوْمَ قَوْلًا وَيَرْجِعُ
عَنْهُ غَدًا، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً
مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ [النحل: 101]
، قالوا إنما أنت مفتر، فأنزل مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنْسِها، فبيّن وجه الحكمة في النَّسْخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ،
وَالنَّسْخُ فِي اللُّغَةِ شَيْئَانِ، أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى
التَّحْوِيلِ وَالنَّقْلِ، وَمِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَهُوَ
أَنَّ يُحَوَّلَ مِنْ كِتَابٍ إِلَى كِتَابٍ، فَعَلَى هَذَا
الْوَجْهِ كُلُّ الْقُرْآنِ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ نُسِخَ مِنَ
اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَالثَّانِي: يَكُونُ بِمَعْنَى
الرَّفْعِ، يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، أَيْ:
ذَهَبَتْ بِهِ وَأَبْطَلَتْهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَعْضُ
الْقُرْآنِ نَاسِخًا وَبَعْضُهُ مَنْسُوخًا، وَهُوَ الْمُرَادُ
مِنَ الْآيَةِ، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ
يَثْبُتَ الْخَطُّ وَيُنْسَخَ الْحُكْمُ، مِثْلَ آيَةِ
الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ، وَآيَةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ
بِالْحَوْلِ، وَآيَةِ التَّخْفِيفِ فِي الْقِتَالِ، وَآيَةِ
الْمُمْتَحِنَةِ، وَنَحْوِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ: مَا نُثْبِتُ خَطَّهَا وَنُبَدِّلُ حُكْمَهَا
وَمِنْهَا: أَنْ يرفع تِلَاوَتُهَا وَيَبْقَى حُكْمُهَا،
مِثْلَ آيَةِ الرجم، ومنها أن يرفع أَصْلًا عَنِ الْمُصْحَفِ
وَعَنِ الْقُلُوبِ، كما:
ع «73» رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ
أَنَّ قَوْمًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
قاموا ليلة ليقرؤوا سُورَةً فَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْهَا إِلَّا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَغَدَوْا إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تِلْكَ سورة رفعت بتلاوتها وَأَحْكَامُهَا» ، وَقِيلَ:
كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ مِثْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
فَرُفِعَ أَكْثَرُهَا تِلَاوَةً وَحُكْمًا، ثُمَّ مِنْ نَسْخِ
الْحُكْمِ مَا يُرْفَعُ وَيُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَمَا
أَنَّ الْقِبْلَةَ نُسِخَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى
الْكَعْبَةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقَارِبِ نُسِخَتْ
بِالْمِيرَاثِ، وَعِدَّةُ الوفاء نُسِخَتْ مِنَ الْحَوْلِ
إِلَى أَرْبَعَةِ أشهر وعشر،
__________
73- ع ضعيف. أخرجه ابن الأنباري في «المصاحف» كما في «تفسير
ابن كثير» (4/ 154- 155) ، عن أبيه، عن نصر بن داود، عن أبي
عبيد الله، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس وعقيل،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أمامة ابن سهل بن حنيف.
وفي إسناده عبد الله بن صالح روى مناكير كثيرة بسبب جار له كان
يدس في كتبه، وله علة ثانية: أبو أمامة هذا له رؤية، ولم يسمع
مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كما في
«التقريب» .
(1) زيد في المطبوع وحده.
(2) في المطبوع «ما يجب» وهو تصحيف ظاهر.
(3) زيد في المخطوط وط- هاهنا «فنزلت الآية» والصواب أنه في
آخر القول. [.....]
(4) في المطبوع وحده بتفضيحهم.
(5) في المخطوط تقدم مكان العبارة.
(6) سقط من نسخ المطبوع.
(1/153)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ
تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى
مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ
فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)
ومصابرة الواحد العشرة [1] فِي الْقِتَالِ،
نُسِخَتْ بِمُصَابَرَةِ الِاثْنَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يُرْفَعُ
وَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَامْتِحَانِ النِّسَاءِ،
وَالنَّسْخُ إنما يعرض [2] عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي
دُونَ الْأَخْبَارِ، أما الْآيَةِ فَقَوْلُهُ: مَا نَنْسَخْ
مِنْ آيَةٍ، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ النُّونِ والسين،
مِنَ النَّسْخِ، أَيْ: نَرْفَعُهَا [3] ، وَقَرَأَ ابْنُ
عَامِرٍ [4] بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ، مِنَ
الْإِنْسَاخِ وَلَهُ وَجْهَانِ، أحدهما: نَجْعَلَهُ
كَالْمَنْسُوخِ [5] ، وَالثَّانِي: أَنْ نَجْعَلَهُ نُسْخَةً
لَهُ، يُقَالُ: نَسَخْتُ الْكِتَابَ، أَيْ: كَتَبْتُهُ،
وَأَنْسَخْتُهُ غَيْرِي: إِذَا جَعَلْتُهُ نُسْخَةً لَهُ، أَوْ
نُنْسِها، أي: ننسها عن [6] قَلْبِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَتْرُكُهَا لَا نَنْسَخُهَا، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التَّوْبَةِ:
67] ، أَيْ: تَرَكُوهُ فَتَرَكَهُمْ، وَقِيلَ: نُنْسِها، أَيْ:
نَأْمُرُ بِتَرْكِهَا، يُقَالُ: أَنْسَيْتُ الشَّيْءَ، إِذَا
أَمَرْتُ بِتَرْكِهِ، فَيَكُونُ النَّسْخُ الْأَوَّلُ مِنْ
رَفْعِ الْحُكْمِ وَإِقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، والإنساء
يكون نسخا مِنْ غَيْرِ إِقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «أو ننسأها» بفتح النون الأولى
[7] وَالسِّينِ مَهْمُوزًا، أَيْ: نُؤَخِّرُهَا فَلَا
نُبَدِّلُهَا، يُقَالُ: نَسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ
وَأَنْسَأَ اللَّهُ أَجَلَهُ. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا نَرْفَعُ تِلَاوَتَهَا وَنُؤَخِّرُ حُكْمَهَا
كَمَا فَعَلَ فِي آيَةِ الرَّجْمِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ
النَّسْخُ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى رَفْعِ التِّلَاوَةِ
وَالْحُكْمِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ: أَمَّا مَا نُسِخَ مِنْ آيَةٍ فَهُوَ
مَا قَدْ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، جَعَلَاهُ: مِنَ النَّسْخَةِ
أَوْ نَنْسَأَهَا أَيْ نُؤَخِّرُهَا وَنَتْرُكُهَا فِي
اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فلا تَنْزِلُ. نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها،
أَيْ: بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لَكُمْ وَأَسْهَلُ عَلَيْكُمْ
وَأَكْثَرُ لِأَجْرِكُمْ، لَا أَنَّ آيَةً خَيْرٌ مِنْ آيَةٍ،
لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَكُلُّهُ خَيْرٌ، أَوْ
مِثْلِها: فِي الْمَنْفَعَةِ وَالثَّوَابِ، فَكُلُّ مَا نُسِخَ
إِلَى الْأَيْسَرِ فَهُوَ أَسْهَلُ فِي الْعَمَلِ، وَمَا
نُسِخَ إِلَى الْأَشَقِّ فَهُوَ فِي الثَّوَابِ أَكْثَرُ.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
مِنَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ
وَمَعْنَاهُ تَقْرِيرٌ، أَيْ: إِنَّكَ تَعْلَمُ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ
كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ
بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ عِنْدَ
نُزُولِ الْعَذَابِ، مِنْ دُونِ اللَّهِ: مِمَّا سِوَى اللَّهِ
مِنْ وَلِيٍّ: قَرِيبٍ وَصَدِيقٍ، وَقِيلَ: [مِنْ] [8] وَالٍ،
وَهُوَ الْقَيِّمُ بِالْأُمُورِ، وَلا نَصِيرٍ: نَاصِرٍ
يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
قَوْلُهُ: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ،
نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ
ائْتِنَا بِكِتَابٍ من السماء جملة [واحدة] [9] كَمَا أَتَى
مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ، فَقَالَ تَعَالَى: أَمْ تُرِيدُونَ،
يَعْنِي: أَتُرِيدُونَ، فَالْمِيمُ صِلَةٌ، وَقِيلَ: بَلْ
تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ،
سَأَلَهُ قَوْمُهُ [فقالوا] [10] أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً
[النساء: 153] ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ
لَكَ حَتَّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا،
كَمَا أَنَّ مُوسَى سَأَلَهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا: أَرِنَا
اللَّهَ جَهْرَةً، فَفِيهِ مَنْعُهُمْ عَنِ السؤالات المقترحة
بَعْدَ ظُهُورِ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ. وَمَنْ
يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ: يَسْتَبْدِلُ الْكُفْرَ
بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ: أَخَطْأَ
وَسَطَ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: قَصْدَ السبيل.
__________
(1) في المخطوط «للعشر» .
(2) في المطبوع «يعترض» .
(3) في المطبوع «ترفعا» .
(4) في المطبوع «عاصم» .
(5) في المطبوع «في المنسوخ» .
(6) في المخطوط «نثبتها على» .
(7) في نسخ المطبوع «الأول» .
(8) سقط من المطبوع وحده.
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) زيادة عن المخطوط.
(1/154)
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ
كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى
مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ
أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى
عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى
شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ
بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ (113)
[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ
بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ،
الآية.
ع «74» نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، قَالُوا
لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بَعْدَ
وَقْعَةِ أُحُدٍ: لَوْ كُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ مَا هُزِمْتُمْ
فَارْجِعَا إِلَى دِينِنَا فَنَحْنُ أَهْدَى سَبِيلًا
مِنْكُمْ، فَقَالَ لَهُمْ عَمَّارٌ: كَيْفَ نَقْضُ الْعَهْدِ
فِيكُمْ؟ قالوا:
شديدا، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ أَنْ لَا أَكْفُرَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْتُ،
فَقَالَتِ الْيَهُودُ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَبَأَ، وَقَالَ
حُذَيْفَةُ: أَمَّا أَنَا فَقَدَ رضيت بالله تعالى رَبًّا
وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا
وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً
وَبِالْمُؤْمِنِينَ إِخْوَانًا، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَدْ أَصَبْتُمَا الْخَيْرَ وَأَفْلَحْتُمَا» ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، أَيْ:
تَمَنَّى وَأَرَادَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ
الْيَهُودِ: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ
مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً، نَصْبٌ عَلَى
الْمَصْدَرِ، أَيْ: يَحْسُدُونَكُمْ حَسَدًا، مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ، أَيْ: مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ
يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمُ الْحَقُّ، فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدْقٌ وَدِينُهُ حَقٌّ،
فَاعْفُوا: فَاتْرُكُوا وَاصْفَحُوا، وَتَجَاوَزُوا،
فَالْعَفْوُ: الْمَحْوُ، وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ، وَكَانَ
هَذَا قَبْلَ آيَةِ الْقِتَالِ، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ
بِأَمْرِهِ، بِعَذَابِهِ الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ لِبَنِي
قُرَيْظَةَ وَالْجَلَاءُ وَالنَّفْيُ لِبَنِي النَّضِيرِ،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ
قَتَادَةُ: هُوَ أَمْرُهُ بِقِتَالِهِمْ فِي قَوْلِهِ:
قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا
بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمْ صاغِرُونَ
[التَّوْبَةِ: 29] ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِعِلْمِهِ
وَحُكْمِهِ فِيهِمْ، حَكَمَ لِبَعْضِهِمْ بِالْإِسْلَامِ
وَلِبَعْضِهِمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْجِزْيَةِ، إِنَّ
اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا:
تُسْلِفُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ: طَاعَةٍ وَعَمَلٍ
صَالِحٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [تجدوا ثوابه عِنْدَ
اللَّهِ] [1] ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَالَ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [الْبَقَرَةِ: 180]
، وَأَرَادَ: مِنْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ
اللَّهِ حَتَّى الثَّمَرَةَ وَاللُّقْمَةَ مِثْلَ أُحُدٍ إِنَّ
اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 113]
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً
أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ
لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقالَتِ
الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى
لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ
كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما
كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً،
أَيْ: يَهُودِيًّا، قَالَ الْفَرَّاءُ: حَذَفَ الْيَاءَ
الزائدة ورجع إلى
__________
74- ع غريب جدا. قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 176) : لم
أجده مسندا، وهو في «تفسير الثعلبي» كذلك بلا سند ولا راو.
[.....]
(1) سقط من نسخ المطبوع.
(1/155)
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ
أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
الْفِعْلِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالَ
الْأَخْفَشُ: الْهُودُ: جَمْعٌ هَائِدٍ، مِثْلَ عَائِدٍ
وَعُودٍ وَحَائِلٍ وَحُولٍ، أَوْ نَصارى، وَذَلِكَ أَنَّ
الْيَهُودَ قَالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ
كَانَ يَهُودِيًّا [1] وَلَا دِينَ إِلَّا [دِينُ] [2]
الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ
الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَلَا دِينَ
إِلَّا [دِينُ] [3] النَّصْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي
وَفْدِ نجران [و] كانوا نَصَارَى، اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ
الْيَهُودِ، فَكَذَّبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ، أَيْ: شَهَوَاتُهُمُ
الْبَاطِلَةُ الَّتِي تَمَنَّوْهَا عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ هاتُوا، أَصْلُهُ: آتُوا،
بُرْهانَكُمْ: حُجَّتَكُمْ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ، ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ:
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ، أَيْ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ
الْحُكْمُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ
أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، [أَيْ: أَخْلَصَ دِينَهُ لِلَّهِ،
وَقِيلَ: أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: خَضَعَ
وَتَوَاضَعَ لِلَّهِ] [4] ، وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ
الِاسْتِسْلَامُ وَالْخُضُوعُ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ
إِذَا جَادَ بِوَجْهِهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَبْخَلْ
بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ: فِي عَمَلِهِ،
وَقِيلَ: مُؤْمِنٌ، وَقِيلَ: مُخْلِصٌ، فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ
رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قَوْلُهُ: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى
شَيْءٍ، نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى أَهْلِ
نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لِمَا قَدِمُوا
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ
أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَتَنَاظَرُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ
أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: مَا أَنْتُمْ
عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى
وَالْإِنْجِيلِ، وَقَالَتْ لَهُمُ النَّصَارَى: مَا أَنْتُمْ
عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِمُوسَى
وَالتَّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالَتِ
النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ
الْكِتابَ، وَكِلَا الفريقين يقرؤون الكتاب، وقيل: مَعْنَاهُ
لَيْسَ فِي كُتُبِهِمْ [5] هَذَا الِاخْتِلَافُ، فَدَلَّ
تِلَاوَتُهُمُ الْكِتَابَ وَمُخَالَفَتُهُمْ مَا فِيهِ عَلَى
كَوْنِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ، كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: آبَاءَهُمُ الَّذِينَ مَضَوْا، مِثْلَ
قَوْلِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَوَامُّ النَّصَارَى،
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، كَذَلِكَ
قَالُوا فِي نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ
مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أُمَمٌ كَانَتْ قَبْلَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ
وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَالُوا
لِنَبِيِّهِمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ، فَاللَّهُ
يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: يَقْضِي بَيْنَ
الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ [6] ، فِيما كانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ: مِنَ الدِّينِ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 115]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ
يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا
كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي
الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ
(114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ
عَلِيمٌ (115)
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ
أَنْ يُذْكَرَ، الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي طَيْطُوسَ بْنِ
إِسْبِيسَبَانُوسَ الرُّومِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ غَزَوْا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلُوا
مُقَاتَلِتَهُمْ وَسَبَوْا ذَرَّارِيهِمْ وَحَرَّقُوا
التَّوْرَاةَ وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَذَفُوا
فِيهِ الْجِيَفَ وَذَبَحُوا فِيهِ الْخَنَازِيرَ، فَكَانَ
خَرَابًا إِلَى أَنْ بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَيَّامِ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ
قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ بُخْتُنَصَّرُ وَأَصْحَابُهُ
غَزَوُا الْيَهُودَ وَخَرَّبُوا بيت المقدس،
__________
(1) في المطبوع وحده «هودا» .
2 زيادة في نسخ المطبوع.
3 زيادة في نسخ المطبوع.
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(5) في المخطوط «كتابهم» .
(6) زيد في المخطوط «يوم القيامة» .
(1/156)
وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّصَارَى
طَيْطُوسُ [1] الرُّومِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ
الرُّومِ، قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَقَالَ قتادة: حملهم بغض الْيَهُودِ
عَلَى مُعَاوَنَةِ بُخْتُنَصَّرَ الْبَابِلِيِّ الْمَجُوسِيِّ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ، أَيْ: أَكْفَرُ
[وَأَعْتَى] [2] مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، يَعْنِي:
بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمُحَارِيبَهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا
اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ
يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ مَوْضِعُ حَجِّ النَّصَارَى وَمَحَلُّ زيارتهم،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمْ
يَدْخُلْهَا، يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، بَعْدَ عِمَارَتِهَا
رُومِيٌّ إِلَّا خائفا لو علم به قتل، وَقَالَ قَتَادَةُ
وَمُقَاتِلٌ: لَا يَدْخُلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَحَدٌ مِنَ
النَّصَارَى إلا متنكرا [3] لَوْ قُدِرَ عَلَيْهِ لَعُوقِبَ،
قَالَ السُّدِّيُّ: [4] : أُخِيفُوا بِالْجِزْيَةِ. وَقِيلَ:
هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ:
أَجْهَضُوهُمْ بِالْجِهَادِ حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ
مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفًا مِنَ الْقَتْلِ أو السبي، أَيْ: مَا
يَنْبَغِي، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ،
قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقَتْلُ لِلْحَرْبِيِّ وَالْجِزْيَةُ
للذمي، قال مقاتل والكلبي:
يفتح [5] مدائنهم الثلاث [6] قُسْطَنْطِينِيَّةُ وَرُومِيَّةُ
وَعَمُّورِيَةُ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ، وهو
النَّارُ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ:
نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَأَرَادَ بِالْمَسَاجِدِ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ حَجِّهِ
وَالصَّلَاةِ فِيهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، [وَإِذَا منعوا من
يعمره بذكره فَقَدْ سَعَوْا فِي خَرَابِهِ] [7] ، أُولئِكَ مَا
كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، يَعْنِي:
أَهْلَ مَكَّةَ، يَقُولُ أَفْتَحُهَا عَلَيْكُمْ حَتَّى
تَدْخُلُوهَا وَتَكُونُوا أَوْلَى بِهَا مِنْهُمْ، فَفَتَحَهَا
عليهم.
ع «75» وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ هَذَا
الْعَامِ مُشْرِكٌ» ، فَهَذَا خَوْفُهُمْ، وَثَبَتَ فِي
الشَّرْعِ أَنْ لَا يُمَكَّنَ مُشْرِكٌ مِنْ دُخُولِ
الْحَرَمِ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ
وَالْقَتْلُ وَالسَّبْيُ والنفي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ع 7»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خَرَجَ نَفَرٌ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى
الْكَعْبَةِ، فَأَصَابَهُمُ الضَّبَابُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ
فَتَحَرَّوُا الْقِبْلَةَ وَصَلَّوْا، فَلَمَّا ذَهَبَ
الضَّبَابُ اسْتَبَانَ لَهُمْ
__________
75- ع أخرجه البخاري 369 ومسلم 1347 وغيرهما في أثناء حديث
ويأتي في مطلع سُورَةِ التَّوْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
76- ع أخرجه ابن مردويه من حديث الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنِ ابن عباس بنحوه كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 164)
.
وإسناده ساقط لأجل الكلبي وورد بنحوه أخرجه الترمذي 345 وابن
ماجه 1020 والطيالسي 1145 والدارقطني (1/ 272) وأبو نعيم (1/
179) والطبري (1843) و (1845) والبيهقي (2/ 11) من حديث عامر
بن ربيعة وفيه أشعث بن سعيد، وبه أعلّه الترمذي، وتوبع عند
الطيالسي، وإنما علته عاصم بن عبيد الله، وهو واه.
- وورد من حديث جابر أخرجه الدارقطني (1/ 72) والحاكم (1/ 206)
والبيهقي (2/ 10 و12) وإسناده ضعيف لضعف أبي سهل.
- وورد من طرق ضعيفة تبلغ بالحديث درجة الحسن كما قال الحافظ
ابن كثير (1/ 163) وانظر مزيد الكلام عليه في تفسير ابن كثير
وتفسير الشوكاني 211 وكلاهما بتخريجي، والله الموفق.
(1) في المطبوع «ططوس» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «مستنكرا» .
(4) في المطبوع وحده «سيدى» وفي المخطوط «سدي» وكلاهما خطأ.
(5) في المطبوع «تفتح» . [.....]
(6) في المطبوع «الثلاثة» .
(7) ما بين المعقوفتين في المطبوع «وإذا مَنَعُوا رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم من أن يعمره يذكر الله فقد
سعوا في خرابهم» .
(1/157)
وَقَالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)
أَنَّهُمْ لَمْ يُصِيبُوا، [وَأَنَّهُمْ
مُخْطِئُونَ فِي تَحَرِّيهِمْ] [1] ، فَلَمَّا قَدِمُوا
سَأَلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِرِ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ حَيْثُ مَا
تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
«77» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ [أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ
السَّرَخْسِيُّ] [2] ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ
عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ.
وقال عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ: [لِمَا] [3] صُرِفَتِ القبلة إلى الكعبة
وعيّرت الْيَهُودُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالُوا: لَيْسَتْ لَهُمْ
قِبْلَةٌ [مَعْلُومَةٌ] [4] فَتَارَةً يَسْتَقْبِلُونَ هَكَذَا
وَتَارَةً هَكَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: لِمَا نَزَلَتْ:
وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِرٍ: 60] ،
قَالُوا: أَيْنَ نَدْعُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة: 115] ، مُلْكًا
وَخَلْقًا فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ،
يَعْنِي: أَيْنَمَا تُحَوِّلُوا وجوهكم فَثَمَّ، أي: هناك وجه
اللَّهِ [5] ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَثَمَّ اللَّهُ يعلم ويرى
وَجْهُ صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ
إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: 88] ، أَيْ: إِلَّا هُوَ، وَقَالَ
الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ:
فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ، وَالْوَجْهُ وَالْوُجْهَةُ
وَالْجِهَةُ: الْقِبْلَةُ، وَقِيلَ: رِضَا اللَّهِ تَعَالَى:
إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ، أَيْ: غَنِيٌّ يُعْطِي مِنَ السِّعَةِ،
قَالَ الْفَرَّاءُ: [الْوَاسِعُ] [6] : الْجَوَادُ الَّذِي
يَسَعُ عَطَاؤُهُ كُلَّ شَيْءٍ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَاسِعُ
المغفرة، عَلِيمٌ بنيّاتهم حيث ما صلوا ودعوا.
[سورة البقرة (2) : آية 116]
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، قرأ
ابن عامر «قالوا» بلا واو، وقرأ الباقون [7] : وَقالُوا
اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ
حَيْثُ قَالُوا عزيز ابْنُ اللَّهِ، وَفِي نَصَارَى نَجْرَانَ
حَيْثُ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَفِي مُشْرِكِي
الْعَرَبِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ،
سُبْحانَهُ، نَزَّهَ وعظّم نفسه.
ع «78» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا محمد بن إسماعيل
__________
77- إسناده صحيح على شرطهما، أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 151) عن ابن
دينار بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (1096) ومسلم (700) والنسائي (1/ 244 و2/ 61)
والشافعي (1/ 66- 67) وأبو عوانة (2/ 343) وأحمد (2/ 46 و66)
وابن حبان (2517) والبيهقي (2/ 4) من طرق عن ابن دينار به.
- وورد بنحوه من وجه آخر عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن
عمر.
أخرجه مسلم (700) ح (39) وأبو داود 1224 والنسائي (1/ 243
و244) و (2/ 61) وابن خزيمة (1090) وابن الجارود (270) وابن
حبان (2421) والبيهقي (2/ 491) .
78- إسناده على شرط البخاري، شعيب هو ابن أبي حمزة، وأبو
اليمان هو الحكم بن نافع.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (4482) عن أبي
اليمان بهذا الإسناد.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (3193 و4974) و
(4975) والنسائي في «الكبرى» (766 و7667) وأحمد (2/ 393 و394
و350) وابن حبان (267) وابن أبي عاصم في «السنة» (693) و
«البغوي» 41.
- وله شاهد آخر من حديث أنس عند ابن خزيمة في «التوحيد» (ص
383- 384) .
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المخطوط.
(3) سقط من المطبوع وحده.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المخطوط «رحمة» .
(6) زيد في نسخ المطبوع.
(7) في المطبوع «الآخرون» .
(1/158)
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ
قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)
أَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ
عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ] [1] بْنِ أَبِي حسين [عَنْ] [2] نَافِعِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ،
فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ
أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ
فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً
أَوْ وَلَدًا» ، قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ لَهُ مَا فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: عَبِيدًا وَمُلْكًا [3] ، كُلٌّ لَهُ
قانِتُونَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ:
مُطِيعُونَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: مُقِرُّونَ لَهُ
بِالْعُبُودِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: قَائِمُونَ
بِالشَّهَادَةِ، وَأَصْلُ القنوت القيام.
ع «79» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى
أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ خَاصٌّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ
رَاجِعٌ إِلَى عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ
رَاجِعٌ إِلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ،
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ عَامٌّ فِي
جَمِيعِ الْخَلْقِ، لأن لفظ كل يقتضي الْإِحَاطَةَ بِالشَّيْءِ
بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ سَلَكُوا فِي
الْكُفَّارِ طَرِيقَيْنِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسْجُدُ
ظِلَالُهُمْ لِلَّهِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى:
وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الرَّعْدِ: 15] ،
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، دَلِيلُهُ:
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه: 111] ،
وَقِيلَ: قانِتُونَ: مُذَلَّلُونَ مُسَخَّرُونَ لِمَا خُلِقُوا
لَهُ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 117 الى 119]
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً
فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقالَ الَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا
آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ
قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ
بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ
(119)
قوله عزّ وجلّ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أي: مبدعهما
ومنشئهما [4] مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَإِذا قَضى
أَمْراً، أَيْ: قَدَّرَهُ، وَقِيلَ: أحكمه وَأَتْقَنَهُ،
وَأَصْلُ الْقَضَاءِ: الْفَرَاغُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَنْ
مَاتَ: قُضِيَ عَلَيْهِ لِفَرَاغِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ
قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ تقديرا
أو تدبيرا، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ «كُنْ فَيَكُونَ» بِنَصْبِ النُّونِ فِي جَمِيعِ
الْمَوَاضِعِ إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ كُنْ فَيَكُونُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [آل عمران: 59. 60] ، وَفِي سُورَةِ
الْأَنْعَامِ: كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ [الأنعام: 73]
، وإنما نصبها لأن
__________
(1) زيادة عن كتب التراجم.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» .
