تفسير البغوي
إحياء التراث الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ
لَهُ عِوَجًا (1)
«1346» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ
بن الجعد ثنا زهير ثنا منصور عن هلال بن يساف [1] عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ [2] عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
أَرْبَعٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ،
وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَضُرُّكَ
بِأَيِّهِنَّ بدأت» .
تفسير سورة الكهف
مَكِّيَّةٌ [3] وَهِيَ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ آية
[سورة الكهف (18) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)
__________
- وهو في «شرح السنة» 1262 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3383 والنسائي في «عمل اليوم والليلة» 831
والحاكم 1/ 503 وابن حبان 846 من طرق عن يحيى بن عربي بهذا
الإسناد.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: هذا حديث حسن
غريب لا يعرف إلّا من حديث موسى بن إبراهيم.
- وأخرجه ابن ماجه 3800 والبيهقي في «الشعب» 4371 وابن أبي
الدنيا في «الشكر» ص 37 من طرق عن موسى بن إبراهيم الأنصاري
به، وصححه الحاكم 1/ 498 ووافقه الذهبي.
- وحسبه الحسن من أجل موسى وشيخه طلحة.
1346- إسناده على شرط الصحيح.
- زهير هو ابن معاوية، منصور هو ابن المعتمر.
- وهو في «شرح السنة» 1269 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2137 وأحمد 5/ 10 و21 والطبراني 6791 من طرق عن
زهير بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 846 وابن حبان 835 من
طريقين عن جرير عن منصور به.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 847 وابن ماجه 3811
والطيالسي 899 وأحمد 5/ 11 و20 وابن حبان 839 من طرق عن سلمة
بن كهيل عن هلال بن يساف عن سمرة بن جندب به.
(1) تصحف في المطبوع «بشار» وفي المخطوط «يسار» والمثبت عن كتب
الحديث والتراجم.
(2) تصحف في المطبوع «خثيم» .
(3) وقع في المخطوط «مدنية» والمثبت هو الصواب.
- قال القرطبي رحمه الله 10/ 346: هي مكية في قول جميع
المفسرين، وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله
«جرزا» والأول أصح. [.....]
(3/171)
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ
بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ
الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ
بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً
تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا
(5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا
مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ
أَحْسَنُ عَمَلًا (7)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى
عَبْدِهِ الْكِتابَ، أَثْنَى اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ
بِإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَخَصَّ رَسُولَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ إِنْزَالَ
الْقُرْآنِ عَلَيْهِ كَانَ نِعْمَةً عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ
وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ.
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً.
[سورة الكهف (18) : الآيات 2 الى 7]
قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ
وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ
فِيهِ أَبَداً (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَداً (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا
لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ
إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ
نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا
الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها
لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)
قَيِّماً، فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مَعْنَاهُ أَنْزَلَ
عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ
عِوَجَا قَيِّماً أَيْ مُسْتَقِيمًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
عَدْلًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَيِّمًا عَلَى الْكُتُبِ
كُلِّهَا أَيْ: مُصَدِّقًا لَهَا ناسخا لشرائعها.
وقال قتادة: ليسى عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بَلْ
مَعْنَاهُ: أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ
يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، وَلَكِنْ جَعَلَهُ قيما. قوله عزّ
وجلّ: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً [وَلَمْ يَكُنْ] [1]
مُخْتَلِفًا، عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ كانَ
مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً
كَثِيراً [النِّسَاءُ: 82] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَجْعَلْهُ
مَخْلُوقًا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ
[تعالى] [2] قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ
[الزُّمُرُ: 28] أَيْ: غَيْرَ مَخْلُوقٍ. لِيُنْذِرَ بَأْساً
شَدِيداً، أَيْ [لِيُنْذِرَ] [3] بِبَأْسٍ شَدِيدٍ، مِنْ
لَدُنْهُ، أَيْ مِنْ عِنْدِهِ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً
حَسَناً، أَيِ الْجَنَّةَ.
ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3) أَيْ: مُقِيمِينَ فِيهِ.
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) .
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ، أَيْ قَالُوهُ
عَنْ جَهْلٍ لَا عَنْ عِلْمٍ، كَبُرَتْ، أَيْ: عَظُمَتْ،
كَلِمَةً، نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ [4] ، تَقْدِيرُهُ:
كَبُرَتِ الْكَلِمَةُ كَلِمَةً. وَقِيلَ: مِنْ كَلِمَةٍ،
فَحُذِفَ «مِنْ» فَانْتَصَبَ، تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ
أَيْ: تَظْهَرُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ، إِنْ يَقُولُونَ، مَا
يَقُولُونَ، إِلَّا كَذِباً.
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ [قاتل نَفْسَكَ] [5] عَلى
آثارِهِمْ، مِنْ بَعْدِهِمْ، إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا
الْحَدِيثِ، أَيِ: الْقُرْآنِ، أَسَفاً، أَيْ حُزْنًا وَقِيلَ
غَضَبًا.
إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها، فَإِنْ
قِيلَ: أَيُّ زِينَةٍ فِي الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ
وَالشَّيَاطِينِ؟ قِيلَ: فِيهَا زِينَةٌ عَلَى مَعْنَى
أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أراد به الرجال خاصة هم زينة الأرض. وقيل:
أراد به الْعُلَمَاءَ وَالصُّلَحَاءَ.
وَقِيلَ: الزِّينَةُ بِالنَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ
وَالْأَنْهَارِ، كَمَا قَالَ: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ [يُونُسُ: 24] ، لِنَبْلُوَهُمْ،
لِنَخْتَبِرَهُمْ، أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، أَيْ أَصْلَحُ
عَمَلًا. وَقِيلَ: أيهم أترك للدنيا.
__________
(1) في المطبوع «أي» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع وط.
(4) زيد في المطبوع «يقال» .
(5) سقط من المطبوع وط.
(3/172)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ
مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ
أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا
عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا
رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ
أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
[سورة الكهف (18) : الآيات 8 الى 10]
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (8) أَمْ
حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ
آياتِنا عَجَباً (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ
فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا
مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10)
وَإِنَّا لَجاعِلُونَ مَا عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (8) ،
فَالصَّعِيدُ وَجْهُ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: هُوَ التُّرَابُ،
جُرُزاً يَابِسًا أَمْلَسَ لَا يُنْبِتُ [1] شَيْئًا يُقَالُ:
جَرَزَتِ الْأَرْضُ إِذَا أُكِلَ نَبَاتُهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ
وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9) ، يَعْنِي
أَظَنَنْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ
وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا أَيْ هُمْ عَجَبٌ
مِنْ آيَاتِنَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا
بِأَعْجَبَ مِنْ آيَاتِنَا فَإِنَّ مَا خَلَقْتُ مِنَ
السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْعَجَائِبِ
أعجب منهم، والكهف:
هُوَ الْغَارُ فِي الْجَبَلِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّقِيمِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
هُوَ لَوْحٌ كُتِبَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ
وَقَصَصُهُمْ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقَاوِيلِ، ثُمَّ وَضَعُوهُ
عَلَى بَابِ الْكَهْفِ وَكَانَ اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ،
وَقِيلَ: مِنْ حِجَارَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّقِيمُ
بِمَعْنَى الْمَرْقُومِ، أَيِ: الْمَكْتُوبِ، وَالرَّقْمُ:
الْكِتَابَةُ.
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هو اسْمٌ
لِلْوَادِي الَّذِي فِيهِ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، وَعَلَى هَذَا
هُوَ مِنْ رَقْمَةِ الْوَادِي وَهُوَ جَانِبُهُ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: هُوَ اسْمٌ لِلْقَرْيَةِ الَّتِي
خَرَجَ مِنْهَا أَصْحَابُ الْكَهْفِ. وقيل: اسم للجبل الي فيه
الكهف، ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ.
فَقَالَ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ، أَيْ
صَارُوا إِلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ مَصِيرِهِمْ إِلَى
الْكَهْفِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ:
مَرَجَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ وَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْخَطَايَا
وَطَغَتْ فِيهِمُ الْمُلُوكُ حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَامَ
وَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ، وَفِيهِمْ بَقَايَا عَلَى دِينِ
الْمَسِيحِ مُتَمَسِّكِينَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ،
فَكَانَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مُلُوكِهِمْ مَلِكٌ مِنَ
الرُّومِ يُقَالُ لَهُ دِقْيَانُوسُ عَبَدَ الْأَصْنَامَ
وَذَبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ، وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ، وَكَانَ
يَنْزِلُ قُرَى الرُّومِ وَلَا يَتْرُكُ فِي قَرْيَةٍ
نَزَلَهَا أَحَدًا إِلَّا فَتَنَهُ حَتَّى يَعْبُدَ
الْأَصْنَامَ وَيَذْبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ أَوْ قَتَلَهُ حَتَّى
نَزَلَ مدينة أصحاب الكهف وهي أقسوس فَلَمَّا نَزَلَهَا كَبُرَ
عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ فَاسْتَخْفَوْا مِنْهُ وَهَرَبُوا
فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَكَانَ دِقْيَانُوسُ حِينَ قَدِمَهَا
أَمَرَ أَنْ يُتْبَعَ أَهْلُ الْإِيمَانِ فَيُجْمَعُوا لَهُ
وَاتَّخَذَ شُرَطًا مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِهَا
يَتَّبِعُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي أَمَاكِنِهِمْ
فَيُخْرِجُونَهُمْ إِلَى دِقْيَانُوسَ، فَيُخَيِّرُهُمْ بَيْنَ
الْقَتْلِ وَبَيْنَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ
لِلطَّوَاغِيتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْغَبُ فِي الْحَيَاةِ
[فيعبدهم] [2] وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَى أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ
اللَّهِ فَيُقْتَلُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الشِّدَّةِ فِي الْإِيمَانِ
بِاللَّهِ جَعَلُوا يُسَلِّمُونَ [3] أَنْفُسَهُمْ لِلْعَذَابِ
وَالْقَتْلِ، فَيُقْتَلُونَ وَيُقَطَّعُونَ ثُمَّ يُرْبَطُ ما
قطع من أجسادهم عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ مِنْ نَوَاحِيهَا
وَعَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا حَتَّى عَظُمَتِ
الْفِتْنَةُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفِتْيَةُ حَزِنُوا
حُزْنًا شَدِيدًا فَقَامُوا وَاشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ
وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ والتسبيح والدعاء.
__________
(1) تصحف في المطبوع «يبيت» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «يسلموا» .
(3/173)
وَكَانُوا مِنْ أَشْرَافِ الرُّومِ،
وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ بَكَوْا وَتَضَرَّعُوا إِلَى
الله وجعلوا يقولون: ربن رب السموات وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ
مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا إِنْ
عَبَدْنَا غَيْرَهُ اكْشِفْ عَنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ
هَذِهِ الْفِتْنَةَ، وَارْفَعْ عَنْهُمْ هَذَا الْبَلَاءَ
حَتَّى يُعْلِنُوا عِبَادَتَكَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى مِثْلِ
ذَلِكَ وَقَدْ دَخَلُوا فِي مُصَلًّى لَهُمْ أَدْرَكَهُمُ
الشُّرَطُ فَوَجَدُوهُمْ وَهُمْ سُجُودٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ
يَبْكُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ، فَقَالُوا لَهُمْ:
مَا خَلَّفَكُمْ عَنْ أَمْرِ الْمَلِكِ انْطَلِقُوا إِلَيْهِ
ثُمَّ خَرَجُوا فَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَى دِقْيَانُوسَ،
فَقَالُوا: تَجْمَعُ النَّاسَ لِلذَّبْحِ لِآلِهَتِكَ
وَهَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ يَسْتَهْزِئُونَ
بِكَ وَيَعْصُونَ أَمْرَكَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَعَثَ
إِلَيْهِمْ فَأَتَى بِهِمْ تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ
الدَّمْعِ مُعَفَّرَةً وُجُوهُهُمْ بِالتُّرَابِ. فَقَالَ
لَهُمْ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا الذَّبْحَ
لِآلِهَتِنَا الَّتِي تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ وَتَجْعَلُوا
أَنْفُسَكُمْ أُسْوَةً لسراة [1] أهل مدينتكم؟ فاختاروا إِمَّا
أَنْ تَذْبَحُوا لِآلِهَتِنَا وَإِمَّا أَنْ أَقْتُلَكُمْ [2]
، فَقَالَ مَكْسِلْمِينَا وَهُوَ أكبرهم سنا: إِنَّ لَنَا
إِلَهًا مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَظَمَةً لَنْ
نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا أَبَدًا لَهُ الْحَمْدُ
وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ مِنْ أَنْفُسِنَا خَالِصًا
أَبَدًا، إِيَّاهُ نَعْبُدُ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ النَّجَاةَ
وَالْخَيْرَ، فَأَمَّا الطَّوَاغِيتُ فَلَنْ نَعْبُدَهَا
أَبَدًا فَاصْنَعْ بِنَا مَا بَدَا لَكَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ مَكْسِلْمِينَا لِدِقْيَانُوسَ مِثْلَ مَا
قَالَ [مَكْسِلْمِينَا] [3] ، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ أَمَرَ
فَنَزَعَ عنهم لبوسا كانت عَلَيْهِمْ مِنْ لُبُوسِ
عُظَمَائِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: سَأَفْرُغُ لَكُمْ فَأُنْجِزُ
لَكُمْ مَا أَوْعَدْتُكُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَمَا
يَمْنَعُنِي أَنْ أُعَجِّلَ ذَلِكَ لَكُمْ إِلَّا أَنِّي
أَرَاكُمْ شُبَّانًا حَدِيثَةً أَسْنَانُكُمْ، فَلَا أُحِبُّ
أَنْ أُهْلِكَكُمْ حَتَّى أَجْعَلَ لَكُمْ أَجَلًا
تَذَكَّرُونَ فِيهِ وَتُرَاجِعُونَ عُقُولَكُمْ، ثُمَّ أَمَرَ
بِحِلْيَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَهَبٍ وفضة فنزعت عنهم.
ثم أمرهم فَأُخْرِجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَانْطَلَقَ دِقْيَانُوسُ
إِلَى مَدِينَةٍ سِوَى مَدِينَتِهِمْ قَرِيبًا مِنْهُمْ
لِبَعْضِ أُمُورِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ خُرُوجَهُ
بَادَرُوا قُدُومَهُ وَخَافُوا إِذَا قَدِمَ مَدِينَتَهُمْ
أَنْ يَذْكُرَهُمْ [وأن يفتك بهم] [4] فأتمروا بينهم أن يأخذ
كل مِنْهُمْ نَفَقَةً مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ فَيَتَصَدَّقُوا
مِنْهَا وَيَتَزَوَّدُوا بِمَا بَقِيَ ثُمَّ يَنْطَلِقُوا
إِلَى كَهْفٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي جَبَلٍ يُقَالُ له
مخلوس، فَيَمْكُثُونَ فِيهِ وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ حَتَّى
إِذَا جَاءَ دِقْيَانُوسُ أَتَوْهُ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ
فَيَصْنَعُ بِهِمْ مَا شَاءَ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَمَدَ كُلُّ فَتًى مِنْهُمْ إِلَى بَيْتِ
أَبِيهِ فَأَخَذَ نَفَقَةً فَتَصَدَّقَ مِنْهَا، ثُمَّ
انْطَلَقُوا بِمَا بَقِيَ مَعَهُمْ وَاتَّبَعَهُمْ كَلْبٌ
كَانَ لَهُمْ حَتَّى أَتَوْا ذَلِكَ الْكَهْفَ، فَلَبِثُوا
فِيهِ. قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ:
مروا بكلب فتبعهم فطردوه [فعاد] ففعلوا [5] ذَلِكَ مِرَارًا
فَقَالَ لَهُمُ الْكَلْبُ: يَا قَوْمُ مَا تُرِيدُونَ مِنِّي
لا تخشوا جَانِبِي أَنَا أُحِبُّ أَحْبَابَ اللَّهِ، فَنَامُوا
حَتَّى أَحْرُسَكُمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَرَبُوا لَيْلًا مِنْ دِقْيَانُوسَ،
وَكَانُوا سَبْعَةً فَمَرُّوا بِرَاعٍ مَعَهُ كَلْبٌ
فَتَبِعَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَتَبِعَهُ كَلْبُهُ فَخَرَجُوا
مِنَ الْبَلَدِ إِلَى الْكَهْفِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ
الْبَلَدِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَبِثُوا فِيهِ لَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ
إِلَّا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
وَالتَّحْمِيدُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَجَعَلُوا
نَفَقَتَهُمْ إِلَى فَتًى مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ تَمْلِيخَا
فَكَانَ يَبْتَاعُ لَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ
سِرًّا وَكَانَ مِنْ أَحْمَلِهِمْ وَأَجْلَدِهِمْ، وَكَانَ
إِذَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ يَضَعُ ثِيَابًا كَانَتْ عَلَيْهِ
حِسَانًا وَيَأْخُذُ ثِيَابًا كَثِيَابِ الْمَسَاكِينِ
الَّذِينَ يَسْتَطْعِمُونَ فِيهَا ثُمَّ يَأْخُذُ وَرِقَهُ
فَيَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَشْتَرِي لَهُمْ طَعَامًا
وَشَرَابًا وَيَتَجَسَّسُ لَهُمُ الْخَبَرَ هَلْ ذُكِرَ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَصْحَابِهِ
فَلَبِثُوا بذلك ما لبثوا.
__________
(1) في المطبوع «لسادات من» .
(2) في المطبوع «أقتلنكم» .
(3) زيد في المطبوع.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «ففعل» .
(3/174)
ثُمَّ قَدِمَ دِقْيَانُوسُ الْمَدِينَةَ
فَأَمَرَ عُظَمَاءَ أَهْلِهَا فَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ
فَفَزِعَ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَكَانَ تَمْلِيخَا
بِالْمَدِينَةِ يَشْتَرِي لِأَصْحَابِهِ طَعَامَهُمْ فَرَجَعَ
إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَمَعَهُ طَعَامٌ قَلِيلٌ،
وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْجَبَّارَ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ
وَأَنَّهُمْ قَدْ ذُكِرُوا وَالْتُمِسُوا مَعَ عُظَمَاءِ
الْمَدِينَةِ فَفَزِعُوا وَوَقَعُوا سُجُودًا يَدْعُونَ
اللَّهَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ وَيَتَعَوَّذُونَ مِنَ
الْفِتْنَةِ.
ثُمَّ إِنَّ تَمْلِيخَا قَالَ لهم: يا إخوتاه ارفعوا رؤوسكم
وَاطْعَمُوا وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ، فَرَفَعُوا رؤوسهم
وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ، فَطَعِمُوا وذلك [مع]
[1] غُرُوبَ الشَّمْسِ ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ
وَيَتَدَارَسُونَ وَيُذَكِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَبَيْنَمَا
هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمُ
النَّوْمَ فِي الْكَهْفِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ
بِبَابِ الْكَهْفِ، فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ وَهُمْ مؤمنون
موقنون ونفقتهم عند رؤوسهم.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَقَدَهُمْ دِقْيَانُوسُ
فَالْتَمَسَهُمْ فَلَمْ يَجِدْهُمْ، فَقَالَ لِبَعْضِهِمْ:
لَقَدْ سَاءَنِي شَأْنُ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ
ذَهَبُوا، لَقَدْ كَانُوا ظَنُّوا أَنَّ بِي غَضَبًا
عَلَيْهِمْ لِجَهْلِهِمْ مَا جَهِلُوا مِنْ أَمْرِي مَا كُنْتُ
لِأَحْمِلَ عَلَيْهِمْ إِنْ هُمْ تَابُوا وَعَبَدُوا آلِهَتِي.
فَقَالَ عُظَمَاءُ الْمَدِينَةِ: مَا أَنْتَ بِحَقِيقٍ أَنْ
تَرْحَمَ قَوْمًا فَجَرَةً مَرَدَةً عُصَاةً قَدْ كُنْتَ
أَجَّلْتَ لَهُمْ أجلا ولو شاؤوا لَرَجَعُوا فِي ذَلِكَ
الْأَجَلِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا.
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ
أَرْسَلَ إِلَى آبَائِهِمْ فَأَتَى بِهِمْ فَسَأَلَهُمْ
عَنْهُمْ، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ أَبْنَائِكُمُ المردة
الذين عصوني [وتوعدهم بِالْقَتْلِ] [2] فَقَالُوا لَهُ: أَمَّا
نَحْنُ فَلَمْ نَعْصِكَ فَلِمَ تَقْتُلُنَا بِقَوْمٍ مَرَدَةٍ
قَدْ ذَهَبُوا بِأَمْوَالِنَا، فَأَهْلَكُوهَا فِي أَسْوَاقِ
الْمَدِينَةِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا وارتقوا إلى جبل يدعى بمخلوس.
فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَجَعَلَ لَا
يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِالْفِتْيَةِ، فَأَلْقَى اللَّهُ فِي
نَفْسِهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْكَهْفِ فَيُسَدَّ عَلَيْهِمْ
وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُكْرِمَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ آيَةً
لِأُمَّةٍ تُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَأَنْ يُبَيِّنَ
لَهُمْ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا. وَأَنَّ
اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، فَأَمَرَ دِقْيَانُوسُ
بِالْكَهْفِ أَنْ يُسَدَّ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: دَعُوهُمْ
كَمَا هُمْ فِي الْكَهْفِ يَمُوتُونَ جُوعًا وعطشا ويكون كهفهم
الذي اختاروه قَبْرًا لَهُمْ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ
أَيْقَاظٌ يَعْلَمُونَ مَا يُصْنَعُ بِهِمْ.
وَقَدْ تَوَفَّى اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ وَفَاةَ النَّوْمِ،
وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِبَابِ الكهف قد غشيه [3]
مَا غَشِيَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ
الشِّمَالِ.
ثُمَّ إِنَّ رَجُلَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ
دِقْيَانُوسَ يكتمان إيمانهم اسم أحدهما بيدروس [4] و [اسم]
الْآخَرِ رُونَاسُ، ائْتَمَرَا أَنْ يَكْتُبَا شَأْنَ
الْفِتْيَةِ وَأَنْسَابَهُمْ وَأَسْمَاءَهُمْ وَخَبَرَهُمْ في
لوحين مِنْ رَصَاصٍ وَيَجْعَلَاهُمَا فِي تَابُوتٍ مِنْ
نُحَاسٍ، وَيَجْعَلَا التَّابُوتَ فِي الْبُنْيَانِ، وَقَالَا
لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظْهِرَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ
قَوْمًا مُؤْمِنِينَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَعْلَمُ
من فتح عليهم حِينَ يَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابَ خَبَرَهُمْ،
فَفَعَلَا وَبَنَيَا عَلَيْهِ فَبَقِيَ دِقْيَانُوسُ ما بقي.
__________
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «غشيهم» .
(4) في المخطوط «روماس» .
(3/175)
ثُمَّ مَاتَ هُوَ وَقَوْمُهُ وَقُرُونٌ
بَعْدَهُ كَثِيرَةٌ وَخَلَفَتِ الْمُلُوكُ بَعْدَ الْمُلُوكِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ
فِتْيَانًا مُطَوَّقِينَ مُسَوَّرِينَ ذَوِي ذَوَائِبَ وَكَانَ
مَعَهُمْ كَلْبُ صَيْدِهِمْ فَخَرَجُوا فِي عِيدٍ لهم [فِي
زِيٍّ] [1] عَظِيمٍ وَمَوْكِبٍ وَأَخْرَجُوا مَعَهُمْ
آلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا، وَقَدْ قَذَفَ اللَّهُ
[فِي] [2] قُلُوبِ الْفِتْيَةِ الْإِيمَانَ وَكَانَ أَحَدُهُمْ
وَزِيرَ الْمَلِكِ فَآمَنُوا وَأَخْفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
إِيمَانَهُ فَقَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ
أَظْهُرِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لا يصيبنا عقاب يحرمهم فَخَرَجَ
شَابٌّ مِنْهُمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ
فَجَلَسَ فِيهِ ثُمَّ خَرَجَ آخَرُ فَرَآهُ جَالِسًا وَحْدَهُ
فَرَجَا أَنْ يَكُونَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يُظْهِرَ ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ فاجتمعوا.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا جَمَعَكُمْ وَكُلُّ وَاحِدٍ
يَكْتُمُ صَاحِبَهُ إِيمَانَهُ مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ،
ثُمَّ قَالُوا: لِيَخْرُجْ كُلُّ فَتَى فَيَخْلُوَ بِصَاحِبِهِ
ثم يفشي واحد منكم سِرَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، فَفَعَلُوا
فَإِذَا هُمْ جَمِيعًا عَلَى الْإِيمَانِ، وَإِذَا كَهْفٌ فِي
الْجَبَلِ قَرِيبٌ مِنْهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ [الكهف:
16] ، فَدَخَلُوا الْكَهْفَ وَمَعَهُمْ كَلْبُ صَيْدِهِمْ
فَنَامُوا ثَلَاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا،
وَفَقَدَهُمْ قَوْمُهُمْ فَطَلَبُوهُمْ فَعَمَّى اللَّهُ
عَلَيْهِمْ آثَارَهُمْ وَكَهْفَهُمْ.
فَكَتَبُوا أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ فِي لَوْحٍ: فُلَانٌ
وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ أَبْنَاءُ مُلُوكِنَا فَقَدْنَاهُمْ فِي
شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا فِي مَمْلَكَةِ فُلَانِ ابْنِ
فُلَانٍ وَوَضَعُوا اللَّوْحَ فِي خِزَانَةِ الْمَلِكِ.
وَقَالُوا: لَيَكُونَنَّ لِهَذَا شَأْنٌ وَمَاتَ ذَلِكَ
الْمَلِكُ، وَجَاءَ قَرْنٌ بَعْدَ [قَرْنٍ] [3] . وَقَالَ
وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: جَاءَ حَوَارِيُّ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ إِلَى مَدِينَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَأَرَادَ
أَنْ يَدْخُلَهَا فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَلَى بَابِهَا صَنَمًا
لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا سَجَدَ لَهُ فَكَرِهَ أَنْ
يَدْخُلَهَا فَأَتَى حَمَّامًا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ
فَكَانَ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنَ الْحَمَّامِيِّ، وَيَعْمَلُ
فِيهِ وَرَأَى صَاحِبُ الْحَمَّامِ فِي حَمَّامِهِ الْبَرَكَةَ
واجتمع عليه فِتْيَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَجَعَلَ
يخبرهم [من] [4] خَبَرَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَخَبَرَ
الْآخِرَةِ حَتَّى آمَنُوا وَصَدَّقُوهُ، وَكَانَ شَرَطَ
[عَلَى] [5] صَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنَّ اللَّيْلَ لِي لَا
يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَا بَيْنَ الصَّلَاةِ أَحَدٌ.
وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَى ابْنُ الْمَلِكِ
بِامْرَأَةٍ فَدَخَلَ بِهَا الْحَمَّامَ فَعَيَّرَهُ
الْحَوَارِيُّ، وَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ الْمَلِكِ وَتَدْخُلُ
مَعَ هَذِهِ فَاسْتَحْيَا وَذَهَبَ فَرَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى.
فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَبَّهُ وَانْتَهَرَهُ ولم يلتفت
إلى مقالته حَتَّى دَخَلَا مَعًا فَمَاتَا فِي الْحَمَّامِ
وَأَتَى الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ قَتَلَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ
ابْنَكَ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَهَرَبَ.
فَقَالَ: مَنْ كَانَ يَصْحَبُهُ فَسَمَّوُا الْفِتْيَةَ
فَالْتُمِسُوا فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا
بِصَاحِبٍ لَهُمْ عَلَى مَثَلِ إِيمَانِهِمْ فَانْطَلَقَ
مَعَهُمْ وَمَعَهُ كَلْبٌ حَتَّى آوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى
الْكَهْفِ فَدَخَلُوهُ، وقالوا: نبيت هنا الليلة ثُمَّ
نُصْبِحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَرَوْنَ رَأْيَكُمْ
فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَخَرَجَ الْمَلِكُ فِي
أصحابه يبتغونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فأراد رجل منهم
الدخول [عليهم] [6] فأرعب فَلَمْ يُطِقْ أَحَدٌ أَنْ
يَدْخُلَهُ.
__________
(1) وقعت في المطبوع بعد «عظيم» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/176)
فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَيْسَ لَوْ
قَدَرْتَ عَلَيْهِمْ قَتَلْتَهُمْ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ:
فَابْنِ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ وَاتْرُكْهُمْ فِيهِ
يَمُوتُونَ جُوعًا [وَعَطَشًا] [1] ، ففعل.
قال وهب: فعبر بعد ما سدوا عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان،
ثُمَّ إِنَّ رَاعِيًا أَدْرَكَهُ الْمَطَرُ عِنْدَ الْكَهْفِ
فَقَالَ لَوْ فَتَحْتُ باب هَذَا الْكَهْفَ وَأَدْخَلْتُ
غَنَمِي فِيهِ من المطر فأكنهم مِنَ الْمَطَرِ [لَكَانَ
حَسَنًا] [2] ، فَلَمْ يزل يعالجه حتى فتحه [3] وَرَدَّ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ مِنَ الْغَدِ حِينَ
أَصْبَحُوا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَلَكَ أَهْلَ تِلْكَ
الْبِلَادِ رَجُلٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ بَيْدَرُوسُ، فَلَمَّا
مَلَكَ بَقِيَ فِي مُلْكِهِ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ سَنَةً
فَتَحَزَّبَ النَّاسُ فِي مُلْكِهِ فَكَانُوا أَحْزَابًا
مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ السَّاعَةَ
حَقٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَذِّبُ بِهَا، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى
الْمَلِكِ الصَّالِحِ فَبَكَى وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ
وَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا لَمَّا رَأَى أَهْلَ الْبَاطِلِ
يَزِيدُونَ وَيَظْهَرُونَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، وَيَقُولُونَ
لَا حَيَاةَ إِلَّا حَيَاةُ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا تُبْعَثُ
الْأَرْوَاحُ وَلَا تُبْعَثُ الْأَجْسَادُ، فَجَعَلَ
بَيْدَرُوسُ يُرْسِلُ إِلَى من يظن فيهم خَيَّرَا وَأَنَّهُمْ
أَئِمَّةٌ فِي الْخَلْقِ، فَجَعَلُوا يُكَذِّبُونَ
بِالسَّاعَةِ حَتَّى كَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوا النَّاسَ عَنِ
الْحَقِّ وَمِلَّةِ الْحَوَارِيِّينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ
الْمَلِكُ الصَّالِحُ دَخَلَ بَيْتَهُ وَأَغْلَقَهُ عَلَيْهِ،
وَلَبِسَ مِسْحًا وَجَعَلَ تَحْتَهُ رَمَادًا فَجَلَسَ
عَلَيْهِ فَدَأَبَ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ زَمَانًا يَتَضَرَّعُ
إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَبْكِي.
وَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدْ تَرَى اخْتِلَافَ هَؤُلَاءِ
فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ آيَةً تُبَيِّنُ لَهُمْ بُطْلَانَ مَا
هُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الَّذِي
يَكْرَهُ هَلَكَةَ الْعِبَادِ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ
الْفِتْيَةَ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
شَأْنَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ آيَةً وَحُجَّةً عَلَيْهِمْ
لِيَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا،
وَيَسْتَجِيبُ لِعَبْدِهِ الصَّالِحِ بَيْدَرُوسَ وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَجْمَعَ مَنْ كَانَ تَبَدَّدَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَأَلْقَى اللَّهُ فِي نَفْسِ رَجُلٍ من [أهل] [4] تلك البلد
التي فيها الْكَهْفُ، وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ أولياس
أَنْ يَهْدِمَ ذَلِكَ الْبُنْيَانَ الَّذِي عَلَى فَمِ
الْكَهْفِ فَيَبْنِي بِهِ حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ فَاسْتَأْجَرَ
غُلَامَيْنِ فَجَعَلَا يَنْزِعَانِ تِلْكَ الْحِجَارَةَ
وَيَبْنِيَانِ تِلْكَ الْحَظِيرَةَ، حَتَّى نَزَعَا مَا عَلَى
فَمِ الْكَهْفِ وَفَتَحَا بَابَ الْكَهْفِ وَحَجَبَهُمُ
اللَّهُ عَنِ النَّاسِ بِالرُّعْبِ، فَلَمَّا فَتَحَا بَابَ
الْكَهْفِ أَذِنَ اللَّهُ ذُو الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ
مُحْيِي الْمَوْتَى لِلْفِتْيَةِ أَنْ يَجْلِسُوا بَيْنَ
ظَهَرَانَيِ الْكَهْفِ.
فَجَلَسُوا فَرِحِينَ مُسْفِرَةً وُجُوهُهُمْ طَيِّبَةً
أَنْفُسُهُمْ فَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ على بعض، كأنما
اسْتَيْقَظُوا مِنْ سَاعَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا
يَسْتَيْقِظُونَ فِيهَا إِذَا أَصْبَحُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ.
ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا كَالَّذِي كَانُوا
يَفْعَلُونَ لَا يُرَى فِي وُجُوهِهِمْ وَلَا أَلْوَانِهِمْ
شَيْءٌ يُنْكِرُونَهُ كَهَيْئَتِهِمْ حِينَ رَقَدُوا وَهُمْ
يَرَوْنَ أَنَّ دِقْيَانُوسَ فِي طَلَبِهِمْ فَلِمَا قَضَوْا
صَلَاتَهُمْ قَالُوا لتمليخا صَاحِبِ نَفَقَاتِهِمْ
أَنْبِئْنَا مَا الَّذِي قَالَ النَّاسُ فِي شَأْنِنَا
عَشِيَّةَ أَمْسٍ عِنْدَ هَذَا الْجَبَّارِ؟ وَهُمْ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ رَقَدُوا كَبَعْضِ مَا كانوا يرقدون، وقد تخيل لهم
أَنَّهُمْ قَدْ نَامُوا أَطْوَلَ مِمَّا كانوا ينامون، حتى
تساءلوا بَيْنَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
كَمْ لَبِثْتُمْ نِيَامًا؟ قَالُوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ، ثُمَّ قَالُوا: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا
لَبِثْتُمْ، وَكُلُّ ذلك في أنفسكم يسير.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «فتح» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/177)
فقال لهم تمليخا: الْتُمِسْتُمْ فِي
الْمَدِينَةِ فَلَمْ تُوجَدُوا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى
بِكُمُ الْيَوْمَ، فَتَذْبَحُونَ لِلطَّوَاغِيتِ أَوْ
يَقْتُلُكُمْ فَمَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَ،
فَقَالَ لَهُمْ مَكْسِلْمِينَا: يَا إِخْوَتَاهُ اعْلَمُوا
أَنَّكُمْ مُلَاقُو اللَّهِ فَلَا تَكْفُرُوا بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ إِذَا دَعَاكُمْ عَدُوُّ اللَّهِ ثُمَّ قَالُوا
لتمليخا انْطَلِقْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَسَمَّعْ مَا يقال
لنا بِهَا، وَمَا الَّذِي يُذْكَرُ عِنْدَ دِقْيَانُوسَ
وَتَلَطَّفْ وَلَا تُشْعِرَنَّ بِكَ أَحَدًا وَابْتَعْ لَنَا
طَعَامًا فَائْتِنَا بِهِ وَزِدْنَا عَلَى الطَّعَامِ الَّذِي
جئتنا [1] بِهِ، فَقَدْ أَصْبَحْنَا جِيَاعًا.
فَفَعَلَ تمليخا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ وَوَضَعَ ثِيَابَهُ وأخذ
الثياب التي [كان] [2] يَتَنَكَّرُ فِيهَا وَأَخَذَ وَرِقًا
مِنْ نَفَقَتِهِمُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُمْ وَالَّتِي
ضُرِبَتْ بِطَابَعِ دِقْيَانُوسَ، فَكَانَتْ كَخِفَافِ الربع
[والربع أول ما ينتج من ولد الضأن في الربيع] [3] ، فانطلق
تمليخا خَارِجًا فَلَمَّا مَرَّ بِبَابِ الْكَهْفِ رَأَى
الْحِجَارَةَ مَنْزُوعَةً عَنْ بَابِ الْكَهْفِ فَعَجِبَ
مِنْهَا ثُمَّ مَرَّ وَلَمْ يُبَالِ بِهَا حَتَّى [أَتَى] [4]
باب المدينة مستخفيا يصد عن الطريق مخافة أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ
مِنْ أَهْلِهَا فَيَعْرِفَهُ وَلَا يَشْعُرُ أَنَّ
دِقْيَانُوسَ وَأَهْلَهُ قَدْ هَلَكُوا قَبْلَ ذَلِكَ
بثلاثمائة سنة.
فلما أتى تمليخا بَابَ الْمَدِينَةِ رَفَعَ بَصَرَهُ فَرَأَى
فَوْقَ ظَهْرِ الْبَابِ عَلَامَةً تَكُونُ لأهل الإيمان إذا
كان [أمر] [5] الْإِيمَانُ ظَاهِرًا فِيهَا فَلَمَّا رَآهَا
عَجِبَ وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مُسْتَخْفِيًا يَنْظُرُ
يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ الْبَابَ
فَتَحَوَّلَ إِلَى بَابٍ آخَرَ مِنْ أَبْوَابِهَا فَرَأَى
مِثْلَ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّ الْمَدِينَةَ
لَيْسَتْ بِالَّتِي كَانَ يَعْرِفُ وَرَأَى نَاسًا كَثِيرًا
مُحْدَثِينَ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَعَلَ
يَمْشِي وَيَتَعَجَّبُ وَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ
حَيْرَانُ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي أَتَى مِنْهُ فَجَعَلَ
يَتَعَجَّبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَيَقُولُ: يَا لَيْتَ
شِعْرِي مَا هَذَا؟ أَمَّا عيشة أمس فكان المسلمون يخبئون
هَذِهِ الْعَلَامَةَ وَيَسْتَخْفُونَ بِهَا، وَأَمَّا اليوم
فإنها ظاهرة لعلي حالم ثُمَّ يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِمٍ،
فَأَخَذَ كِسَاءَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ دَخَلَ
الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَمْشِي بين ظهراني سُوقِهَا فَيَسْمَعُ
نَاسًا يَحْلِفُونَ بِاسْمِ عيسى ابن مريم فزاده [ذلك] [6]
فَرَقًا وَرَأَى أَنَّهُ حَيْرَانُ.
فَقَامَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى جِدَارٍ مِنْ جدر المدينة،
وقال فِي نَفْسِهِ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي ما هذا؟ أما عيشة
أَمْسٍ فَلَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ إِنْسَانٌ يَذْكُرُ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِلَّا قُتِلَ، وَأَمَّا الْغَدَاةُ
فَأَسْمَعُهُمْ وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَذْكُرُ اسْمَ عِيسَى وَلَا
يَخَافُ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ فِي نَفْسِهِ: لَعَلَّ هَذِهِ
لَيْسَتْ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي أَعْرِفُ، وَاللَّهِ مَا أعلم
مدينة أقرب [من] [7] مَدِينَتِنَا، فَقَامَ كَالْحَيْرَانِ
ثُمَّ لَقِيَ فَتًى فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُ هَذِهِ
الْمَدِينَةِ يَا فَتَى قَالَ اسمها أقسوس، فَقَالَ فِي
نَفْسِهِ: لَعَلَّ بِي مَسًّا أَوْ أَمْرًا أَذْهَبَ عَقْلِي
وَاللَّهِ يَحِقُّ لِي أَنْ أُسْرِعَ الْخُرُوجَ مِنْهَا
قَبْلَ أَنْ أَخْزَى فِيهَا أَوْ يُصِيبَنِي شَرٌّ فَأَهْلَكُ
ثُمَّ إِنَّهُ أَفَاقَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ عَجَّلْتُ
الْخُرُوجَ مِنَ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُفْطَنَ بِي
لَكَانَ أكيس.
فَدَنَا مِنَ الَّذِينَ يَبِيعُونَ الطَّعَامَ فَأَخْرَجَ
الْوَرِقَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ فَأَعْطَاهَا رَجُلًا
مِنْهُمْ فَقَالَ بِعْنِي بِهَذِهِ الْوَرِقِ طَعَامًا
فَأَخَذَهَا الرَّجُلُ فَنَظَرَ [إِلَى ضَرْبِ الْوَرِقِ
وَنَقْشِهَا فَعَجِبَ مِنْهُ ثُمَّ طَرَحَهَا إِلَى رجل آخر من
أصحابه فنظر إليها] [8] فجعلوا يتطار حونها بَيْنَهُمْ مِنْ
رَجُلٍ إِلَى رَجُلٍ. ويتعجبون مِنْهَا. ثُمَّ جَعَلُوا
يَتَشَاوَرُونَ بَيْنَهُمْ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
إِنَّ هَذَا أَصَابَ كَنْزًا خَبِيئًا فِي الْأَرْضِ مُنْذُ
زَمَانٍ وَدَهْرٍ طَوِيلٍ، فَلَمَّا رآهم تمليخا
يَتَشَاوَرُونَ مِنْ أَجْلِهِ فَرَقَ فَرَقًا شَدِيدًا
وَجَعَلَ يَرْتَعِدُ وَيَظُنُّ أَنَّهُمْ قد فطنوا به وعرفوه
__________
(1) في المطبوع «جئنا» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) سقط من المخطوط.