(3) في المخطوط «عبدا أو ملكا» . [.....]
(4) في المطبوع «مبدعها ومنشئها» .
79- ع صحيح. أخرجه مسلم 756 والترمذي 387 وابن ماجه 1421
والطيالسي 1777 وأحمد (3/ 302 و314) والحميدي 1276 وابن حبان
1758 والبغوي 659 والبيهقي 3/ 8 من طرق من حديث جابر.
- وله شاهد عند أبي داود 1325 و1449 والنسائي (5/ 58) وأحمد
(3/ 411 و412) والدارمي (1/ 331) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ حبشي.
(1/159)
جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْفَاءِ يَكُونُ
مَنْصُوبًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى:
فَهُوَ يَكُونُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: فَإِنَّما
يَقُولُ لَهُ كُنْ والمعدوم لا يخاطب؟ قيل: قَالَ ابْنُ
الْأَنْبَارِيِّ مَعْنَاهُ: فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ، أَيْ:
لِأَجْلِ تَكْوِينِهِ، فَعَلَى هَذَا ذَهَبَ مَعْنَى
الْخِطَابِ، وَقِيلَ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا ولكنه
قُدِّرَ وُجُودُهُ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَانَ
كَالْمَوْجُودِ، فَصَحَّ الْخِطَابُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْيَهُودُ،
وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
النَّصَارَى، وَقَالَ قَتَادَةُ: مُشْرِكُو العرب، لَوْلا:
هَلَّا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ: عِيَانًا بِأَنَّكَ رَسُولُهُ،
وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ لَوْلا فَهُوَ بِمَعْنَى هَلَّا
إِلَّا وَاحِدًا وهو قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ
الْمُسَبِّحِينَ (143) [الصَّافَّاتِ: 143، مَعْنَاهُ فَلَوْ
لَمْ يَكُنْ، أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ: دَلَالَةٌ وَعَلَامَةٌ
عَلَى صِدْقِكَ [فِي ادِّعَائِكَ النُّبُوَّةَ] [1] ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى:
كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَيْ: كُفَّارُ
الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ
قُلُوبُهُمْ، أَيْ: أَشْبَهَ بَعْضُهَا [2] بَعْضًا فِي الكفر
والقسوة [والعماوة] [3] وَطَلَبِ الْمُحَالِ، قَدْ بَيَّنَّا
الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالصِّدْقِ
كَقَوْلِهِ: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي
وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يُونُسَ:
53] ، أَيْ: صِدْقٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: بِالْقُرْآنِ دَلِيلُهُ: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ
لَمَّا جاءَهُمْ [ق:
5] ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ،
دَلِيلُهُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ
[الْإِسْرَاءِ: 81] ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ لَمْ
نُرْسِلْكَ عَبَثًا إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ، كَمَا
قَالَ: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما
بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الْحِجْرِ: 85] ، قَوْلُهُ
عَزَّ وَجَلَّ: بَشِيراً، أَيْ: مُبَشِّرًا لِأَوْلِيَائِي
وَأَهْلِ طَاعَتِي بِالثَّوَابِ الْكَرِيمِ، وَنَذِيراً، أَيْ:
مُنْذِرًا مُخَوِّفًا لِأَعْدَائِي وَأَهْلِ مَعْصِيَتِي
بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ: «وَلَا
تُسْأَلْ» :
على النهي.
ع «80» وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «لَيْتَ شِعْرِي ما فعل بأبواي»
، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقِيلَ: هُوَ على معنى قولهم:
لا تَسْأَلْ عَنْ [شَرِّ] [4] فُلَانٍ فَإِنَّهُ فَوْقَ مَا
تَحْسَبُ، وَلَيْسَ عَلَى النهي، وقرأ الآخرون وَلا تُسْئَلُ
بِالرَّفْعِ، عَلَى النَّفْيِ بِمَعْنَى: وَلَسْتَ بمسؤول
عَنْهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّما عَلَيْكَ
الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرعد: 40] ، عَنْ أَصْحابِ
الْجَحِيمِ، وَالْجَحِيمُ مُعْظَمُ النار.
__________
80- ع ضعيف ولم أر من نسبه لابن عباس غير المصنف. وهو بدون
إسناده حيث ذكره تعليقا.
- وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» 126 والطبري 1877 و1878 عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ مرسلا. وهو مرسل ضعيف.
- وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 209) وزاد نسبته إلى وكيع وعبد
بن حميد وابن المنذر.
وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي ضعيف كما في التقريب، وقال
السيوطي في «دره» : هذا مرسل ضعيف الإسناد.
- وورد عن داود بن أبي عاصم مرسلا أخرجه الطبري 1879 وذكره
السيوطي في «الدر» وقال: والآخر معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به
حجة، ولا بالذي قبله حجة اه.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع وحده «بعضهم» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع.
(1/160)
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ
مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ
أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا
نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي
فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا
لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ
مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ (123) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ (124)
[سورة البقرة (2) : الآيات 120 الى 121]
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى
تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ
(120) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ
تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ
وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ
هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ [كَانُوا] [1]
يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم الهدنة
ويطمّعونه أَنَّهُ إِنْ أَمْهَلَهُمُ اتَّبَعُوهُ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، مَعْنَاهُ أنك وإن
هَادَنْتَهُمْ فَلَا يَرْضَوْنَ [2] بِهَا، وَإِنَّمَا
يَطْلُبُونَ ذَلِكَ تَعَلُّلًا وَلَا يَرْضَوْنَ مِنْكَ إِلَّا
بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِمْ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: هَذَا فِي الْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ
يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَرْجُونَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانَ
يُصَلِّي إِلَى قِبْلَتِهِمْ، فَلَمَّا صَرَفَ اللَّهُ
الْقِبْلَةَ إلى الكعبة أيسوا منه أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى
دِينِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ
الْيَهُودُ، إِلَّا بِالْيَهُودِيَّةِ، وَلَا النَّصَارَى
إِلَّا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَالْمِلَّةُ الطَّرِيقَةُ،
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ، قِيلَ الْخِطَابُ مَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ
بِهِ الْأُمَّةُ كَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ [الزُّمَرِ: 65] ، بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ: الْبَيَانِ بِأَنَّ دِينَ اللَّهِ هُوَ
الْإِسْلَامُ وَالْقِبْلَةَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَهِيَ الْكَعْبَةُ، مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ في أهل السفينة قَدِمُوا مَعَ
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانُوا
أَرْبَعِينَ رَجُلًا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ
وَثَمَانِيَةٌ مِنْ رُهْبَانِ الشَّامِ مِنْهُمْ بَحِيرَا،
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ ممّن آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ عَبْدُ
اللَّهِ بن سلام وشعبة بْنُ عَمْرٍو وَتَمَّامُ بْنُ يَهُودَا
وَأَسَدٌ وَأُسَيْدٌ ابْنَا كَعْبٍ وَابْنُ يَامِينَ وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ صُورِيَا، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: هُمْ
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَامَّةً، يَتْلُونَهُ حَقَّ
تِلاوَتِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَصِفُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ
حَقَّ صِفَتِهِ لِمَنْ سَأَلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَالْهَاءُ
رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقَالَ الْآخَرُونَ: هِيَ عَائِدَةٌ إِلَى الْكِتَابِ،
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عنه: يقرؤونه كَمَا أُنْزِلَ وَلَا يُحَرِّفُونَهُ،
وَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَقَالَ
الْحَسَنُ: يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيُؤْمِنُونَ
بِمُتَشَابِهِهِ وَيَكِلُونَ علم ما أشكل عليه إِلَى
عَالَمِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ
اتِّبَاعِهِ، قَوْلُهُ: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ
يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 124]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي
أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ
عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا
تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) وَإِذِ
ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ
إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي
قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: «إِبْرَاهَامَ» بالألف
في بعض المواضع، [وهو ثلاثة وثلاثون موضعا، جملته تسعة وتسعون
موضعا] [3] ، وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَلِذَلِكَ لَا يجري
عليه الصرف، وهو إبراهيم بن تارخ [هو آزر] [4] بْنِ نَاخُورَ،
وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالسُّوسِ مِنْ أَرْضِ الْأَهْوَازِ،
وَقِيلَ:
بَابِلَ، وقيل: كوثي، وقيل: كسكر، وقيل: حران، ولكن أباه نقله
إلى أرض بابل بأرض نُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ، وَمَعْنَى
الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ وَالْأَمْرُ،
وَابْتِلَاءُ اللَّهِ الْعِبَادَ لَيْسَ لِيَعْلَمَ
أَحْوَالَهُمْ بِالِابْتِلَاءِ لأنه
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع وحده «يرجون» .
(3) زيد في المطبوع وحده.
(4) زيد في المطبوع وحده.
(1/161)
وَإِذْ جَعَلْنَا
الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
عَالِمٌ بِهِمْ، وَلَكِنْ لِيَعْلَمَ
الْعِبَادُ أَحْوَالَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،
وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتَلَى الله بها
إبراهيم، فقال عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: هِيَ ثَلَاثُونَ سَمَّاهُنَّ، شرائع الإسلام لم
يُبْتَلَ بِهَا أَحَدٌ فَأَقَامَهَا كُلَّهَا [إِلَّا [1]]
إِبْرَاهِيمُ، فَكُتِبَ لَهُ الْبَرَاءَةُ، فقال:
وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) [النَّجْمِ: 37] ، عَشْرٌ
في براءة: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ [التوبة: 112] إِلَى
آخِرِهَا، وَعَشْرٌ فِي الْأَحْزَابِ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِماتِ [الأحزاب: 35] إلى آخرها، وَعَشْرٌ فِي
سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قوله: قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ (1) [الْمُؤْمِنُونَ: 1] الْآيَاتِ،
وَقَوْلُهُ: إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) [المعارج: 22] ، في سأل
سائل، وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: ابْتَلَاهُ اللَّهُ تعالى بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ،
وَهِيَ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ: قَصُّ الشَّارِبِ،
وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَفَرْقُ
الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ في البدن: تقليم الأظفار وَنَتْفُ
الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالْخِتَانُ والاستنجاء
بالماء.
ع «81» وَفِي الْخَبَرِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ الشَّارِبَ، وَأَوَّلُ مَنِ
اخْتَتَنَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَلَّمَ الْأَظَافِرَ، وَأَوَّلُ
مَنْ رَأَى الشَّيْبَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: يَا ربّ ما هذا؟
قال: الْوَقَارِ، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا فِي
قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً
إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ وَقَتَادَةُ:
مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ
بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ: بِالْكَوَاكِبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ
فَأَحْسَنَ فِيهَا النَّظَرَ، وَعَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ دَائِمٌ
لَا يَزُولُ، وَبِالنَّارِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا،
وَبِالْهِجْرَةِ وَبِذَبْحِ ابْنِهِ وَبِالْخِتَانِ فَصَبَرَ
عَلَيْهَا، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ قَوْلُ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إِذْ يَرْفَعَانِ الْبَيْتَ:
رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا [الْبَقَرَةِ: 127] الآية، فرفعاه
بسبحان اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وقال يَمَانُ بْنُ رَبَابٍ: هُنَّ
مُحَاجَّةُ قَوْمِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَحاجَّهُ
قَوْمُهُ [الأنعام: 80] إلى قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا
آتَيْناها إِبْراهِيمَ [الْأَنْعَامِ: 83] ، وَقِيلَ: هِيَ
قَوْلُهُ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) 78
[الشُّعَرَاءِ: 78] ، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، فَأَتَمَّهُنَّ،
قَالَ قَتَادَةُ أَدَّاهُنَّ وقال الضحاك: قام بهنّ، وقال
يمان: عَمِلَ بِهِنَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ إِنِّي
جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً:
يُقْتَدَى بِكَ، [فِي الْخَيْرِ] قالَ إِبْرَاهِيمُ: وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي. أَيْ: وَمِنْ أولادي أيضا فاجعل أَئِمَّةً
يُقْتَدَى بِهِمْ [فِي الْخَيْرِ] [2] ، قالَ اللَّهُ
تَعَالَى: لَا يَنالُ: لَا يُصِيبُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ،
قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَالْبَاقُونَ
بِفَتْحِهَا، أَيْ: مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ظَالِمًا لَا
يُصِيبُهُ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: عَهْدِي
رَحْمَتِي، وَقَالَ السُّدِّيُّ: نُبُوَّتِي، وَقِيلَ:
الْإِمَامَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: لَيْسَ لِظَالِمٍ أَنْ يُطَاعَ
فِي ظُلْمِهِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَنَالُ مَا عَهِدْتُ
إِلَيْكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِمَامَةِ مَنْ كَانَ
ظَالِمًا مِنْ وَلَدِكَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَهْدِ
الْأَمَانَ مِنَ النَّارِ، وَبِالظَّالِمِ الْمُشْرِكَ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ [الأنعام: 82]
.
[سورة البقرة (2) : آية 125]
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا
إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ، يَعْنِي:
الْكَعْبَةَ، مَثابَةً لِلنَّاسِ: مَرْجِعًا لَهُمْ، قَالَ
مجاهد
__________
81- ع أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 922) والبيهقي في «الشعب»
(8642 و8640) عن سعيد بن المسيب به قوله.
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع وحده. [.....]
(1/162)
وسعيد بن جبير: يثوبون [1] إِلَيْهِ مِنْ
كُلِّ جَانِبٍ وَيَحُجُّونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعَاذًا وَمَلْجَأً، وَقَالَ قَتَادَةُ
وَعِكْرِمَةُ: مَجْمَعًا، وَأَمْناً، أَيْ: مَأْمَنًا
يَأْمَنُونَ فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمُشْرِكِينَ فإنهم كانوا
لا يَتَعَرَّضُونَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَيَقُولُونَ هُمْ أَهْلُ
اللَّهِ، وَيَتَعَرَّضُونَ لِمَنْ حَوْلَهُ كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً
آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ
[الْعَنْكَبُوتِ: 67] .
«82» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طاوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا
الْبَلَدَ حرّمه الله يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ، فَهُوَ
حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا
يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يَنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ
لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ» ،
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ
فَإِنَّهُ لَقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إلا الإذخر» .
وَاتَّخِذُوا، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ
الْخَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ
الْخَاءِ عَلَى الْأَمْرِ، مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى،
قَالَ يَمَانٍ: الْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ،
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ
إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ
جَمِيعَ مُشَاهِدِ الْحَجِّ مِثْلَ عرفة والمزدلفة وَسَائِرِ
الْمَشَاهِدِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
الْحَجَرُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي إِلَيْهِ
الْأَئِمَّةُ، وَذَلِكَ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ
إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ: كَانَ أَثَرُ
أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بَيِّنًا فِيهِ فَانْدَرَسَ مِنْ
كَثْرَةِ الْمَسْحِ بِالْأَيْدِي، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ
وَالسُّدِّيُّ: أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ عِنْدَ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِمَسْحِهِ وَتَقْبِيلِهِ.
«83» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عن [2] حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي
ثَلَاثٍ: قلت يا
__________
82- إسناده على شرط البخاري، حيث تفرد عن علي بن عبد الله، وهو
المديني. جرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر،
ومجاهد هو ابن جبر، وطاوس هو ابن كيسان، يقال: اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» 1996 بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 1587 عن علي بن
عبد لله بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 1834 و2783 و3825 و3189 ومسلم 1353 وأبو داود
2018 و2480 والترمذي 1590 والنسائي (5/ 203- 204) و (7/ 146)
وأحمد (1/ 315 و359) وابن الجارود 509 والطبراني في «الكبير»
(10943 و10944) وابن حبان 3720 والبيهقي (5/ 195 و9/ 16) من
طرق من حديث ابن عباس، بعضهم رواه مطولا، وبعضهم مختصرا.
83- إسناده على شرط البخاري، تفرد البخاري بالرواية عن مسدد
وهو ابن مسرهد، يحيى هو ابن سعيد القطان، وحميد هو ابن أبي
حميد الطويل.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 4483 عن مسدد
بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 402 والطحاوي في «المشكل» (4/ 825) وأحمد (1/
24 و36) وابن حبان 6896 والبغوي 3887 من حديث أنس.
وورد مختصرا من حديث أنس أيضا عند البخاري 4790 و4916 والترمذي
2959 و2960 وابن ماجه 1009 والدرامي (2/ 44) .
(1) وقع في الأصل «بن» والمثبت هو الصواب.
(2) في المخطوط وط- «يأتون» والمثبت عن المطبوع والطبري (1971
و1976) .
(1/163)
رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مَقَامَ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، وَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ،
فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ:
وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ فَقُلْتُ
لَهُنَّ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللَّهُ
خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: عَسى رَبُّهُ
إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً
مِنْكُنَّ [التحريم: 5] الآية.
ع «84» وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَيْضًا عن عمرو
بن عون أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى،
فَنَزَلَتْ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى.
وأما بدء قصة المقام:
ع «85» فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لِمَا أَتَى
إِبْرَاهِيمُ بإسماعيل وهاجر وضعهما بِمَكَّةَ، وَأَتَتْ عَلَى
ذَلِكَ مُدَّةٌ وَنَزَلَهَا الْجُرْهُمِيُّونَ وَتَزَوَّجَ
إِسْمَاعِيلُ مِنْهُمُ امرأة و [قد] [1] ماتت هَاجَرُ،
وَاسْتَأْذَنَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ أَنْ يَأْتِيَ هَاجَرَ
فَأَذِنَتْ لَهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ،
فَقَدِمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَقَدْ مَاتَتْ هَاجَرُ
فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ:
أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ لِلصَّيْدِ [2] ، وَكَانَ
إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ
فَيَصِيدُ، فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيمُ: هَلْ عِنْدَكِ
ضِيَافَةٌ؟ قالت: ليس عندي شيء [3] وَسَأَلَهَا عَنْ
عَيْشِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ
إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فأقرئيه [مني]
[4] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ
بَابِهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ فَوَجَدَ
رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هل جاءك أحد؟ فقالت:
جَاءَنِي شَيْخٌ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، كَالْمُسْتَخِفَّةِ
بِشَأْنِهِ، قَالَ: فَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ
أَقْرِئِي زَوْجَكِ [مني] [5] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ
فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، قَالَ: ذَلِكَ أَبِي وَقَدْ
أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ فطلّقها،
وتزوّج منهم بأخرى فَلَبِثَ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ سَارَةَ أَنْ يَزُورَ
إِسْمَاعِيلَ، فَأَذِنَتْ لَهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا
يَنْزِلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى
انْتَهَى إِلَى بَابِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ:
أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ وَهُوَ يَجِيءُ
الْآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَانْزِلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ،
قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ ضِيَافَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَجَاءَتْ
بِاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ
فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ فَدَعَا لَهُمَا
بِالْبَرَكَةِ، وَلَوْ جَاءَتْ يَوْمَئِذٍ بِخُبْزِ بُرٍّ أَوْ
شعير أو تمر لَكَانَتْ أَكْثَرَ أَرْضِ اللَّهِ بُرًّا أَوْ
شَعِيرًا أَوْ تَمْرًا، فَقَالَتْ لَهُ: انْزِلْ حَتَّى
أَغْسِلَ رَأْسَكَ فَلَمْ يَنْزِلْ، فَجَاءَتْهُ بِالْمَقَامِ
فَوَضَعَتْهُ عَنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَوَضَعَ قَدَمَهُ
عَلَيْهِ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ ثم حولته
إِلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَغَسَلَتْ شَقَّ رَأْسِهِ
الْأَيْسَرِ، فَبَقِيَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ
لَهَا: إِذَا جَاءَ زوجك فأقرئيه [مني] [6] السَّلَامَ
وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ، فَلَمَّا
جَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ
لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ شيخ
[كبير] [7] أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبُهُمْ رِيحًا،
وَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَقُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا،
وَغَسَلْتُ رَأْسَهُ وَهَذَا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ
ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ [النَّبِيُّ أَبِي] [8] ، وَأَنْتَ
الْعَتَبَةُ أمرني أن أمسكك.
__________
84- ع هو عند البخاري 402 بهذا الإسناد وأتم منه في اللفظ.
85- ع ذكره المصنف موقوفا على ابن عباس، وأخرج البخاري في
«صحيحه» 3364 و3365 عن ابن عباس نحوه مطولا فجعل بعضه موقوفا،
وبعضه الآخر مرفوعا، راجع صحيح البخاري.
1 سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «يتصيد» .
(3) في المطبوع «ضيافة» .
4 سقط من المطبوع.
5 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
6 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(7) زيد في نسخ المطبوع.
8 سقط من المطبوع. [.....]
(1/164)
ع «86» وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ أيضا عن ابن عباس قال: ثم لبثت عَنْهُمْ مَا شَاءَ
اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي
نبلا تحت دوحة قريبة مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ
إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ
وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي بِأَمْرٍ تُعِينُنِي
عَلَيْهِ، قَالَ: أعينك عليه، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي
أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ رفع
الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يأتي
بالحجارة وإبراهيم يبني، فلما ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ
بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى
حَجَرِ الْمَقَامِ، وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ
الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127] .
ع «87» وَفِي الْخَبَرِ: «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ
يَاقُوتَتَانِ من يواقيت الجنة، ولولا مَسَّتْهُ أَيْدِي
الْمُشْرِكِينَ لَأَضَاءَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ
وَإِسْماعِيلَ، أَيْ: أَمَرْنَاهُمَا وَأَوْحَيْنَا [1]
إِلَيْهِمَا، قِيلَ: سُمِّيَ إِسْمَاعِيلُ لِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ يدعو الله أن يرزقه ولد، وَيَقُولَ:
اسْمَعْ يَا إِيلُ، وَإِيلُ هو الله، فلما رزق الولد سمّاه
بِهِ. أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ، أَضَافَهُ
إِلَيْهِ تَخْصِيصًا وَتَفْضِيلًا، أَيِ: ابْنِيَاهُ عَلَى
الطَّهَارَةِ وَالتَّوْحِيدِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
وَعَطَاءٌ: طَهِّرَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالرِّيَبِ وَقَوْلِ
الزور، وقيل: بخّراه وخلّقاه، قاله يمان بن رباب. قَرَأَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَفْصٌ بَيْتِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ
هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الحج [26] ، وزاد
__________
86- ع هو عند البخاري 3364 و3365 وهو بعض المتقدم.
87- ع الراجح وقفه. أخرجه البيهقي (5/ 75) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عمرو وفيه « ... ولولا ما مسهما من خطايا بني
آدم» بدل «ولو لامسته أيدي المشركين» من طريق أحمد بن شبيب عن
أبيه عن يونس عن الزهري عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو مرفوعا، ورجاله ثقات، وهو أمثل إسناد في هذا الباب.
- وأخرجه الترمذي 878 وأحمد (2/ 213- 214) وابن خزيمة 2732
وابن حبان 3710 والحاكم من طريق رجاء بن صبيح عن مسافع عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا.
وفيه: «ولولا أن طمس الله على نورهما» بدل «ولو لامسته أيدي
المشركين» .
وفي إسناده رجاء بن صبيح، وقد ضعفه ابن معين وغيره، وقال أبو
حاتم: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات.
- وأخرجه ابن خزيمة 2731 والحاكم (1/ 456) والبيهقي (5/ 75) عن
أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو به.
قال الحاكم: هذا حديث تفرد به أيوب بن سويد عن يونس وأيوب ممن
لم يحتجا به، إلا أنه من أجلة مشايخ الشام.
وتعقبه الذهبي بقوله: ضعفه أحمد اهـ. وقال في «الميزان» (1/
287) : ضعفه أحمد وغيره، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن
معين: ليس بشيء، وقال البخاري: يتكلمون فيه. وله طريق آخر
أخرجه البيهقي (5/ 75) من طريق مسدد عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ عبد الله بن عمرو
مرفوعا، ورجاله رجال البخاري لكن فيه عنعنة ابن جريج.
- وفي الباب من حديث أنس عند الحاكم 1678 وفي إسناده داود بن
الزبرقان. قال الذهبي في «التلخيص» : داود، قال أبو داود:
متروك اهـ.
- ومن حديث ابن عباس عند الترمذي 877 وابن خزيمة 2733 وإسناده
ضعيف، فيه عطاء بن السائب، اختلط بأخرة.
وتابعه سعيد بن جبير عند ابن خزيمة 2734 لكن في الطريق أبو
الجنيد الحسين بن خالد، وهو ضعيف.
الخلاصة: كل طرقه وشواهده لا تخلو من ضعف، وأمثلها الطريق
الأولى عند البيهقي، ولكن الحديث بمجموع هذه الشواهد والطرق
يرقى إلى درجة الحسن. وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان» (9/
24) لطرقه وكذا صححه الألباني في «صحيح الترمذي» (695 و696) ،
ومع ذلك رفعه غريب والأشبه الوقف، وقد أخرجه عبد الرزاق 8921
عن ابن عمرو موقوفا وأخرجه 8915 عن ابن عمرو وكعب الأحبار
موقوفا، وهو الراجح. والله أعلم.
(1) في المطبوع «وأوصينا» .
(1/165)
وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ
أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ
قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (126)
حَفْصٌ فِي سُورَةِ نُوحٍ [28] ،
لِلطَّائِفِينَ: الدَّائِرِينَ حَوْلَهُ، وَالْعاكِفِينَ:
الْمُقِيمِينَ الْمُجَاوِرِينَ، وَالرُّكَّعِ، جَمْعُ رَاكِعٍ،
السُّجُودِ: جَمْعُ [1] سَاجِدٍ، وَهُمُ الْمُصَلُّونَ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ ومقاتل: (الطائفين) :
هم الغرباء ووَ الْعاكِفِينَ أَهْلُ مَكَّةَ، قَالَ عَطَاءٌ
ومجاهد عكرمة: الطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ،
وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مكة أفضل.
[سورة البقرة (2) : آية 126]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً
وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ
فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ
النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا، يَعْنِي:
مَكَّةَ، وَقِيلَ: الْحَرَمَ، بَلَداً آمِناً، أَيْ: ذَا
أَمْنٍ يَأْمَنُ فِيهِ أَهْلُهُ، وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ
الثَّمَراتِ، إِنَّمَا دَعَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بِوَادٍ
غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَفِي الْقَصَصِ: أَنَّ الطَّائِفَ كانت من
بلاد الشَّامِ بِأُرْدُنَّ، فَلَمَّا دَعَا إِبْرَاهِيمُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الدُّعَاءَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَلَعَهَا مِنْ
أَصْلِهَا وَأَدَارَهَا حَوْلَ الْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ
وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا الَّذِي هِيَ الْآنَ فِيهِ فَمِنْهَا
أَكْثَرُ ثَمَرَاتِ مَكَّةَ، مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، قالَ
اللَّهُ تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ، قَرَأَ ابْنُ
عَامِرٍ فَأُمَتِّعُهُ خَفِيفًا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ،
وَالْبَاقُونَ مُشَدَّدًا، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، قَلِيلًا،
أَيْ: سَأَرْزُقُ الْكَافِرَ أَيْضًا قَلِيلًا إِلَى مُنْتَهَى
أَجَلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الرِّزْقَ
لِلْخَلْقِ كَافَّةً مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، وَإِنَّمَا
قَيَّدَ بِالْقِلَّةِ لِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ،
ثُمَّ أَضْطَرُّهُ، أَيْ: أُلْجِئُهُ فِي الْآخِرَةِ: إِلى
عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، أَيِ: الْمَرْجِعُ
يَصِيرُ إِلَيْهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وُجِدَ عِنْدَ الْمَقَامِ
كِتَابٌ فِيهِ: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ صَنَعْتُهَا يَوْمَ
خَلَقْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَحَرَّمْتُهَا يَوْمَ خلقت
السموات وَالْأَرْضَ، وَحَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ [2]
حُنَفَاءَ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ سُبُلٍ،
مُبَارَكٌ لَهَا فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ.
[سورة البقرة (2) : آية 127]
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ
الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ، قَالَ الرُّوَاةُ
[3] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَوْضِعَ الْبَيْتِ
قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَكَانَتْ زُبْدَةً
بَيْضَاءَ عَلَى الْمَاءِ فَدُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ
تَحْتِهَا، فلما أهبط الله آدم إِلَى الْأَرْضِ اسْتَوْحَشَ،
فَشَكَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْبَيْتَ
الْمَعْمُورَ مِنْ يَاقُوتَةٍ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ لَهُ
بَابَانِ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ بَابٌ شَرْقِيٌّ وَبَابٌ
غَرْبِيٌّ، فَوَضَعَهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَقَالَ: يَا
آدَمُ إِنِّي أَهْبَطْتُ لَكَ بَيْتًا تَطُوفُ بِهِ كَمَا
يُطَافُ حول عرشي وتصلّي عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى عِنْدَ
عَرْشِي، وَأَنْزَلَ الْحَجَرَ وَكَانَ أَبْيَضَ فَاسْوَدَّ
مِنْ لَمْسِ الْحُيَّضِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَوَجَّهَ
آدَمُ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ إِلَى مَكَّةَ مَاشِيًا،
وَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا يَدُلُّهُ عَلَى الْبَيْتِ،
فَحَجَّ الْبَيْتَ وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ
تَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالُوا [4] : بَرَّ حَجُّكَ يَا
آدَمُ، لَقَدْ حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ
عَامٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه [5] : حَجَّ
آدَمُ أَرْبَعِينَ حَجَّةً مِنَ الهند إلى
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «أفلاك» .
3 لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مصدرها كتب الأقدمين لا حجة
فيها، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/ 163-
165) ما ملخصه: لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل
عليه السلام اهـ. قلت: بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين،
بأنه أول مسجد وضع، ثم المسجد الأقصى» ، وأن ما بينهما أربعين
عاما، وسيأتي.
(4) في المخطوط «وقالت» .
5 لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مصدرها كتب الأقدمين لا حجة
فيها، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/ 163-
165) ما ملخصه: لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل
عليه السلام اهـ. قلت: بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين،
بأنه أول مسجد وضع، ثم المسجد الأقصى» ، وأن ما بينهما أربعين
عاما، وسيأتي.
(1/166)
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا
مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ
رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
مَكَّةَ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَكَانَ عَلَى
ذَلِكَ إِلَى أَيَّامِ الطُّوفَانِ فَرَفَعَهُ اللَّهُ
تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ
يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم
القيامة، وَبَعَثَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى
خَبَّأَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ
صِيَانَةً لَهُ مِنَ الْغَرَقِ، فَكَانَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ
خَالِيًا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ إِنَّ الله تعالى
أمر إبراهيم بعد ما وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ
بِبِنَاءِ بَيْتٍ يُذْكَرُ فِيهِ، فَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَوْضِعَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ
السِّكِّينَةَ لِتَدُلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَهِيَ
رِيحٌ خَجُوجٌ [1] لَهَا رَأْسَانِ شِبْهَ الْحَيَّةِ،
فَأُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَبْنِيَ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ
السِّكِّينَةُ، فَتَبِعَهَا إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أتيا مكة،
فتطوّقت السكينة على موضع البيت، كتطوّق الجحفة. هَذَا قَوْلُ
عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، وَقَالَ ابن عباس [2] : بعث الله
سَحَابَةً عَلَى قَدْرِ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَتْ تَسِيرُ
وَإِبْرَاهِيمُ يَمْشِي فِي ظِلِّهَا إِلَى أَنْ وَافَقَ
مَكَّةَ، وَوَقَفَتْ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، فَنُودِيَ
مِنْهَا [يا] [3] إبراهيم أن ابن على [قدر] [4] ظِلِّهَا لَا
تَزِدْ وَلَا تَنْقُصْ، وَقِيلَ: أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ
لِيَدُلَّهُ على موضع البيت، فذلك قوله تَعَالَى: وَإِذْ
بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ [الحج: 26] ،
فَبَنَى إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْبَيْتَ، فَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ يَبْنِيهِ وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحَجَرَ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ
الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ، يَعْنِي أُسُسَهُ،
وَاحِدَتُهَا:
قَاعِدَةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: جُدُرُ الْبَيْتِ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا بُنِيَ الْبَيْتُ مِنْ خمسة أجبل طور
سينا وَطُورِ زَيْتَا وَلُبْنَانَ وَهُوَ جَبَلٌ بِالشَّامِ
وَالْجُودِيِّ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، وَبَنَيَا
قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءَ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا
انْتَهَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ، الْأَسْوَدِ،
قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ حَسَنٍ يَكُونُ
لِلنَّاسِ عَلَمًا فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي
بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، فَمَضَى إِسْمَاعِيلُ يَطْلُبُهُ
فَصَاحَ أَبُو قُبَيْسٍ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّ لَكَ عِنْدِي
وَدِيعَةً فَخُذْهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فوضعه
مكانه [الآن] [5] ، وَقِيلَ [6] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
بَنَى فِي السَّمَاءِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ المعمور،
ويسمّى ضراح، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَبْنُوا
الْكَعْبَةَ فِي الْأَرْضِ بِحِيَالِهِ عَلَى قَدْرِهِ
وَمِثَالِهِ، وَقِيلَ [7] : أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ
آدَمُ، وَانْدَرَسَ زَمَنَ الطُّوفَانِ، ثُمَّ أَظْهَرَهُ
اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ حَتَّى بناه، رَبَّنا تَقَبَّلْ
مِنَّا، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: وَيَقُولَانِ: رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا بِنَاءَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ،
لِدُعَائِنَا الْعَلِيمُ: بنياتنا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 128 الى 129]
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا
أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا
إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ
آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ: مُوَحِّدَيْنِ
مُطِيعَيْنِ مُخْلِصَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ: وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنا، أَيْ: أَوْلَادِنَا أُمَّةً: جَمَاعَةً،
وَالْأُمَّةُ: أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، مُسْلِمَةً لَكَ:
خَاضِعَةً لَكَ، وَأَرِنا عَلِّمْنَا وَعَرِّفْنَا، قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ سَاكِنَةَ الرَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو
بِالِاخْتِلَاسِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَوَافَقَ ابْنُ
عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْإِسْكَانِ فِي حم السَّجْدَةِ،
وَأَصْلُهُ: أَرْئِنَا، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا للخفة،
ونقلت حركته إِلَى الرَّاءِ، وَمَنْ سَكَّنَهَا قَالَ:
ذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ فَذَهَبَتْ حَرَكَتُهَا، مَناسِكَنا:
شَرَائِعَ دِينِنَا وَأَعْلَامَ حَجِّنَا، وَقِيلَ: مَوَاضِعَ
حَجِّنَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَذَابِحَنَا، وَالنُّسُكُ:
الذَّبِيحَةُ، وَقِيلَ: مُتَعَبَّدَاتِنَا، وَأَصْلُ
النُّسُكِ: الْعِبَادَةُ، وَالنَّاسِكُ: الْعَابِدُ، فَأَجَابَ
اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمَا فَبَعَثَ جِبْرِيلَ
فَأَرَاهُمَا الْمَنَاسِكَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فَلَمَّا
بَلَغَ عَرَفَاتٍ قَالَ: عَرَفْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ؟ قَالَ:
نَعَمْ، فَسَمَّى الْوَقْتَ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعَ عَرَفَاتٍ.
وَتُبْ عَلَيْنا، تَجَاوَزْ عَنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
__________
(1) في المطبوع وحده «خجول» .
2 انظر الهامش السابق.
3 زيادة عن المخطوط.
4 زيادة عن المخطوط.
5 زيادة عن المخطوط.
6 انظر الهامش السابق. [.....]
7 انظر الهامش السابق.
(1/167)
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ، أَيْ: فِي
الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ ذرية إبراهيم وإسماعيل، وقيل:
في أَهْلِ مَكَّةَ، رَسُولًا مِنْهُمْ، أَيْ: مُرْسَلًا
مِنْهُمْ، أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
«88» حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ
مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْبَلْخِيُّ، أَنَا الْإِمَامُ أَبُو
سُلَيْمَانَ حَمَدُ [1] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْخَطَّابِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ
أَنَا عمي أنا معاوية بن [2] صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ [3] هِلَالٍ
السُّلَمِيِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ:
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمَ
النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ،
وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي: أَنَا دَعْوَةُ
إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي
رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ
أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ» .
وَأَرَادَ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا فَإِنَّهُ دَعَا أَنْ
يَبْعَثَ فِي بَنِي إِسْمَاعِيلَ رَسُولًا مِنْهُمْ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
إِلَّا عَشَرَةً: نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَلُوطٌ
وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ
وَمُحَمَّدٌ صلوات الله عليهم أجمعين. يَتْلُوا: يَقْرَأُ
عَلَيْهِمْ آياتِكَ، كِتَابَكَ يَعْنِي: الْقُرْآنَ،
وَالْآيَةُ مِنَ الْقُرْآنِ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ إِلَى
انْقِطَاعِهِ، وَقِيلَ هِيَ جَمَاعَةُ حُرُوفٍ، يُقَالُ خَرَجَ
الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أَيْ:
بِجَمَاعَتِهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَهْمَ
الْقُرْآنِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ. [و] [4]
قَالَ [ابْنُ] [5] قُتَيْبَةَ: هِيَ الْعِلْمُ والعمل [به] ،
وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ حَكِيمًا حَتَّى يَجْمَعَهُمَا،
وَقِيلَ: هِيَ السُّنَّةُ [6] ، وَقِيلَ: هي [الأحكام و] [7]
القضاء، وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ الْفِقْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرِ
بْنُ دُرَيْدٍ: كُلُّ كَلِمَةٍ وَعَظَتْكَ أَوْ دَعَتْكَ إِلَى
مَكْرُمَةٍ أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حِكْمَةٌ،
وَيُزَكِّيهِمْ، أَيْ: يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ
وَالذُّنُوبِ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ [8]
أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
__________
88- حديث صحيح بشواهده، إسناده ضعيف لضعف ابن أخي ابن وهب،
واسمه أحمد بن عبد الرحمن، وفيه سعيد بن سويد، وثقه ابن حبان،
وترجمه البخاري وأبو حاتم من غير جرح أو تعديل، وقال البزار:
لا بأس به. وشيخه عبد الأعلى، وثقه ابن حبان وحده، وهو مقبول،
ولم ينفرد بهذا المتن كما سيأتي.
وهو في «شرح السنة» 3520 بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (4/ 127- 128) والبخاري في «التاريخ الكبير» (6/
68) وابن حبان 6404 وابن أبي عاصم في «السنة» 409 والبيهقي في
«الدلائل» (1/ 80 و2/ 30) من طرق عن سعيد بن سويد به، وقد صححه
الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في «المجمع» (8/ 223) :
رواه أحمد بأسانيد، وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح، غير سعيد
بن سويد، وقد وثقه ابن حبان.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه الطيالسي 1140 وأحمد (5/
262) وابن سعد (1/ 102) والطبراني 7729 والبيهقي في «الدلائل»
(1/ 84) وإسناده ضعيف لضعف فرج بن فضالة، والسياق لأحمد، وقال
الهيثمي في «المجمع» (8/ 222) : إسناد أحمد حسن.
- وورد عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ نفر من الصحابة
مرفوعا أخرجه الحاكم (2/ 600) والطبري 2075 والبيهقي في
«الدلائل» (1/ 83) وإسناده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في
«البداية» (2/ 275) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن
في أقل تقدير بل هو صحيح، والله أعلم، وانظر «الكشاف» 55
للزمخشري بتخريجي.
(1) في الأصل «أحمد» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» و «كتب
التراجم» .
(2) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.
(3) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.
4 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
5 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(6) زيد في المطبوع وحده عقب السنة «والأحكام» .
(7) زيادة عن المخطوط وط.
(8) العبارة في المخطوط «يأخذ زكاة أموالهم» .
(1/168)
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ
مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ
اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ
لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ
قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)
يَشْهَدُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِالْعَدَالَةِ إِذَا شَهِدُوا لِلْأَنْبِيَاءِ بِالْبَلَاغِ
مِنَ التَّزْكِيَةِ وَهِيَ التَّعْدِيلُ، إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعَزِيزُ:
الَّذِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
الْمُنْتَقِمُ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ
عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ [آلِ عِمْرَانَ: 4] ، وَقِيلَ:
الْمَنِيعُ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي وَلَا يَصِلُ
إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَقِيلَ: الْقَوِيُّ، وَالْعِزَّةُ
الْقُوَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ
فَقالُوا [يس: 14] ، أَيْ: قَوَّيْنَا، وَقِيلَ: الْغَالِبُ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ
[ص: 23] ، أَيْ: غَلَبَنِي، وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ: مَنْ
عَزَّ بَزَّ، أَيْ: مَنْ غَلَبَ سَلَبَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 131]
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ
نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي
الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ
أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131)
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، وَذَلِكَ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ دَعَا ابْنَيْ أَخِيهِ سَلَمَةَ
وَمُهَاجِرًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُمَا: قَدْ
عَلِمْتُمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي
التَّوْرَاةِ: إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ
نَبِيًّا اسْمُهُ أَحْمَدُ فَمَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَى
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ، فَأَسْلَمَ
سَلَمَةُ وَأَبَى مُهَاجِرٌ أَنْ يُسْلِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ،
أَيْ: يَتْرُكُ دِينَهُ وَشَرِيعَتَهُ، يُقَالُ: رَغِبَ فِي
الشَّيْءِ إِذَا أَرَادَهُ، وَرَغِبَ عَنْهُ إِذَا تَرَكَهُ،
وَقَوْلُهُ وَمَنْ: لفظة استفهام ومعناه التَّقْرِيعُ
وَالتَّوْبِيخُ، يَعْنِي: مَا يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: خَسِرَ نَفْسَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ضَلَّ مِنْ
قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَهْلَكَ
نَفْسَهُ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ
جَهَّلَ [1] نَفْسَهُ، وَالسَّفَاهَةُ: الْجَهْلُ وَضَعْفُ
الرَّأْيِ، وَكُلُّ سَفِيهٍ جَاهِلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ
عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ جَهَّلَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ
يَعْرِفْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا، وَقَدْ جَاءَ: مَنْ عَرَفَ
نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ [2] ، وَفِي الْأَخْبَارِ [3]
: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ: اعْرِفْ
نَفْسَكَ وَاعْرِفْنِي، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعْرِفُ
نَفْسِي وَكَيْفَ أَعْرِفُكَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:
اعْرِفْ نَفْسَكَ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ وَالْفَنَاءِ،
وَاعْرِفْنِي بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْبَقَاءِ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَاهُ سَفِهَ في نفسه، ونَفْسَهُ
عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: نَصْبٌ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ،
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: نَصْبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَكَانَ
الْأَصْلُ سَفِهَتْ نَفْسُهُ، فَلَمَّا أَضَافَ الْفِعْلَ
إِلَى صاحبها خرجت النفس مفسّرة لِيَعْلَمَ مَوْضِعَ
السَّفَهِ، كَمَا يُقَالُ: ضقت به ذرعا أو ضَاقَ ذَرْعِي بِهِ،
وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا: اخْتَرْنَاهُ فِي
الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ،
يَعْنِي: مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ
الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ،
تَقْدِيرُهُ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، أَيِ: اسْتَقِمْ عَلَى
الْإِسْلَامِ وَاثْبُتْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
قَالَ لَهُ ذلك حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: أَخْلِصْ دِينَكَ وَعِبَادَتَكَ لِلَّهِ، وقال
عطاء: أسلم نفسك إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفَوِّضْ
أُمُورَكَ إِلَيْهِ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ،
أَيْ: فَوَّضْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ
حَيْثُ لَمْ يَسْتَعِنْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حين ألقي
في النار.
__________
(1) زيد في المخطوط وحده «عمل» .
(2) هو خبر إسرائيلي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
موضوع. انظر «كشف الخفاء» (2/ 262/ 2532) .
(3) في المخطوط- أ- «الخبر» .
(1/169)
وَوَصَّى بِهَا
إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ
يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ
مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
[سورة البقرة (2) : الآيات 132 الى 133]
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ
حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا
تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ
آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ، قَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: و «أوصى» بِالْأَلِفِ، وَكَذَلِكَ
[هُوَ] [1] فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَوَصَّى
مُشَدَّدًا، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ أَنْزَلَ وَنَزَّلَ
مَعْنَاهُ: ووصى إِبْرَاهِيمُ [بَنِيهِ] [2] وَوَصَّى
يَعْقُوبُ بَنِيهِ، قال الكلبي ومقاتل: يعني كَلِمَةُ
الْإِخْلَاصِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ: إِنْ شِئْتَ رَدَدْتَ الْكِنَايَةَ إِلَى
الْمِلَّةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنْ
شِئْتَ رَدَدْتَهَا إِلَى الْوَصِيَّةِ، أَيْ: وَصَّى
إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ الثَّمَانِيَةَ: إِسْمَاعِيلَ وَأُمُّهُ
هَاجَرُ الْقِبْطِيَّةُ وَإِسْحَاقَ وَأُمُّهُ سارة، وستة أمهم
قنطورا بِنْتُ يَقْطَنَ الْكَنْعَانِيَّةُ، تَزَوُّجَهَا
إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ وَفَاةِ سَارَةَ، وَيَعْقُوبُ، سُمِّيَ
بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَالْعِيصُ كَانَا تَوْأَمَيْنِ
فَتَقَدَّمَ عِيصُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ،
وَخَرَجَ يَعْقُوبُ عَلَى أثره آخذه بِعَقِبِهِ، قَالَهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَ يَعْقُوبُ لِكَثْرَةِ عَقِبِهِ،
يَعْنِي وَوَصَّى أَيْضًا يَعْقُوبُ بَنِيهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ
يَا بَنِيَّ، مَعْنَاهُ أَنْ يَا بَنِيَّ: إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفى: اخْتَارَ لَكُمُ الدِّينَ، أَيْ: دِينَ الْإِسْلَامِ،
فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، مُؤْمِنُونَ،
وَقِيلَ: مُخْلِصُونَ، وَقِيلَ:
مُفَوِّضُونَ، وَالنَّهْيُ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَقَعَ
عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا نُهُوا فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ
تَرْكِ الْإِسْلَامِ [3] ، مَعْنَاهُ:
دَاوِمُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يُصَادِفَكُمُ
الْمَوْتُ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَعَنِ الْفُضَيْلِ
بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ قَالَ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، أَيْ: مُحْسِنُونَ بِرَبِّكُمُ
الظَّنَّ.
«89» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَنَا عَلِيُّ
بْنُ الْجَعْدِ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبْلَ مَوْتِهِ [4] بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا
يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ
بِاللَّهِ عزّ وجلّ» .
قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ، يَعْنِي: [أَكُنْتُمْ
شُهَدَاءَ يُرِيدُ] [5] مَا كُنْتُمْ شُهَدَاءَ حُضُورًا إِذْ
حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ، أَيْ: حِينَ قَرُبَ يَعْقُوبُ
مِنَ الْمَوْتِ، قِيلَ [6] : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ
قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم:
__________
89- حديث صحيح. إسناده ضعيف لأجل أبي جعفر الرازي، وهو عيسى بن
أبي عيسى، وقد توبع، وباقي رجال الإسناد ثقات، الأعمش هو
سليمان بن مهران، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع، روى له الشيخان
وهو في «شرح السنة» 1449 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2877 وأبو داود 3113 وابن ماجه 4167 والطيالسي
1779 وأحمد (3/ 293) و330 وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 87) و (8/
221) وابن حبان (636 و638) والبيهقي (3/ 378) من طرق عن جابر
به. [.....]
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع.
(3) العبارة في المخطوط «وإنما هو في الحقيقة على ترك الإسلام»
.
(4) في المخطوط «قبل أن يقبض» والمثبت في نسخ المطبوع وشرح
السنة.
(5) زيد في نسخ المطبوع.
(6) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 69 بدون إسناد، فلا حجة
فيه البتة.
(1/170)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ
خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا
تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقَالُوا
كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)
أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ يَعْقُوبَ يَوْمَ
مَاتَ أَوْصَى بَنِيهِ بِالْيَهُودِيَّةِ فَعَلَى هَذَا
الْقَوْلِ يَكُونُ الْخِطَابُ لِلْيَهُودِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لِمَا دَخَلَ يَعْقُوبُ مِصْرَ رَآهُمْ
يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَالنِّيرَانَ، فَجَمَعَ وَلَدَهُ
وَخَافَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ قالَ
لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا حَتَّى يُخَيِّرَهُ
[1] بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، فَلَمَّا خَيَّرَ يعقوب
قال: يا ربّ أَنْظِرْنِي حَتَّى أَسْأَلَ وَلَدِي
وَأُوصِيَهُمْ، فَفَعَلَ [اللَّهُ] [2] ذَلِكَ بِهِ، فَجَمَعَ
وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ حَضَرَ
أَجَلِي فَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قالُوا نَعْبُدُ
إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ
وَإِسْحاقَ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ عَمًّا لَهُمْ، وَالْعَرَبُ
تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا كَمَا تُسَمِّي الخالة أما.
ع «90» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» .
ع «91» وَقَالَ فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ: «رُدُّوا عَلَيَّ
أَبِي فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا
فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ» ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ. إِلهاً واحِداً نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ
مِنْ قَوْلِهِ: إِلهَكَ، وقيل: نعبد [3] إِلَهًا وَاحِدًا،
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 134 الى 135]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا
كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134)
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ
مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
(135)
تِلْكَ أُمَّةٌ: جَمَاعَةٌ، قَدْ خَلَتْ: مَضَتْ، لَها مَا
كَسَبَتْ: مِنَ العمل، وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [من القول
والعمل]]
وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ، يَعْنِي:
يُسْأَلُ كُلٌّ عَنْ عَمَلِهِ لَا عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ.
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ:
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَوَهْبِ
بْنِ يَهُودَا وَأَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَفِي نصارى
نَجْرَانَ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ وَأَصْحَابِهِمَا، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ خَاصَمُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ كُلُّ
فِرْقَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِدِينِ اللَّهِ،
فَقَالَتِ الْيَهُودُ:
نَبِيُّنَا مُوسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا
التَّوْرَاةُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ
الْأَدْيَانِ، وَكَفَرَتْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ
وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْقُرْآنِ، وَقَالَتِ النصارى نبيّنا [عيسى] [5] أَفْضَلُ
الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا الْإِنْجِيلُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ،
وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ وَكَفَرَتْ [بموسى والتوراة
و] [6] بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ
لِلْمُؤْمِنِينَ كُونُوا عَلَى دِينِنَا فَلَا دِينَ إِلَّا
ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ بَلْ مِلَّةَ
إِبْراهِيمَ، بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ
الْكِسَائِيُّ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ كَأَنَّهُ
يَقُولُ: اتَّبَعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
بَلْ نكون
__________
90- ع صحيح. هو بعض حديث أخرجه البخاري 1468 ومسلم 983 وأبو
داود 1623 والنسائي (5/ 33) وابن حبان 3273 والدارقطني (2/
123) والبغوي 1578 والبيهقي (6/ 164- 165) عن أبي هريرة قال:
بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم عمر على
الصدقة، فقيل: ما منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عَمُّ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ينقم
ابن جميل ... » فذكره.
91- ع مرسل. أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/ 40/ 34) ح 4
عن عكرمة مرسلا، ورجال الإسناد ثقات، وتمامه «دعاهم إلى الله
فقتلوه، أما والله لئن ركبوها لأضر منّها عليهم» فهذا مرسل،
والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث.
(1) في المطبوع «خيره» .
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المطبوع «نعرفه» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) سقط من نسخ المطبوع. [.....]