(3/178)
وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ
يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ وَجَعَلَ
أُنَاسٌ آخَرُونَ يَأْتُونَهُ فَيَتَعَرَّفُونَهُ فَلَا
يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ لَهُمْ وَهُوَ شَدِيدُ الْفَرَقِ
مِنْهُمُ: افْضُلُوا [1] عَلَيَّ قَدْ أَخَذْتُمْ وَرِقِي
فَأَمْسِكُوهَا [2] وَأَمَّا طَعَامُكُمْ فَلَا حَاجَةَ لِي
بِهِ.
فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَا فَتَى وَمَا شَأْنُكَ
وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتَ كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ
الْأَوَّلِينَ، وَأَنْتَ تريد أن تخفيه منا، فَانْطَلِقْ
مَعَنَا وَأَرِنَا وَشَارِكْنَا فِيهِ، نُخْفِ عَلَيْكَ مَا
وَجَدْتَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ نَأْتِ بِكَ إِلَى
السُّلْطَانِ فَنُسَلِّمْكَ إِلَيْهِ فَيَقْتُلْكَ، فَلَمَّا
سَمِعَ قَوْلَهُمْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: قَدْ وَقَعْتُ فِي
كُلِّ شَيْءٍ كُنْتُ أَحْذَرُ مِنْهُ، فَقَالُوا:
يَا فَتَى إِنَّكَ وَاللَّهِ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكْتُمَ
مَا وَجَدْتَ.
فجعل تمليخا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ لَهُمْ وَمَا يَرْجِعُ
إِلَيْهِمْ، وَفَرَقَ حَتَّى مَا يُخْبِرُ [3] إِلَيْهِمْ
شَيْئًا، فَلَمَّا رَأَوْهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَخَذُوا
كِسَاءَهُ فَطَرَحُوهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ جَعَلُوا يقودونه
في سكك المدينة حَتَّى سَمِعَ بِهِ مَنْ فِيهَا، وقيل: قد أخذ
رجل معه كَنْزٌ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،
وَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا الْفَتَى مِنْ أَهْلِ
هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَمَا رأيناه فينا قَطُّ وَمَا نَعْرِفُهُ
قَطُّ، فَجَعَلَ تمليخا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ لَهُمْ،
فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَرَقَ
فَسَكَتَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ.
وَكَانَ مُسْتَيْقِنًا أَنَّ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ
بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ حَسَبَهُ وَنَسَبَهُ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِهَا وَأَنَّهُمْ
سَيَأْتُونَهُ إِذَا سَمِعُوا بِهِ فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ
كَالْحَيْرَانِ يَنْتَظِرُ مَتَى يَأْتِيهِ بَعْضُ أَهْلِهِ
فَيُخَلِّصُهُ مِنْ أيديهم إذا اختطفوه وانطلقوا به إلى رئيس
المدينة ومدبرها اللَّذَيْنِ يُدَبِّرَانِ أَمْرَهَا، وَهُمَا
رَجُلَانِ صَالِحَانِ اسْمُ أَحَدِهِمَا أَرْيُوسُ وَاسْمُ
الْآخَرِ طَنْطَيُوسُ.
فَلَمَّا انْطُلِقَ بِهِ إليهما ظن تمليخا أَنَّهُ يُنْطَلَقُ
بِهِ إِلَى دِقْيَانُوسَ الْجَبَّارِ، فَجَعَلَ يَلْتَفِتُ
يَمِينًا وَشِمَالًا وَجَعَلَ النَّاسُ يَسْخَرُونَ مِنْهُ
كَمَا يسخر من المجنون، وجعل تمليخا يَبْكِي ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ:
اللَّهُمَّ إِلَهَ السَّمَاءِ وَإِلَهَ الْأَرْضِ أَفْرِغِ
الْيَوْمَ عَلَيَّ صَبْرًا وَأَوْلِجْ مَعِيَ رُوحًا مِنْكَ
تُؤَيِّدُنِي بِهِ عِنْدَ هَذَا الْجَبَّارِ، وَجَعَلَ يَبْكِي
وَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: فُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
يَا لَيْتَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا لقيت يا ليتهم يأتوني
فَنَقُومُ جَمِيعًا بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْجَبَّارِ، فَإِنَّا
كُنَّا تَوَاثَقْنَا لَنَكُونَنَّ معا لا نَكْفُرُ بِاللَّهِ
وَلَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فُرِّقَ بَيْنِي، وَبَيْنَهُمْ
فَلَنْ يَرَوْنِي وَلَنْ أَرَاهُمْ أَبَدًا وَكُنَّا
تَوَاثَقْنَا أَنْ لَا نَفْتَرِقَ فِي حَيَاةٍ وَلَا مَوْتٍ
أَبَدًا يُحَدِّثُ به نفسه تمليخا، فيما يخبر أصحابه حين يرجع
إليهم، حتى انتهوا إلى الرجلين الصالحين أريوس وطنطيوس، فلما
رأى تمليخا أَنَّهُ لَا يُذْهَبُ بِهِ إِلَى دِقْيَانُوسَ
أَفَاقَ وَذَهَبَ عَنْهُ الْبُكَاءُ فَأَخَذَ أَرْيُوسُ
وَطَنْطَيُوسُ الْوَرِقَ فَنَظَرَا إِلَيْهَا وَعَجِبَا
مِنْهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: أَيْنَ الْكَنْزُ
الَّذِي وجدت يا فتى؟ فقال تمليخا: مَا وَجَدْتُ كَنْزًا
وَلَكِنَّ هَذَا وَرِقُ آبَائِي وَنَقْشُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ
وَضَرْبُهَا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا شَأْنِي
وَمَا أَقُولُ لَكُمْ.
فَقَالَ أَحَدُهُمَا: فَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: تمليخا أَمَّا
أَنَا فَكُنْتُ أَرَى أَنِّي مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ،
فَقَالُوا: وَمَنْ أَبُوكَ وَمَنْ يَعْرِفُكَ فِيهَا؟
فَأَنْبَأَهُمْ بِاسْمِ أَبِيهِ فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا
يَعْرِفُهُ وَلَا أَبَاهُ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: أَنْتَ
رَجُلٌ كَذَّابٌ لَا تُنْبِئُنَا بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَدْرِ
تمليخا مَا يَقُولُ لَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ نكس بَصَرَهُ إِلَى
الْأَرْضِ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَوْلَهُ: هَذَا رَجُلٌ
مَجْنُونٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِمَجْنُونٍ
وَلَكِنَّهُ يحمق نفسه عمدا لكي يتفلت [4] منكم.
__________
(1) في المخطوط «تنصبوا» .
(2) في المخطوط «فأمسكتموها» .
(3) في المخطوط «مَا وَجَدَ مَا يُخْبِرُ إِلَيْهِمْ شيئا» .
(4) في المطبوع «ينقلب» .
(3/179)
فقال له أحدهما و [قد] [1] نظر إليه نظرا
شديدا: أتظن [يا هذا] [2] أَنَّا نُرْسِلُكَ وَنُصَدِّقُكَ
بِأَنَّ هَذَا مَالُ أَبِيكَ وَنَقْشُ هَذَا الْوَرِقِ
وَضَرْبُهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا
أَنْتَ غُلَامٌ شَابٌّ أَتَظُنُّ أَنَّكَ تَأْفِكُنَا
وَتَسْخَرُ بِنَا وَنَحْنُ شيوخ كَمَا تَرَى، وَحَوْلَكَ
سُرَاةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَوُلَاةُ أَمْرِهَا وَخَزَائِنُ
هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِأَيْدِينَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ
هَذَا الضَّرْبِ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، وَإِنِّي
لَأَظُنُّنِي سَآمُرُ بِكَ فَتُعَذَّبُ عَذَابًا شَدِيدًا،
ثُمَّ أُوثِقُكَ حَتَّى تَعْتَرِفَ [3] بِهَذَا الْكَنْزِ
الَّذِي وَجَدْتَهُ.
فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ تمليخا: أَنْبِئُونِي عَنْ
شَيْءٍ أَسْأَلُكُمْ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلْتُمْ صَدَقْتُكُمْ
عَمَّا عِنْدِي، قَالُوا: سَلْ لَا نَكْتُمُكَ شَيْئًا، قَالَ
لَهُمْ: مَا فَعَلَ الْمَلِكُ دِقْيَانُوسُ؟ قَالُوا: لَا
نَعْرِفُ الْيَوْمَ على وجه الأرض ملك يُسَمَّى دِقْيَانُوسَ،
وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مَلِكٌ هَلَكَ مُنْذُ زَمَانٍ وَدَهْرٍ
طَوِيلٍ وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ قُرُونٌ كَثِيرَةٌ.
فقال تمليخا: إِنِّي إِذًا لَحَيْرَانُ وَمَا يُصَدِّقُنِي
أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِمَا أَقُولُ، لَقَدْ كُنَّا فِتْيَةٌ
[عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِسْلَامُ] وَإِنَّ الْمَلِكَ
أَكْرَهَنَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ
لِلطَّوَاغِيتِ فَهَرَبْنَا مِنْهُ عَشِيَّةَ أَمْسٍ فَنِمْنَا
فَلَمَّا انْتَبَهْنَا خَرَجْتُ لِأَشْتَرِيَ [4] له طَعَامًا
وَأَتَجَسَّسَ الْأَخْبَارَ فَإِذَا أَنَا كَمَا تَرَوْنَ،
فَانْطَلِقُوا مَعِي إِلَى الكهف [الذي بجبل بَنْجَلُوسَ] [5]
أُرِيكُمْ أَصْحَابِي، فَلَمَّا سَمِعَ أريوس ما يقول تمليخا،
قَالَ: يَا قَوْمُ لَعَلَّ هَذِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
جَعَلَهَا اللَّهُ لَكُمْ عَلَى يَدَيْ هَذَا الفتى، فانطلقوا
بنا معه يرنا أصحابه، فانطلق معه أريوس وطنطيوس وَانْطَلَقَ
مَعَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ
نَحْوَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ.
وَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ أَصْحَابُ الكهف تمليخا قَدِ
احْتَبَسَ عَنْهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ عَنِ
الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يَأْتِي بِهِ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ
أُخِذَ فَذُهِبَ بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ،
فَبَيْنَمَا هُمْ يَظُنُّونَ ذَلِكَ وَيَتَخَوَّفُونَهُ إِذْ
سَمِعُوا الْأَصْوَاتَ وَجَلَبَ الْخَيْلِ مُصَعِّدَةً
نَحْوَهُمْ، فَظَنُّوا أَنَّهُمْ رُسُلُ الْجَبَّارِ
دِقْيَانُوسَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ لِيُؤْتَى بِهِمْ [6] ،
فَقَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَأَوْصَى بَعْضُهُمْ بعضا وقالوا انطلقوا بنا نأت أخانا
تمليخا فَإِنَّهُ الْآنَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ يَنْتَظِرُ
مَتَى نَأْتِيهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَهُمْ
جُلُوسٌ بَيْنَ ظهراني الْكَهْفِ لَمْ يَرَوْا إِلَّا
أَرْيُوسَ وَأَصْحَابَهُ وُقُوفًا عَلَى بَابِ الْكَهْفِ.
وسبقهم تمليخا فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَبْكِي فَلَمَّا
رَأَوْهُ يَبْكِي بَكَوْا مَعَهُ، ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ
شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُمْ، وَقَصَّ عليهم القصة والنبأ كُلَّهُ،
فَعَرَفُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا نِيَامًا بِأَمْرِ
اللَّهِ ذَلِكَ الزَّمَانَ كُلَّهُ بِأَمْرِ اللَّهِ،
وَإِنَّمَا أُوقِظُوا لِيَكُونُوا آيَةً لِلنَّاسِ
وَتَصْدِيقًا لِلْبَعْثِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ
آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا.
ثُمَّ دَخَلَ على أثر تمليخا أَرْيُوسُ فَرَأَى تَابُوتًا مِنْ
نُحَاسٍ مَخْتُومًا بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَقَامَ بباب
الكهف ثم دعا رجالا مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
فَفُتِحَ التَّابُوتَ عِنْدَهُمْ فَوَجَدُوا فِيهِ لَوْحَيْنِ
مِنْ رَصَاصٍ مَكْتُوبًا فِيهِمَا أَنَّ مكسلمينا ومخشلمينا
وتمليخا وَمَرْطُونِسْ وَكَشْطُونِسْ وَيَبْرُونِسْ وَدِيمُوسُ
وَبَطْيُوسُ [والكلب اسمه قطمير] [7] كَانُوا فَتْيَةً
هَرَبُوا مِنْ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ الْجَبَّارِ مَخَافَةَ
أَنْ يَفْتِنَهُمْ عندينهم فَدَخَلُوا هَذَا الْكَهْفَ،
فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَكَانِهِمْ أَمَرَ بِالْكَهْفِ فَسُدَّ
عَلَيْهِمْ بِالْحِجَارَةِ وَإِنَّا كَتَبْنَا شَأْنَهُمْ
وَخَبَرَهُمْ لِيَعْلَمَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ إِنْ عَثَرَ عليهم
فلما قرأوه عجبوا، وَحَمِدُوا اللَّهَ الَّذِي أَرَاهُمْ آيَةً
الْبَعْثِ فِيهِمْ، ثُمَّ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِحَمْدِ
اللَّهِ وَتَسْبِيحِهِ ثُمَّ دَخَلُوا عَلَى الْفِتْيَةِ إِلَى
الْكَهْفِ فَوَجَدُوهُمْ جُلُوسًا بَيْنَ ظهرانيهم مُشْرِقَةً
وُجُوهُهُمْ لم تبل ثيابهم فخر
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «تعرف» . [.....]
(4) زيد في المطبوع وط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «لهم» .
(7) زيد في المطبوع.
(3/180)
فَضَرَبْنَا عَلَى
آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ
بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا
لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ
بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ
وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ
قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا
شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
أَرْيُوسُ وَأَصْحَابُهُ سُجُودًا
وَحَمِدُوا اللَّهَ الَّذِي أَرَاهُمْ آيَةً مِنْ آيَاتِهِ،
ثُمَّ كَلَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْبَأَهُمُ الْفِتْيَةُ
عَنِ الَّذِي لَقُوا مِنْ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ [مِنْ
إِكْرَاهِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ
لِلطَّوَاغِيتِ وَإِخْفَاءِ إيمانهم منه وهروبهم إِلَى
الْكَهْفِ] [1] ، ثُمَّ إِنَّ أَرْيُوسَ وَأَصْحَابَهُ
بَعَثُوا بَرِيدًا إِلَى مَلِكِهِمُ الصالح بيدروس أن عجل
لَعَلَّكَ تَنْظُرُ إِلَى آيَةٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ جَعَلَهَا
اللَّهُ فِي مُلْكِكَ وَجَعَلَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ
لِتَكَوُنَ لَهُمْ نُورًا وَضِيَاءً وَتَصْدِيقًا لِلْبَعْثِ
فَاعْجَلْ إِلَى فِتْيَةٍ بَعَثَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،
وَقَدْ كَانَ تَوَفَّاهُمْ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ
ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ فَلَمَّا أَتَى الْمَلِكَ الْخَبَرُ
رَجَعَ إليه عقله وذهب عنه غمه فَقَالَ أَحْمَدُكَ اللَّهَ
رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْبُدُكَ وَأُسَبِّحُ لَكَ
تَطَوَّلْتَ عَلَيَّ وَرَحِمْتَنِي فَلَمْ تُطْفِئِ النُّورَ
الذي كنت جعلته لآبائي وللعبد الصالح بيدروس الْمَلِكِ.
فَلَمَّا نَبَّأَ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ رَكِبُوا إِلَيْهِ
وَسَارُوا مَعَهُ حتى أتوا مدينة أقسوس فَتَلَقَّاهُمْ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَسَارُوا مَعَهُ حَتَّى صَعِدُوا نَحْوَ
الْكَهْفِ، فَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ بَيْدَرُوسَ فَرِحُوا
بِهِ وخرجوا سُجَّدًا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَقَامَ بَيْدَرُوسُ
قدامهم ثم اعتنقهم وَبَكَى وَهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ على
الأرض يسبحون الله ويحمدون، ثُمَّ قَالَ الْفِتْيَةُ
لِبَيْدَرُوسَ: نَسْتَوْدِعُكَ الله والسلام عليك ورحمة الله
وبركاته حَفِظَكَ اللَّهُ وَحَفِظَ مُلْكَكَ، وَنُعِيذُكَ
بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَبَيْنَمَا
الْمَلِكُ قَائِمٌ إِذْ رَجَعُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ
فَنَامُوا وَتَوَفَّى اللَّهُ تَعَالَى أَنْفُسَهُمْ.
وَقَامَ الْمَلِكُ إِلَيْهِمْ فَجَعَلَ ثِيَابَهُمْ عَلَيْهِمْ
وَأَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي تَابُوتٍ
مِنْ ذَهَبٍ فَلَمَّا أَمْسَى وَنَامَ أَتَوْهُ فِي
الْمَنَامِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّنَا لَمْ نُخْلَقْ مِنْ
ذَهَبٍ وَلَا مِنْ فِضَّةٍ وَلَكِنَّا خلقنا من تراب إلى
التُّرَابِ نَصِيرُ فَاتْرُكْنَا كَمَا كُنَّا فِي الْكَهْفِ
عَلَى التُّرَابِ حَتَّى يَبْعَثَنَا [2] اللَّهُ مِنْهُ.
فَأَمَرَ الْمَلِكُ حِينَئِذٍ بِتَابُوتٍ مِنْ سَاجٍ
فَجُعِلُوا فِيهِ وَحَجَبَهُمُ اللَّهُ حِينَ خَرَجُوا مِنْ
عِنْدِهِمْ بِالرُّعْبِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى أَنْ
يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ الْمَلِكُ فَجَعَلَ عَلَى بَابِ
الْكَهْفِ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ وَجَعَلَ لَهُمْ عِيدًا
عَظِيمًا وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى كُلَّ سَنَةٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ تمليخا لَمَّا حُمِلَ إِلَى الْمَلِكِ
الصَّالِحِ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ
خَرَجَ أَمْسَ أَوْ مُنْذُ أَيَّامٍ وَذَكَرَ مَنْزِلَهُ
وَأَقْوَامًا لَمْ يَعْرِفْهُمْ أَحَدٌ وَكَانَ الْمَلِكُ قَدْ
سَمِعَ أَنَّ فِتْيَةٍ فُقِدُوا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ
وَأَنَّ أَسْمَاءَهُمْ مَكْتُوبَةٌ عَلَى اللَّوْحِ
بِالْخِزَانَةِ، فَدَعَا بِاللَّوْحِ وَقَدْ نَظَرَ فِي
أَسْمَائِهِمْ فَإِذَا هُوَ مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ،
وَذَكَرَ أَسْمَاءَ الْآخَرِينَ فقال تمليخا هُمْ أَصْحَابِي.
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ ذَلِكَ رَكِبَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
الْقَوْمِ فَلَمَّا أَتَوْا بَابَ الْكَهْفِ قال تمليخا
دَعُونِي حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أَصْحَابِي فَأُبَشِّرُهُمْ
فَإِنَّهُمْ إِنْ رَأَوْكُمْ مَعِي أَرْعَبْتُمُوهُمْ،
فَدَخَلَ فَبَشَّرَهُمْ فَقَبَضَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ
وَأَعْمَى عَلَيْهِمْ أَثَرَهُمْ فَلَمْ يهتدوا إليهم مرة
ثانية، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ أَوَى
الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ أَيْ: صَارُوا إِلَى الْكَهْفِ،
يُقَالُ أَوَى فَلَانٌ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا أَيِ: اتَّخَذَهُ
مَنْزِلًا، إِلَى الْكَهْفِ، وَهُوَ غار في جبل مخلوس واسم
الكهف جيرم [3] .
فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً. وَمَعْنَى
الرَّحْمَةِ الْهِدَايَةُ فِي الدِّينِ. وَقِيلَ: الرِّزْقُ،
وَهَيِّئْ لَنا، يَسِّرْ لَنَا، مِنْ أَمْرِنا رَشَداً، أي: ما
نلتمس من خير رِضَاكَ وَمَا فِيهِ رُشْدُنَا، وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: رَشَّدَا أَيْ: مَخْرَجًا من الغار في سلامة.