(1/171)
قُولُوا آمَنَّا
بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ
النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا
بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ
اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَحَذَفَ
عَلَى فَصَارَ مَنْصُوبًا، حَنِيفاً، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ
عِنْدَ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ، وَعِنْدَ نُحَاةِ الْكُوفَةِ
نَصْبٌ عَلَى الْقَطْعِ، أراد به ملة إبراهيم الحنيف، فلما
أسقطت الألف واللام لم تتبع النكرة المعرفة فَانْقَطَعَ مِنْهُ
[1] ، فَنُصِبَ [قَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَنِيفِيَّةُ اتِّبَاعُ
إِبْرَاهِيمَ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي
صَارَ بِهَا إِمَامًا لِلنَّاسِ] [2] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
الْحَنِيفُ الْمَائِلُ عَنِ الْأَدْيَانِ كلها إلا دِينِ
الْإِسْلَامِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَنَفِ وَهُوَ مَيْلٌ
وَعِوَجٌ يَكُونُ فِي الْقَدَمِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: الْحَنِيفُ هُوَ الْحَاجُّ الْمُخْتَتِنُ، وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: إِذَا كَانَ مَعَ الْحَنِيفِ الْمُسْلِمِ فَهُوَ
الْحَاجُّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُسْلِمِ فَهُوَ
الْمُسْلِمُ [3] ، قَالَ قَتَادَةُ: الْحَنِيفِيَّةُ
الْخِتَانُ وَتَحْرِيمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ
وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَإِقَامَةُ
الْمَنَاسِكِ، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ عَلَّمَ
الْمُؤْمِنِينَ طَرِيقَ الإيمان، فقال جلّ ذكره:
[سورة البقرة (2) : الآيات 136 الى 137]
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما
أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما
أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ
آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ
اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، يَعْنِي
الْقُرْآنَ، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ، وَهُوَ عَشْرُ
صُحُفٍ، وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ،
يَعْنِي: أَوْلَادَ يَعْقُوبَ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ سِبْطًا:
وَاحِدُهُمْ: سِبْطٌ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وُلِدَ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَسِبْطُ الرَّجُلِ:
حَافِدُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: سِبْطَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَسْبَاطُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
كَالْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ، مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ،
وَالشُّعُوبِ مِنَ الْعَجَمِ، وَكَانَ فِي الْأَسْبَاطِ
أَنْبِيَاءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ [آل
عمران:
199] ، وَقِيلَ: هُمْ بَنُو يَعْقُوبَ مِنْ صُلْبِهِ صَارُوا
كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءَ. وَما أُوتِيَ مُوسى، يَعْنِي:
التَّوْرَاةَ، وَعِيسى، يَعْنِي: الْإِنْجِيلَ، وَما أُوتِيَ:
أُعْطِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ، أَيْ:
نُؤْمِنُ بِالْكُلِّ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ
فَنُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
«92» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ، أَنَا محمد بن
__________
92- إسناده صحيح. على شرط البخاري.
وهو في «شرح السنة» 125 بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 4485 عن محمد بن
بشار بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4485 و7362 و7542 والنسائي في «الكبرى» 11387
والبيهقي في «الشعب» 5207 من حديث أبي هريرة.
- وفي الباب من حديث أبي نملة عند أبي داود 3644 وعبد الرزاق
20059 وأحمد (4/ 136) وابن حبان 6257 والطبراني في «الكبير»
(22/ 874- 879) والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 380) وابن
الأثير في «أسد الغابة» (6/ 315) والمزي في «تهذيب الكمال» في
ترجمة أبي نملة.
(1) في المخطوط «عنه» .
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المخطوط «المختتن» .
(1/172)
صِبْغَةَ اللَّهِ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ
عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ
رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ
تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ
أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ
بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)
إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كان أهل الكتاب يقرؤون التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ
وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ،
وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ» الْآيَةَ.
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ: بِمَا
آمَنْتُمْ بِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يقرؤها ابن عباس، و (المثل)
صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
[الشورى: 11] ، أَيْ: لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ [1] ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا بِجَمِيعِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ:
أَتَوْا بِإِيمَانٍ كَإِيمَانِكُمْ وَتَوْحِيدٍ
كَتَوْحِيدِكُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا مِثْلَ
مَا أَمِنْتُمْ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مَرْيَمَ: 25] ،
وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا
بِكِتَابِكُمْ كَمَا آمَنْتُمْ بِكِتَابِهِمْ: فَقَدِ
اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ،
أَيْ: فِي خِلَافٍ وَمُنَازَعَةٍ، قَالَهُ [2] ابْنُ عَبَّاسٍ
وعطاء، يقال: شَاقَّ مُشَاقَّةً إِذَا خَالَفَ، كَأَنَّ كُلَّ
وَاحِدٍ آخِذٌ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي [هُودٍ: 89] ،
أَيْ: خِلَافِي، وَقِيلَ: فِي عَدَاوَةٍ، دليله قوله تعالى:
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
[الْأَنْفَالِ: 13] ، أَيْ عَادُوا اللَّهَ فَسَيَكْفِيكَهُمُ
اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَيْ يَكْفِيكَ شَرَّ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى، وَقَدْ كُفِيَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ،
وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُوَ السَّمِيعُ: لأقوالهم،
الْعَلِيمُ بأحوالهم [3] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 138 الى 140]
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي
اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا
وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ
تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ
وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ
أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)
صِبْغَةَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: دِينَ اللَّهِ،
وَإِنَّمَا سَمَّاهُ صِبْغَةً لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُ
الدِّينِ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ، كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُ
الصَّبْغِ عَلَى الثَّوْبِ [4] ، وَقِيلَ: لِأَنَّ
الْمُتَدَيِّنَ يَلْزَمُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ كَالصَّبْغِ
يَلْزَمُ الثَّوْبَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِطْرَةَ اللَّهِ
وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: سُنَّةَ اللَّهِ،
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخِتَانَ لِأَنَّهُ يَصْبُغُ
صَاحِبَهُ بِالدَّمِ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَنَّ
النَّصَارَى إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَأَتَى [5]
عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ غَمَسُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ
أَصْفَرُ، يُقَالُ لَهُ: المعمودية، وَصَبَغُوهُ بِهِ
لِيُطَهِّرُوهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ مَكَانَ الْخِتَانِ، فَإِذَا
فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا
حَقًّا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ لَا
مَا يَفْعَلُهُ النَّصَارَى، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى
الْإِغْرَاءِ، يَعْنِي: الْزَمُوا دِينَ اللَّهِ، قَالَ
الْأَخْفَشُ: هِيَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ،
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً: دِينًا، وَقِيلَ:
تَطْهِيرًا، وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ: مُطِيعُونَ.
قُلْ: يَا مُحَمَّدُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى:
أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي دِينِ اللَّهِ،
والمحاجة:
المجادلة [6] لِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا مِنَّا وَعَلَى ديننا،
وديننا أقدم فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، فَقَالَ
الله: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، وَهُوَ رَبُّنا
وَرَبُّكُمْ، أَيْ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ فِي اللَّهِ
فَإِنَّهُ رَبُّنَا
__________
(1) عبارة المخطوط «ليس كهو شيء» .
(2) في المطبوع «قال» :.
(3) في المخطوط «لأقوالكم- بأحوالكم» .
(4) في المطبوع وحده «أثر الثوب على الصبغ» .
(5) في المطبوع «وفاتت» .
(6) زيد في نسخ المطبوع «في الله» .
(1/173)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ
خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا
تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ
السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ
الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ
شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ
عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ
لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ
اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ
لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)
وَرَبُّكُمْ، وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ
أَعْمالُكُمْ، أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءُ عَمَلِهِ،
فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِاللَّهِ، وَنَحْنُ
لَهُ مُخْلِصُونَ، وَأَنْتُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ، قَالَ سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ: الْإِخْلَاصُ أَنْ يُخْلِصَ الْعَبْدُ دِينَهُ
وَعَمَلَهُ فَلَا يُشْرِكَ بِهِ فِي دِينِهِ وَلَا يُرَائِيَ
بِعَمَلِهِ، قَالَ الفضيل: ترك العمل من أجل [1] النَّاسِ
رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ،
وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ الله منهما.
قال الله تَعَالَى: أَمْ تَقُولُونَ، يَعْنِي: أَتَقُولُونَ
[صيغته] [2] صِيغَةُ اسْتِفْهَامٍ، وَمَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ،
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ
بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي
اللَّهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ
اللَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: يَقُولُ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ
وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ
نَصارى قُلْ: يَا مُحَمَّدُ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِدِينِهِمْ
أَمِ اللَّهُ؟ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا
وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
كَتَمَ: أَخْفَى شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ تعالى، وَهِيَ
عِلْمُهُمْ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ كَانُوا
مُسْلِمِينَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَقٌّ وَرَسُولٌ أَشْهَدَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي
كُتُبِهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 141 الى 143]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا
كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141)
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ
قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ
الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي
كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً
إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ
رَحِيمٌ (143)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا
كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141)
، كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ: الْجُهَّالُ مِنَ
النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ، أي شيء صَرَفَهُمْ وَحَوَّلَهُمْ عَنْ
قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، يَعْنِي: بَيْتَ
الْمَقْدِسِ، وَالْقِبْلَةُ فِعْلَةٌ مِنَ الْمُقَابَلَةِ
نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَمُشْرِكِي مَكَّةَ، طَعَنُوا فِي
تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى مَكَّةَ
فَقَالُوا لِمُشْرِكِي مَكَّةَ: قَدْ تَرَدَّدَ عَلَى
مُحَمَّدٍ أَمْرُهُ فَاشْتَاقَ إِلَى مَوْلِدِهِ وَقَدْ
تَوَجَّهَ نَحْوَ بَلَدِكُمْ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى دِينِكُمْ،
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ: ملكا وَالْخَلْقُ عَبِيدُهُ، يَهْدِي مَنْ
يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، نَزَلَتْ فِي
رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، قَالُوا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَا
تَرَكَ مُحَمَّدٌ قِبْلَتَنَا إِلَّا حَسَدًا وَإِنَّ
قِبْلَتَنَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَقَدْ عَلِمَ
مُحَمَّدٌ أَنَّا عَدْلٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ مُعَاذٌ:
إِنَّا عَلَى حَقٍّ وَعَدْلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً أَيْ [3] : وَهَكَذَا،
وَقِيلَ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، وهي مَرْدُودَةٌ عَلَى
قَوْلِهِ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا [البقرة: 130]
، أَيْ: كَمَا اخْتَرْنَا إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ
واصطفيناهم، كذلك جعلناكم أمة، وَسَطاً، أَيْ: عَدْلًا
خِيَارًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ أَوْسَطُهُمْ
[الْقَلَمِ: 28] ، أَيْ: خَيْرُهُمْ وَأَعْدَلُهُمْ، وَخَيْرُ
الْأَشْيَاءِ أَوْسَطُهَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي
أَهْلَ دِينٍ وَسَطٍ بَيْنِ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ
لِأَنَّهُمَا
__________
(1) في المطبوع «لأجل» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) العبارة في المخطوط، وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً أَيْ:
وَهَكَذَا. وَقِيلَ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، أَيْ كَمَا
اخْتَرْنَا إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ واصطفيناهم كذلك
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ:
وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا [وسطا] أي عدلا وخيارا»
.
(1/174)
مذمومان في الدين.
«93» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، أَنَا أَبُو
الصَّلْتِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِهِ
ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف
الحيطان [1] ، قال: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا
فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ
هَذَا، أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُوُفِّي سَبْعِينَ
أُمَّةً هِيَ آخِرُهَا وَأَخْيَرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى
اللَّهِ تَعَالَى» ، قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ
عَلَى النَّاسِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ
بَلَّغَتْهُمْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِتَكُونُوا
شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ؟ قَالَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاءُ عَلَى مَنْ يَتْرُكُ
الْحَقَّ مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ:
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ
شَهِيداً: مُعَدِّلًا مُزَكِّيًا لَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي
صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ لِكُفَّارِ الْأُمَمِ
الْمَاضِيَةِ: ألم يأتكم نذير؟
فَيُنْكِرُونَ وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا
نَذِيرٍ، فَيَسْأَلُ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ:
كَذَبُوا قَدْ بَلَّغْنَاهُمْ، فَيَسْأَلُهُمُ [2]
الْبَيِّنَةَ- وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ إِقَامَةً لِلْحُجَّةٍ-
فَيُؤْتَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَيَشْهَدُونَ لَهُمْ أنهم بَلَّغُوا فَتَقُولُ
الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ مِنْ أين علموا [ذلك و] [3] إنما
أَتَوْا بَعْدَنَا؟ فَيَسْأَلُ هَذِهِ الْأُمَّةَ
فَيَقُولُونَ:
أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا وَأَنْزَلْتَ عليه كتابا
أخبرتنا فيه بتبليغ الرُّسُلِ وَأَنْتَ صَادِقٌ فِيمَا
أَخْبَرْتَ، ثُمَّ يُؤْتَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْأَلُ عَنْ حَالِ أُمَّتِهِ
فَيُزَكِّيهِمْ وَيَشْهَدُ بِصِدْقِهِمْ.
«94» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أخبرنا
محمد بن إسماعيل [البخاري] ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا أبو أسامة حدثنا الْأَعْمَشُ:
أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ
بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَسْأَلُ أُمَّتَهُ
هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ،
فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ» ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكَذلِكَ
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا
__________
93- إسناده ضعيف لضعف أبي الصلت وعلي بن زيد. أبو الصلت هو عبد
السلام بن صالح الهروي. أبو نضرة هو منذر بن مالك. وصدره إلى
قوله: «في مقامه ذلك» محفوظ حيث أخرجه البخاري 6604 ومسلم 2891
وغيرهما من حديث حذيفة، وله شواهد أخرى راجع الإحسان (15/ 6-
7- 8) بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤط، وأما أثناؤه، فله شواهد
ستأتي في موضعها إن شاء الله، وأما عجزه، فسيأتي تخريجه برقم
428 وهو هناك بالإسناد المذكور هاهنا، ولعجزه شاهد أيضا من
حديث معاوية بن حيدة وهو الآتي برقم 427، والله تعالى أعلم.
[.....]
94- إسناده صحيح، محمد بن إسماعيل هو البخاري إمام فن علم
الحديث. أبو أسامة اسمه حماد بن أسامة، مشهور بكنيته، الأعمش
هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 7349 عن إسحاق
بن منصور بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3339 و4487 و7349 والترمذي بإثر 2961 وابن ماجه
4284 وأحمد (3/ 58) وابن حبان 7216 والطبري 2165 و2166 مختصرا
ومطوّلا كلهم من حديث أبي سعيد الخدري.
(1) الحائط: البستان.
(2) في المطبوع وحده «فيسأل» .
(3) ما بين المعقوفتين في المطبوع «أو» .
(1/175)
شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ
عَلَيْها، أي: تحويلها، يعني عن بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ
مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ
الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلْجَعْلِ مَحْذُوفًا عَلَى
تَقْدِيرِ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ
عَلَيْهَا مَنْسُوخَةً، وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّتِي أَنْتَ
عَلَيْهَا وَهِيَ الْكَعْبَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران: 110] ، أَيْ: أَنْتُمْ، إِلَّا
لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا
مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا لِنَعْلَمَ وَهُوَ عَالِمٌ
بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا قَبْلَ كَوْنِهَا؟ قِيلَ: أَرَادَ
بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ
وَالْعِقَابُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَالِمٌ
بِهِ فِي الْغَيْبِ، إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بما يوجد معناه
لنعلم الْعِلْمَ [1] الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ عَلَيْهِ
الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، وَقِيلَ: إِلَّا لِنَعْلَمَ، أَيْ:
لِنَرَى وَنُمَيِّزَ مَنْ يَتَّبِعُ الرسول في القبلة [التي
أردناها في أزلنا] [2] ، مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ،
فَيَرْتَدُّ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْقِبْلَةَ لَمَّا
حُوِّلَتِ ارْتَدَّ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إلى [دين] [3]
الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالُوا:
رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى دِينِ آبَائِهِ» [4] ، وَقَالَ أَهْلُ
الْمَعَانِي: مَعْنَاهُ إِلَّا لِعِلْمِنَا مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، كَأَنَّهُ
سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ سَبَبٌ
لِهِدَايَةِ قَوْمٍ وَضَلَالَةِ قَوْمٍ، وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ
الِاسْتِقْبَالِ بِمَعْنَى الْمَاضِي، كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ
[الْبَقَرَةِ: 91] ، أَيْ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [5] ؟
وَإِنْ كانَتْ، أي: وقد كانت، أي [6] تولية القبلة، وَقِيلَ:
الْكِتَابَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: إِلَى
الْكَعْبَةِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنْ كَانَتِ
التَّحْوِيلَةُ لَكَبِيرَةً: ثَقِيلَةً شَدِيدَةً، إِلَّا
عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، أَيْ: هَدَاهُمُ اللَّهُ،
قَالَ سيبويه: وَإِنْ تأكيد شبيه باليمين، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ
اللَّامُ فِي جَوَابِهَا، وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ
إِيمانَكُمْ.
ع «95» وَذَلِكَ أَنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَأَصْحَابَهُ
مِنَ الْيَهُودِ، قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَخْبِرُونَا عَنْ
صَلَاتِكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنْ كَانَتْ هُدًى،
فَقَدْ تَحَوَّلْتُمْ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ ضَلَالَةً
فَقَدْ دِنْتُمُ اللَّهَ بِهَا؟ وَمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ
عَلَيْهَا فَقَدْ مَاتَ عَلَى الضَّلَالَةِ، فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: إِنَّمَا الْهُدَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ،
وَالضَّلَالَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، قَالُوا: فَمَا
شَهَادَتُكُمْ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى قِبْلَتِنَا،
وَكَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ إلى الكعبة مِنَ
الْمُسْلِمِينَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، مِنْ بَنِي
النَّجَّارِ وَالْبَرَاءُ بْنُ معرور من بني سلمة، وكانا مِنَ
النُّقَبَاءِ، وَرِجَالٌ آخَرُونَ، فَانْطَلَقَ عشائرهم إلى
__________
(1) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «العمل» .
2 سقط من نسخ المطبوع.
3 سقط من نسخ المطبوع.
(4) لا أصل له بهذا اللفظ، ولم يلتحق باليهودية من المسلمين
أحد، بل ولم يرتد أحد من المسلمين بسبب تحول القبلة، وقد أخرج
الطبري 2210 عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إِلَّا لِنَعْلَمَ
مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى
عَقِبَيْهِ؟ فقال عطاء: يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره. قال ابن
جريج: بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا: مرة هاهنا ومرة
هاهنا اهـ.
ومرسل ابن جريج هذا ليس بشيء، قال أحمد: بعض هذه الأحاديث التي
كان يرسلها ابن جريج، أحاديث موضوعة، كان لا يبالي من أين
يأخذها. راجع «الميزان» (2/ 659) .
(5) في المخطوط «قتلتم» دون «فلم» .
(6) في المطبوع وحده «أو» .
95- ع لم أره مسندا بهذا السياق. وبنحوه أخرج أبو داود 4680
والترمذي 2964 والطيالسي 2673 وأحمد (1/ 295 و304) والدارمي
(1/ 281) والطبري 2224 والحاكم (2/ 269) والطبراني 11729 عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا توجه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، فكيف
الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وإسناده حسن لأجل سماك بن حرب، وقد
توبع.
فقد ورد من حديث البراء بن عازب وفيه: «مَاتَ عَلَى
الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ، وَقُتِلُوا،
فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» أخرجه
البخاري 40 و4486 ومسلم 525 والترمذي 340 وابن ماجه 1010 وأحمد
(4/ 283) وابن حبان 1716، وفي الباب أحاديث.
(1/176)
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً
تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
(144)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَرَفَكَ
[اللَّهُ] [1] إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ
بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ
اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِنَّ اللَّهَ
بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَابْنُ عامر وحفص «لرؤوف» مشبعا
عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ
تَعَالَى عَلَى فَعُولٍ وَفَعِيلٍ، كَالْغَفُورِ وَالشَّكُورِ
[وَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيمِ] [2] وَغَيْرِهَا، وَأَبُو
جَعْفَرٍ يُلِينُ الْهَمْزَةَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالِاخْتِلَاسِ عَلَى وَزْنِ فَعُلٍ، قَالَ جَرِيرٌ:
[تَرَى] [3] لِلْمُسْلِمِينَ عليك حقا ... كفعل الوالد [4]
الرؤوف الرحيم
والرأفة: أشد الرحمة.
[سورة البقرة (2) : آية 144]
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ
بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ، هَذِهِ الْآيَةُ
وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً فِي التِّلَاوَةِ فَهِيَ
مُتَقَدِّمَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّهَا رَأْسُ الْقِصَّةِ،
وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنْ أُمُورِ
الشَّرْعِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ
بِمَكَّةَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المدينة
أمره أَنْ يُصَلِّيَ نَحْوَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى تَصْدِيقِ الْيَهُودِ إِيَّاهُ إِذَا
صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ مَعَ مَا يَجِدُونَ مِنْ نَعْتِهِ
فِي التَّوْرَاةِ، فَصَلَّى بَعْدَ الْهِجْرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ
أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وكان
يجب أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ
قِبْلَةَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلام، ع «96»
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ من أجل الْيَهُودِ
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينِنَا وَيَتَّبِعُ
قِبْلَتَنَا، فَقَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«وَدِدْتُ لَوْ حَوَّلَنِي اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ،
فَإِنَّهَا قِبْلَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»
، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ وَأَنْتَ
كَرِيمٌ عَلَى رَبِّكَ فَسَلْ أَنْتَ رَبَّكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ
الله عزّ وجلّ بمكان، فعرج جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ
جِبْرِيلُ بِمَا يُحِبُّ مِنْ أَمْرِ الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّماءِ.
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً، فَلْنُحَوِّلُنَّكَ إِلَى
قِبْلَةٍ تَرْضاها، أَيْ: تُحِبُّهَا وَتَهْوَاهَا، فَوَلِّ،
أَيْ: حَوِّلْ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أَيْ:
نَحْوَهُ، وَأَرَادَ بِهِ الْكَعْبَةَ، وَالْحَرَامُ:
الْمُحَرَّمُ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ، مِنْ بَرٍّ [أَوْ بَحْرٍ]
[5] شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، عند
الصلاة.
__________
96- ع ضعيف. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (1/ 186) من حديث ابن
عباس، وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف متروك، وقد ذكره الواحدي في
«الوسيط» (1/ 229) و «الأسباب» بإثر 73 فقال: قال المفسرون ...
فذكره.
- وفي الباب من حديث البراء بن عازب عند ابن ماجه 1010.
قال البوصيري في «الزوائد» : حديث البراء صحيح رجاله ثقات اهـ.
وله علة وهي أن الجماعة رووه بغير هذا السياق، وليس فيه جبريل،
ولا مخاطبة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم له،
ولعل الوهن فيه بسبب عنعنة أبي إسحاق السبيعي، فإنه مدلس، وقد
عنعن. وشيخ ابن ماجه وهو علقمة بن عمرو صدوق يغرب.
(1) سقط من المطبوع وحده.
(2) سقط من المخطوط. [.....]
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «الواحد» والمثبت عن «الوسيط» (1/ 228) وديوان
جرير 608.
(5) العبارة في المطبوع «أو نحو» .
(1/177)
«97» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
سمعت ابن عباس قَالَ:.
لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ
حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ
فِي قِبَلِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ» .
«98» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا
زُهَيْرٌ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ
أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَنَّهُ صَلَّى
قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ
عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتَهُ
قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا
صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ
مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ على أهل مسجد وَهُمْ
رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَبْلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ،
وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إذا كان يصلّي قبل بيت
المقدس، وأهل الْكِتَابِ، فِلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ
الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالَ الْبَرَاءُ فِي
حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ
تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ
فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: 143] .
وَكَانَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ فِي رَجَبٍ بَعْدَ زَوَالِ
الشَّمْسِ قَبْلَ قِتَالِ بدر بشهرين.
ع «99» قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
مَسْجِدِ بَنِي سلمة، وقد صلّى بأصحابه
__________
97- إسناده على شرط البخاري، تفرد البخاري بالرواية عن إسحاق
بن نصر البخاري السعدي، ومن فوقه على شرطهما. ابن جريج هو عبد
الملك بن عبد العزيز.
وهو في «شرح السنة» 449 بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 398 عن إسحاق بن
نصر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1330 من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج به.
- وفي الباب من حديث أسامة بن زيد عند مسلم 1330 والنسائي (5/
220- 221) وعبد الرزاق 9056 وابن حبان 3208 والطبري 2257 و2260
والبيهقي (2/ 328) .
98- إسناده صحيح على شرط البخاري. زهير هو ابن معاوية، وأبو
إسحاق هو السبيعي، اسمه عمرو بن عبد الله الهمداني.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 40 عن عمرو بن
خالد بهذا الإسناد وأخرجه البخاري 399 و4486 و4492 و7252 ومسلم
525 والترمذي 340 و2962 والنسائي (2/ 60) وابن ماجه 1010
والطيالسي 719 وابن أبي شيبة (1/ 334) وأحمد 4/ 283 وأبو عوانة
1/ 393 و394 وابن حبان 1716 والدارقطني (1/ 273) والبغوي في
«شرح السنة» 445 والبيهقي (2/ 2) من طرق عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنِ الْبَرَاءِ به.
99- ع ضعيف بهذا اللفظ.
عزاه المصنف لمجاهد وغيره، وإسناده إلى مجاهد في مقدمة الكتاب،
وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، ومع ذلك هو مرسل. وذكره
ابن سعد في «الطبقات» (1/ 186) بقوله: «ويقال: صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم ركعتين ... » فذكره بدون
إسناده.
- وكذا ذكره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 195) بقوله: وذكر غير
واحد من المفسرين أن تحويل القبلة نَزَلَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.... فذكره.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف (1/ 202) : أخرجه الواقدي في
المغازي، ونقله عنه ابن سعد ثم أبو الفتح اليعمري اهـ.
والواقدي متروك الحديث، وهذا المتن بهذا اللفظ منكر ضعيف.
والصحيح ما بعده.
(1/178)
وَلَئِنْ أَتَيْتَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا
قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا
بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ
إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ،
فَتَحَوَّلَ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتَقْبَلَ الْمِيزَابَ [1] ،
وَحَوَّلَ الرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ مَكَانَ
الرِّجَالِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ مَسْجِدَ
الْقِبْلَتَيْنِ.
وَقِيلَ: كَانَ التَّحْوِيلُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَيْنَ
الصَّلَاتَيْنِ، وَأَهْلُ قُبَاءٍ وَصَلَ إِلَيْهِمُ الْخَبَرُ
فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.
«100» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ
أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ
السَّامِرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ قَالَ:
بَيْنَا النَّاسُ بقباء في صلاة الصبح إذا جَاءَهُمْ آتٍ
وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ
قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ
فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ
فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.
فَلَمَّا تَحَوَّلَتِ الْقِبْلَةُ قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا
مُحَمَّدُ مَا هُوَ إِلَّا شَيْءٌ تَبْتَدِعُهُ مِنْ تِلْقَاءِ
نَفْسِكَ فَتَارَةً تُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَتَارَةً إِلَى الْكَعْبَةِ، وَلَوْ ثَبَتَّ عَلَى
قِبْلَتِنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَنَا الَّذِي
نَنْتَظِرُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى:
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ،
يَعْنِي: أَمْرَ الْكَعْبَةِ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، ثُمَّ
هَدَّدَهُمْ فَقَالَ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا
يَعْمَلُونَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ
وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّاءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
يُرِيدُ أَنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ تَطْلُبُونَ
مَرْضَاتِي وَمَا أَنَا بِغَافِلٍ عَنْ ثَوَابِكُمْ [2]
وَجَزَائِكُمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: مَا
أَنَا بِغَافِلٍ عَمَّا يَفْعَلُ الْيَهُودُ فَأُجَازِيهِمْ في
الدنيا وفي الآخرة.
[سورة البقرة (2) : آية 145]
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ
مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ
وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ
إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، قَالُوا:
ائْتِنَا بِآيَةٍ على ما تقول، قال اللَّهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ
أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ:
مُعْجِزَةٍ، مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، يَعْنِي:
الْكَعْبَةَ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما
بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، لِأَنَّ الْيَهُودَ
تَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ الْمَغْرِبُ،
وَالنَّصَارَى تَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ، وَقِبْلَةُ
الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةُ.
«101» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ
بْنُ محمد الجراحي [3] ،
__________
(1) وقع في الأصل «الميزان» والمثبت هو الصواب.
(2) في المخطوط «توليتكم» .
(3) في المطبوع «بن الجراح» بدل «الجراحي» والمثبت عن «شرح
السنة» ووقع في المخطوط «الخزاعي» .
100- إسناده صحيح. أبو مصعب أحد الأئمة الذين رووا الموطأ عن
مالك وهو من فوقه رجال البخاري ومسلم، وهو إسناد كالشمس.
وهو في «شرح السنة» 446 بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 195) عن ابن
دينار به.
وأخرجه البخاري 403 و4488 و4490 و4491 و4494 و7251 ومسلم 526
والنسائي (2/ 61) والشافعي (1/ 64) وابن أبي شيبة (1/ 335)
وأحمد (2/ 16 و26 و105) والدارمي 281 وأبو عوانة (1/ 394) وابن
حبان 1715 والبيهقي (2/ 2 و11) من طرق من حديث ابن عمر.
101- حديث حسن بشواهده وطرقه. إسناده لا بأس به لأجل عبد الله
بن جعفر المخرمي. وباقي رجال الإسناد ثقات.
وهو في «شرح السنة» 447 بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» 344 عن الحسن بن
بكر بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 342 و343 وابن ماجه 1011 من وجه آخر عن أبي
معشر نجيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا بلفظ: «ما بين المشرق والمغرب
قبلة» وعلّقه النسائي (4/ 172) وقال: أبو معشر ضعيف، مع ضعفه
اختلط وعنده مناكير.
وقال الترمذي عقب الروآية الأولى والثانية: أبو معشر اسمه نجيح
قال البخاري: لا أروي عنه شيئا. ثم قال الترمذي: قال البخاري.
وحديث الأخنسي أقوى من حديث أبي معشر وأصح اهـ.
- وحديث الأخنسي في الروآية الثالثة للترمذي.
- وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني (1/ 270) والبيهقي
(2/ 9) وصححه الحاكم (1/ 205) وقال: على شرطهما! وسكت الذهبي!
مع أن فيه شعيب بن أيوب تفرد عنه أبو داود، وهو ثقة، لكنه مدلس
ثم ساقه الحاكم من وجه آخر عن ابن عمر وقال: هذا حديث صحيح وقد
أوفقه جماعة على ابن عمر، ووافقه الذهبي سكوتا.
- وفي «نصب الرآية» (1/ 303) قال الزيلعي: هذا الحديث تكلم فيه
أحمد وقوّاه البخاري. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» 528: قال
أبو زرعة: هذا حديث فيه وهم. بل هو موقوف على ابن عمر اهـ.
قلت: قد ورد من حديث أبي هريرة، من طريقين، أحدهما يقرب من
الحسن بمفرده.
- لذا صححه الألباني في الإرواء (2/ 102) لهذه الطرق، ومع ذلك
لا يبلغ درجة الصحة فهو معلول. بعضهم أعله بالإرسال وبعضهم
أعله بالوقف، وحسبه أن يكون حسنا، وقد ورد عن عمر قوله، أخرجه
مالك (1/ 201) .
(1/179)
الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ
الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ
وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ
مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ
بْنُ بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ
مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن جعفر المخرميّ [1] ،
عَنْ عُثْمَانَ الْأَخْنَسِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما بين المشرق والمغرب [قبلة] [2] »
.
وَأَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَرَادَ
بِالْمُشْرِقِ: مَشْرِقَ الشِّتَاءِ في أقصر يوم من السَّنَةِ،
وَبِالْمَغْرِبِ:
مَغْرِبَ الصَّيْفِ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ،
فَمَنْ جَعَلَ مَغْرِبَ الصَّيْفِ فِي هَذَا الوقت عن [3]
يمينه ومشرق الشتاء عن يَسَارِهِ كَانَ وَجْهُهُ إِلَى
الْقِبْلَةِ. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ: مُرَادَهُمُ،
الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ، مِنْ بَعْدِ مَا
جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، من الْحَقِّ فِي الْقِبْلَةِ، إِنَّكَ
إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 148]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما
يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ
اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يَعْنِي:
مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ
وَأَصْحَابَهُ، يَعْرِفُونَهُ، يَعْنِي: يَعْرِفُونَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما
يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ: مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ، قَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: إِنَّ
اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ
الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ
فَكَيْفَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا
عُمَرُ لَقَدْ عَرَفْتُهُ حِينَ رأيته كما أعرف [4] ابْنِي،
وَمَعْرِفَتِي بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَشَدُّ مِنْ مَعْرِفَتِي بابني، فقال عمر: وكيف ذَلِكَ؟
فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ حَقٌّ مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى، وَقَدْ نَعَتَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِنَا، وَلَا
أَدْرِي مَا تَصْنَعُ النِّسَاءُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ
اللَّهُ يَا ابْنَ سَلَامٍ فَقَدْ صَدَقْتَ [5] ، وَإِنَّ
فَرِيقاً مِنْهُمْ
__________
(1) وقع في الأصل «المخزومي» وكذا في تفسير ابن كثير (1/ 164)
والتصويب من سنن الترمذي و «التقريب» لابن حجر.
و «شرح السنة» .
(2) لفظ «قبلة» في نسخ المطبوع في أول الأثر، والمثبت عن
المخطوط وكتب الحديث وشرح السنة.
(3) في المطبوع «على» . [.....]
(4) في المطبوع «عرفت» .
(5) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 271) ونسبه للثعلبي من
طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس، وإسناده ساقط، لكن
ورد من وجوه أخر واهية.
(1/180)
وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ
عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا
تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ
وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ، يَعْنِي: صِفَةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرَ
الْكَعْبَةِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
ثُمَّ قَالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، أَيْ: هَذَا الْحَقُّ،
خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، وَقِيلَ: رفع بإضمار فعل، أي:
جاء الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ: الشَّاكِّينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
، أَيْ: لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ قِبْلَةٌ، وَالْوِجْهَةُ:
اسْمٌ لِلْمُتَوَجَّهِ إِلَيْهِ، وَمُوَلِّيها
، أي: مستقبلها، ومقبل عليها، يُقَالُ: وَلَّيْتُهُ،
وَوَلَّيْتُ إِلَيْهِ إِذَا أقبلت عليه، وَوَلَّيْتُ عَنْهُ
إِذَا أَدْبَرْتُ عَنْهُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مُوَلِّيهَا
وَجْهَهُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ، يَعْنِي [اللَّهُ تعالى] [1] :
مُوَلِّي الْأُمَمِ إِلَى قِبْلَتِهِمْ، وَقَرَأَ ابن عامر:
«هو مُوَلَّاهَا» ، أَيِ: الْمُسْتَقْبِلُ مَصْرُوفٌ
إِلَيْهَا، اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
، أَيْ: إِلَى الْخَيِّرَاتِ، يُرِيدُ بَادَرُوا
بِالطَّاعَاتِ، وَالْمُرَادُ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى القبول،
يْنَ ما تَكُونُوا
: أنتم وأهل الكتاب، أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
: يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيجزيكم بأعمالكم [إِنْ خَيْرًا
فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فشر] [2] ،نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 149 الى 150]
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ
بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما
كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ
نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) ،
قَرَأَ أبو عمرو بالياء، و [قرأ] [3] الباقون بِالتَّاءِ.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ لِتَأْكِيدِ [4] النَّسْخِ،
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا
الَّذِينَ ظَلَمُوا، اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ
الْآيَةِ، وَوَجْهِ قَوْلِهِ: إِلَّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَاهُ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِذَا تَوَجَّهْتُمْ
إِلَى غَيْرِهَا، فَيَقُولُونَ: لَيْسَتْ لَكُمْ قِبْلَةٌ،
إِلَّا الذين ظلموا [منهم] [5] وهم قُرَيْشٌ وَالْيَهُودُ،
فَأَمَّا قُرَيْشٌ فَتَقُولُ:
رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا
الْحَقُّ وَأَنَّهَا قِبْلَةُ آبَائِهِ، فَكَذَلِكَ يَرْجِعُ
إِلَى دِينِنَا [وما نحن عليه] [6] ، وَأَمَّا الْيَهُودُ،
فَتَقُولُ: لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ
عِلْمِهِ أنه حَقٌّ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِهِ،
وَقَالَ قَوْمٌ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ
حُجَّةٌ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ عَلَى
طَرِيقِ الْمُخَاصَمَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلَاتِهِمْ
إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا
دَرَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قَبِلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ
نَحْنُ، وَقَوْلُهُ:
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وهم مُشْرِكُو مَكَّةَ،
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِمَا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ
[7] إِلَى الْكَعْبَةِ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ تَحَيَّرَ فِي
دِينِهِ وَسَيَعُودُ إِلَى مِلَّتِنَا كَمَا عَادَ إِلَى
قِبْلَتِنَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ
وَقَتَادَةَ، وَعَلَى هَذَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ يَكُونُ
الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا، يَعْنِي: لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ إِلَّا
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) سقط من نسخ المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «لتأييد» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من نسخ المطبوع.
(7) في المطبوع «قبلتهم» .
(1/181)
كَمَا أَرْسَلْنَا
فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ
(152)
مشركو قُرَيْشٍ فَإِنَّهُمْ
يُحَاجُّونَكُمْ فَيُجَادِلُونَكُمْ وَيُخَاصِمُونَكُمْ
بِالْبَاطِلِ وَالظُّلْمِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْبَاطِلِ
يُسَمَّى:
حُجَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشُّورَى: 16] ، وَمَوْضِعُ الَّذِينَ
خَفْضٌ كَأَنَّهُ قَالَ: [سوى] [1] إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا،
قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ الفراء: نصب [على] الاستثناء،
قَوْلُهُ تَعَالَى:
مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هَذَا
اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ
وَلَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا يُجَادِلُونَكُمْ بِالْبَاطِلِ
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ
إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النِّسَاءِ: 157] ، يَعْنِي: لَكِنْ
يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ، فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: مَا لَكَ
عِنْدِي حَقٌّ إِلَّا أَنْ تظلمني، قَالَ أَبُو رَوْقٍ:
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ عَلَيْكُمْ
حُجَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ الْكَعْبَةَ
[قبلة] [2] لإبراهيم، وَوَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ
مُحَمَّدًا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا، فَحَوَّلَهُ اللَّهُ
تَعَالَى إليها لئلا يكون لهم حجة فيقولوا: إِنَّ النَّبِيَّ
الَّذِي نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا وَلَمْ
تُحَوَّلْ أَنْتَ، فَلَمَّا حُوِّلَ إِلَيْهَا ذَهَبَتْ
حُجَّتُهُمْ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ
يَظْلِمُوا فَيَكْتُمُوا مَا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ: قَوْلُهُ [3] إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَلَكِنْ إِلَّا فِي مَوْضِعِ وَاوِ
الْعَطْفِ، يَعْنِي: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَيْضًا لَا يَكُونُ
لَهُمْ حُجَّةٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرِ أَبِيكَ إِلَّا
الْفَرْقَدَانِ
مَعْنَاهُ: وَالْفَرْقَدَانِ أَيْضًا يَتَفَرَّقَانِ،
فَمَعْنَى الْآيَةِ: فَتُوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ- يَعْنِي لليهود- عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ
فَيَقُولُوا: لِمَ تَرَكْتُمُ الْكَعْبَةَ وَهِيَ قِبْلَةُ
إِبْرَاهِيمَ وَأَنْتُمْ عَلَى دِينِهِ وَلَا الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ فَيَقُولُونَ لِمَ تَرَكَ
مُحَمَّدٌ قِبْلَةَ جَدِّهِ وَتَحَوَّلَ عَنْهَا إِلَى
قِبْلَةِ الْيَهُودِ؟ فَلا تَخْشَوْهُمْ: فِي انْصِرَافِكُمْ
إِلَى الْكَعْبَةِ، وَفِي تَظَاهُرِهِمْ عَلَيْكُمْ
بِالْمُجَادَلَةِ، فَإِنِّي وَلِيُّكُمْ أُظْهِرُكُمْ
عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ وَالنُّصْرَةِ، وَاخْشَوْنِي
وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ، [عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ:
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ] [4] ،
وَلِكَيْ أُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِهِدَايَتِي
إِيَّاكُمْ إِلَى قِبْلَةِ إبراهيم، فتتمّ به لكم الملة
الحنيفية، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: تَمَامُ النِّعْمَةِ الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ،
قَالَ سَعِيدُ بن جبير: [و] لا يتم [نعمته] [5] على المسلم إلا
أن يدخل الْجَنَّةَ، وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ: لِكَيْ
تَهْتَدُوا مِنَ الضَّلَالَةِ، وَلَعَلَّ وَعَسَى مِنَ الله
واجب.
[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا
عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
(151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا
تَكْفُرُونِ (152)
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ، هذه الكاف
للتشبيه، تحتاج إلى شيء ترجع إليه، فقال بعضهم: يرجع إِلَى مَا
قَبِلَهَا، مَعْنَاهُ: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رسولا منكم، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
جَرِيرٍ: دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
بِدَعْوَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: رَبَّنا وَاجْعَلْنا
مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ [الْبَقَرَةِ: 128] ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: رَبَّنا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [الْبَقَرَةِ: 129] ،
فَبَعَثَ اللَّهُ الرَّسُولَ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَعَدَ إِجَابَةَ الدعوة الثانية أن
يجعل من [6] ذُرِّيَّتِهِ أُمَّةً مُسْلِمَةً، يَعْنِي: كَمَا
أجبت [7] دعوته ببعث الرسول، كذلك أَجَبْتُ [8] دَعْوَتَهُ
بِأَنْ أَهْدِيَكُمْ لِدِينِهِ وَأَجْعَلَكُمْ مُسْلِمِينَ،
وَأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ بِبَيَانِ شَرَائِعِ
الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ
وَالْكَلْبِيُّ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ
قَوْلُهُ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، معناه:
__________
(1) سقط من المخطوط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «قبله» .
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(5) في المطبوع «نعمة» . [.....]
(6) في المطبوع وحده «في» .
7 في المطبوع «أجيبت» .
8 في المطبوع «أجيبت» .
(1/182)
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا
مِنْكُمْ فَاذْكُرُونِي، وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِأَهْلِ
مَكَّةَ وَالْعَرَبِ، يَعْنِي: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ يَا
مَعْشَرَ الْعَرَبِ رَسُولًا مِنْكُمْ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا،
يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، قِيلَ: الْحِكْمَةُ السُّنَّةُ،
وَقِيلَ: مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ، وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ
تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، من الْأَحْكَامَ وَشَرَائِعَ
الْإِسْلَامِ.
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أذكركم بمعونتي، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ:
[اذْكُرُونِي بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وقيل] [1] : اذْكُرُونِي
فِي النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ أَذْكُرْكُمْ في الشدّة والبلاء،
بيانه: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
[الصَّافَّاتِ: 144] .
«102» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ
بْنُ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا
مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ
ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ
ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ منه، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ
شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنَّ تَقَرَّبَ
إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعَا، وَمَنْ
أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» .
«103» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاضِي، وَثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ
مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا مُنْذِرُ بْنُ زياد عن
صخر بن
__________
102- إسناده على شرط البخاري ومسلم. عمر بن حفص هو ابن غياث من
رجال البخاري ومسلم، وكذا من فوقه، الأعمش هو سليمان بن مهران،
وأبو صالح اسمه ذكوان مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 1244 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 7405 عن عمر بن
حفص بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري 7505 و7537 مختصرا ومسلم
2675 والترمذي 3603 وابن ماجه 3822 وأحمد (2/ 251 و413 و516
و534) وابن خزيمة في «التوحيد» (ص 7) وابن حبان 811 والبيهقي
في «الشعب» 550 وفي «الأسماء والصفات» من طريق أَبِي صَالِحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
103- أصل المتن محفوظ.
إسناده ضعيف جدا. فيه منذر بن زياد الطائي، وهو متروك الحديث،
وكذبه الفلاس. وقد ساق هذا الحديث بسياق غريب.
وورد بنحوه أخرجه عَبْدِ الرَّزَّاقِ (20575) عَنْ مَعْمَرٍ
عَنْ قتادة عن أنس مرفوعا ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (3/
138) والبيهقي في «الأسماء والصفات» 625 والبغوي في «شرح
السنة» 1243 وصححه.
- وأخرجه البخاري (7536) والطيالسي (2012) وأحمد (3/ 124) و
(127 و230) و (272) وأبو يعلى (3180) من طريق شُعْبَةُ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ به مختصرا، وكذا أخرجه البيهقي في
«الأسماء والصفات» (960) ولفظ البخاري «إذا تقرب إليّ العبد
شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا
تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة» هذا
لفظ البخاري بحروفه.
(1) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وحده، ومع ذلك هو الصواب
كما يدل عليه سياق الطبري 2318 والوسيط للواحدي (1/ 234) .
(1/183)
جُوَيْرِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنْسٍ
[بن مالك] [1] قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدَ
أَنَامِلِي هَذِهِ الْعَشْرِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ
ذَكَرَتْنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي وَإِنْ
ذَكَرَتْنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ خير منه [2] ،
وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا دَنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا
وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا
وَإِنْ مَشَيْتَ إِلَيَّ هَرْوَلْتُ إِلَيْكَ، وَإِنْ
هَرْوَلْتَ إِلَيَّ سَعَيْتُ إِلَيْكَ، وَإِنْ سَأَلْتَنِي
أَعْطَيْتُكَ، وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْنِي غَضِبْتُ عَلَيْكَ» .
«104» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن عبيد اللَّهِ
أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن
عبيد الله [3] ، عَنْ أُمِّ [4] الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي
وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» .
«105» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو
الْقَاسِمِ البغوي أخبرنا علي بن
__________
104- حديث حسن صحيح. إسناده ضعيف لضعف يحيى بن عبيد الله، وهو
ابن الضحاك الحراني ابن امرأة الأوزاعي، لكن لم يتفرد به حيث
تابعه غير واحد.
أم الدرداء هي الصغرى اسمها هجيمة، ثقة في عداد التابعين.
هو في «شرح السنة» (1235) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (3792) وأحمد (2/ 540) والحاكم (1/ 496) من
طريقين عن الأوزاعي بهذا الإسناد، وصححه الحاكم، ووافقه
الذهبي.
- وأخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص 87) من طريق ابن
جابر والأوزاعي قالا: حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة عن
أبي هريرة به.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 510 من طريق ابن جابر يقول: حدثني
إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة بنت الحسحاس المزنية أنها قالت:
حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه- يعني أم الدرداء.
- قال:.... فذكره. وأخرجه البيهقي 509 من وجه آخر عن إسماعيل
بن عبيد الله بالإسناد المتقدم.
الخلاصة: روي من عدة طرق عن الأوزاعي، والأوزاعي فمن فوقه رجال
البخاري ومسلم، فهو حديث حسن أو صحيح. والله أعلم.
105- حديث صحيح. إسناده حسن، إسماعيل بن عياش حسن الحديث في
روايته عن أهل بلده، وهذا منها. فإن شيخه شامي، ولم ينفرد به
بل تابعه غير واحد.
وهو في «شرح السنة» 1238 بهذا الإسناد.
أخرجه الترمذي 3375 وابن ماجه 3793 وأحمد (4/ 190) وابن حبان
814 والحاكم (1/ 495) من طريق معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس
به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، واستغربه الترمذي ومعاوية بن
قيس، صدوق له أوهام وقد خرج له مسلم، وشيخه ثقة.
وأخرجه أحمد (4/ 188) من طريق علي بن عياش عن حسان بن نوح عن
عمرو بن قيس به.
- وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عن ابن السني في «اليوم
والليلة» 2 وابن حبان 818 والطبراني في «الكبير» (20/ 93 و107
و108) من طرق.
وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطئ،
وقال الهيثمي في «المجمع» (10/ 74) : رواه الطبراني بأسانيد،
وفي هذه الطريق خالد بن يزيد عبد الرحمن بن أبي مالك، ضعفه
جماعة، ووثقه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله ثقات. ورواه البزار
من غير طريقه، وإسناده حسن اهـ.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وقد صححه الشيخ
شعيب في «الإحسان» والله الموفق.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «منهم» .
(3) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من كتب الحديث وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «أبي» والمثبت من «ط» ومن «شرح السنة» .
(1/184)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا
لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ
وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ
مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)
الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَيَّاشٍ [1] ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ
السَّكُونِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ [2] المازني
قَالَ:
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ
الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا
وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ،
يَعْنِي: وَاشْكُرُوا لِي بِالطَّاعَةِ وَلَا تَكْفُرُونِي
بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَقَدْ
شَكَرَهُ وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ كَفَرَهُ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 154]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا
تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ
أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ (153) : بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ.
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ،
نَزَلَتْ فِي قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا
أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، سِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ
لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مَاتَ فَلَانٌ وَذَهَبَ
عَنْهُ نَعِيمُ الدُّنْيَا وَلَذَّتُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أَمْواتٌ [أي هم أَمْوَاتٌ] [3] ، بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا
تَشْعُرُونَ كَمَا قَالَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً
بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) [آلِ
عِمْرَانَ: 169] ، قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الشُّهَدَاءَ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى تُعْرَضُ أَرْزَاقُهُمْ
عَلَى أَرْوَاحِهِمْ فَيَصِلُ إِلَيْهِمُ الرَّوْحُ
وَالْفَرَحُ، كَمَا تُعْرَضُ النَّارُ عَلَى أَرْوَاحِ آلِ
فِرْعَوْنَ غُدْوَةً وعشية، فيصل إليهم الوجع.
[سورة البقرة (2) : الآيات 155 الى 156]
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ
(156)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ، أَيْ:
وَلَنَخْتَبِرَنَّكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّامُ:
لِجَوَابِ القسم [المحذوف] [4] ، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ
لِنَبْلُوَنَّكُمْ، وَالِابْتِلَاءُ [مِنَ اللَّهِ] [5]
لِإِظْهَارِ الْمُطِيعِ مِنَ الْعَاصِي، لَا لِيَعْلَمَ
شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عالما به، بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي خَوْفَ الْعَدُوِّ، وَالْجُوعِ،
يَعْنِي: الْقَحْطَ، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ:
بِالْخُسْرَانِ وَالْهَلَاكِ، وَالْأَنْفُسِ، يَعْنِي:
بِالْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، وَقِيلَ: بِالْمَرَضِ وَالشَّيْبِ
[6] ، وَالثَّمَراتِ، يَعْنِي: بالجوائح فِي الثِّمَارِ،
وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْخَوْفُ خَوْفُ
اللَّهِ تعالى، والجوع
__________
(1) وقع في الأصل «عباس» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «بشير» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
[.....]
(3) سقط من نسخ المطبوع.
(4) زيد في نسخ المطبوع.
5 في المخطوط «والتشتيت» .
6 في المخطوط «والتشتيت» .
(1/185)
صِيَامُ رَمَضَانَ، وَنَقْصٌ مِنَ
الْأَمْوَالِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ،
وَالْأَنْفُسُ الْأَمْرَاضُ، وَالثَّمَرَاتُ مَوْتُ
الْأَوْلَادِ، لِأَنَّ وَلَدُ الرَّجُلِ ثَمَرَةُ قَلْبِهِ.
«106» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ
الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ،
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا
وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلَانِيُّ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ،
فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي
فَقَالَ: أَلَا أبشرك؟ حدثني الضحاك [بن عبد الرحمن بن
عَرْزَبٍ] [1] عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا مَاتَ ولد العبد قال الله لِمَلَائِكَتِهِ:
أَقَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
أَقَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالُوا: اسْتَرْجَعَ وَحَمِدَكَ،
قَالَ: ابْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ
الْحَمْدِ» .
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ: عَلَى الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا،
ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ:
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ:
عَبِيدًا وَمِلْكًا، وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ: فِي
الْآخِرَةِ.
«107» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ [أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ،
أَخْبَرَنَا مُحَاضِرُ بْنُ المورّع [2] أخبرنا [سعد بن] [3]
سعيد عن
__________
106- إسناده ضعيف، أبو سنان هو عيسى بن سنان القسملي
الفلسطيني، ضعفه ابن معين وأحمد وغيرهما، ولينه الذهبي، وشيخه
أبو طلحة الخولاني شبه مجهول، وثقه ابن حبان وحده، وقال عنه
الحافظ: مقبول. أي حيث يتابع. ولم أجد من تابعه.
وهو في «شرح السنة» 1543 بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 1021 والطيالسي 508 وأحمد (4/ 415) ونعيم بن
حماد في «زوائد الزهد» 108 وابن حبان 2948 من طريق حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سنان به.
(1) وقع في الأصل «عن عروة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب
التخريج.