[سورة الكهف (18) : الآيات 11 الى 15]
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
(11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ
أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ
نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ
وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ
قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ
نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً
(14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً
لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15)
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «بعثنا» .
(3) في المطبوع «خيرم» .
(3/181)
وَإِذِ
اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا
إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ
وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى
الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ
الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ
وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ
يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ
تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ، أَيْ:
أَنَمْنَاهُمْ وَأَلْقَيْنَا عَلَيْهِمُ النَّوْمَ. وَقِيلَ
مَعْنَاهُ مَنَعْنَا نُفُوذَ الْأَصْوَاتِ إِلَى
مَسَامِعِهِمْ، فَإِنَّ النَّائِمَ إِذَا سَمِعَ الصَّوْتَ
يَنْتَبِهُ، فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً، أَيْ:
أَنَمْنَاهُمْ سِنِينَ مَعْدُودَةً وَذِكْرُ الْعَدَدِ عَلَى
سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وَقِيلَ: ذِكْرُهُ يَدُلُّ عَلَى
الْكَثْرَةِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ لَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ.
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ، يَعْنِي مِنْ نَوْمِهِمْ، لِنَعْلَمَ
أَيْ: عِلْمَ الْمُشَاهَدَةِ، أَيُّ الْحِزْبَيْنِ، أَيُّ
الطَّائِفَتَيْنِ، أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. وَذَلِكَ
أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ تَنَازَعُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ
فِي الْكَهْفِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ:
أَحْصى لِما لَبِثُوا [أي] [1] أَحْفَظُ لِمَا مَكَثُوا فِي
كَهْفِهِمْ نِيَامًا [أَمَدًا] أَيْ: غَايَةً. وَقَالَ مجاهد:
عددا. نصبه عَلَى التَّفْسِيرِ.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَقْرَأُ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ، خَبَرَ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ. بِالْحَقِّ، بِالصِّدْقِ إِنَّهُمْ
فِتْيَةٌ، شُبَّانٌ، آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً،
إيمانا وبصيرة.
وَرَبَطْنا، وشددنا، عَلى قُلُوبِهِمْ، بِالصَّبْرِ
وَالتَّثْبِيتِ وَقَوَّيْنَاهُمْ بِنُورِ الْإِيمَانِ حَتَّى
صَبَرُوا عَلَى هِجْرَانِ دَارِ قَوْمِهِمْ وَمُفَارَقَةِ مَا
كَانُوا فِيهِ مِنَ [الْعِزِّ] وَخِصْبِ [2] الْعَيْشِ
وَفَرُّوا بِدِينِهِمْ إِلَى الْكَهْفِ، إِذْ قامُوا، بَيْنَ
يَدَيْ دِقْيَانُوسَ حِينَ عَاتَبَهُمْ عَلَى تَرْكِ عِبَادَةِ
الأصنام، فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ
نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً، قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّ
قَوْمَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، لَقَدْ قُلْنا
إِذاً شَطَطاً، يَعْنِي إِنْ دَعَوْنَا غَيْرَ اللَّهِ لَقَدْ
قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، قَالَ ابْنُ عباس: جوزا. وَقَالَ
قَتَادَةُ: كَذِبًا. وَأَصْلُ الشَّطَطِ وَالْإِشْطَاطِ
مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ وَالْإِفْرَاطُ.
هؤُلاءِ قَوْمُنَا، يَعْنِي أَهْلَ بَلَدِهِمْ، اتَّخَذُوا
مِنْ دُونِهِ، أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ، آلِهَةً، يَعْنِي
الْأَصْنَامَ يَعْبُدُونَهَا، لَوْلا، أَيْ: هَلَّا، يَأْتُونَ
عَلَيْهِمْ، أَيْ: عَلَى عِبَادَتِهِمْ، بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ،
بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ [تُبَيِّنُ وَتُوَضِّحُ أَنَّ
الْأَصْنَامَ تَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ]
[3] فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً،
وَزَعْمَ أَنَّ لَهُ شريكا أو ولدا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 16 الى 17]
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ
ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ
وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ
يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ
تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17)
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ،
يعني قومكم، وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، قَرَأَ ابْنُ
مَسْعُودٍ «وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» ، وَأَمَّا
الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَمَعْنَاهَا أَنَّهُمْ كَانُوا
يَعْبُدُونَ اللَّهَ ويعبدون معه الأوثان، يقول: إذ
اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَجَمِيعَ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا الله
فإنكم لم تعتزلوا، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ، فَالْجَأُوا
إِلَيْهِ، يَنْشُرْ لَكُمْ، يَبْسُطْ لَكُمْ، رَبُّكُمْ مِنْ
رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ، يُسَهِّلْ لَكُمْ، مِنْ
أَمْرِكُمْ مِرفَقاً أَيْ: ما يعود
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «خفض» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(3/182)
وَتَحْسَبُهُمْ
أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ
وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ
بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ
فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
إِلَيْهِ يُسْرُكُمْ وَرِفْقُكُمْ. قَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ مِرفَقاً بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ
الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ
مَا يَرْتَفِقُ [1] به الإنسان.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ
تَتَزاوَرُ، قرأ ابن عامر ويعقوب بِسُكُونِ الزَّايِ
وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى وَزْنِ تَحْمَرُّ، وَقَرَأَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ بِفَتْحِ الزَّايِ خَفِيفَةً وَأَلِفٍ بَعْدَهَا،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ، وَكُلُّهَا
بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ: تَمِيلُ وَتَعْدِلُ، عَنْ كَهْفِهِمْ
ذاتَ الْيَمِينِ أَيْ: جَانِبِ الْيَمِينِ، وَإِذا غَرَبَتْ
تَقْرِضُهُمْ، أَيْ:
تَتْرُكُهُمْ وَتَعْدِلُ عَنْهُمْ، ذاتَ الشِّمالِ، وأصل
الْقَرْضِ الْقَطْعُ، وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أَيْ:
مُتَّسَعٍ مِنَ الْكَهْفِ وَجَمْعُهَا فَجَوَاتٌ، قَالَ ابْنُ
قُتَيْبَةَ: كَانَ كَهْفُهُمْ مُسْتَقْبِلَ بَنَاتِ نَعْشٍ،
لَا تَقَعُ فِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ الطلوع ولا عند الغروب و
[لا] [2] فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ: اخْتَارَ اللَّهُ
لَهُمْ مُضْطَجَعًا فِي مَقْنَاةٍ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمُ
الشَّمْسُ فَتُؤْذِيهِمْ بِحَرِّهَا وَتُغَيِّرُ أَلْوَانَهُمْ
وَهُمْ فِي مُتَّسَعٍ يَنَالُهُمْ بَرْدُ الرِّيحِ
وَنَسِيمُهَا وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ كَرْبَ الْغَارِ
وَغُمُومَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ
وَهُوَ أَنَّ الْكَهْفَ كَانَ مُسْتَقْبِلَ بَنَاتِ نَعْشٍ
فَكَانَتِ الشَّمْسُ لَا تَقَعُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ
صَرَفَ الشَّمْسَ عَنْهُمْ بِقُدْرَتِهِ وَحَالَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ذلِكَ مِنْ آياتِ
اللَّهِ، مَنْ عَجَائِبِ صُنْعِ اللَّهِ وَدَلَالَاتِ
قُدْرَتِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ بِهَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ، أَيْ: مَنْ يُضْلِلْهُ
اللَّهُ وَلَمْ يُرْشِدْهُ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا،
معينا، مُرْشِداً.
[سورة الكهف (18) : آية 18]
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ
الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ
بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ
فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً أَيْ: منتبهين
جمع يقظ، وَهُمْ رُقُودٌ، نِيَامٌ [3] جَمْعُ رَاقِدٍ مِثْلِ
قَاعِدٍ وَقُعُودٍ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ حالهم لأنهم كانوا
مفتحة أعينهم يَتَنَفَّسُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ،
وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ، مَرَّةً
لِلْجَنْبِ الْأَيْمَنِ وَمَرَّةً لِلْجَنْبِ الْأَيْسَرِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا يُقَلَّبُونَ فِي السَّنَةِ
مَرَّةً مِنْ جَانِبٍ إِلَى جنب لِئَلَّا تَأْكُلَ الْأَرْضُ
لُحُومَهُمْ. وَقِيلَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ
تَقَلُّبِهِمْ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَانَ لَهُمْ فِي
كُلِّ سَنَةٍ تَقَلُّبَانِ، وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ
بِالْوَصِيدِ، أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّهُ
كَانَ مَنْ جِنْسِ الْكِلَابِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ:
أَنَّهُ كَانَ أَسَدًا وَسُمِّي الْأَسَدُ كَلْبًا.
«1347» فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ
سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كلابك» ، فافترسه أسد، والأول
المعروف، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ كَلْبًا أغر [4] . ويروى
عنه [أنه] [5] فَوْقَ الْقَلَطِيِّ وَدُونَ الْكُرْدِيِّ [6] ،
وَالْقَلَطِيُّ كَلْبٌ صِينِيٌّ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ
أصفر. وقال القرظي: كانت شِدَّةُ صُفْرَتِهِ تَضْرِبُ إِلَى
الْحُمْرَةِ. وقال الكلبي: لونه كالحليج. وَقِيلَ: لَوْنُ
الْحَجَرِ. قَالَ ابْنُ عباس: اسْمُهُ قِطْمِيرَ. وَعَنْ
عَلِيٍّ: اسْمُهُ
__________
1347- أخرجه أبو نعيم في «الدلائل» 381 من طريق ابن إسحاق عن
عثمان بن عروة عن جماعة من أهل بيته.
- وكرره 380 عن هبار بن الأسود، وهذا مرسل.
- وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» 3021 وأبو نعيم 383 عن طاوس
مرسلا بنحوه فهذه المراسيل تتأيد بمجموعها، وسيأتي.
(1) في المخطوط «ما يرفق» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) تصحف في المطبوع «ينام» . [.....]
(4) في المخطوط «أنمر» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «الكرزي» .
(3/183)
وَكَذَلِكَ
بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ
مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ
بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى
الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا
يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا
عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ
وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
ريان. وقال الأوزاعي: يثور. وقال السدي:
يور. وقال كعب: صهبا. وقال خَالِدُ بْنُ مَعْدَانِ لَيْسَ فِي
الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ سِوَى كَلْبِ أَصْحَابِ
الْكَهْفِ وَحِمَارِ بَلْعَامَ. قَوْلُهُ: بِالْوَصِيدِ [قَالَ
مُجَاهِدٌ وَالضَّحَاكُ:
الوصيد فناء الكهف. وقال عطاء] [1] : عَتَبَةُ الْبَابِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْوَصِيدُ الْبَابُ، وَهُوَ رِوَايَةُ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَكُنْ
لِلْكَهْفِ بَابٌ وَلَا عَتَبَةٌ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ مَوْضِعُ
الْبَابِ وَالْعَتَبَةِ كَانَ الْكَلْبُ قَدْ بَسَطَ
ذِرَاعَيْهِ وَجَعَلَ وَجْهَهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ السُّدِّيُّ:
كَانَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ إِذَا انْقَلَبُوا انْقَلَبَ
الْكَلْبُ مَعَهُمْ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى الْيَمِينِ
كَسَرَ الْكَلْبُ أُذُنَهُ الْيُمْنَى وَرَقَدَ عَلَيْهَا،
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى الشَّمَالِ كَسَرَ أُذُنَهُ
الْيُسْرَى وَرَقَدَ عَلَيْهَا. لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ،
يَا مُحَمَّدُ، لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً، لِمَا
أَلْبَسَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْهَيْبَةِ حَتَّى لَا يَصِلَ
إِلَيْهِمْ أَحَدٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ
فَيُوقِظُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَقْدَتِهِمْ،
وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً، خَوْفًا، قَرَأَ أَهْلُ
الْحِجَازِ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْآخَرُونَ بِتَخْفِيفِهَا
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرُّعْبَ كَانَ لماذا؟ قِيلَ: مِنْ
وَحْشَةِ الْمَكَانِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لِأَنَّ
أَعْيُنَهُمْ كَانَتْ مُفَتَّحَةً كَالْمُسْتَيْقِظِ الَّذِي
يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَهُمْ نِيَامٌ، وَقِيلَ:
لِكَثْرَةِ شُعُورِهِمْ وطول أظفارهم وتقلبهم من غير حس ولا
شعور. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَهُمْ بِالرُّعْبِ
لِئَلَّا يَرَاهُمْ أَحَدٌ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ
مُعَاوِيَةَ نَحْوَ الرُّومِ فَمَرَرْنَا بِالْكَهْفِ الَّذِي
فِيهِ أَصْحَابُ الْكَهْفِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ كُشِفَ
لَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ فَنَظَرْنَا إِلَيْهِمْ [2] . فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: لَقَدْ مُنِعَ ذَلِكَ
مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، فَقَالَ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ
لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ نَاسًا
فَقَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا فَلَمَّا دَخَلُوا الْكَهْفَ
بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ريحا فأخرجتهم [3] [4] .
[سورة الكهف (18) : الآيات 19 الى 20]
وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ
مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ
يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا
أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ
فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ
مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ
يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً
(20)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ، أَيْ: كَمَا
أَنَمْنَاهُمْ فِي الْكَهْفِ وَحَفِظْنَا أَجْسَادَهُمْ مِنَ
الْبِلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ فَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ
مِنَ النَّوْمَةِ التي تشبه الموت، لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ،
لِيَسْأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاللَّامُ فِيهِ لَامُ
الْعَاقِبَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا لِلسُّؤَالِ، قالَ
قائِلٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ رَئِيسُهُمْ مَكْسِلْمِينَا، كَمْ
لَبِثْتُمْ، فِي نَوْمِكُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اسْتَنْكَرُوا
طُولَ نَوْمِهِمْ. وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ رَاعَهُمْ مَا
فَاتَهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَالُوا ذَلِكَ، قالُوا لَبِثْنا
يَوْماً، وَذَلِكَ أنهم دخلوا الكهف غدوة [5] فانتبهوا [6]
عَشِيَّةً فَقَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا ثُمَّ نَظَرُوا وَقَدْ
بَقِيَتْ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ، فَقَالُوا: أَوْ بَعْضَ
يَوْمٍ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى [طُولِ] [7] شُعُورِهِمْ
وَأَظْفَارِهِمْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَبِثُوا أَكْثَرَ مِنْ
يَوْمٍ، قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ، وَقِيلَ:
إِنَّ رَئِيسَهُمْ مَكْسِلْمِينَا لَمَّا سَمِعَ الِاخْتِلَافَ
بَيْنَهُمْ قال:
__________
(1) سقط من المخطوط.
(2) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «عليهما» .
(3) في المطبوع «فأحرقتهم» .
(4) عزاه الحافظ في «تخريج الكشاف» 2/ 709 لابن أبي حاتم وعبيد
بن محمد، وأبي بكر بن أبي شيبة من رواية يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وقال:
وإسناده صحيح.
(5) زيد في المطبوع «فقالوا» .
(6) زيد في المطبوع وط «حين انتبهوا» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(3/184)
وَكَذَلِكَ
أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ
حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ
يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا
عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ
الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ
عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ
كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ
رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا
يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا
مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا
(22)
دَعُوا الِاخْتِلَافَ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ
بِمَا لَبِثْتُمْ، فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ،
يعني تمليخا، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ
بِوَرِقِكُمْ سَاكِنَةَ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا
وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْفِضَّةُ مَضْرُوبَةٌ كَانَتْ
أَوْ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ. إِلَى الْمَدِينَةِ، قِيلَ: هِيَ
طَرْسُوسُ وكان اسمها في الجاهلية أقسوس فَسَمَّوْهَا فِي
الْإِسْلَامِ طَرْسُوسَ، فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً
أَيْ: أَحَلَّ طَعَامًا حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ غَصْبٍ [1]
أَوْ سَبَبٍ حَرَامٍ، وَقِيلَ:
أَمَرُوهُ أَنْ يَطْلُبَ ذَبِيحَةَ مُؤْمِنٍ وَلَا يَكُونَ
مِنْ ذَبِيحَةِ مَنْ يَذْبَحُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكَانَ
فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ وَقَالَ
الضَّحَاكُ: أَطْيَبُ طَعَامًا. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ
حَيَّانَ: أَجْوَدُ طَعَامًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَكْثَرُ،
وَأَصْلُ الزَّكَاةِ الزِّيَادَةُ.
وَقِيلَ: أَرْخَصُ طَعَامًا. فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ،
أَيْ: قُوتٍ وَطَعَامٍ تَأْكُلُونَهُ، وَلْيَتَلَطَّفْ،
وَلِيَتَرَفَّقْ فِي الطَّرِيقِ وَفِي الْمَدِينَةِ وَلْيَكُنْ
فِي سَتْرٍ وَكِتْمَانٍ، وَلا يُشْعِرَنَّ، وَلَا يُعْلِمَنَّ،
بِكُمْ أَحَداً، مِنَ النَّاسِ.
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ، أَيْ: يَعْلَمُوا
بِمَكَانِكُمْ، يَرْجُمُوكُمْ قال ابن جريج: يشتموكم ويؤذوكم
بِالْقَوْلِ. وَقِيلَ: يَقْتُلُوكُمْ، وَقِيلَ: كَانَ من
عادتهم الْقَتْلُ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ أَخْبَثُ الْقَتْلِ.
وَقِيلَ يَضْرِبُوكُمْ، أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ
أَيْ: إِلَى الْكُفْرِ، وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً، إِنْ
عُدْتُمْ إليه.
[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 22]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها إِذْ
يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا
عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ
الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ
مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ
وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً
بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ
قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا
تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا أَيْ:
أَطْلَعْنَا، عَلَيْهِمْ، يُقَالُ: عَثَرْتُ عَلَى الشَّيْءِ
إِذَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ وَأَعْثَرْتُ غَيْرِي أَيْ
أَطْلَعْتُهُ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ،
يَعْنِي أصحاب بَيْدَرُوسَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ،
وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ
بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَنَازَعُونَ
فِي الْبُنْيَانِ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُونَ: نَبْنِي
عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ النَّاسُ لِأَنَّهُمْ
عَلَى دِينِنَا، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: نَبْنِي عَلَيْهِمْ
بُنْيَانًا لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ نَسَبِنَا [2] . وَقَالَ
عِكْرِمَةُ: تَنَازَعُوا فِي الْبَعْثِ، فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: الْبَعْثُ لِلْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ
[مَعًا] [3] ، وَقَالَ قَوْمٌ لِلْأَرْوَاحِ دُونَ
الْأَجْسَادِ، فَبَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَرَاهُمْ
أَنَّ الْبَعْثَ لِلْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ.
وَقِيلَ: تَنَازَعُوا فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ. وَقِيلَ: فِي
عَدَدِهِمْ. فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ
أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ،
بَيْدَرُوسُ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ، لَنَتَّخِذَنَّ
عَلَيْهِمْ مَسْجِداً.
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، رُوِيَ أَنَّ
السَّيِّدَ وَالْعَاقِبَ وَأَصْحَابَهُمَا مِنْ نَصَارَى
أَهْلِ نَجْرَانَ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَرَى ذِكْرُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ،
فَقَالَ السَّيِّدُ وَكَانَ يَعْقُوبِيًّا: كَانُوا ثَلَاثَةً
رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَقَالَ الْعَاقِبُ وَكَانَ
نُسْطُورِيًّا: كَانُوا خَمْسَةً سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ.