107- إسناده صحيح على شرط مسلم، مولى أم سلمة هو ابن سفينة،
كذا سماه مسلم وغيره. وقال الحافظ في التقريب:
جزم ابن منده بأنه عمر اهـ. أي عمر بن سفينة.
- وهو في «شرح السنة» 1456 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 918 وأحمد (6/ 309) والبيهقي في «الشعب» 9697 من
طريق سعد بن سعيد عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أفلح عن ابن
سفينة مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سلمة به.
- والحديث ورد من طرق كثيرة. فقد أخرجه أبو داود 3119 والنسائي
في «عمل اليوم والليلة» 1072 وابن سعد في «الطبقات» (8/ 89-
90) وأحمد (6/ 313) والطبراني (13/ 506 و507) من طريق حَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البناني عن ابن عُمَرَ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أبيه عن أم سلمة به.
وابن عمر بن أبي سلمة وثقه ابن حبان وقال الحافظ في «التقريب»
: مقبول.
- وأخرجه أحمد (4/ 27- 28) من طريق يزيد بن عبد الله بن أسامة
بن الهاد عن عمر بن أبي عمرو عن المطلب عن أم سلمة عن أبي سلمة
به.
وهذا إسناد قوي رجاله ثقات.
(2) وقع في الأصل «الموزع» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و
«التقريب» .
(3) ما بين المعقوفتين مستدرك من «صحيح مسلم» ومن «ط» ومن «شرح
السنة» .
(1/186)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُهْتَدُونَ (157)
عُمَرَ [1] بْنِ كَثِيرِ بْنِ [2] أَفْلَحَ
أَخْبَرَنَا مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا
قَالَتْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ عَبْدًا فَيَقُولُ:
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ
أَجِرنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخَلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا
آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا
منها» ، قالت [3] : فلما تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ عَزَمَ
اللَّهُ لِي فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي
وَاخَلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، [قالت] [4] :
فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ فِي
الْمُصِيبَةِ مَا أُعْطِيَ هَذِهِ الْأُمَّةُ، يَعْنِي:
الِاسْتِرْجَاعَ، وَلَوْ أُعْطِيَهَا أَحَدٌ لَأُعْطِيَهَا
يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السلام، ألا تسمع إلى قوله تَعَالَى فِي
قِصَّةِ [5] يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف: 84] .
[سورة البقرة (2) : آية 157]
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
أُولئِكَ: أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ: عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، صَلَوَاتٌ: أَيْ: رَحْمَةٌ، فَإِنَّ
الصَّلَاةَ مِنَ الله رحمة [6] ، و «رحمة» ذكرها الله تأكيدا،
وجمع [7] الصَّلَوَاتِ، أَيْ رَحْمَةٌ [بَعْدَ رَحْمَةٍ] [8] ،
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ: إِلَى الِاسْتِرْجَاعِ،
وَقِيلَ: إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَقِيلَ: إِلَى
الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
نِعْمَ الْعَدْلَانِ وَنِعْمَتِ الْعِلَاوَةُ فَالْعَدْلَانِ:
الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ، وَالْعِلَاوَةُ الْهِدَايَةُ،
وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلَاءِ
وَأَجْرِ الصَّابِرِينَ، مِنْهَا مَا:
«108» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ
أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ
أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ [9] سَعِيدَ [10]
بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خيرا يصب منه» .
«109» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
__________
108- إسناده صحيح. مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد
الرحمن تفرد عنه البخاري دون مسلم.
وهو في «شرح السنة» 1414 بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 941) عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 5645 والنسائي في «الكبرى» 7478
وأحمد (2/ 237) وابن حبان 2907 والقضاعي في «الشهاب» 344.
109- إسناده صحيح على شرط البخاري.
(1) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب من كتب التخريج.
(2) وقع في الأصل «أنا أفلح» والتصويب من «صحيح مسلم» وكتب
التراجم.
(3) في المطبوع «أم سلمة» . [.....]
(4) سقط من المطبوع.
(5) زيد في المطبوع وحده «فقد» .
(6) في المطبوع «الرحمة والرحمة» .
(7) في المطبوع وط «وجميع» والمثبت عن المخطوط والوسيط.
(8) سقط من المطبوع.
(9) وقع في الأصل «الحبال» والتصويب من كتب التراجم وكتب
التخريج.
(10) في الأصل «سعد» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» ومصادر
التخريج.
(1/187)
يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو [1] أَخْبَرَنَا
زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ [2] وَلَا
هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى
الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
خَطَايَاهُ» .
«110» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجُوَيْهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبِيدٍ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ [3] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَشْفِيَنِي، قَالَ: «إِنْ
شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكِ وَإِنْ شِئْتِ
فَاصْبِرِي وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ» ، قَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ
وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ.
«111» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بن
عبد الرحمن [بن
__________
- وهو في «شرح السنة» 1415 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» (5641 و5642) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (2/ 303) و (3/ 18 و48) وابن حبان 2905 من طريق
زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن عمرو بن حلحلة به.
وقد توبع مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، فقد أخرجه
مسلم 2573 والبيهقي (3/ 373) من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن
عطاء بن يسار به.
وأخرجه الترمذي 966 وأحمد (3/ 4) و (61 و81) من حديث أبي سعيد
الخدري. فقط ليس فيه ذكر أبي هريرة، وفي الباب من حديث عائشة
أخرجه البخاري 5640 ومسلم 2572.
(1) وقع في الأصل «عمر» والتصويب من كتب التراجم.
(2) الوصب: المرض وقيل: المرض اللازم- والنصب: التعب.
(3) اللمم: طرف من الجنون يلم بالإنسان أي: يقرب منه ويعتريه.
110- إسناده حسن، رجاله ثقات معروفون، سوى محمد بن عمرو وهو
حسن الحديث كما قال الذهبي رحمه الله في «الميزان» (3/ 673)
خرج له البخاري ومسلم متابعة، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن
عوف، قيل اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، روى له الشيخان.
هو في «شرح السنة» 1418 بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (2/ 441) وابن حبان 2909 من طريق محمد بن عبيد عن
محمد بن عمرو.
وأخرجه البزار 772 من طريق عمرو بن خليفة عن محمد بن عمرو به.
وأخرجه الحاكم (4/ 218) من طريق عبد العزيز بن مسلم عن محمد بن
عمرو به وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في «المجمع» (2/ 307) : رواه البزار وإسناده حسن
اهـ. قلت: ومداره على محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، وهو صدوق
له أوهام كما في «التقريب» وهو حسن الحديث كما قال الذهبي آنفا
والله أعلم.
111- حديث حسن. إسناده ضعيف، لأجل يحيى بن عبد الحميد الحماني
وهو متهم بسرقة الحديث. ما روى له أحد من الأئمة الستة، حيث لم
يذكره الذهبي في «الكاشف» ، وذكره في «الميزان» و «المغني» و
«ديوان الضعفاء» ، ولم يذكر له راو من الأئمة الستة، وإنما
ذكره مسلم في صحيحه (2/ 155) ، ولم يخرج له، فوقع في «التقريب»
[رم-، ولم ينفرد به، حيث تابعه غير واحد.
وهو في شرح السنة 1428 بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 2398 وابن ماجه 4023 وأحمد (1/ 185) وابن حبان
2901 والحاكم (1/ 41) من طرق عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة
به. وعاصم حسن الحديث.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
وأخرجه أحمد (1/ 172 و173 و180) والدارمي (2/ 320) والحاكم (1/
41) والبيهقي (3/ 372) عن عاصم به ولصدره شواهد كثيرة، وكذا
لعجزه شواهد، وأما أثناؤه فهو حسن إن شاء الله تعالى، والله
أعلم. وانظر الحديث 114.
(1/188)
مُحَمَّدِ بْنِ علي بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
مُحَمَّدِ] [1] بْنِ أَبِي نِزَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مَنْصُورٍ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ النَّضْرَوِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ
عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ
مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ
وَالْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يَبْتَلِي اللَّهُ الرَّجُلَ
عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا
ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ
رِقَّةٌ هُوِّنَ عَلَيْهِ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى
يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وما له ذَنْبٍ» .
«112» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ،
عن سعد [2] بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ
قَالَ: «إِنَّ عظم الجزاء [3] مع عظم البلاء، وإنّ اللَّهَ
إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِي فَلَهُ
الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» .
«113» أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ
الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا
يَزِيدُ [4] بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو
عَنْ [5] أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة قال:
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» 1428. [.....]
(2) في الأصل «سعيد» والتصويب عن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
(3) زيد في المطبوع «عند الله» والصواب ما في المخطوط وشرح
السنة.
(4) وقع في الأصل «زيد» والتصويب من كتب التراجم والتخريج.
(5) في الأصل «وعن» والتصويب من كتب التخريج.
112- إسناده ضعيف لأجل سعد بن سنان، ويقال: سنان بن سعد. ضعفه
الدارقطني، وقال النسائي: منكر الحديث. وقال الجوزجاني أحاديثه
واهية. ونقل ابن القطان أن أحمد يوثقه.
- وهو في «شرح السنة» 1429 بهذا الإسناد، وأخرجه الترمذي 2396
وابن ماجه 4031 والقضاعي 1121 من طريق الليث بن سعد عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه اهـ.
ولفظ «فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابتلاهم» له
شواهد كثيرة منها ما أخرجه أبو يعلى 4222 من طريق مجاهد بن
موسى الختّليّ عن السهمي عن سليمان الحضرمي به مختصرا،
والحضرمي لا يعرف وله شواهد أخرى، وأما صدره وعجزه، فلم أجده
عند غيره، والله أعلم.
113- حديث جيد. إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو، وباقي الإسناد
ثقات.
- وهو في «شرح السنة» 1430 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2399 وأحمد (2/ 287) و450 وابن حبان 2913
و2924 والحاكم (1/ 346) والبغوي 1436 من طرق عن محمد بن عمرو
عن أبي سلمة عن أبي هريرة به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي،
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
وأخرجه مالك (1/ 236) بلاغا عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي
هريرة مرفوعا به، وهذا وإن كان منقطعا، إلا أنه يشهد لما قبله،
لاختلاف مخرجه، فالحديث يرقى إلى الجودة، والله أعلم.
(1/189)
إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ
بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ
عَلِيمٌ (158)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ
وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى
يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ» .
«114» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو [عَلِيٍّ]
[1] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ
ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ
تُفِيئُهُ [2] ، وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ
الْبَلَاءُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأرز
لَا تَهْتَزُّ [3] حَتَّى تُسْتَحْصَدَ» .
«115» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْعِيزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عُمَرَ
[4] بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا
لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَ،
وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهَ وَصَبَرَ،
فَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ حَتَّى يُؤْجَرَ
فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امرأته» .
[سورة البقرة (2) : آية 158]
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ
حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ
يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ
شاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
__________
114- إسناده صحيح. أحمد بن منصور الرمادي فمن دونه ثقات. وقد
توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. معمر هو ابن راشد،
والزهري هو محمد بن مسلم وابن المسيب هو سعيد.
- وهو في «شرح السنة» 1431 بهذا الإسناد.
و «مصنف عبد الرزاق» 20307 عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2809 والترمذي 2866 وأحمد (2/ 283- 284) وابن حبان
2915 والبغوي 1437 من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5644 و7466 وأحمد (2/ 523) من طريق آخر عن
أبي هريرة بنحوه.
- وله شاهد من حديث كعب بن مالك أخرجه البخاري 5643 ومسلم 2810
والدارمي (2/ 310) والرامهرمزي في «الأمثال» 37.
(1) ما بين المعقوفتين مستدرك من «ط» ومن «شرح السنة» .
(2) تفيئه: تميله.
(3) في المطبوع وحده «تهتم» .
(4) في الأصل «عمرو» والتصويب عن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
115- إسناده صحيح. العيزار بن حريث، من رجال مسلم، وباقي
الإسناد على شرطهما، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السّبيعي.
- هو في «شرح السنة» 1534 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20310 عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي 211 وعبد الرزاق في «المصنف» 20310 وأحمد (1/
173) و (177 و182) والطبراني في «الأوسط» 6119 والبيهقي (3/
375) و (376) من طريق عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص عن
أبيه.
- وقال الهيثمي في «المجمع» (7/ 209) : رواه أحمد بأسانيد،
ورجالها رجال الصحيح- وقال في موضع آخر (10/ 95) : رواه أحمد
بأسانيد والطبراني في «الأوسط» والبزار وأسانيد أحمد رجالها
رجال الصحيح، وكذلك بعض أسانيد البزار اهـ.
(1/190)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، الصَّفَا جَمْعُ:
صَفَاةٍ، وَهِي الصَّخْرَةُ الصُّلْبَةُ الْمَلْسَاءُ، يقال
صفاة وصفى، مِثْلَ: حَصَاةٌ وَحَصَى وَنَوَاةٌ وَنَوَى،
وَالْمَرْوَةُ: الْحَجَرُ الرَّخْوُ، وَجَمْعُهَا: مَرَوَاتٌ،
وَجَمْعُ الْكَثِيرِ: مَرْوٌ، مِثْلَ: تَمْرَةٍ وَتَمَرَاتٍ
وَتَمْرٌ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِمَا الْجَبَلَيْنِ
الْمَعْرُوفَيْنِ بِمَكَّةَ فِي طَرَفَيِ الْمَسْعَى،
وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ فِيهِمَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ،
وَشَعَائِرُ اللَّهِ أَعْلَامُ دِينِهِ، أَصْلُهَا مِنَ
الْإِشْعَارِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ،
وَكُلُّ مَا كَانَ مَعْلَمًا لِقُرْبَانٍ [1] يُتَقَرَّبُ بِهِ
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَذَبِيحَةٍ
فَهُوَ شَعِيرَةٌ، فَالْمَطَافُ وَالْمَوْقِفُ والمنحر [2]
كلها شعائر لله [3] وَمِثْلُهَا الْمَشَاعِرُ، وَالْمُرَادُ
بِالشَّعَائِرِ [4] هَاهُنَا: الْمَنَاسِكُ الَّتِي جَعَلَهَا
اللَّهُ أَعْلَامًا لِطَاعَتِهِ فَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ
مِنْهَا حَتَّى يُطَافَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَمَنْ حَجَّ
الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ، فَالْحَجُّ فِي اللُّغَةِ:
الْقَصْدُ، وَالْعُمْرَةُ: الزِّيَارَةُ، وَفِي الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ الْمَشْرُوعَيْنِ: قَصْدٌ وَزِيَارَةٌ، فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ، أَيْ: لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ
جَنَحَ، أَيْ: مَالَ عَنِ الْقَصْدِ، أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما،
أَيْ: يَدُورَ بِهِمَا، وَأَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ أُدْغِمَتِ
التَّاءُ فِي الطَّاءِ. وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ
أَنَّهُ كَانَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ صَنَمَانِ أَسَافُ
وَنَائِلَةُ، وَكَانَ أَسَافُ عَلَى الصَّفَا وَنَائِلَةُ
عَلَى الْمَرْوَةِ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِلصَّنَمَيْنِ
وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِمَا [5] ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ
وَكُسِرَتِ الْأَصْنَامُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَحَرَّجُونَ
عَنِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَجْلِ
الصَّنَمَيْنِ، فَأَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ
مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي
حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ
إِلَى وُجُوبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ
وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ
تَطَوُّعٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ
سَيْرَيْنِ وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ
وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ دَمٌ، وَاحْتَجَّ
مَنْ أَوْجَبَهُ بِمَا:
«116» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَحْمَدَ الخلال، أخبرنا أبو
__________
116- حديث حسن. إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمّل، لكن لم
ينفرد به، تابعه غير واحد كما سيأتي، وباقي رجال الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» 1914 بهذا الإسناد.
- وفي «مسند الشافعي» (1/ 351- 352) عن عبد الله بن المؤمل
بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (6/ 421) والدارقطني (2/ 256) والحاكم (4/ 70)
والطبراني (24/ 225- 227) والبيهقي (5/ 98) من حديث حبيبة بنت
أبي تجراة، وإسناده ضعيف، لضعف عبد الله بن مؤمل سكت عليه
الحاكم. وقال الذهبي: لم يصح.
وضعّف إسناده ابن حجر في «تخريج الكشاف» (1/ 209) وقال الزيلعي
في «نصب الراية» (3/ 55) : ورواه إسحاق وابن عدي، وأعله ابن
عدي بابن مؤمل، ونقل عن أحمد وابن معين والنسائي تضعيفه. وقال
ابن القطان: قد اضطرب فيه ابن المؤمل اضطرابا كثيرا، وذلك دليل
على سوء حفظه، وقلة ضبطه اهـ. ملخصا.
- وله شاهد من حديث صفية بنت شيبة أخرجه الطبراني في «الكبير»
(24/ 323) وإسناده ضعيف فيه المثنى بن الصباح ضعيف وفيه إرسال
أيضا.
- وورد عن صفية بنت شيبة عن امرأة أخبرتها ... أخرجه أحمد (6/
437) ، وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي، وبه أعله
الهيثمي في «المجمع» (3/ 248/ 5523) وجهالة الصحابي لا تضر.
(1) في المطبوع «لقربات» . [.....]
(2) في المطبوع «والنحر» .
(3) سقط لفظ الجلالة من المخطوط. وهو في- ط- «الله» .
(4) في المطبوع «بالمشاعر» .
(5) في المخطوط والوسيط «يمسحونهما» .
(1/191)
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ
أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
المؤمل [1] الْعَائِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ [2] ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ:
أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أَبِي تِجْرَاةَ اسْمُهَا حَبِيبَةُ
إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. قَالَتْ:
دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي
حُسَيْنٍ نَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ
لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، حَتَّى لَأَقُولُ: إِنِّي
لِأَرَى رُكْبَتَيْهِ [3] ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اسْعَوْا
فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» .
«117» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [4] مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو
مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ:
قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما،
فَمَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا،
قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ،
كَانَتْ: فَلَا جَنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا،
إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا
يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ [5] ،
وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ [6] أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ
__________
- وقد توبع فقد أخرجه الطبراني (24/ 206- 207) عن صفية عن
تملّك العبدرية، وإسناده ضعيف لضعف المثنى بن الصباح وقال
الهيثمي 5522: وثقه يحيى في رواية، وضعفه جماعة، وله علة
ثانية: وهي مهران بن أبي عمر، قال الزيلعي في «نصب الراية» (3/
56- 57) : قال البخاري: في حديثه اضطراب، وللحديث طريق حسن،
أخرجه الدارقطني (2/ 255) والبيهقي (5/ 97) كلاهما عن ابن
المبارك أخبرني معروف بن مشكان. قال: أخبرني منصور بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صفية قالت: أخبرني نسوة من بني عبد
الدار اللاتي أدركن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم ... الحديث. قال الزيلعي (3/ 56) : قال صاحب «التنقيح» -
ابن عبد الهادي: إسناده صحيح، ومعروف بن مشكان باني كعبة
الرحمن صدوق لا نعلم من تكلم فيه، ومنصور هذا ثقة، مخرّج له في
الصحيحين.
- وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في
«الأوسط» 5028 وإسناده ضعيف جدا، فيه المفضل بن صدقة قال
الهيثمي في «المجمع» 5527: متروك.
- لكن الحديث بطرقه وشواهده يصير حسنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى وَلَا سيما وقد قال الحافظ في «الفتح» عقب حديث 1643:
له طرق أخرى في صحيح ابن خزيمة، وعند الطبراني عن ابن عباس
وإذا انضمت إلى الأولى قويت، والعمدة في الوجوب «خذوا عني
مناسككم» اهـ.
(1) وقع في الأصل «نوفل» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» وكتب
التخريج والتراجم.
(2) وقع في الأصل «محيص» والتصويب من كتب التراجم.
(3) في المطبوع «ركبته» .
(4) تحرف في المطبوع إلى «الحسين» .
(5) القديد: موضع بين مكة والمدينة كما في «اللسان» .
(6) في المطبوع «يتحرون» .
117- إسناده صحيح على شرطهما، عروة هو ابن الزبير.
وهو في «شرح السنة» 1913 بهذا الإسناد.
وفي «الموطأ» (1/ 373) عن هشام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1970 ومسلم 1277 وأبو داود 1901 وابن ماجه
2986 وابن خزيمة 2769 وابن حبان 3839 من طريق هشام بن عروة عن
عروة عن عائشة.
- وأخرجه البخاري 1643 ومسلم 1277 والترمذي 2965 والنسائي (5/
237- 238) والحميدي 219 وأحمد (6/ 144) وابن حبان 3840 من طريق
الزهري عن عروة عن عائشة.
(1/192)
إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ
(159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا
فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ
كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ
فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ
يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)
الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ
اللَّهِ الْآيَةَ.
وقال عَاصِمٌ [1] : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ
تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ
حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ.
«118» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ،
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا
يَقُولُ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ،
فَبَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى
الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ [2] وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، يَصْنَعُ
ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى
الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ إِذَا نَزَلَ مِنَ
الصَّفَا مَشَى حَتَّى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي سعى [3]
حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَجَّ مُوسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَعَلَيْهِ عباءتان
قطوانيتان فطاف بالبيت، ثُمَّ صَعِدَ الصَّفَا وَدَعَا ثُمَّ
هبط إلى المسعى [4] وَهُوَ يُلَبِّي فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ
اللَّهُمَّ لبّيك، قال الله تعالى: لبيك عبدي، أنا معك وسامع
لك وناظر إليك، فَخَرَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَاجِدًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَجَزْمِ
الْعَيْنِ، [وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ: فَمَنْ تَطَوَّعَ
خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا [الْبَقَرَةِ:
184] ، بِمَعْنَى: يتطوع، ووافق يعقوب في الأول وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ] [5] ، وَفَتْحِ الْعَيْنِ فِي
الْمَاضِي، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ ومن [6] تطوّع بالطوف
بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ
فَمَنْ تَطَوَّعَ، أَيْ: زَادَ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ
الْوَاجِبِ، وَقِيلَ: مَنْ تَطَوَّعَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجَّةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ
الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ سَائِرَ الْأَعْمَالِ، يَعْنِي:
فِعْلَ غَيْرِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ وَصَلَاةٍ
وَطَوَافٍ وَغَيْرِهَا [7] مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ،
فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ، مُجَازٍ لِعَبْدِهِ بِعَمَلِهِ،
عَلِيمٌ: بِنِيَّتِهِ، وَالشُّكْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ
يُعْطِيَ لِعَبْدِهِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّ، يشكر اليسير
ويعطي الكثير.
[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 163]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ
وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي
الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)
خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْظَرُونَ (162) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلاَّ
هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163)
__________
118- إسناده صحيح على شرط مسلم. محمد هو ابن علي بن الحسين-
وهو- محمد الباقر- هو وابنه من رجال مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 1912 بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 372) من طريق
جعفر بن محمد بهذا الإسناد. وأخرجه مسلم 1218 وأبو داود 1905
وابن ماجه 3074 والدارمي 1793 من طريق حاتم بن إسماعيل عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبيه به مطوّلا في أثناء حديث
صفة حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 3967 من طريق الليث عن ابن
الهادي عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2967 من طريق سفيان عن جعفر بن محمد بهذا
الإسناد مختصرا.
(1) عاصم هو ابن سليمان الأحول أحد الأئمة الثقات.
وزيد في المخطوط «أبو» قبل «عاصم» وهو خطأ. [.....]
(2) زيد في المطبوع «يحيي ويميت» دون المخطوط وشرح السنة.
(3) في المطبوع «يسعى» .
(4) في المطبوع «السعي» .
(5) ما بين المعقوفتين زيد في نسخ المطبوع.
(6) في المطبوع «فإن» .
(7) في المطبوع «وغيره» .
(1/193)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ
بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ، نَزَلَتْ فِي
عُلَمَاءِ اليهود [حين] [1] كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةَ الرَّجْمِ وَغَيْرَهُمَا
من [سائر] [2] الْأَحْكَامِ الَّتِي كَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ،
أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ، وَأَصْلُ اللَّعْنِ الطَّرْدُ
وَالْبُعْدُ، وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، أَيْ: يَسْأَلُونَ
اللَّهَ أَنْ يَلْعَنَهُمْ وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ
الْعَنْهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ اللَّاعِنِينَ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَمِيعُ الْخَلَائِقِ إِلَّا الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَ
عَطَاءٌ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: جَمِيعُ
عباد الله، وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا تَلَاعَنَ اثْنَانِ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجَعَتِ تِلْكَ اللَّعْنَةُ عَلَى [3]
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَتَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَتَهُ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: اللَّاعِنُونَ: الْبَهَائِمُ تَلْعَنُ عُصَاةَ
بَنِي آدَمَ إِذَا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ وَأَمْسَكَ الْمَطَرُ،
وَقَالَتْ [4] : هَذَا مِنْ شُؤْمِ ذُنُوبِ بَنِي آدَمَ، ثُمَّ
اسْتَثْنَى فَقَالَ:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا: مِنَ الكفر، وَأَصْلَحُوا: أسلموا أو
أصلحوا الْأَعْمَالَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ،
وَبَيَّنُوا: مَا كَتَمُوا، فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ:
أتجاوز عنهم [جميع سيئاتهم] [5] وَأَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ،
وَأَنَا التَّوَّابُ: الرَّجَّاعُ بِقُلُوبِ عِبَادِي
الْمُنْصَرِفَةِ عَنِّي إِلَيَّ، الرَّحِيمُ: بِهِمْ بَعْدَ
إِقْبَالِهِمْ عَلَيَّ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ
عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ، أَيْ: لَعْنَةُ
الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، قَالَ أَبُو
الْعَالِيَةِ: هَذَا يوم القيامة يوقف الكافر فليعنه اللَّهُ
ثُمَّ تَلْعَنُهُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ يَلْعَنُهُ النَّاسُ،
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
وَالْمَلْعُونُ هُوَ [6] مِنْ جُمْلَةِ النَّاسِ، فَكَيْفَ
يَلْعَنُ نَفْسَهُ؟ قِيلَ: يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي
الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ
بَعْضاً [الْعَنْكَبُوتِ: 25] ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ
يَلْعَنُونَ الظَّالِمِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَمَنْ يَلْعَنُ
الظَّالِمِينَ وَالْكَافِرِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ فَقَدْ لَعَنَ
نَفْسَهُ.