وَقَالَ المسلمون: كانوا سبعة [و] ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ،
فَحَقَّقَ اللَّهُ قَوْلَ المسلمين بعد ما حَكَى قَوْلَ
النَّصَارَى، فَقَالَ: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ
كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ
رَجْماً بِالْغَيْبِ، أَيْ: ظَنًّا وَحَدْسًا مِنْ غَيْرِ
يَقِينٍ، وَلَمْ يَقُلْ هَذَا فِي حَقِّ السَّبْعَةِ، فَقَالَ:
وَيَقُولُونَ يَعْنِي: الْمُسْلِمِينَ، سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ، [و] اخْتَلَفُوا فِي الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ
وَثامِنُهُمْ قِيلَ: تَرْكُهَا وَذِكْرُهَا سَوَاءٌ.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «ديننا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(3/185)
وَلَا تَقُولَنَّ
لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى
أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ
وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
وَقِيلَ: هِيَ وَاوُ الْحُكْمِ
وَالتَّحْقِيقِ كَأَنَّهُ حَكَى اخْتِلَافَهُمْ، وَتَمَّ
الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ ثُمَّ
حَقَّقَ هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِهِ: وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ
وَالثَّامِنُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ السَّابِعِ. وَقِيلَ:
هَذِهِ وَاوُ الثَّمَانِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ
تَعُدُّ فَتَقُولُ وَاحِدٌ اثْنَانِ ثَلَاثَةٌ أَرْبَعَةٌ
خَمْسَةٌ سِتَّةٌ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ، لِأَنَّ الْعَقْدَ
كَانَ عِنْدَهُمْ سَبْعَةً كَمَا هُوَ الْيَوْمَ عِنْدَنَا
عَشْرَةٌ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: التَّائِبُونَ
الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ إِلَى قَوْلِهِ: وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنْكَرِ [التَّوْبَةِ: 112] ، وَقَالَ فِي أَزْوَاجِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسى رَبُّهُ
إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً
مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ
سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5) [التَّحْرِيمِ: 5] . قُلْ
رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ، أَيْ: بِعَدَدِهِمْ مَا
يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، أَيْ: إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ
النَّاسِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا مِنَ الْقَلِيلِ:
كَانُوا سَبْعَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا ثمانية. [و]
قَرَأَ: وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ أَيْ: حَافِظُهُمْ،
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ قَالَ: هُمْ مكسلمينا وتمليخا وَمَرْطُونَسُ
وَبَيْنُونُسَ وَسَارِينُونُسَ وَذُو نَوَانِسَ
وَكَشْفَيْطَطْنُونَسَ، وَهُوَ الرَّاعِي وَالْكَلْبُ
قِطْمِيرُ. فَلا تُمارِ فِيهِمْ، أَيْ: لَا تُجَادِلْ وَلَا
تَقُلْ فِي عَدَدِهِمْ وَشَأْنِهِمْ، إِلَّا مِراءً ظاهِراً،
إِلَّا بِظَاهِرِ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ، يَقُولُ حسبك [1] ما
قصصنا عَلَيْكَ فَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ وَقِفْ عِنْدَهُ، وَلا
تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَحَداً
أَيْ: لَا تَرْجِعْ إِلَى قَوْلِهِمْ بَعْدَ أن أخبرناك.
[سورة الكهف (18) : الآيات 23 الى 25]
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23)
إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ
وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا
رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ
سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23)
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، يَعْنِي: إِذَا عَزَمْتَ عَلَى
أَنْ تَفْعَلَ غَدًا شَيْئًا فَلَا تَقُلْ أَفْعَلُ غَدًا
حَتَّى تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ وَعَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ
وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: أُخْبِرُكُمْ غَدًا وَلَمْ
يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَبِثَ الْوَحْيُ أَيَّامًا
ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا
نَسِيتَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ:
مَعْنَاهُ إِذَا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ ثُمَّ ذَكَرْتَ
فَاسْتَثْنِ، وَجَوَّزَ ابْنُ عَبَّاسٍ الِاسْتِثْنَاءَ
الْمُنْقَطِعَ وَإِنْ كَانَ إِلَى سَنَةٍ، وَجَوَّزَهُ
الْحَسَنُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ
إِذَا قَرُبَ الزَّمَانُ، فَإِنْ بعد فلا يصح، ولم يجوزه جماعة
حتى يكون الكلام مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
مَعْنَى الْآيَةِ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا غَضِبْتَ. وَقَالَ
وَهْبٌ: مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ: ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي
حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُكَ حِينَ أَغْضَبُ. وَقَالَ الضَّحَاكُ
وَالسُّدِّيُّ: هَذَا فِي الصَّلَاةِ.
«1348» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَخَلِدِيُّ ثنا [3] أبو العباس
__________
1348- إسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم.
- قتيبة بن سعيد، أبو عوانة هو وضاح اليشكري، قتادة هو ابن
دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 394 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 684 والترمذي 178 والنسائي 1/ 293 وابن ماجه 696
وأحمد 3/ 243 وابن حبان 1555 وأبو عوانة 2/ 252 والبيهقي 2/
318 من طرق عن أبي عوانة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 597 ومسلم 684 ح 314 وأبو داود 442 وأحمد 3/
269 وأبو عوانة 1/ 385 والبيهقي 2/ 218 [.....]
(1) في المطبوع «يحسبك» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع «عبد الواحد» .
(3/186)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا
أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ
لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ
عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
السراج ثنا قتيبة ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ نَسْيِ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا
إِذَا ذَكَرَهَا» .
وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا
رَشَداً، أَيْ: يُثَبِّتُنِي عَلَى طَرِيقٍ هُوَ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ وَأَرْشَدُ.
وَقِيلَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِذَا
نَسِيَ شَيْئًا وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لِمَا هُوَ
خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذِكْرِ مَا نَسِيَهُ. وَيُقَالُ: هُوَ أَنَّ
الْقَوْمَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ
عَلَى وَجْهِ الْعِنَادِ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
يُخْبِرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُؤْتِيهِ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى
صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ مَا هُوَ أَدَلُّ لَهُمْ مِنْ قِصَّةِ
أَصْحَابِ الْكَهْفِ [وَقَدْ فَعَلَ حَيْثُ أَتَاهُ من علم
الغيب حال الْمُرْسَلِينَ مَا كَانَ أَوْضَحَ لَهُمْ فِي
الْحُجَّةِ وَأَقْرَبَ إِلَى الرُّشْدِ مِنْ خَبَرِ أَصْحَابِ
الْكَهْفِ] [1] ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا شَيْءٌ أُمِرَ
أَنْ يَقُولَهُ مَعَ قَوْلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا ذَكَرَ
الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النِّسْيَانِ وَإِذَا نَسِيَ
الْإِنْسَانُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَتَوْبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ
أَنْ يَقُولَ: عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ
هَذَا رَشَداً.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ، يَعْنِي
أَصْحَابَ الْكَهْفِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَبَرٌ عَنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ
خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ
لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا
[الكهف: 26] وَجْهٌ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَيَدُلُّ
عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَقَالُوا لَبِثُوا فِي
كَهْفِهِمْ» ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وَقَالَ الْآخَرُونَ:
هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ
فِي الْكَهْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: قُلِ
اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ
مِنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ نَازَعُوكَ
فِيهَا فَأَجِبْهُمْ، وَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا،
أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِمُدَّةِ
لُبْثِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَالُوا: إِنَّ
هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ لَدُنْ دَخَلُوا الْكَهْفَ إِلَى
يَوْمِنَا هَذَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعُ سِنِينَ فَرَدَّ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما
لَبِثُوا يَعْنِي بَعْدَ قَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ إِلَى يَوْمِنَا
هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
ثَلَاثَ مِائَةَ بِلَا تَنْوِينٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّنْوِينِ، فَإِنْ قِيلَ: لم قال ثلاثمائة سِنِينَ وَلَمْ
يَقُلْ سَنَةً؟ قِيلَ: نَزَلَ قَوْلُهُ: وَلَبِثُوا فِي
كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ، فَقَالُوا: أَيَّامًا أَوْ
شُهُورًا أَوْ سِنِينَ؟ فَنَزَلَتْ سِنِينَ، قَالَ
الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَضَعُ سِنِينَ فِي
مَوْضِعِ سَنَةٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَبِثُوا فِي
كَهْفِهِمْ سنين ثلاثمائة. وَازْدَادُوا تِسْعاً، قَالَ
الْكَلْبِيُّ: قَالَتْ نصارى نجران أما ثلاثمائة فقد عرفناه
[2] وَأَمَّا التِّسْعُ فَلَا عِلْمَ لَنَا علم بها فنزلت.
[سورة الكهف (18) : الآيات 26 الى 28]
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ
مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ
مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ
لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ
عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ
هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)
__________
و456 من طرق عن همام عن قتادة به.
- وأخرجه مسلم 684 ح 315 وأحمد 3/ 100 والدارمي 1/ 280 وأبو
عوانة 1/ 385 و2/ 260 وابن خزيمة 992 والبيهقي 2/ 456 من طرق
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عن قتادة به.
- وأخرجه مسلم 684 ح 316 وأبو عوانة 1/ 385 من طريق المثنى عن
قتادة به.
- وأخرجه النسائي 1/ 293 و294 وابن ماجه 695 وأحمد 3/ 267 وأبو
عوانة 1/ 285 و2/ 260 وابن خزيمة 991 من طرق عن حجاج بن الحجاج
الأحول عن قتادة به.
(1) سقط من المخطوط.
(2) في المطبوع «عرفنا» .
(3/187)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ
أَنَّهُمْ لَبِثُوا ثلاثمائة شمسية والله تعالى ذكر ثلاثمائة
قَمَرِيَّةً وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الشَّمْسِيَّةِ
وَالْقَمَرِيَّةِ فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ ثَلَاثَ سنين،
فيكون في الثلاثمائة تِسْعُ سِنِينَ، فَلِذَلِكَ قَالَ:
وَازْدَادُوا تِسْعاً. لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ،
فالغيب ما يغيب عن إدراكك وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَغِيبُ
عَنْ إِدْرَاكِهِ شَيْءٌ. أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ أَيْ: مَا
أَبْصَرَ اللَّهَ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ
مَسْمُوعٍ، أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ شَيْءٌ،
مَا لَهُمْ أَيْ: مَا لِأَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنْ
دُونِهِ أَيْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، مِنْ وَلِيٍّ نَاصِرٍ] [1] ،
وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ
وَيَعْقُوبُ: «وَلَا تُشْرِكْ» بِالتَّاءِ عَلَى
الْمُخَاطَبَةِ وَالنَّهْيِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ الياء أَيْ
لَا يُشْرِكُ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. وَقِيلَ:
الْحُكْمُ هَنَا عِلْمُ الْغَيْبِ أَيْ لَا يُشْرِكُ في علم
غيبه أحدا.
قوله عزّ وجلّ: وَاتْلُ أي: وَاقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ، مَا
أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ،
وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ، لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ: لَا مُغَيِّرَ لِلْقُرْآنِ. وَقِيلَ: لَا
مُغَيِّرَ لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ،
وَلَنْ تَجِدَ، أَنْتَ، مِنْ دُونِهِ، إِنْ لَمْ تَتَّبِعِ
الْقُرْآنَ، مُلْتَحَداً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا: حِرْزًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَدْخَلًا. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: مَلْجَأً. وَقِيلَ: مَعْدَلًا. وَقِيلَ: مَهْرَبًا.
وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَيْلِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ الْآيَةَ.
«1349» نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ
أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِيهِمْ
سَلْمَانُ وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ عَرِقَ فِيهَا وَبِيَدِهِ
خُوصَةٌ يَشُقُّهَا ثُمَّ يَنْسِجُهَا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا
يُؤْذِيكَ رِيحُ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ سَادَاتُ مُضَرَ
وَأَشْرَافُهَا، فَإِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاسُ وَمَا
يَمْنَعُنَا مِنَ اتِّبَاعِكَ إِلَّا هَؤُلَاءِ فَنَحِّهِمْ
[عَنْكَ] [2] حَتَّى نَتْبَعَكَ أَوِ اجْعَلْ لَنَا مَجْلِسًا
وَلَهُمْ مَجْلِسًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ: وَاصْبِرْ
نَفْسَكَ.
أي: واحبس يَا مُحَمَّدُ نَفْسَكَ، مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ، طَرَفَيِ النَّهَارِ،
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، أَيْ: يُرِيدُونَ اللَّهَ لَا يُرِيدُونَ
بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا.
«1350» قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصُّفَةِ
وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فُقَرَاءَ فِي مَسْجِدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا
يَرْجِعُونَ إِلَى تِجَارَةٍ وَلَا إلى زرع ولا ضرع ويصلون
صَلَاةً وَيَنْتَظِرُونَ أُخْرَى، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ
أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ» .
وَلا تَعْدُ أَيْ: لَا تَصْرِفْ وَلَا تَتَجَاوَزْ، عَيْناكَ
عَنْهُمْ، إِلَى غَيْرِهِمْ، تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ
الدُّنْيا،
__________
1349- باطل. أخرجه الطبري 23022 وأبو نعيم 1/ 345 والواحدي في
«أسباب النزول» 600 والبيهقي في «الشعب» 10494 من حديث سلمان.
- وإسناده ضعيف جدا فيه سليمان بن عطاء، قال البخاري: منكر
الحديث. والمتن باطل، فإن السورة مكية، وإسلام سلمان مدني،
وكذا عيينة بن حصن وفد في المدينة.
1350- رواه المصنف عن قتادة مرسلا، وسنده إليه في أول الكتاب.
- والمرفوع منه أخرجه الطبري 23020 عن قتادة مرسلا أيضا، فهو
ضعيف.
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» 1/ 351- 352 من حديث أبي سعيد
الخدري، وإسناده ضعيف، فيه العلاء بن بشير، وهو مجهول. ومع ذلك
ليس فيه ذكر سلمان وعيينة ولا نزول الآية، فالمرفوع من هذا
الخبر لا بأس به.
(1) سقط من المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3/188)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا
أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا
بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ
وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
أي: تطلب [1] مُجَالَسَةِ الْأَغْنِيَاءِ
وَالْأَشْرَافِ وَصُحْبَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَلا تُطِعْ
مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا، أَيْ جَعَلْنَا
قَلْبَهُ غَافِلًا عَنْ ذِكْرِنَا يَعْنِي عيينة بن حصين.
وَقِيلَ: أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَاتَّبَعَ هَواهُ، أَيْ
مُرَادَهُ فِي طَلَبِ الشَّهَوَاتِ، وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً،
قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: ضَيَاعًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
ضَيَّعَ أَمْرَهُ وَعَطَّلَ أَيَّامَهُ.
وَقِيلَ: ندما [2] . وقال مقاتل ابن حَيَّانَ: سَرَفًا.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَتْرُوكًا. وَقِيلَ بَاطِلًا. وَقِيلَ:
مُخَالِفًا لِلْحَقِّ.
وقال الأخفش: مجاوزا للحد. وقيل: مَعْنَى التَّجَاوُزِ فِي
الْحَدِّ، هُوَ قَوْلُ عُيَيْنَةَ: إِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ
الناس وهذا إفراط عظيم.
[سورة الكهف (18) : آية 29]
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ
نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا
يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ
الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، أي ما ذكرناه مِنَ
الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، مَعْنَاهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ
لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْفَلْنَا قُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِنَا
أَيُّهَا النَّاسُ الحق من ربكم وَإِلَيْهِ التَّوْفِيقُ
وَالْخِذْلَانُ وَبِيَدِهِ الْهُدَى وَالضَّلَالُ، لَيْسَ
إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ
شاءَ فَلْيَكْفُرْ، هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّهْدِيدِ
وَالْوَعِيدِ كَقَوْلِهِ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فُصِّلَتْ:
40] ، وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكُمْ وَلَسْتُ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ لِهَوَاكُمْ،
فَإِنْ شِئْتُمْ فَآمِنُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا فَإِنْ
كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمْ رَبُّكُمْ نَارًا أَحَاطَ
بِكُمْ سُرَادِقُهَا، وَإِنْ آمَنْتُمْ فَلَكُمْ مَا وَصَفَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَعْنَى
الْآيَةِ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانَ آمَنَ وَمَنْ
شَاءَ لَهُ الْكُفْرَ كَفَرَ وهو قوله: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْإِنْسَانِ: 30] . إِنَّا أَعْتَدْنا،
أَعْدَدْنَا وَهَيَّأْنَا مِنَ الْإِعْدَادِ [3] وَهُوَ
الْعُدَّةُ، لِلظَّالِمِينَ لِلْكَافِرِينَ، نَارًا أَحاطَ
بِهِمْ سُرادِقُها، السُّرَادِقُ الحجزة [4] التي تطيف
بالفسطاط [5] .
«1351» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَحْمُودٍ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْخَلَّالُ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن المبارك عن
__________
1351- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، رشدين بن سعد واه، ودراج عن أبي
الهيثم ضعيف أيضا، وقد توبع رشدين، فانحصرت العلة في درّاج.
أبو الهيثم هو سليمان بن عمرو بن عبيد، دراج هو ابن سمعان.
- رواه المصنف من طريق ابن المبارك وهو في «الزهد» 316 «زيادات
نعيم بن حماد» عن رشدين بن سعد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2584 والطبري 23037 من طريق ابن المبارك به.
- وأخرجه الحاكم 4/ 600- 601 والطبري 23038 من طريق عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عمرو بن الحارث به، وصححه! وسكت عنه
الذهبي! مع أنه من رواية درّاج عن أبي الهيثم، لكن قال الذهبي
في مواضع كثيرة: درّاج ذو مناكير.
- وأخرجه أحمد 3/ 29 وأبو يعلى 1389 والواحدي في «الوسيط» 3/
146 من طريق الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن درّاج به.
(1) في المطبوع «طلب» .
(2) تصحف في المطبوع «ندماء» .
(3) في المطبوع «العتاد» . [.....]
(4) تصحف في المخطوط «الحجرة» .
(5) في المطبوع «بالفساطيط» والمثبت عن المخطوط و «تفسير
القرطبي» 10/ 393.
(3/189)
إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ
مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ
أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ
سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى
الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا
جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ
آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا
خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)
رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو
بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ [1] أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ [2] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
«سُرَادِقُ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ كثف [3] كل جدار
مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ حَائِطٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: هُوَ عُنُقٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ فَيُحِيطُ
بِالْكُفَّارِ كَالْحَظِيرَةِ. وَقِيلَ: هُوَ دُخَانٌ يُحِيطُ
بِالْكُفَّارِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30)
[الْمُرْسَلَاتِ: 20] . وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا، مِنْ شِدَّةِ
الْعَطَشِ، يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ.
«1352» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
تَوْبَةَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ [4] أَنْبَأَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عن رشدين بن سعد ثنا عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجِ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: بِماءٍ كَالْمُهْلِ قَالَ كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا
قُرِّبَ إِلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ مَاءٌ غَلِيظٌ مِثْلُ دُرْدِيِّ
الزَّيْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْقَيْحُ وَالدَّمُ.
وَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ الْمُهْلِ فَدَعَا بِذَهَبٍ
وَفِضَّةٍ فَأَوْقَدَ عَلَيْهِمَا النَّارَ حَتَّى ذَابَا،
ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمُهْلِ، يَشْوِي
الْوُجُوهَ، يُنْضِجُ الْوُجُوهَ مِنْ حَرِّهِ، بِئْسَ
الشَّرابُ وَساءَتْ النَّارُ، مُرْتَفَقاً، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مَنْزِلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُجْتَمَعًا. وَقَالَ
عَطَاءٌ: مَقَرًّا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مَجْلِسًا.
وَأَصْلُ الْمُرْتَفَقِ المتكأ.
[سورة الكهف (18) : الآيات 30 الى 33]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُولئِكَ لَهُمْ
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ
يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ
ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ
فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ
مُرْتَفَقاً (31) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ
جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ
وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ
شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
(30) ، فَإِنْ قيل: أين
__________
1352- ضعيف، إسناده ضعيف جدا، رشدين واه، ودرّاج عن أبي الهيثم
ضعيف، وقد توبع رشدين تابعه ابن وهب وابن لهيعة، فانحصرت العلة
في دراج عن أبي الهيثم.
- درّاج بن سمعان، أبو الهيثم هو سليمان بن عمرو بن عبيد.
- ورواه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «الزهد» 316
«زيادات نعيم بن حماد» عن رشدين بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2581 و3322 من طريق رشدين بن سعد به.
- وأخرجه الطبري 23039 والحاكم 2/ 501 وابن حبان 7473 والبيهقي
في «البعث» 550 من طرق عن ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ به.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أحمد 3/ 70- 71 وأبو يعلى 1375 والواحدي 3/ 146 من
طريق الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن درّاج به.
(1) زيد في المطبوع وط «بن» .
(2) زيد في المطبوع وط «بن عبد الله» .
(3) تصحف في المطبوع «كنف» .
(4) في المطبوع «محمد» .
(3/190)
جَوَابُ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ؟ قِيلَ: جَوَابُهُ قَوْلُهُ: أُولئِكَ
لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّا
لَا نُضِيعُ فَكَلَامٌ مُعْتَرِضٌ. وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ
مَعْنَاهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَإِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَهُمْ بَلْ نُجَازِيهِمْ، ثُمَّ
ذَكَرَ الْجَزَاءَ.