خالِدِينَ فِيها مُقِيمِينَ فِي اللَّعْنَةِ وَقِيلَ فِي
النَّارِ، لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ
يُنْظَرُونَ لَا يُمْهَلُونَ وَلَا يُؤَجَّلُونَ، وَقَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُنْظَرُونَ فَيَعْتَذِرُوا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
(36) [الْمُرْسَلَاتِ: 36] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا
هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) ، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ
الْآيَةِ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ صِفْ
لَنَا رَبَّكَ وَانْسُبْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
هَذِهِ الْآيَةَ وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ، وَالْوَاحِدُ:
الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ.
«119» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ،
أَخْبَرَنَا أبو جعفر
__________
119- إسناده لين، عبيد الله بن أبي زياد، غير قوي قال أحمد:
صالح الحديث، وقال النسائي: ليس بقوي، وقال مرة: ليس به بأس،
وفي رواية ثالثة: ليس بثقة. وقال يحيى: ضعيف، وقال القطان: كان
وسطا، لم يكن بذاك، وفيه شهر بن حوشب، كثير الإرسال والتدليس،
لكن رواياته عن أسماء مقبولة.
1 زيادة عن المخطوط.
2 زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «عن» .
(4) في المخطوط «وقال» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «نفسه» بدل «هو» .
(1/194)
إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا
يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ
مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ
فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
الرَّيَّانِيُّ [1] أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ
بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أخبرنا مكي [2] بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو
عَاصِمٍ، عَنْ عبيد [3] اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ
شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا
قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «إِنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اسم الله الأعظم:
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ
الرَّحِيمُ (163) ، واللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ» [البقرة: 255] .
[سورة البقرة (2) : آية 164]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها
وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ
لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
قَالَ أَبُو الضُّحَى: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ
الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: إِنَّ إِلَهَكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، ذَكَرَ
السَّمَاوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْأَرْضَ بِلَفْظِ
الْوَاحِدِ لِأَنَّ كُلَّ سماء مِنْ جِنْسٍ آخَرَ،
وَالْأَرْضُونَ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ
التُّرَابُ، فَالْآيَةُ فِي السَّمَاوَاتِ: سُمْكُهَا
وَارْتِفَاعُهَا مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ وَلَا عِلَاقَةٍ، وما يرى
فِيهَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَالْآيَةُ
فِي الْأَرْضِ: مَدُّهَا وَبَسْطُهَا وسعتها وما يرى فِيهَا
مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ
وَالْجَوَاهِرِ وَالنَّبَاتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا فِي الذَّهَابِ
وَالْمَجِيءِ يَخْلُفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، إِذَا ذَهَبَ
أَحَدُهُمَا جَاءَ الْآخَرُ [خَلْفَهُ] [4] ، أَيْ: بَعْدَهُ،
نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ خِلْفَةً [الْفُرْقَانِ: 62] ، قَالَ عَطَاءٌ:
أَرَادَ اخْتِلَافَهُمَا فِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ
وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَاللَّيْلُ جَمْعُ لَيْلَةٍ،
وَاللَّيَالِي جَمْعُ الْجَمْعِ، وَالنَّهَارُ جمع نُهُرٌ،
وَقَدَّمَ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ
أَقْدَمُ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ
اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: 37] ، وَالْفُلْكِ
الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، يَعْنِي: السُّفُنَ وَاحِدُهُ
وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ
يُؤَنَّثُ، وَفِي الْوَاحِدِ يُذَكَّرُ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى فِي الْوَاحِدِ وَالتَّذْكِيرِ: إِذْ أَبَقَ إِلَى
الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
[الصَّافَّاتِ: 140] ، وَقَالَ فِي الْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ:
حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ
طَيِّبَةٍ [يُونُسَ: 22] ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي
الْبَحْرِ الْآيَةُ في الفلك: تسخيرها وجريها عَلَى وَجْهِ
الْمَاءِ، وَهِي مُوقَرَةٌ لَا تَرْسُبُ تَحْتَ الْمَاءِ، بِما
يَنْفَعُ النَّاسَ، يَعْنِي: رُكُوبَهَا وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا
فِي التِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ وَأَنْوَاعِ الْمُطَالِبِ،
وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ، يَعْنِي:
الْمَطَرَ، قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمَاءِ السَّحَابَ، يَخْلُقُ
اللَّهُ الْمَاءَ فِي السَّحَابِ ثُمَّ من السحاب
__________
- وهو في «شرح السنة» 1254.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 2383 من طريق مكي بن إبراهيم وأبي
عاصم بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 1496 والترمذي 3478 وابن ماجه 3855 وأحمد (6/
461) والدارمي (2/ 450) من طريق عبيد اللَّهِ بْنِ أَبِي
زِيَادٍ عَنْ شهر بن حوشب به وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح
اهـ. وحسّن إسناده الأرناؤوط في «جامع الأصول» (4/ 172)
والألباني في «صحيح أبي داود» 1327. [.....]
(1) وقع في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتاب
«الأنساب» للسمعاني.
(2) وقع في الأصل «بكر» والتصويب عن «شرح السنة» و «شعب
الإيمان» .
(3) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(4) زيادة عن المخطوط.
(1/195)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ
كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ
أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعَذَابِ (165)
ينزل [إلى الأرض] [1] ، وَقِيلَ: أَرَادَ
بِهِ السَّمَاءَ الْمَعْرُوفَةَ، يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى
الْمَاءَ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
السَّحَابِ ثُمَّ مِنَ السَّحَابِ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ،
فَأَحْيا بِهِ، أَيْ: بِالْمَاءِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها،
أي: بعد يبسها وَجُدُوبَتِهَا، وَبَثَّ فِيها، أَيْ: فَرَّقَ
فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الرِّيحِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ، وَكُلُّ رِيحٍ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ
فِيهَا أَلِفٌ وَلَا لَامٌ، اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِهَا
وَتَوْحِيدِهَا إِلَّا فِي الذَّارِيَاتِ: الرِّيحَ الْعَقِيمَ
[الذَّارِيَاتِ: 41] ، اتَّفَقُوا عَلَى تَوْحِيدِهَا، وَفِي
الْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنْ سُورَةِ الرُّومِ: الرِّياحَ
مُبَشِّراتٍ [الرُّومِ: 46] ، اتَّفَقُوا عَلَى جَمْعِهَا،
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ سَائِرَهَا عَلَى الْجَمْعِ، والقراء
مختلفون فيها، والريح تذكر وتؤنث، وَتَصْرِيفُهَا أَنَّهَا
تَتَصَرَّفُ إِلَى الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ، وَالْقَبُولِ
وَالدَّبُّورِ وَالنَّكْبَاءِ، وَقِيلَ: تَصْرِيفُهَا أَنَّهَا
تَارَةً تَكُونُ لَيِّنًا، وتارة تكون عاصفا، [وتارة النكباء
المزاج المختلفة] [2] ، وتارة تكون حارّا، وتارة باردا، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ الرِّيحُ
وَالْمَاءُ، وَسُمِّيَتِ الرِّيحُ رِيحًا لِأَنَّهَا تُرِيحُ
النُّفُوسَ، قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي: مَا هَبَّتْ رِيحٌ
إِلَّا لِشِفَاءِ سَقِيمٍ أَوْ لِسَقَمِ صَحِيحٍ،
وَالْبِشَارَةُ فِي ثَلَاثٍ مِنَ الرِّيَاحِ: فِي الصَّبَا
وَالشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ، أَمَّا الدَّبُّورُ فَهِي الرِّيحُ
الْعَقِيمُ، لَا بِشَارَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: الرِّيَاحُ
ثَمَانِيَةٌ، أَرْبَعَةٌ لِلرَّحْمَةِ، وَأَرْبَعَةٌ
لِلْعَذَابِ، فأما التي للرحمة: فالمبشرات وَالنَّاشِرَاتُ
وَالذَّارِيَاتُ وَالْمُرْسَلَاتُ، وَأَمَّا الَّتِي
لِلْعَذَابِ: فَالْعَقِيمُ وَالصَّرْصَرُ فِي الْبَرِّ
وَالْعَاصِفُ وَالْقَاصِفُ فِي الْبَحْرِ.
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ، أَيِ: الْغَيْمِ الْمُذَلَّلِ،
سُمِّيَ سَحَابًا لِأَنَّهُ يَنْسَحِبُ، أَيْ: يَسِيرُ فِي
سُرْعَةٍ كَأَنَّهُ يَسْحَبُ أَيْ يَجُرُّ، بَيْنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، فَيَعْلَمُونَ
أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَالِقًا وَصَانِعًا، قَالَ
وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: ثَلَاثَةٌ لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ
تَجِيءُ: الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ والسحاب.
[سورة البقرة (2) : آية 165]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ
حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ
الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعَذابِ (165)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ، يعني: المشركين، مَنْ
يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً، أَيْ: أَصْنَامًا
يَعْبُدُونَهَا. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، أَيْ
يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ،
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَا
يُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ،
فَسَوَّوْا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَوْثَانِهِمْ فِي
الْمَحَبَّةِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ،
أَيْ: أَثْبَتُ وَأَدُومُ عَلَى حبّه من المشركين، لِأَنَّهُمْ
لَا يَخْتَارُونَ عَلَى اللَّهِ مَا سِوَاهُ، وَالْمُشْرِكُونَ
إِذَا اتَّخَذُوا صَنَمًا ثُمَّ رَأَوْا أَحْسَنَ مِنْهُ،
طَرَحُوا الْأَوَّلَ وَاخْتَارُوا الثَّانِيَ، قَالَ
قَتَادَةُ: إِنَّ الْكَافِرَ يُعْرِضُ عَنْ مَعْبُودِهِ فِي
وَقْتِ الْبَلَاءِ وَيُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا
أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ فَقَالَ: فَإِذا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ [الْعَنْكَبُوتِ: 65] ، وَالْمُؤْمِنُ لَا يُعْرِضُ
عَنِ اللَّهِ [كما أخبر الله عنهم] [3] فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَنْ أَحْرَقَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى
رُؤْيَةِ الْأَصْنَامِ أَنْ يَدْخُلُوا جَهَنَّمَ مَعَ
أَصْنَامِهِمْ، فَلَا يدخلون [فيها ويمتنعون منها] [4]
لِعِلْمِهِمْ أَنَّ عَذَابَ جَهَنَّمَ عَلَى الدَّوَامِ، ثُمَّ
يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيَ الْكُفَّارِ:
إِنْ كُنْتُمْ أَحِبَّائِي فَادْخُلُوا جَهَنَّمَ،
فَيَقْتَحِمُونَ فِيهَا فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تَحْتِ
الْعَرْشِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ،
وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا
لِلَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ
أَحَبُّوهُ، وَمَنْ شَهِدَ لَهُ الْمَعْبُودُ بِالْمَحَبَّةِ
كَانَتْ مَحَبَّتُهُ أَتَمُّ، قَالَ اللَّهُ تعالى:
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(1/196)
إِذْ تَبَرَّأَ
الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا
الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ
الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ
مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ
أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ
مِنَ النَّارِ (167)
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [الْمَائِدَةِ:
54] . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا،
قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ وَلَوْ تَرَى
بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وجواب وَلَوْ
هَاهُنَا مَحْذُوفٌ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ
قُطِّعَتْ بِهِ [الرعد: 31] الآية، يَعْنِي: لَكَانَ هَذَا
الْقُرْآنُ، فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ مَعْنَاهُ: وَلَوْ تَرَى
يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [1] فِي
شِدَّةِ الْعَذَابِ، لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا، قِيلَ:
مَعْنَاهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: أَيُّهَا الظَّالِمُ لَوْ
تَرَى الذين ظلموا، أي: أشركوا فِي شِدَّةِ الْعَذَابِ [2] ،
لَرَأَيْتَ أَمْرًا عظيما [3] ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ
مَعْنَاهُ: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
عِنْدَ رؤية العذاب، أي: ولو رَأَوْا شِدَّةَ عَذَابِ اللَّهِ
وَعُقُوبَتِهِ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ، لَعَرَفُوا
مَضَرَّةَ الْكُفْرِ، وَأَنَّ مَا اتَّخَذُوا مِنَ
الْأَصْنَامِ لَا يَنْفَعُهُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ
يَرَوْنَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ
وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ
لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ، أَيْ:
بِأَنَّ القوّة لله جميعا معناه: [أن العذاب لمّا رآه
المشركون، أي لما عاينوه ولم تنفعهم آلهتهم وتنقذهم منه] [4] ،
رأوا وَأَيْقَنُوا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا،
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ أَنَّ الْقُوَّةَ وأَنَّ
اللَّهَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ،
وَالْكَلَامُ تَامٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِذْ يَرَوْنَ
الْعَذابَ، مَعَ إضمار الجواب.
[سورة البقرة (2) : الآيات 166 الى 167]
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ
الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ
لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا
كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ
وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ، هَذَا فِي يَوْمِ
الْقِيَامَةِ حِينَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْقَادَةَ
وَالْأَتْبَاعَ، فَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، هَذَا
قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هم
الشياطين يتبرؤون مِنَ الْإِنْسِ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ، أَيْ:
عنهم الْأَسْبابُ، أي: الوصلات [5] الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ
فِي الدُّنْيَا، من القرابات والصداقات، وصارت مخالطتهم [6]
عَدَاوَةً، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْأَرْحَامُ كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى:
فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ [الْمُؤْمِنُونَ: 101] ،
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانُوا
يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً
مَنْثُوراً (23) [الْفُرْقَانِ: 23] ، وَأَصْلُ السَّبَبِ مَا
يُوصَلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ ذَرِيعَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ
أَوْ مَوَدَّةٍ وَمِنْهُ، يُقَالُ لِلْحَبْلِ: سَبَبٌ،
وَلِلطَّرِيقِ: سَبَبٌ.
وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، يَعْنِي: الْأَتْبَاعَ لَوْ
أَنَّ لَنا كَرَّةً، أَيْ: رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا،
فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، أَيْ: مِنَ الْمَتْبُوعِينَ، كَما
تَبَرَّؤُا مِنَّا: الْيَوْمَ، كَذلِكَ، أَيْ: كَمَا أَرَاهُمُ
الْعَذَابَ، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ، وقيل: كتبرّئ
بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، يُرِيهِمُ اللَّهُ: أَعْمالَهُمْ
حَسَراتٍ: نَدَامَاتٍ عَلَيْهِمْ، جَمْعُ حَسْرَةٍ، قِيلَ:
يُرِيهِمُ [اللَّهُ] [7] مَا ارْتَكَبُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ
فَيَتَحَسَّرُونَ لِمَ تحملوها [8] ، وَقِيلَ: يُرِيهِمْ مَا
تَرَكُوا مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَنْدَمُونَ عَلَى
تَضْيِيعِهَا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّهُمْ أَشْرَكُوا
بِاللَّهِ [وعبدوا] [9] الْأَوْثَانَ رَجَاءَ أَنْ
تُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا
عُذِّبُوا عَلَى مَا كَانُوا يَرْجُونَ ثَوَابَهُ تَحَسَّرُوا
وَنَدِمُوا، قَالَ السُّدِّيُّ: تُرْفَعُ لَهُمُ الْجَنَّةُ
فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَإِلَى بيوتهم [وقصورهم] [10] فِيهَا
لَوْ أَطَاعُوا اللَّهَ فَيُقَالُ لهم: تلك مساكنكم لو
__________
(1) في المخطوط «يعني أشرك» بدل «أنفسهم» .
(2) في المطبوع وحده «العقاب» .
(3) في المطبوع وحده «فظيعا» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «الصلات» .
(6) كذا في المطبوع والمخطوط. وفي- ط- «مخالّتهم» . [.....]
(7) زيادة من المخطوط وط.
(8) في نسخ المطبوع «عملوا» .
(9) سقط من المطبوع.
(10) زيادة عن المخطوط.
(1/197)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا
تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ
وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا
عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)
أَطَعْتُمُ اللَّهَ، ثُمَّ تُقَسَّمُ
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ حِينَ يَنْدَمُونَ
وَيَتَحَسَّرُونَ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ [بكفرهم
وموتهم عليه] [1] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 170]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً
طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ
وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا
تَعْلَمُونَ (169) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا
عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي
الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً، نَزَلَتْ فِي ثَقِيفٍ وَخُزَاعَةَ
وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَبَنِي مُدْلِجٍ فِيمَا حَرَّمُوا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ،
وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ والحام، والحلال
مَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ طَيِّبًا، قِيلَ: مَا يُسْتَطَابُ
وَيُسْتَلَذُّ، وَالْمُسْلِمُ يَسْتَطِيبُ الْحَلَالَ
وَيَعَافُ [2] الْحَرَامَ، وَقِيلَ: الطَّيِّبُ [الطَّاهِرُ]
[3] ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، قَرَأَ أَبُو
جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ
وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الطَّاءِ، والباقون بسكونها، خُطُواتِ
الشَّيْطانِ آثَارُهُ وَزَلَّاتُهُ، وَقِيلَ: هِيَ النذور فِي
الْمَعَاصِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمُحَقَّرَاتُ
مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: طُرُقُهُ، إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ:
بَيِّنُ الْعَدَاوَةِ [وَقِيلَ: مُظْهِرُ الْعَدَاوَةِ] [4]
وَقَدْ أَظْهَرَ عَدَاوَتَهُ بِإِبَائِهِ السجود لآدم وغروره
إيّاه، حين [5] أخرجه من الجنّة، و (أبان) [6] يَكُونُ
لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَاوَتَهُ فَقَالَ:
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ، أَيْ: بِالْإِثْمِ، وَأَصْلُ
السُّوءِ مَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ سَاءَ يسوء
سوءا وَمَسَاءَةً، أَيْ: أَحْزَنَهُ، وَسَوَّأْتُهُ فَسَاءَ
أَيْ: حَزَّنْتُهُ فَحَزِنَ، وَالْفَحْشاءِ: الْمَعَاصِي وَمَا
قَبُحَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ
كَالسَّرَّاءِ]
وَالضَّرَّاءِ، رَوَى بَاذَانُ [8] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
الْفَحْشَاءُ مِنَ الْمَعَاصِي مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ،
وَالسُّوءُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ، وَقَالَ
السُّدِّيُّ: هِيَ الزِّنَا، وَقِيلَ: هِيَ الْبُخْلُ، وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، من تحريم الحرث
والأنعام.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ، قِيلَ: هَذِهِ قِصَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ،
وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي لَهُمُ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ
مذكور.
ع «120» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ إِلَى
الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بن
عوف: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا.
أَيْ: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءنا فهم كانوا أفضل
وَأَعْلَمَ مِنَّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ، وَقِيلَ: الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا
وَهِيَ نَازِلَةٌ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَكُفَّارِ
قُرَيْشٍ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عَائِدَةٌ إِلَى قَوْلِهِ:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً
[الْبَقَرَةِ: 165] ، قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا،
أَيْ: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءَنا مِنْ عِبَادَةِ
الْأَصْنَامِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ في تحليل ما حَرَّمُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ
__________
(1) سقط من نسخ المطبوع.
(2) في المطبوع وحده «ويخاف» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في نسخ المطبوع «حتى» .
(6) في المخطوط «أبي» .
(7) في المخطوط «كالبأساء» .
(8) وقع في الأصل «روي بإذن» والمثبت هو الصواب.
120- ع ضعيف. أخرجه الطبري 2454 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بن أبي محمد عن عكرمة، أو عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس به، وإسناده ضعيف لجهالة
محمد بن أبي محمد.
(1/198)
وَمَثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا
دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
(171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ (172)
وَالْأَنْعَامِ وَالْبَحِيرَةِ
وَالسَّائِبَةِ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عائدتان إِلَى النَّاسِ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا قالُوا
بَلْ نَتَّبِعُ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بَلْ نَتَّبِعُ
بِإِدْغَامِ اللَّامِ فِي النُّونِ، وَكَذَلِكَ يُدْغِمُ لَامَ
هَلْ وَبَلْ فِي التَّاءِ وَالثَّاءِ وَالزَّايِ وَالسِّينِ
وَالصَّادِ وَالطَّاءِ وَالظَّاءِ، وَوَافَقَ حَمْزَةُ في
الثاء [1] والسين، وما أَلْفَيْنا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ
آبَاءَنَا مِنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، قَالَ تَعَالَى:
أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ، أَيْ: كَيْفَ يَتَّبِعُونَ
آبَاءَهُمْ، وَآبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً؟ الواو فِي
أَوَلَوْ وَاوُ الْعَطْفِ، وَيُقَالُ لها أيضا: وَاوُ
التَّعَجُّبِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ
لِلتَّوْبِيخِ، وَالْمَعْنَى: أَيَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ
وَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا لَا يَعْقِلُونَ [شَيْئًا، لَفْظُهُ]
[2] عَامٌّ وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ، أَيْ: لَا يَعْقِلُونَ
شَيْئًا مِنْ أُمُورِ [3] الدِّينِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا
يَعْقِلُونَ أمر الدنيا، وَلا يَهْتَدُونَ، [لاتباع محمد لعدم
عقلهم] [4] ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فَقَالَ جلّ ذكره:
[سورة البقرة (2) : الآيات 171 الى 172]
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما
لَا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ
إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما
لَا يَسْمَعُ، وَالنَّعِيقُ وَالنَّعْقُ: صَوْتُ الرَّاعِي
بِالْغَنَمِ، مَعْنَاهُ:
مَثَلُكَ يَا مُحَمَّدُ وَمَثَلُ الْكُفَّارِ فِي وَعْظِهِمْ
وَدُعَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [كَمَثَلِ
الرَّاعِي الَّذِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ] [5] ، وَقِيلَ:
مَثَلُ وَاعِظِ الكفار وداعيهم كَمَثَلِ الرَّاعِي يَنْعِقُ
بِالْغَنَمِ وَهِيَ لَا تَسْمَعُ، إِلَّا دُعاءً صَوْتًا
وَنِداءً، فَأَضَافَ الْمَثَلَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا،
لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَمَا في قوله تعالى:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُفَ: 82] ، مَعْنَاهُ: كَمَا أَنَّ
الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ صَوْتَ الرَّاعِي وَلَا تَفْهَمُ وَلَا
تَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهَا، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا
يَنْتَفِعُ بِوَعْظِكَ إِنَّمَا يَسْمَعُ صَوْتَكَ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قِلَّةِ عَقْلِهِمْ
وَفَهْمِهِمْ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، كَمَثَلِ
الْمَنْعُوقِ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ
مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إِلَّا الصَّوْتَ، فَيَكُونُ
الْمَعْنَى لِلْمَنْعُوقِ بِهِ وَالْكَلَامُ خَارِجٌ عَنِ
النَّاعِقِ، وَهُوَ فَاشٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَفْعَلُونَ
ذَلِكَ [و] يقلبون الكلام لا تضاح [6] الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ،
يَقُولُونَ: فُلَانٌ يَخَافُكَ خوف [7] الأسد، أي: كخوفه
الْأَسَدِ، وَقَالَ تَعَالَى: مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ
بِالْعُصْبَةِ [الْقَصَصِ: 76] ، وَإِنَّمَا الْعُصْبَةُ
تَنُوءُ [8] بِالْمَفَاتِيحِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَثَلُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا
تَفْقَهُ وَلَا تَعْقِلُ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِالْغَنَمِ،
فَلَا يُنْتَفَعُ مِنْ نَعِيقِهِ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي
غِنَاءٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَالنِّدَاءِ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ
لَيْسَ لَهُ مِنْ دُعَاءِ الْآلِهَةِ وَعِبَادَتِهَا إِلَّا
الْعَنَاءُ وَالْبَلَاءُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنْ
تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا
اسْتَجابُوا لَكُمْ [فَاطِرٍ: 14] ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَوْثَانِ،
كَمَثَلِ الَّذِي يَصِيحُ فِي جَوْفِ الْجِبَالِ، فَيَسْمَعُ
صَوْتًا يُقَالُ لَهُ الصَّدَى [9] لَا يَفْهَمُ مِنْهُ
شَيْئًا، فَمَعْنَى الْآيَةِ: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا
لَا يَسْمَعُ مِنْهُ النَّاعِقُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً.
صُمٌّ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ [يَسْمَعُ، وَلَا يَعْقِلُ]
[10] : كَأَنَّهُ أَصَمُّ، بُكْمٌ، عَنِ الْخَيْرِ لَا
يَقُولُونَهُ، عُمْيٌ، عَنِ الْهُدَى لَا يُبْصِرُونَهُ،
فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ.
__________
(1) زيد في- ط- «والتاء» وجعل في المخطوط «التاء» بدل «الثاء»
. [.....]
(2) ليس في المخطوط.
(3) في المخطوط «أمر» .
(4) سقط من نسخ المطبوع.
(5) سقط من المخطوط.
(6) في نسخ المطبوع «الإيضاح» .
(7) في المطبوع «كخوف» .
(8) في المطبوع «لتنوء» .
(9) في المطبوع «الصداء» .
(10) العبارة في المطبوع [لا يسمع ولا يعمل] .
(1/199)
إِنَّمَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا
أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ
وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (173)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ: حَلَالَاتِ مَا رَزَقْناكُمْ.
«121» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [1] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ،
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ
مَرْزُوقٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله طيب [و] [2] لَا يَقْبَلُ
إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ
بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً
[الْمُؤْمِنُونَ: 51] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا
مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ
يُطِيلُ [3] السَّفَرَ [أشعث أغبر] [4] يمدّ يديه [5] إِلَى
السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ
وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ
بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» .
وَاشْكُرُوا لِلَّهِ: عَلَى نِعَمِهِ، إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ، ثم بيّن المحرّمات فقال:
[سورة البقرة (2) : آية 173]
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ
الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ
اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ، قَرَأَ أبو جعفر
الْمَيْتَةَ كُلِّ الْقُرْآنِ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْبَاقُونَ
يُشَدِّدُونَ الْبَعْضَ، وَالْمَيْتَةُ: كُلُّ مَا لَمْ
تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ مِمَّا يُذْبَحُ، وَالدَّمَ، أراد به الدم
الجاري، يدل عليه قوله تعالى:
أَوْ دَماً مَسْفُوحاً، وَاسْتَثْنَى الشَّرْعُ مِنَ
الْمَيْتَةِ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ، وَمِنَ الدَّمِ الْكَبِدَ
وَالطِّحَالَ فَأَحَلَّهَا.
«122» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ
الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو العباس
__________
(1) زيد في الأصل [و] بين «أبو محمد» و «عبد الرحمن» والتصويب
من «ط» ومن «شرح السنة» .