فَقَالَ: أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ، أَيْ: إِقَامَةٌ،
يُقَالُ: عَدَنَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ،
سُمِّيَتْ عَدْنًا لِخُلُودِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا، تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ
مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُحَلَّى كُلٌّ
واحد منهم ثلاثة أَسَاوِرَ، وَاحِدٌ مِنْ ذَهَبٍ وَوَاحِدٌ
مِنْ فِضَّةٍ وَوَاحِدٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَوَاقِيتَ،
وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ، وهو مارق مِنَ
الدِّيبَاجِ، وَإِسْتَبْرَقٍ، وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْهُ،
وَمَعْنَى الْغِلَظِ فِي ثِيَابِ الْجَنَّةِ إِحْكَامُهُ.
وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: السُّنْدُسُ هُوَ
الدِّيبَاجُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ، مُتَّكِئِينَ فِيها،
فِي الْجِنَانِ، عَلَى الْأَرائِكِ، وَهِيَ السُّرُرُ فِي
الْحِجَالِ وَاحِدَتُهَا أَرِيكَةٌ، نِعْمَ الثَّوابُ. أَيْ
نِعْمَ الْجَزَاءُ، وَحَسُنَتْ، الْجِنَانُ مُرْتَفَقاً أَيْ:
مَجْلِسًا وَمَقَرًّا.
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ الْآيَةَ، قِيلَ:
نَزَلَتْ فِي أَخَوَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ بَنِي
مَخْزُومٍ أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ، وَكَانَ
زَوْجَ أُمِّ سَلَمَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ كَافِرٌ وَهُوَ الْأُسُودُ بْنُ
عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ عَبْدِ يَالِيلَ [1] . وَقِيلَ: هَذَا
مَثَلٌ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَأَصْحَابِهِ [مَعَ
سَلْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ] [2] شَبَّهَهُمَا بِرَجُلَيْنِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ وَاسْمُهُ
يَهُوذَا فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
تمليخا وَالْآخَرُ كَافِرٌ وَاسْمُهُ قُطْرُوسُ، وَقَالَ
وَهْبٌ: قِطْفِيرُ، وَهُمَا اللَّذَانِ وَصَفَهُمَا الله تعالى
في سورة الصافات [50- 51] .
وَكَانَتْ قِصَّتُهُمَا عَلَى مَا حَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ
قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ شَرِيكَيْنِ [3] لَهُمَا ثَمَانِيَةُ
آلَافِ دِينَارٍ، وَقِيلَ: كَانَا أَخَوَيْنِ وَرِثَا مِنْ
أَبِيهِمَا ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِينَارٍ فَاقْتَسَمَاهَا،
فَعَمَدَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَرَى أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَارٍ،
فَقَالَ صَاحِبُهُ: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا قَدِ اشْتَرَى
أَرْضًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ أَرْضًا
[4] فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ
دِينَارٍ، ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَهُ بَنَى دَارًا بِأَلْفِ
دِينَارٍ، فَقَالَ هَذَا: اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانًا بَنَى
دَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ دَارًا
فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ ثُمَّ
تَزَوَّجَ صَاحِبُهُ امْرَأَةً فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا أَلْفَ
دِينَارٍ فَقَالَ هَذَا الْمُؤْمِنُ: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَخْطِبُ إِلَيْكَ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ بِأَلْفِ
دِينَارٍ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، ثُمَّ اشْتَرَى
صَاحِبُهُ خَدَمًا وَمَتَاعًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ
هَذَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْتَرِي مِنْكَ مَتَاعًا وَخَدَمًا
فِي الْجَنَّةِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ
دِينَارٍ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، فَقَالَ: لَوْ
أَتَيْتُ صَاحِبِي لَعَلَّهُ يَنَالُنِي مِنْهُ مَعْرُوفٌ،
فَجَلَسَ عَلَى طَرِيقِهِ حَتَّى مَرَّ بِهِ فِي حَشَمِهِ،
فَقَامَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْآخَرُ فَعَرَفَهُ،
فَقَالَ: فُلَانٌ؟ قَالَ: نعم، فقال: ما شأنك؟ فقال:
أَصَابَتْنِي حَاجَةٌ بَعْدَكَ فَأَتَيْتُكَ لِتُصِيبَنِي
بِخَيْرٍ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ مَالُكَ وقد اقتسمنا مالا
وَأَخَذْتَ شَطْرَهُ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَقَالَ:
وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِهَذَا؟ اذْهَبْ فَلَا
أُعْطِيكَ شَيْئًا، فَطَرَدَهُ فَقُضِيَ لَهُمَا أَنْ
تُوُفِّيَا، فَنَزَلَ فِيهِمَا: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى
بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (50) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ
لِي قَرِينٌ (51) ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ أَخَذَ
بِيَدِهِ وَجَعَلَ يَطُوفُ بِهِ وَيُرِيهِ أموال
__________
(1) لم أقف عليه، ولا يصح، وسياق الآيات يدل على أن ذلك كان في
بني إسرائيل.
(2) سقط من المخطوط.
(3) في المخطوط «شريكان» .
(4) في المخطوط «دارا» .
(3/191)
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ
فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ
مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ
ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ
أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ
رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا
مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ
أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ
نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ
رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ
دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا
وَوَلَدًا (39)
نَفْسِهِ، فَنَزَلَ فِيهِمَا: وَاضْرِبْ
لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ اذْكُرْ لَهُمْ خَبَرَ رَجُلَيْنِ،
جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ، بُسْتَانَيْنِ، مِنْ
أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ، أَيْ: أَطَفْنَاهُمَا مِنْ
جَوَانِبِهِمَا بِنَخْلٍ، وَالْحِفَافُ الْجَانِبُ، وَجَمْعُهُ
أَحِفَّةٌ، يُقَالُ: حَفَّ بِهِ الْقَوْمُ أَيْ طَافُوا
بِجَوَانِبِهِ، وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً، أَيْ:
جَعَلْنَا حَوْلَ الْأَعْنَابِ النَّخِيلَ وَوَسَطَ
الْأَعْنَابِ الزَّرْعَ. وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ
الْجَنَّتَيْنِ زَرْعًا يَعْنِي لَمْ يَكُنْ بَيْنَ
الْجَنَّتَيْنِ مَوْضِعٌ خَرَابٌ.
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ، أَيْ: أَعْطَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ
مِنَ الْجَنَّتَيْنِ، أُكُلَها، ثَمَرَهَا تَامًّا، وَلَمْ
تَظْلِمْ، لَمْ تُنْقِصْ، مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا، قَرَأَ
الْعَامَّةُ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِتَخْفِيفِ
الْجِيمِ، خِلالَهُما نَهَراً يَعْنِي شَقَقْنَا وَأَخْرَجْنَا
وسطهما نهرا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 34 الى 39]
وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا
أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ مَا أَظُنُّ أَنْ
تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً
وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها
مُنْقَلَباً (36) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ
أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ
نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ
رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38)
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ لَا
قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ
مالاً وَوَلَداً (39)
وَكانَ لَهُ، لِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ، ثَمَرٌ قَرَأَ عَاصِمٌ
وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ ثَمَرٌ بِفَتْحِ الثَّاءِ
وَالْمِيمِ، وَكَذَلِكَ «بِثَمَرِهِ» ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو
بِضَمِّ الثَّاءِ سَاكِنَةَ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بضمهما، فمن قرأ بالفتح فهو جَمْعُ ثَمَرَةٍ وَهُوَ مَا
تُخْرِجُهُ الشَّجَرَةُ [1] مِنَ الثِّمَارِ الْمَأْكُولَةِ،
وَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ فَهِيَ الْأَمْوَالُ الْكَثِيرَةُ
الْمُثْمِرَةُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، جَمْعُ ثِمَارٍ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. وَقِيلَ: جَمِيعُ الثَّمَرَاتِ
[2] . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الثَّمَرَةُ تُجْمَعُ عَلَى
ثَمَرٍ، وَيُجْمَعُ الثَّمَرُ عَلَى ثِمَارٍ، ثُمَّ تُجْمَعُ
الثِّمَارُ عَلَى ثُمُرٍ. فَقالَ، يَعْنِي صَاحِبَ
الْبُسْتَانِ، لِصاحِبِهِ، الْمُؤْمِنِ، وَهُوَ يُحاوِرُهُ،
يُخَاطِبُهُ وَيُجَاوِبُهُ، أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا
وَأَعَزُّ نَفَراً أَيْ: عَشِيرَةً وَرَهْطًا. وَقَالَ
قَتَادَةُ:
خَدَمًا وَحَشَمًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَلَدًا، تَصْدِيقُهُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا
وَوَلَداً [الْكَهْفِ: 39] .
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ، يَعْنِي الْكَافِرُ، أَخَذَ بِيَدِ
أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَطُوفُ بِهِ فِيهَا وَيُرِيهِ
أَثْمَارَهَا [3] وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، بِكَفْرِهِ، قالَ
مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ، تَهْلَكَ، هذِهِ أَبَداً، قَالَ
أَهْلُ الْمَعَانِي: رَاقَهُ حُسْنُهَا وَغَرَّتْهُ
زَهْرَتُهَا فَتَوَهَّمَ أَنَّهَا لَا تَفْنَى أَبَدًا
وَأَنْكَرَ الْبَعْثَ.
فَقَالَ: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً، كَائِنَةً،
وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها
مُنْقَلَباً، وقرأ أهل الحجاز والشام [منهما] [4] هَكَذَا
عَلَى التَّثْنِيَةِ، يَعْنِي مِنَ الْجَنَّتَيْنِ، وَكَذَلِكَ
هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ مِنْها أَيْ:
مِنَ الْجَنَّةِ الَّتِي دَخَلَهَا، مُنْقَلَباً أَيْ: مرجعا،
فإن قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي، وهو
ينكر الْبَعْثِ؟
قِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي عَلَى مَا
تَزْعُمُ أَنْتَ يُعْطِينِي [5] هُنَالِكَ خَيْرًا مِنْهَا
فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِنِي هَذِهِ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا
إِلَّا لِيُعْطِيَنِي فِي الآخرة أفضل منها.
__________
(1) في المخطوط «يخرجه الشجر» .
(2) في المخطوط «جمع الثمر» .
(3) زيد في المطبوع وط، وهو جمع الجمع كما في «القاموس» ووقع
في المخطوط «آثارها» وفي «الوسيط» 3/ 148 والقرطبي 10/ 404
«إياها» . [.....]
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «تعطيني» .
(3/192)
فَعَسَى رَبِّي أَنْ
يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا
حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ
طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ
كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي
أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ
الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ
عُقْبًا (44)
قالَ لَهُ صاحِبُهُ، الْمُسْلِمُ، وَهُوَ
يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ، أَيْ
خَلَقَ أَصْلَكَ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ، خَلَقَكَ، مِنْ نُطْفَةٍ
ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا أَيْ: عَدَلَكَ بَشَرًا سَوِيًّا
ذَكَرًا.
لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ
وَيَعْقُوبُ لَكِنَّا بِالْأَلِفِ فِي الْوَصْلِ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِلَا أَلِفٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ
الْأَلِفِ فِي الْوَقْفِ، وَأَصْلُهُ لَكِنَّ أَنَا،
فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ لِكَثْرَةِ
اسْتِعْمَالِهَا ثُمَّ أُدْغِمَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي
الْأُخْرَى.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مَجَازُهُ
لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي، وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً.
وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ، أَيْ: هَلَّا إِذْ دَخَلْتَ
جَنَّتَكَ، قُلْتَ مَا شاءَ اللَّهُ أَيِ: الْأَمْرُ مَا شَاءَ
اللَّهُ.
وَقِيلَ: جَوَابُهُ مُضْمَرٌ أَيْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ،
وَقَوْلُهُ: لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، أَيْ لَا أَقْدِرُ
عَلَى حِفْظِ مَالِي أَوْ دَفْعِ شَيْءٍ عَنْهُ إلا بالله.
وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
كَانَ إِذَا رَأَى مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْجِبُهُ أَوْ
دَخْلَ حَائِطًا مَنْ حِيطَانِهِ.
قَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ثُمَّ
قَالَ: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً
[أَنَا] عِمَادٌ [1] ، وَلِذَلِكَ نُصِبَ [أَقَلَّ] مَعْنَاهُ:
إِنْ تَرَنِي أَقَلَّ مِنْكَ مالا وولدا فتكبرت وتعاظمت [2]
عليّ.
[سورة الكهف (18) : الآيات 40 الى 44]
فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ
وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ
صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ
تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ
فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها
وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ
أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ
يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (43)
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً
وَخَيْرٌ عُقْباً (44)
فَعَسى رَبِّي، فَلَعَلَّ رَبِّي، أَنْ يُؤْتِيَنِ،
يُعْطِيَنِي فِي الْآخِرَةِ، خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ
وَيُرْسِلَ عَلَيْها، أَيْ عَلَى جَنَّتِكَ، حُسْباناً، قَالَ
قَتَادَةُ: عَذَابًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: نَارًا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مَرَامِيَ.
مِنَ السَّماءِ، وَهِيَ مِثْلُ صَاعِقَةٍ أَوْ شَيْءٍ
يُهْلِكُهَا، وَاحِدَتُهَا حسبانة، فَتُصْبِحَ صَعِيداً
زَلَقاً، أَرْضًا جَرْدَاءَ مَلْسَاءَ لَا نَبَاتَ فِيهَا.
وَقِيلَ: تَزْلَقُ فِيهَا الْأَقْدَامُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
رَمْلًا هَائِلًا.
أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً، أَيْ: غَائِرًا مُنْقَطِعًا
ذَاهِبًا لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي، ولا الدّلاء، والغور
مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، مِثْلُ زَوْرٍ وَعَدْلٍ،
فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً، يَعْنِي: إِنْ طَلَبْتَهُ
لَمْ تَجِدْهُ.
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ، أَيْ: أَحَاطَ الْعَذَابُ بِثَمَرِ
جَنَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ
عَلَيْهَا نَارًا فَأَهْلَكَتْهَا وَغَارَ مَاؤُهَا،
فَأَصْبَحَ، صَاحِبُهَا الْكَافِرُ، يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ، أَيْ
يُصَفِّقُ بيديه [الواحدة] [3] عَلَى الْأُخْرَى وَيُقَلِّبُ
كَفَّيْهِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ تَأَسُّفًا وَتَلَهُّفًا، عَلى مَا
أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ، أَيْ سَاقِطَةٌ، عَلى
عُرُوشِها، سُقُوفِهَا، وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ
بِرَبِّي أَحَداً.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ،
جَمَاعَةٌ، يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَمْنَعُونَهُ
مِنْ عذاب الله،
__________
(1) تصحف في «ب» «حماد» وعبارة «الوسيط» 3/ 149 «أنا: عماد،
وأقلّ: مفعول ثان لترى» .
(2) في المطبوع وط «تعظمت» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(3/193)
وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ
السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ
هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ
عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ
نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً
وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا
خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ
نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
وَما كانَ مُنْتَصِراً، مُمْتَنِعًا
مُنْتَقِمًا [أَيْ] [1] لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِصَارِ
لِنَفْسِهِ. وَقِيلَ: لَا يَقْدِرُ عَلَى ردّ ما ذهب منه [2] .
هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، يَعْنِي فِي
الْقِيَامَةِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الْوَلايَةُ
بِكَسْرِ الْوَاوِ، يَعْنِي السُّلْطَانَ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنَ الموالاة والنصرة،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا
[الْبَقَرَةِ:
257] ، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يُرِيدُ أنهم يتولونه [3] يومئذ
ويتبرؤون مِمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ.
وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ الرُّبُوبِيَّةُ وَبِالْكَسْرِ
الْإِمَارَةُ، الْحَقِّ بِرَفْعِ الْقَافِ أَبُو عَمْرٍو
وَالْكِسَائِيُّ عَلَى نَعْتِ الْوِلَايَةِ، وَتَصْدِيقُهُ
قِرَاءَةُ أُبَيٍّ: «هنالك الولاية الحق الله» ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالْجَرِّ عَلَى صِفَةِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى:
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ
[الْأَنْعَامِ: 62] هُوَ خَيْرٌ ثَواباً، أَفْضَلُ جَزَاءً
لِأَهْلِ طَاعَتِهِ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ يُثِيبُ، وَخَيْرٌ
عُقْباً، أَيْ عَاقِبَةُ طَاعَتِهِ خَيْرٌ مِنْ عَاقِبَةِ
طَاعَةِ غيره، فهو خير إثابة، وعاقبة: طَاعَةٌ، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ عُقْباً ساكنة القاف، وقرأ الباقون بضمها.
[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 48]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ
أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ
الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ
اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) الْمالُ
وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ
الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً
(46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً
وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (47)
وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما
خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ
نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاضْرِبْ لَهُمْ، يَا محمد لِقَوْمِكَ:
مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ
السَّماءِ، يَعْنِي الْمَطَرَ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ
الْأَرْضِ، خَرَجَ مِنْهُ [4] كُلُّ لَوْنٍ وَزَهْرَةٍ،
فَأَصْبَحَ، عن قريب، هَشِيماً، يابسا.
قاله [5] ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ الضَّحَاكُ: كَسِيرًا.
وَالْهَشِيمُ: مَا يَبِسَ وَتَفَتَّتَ مِنَ النباتات،
تَذْرُوهُ الرِّياحُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تفرقه [6] . وقال
أبو عبيدة مثله. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: تَنْسِفُهُ، وَكانَ
اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً، قَادِرًا.
الْمالُ وَالْبَنُونَ، الَّتِي يَفْتَخِرُ بِهَا عيينة [7]
وَأَصْحَابُهُ الْأَغْنِيَاءُ، زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا،
لَيْسَتْ مِنْ زَادِ الْآخِرَةِ، قَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمَالُ وَالْبَنُونَ حَرْثُ
الدُّنْيَا وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ حَرْثُ الْآخِرَةِ،
وَقَدْ يَجْمَعُهَا اللَّهُ لِأَقْوَامٍ. وَالْباقِياتُ
الصَّالِحاتُ، اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ:
هِيَ قَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
«1353» وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الْكَلَامِ أَرْبَعُ
كَلِمَاتٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ» .
«1354» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ الحنفي أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الحسن الحيري أخبرنا أبو
__________
1353- تقدم في تفسير سورة الإسراء آية: 111 رقم 1346 من حديث
سمرة بن جندب.
1354- صحيح، إسناده ضعيف لضعف أحمد بن عبد الجبار، لكن توبع هو
ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- أبو معاوية محمد بن خازم، الأعمش سليمان بن مهران، أبو صالح
اسمه ذكوان.
- وهو في «شرح السنة» 1270 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2695 والترمذي 3597 والنسائي في «عمل اليوم
والليلة» 835 وابن أبي شيبة 10/ 288 وابن حبان
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «عنه» .
(3) تصحف في المطبوع «يتلونه» .
(4) في المخطوط «أخرج من» .
(5) تصحف في المطبوع «قال» .
(6) زيد في المطبوع «الرياح» .
(7) تصحف في المطبوع «عقبة» . [.....]
(3/194)
جَعْفَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الْهَاشِمِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الجبار
العطاردي ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» .
«1355» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ
أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سَمْعَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنْبَأَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجُوَيْهِ ثنا عثمان بن [1] صالح ثنا ابن لهيعة حدثني
دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ
الصَّالِحَاتِ» ، قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
[قَالَ: «الْمِلَّةُ» قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ]
؟ [2] قَالَ: «التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَسْرُوقٌ وَإِبْرَاهِيمُ:
الباقيات الصَّالِحَاتُ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
وَيُرْوَى هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ
أُخْرَى أَنَّهَا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَهُوَ قَوْلُ
قَتَادَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً،
أَيْ جَزَاءً، الْمُرَادُ وَخَيْرٌ أَمَلًا، أَيْ مَا
يُأَمِّلُهُ الْإِنْسَانُ.
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو
عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ: تَسِيرُ بِالتَّاءِ وَفَتْحِ
الْيَاءِ الْجِبَالُ رَفْعٌ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ
وَكَسْرِ الْيَاءِ، الْجِبالَ نَصْبٌ، وَتَسْيِيرُ [3]
الْجِبَالِ نَقْلُهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَتَرَى
الْأَرْضَ بارِزَةً، أَيْ ظَاهِرَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا شَجَرٌ
وَلَا جَبَلٌ وَلَا نَبَاتٌ، كَمَا قَالَ: فَيَذَرُها قَاعًا
صَفْصَفاً (106) لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107)
[طَهَ: 106- 107] ، قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ بُرُوزُ مَا فِي
بَاطِنِهَا مِنَ الْمَوْتَى وَغَيْرِهِمْ، فَتَرَى بَاطِنَ
الْأَرْضِ ظَاهِرًا، وَحَشَرْناهُمْ، جَمِيعًا إِلَى
الْمَوْقِفِ وَالْحِسَابِ، فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ، أي [فلم]
[4] نترك منهم، أَحَداً.
عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا
، أَيْ صَفًّا صَفًّا، فَوْجًا فَوْجًا، لَا أَنَّهُمْ صَفٌّ
وَاحِدٌ. وَقِيلَ: قِيَامًا، ثُمَّ يقال لهم يعني الكفار: قَدْ
جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ
، يَعْنِي أَحْيَاءً، وَقِيلَ: فُرَادَى كَمَا ذُكِرَ فِي
سُورَةِ الْأَنْعَامِ [92] . وَقِيلَ: [عراة وقيل] [5] : غرلا.
لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
، يوم القيامة، يقوله
__________
834 من طرق عن أبي معاوية به.
1355- حديث حسن بشواهده دون لفظ «الملة» فإنه ضعيف ليس له
شواهد.
- إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، ودرّاج عن أبي الهيثم، وقد توبع
ابن لهيعة، وللحديث شواهد يحسن بها.
- ابن لهيعة عبد الله، درّاج بن سمعان، أبو الهيثم سليمان بن
عمرو بن عبيد.
- وهو في «شرح السنة» 1275 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 1384 وأحمد 3/ 75 من طريق الحسن بن موسى عن
ابن لهيعة به.
- وأخرجه الحاكم 1/ 512 والطبري 23102 وابن حبان 840 من طريق
ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عن درّاج به، وصححه
الحاكم!، ووافقه الذهبي!؟.
- وله شواهد منها:- حديث عثمان بن عفان عند أحمد 1/ 71 ورجاله
رجال الصحيح كما في «المجمع» 10/ 89.
- وحديث أبي هريرة عند الطبري 23100 وإسناده حسن.
- وانظر «مجمع الزوائد» 10/ 89 و «الإحسان» 480 و «صحيح
الجامع» 3214 و «تفسير الشوكاني» 1505 و1507 و «أحكام القرآن»
1469 وكلاهما بتخريجي.
(1) في المطبوع وط «عن أبي» .
(2) سقط من المخطوط- ب-.
(3) في المطبوع «سير» .
(4) زيادة عن- ب-.
(5) زيادة عن- ب- ظ.
(3/195)
لِمُنْكِرِي الْبَعْثِ.
«1356» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ ثنا معلى بن أسد ثنا وهيب [1] عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ
[عَنْ أَبِيهِ] [2] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ،
رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ
وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ
وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ
تُقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ
بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي
مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا» .
«1357» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ ثَنَا محمد بن كثير ثنا سفيان ثنا الْمُغِيرَةِ
بْنِ النُّعْمَانِ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً
غُرْلًا» ، ثُمَّ قَرَأَ، كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ
نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ
[الْأَنْبِيَاءِ: 104] ، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِي
يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ أصحابي أصحابى،
فيقول: إنهم لن يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ
مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصالح
[عيسى ابن مريم] [3] وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ
فِيهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]
.
«1358» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [مُحَمَّدُ بْنُ محمد] [4]
السرخسي أنا [أَبُو عَلِيٍّ] [5] زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ
السرخسي أنا
__________
1356- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهيب هو ابن خالد، ابن طاوس هو عبد الله بن كيسان اليماني،
وطاوس لقب.
- وهو في «شرح السنة» 4209 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 6522 عن معلّى
بن أسد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2861 والنسائي 4/ 115- 116 وابن حبان 7336 من
طرق عن وهيب به.
- قال المصنف في «شرح السنة» : هذا الحشر قبل قيام الساعة إنما
يكون إلى الشام أحياء فأما الحشر بعد البعث من القبول على خلاف
هذه الصفة من ركوب الإبل، والمعاقبة عليها إنما هو كما أخبر
أنهم يبعثون حفاة عراة، وقيل: هذا في البعث دون الحشر.
1357- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- ابن كثير هو العبدي البصري، سفيان هو ابن سعيد الثوري.
- وهو في «شرح السنة» 4207 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 3349 عن محمد
بن كثير بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4625 و4626 و4740 ومسلم 2861 ح 58 والترمذي
2425 والنسائي 4/ 114 و117 وأحمد 1/ 233 و229 و235 و253
والدارمي 2/ 326 وأبو يعلى 2578 من طرق عن المغيرة بن النعمان
به.
1358- صحيح، هارون بن إسحق ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم، أبو خالد هو سليمان بن حيان، أبو صغيرة
اسمه مسلم، وهو جد حاتم لأمه، وقيل: هو زوج أمه. انظر
«التقريب» ابن أبي مليكة. هو عبد الله بن عبيد الله.
(1) تصحف في المطبوع وط «وهب» .
(2) سقط من النسخ.
(3) زيادة عن- ب-.
(4) زيادة عن- ب-. [.....]
(5) زيادة عن- ب-.
(3/196)
وَوُضِعَ الْكِتَابُ
فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ
يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا
عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ
قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي
وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا
أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ
أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا
(51)
أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ
بن المغلس ببغداد ثنا هارون بن إسحاق الهمداني أَنْبَأَنَا
أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ
عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ
يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «عُرَاةً
حُفَاةً» ، قَالَتْ: قُلْتُ وَالنِّسَاءُ؟ قال: و «النساء» ،
قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَسْتَحِي، قَالَ:
«يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ
يُهِمَّهُمْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» .
[سورة الكهف (18) : الآيات 49 الى 51]
وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا
فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا
يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا
مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا
إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ
دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً
(50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا
خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ
عَضُداً (51)
قوله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتابُ، يعني كتاب أعمال العباد يوضع
فِي أَيْدِي النَّاسِ فِي أَيْمَانِهِمْ وشمائلهم وقيل: معناه
يوضع بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى: فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ
مُشْفِقِينَ، خَائِفِينَ، مِمَّا فِيهِ، مِنَ الْأَعْمَالِ
السَّيِّئَةِ، وَيَقُولُونَ، إِذَا رَأَوْهَا، يَا وَيْلَتَنا،
يَا هَلَاكَنَا، والويل والويلة الْهَلَكَةُ، وَكُلُّ مَنْ
وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ دَعَا بِالْوَيْلِ، وَمَعْنَى النِّدَاءِ
تنبيه المخاطبين، مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً
وَلا كَبِيرَةً، مِنْ ذُنُوبِنَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
الصَّغِيرَةُ التَّبَسُّمُ والكبيرة الْقَهْقَهَةُ. وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الصغيرة اللمم واللمس والقبلة،
والكبيرة الزنا [ونحوه] [1] . إِلَّا أَحْصاها، عَدَّهَا [2] ،
قَالَ السُّدِّيُّ: كتبها وأثبتها. وقال مُقَاتِلُ بْنُ
حَيَّانَ: حَفِظَهَا.
«1359» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هارون
__________
- وهو في «شرح السنة» 4208 بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 4276 من طريق أبي خالد الأحمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6527 ومسلم 2859 والنسائي في «التفسير» 324
من طريقين عن حاتم بن أبي صغيرة به.
- وأخرجه النسائي 4/ 114- 115 من طريق أبي يونس القشيري عن ابن
أبي مليكة به.
1359- حديث صحيح بشواهده. أحمد بن سيّار ثقة، وقد توبع ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم غير يوسف بن عدي، فإنه من
رجال البخاري، أبو حازم هو سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» 4098 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 5/ 331 والبيهقي في «الشعب» 72067 من طريق أنس
بن عياض به.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» 5872 و «الأوسط» 7319 و
«الصغير» 904 من طريق عبد الوهّاب عن أنس بن عياض به.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 10/ 190 وقال: رواه أحمد، ورجاله
رجال الصحيح. ورواه الطبراني في «الثلاثة» من طريقين، ورجال
إحداهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكيم، وهو ثقة.
- وقال المنذري في «الترغيب» 3638: رواه أحمد، ورواته محتج بهم
في الصحيح.
- وللحديث شواهد انظر «الترغيب والترهيب» 3/ 277- 279 للمنذري.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «عددها» .
(3/197)
الطَّيْسَفُونِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو
الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ أَنْبَأَنَا
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ
بَسْطَامَ أَنْبَأَنَا [أَبُو] [1] الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ
سَيَّارٍ [2] الْقُرَشِيُّ ثنا يوسف بن عدي المصري ثنا أَبُو
ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ
مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَثَلُ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ
فَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ وَجَاءَ هَذَا بِعُودٍ وَجَاءَ هَذَا
بِعُودٍ، فَأَنْضَجُوا خُبْزَهُمْ [3] ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ
الذُّنُوبِ لَمُوبِقَاتٌ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً،
مَكْتُوبًا مُثْبَتًا فِي كِتَابِهِمْ، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ
أَحَداً، أَيْ: لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا.
وَقَالَ الضَّحَاكُ: لَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِجُرْمٍ لَمْ
يَعْمَلْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ: تعرض النَّاسُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرْضَاتٍ، فَأَمَّا الْعَرْضَتَانِ
فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ، وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ
فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي، فَآخِذٌ
بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ. وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ
أبي موسى [4] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لِآدَمَ، يَقُولُ وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ
مِنْ حَيٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ،
خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ
مِنَ الْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَهُوَ
أَصْلُ الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ.
فَفَسَقَ، أَيْ خَرَجَ، عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، عَنْ طَاعَةِ
رَبِّهِ، أَفَتَتَّخِذُونَهُ، يَعْنِي يَا بَنِي آدَمَ
وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ،
أَيْ أَعْدَاءٌ.
رَوَى مُجَالِدٌ [5] عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إِنِّي
لَقَاعِدٌ يَوْمًا إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي
هَلْ لِإِبْلِيسَ زَوْجَةٌ؟
قُلْتُ: إِنَّ ذلك لعرس [6] مَا شَهِدْتُهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ
قَوْلَهُ تَعَالَى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ
أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا تَكُونُ ذرية
إلا من زوجة، فَقُلْتُ: نَعَمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
يَتَوَالَدُونَ كَمَا يَتَوَالَدُ بَنُو آدَمَ. وَقِيلَ:
إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَنَبَهُ فِي دُبُرِهِ فَيَبِيضُ
فَتَنْفَلِقُ الْبَيْضَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ من الشياطين. وقال
مجاهد: من ذريته إبليس لا قيس وولهان، وهما صاحبا الطهارة
والصلاة، والهفاف ومرّة وبه يكنى، وزلنبور وَهُوَ صَاحِبُ
الْأَسْوَاقِ، يُزَيِّنُ اللَّغْوَ والحلف الكاذبة ومدح السلع،
وثبر [7] وهو صاحب المصائب يزين للناس خَمْشَ الْوُجُوهِ
وَلَطْمَ الْخُدُودِ وَشَقَّ الجيوب، والأعور وَهُوَ صَاحِبُ
الزِّنَا يَنْفُخُ فِي إحليل الرجل وعجز المرأة، ومطووس وَهُوَ
صَاحِبُ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ يُلْقِيهَا فِي أَفْوَاهِ
النَّاسِ، لَا يَجِدُونَ لها أصلا، وداسم وَهُوَ الَّذِي إِذَا
دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَلَمْ يَذْكُرِ
اسْمَ اللَّهِ بَصَّرَهُ مِنَ الْمَتَاعِ ما لم يرفع ولم يوضع
في موضعه أَوْ يَحْتَبِسْ مَوْضِعَهُ، وَإِذَا أَكَلَ وَلَمْ
يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ أَكَلَ مَعَهُ.
قَالَ الْأَعْمَشُ: رُبَّمَا دَخَلْتُ الْبَيْتَ وَلَمْ
أَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ، فَرَأَيْتُ
مِطْهَرَةً فَقُلْتُ ارْفَعُوا هَذِهِ وَخَاصَمْتُهُمْ، ثُمَّ
أَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ فَأَقُولُ دَاسِمُ دَاسِمُ.
__________
(1) زيادة عن- ب-.
(2) تصحف في المطبوع «يسار» .
(3) في المطبوع «خبزتهم» .
(4) يأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
(5) تصحف في المطبوع والمخطوط «مجاهد» .
(6) تصحف في المطبوع «العرش» .
(7) تصحف في المطبوع «بتر» .
(3/198)
«1360» وَرُوِيَ عَنْ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: «إِنْ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ
الْوَلْهَانُ. فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ» .
«1361» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ [الْفَارِسِيُّ]
[1] أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيِّ
أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ
أَنْبَأَنَا مسلم بن الحجاج ثنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ
الْبَاهِلِيُّ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ
الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ
أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ
قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وقراءتي يُلَبِّسُهَا
[2] عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبُ، فَإِذَا
أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَنْ
يَسَارِكَ ثَلَاثًا» ، [قَالَ] [3] فَفَعَلْتُ ذَلِكَ
فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
«1362» وَأَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ [أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدِ بْنِ] [4] عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أنبأنا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو كريب محمد بن العلاء أنبأنا أبو
معاوية ثنا الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ
سَرَايَاهُ [5] ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً
أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ:
فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا،
قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ
حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ:
فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نَعَمْ أَنْتَ» . قَالَ
الْأَعْمَشُ أَرَاهُ قال: «فيلتزمه» .
__________
1360- ضعيف جدا. أخرجه الترمذي 57 وابن ماجه 421 وابن خزيمة
122 والحاكم 1/ 162 والبيهقي 1/ 197 وابن عدي في «الكامل» 3/
54 من حديث أبي بن كعب.
- وإسناده ضعيف جدا، فيه خارجة بن مصعب، وهو متروك، وكان يدلس
عن كذابين.
- قال الترمذي: هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي، وقد روى من
غير وجه عن الحسن قوله، ولا يصح في هذا الباب عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم شيء.
- وقال البيهقي: هذا الحديث معلول برواية الثوري عن بيان عن
الحسن بعضه من قوله غير مرفوع، باقيه عن يونس بن عبيد من قوله
غير مرفوع.
- وقال الحافظ في «تلخيص الحبير» 1/ 144: وفيه خارجه بن مصعب،
وهو ضعيف! مع أنه قال في التقريب: متروك.
- وأخرجه البيهقي 1/ 197 من طريق عبد الله بن الوليد بن سفيان
عن بيان عن الحسن قوله.
1361- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، سعيد الجريري هو ابن إياس،
أبو العلاء هو يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير.
- رواه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» 2203 عن يحيى بن
خلف الباهلي بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2203 وأحمد 4/ 216 والطحاوي في «المشكل» 370
و371 من طرق عن سعيد بن إياس الجريري. [.....]
1362- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو معاوية محمد بن خازم، الأعمش سليمان بن مهران، أبو سفيان
هو طلحة بن نافع.
- وهو في «صحيح مسلم» 2813 ح 67 عن أبي كريب بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 3/ 314 من طريق أبي معاوية به.
- وأخرجه مسلم 2813 ح 68 وأحمد 3/ 332 و384 و366 وأبو يعلى
2153 من طريقين عن أبي الزبير عن جابر بنحوه.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «يلبسهما» والمثبت هو الصواب.
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) زيد في المطبوع وحده «يفتنون الناس» .
(3/199)
وَيَوْمَ يَقُولُ
نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ
مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ
كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا
(54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ
الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ
سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا
(55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ
لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا
أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)
قَوْلُهُ تَعَالَى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ
بَدَلًا، قَالَ قَتَادَةُ: بِئْسَ مَا اسْتَبْدَلُوا طَاعَةَ
إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ.
مَا أَشْهَدْتُهُمْ، مَا أَحْضَرْتُهُمْ، وَقَرَأَ أَبُو
جَعْفَرٍ مَا أَشْهَدْنَاهُمْ بِالنُّونِ وَالْأَلْفِ عَلَى
التَّعْظِيمِ، أَيْ أَحْضَرْنَاهُمْ يَعْنِي إِبْلِيسَ
وَذُرِّيَّتَهُ. وَقِيلَ: الْكُفَّارُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا
خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ، يقول: ما أشهدتم خَلْقًا فَأَسْتَعِينُ
بِهِمْ عَلَى خَلْقِهَا وَأُشَاوِرُهُمْ فِيهَا، وَما كُنْتُ
مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً، أَيِ الشَّيَاطِينَ
الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ عَضُدًا أَيْ: أَنْصَارًا
وأعوانا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 52 الى 56]
وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ
فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا
بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ
فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها
مَصْرِفاً (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ
لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ
شَيْءٍ جَدَلاً (54) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا
إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ
تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ
الْعَذابُ قُبُلاً (55) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا
بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي
وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56)
قوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ قَرَأَ حَمْزَةُ بِالنُّونِ
وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ أَيْ: يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، نادُوا شُرَكائِيَ، يَعْنِي الْأَوْثَانَ
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ، أَنَّهُمْ شُرَكَائِي، فَدَعَوْهُمْ،
فَاسْتَغَاثُوا بِهِمْ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، أَيْ:
لَمْ يُجِيبُوهُمْ وَلَمْ يَنْصُرُوهُمْ، وَجَعَلْنا
بَيْنَهُمْ، يَعْنِي بَيْنَ الْأَوْثَانِ وَعَبَدَتِهَا
وَقِيلَ بَيْنَ أَهْلِ الْهُدَى وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ،
مَوْبِقاً مَهْلِكًا قَالَهُ عَطَاءٌ وَالضَّحَاكُ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ وَادٍ فِي النَّارِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ نَهْرٌ فِي
النَّارِ يَسِيلُ نَارًا عَلَى حافتيه [1] حَيَّاتٌ مِثْلُ
الْبِغَالِ الدُّهْمِ قَالَ ابن الأعرابي: كل حَاجِزٍ بَيْنَ
شَيْئَيْنِ فَهُوَ مَوْبِقٌ، وأصله الهلاك يقال: أوبقه [فهو
وابق] [2] أَيْ أَهْلَكَهُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَجَعَلْنَا
تَوَاصُلَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُهْلِكًا لَهُمْ فِي
الْآخِرَةِ، وَالْبَيْنُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ التَّوَاصُلُ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الْأَنْعَامِ: 94] عَلَى
قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ.
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ، أَيِ الْمُشْرِكُونَ،
فَظَنُّوا، أَيْقَنُوا، أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، دَاخِلُوهَا
وَوَاقِعُونَ فِيهَا، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً،
مَعْدِلًا لِأَنَّهَا أَحَاطَتْ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جانب.
قوله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا، بَيَّنَّا، فِي هذَا
الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا
وَيَتَّعِظُوا، وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا،
خُصُومَةً فِي الْبَاطِلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ
النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَجِدَالَهُ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ
الْكَلْبِيُّ: أَرَادَ بِهِ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْكُفَّارُ، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى:
وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ [الْكَهْفِ: 56] ،
وَقِيلَ: هِيَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهَذَا أَصَحُّ.
«1363» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمُلَيْحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا محمد بن يوسف أنبأنا
__________
- وأخرجه مسلم 2813 وأبو يعلى 1909 من طريقين عن جرير عن
الأعمش به.
- وأخرجه أحمد 3/ 354 من طريق صفوان عن ماعز التيمي عن جابر
بنحوه.
- وفي الباب من حديث أبي موسى عند الحاكم 4/ 350 وابن حبان
6189 وإسناده صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
1363- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
(1) في المطبوع «حافته» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3/200)
وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ
مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ
تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا
(57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ
بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ
مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ
الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا
لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ
لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ
أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو
الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنْبَأَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ
أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ
بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَةً فَقَالَ: «ألا تصليان؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ أَنْفُسَنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ
يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ
يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ
يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: وَكانَ الْإِنْسانُ
أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا
إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى، الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ
وَالْبَيَانُ مِنَ الله عزّ وجلّ. وقيل: إِنَّ الرَّسُولَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَسْتَغْفِرُوا
رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ،
يَعْنِي سُنَّتَنَا فِي إِهْلَاكِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
وَقِيلَ إِلَّا طَلَبَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ
الْأَوَّلِينَ مِنْ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ، كما قالوا: وَإِذْ
قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ
ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَالِ: 32] أَوْ
يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا، قَالَ ابن عباس: عَيَانًا
مِنَ الْمُقَابَلَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَجْأَةً، وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ:
«قُبُلًا» بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ، جَمْعُ قَبِيلٍ أَيْ:
أَصْنَافُ الْعَذَابِ نَوْعًا نَوْعًا.