2 ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب»
والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
3 ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب»
والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
4 ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب»
والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
(5) في المطبوع و «شرح السنة» «يده» والمثبت عن المخطوط وكتب
الحديث. [.....]
121- إسناده صحيح، علي بن الجعد روى له البخاري، وفضيل بن
مرزوق روى له مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. أبو حازم
اسمه سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» 2021 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1015 والترمذي 2989 وأحمد (2/ 328) و (400) من
طريق فضيل بن مرزوق بهذا الإسناد.
122- اللفظ المرفوع ضعيف والصواب موقوف، لكن له حكم الرفع.
إسناده ضعيف لضعف عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم،
فإنه ليس بشيء، لكن لم ينفرد به، فقد تابعه غير واحد.
وهو في «شرح السنة» 2897 بهذا الإسناد.
وأخرجه الشافعي في «مسنده» (2/ 173) وعبد بن حميد في «المنتخب»
(280) وأحمد (2/ 97) وابن ماجه 3314 وابن حبان في «المجروحين»
(2/ 58) وابن عدي (4/ 271) والبيهقي (9/ 257) كلهم عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن
عمر مرفوعا، وإسناده ضعيف، لضعف عبد الرحمن، وبه أعله ابن عدي
وابن حبان وغيرهما، ولم ينفرد به، فقد تابعه أخوه عبد الله بن
زيد ...
- أخرجه الدارقطني (4/ 371- 372) وعبد الله أحسن حالا من أخيه
وهو صدوق، وفيه لين كما في «التقريب» وقد ضعفه قوم، ووثقه
آخرون، وتابعهما أسامة بن زيد عند ابن عدي (1/ 397) وأسامة
ضعيف، وتابعهم سليمان بن بلال عند ابن عدي (4/ 186) وقال ابن
أبي حاتم في «العلل» : (2/ 17/ 1524) : سئل أبو زرعة عن حديث
رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي
صلّى الله عليه وسلّم «أحلت.....» ورواه عبد الله بن نافع
الصباح عن أسامة بن زيد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلّى الله
عليه وسلّم، ورواه القعنبي عن أسامة وعبد الله ابني زيد عن
أبيهما عن ابن عمر
(1/200)
الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، الْمَيْتَتَانِ:
الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ: أَحْسَبُهُ قَالَ:
الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» .
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ،
فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُهُ، وَما
أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَيْ: مَا ذُبِحَ
لِلْأَصْنَامِ وَالطَّوَاغِيتِ، وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ
الصَّوْتِ [لأن المشركين] [1] كانوا إذا ذبحوا لآلهتهم [شيئا]
[2] يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِذِكْرِهَا، فَجَرَى ذَلِكَ
مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ ذَابِحٍ وَإِنْ لَمْ
يَجْهَرْ بِالتَّسْمِيَةِ: مُهِلٌّ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ
أَنَسٍ وَغَيْرُهُ: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ،
قَالَ: مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ، فَمَنِ
اضْطُرَّ، بكسر النون وأخواته، عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، وَوَافَقَ
أَبُو عَمْرٍو إِلَّا فِي اللَّامِ وَالْوَاوِ مِثْلُ: قُلِ
ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الْإِسْرَاءِ: 110]
، وَيَعْقُوبُ إِلَّا فِي الْوَاوِ، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ
فِي التَّنْوِينِ، وَالْبَاقُونَ كُلُّهُمْ بِالضَّمِّ، فَمَنْ
كَسَرَ قَالَ لِأَنَّ الْجَزْمَ يُحَرَّكُ إِلَى الْكَسْرِ،
وَمَنْ ضَمَّ فَلِضَمَّةِ أَوَّلِ الْفِعْلِ، نَقَلَ
حَرَكَتَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ
الطَّاءِ وَمَعْنَاهُ فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أكل الميتة، أَيْ:
أُحْوِجَ وَأُلْجِئَ إِلَيْهِ، غَيْرَ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ،
وَقِيلَ: عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا رَأَيْتَ (غَيْرَ)
يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا «لَا» [3] فَهِيَ حَالٌ، وَإِذَا
صَلَحَ فِي مَوْضِعِهَا «إِلَّا» فَهِيَ اسْتِثْنَاءٌ، باغٍ
وَلا عادٍ، أَصْلُ الْبَغْيِ: قَصْدُ الْفَسَادِ، يُقَالُ:
بَغَى الْجُرْحُ يَبْغِي بَغْيًا إِذَا تَرَامَى إِلَى
الْفَسَادِ، وَأَصْلُ الْعُدْوَانِ: الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ
الْحَدِّ، يُقَالُ: عَدَا عَلَيْهِ عَدْوًا [4] وَعُدْوَانًا
إِذَا ظَلَمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: غَيْرَ
باغٍ وَلا عادٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَيْرَ باغٍ، أي: غير
خَارِجٍ عَلَى السُّلْطَانِ، وَلا عادٍ، [أي: ولا] [5] متعد
عَاصٍ بِسَفَرِهِ، بِأَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ الطريق أو الفساد
فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْعَاصِي
بِسَفَرِهِ أن
__________
موقوفا قال أبو زرعة: الموقوف أصح اهـ.
وأشار إلى ذلك ابن عدي فقال (4/ 86) عقب الرواية: وأما ابْنِ
وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلال عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أحلت....» وقال: وهذا
إسناد صحيح، وهو في معنى المسند. وقد رفعه أولاد زيد عن أبيهم،
ثم كرره عن أولاد زيد عن زيد عن ابن عمر مرفوعا. وقال: أولاد
زيد كلهم ضعفاء، جرحهم يحيى بن معين. وكان علي المديني وأحمد
بن حنبل يوثقان عبد الله بن زيد. وذكر نحو هذا ابن عدي (1/
397) لكن وقع عنده عمر بدل ابن عمر، سواء الموقوف أو المرفوع،
ولعل هناك سقطا، فالصواب كونه عن ابن عمر سواء المرفوع أو
الموقوف، وبكل حال قد صح موقوفا، وله حكم الرفع لأنه مثل:
«أمرنا ونهينا وحرّم علينا وأحل لنا» وأشباه ذلك فله حكم الرفع
عند جمهور أهل العلم، كما هو مقرر في كتب هذا الفن، فالحديث
حسن إن شاء الله.
- ورأيت له شاهدا من حديث أبي سعيد لكنه ضعيف أخرجه الخطيب في
«تاريخه» (13/ 245) وأعله بمسور بن الصلت، ونقل عن النسائي
قوله: متروك.
وقال: قال الدارقطني: ضعيف.
وانظر «تفسير الشوكاني» 254 و «الكشاف» 76 والقرطبي 796.
ونقل الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 202) عن ابن عبد الهادي
قوله: هو موقوف في حكم الرفع، وقال مثل ذلك الحافظ ابن حجر في
«تلخيص الحبير» (1/ 26) . والله أعلم.
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع.
(3) تحرف «لا» في المطبوع إلى «إلا» .
(4) في المخطوط «عداوة» .
(5) سقط من المطبوع.
(1/201)
إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا
يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا
يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ
بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ إِذَا اضْطُرَّ
إِلَيْهَا، وَلَا أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ [1]
حَتَّى يَتُوبَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، لأن [في
إِبَاحَتَهُ] [2] لَهُ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى فَسَادِهِ،
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْبَغْيَ وَالْعُدْوَانَ
رَاجِعَانِ إِلَى الْأَكْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ،
فَقَالَ الْحَسَنُ وقتادة: غَيْرَ باغٍ [لا] [3] يأكله مِنْ
غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَلا عادٍ، أَيْ: لَا يَعْدُو لِشِبَعِهِ،
وَقِيلَ: غَيْرَ باغٍ، أَيْ: غَيْرَ طَالِبِهَا وَهُوَ يَجِدُ
غَيْرَهَا، وَلا عادٍ، أَيْ: غَيْرَ مُتَعَدٍّ مَا حُدَّ له،
[ولا يَأْكُلُ] [4] حَتَّى يَشْبَعَ، وَلَكِنْ يَأْكُلُ منها
قوتا مقدار ما يسدّ [5] به رَمَقَهُ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ
حَيَّانَ غَيْرَ باغٍ، أَيْ: مُسْتَحِلٍّ لَهَا، وَلا عادٍ،
أَيْ: مُتَزَوِّدٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: غَيْرَ باغٍ، أَيْ:
غَيْرَ مُجَاوِزٍ لِلْقَدْرِ الَّذِي أُحِلَّ لَهُ، وَلا عادٍ،
أَيْ: لَا يُقَصِّرُ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ فَيَدَعُهُ، قَالَ
مَسْرُوقٌ: مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ
وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى
مَاتَ دَخْلَ النَّارَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
مِقْدَارِ مَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُهُ مِنَ
الْمَيْتَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِقْدَارُ مَا يَسُدُّ
رَمَقَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى
يَشْبَعَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى،
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: غَيْرَ باغٍ مُفَارِقٍ
لِلْجَمَاعَةِ، وَلا عادٍ مُبْتَدِعٍ مُخَالِفٍ لِلسُّنَّةِ،
وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُبْتَدِعِ فِي تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ
عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، فَلَا حَرَجَ
عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ، لِمَنْ أَكَلَ
فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ، رَحِيمٌ، حَيْثُ رخّص للعباد في ذلك.
[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 175]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ مَا
يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا
يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما
أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ
اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ
وَعُلَمَائِهِمْ، كَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ سَفَلَتِهِمُ
الْهَدَايَا وَالْمَآكِلَ وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ
النبيّ المبعوث منهم، ولما بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِمْ، خَافُوا ذَهَابَ
مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ، فَعَمَدُوا إِلَى
صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَغَيَّرُوهَا، ثُمَّ أَخْرَجُوهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا
نَظَرَتِ السَّفَلَةُ إِلَى النَّعْتِ الْمُغَيَّرِ وَجَدُوهُ
مُخَالِفًا لِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَلَمْ يَتَّبِعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ
الْكِتابِ، يَعْنِي: صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ، أَيْ:
بِالْمَكْتُومِ ثَمَناً قَلِيلًا، أَيْ: عِوَضًا يَسِيرًا،
يَعْنِي: الْمَآكِلَ الَّتِي يُصِيبُونَهَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ،
أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ،
يَعْنِي: إِلَّا مَا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى النَّارِ وَهُوَ
الرِّشْوَةُ وَالْحَرَامُ وَثَمَنُ الدِّينِ، فَلَمَّا كَانَ
يُفْضِي ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَكَأَنَّهُمْ أَكَلُوا
النَّارَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا فِي
بُطُونِهِمْ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ،
أَيْ: لَا يُكَلِّمُهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَبِمَا يَسُرُّهُمْ،
إِنَّمَا يُكَلِّمُهُمْ بِالتَّوْبِيخِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ
أَنَّهُ [6] يَكُونُ عَلَيْهِمْ غَضْبَانَ، كَمَا يُقَالُ:
فُلَانٌ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ
غَضْبَانَ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ: لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ
دَنَسِ الذُّنُوبِ [والخطايا] [7] ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى
وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
(175) ، قَالَ عطاء
__________
(1) في المخطوط «المسافرين» .
(2) المطبوع «إباحة الميتة» وفي- ط- «إباحته» .
(3) في المطبوع «يأكله» ليس فيه «لا» .
(4) في المطبوع «فيأكل» .
(5) في المطبوع «يمسك» .
(6) في المطبوع «أن» والمثبت عن- ط- وهو غير موجود في المخطوط.
[.....]
(7) سقط من المطبوع.
(1/202)
ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ
اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي
الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ
الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ (177)
والسدي: هو ما الاستفهام معناه: ما الذي
صبّرهم [1] ؟ وأي شيء صبّرهم عَلَى النَّارِ حَتَّى تَرَكُوا
الْحَقَّ واتّبعوا الباطل؟ قال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
وَاللَّهِ مَا لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ صَبْرٍ، وَلَكِنْ مَا
أَجْرَأَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ إلى
النار؟ وقال الْكِسَائِيُّ: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى [عَمَلِ]
[2] أَهْلِ النَّارِ، أَيْ: مَا أَدْوَمَهُمْ عليه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 176 الى 177]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ
الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ
(176) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى
الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ
الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ (177)
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، يَعْنِي:
ذَلِكَ الْعَذَابَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ فَأَنْكَرُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ، وَحِينَئِذٍ
يَكُونُ ذلِكَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَحَلُّهُ نَصْبٌ، مَعْنَاهُ: فِعْلُنَا ذَلِكَ بِهِمْ،
بِأَنَّ اللَّهَ، أَيْ: لِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ذَلِكَ
أَيْ فعلهم الذين يَفْعَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالِاخْتِلَافِ
وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ
نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ
عَلى قُلُوبِهِمْ [الْبَقَرَةِ: 6. 7] ، وَإِنَّ الَّذِينَ
اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ: فَآمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا
بِبَعْضٍ، لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، أَيْ: فِي خِلَافٍ وَضَلَالٍ
بَعِيدٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَحَفْصٌ: لَيْسَ الْبِرَّ بِنَصْبِ الرَّاءِ،
وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا، فَمَنْ رَفَعَهَا جَعَلَ الْبِرَّ
اسْمَ لَيْسَ وخبره في قَوْلُهُ: أَنْ تُوَلُّوا، تَقْدِيرُهُ:
لَيْسَ البرّ توليتكم وجوهكم، ومن نصب جعل أَنْ تُوَلُّوا في
موضع الرفع على [أنه] [3] اسم ليس تقديره: توليتكم وجوهكم
البرّ كله كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا
أَنْ قالُوا ائْتُوا [الْجَاثِيَةِ: 25] ، وَالْبِرُّ:
كُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الْجَنَّةِ،
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ
قَوْمٌ [4] : عَنَى بِهَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَذَلِكَ
أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تُصَلِّي قِبَلَ الْمَغْرِبِ إِلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالنَّصَارَى قِبَلَ الْمَشْرِقِ،
وَزَعَمَ كُلُّ فَرِيقٍ منهم أن البرّ في [تلك الجهة] [5] ،
فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ غَيْرُ دِينِهِمْ
وَعَمَلِهِمْ، وَلَكِنَّهُ مَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ،
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ،
وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ،
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ
قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ
وَصَلَّى الصَّلَاةَ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، ثُمَّ مَاتَ
عَلَى ذَلِكَ وَجَبَتْ له الجنّة، فَلَمَّا [6] هَاجَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتِ
الْفَرَائِضُ، وحدّت [7] الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ
إِلَى الْكَعْبَةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ:
لَيْسَ الْبِرَّ، أي: [كل البر] [8] أَنْ تُصَلُّوا قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا تَعْمَلُوا [عَلَى] [9]
غَيْرِ ذَلِكَ، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ
الْآيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ
وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ، وَلكِنَّ الْبِرَّ، قَرَأَ نَافِعٌ
وَابْنُ عَامِرٍ وَلكِنَّ، خَفِيفَةَ النُّونِ الْبِرَّ،
رُفِعَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ
الْبِرِّ، قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، جَعَلَ
مَنْ وَهِيَ اسم خبر للبرّ هو فعل، ولا
__________
(1) زيد في المطبوع «على النار» .
(2) سقط من المطبوع وحده.
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المخطوط «بعضهم» .
(5) في المطبوع «ذلك» .
(6) في المطبوع «ولما» .
(7) في المطبوع «وحددت» .
(8) في المطبوع «كله» .
(9) ليس في المخطوط.
(1/203)
يُقَالُ: الْبِرُّ زِيدَ، وَاخْتَلَفُوا
فِي وَجْهِهِ، قِيلَ: لَمَّا وَقَعَ مَنْ فِي مَوْضِعِ [1]
الْمَصْدَرِ جَعَلَهُ خَبَرًا لِلْبِرِّ، كَأَنَّهُ قَالَ:
وَلَكِنَّ الْبِرَّ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْعَرَبُ
تَجْعَلُ الِاسْمَ خَبَرًا لِلْفِعْلِ، وَأَنْشَدَ
الْفَرَّاءُ:
لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى ...
وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِيِّ
فجعل نبات اللحية خَبَرًا لِلْفَتَى، وَقِيلَ: فِيهِ
إِضْمَارٌ، تقديره [2] : وَلَكِنَّ الْبِرَّ [بِرُّ] [3] مَنْ
آمَنَ بِاللَّهِ، فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْأَوَّلِ عَنِ
الثَّانِي كَقَوْلِهِمُ: الْجُودُ حَاتِمٌ، أَيِ: الْجُودُ
جُودُ حَاتِمٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ
مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ دَرَجاتٌ
عِنْدَ اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: 163] ، أَيْ: ذوو دَرَجَاتٍ،
وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى [طه: 132] ،
أَيْ: لِلْمُتَّقِي، وَالْمُرَادُ مِنَ الْبِرِّ هَاهُنَا
الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَالْمَلائِكَةِ: كُلِّهِمْ، وَالْكِتابِ، يَعْنِي: الْكُتُبَ
الْمُنَزَّلَةَ، وَالنَّبِيِّينَ: أجمع، وَآتَى الْمالَ، أي:
أَعْطَى الْمَالَ عَلى حُبِّهِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ
الْكِنَايَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّهَا
رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَالِ أَيْ: أَعْطَى الْمَالَ فِي حَالِ
صِحَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ الْمَالَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:
أَنْ تُؤْتِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى
وَتَخْشَى الْفَقْرَ.
«123» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا [مُوسَى
بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [4] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، ثَنَا
عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ أَنَا أَبُو زُرْعَةَ،
أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ
أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ
شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا
تُمْهِلْ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ
لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» .
وَقِيلَ: هي عائدة إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَيْ: عَلَى
حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى، ذَوِي الْقُرْبى: أَهْلَ
الْقَرَابَةِ.
«124» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ
بْنُ محمد الجراحي،
__________
123- إسناده صحيح على شرطهما، محمد بن إسماعيل هو البخاري،
وموسى بن إسماعيل هو المنقري، عبد الواحد هو ابن زياد، أبو
زرعة ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، قيل اسمه: هرم،
وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: جرير.
وهو في «شرح السنة» 1665 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 1419 عن موسى
بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2748 ومسلم 1032 وأبو داود 2865 والنسائي (5/
68) وابن ماجه 2706 وأحمد (2/ 25) و231 و415 و447 وابن خزيمة
2454 وابن حبان 3312 والبيهقي (4/ 189- 190) من طرق عن عمارة
بن القعقاع بهذا الإسناد.
124- حديث صحيح. إسناده لين لأجل الرّباب وهي بنت صليح، حيث
وثقها ابن حبان وحده، وقال الحافظ: مقبولة. أي إن توبعت، وقد
تابعها ابن سيرين على المتن، وللحديث شواهد. قتيبة هو ابن
سعيد، عاصم هو ابن النضر.
- وهو في «شرح السنة» 1678 بهذا الإسناد.
- وهو في «جامع الترمذي» 658 عن قتيبة بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (5/ 92) وابن ماجه 1844 وأحمد (4/ 17 و18 و214)
والحميدي 823 والدارمي (1/ 397) وابن خزيمة 2385 وابن حبان
3344 والطبراني (6206- 6211) . والبيهقي (4/ 174) من طرق عن
حفصة بنت سيرين بهذا الإسناد.
(1) في المطبوع «موقع» .
(2) في المطبوع «معناه» . [.....]
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المخطوط.
(1/204)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ،
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ
سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ [1] بْنِ
عَامِرٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:
«الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، و [هي] [2] على ذِي
الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْمُسَافِرَ
الْمُنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ يَمُرُّ عَلَيْكَ، وَيُقَالُ
لِلْمُسَافِرِ: ابْنُ السَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ الطَّرِيقَ،
وَقِيلَ: هُوَ الضَّيْفُ يَنْزِلُ بالرجل.
ع «125» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» .
وَالسَّائِلِينَ، يَعْنِي: الطَّالِبِينَ.
«126» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
زيد بن أسلم عن ابن بُجَيْدٍ [3] الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ، عَنْ جَدَّتِهِ وَهِيَ أم
بجيد:
__________
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حديث حسن.
- وأخرجه الطبراني 6204 و6205 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
عَنْ سلمان عامر به.
- ويشهد له حديث زينب زوجة عبد الله بن مسعود وفيه «لها أجران:
أجر القرابة، وأجر الصدقة» .
أخرجه البخاري 1466 ومسلم 10000 ح 45.
- وفي الباب من حديث أبي أمامة عند الطبراني في «الكبير» 7834
«إن الصدقة على ذي قرابة يضعف أجرها مرتين» .
قال الهيثمي في «المجمع» (3/ 117) : فيه عبد الله بن زحر، وهو
ضعيف اهـ.
- وحديث أبي طلحة الأنصاري «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ
صَدَقَةٌ وَعَلَى ذي الرحم صدقة وصلة» .
أخرجه الطبراني 4723 وقال الهيثمي (3/ 116) : وفيه من لم
أعرفه.
125- ع صحيح. أخرجه البخاري (6018 و6136) ومسلم 47 وابن أبي
شيبة (8/ 546) وأحمد (2/ 433 و463) وابن مندة في «الإيمان» 299
و300 وابن حبان 506 وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» 323 من
طرق من حديث أبي هريرة.
126- إسناده صحيح، رجاله ثقات، عبد الرحمن بن بجيد، ثقة، له
رؤية، وذكره بعضهم في الصحابة. وجدته أم بجيد، صحابية.
وهو في «شرح السنة» 1667 بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 923) عن زيد
بن أسلم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (6/ 435) والبخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 262)
والنسائي (5/ 81) وابن حبان (3374) والطبراني في «الكبير» (24/
555) والبيهقي (4/ 177) والبغوي 1673 من طريق مالك عن زيد بن
أسلم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1667 والترمذي 665 والنسائي (5/ 86)
والطيالسي 1659 وأحمد (3/ 382 و382) والبخاري في «التاريخ
الكبير» (5/ 262) وابن خزيمة 2473 وابن حبان 3373 والحاكم (1/
417) والبيهقي (4/ 177) من طرق عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن
بن بجيد بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح اهـ.
- وأخرجه أحمد (6/ 435) والبخاري في «تاريخه» (5/ 263)
والطبراني (24/ 557 و558) من طريق زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ
عن جدته.
(1) وقع في الأصل «سليمان» والتصويب من كتب التخريج وكتب
والتراجم.
(2) سقط من المطبوع.
(3) وقع في الأصل «أبي نجيد» والتصويب من كتب التراجم وكتب
التخريج.
(1/205)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ
بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا
فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ» [1] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي الرِّقابِ، يَعْنِي:
الْمُكَاتِبِينَ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ:
عِتْقُ النَّسَمَةِ وَفَكُّ الرَّقَبَةِ، وَقِيلَ: فِدَاءُ
الْأُسَارَى، وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ: وَأَعْطَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ:
فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، إِذا عاهَدُوا، يَعْنِي: إِذَا
وَعَدُوا أَنْجَزُوا، وَإِذَا حَلَفُوا وَنَذَرُوا أَوْفَوْا،
[وَإِذَا عَاهَدُوا أَوْفَوْا] [2] ، وَإِذَا قَالُوا صَدَقُوا
وَإِذَا ائْتُمِنُوا أَدَّوْا، وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ
قَوْلِهِ: وَالْمُوفُونَ، قِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى خبر،
ومعناه: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ
بعهدهم، وقيل: تقديره: [3] هم والموفون [بعهدهم] [4] كَأَنَّهُ
عَدَّ أَصْنَافًا، ثُمَّ قَالَ: هُمْ وَالْمُوفُونَ كَذَا،
وَقِيلَ: رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، يَعْنِي:
وَهُمُ الْمُوفُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّابِرِينَ، وَفِي
نَصْبِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
نَصْبُهَا عَلَى تَطَاوُلِ الْكَلَامِ، وَمِنْ شَأْنِ
الْعَرَبِ أَنْ تُغَيِّرَ الْإِعْرَابِ إِذَا طَالَ الْكَلَامُ
وَالنَّسَقُ، وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ:
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء: 162] ، وفي سورة المائدة:
وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى [المائدة: 69] ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ: أَعْنِي الصَّابِرِينَ، وَقِيلَ: نَصْبُهُ نَسَقًا
عَلَى قَوْلِهِ ذَوِي الْقُرْبى، أَيْ: وَآتَى الصَّابِرِينَ،
وَقَالَ الْخَلِيلُ: نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ، وَالْعَرَبُ
تَنْصِبُ الْكَلَامَ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَأَنَّهُمْ
يُرِيدُونَ إِفْرَادَ الْمَمْدُوحِ وَالْمَذْمُومِ، فَلَا
يُتْبِعُونَهُ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَيَنْصِبُونَهُ،
فَالْمَدْحُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ
[النِّسَاءِ: 162] ، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا [الْأَحْزَابِ: 61] ، قَوْلُهُ
تَعَالَى: فِي الْبَأْساءِ، أَيِ: الشِّدَّةِ وَالْفَقْرِ،
وَالضَّرَّاءِ: الْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ، وَحِينَ الْبَأْسِ،
أَيِ: الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ.
«127» أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ
اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ
حَيَّانَ [5] ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا
زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
قَالَ:
كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ
اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلى العدوّ منه،
__________
(1) هذه الرواية لأبي داود والترمذي وغيرهما.
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المطبوع وحده «تقديرهم» .
(4) زيادة من المخطوط.
(5) وقع في الأصل «حبان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب
التراجم.
127- صحيح. إسناده ضعيف، سماع زهير من أبي إسحق بعد الاختلاط،
لكن توبع. حارثة بن مضرّب ثقة، ومن دونه رجال الصحيح، أبو
إسحاق هو عمرو بن عبد الله، وزهير هو ابن معاوية بن خديج أبو
خيثمة. وقد توبع.
- وهو في «شرح السنة» 3591 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (ص 57) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ عن علي بن الجعد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 302 من طريق هشام بن عبد الملك عن زهير بن
معاوية بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (1/ 86) وأبو الشيخ (ص 57) من طريق إسرائيل عن
أبي إسحاق بهذا الإسناد، وقد صحح الشيخان رواية إسرائيل عن
جده.
وله شاهد من حديث البراء «كنا والله إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ
نَتَّقِي بِهِ، وإن الشجاع منا الذي يُحَاذِي بِهِ- يَعْنِي
النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم» أخرجه مسلم 1776. [.....]
(1/206)
|