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ
وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ،
وَمُجَادَلَتُهُمْ قَوْلُهُمْ: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً
رَسُولًا [الإسراء: 94] . ولَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ
عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
[الزُّخْرُفِ: 31] ، وَمَا أَشْبَهَهُ [1] . لِيُدْحِضُوا،
لِيُبْطِلُوا، بِهِ الْحَقَّ، وَأَصْلُ الدَّحْضِ الزَّلَقُ
يُرِيدُ لِيُزِيلُوا بِهِ الْحَقَّ، وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما
أُنْذِرُوا هُزُواً، فِيهِ إِضْمَارٌ يَعْنِي وَمَا أُنْذِرُوا
بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، هزوا أي استهزاء.
[سورة الكهف (18) : الآيات 57 الى 60]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ
عَنْها وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى
قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ
وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا
إِذاً أَبَداً (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ
يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ
لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58)
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا
لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لَا
أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ
أَمْضِيَ حُقُباً (60)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ، وُعِظَ، بِآياتِ رَبِّهِ
فَأَعْرَضَ عَنْها، تَوَلَّى عَنْهَا وَتَرَكَهَا وَلَمْ
يُؤْمِنْ بِهَا، وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ، أَيْ مَا
عَمِلَ مِنَ الْمَعَاصِي مِنْ قَبْلُ، إِنَّا جَعَلْنا عَلى
قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً، أَغْطِيَةً، أَنْ يَفْقَهُوهُ، أَيْ:
يَفْهَمُوهُ يُرِيدُ لِئَلَّا يَفْهَمُوهُ، وَفِي آذانِهِمْ
وَقْراً، أَيْ صَمَمًا وَثِقَلًا، وَإِنْ تَدْعُهُمْ، يَا
مُحَمَّدُ إِلَى الْهُدى، إلى الدين [الحق] [2] ، فَلَنْ
يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً، وَهَذَا فِي أَقْوَامٍ عَلِمَ
اللَّهُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ، ذُو النِّعْمَةِ لَوْ
يُؤاخِذُهُمْ، يُعَاقِبُ الْكُفَّارَ، بِما كَسَبُوا، مِنَ
الذُّنُوبِ لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، فِي الدُّنْيَا، بَلْ
لَهُمْ مَوْعِدٌ، يَعْنِي الْبَعْثَ وَالْحِسَابَ، لَنْ
يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا، ملجأ.
__________
- أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن أبي حمزة واسمه
دينار، الزهري محمد بن مسلم.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 1127 عن أبي
اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4724 و7347 و7465 ومسلم 775 والنسائي 3/ 205
وأحمد 1/ 91 و112 وابن حبان 2566 وأبو عوانة 2/ 292 وابن خزيمة
1139 والبيهقي 2/ 500 من طرق عن الزهري به.
(1) في المخطوط «أشبهها» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3/201)
وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ، يَعْنِي
قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَغَيْرَهُمْ،
لَمَّا ظَلَمُوا، كَفَرُوا، وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ
مَوْعِداً، أَيْ أَجَلًا، قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ لِمَهْلِكِهِمْ
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ، وَقَرَأَ حَفْصٌ بِفَتْحِ
الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ فِي النَّمْلِ [49]
«مهلك» أي وقت هَلَاكِهِمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ
الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ: لِإِهْلَاكِهِمْ.
قَوْلُهُ تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لَا أَبْرَحُ
حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، عَامَّةُ أَهْلِ
الْعِلْمِ قَالُوا:
إِنَّهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ
مُوسَى بْنُ مِيشَا مِنْ أَوْلَادِ يُوسُفَ. وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ.
«1364» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا الحميدي ثنا سفيان ثنا
عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ
يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذِبَ عَدُوُّ
اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ،
فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ
اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ،
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ
الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ
فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا
فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ ما فقدت الحوت فهو ثمة،
فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ
وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونَ، حَتَّى إِذَا
أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي
الْمِكْتَلِ فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ،
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا وَأَمْسَكَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْحُوتِ جَرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ
عَلَيْهِ مِثْلُ الطَّاقِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِيَ
صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ
يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ من الغد، فلما
جاوزا قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ
لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ
مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أمره الله
بِهِ، وَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى
الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ
إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا
وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا، وَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا
كُنَّا نبغ نطلبه، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا،
قَالَ:
رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى
الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ
عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السلام، فقال له: أَنَا مُوسَى، قَالَ:
مُوسَى بَنِي إسرائيل؟ قال: نعم، قال: أَتَيْتُكَ
لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [1] ، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى علم
من علم اللَّهِ عَلَّمَنِيهُ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ
عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ علمكه اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ،
فَقَالَ مُوسَى: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا
وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: فَإِنِ
اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ
لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ على
__________
1364- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن الحميدي.
- الحميدي هو عبد الله بن الزبير، سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «صحيح البخاري» 4725 عن الحميد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 122 و3278 و3401 و4727 و6672 ومسلم 2380 وأبو
داود 4707 والترمذي 3149 والحميدي 371 وأحمد 5/ 117 و118 وابن
حبان 6220 والطبري 23208 من طرق عن سفيان به. مطوّلا ومختصرا.
- وأخرجه البخاري 4726 وأحمد 5/ 119 و120 من طريق ابن جريج عن
يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار به.
- وأخرجه البخاري 74 و78 و3400 ومسلم 2380 ح 174 وأحمد 5/ 116
وابن حبان 102 والطبري 23213 و23214 من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عباس
مختصرا. [.....]
(1) زيد في المطبوع في هذا الموضع وغيره زيادات متعددة ليست في
المخطوط ولا في «صحيح البخاري» لذا أسقطتها.
(3/202)
سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ
فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ
فَحَمَلُوهُمْ بغير نول، حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي
السَّفِينَةِ لم يفجأ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا
مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ، فَقَالَ له موسى:
قوم قد حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى
سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ
جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟
قَالَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ
أَمْرِي عسرا، قال: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: فكانت الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا
وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا» ، قَالَ:
وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ
فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا
نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ [اللَّهِ] [1] إِلَّا
مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ،
ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ فَبَيْنَمَا هُمَا
يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ
غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الخضر برأسه
فاقتلعه بيده وقتله، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا
زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا،
قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ
صَبْرًا؟ قَالَ: وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى، قَالَ: إِنْ
سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ
بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا
أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيفو هما،
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ينقض، قَالَ: كَانَ
مَائِلًا، فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ، فَقَالَ
مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ
يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا،
قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، إلى قوله: ذلِكَ
تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [الكهف: 78]
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ
عَلَيْنَا من خبر هما» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَكَانَ
ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: «وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ
يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا» وَكَانَ يَقْرَأُ
«وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ
مُؤْمِنَيْنِ» .
«1365» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَامَ
مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حَتَّى
إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ وَلَّى
فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِي
الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا، فَعَتَبَ
اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يرد العلم إِلَى الله [فأوحى
اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ
هو أعلم منك] [2] ، قال: يا رب وأين بمجمع البحرين، قال خذ
حُوتًا مَيِّتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، وَفِي
رِوَايَةٍ قِيلَ لَهُ: تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا فَإِنَّهُ
حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي
مِكْتَلٍ» .
رَجَعْنَا إِلَى التَّفْسِيرِ قوله: وَإِذْ قالَ مُوسى
لِفَتاهُ، يُوشَعَ بْنِ نُونَ، لَا أَبْرَحُ، أَيْ لَا أَزَالُ
أَسِيرُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ
قَتَادَةُ: بَحْرِ فَارِسٍ وَبَحْرِ الرُّومِ، مِمَّا يَلِي
الْمَشْرِقَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: طَنْجَةُ.
وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: إفريقية. أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً،
أَيْ دَهْرًا طَوِيلًا [3] وَزَمَانًا، وَجَمْعُهُ أَحْقَابٌ،
وَالْحِقَبُ: جَمْعُ الْحِقْبِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ: وَالْحِقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً، فَحَمَلَا خُبْزًا
وَسَمَكَةً مَالِحَةً حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ
الَّتِي عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَيْلًا وَعِنْدَهَا
عَيْنٌ تُسَمَّى مَاءُ الْحَيَاةِ لَا يُصِيبُ ذَلِكَ الْمَاءُ
شيئا إلا حيي، فَلَمَّا أَصَابَ السَّمَكَةَ رُوحُ الْمَاءِ
وَبَرْدُهُ اضْطَرَبَتْ فِي الْمِكْتَلِ وَعَاشَتْ ودخلت
البحر.
__________
1365- صحيح. أخرجه البخاري 4726 وأحمد 5/ 119 و120 من طريق ابن
جريج عن يعلى بن مسلم وعمرو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جبير به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) ما بين الحاصرتين في المطبوع «قيل بلى عبدنا الخضر» .
(3) زيد في المطبوع «وإن كان حقبا» .
(3/203)
فَلَمَّا بَلَغَا
مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ
آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا
نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى
الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ
إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي
الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ
فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا
مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا
وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى
هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ
رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
(67)
[سورة الكهف (18) : الآيات 61 الى 62]
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا
جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ
سَفَرِنا هَذَا نَصَباً (62)
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَلَمَّا بَلَغا، يَعْنِي مُوسَى
وَفَتَاهُ، مَجْمَعَ بَيْنِهِما، أي: بين البحرين [1] نَسِيا،
تَرَكَا، حُوتَهُما، وَإِنَّمَا كَانَ الحوت مع يوشع [بن نون]
[2] ، وَهُوَ الَّذِي نَسِيَهُ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ
إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا تَزَوَّدَاهُ
لِسَفَرِهِمَا، كَمَا يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى
مَوْضِعِ كَذَا وَحَمَلُوا مِنَ الزَّادِ كَذَا وَإِنَّمَا
حَمَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَاتَّخَذَ، أَيِ الْحُوتُ،
سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً، أَيْ مَسْلَكًا.
«1366» وَرُوِيَ عن ابن كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «انْجَابَ الْمَاءُ
عَنْ مَسْلَكِ الْحُوتِ فَصَارَ كُوَّةً لَمْ يَلْتَئِمْ
فَدَخَلَ مُوسَى الْكُوَّةَ عَلَى أَثَرِ الْحُوتِ فَإِذَا
هُوَ بِالْخَضِرِ» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ الْحُوتُ
لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حَتَّى
صَارَ صَخْرَةً، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: تَوَضَّأَ يُوشَعُ بْنُ
نُونَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ فَانْتَضَحَ عَلَى الْحُوتِ
الْمَالِحِ فِي الْمِكْتَلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَعَاشَ
ثُمَّ وَثَبَ فِي ذلك الماء فجعل [لا] [3] يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ
فَلَا يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ وَهُوَ
ذَاهِبٌ إِلَّا يَبِسَ، وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّهُمَا لَمَّا
انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، وَضَعَا رؤوسهما فَنَامَا
وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَخَرَجَ وَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ،
فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَأَمْسَكَ
اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جَرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ عَلَيْهِ
مِثْلُ الطَّاقِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ [مُوسَى] [4] نَسِيَ
صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا كَانَ
مِنَ الْغَدِ [5] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جاوَزا، يَعْنِي ذَلِكَ
الْمَوْضِعَ وَهُوَ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، قالَ، مُوسَى،
لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا، أَيْ طَعَامَنَا، وَالْغَدَاءُ مَا
يُعَدُّ لِلْأَكْلِ غُدْوَةً، وَالْعَشَاءُ مَا يُعَدُّ
لِلْأَكْلِ عَشِيَّةً، لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هَذَا
نَصَباً
، أَيْ تَعَبًا وَشِدَّةً وَذَلِكَ أَنَّهُ أُلْقِيَ عَلَى
مُوسَى الْجُوعُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصَّخْرَةِ،
لِيَتَذَكَّرَ الْحُوتَ وَيَرْجِعَ إِلَى مَطْلَبِهِ.
[سورة الكهف (18) : الآيات 63 الى 67]
قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي
نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ
أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63)
قالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما
قَصَصاً (64) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ
رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً
(65) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ
مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِيَ صَبْراً (67)
قالَ لَهُ فَتَاهَ وَتَذَكَّرَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى
الصَّخْرَةِ، وَهِيَ صَخْرَةٌ كَانَتْ بِالْمَوْضِعِ
الْمَوْعُودِ، قَالَ هقل [6] بْنُ زِيَادٍ: هِيَ الصَّخْرَةُ
الَّتِي دُونَ نَهْرِ الزَّيْتِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ،
أَيْ تَرَكْتُهُ وَفَقَدْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ يُوشَعَ حِينَ
رَأَى ذَلِكَ مِنَ الْحُوتِ قَامَ لِيُدْرِكَ مُوسَى
فَيُخْبِرَهُ، فَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ فَمَكَثَا يومهما حتى
صليا
__________
1366- ضعيف. أخرجه الطبري 23185 من طريق عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بن كعب به.
- وإسناده ضعيف، فيه ابن إسحاق، وهو مدلس، وقد عنعن.
(1) في المطبوع «الفريقين» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) يلاحظ أن المصنف اختصر الخبر لعل فيه خللا في هذا الموضع،
وانظر تمامه في «صحيح البخاري» 4725.
(6) تصحف في المطبوع «مقاتل» .
(3/204)
الظُّهْرَ مِنَ الْغَدِ. قِيلَ فِي
الْآيَةِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: نَسِيتُ أَنْ أَذْكُرَ لَكَ
أَمْرَ الْحُوتِ، ثُمَّ قَالَ: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا
الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، أَيْ وَمَا أَنْسَانِي أَنْ
أَذْكُرَ لَكَ أَمْرَ الْحُوتِ إِلَّا الشَّيْطَانُ، وَقَرَأَ
حَفْصٌ: أَنْسانِيهُ، وَفِي الْفَتْحِ [10] عَلَيْهُ اللَّهَ
بِضَمِّ الْهَاءِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْسَانِيهُ لِئَلَّا
أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً،
قِيلَ هَذَا مِنْ قَوْلِ يوشع، يقول طَفَرَ الْحُوتُ إِلَى
الْبَحْرِ فَاتَّخَذَ فِيهِ مَسْلَكًا فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ
عَجَبًا. وَرُوِّينَا فِي الْخَبَرِ: كَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا
وَلِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا. وَقِيلَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ
مُوسَى لَمَّا قَالَ لَهُ يُوشَعُ وَاتَّخَذَ سبيله في البحر
سربا، قَالَ لَهُ مُوسَى: عَجَبًا، كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْجَبُ
عَجَبًا. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ مِنْ حوت
يؤكل منه دهرا ثم صار حيا بعد ما أُكِلَ بَعْضُهُ.
قالَ. مُوسَى ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ، أَيْ: نَطْلُبُ،
فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أَيْ: رجعا يقصان الأثر
الذي جاءا [1] منه يبتغيانه، فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ
عِبَادِنَا، قِيلَ: كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ،
وَالصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَ فِي التَّوَارِيخِ، وَثَبَتَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
الْخَضِرُ، وَاسْمُهُ بَلِيَا بْنُ مَلْكَانَ، قِيلَ: كَانَ
مِنْ نَسْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقِيلَ: كَانَ مِنْ
أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ تَزَهَّدُوا فِي الدُّنْيَا،
وَالْخَضِرُ لَقَبٌ لَهُ [سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا] [2] :
«1367» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ
الْمَنِيعِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
يُوسُفَ السُّلَمِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قال: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ خَضِرًا لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى
فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هي تهتز تحته خضرا» .
قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَ خَضِرًا لِأَنَّهُ إِذَا صَلَّى
اخْضَرَّ مَا حَوْلَهُ.
وَرُوِّينَا أَنَّ مُوسَى رَأَى الْخَضِرَ مُسَجًّى بِثَوْبٍ
فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ الخضر وَأَنَّى بِأَرْضِكَ
السَّلَامُ، فَقَالَ:
أَنَا موسى أتيتك لتعملني مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [3] .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَقِيَهُ مُسَجًّى بِثَوْبٍ
مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ، بَعْضُ الثَّوْبِ تَحْتَ
رَأْسِهِ وَبَعْضُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَقِيَهُ وَهُوَ يُصَلِّي. وَيُرْوَى لَقِيَهُ
عَلَى طُنْفُسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كَبِدِ الْبَحْرِ.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا
آتَيْناهُ رَحْمَةً، أَيْ نِعْمَةً، مِنْ عِنْدِنا
وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، أَيْ عِلْمَ الْبَاطِنِ
إِلْهَامًا وَلَمْ يَكُنِ الْخَضِرُ نَبِيًّا عِنْدَ أَكْثَرِ
أَهْلِ الْعِلْمِ.
قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ [يقول جئت لأتبعك] [4]
وأصبحك، عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً،
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: رُشْداً بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَالشِّينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ
الشِّينِ، أَيْ صَوَابًا. وَقِيلَ: عِلْمًا تُرْشِدُنِي بِهِ.
وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى
هَذَا قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: كَفَى بِالتَّوْرَاةِ علما ببني
[5] إِسْرَائِيلَ شُغْلًا، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ
أَمَرَنِي بِهَذَا فَحِينَئِذٍ:
__________
1367- إسناده صحيح، أحمد بن يوسف ثقة روى له مسلم، وقد توبع
ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عبد الرزاق بن همام،
معمر بن راشد.
- وأخرجه الترمذي 3151 وأحمد 2/ 312 و318 وابن حبان 6222 من
طرق عن عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3402 من طريق ابن المبارك عن معمر به.
(1) في المطبوع «جاء» . [.....]
(2) زيد في المطبوع وط.
(3) هو بعض الحديث المتقدم برقم 1364.
(4) العبارة في المطبوع وقعت قبل هذه الآية.
(5) في المطبوع «بني» .
(3/205)
وَكَيْفَ تَصْبِرُ
عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي
إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ
حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى
إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا
لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
قالَ، لَهُ الْخَضِرُ، إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ
لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَرَى أُمُورًا مُنْكَرَةً، وَلَا
يَجُوزُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى
الْمُنْكَرَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ عُذْرَهُ فِي تَرْكِ الصَّبْرِ:
[سورة الكهف (18) : الآيات 68 الى 71]
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68)
قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ
أَمْراً (69) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ
شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) فَانْطَلَقا
حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ
أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً
إِمْراً (71)
فقال له: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً
(68) ، أَيْ عِلْمًا.
قالَ [له] [1] مُوسَى، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً،
[و] إِنَّمَا اسْتَثْنَى لِأَنَّهُ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ
بِالصَّبْرِ وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً، أَيْ لَا أُخَالِفُكَ
فيما تأمرني.
قالَ، الخضر، فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي، فَإِنْ صَحِبْتَنِي وَلَمْ
يَقُلْ اتَّبِعْنِي وَلَكِنْ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ إِلَيْهِ
إِلَّا أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ شرطا فقال، فَلا تَسْئَلْنِي،
قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ
اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ [وقرأ] [2] الآخرون بِسُكُونِ
اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، عَنْ شَيْءٍ [أعلمه فيما تنكره
و [لا] تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ] [3] ، حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ
مِنْهُ ذِكْراً، حتى ابتدأ لَكَ بِذِكْرِهِ فَأُبَيِّنُ لَكَ
شَأْنَهُ.
فَانْطَلَقا، يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ يَطْلُبَانِ
سَفِينَةً يَرْكَبَانِهَا فَوَجَدَا سَفِينَةً فَرَكِبَاهَا،
فَقَالَ أَهْلُ السَّفِينَةِ هَؤُلَاءِ لُصُوصٌ وَأَمَرُوهُمَا
[4] بِالْخُرُوجِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ: مَا هُمْ
بِلُصُوصٍ وَلَكِنِّي أَرَى [وجوههم] [5] وُجُوهَ
الْأَنْبِيَاءِ.
«1368» وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى الله عليه وسلم قال: «مَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ
فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ
فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا لَجَّجُوا الْبَحْرَ
أَخَذَ الْخَضِرُ فَأْسًا فَخَرَقَ لَوْحًا مِنَ السفينة» فذلك
قوله: حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ،
لَهُ مُوسَى، أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «لِيَغْرَقَ» بِالْيَاءِ
وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الرَّاءِ، «أَهْلُهَا» بِالرَّفْعِ عَلَى
اللُّزُومِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَرَفْعِهَا
وَكَسْرِ الرَّاءِ «أَهْلَهَا» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ
الْفِعْلَ لِلْخَضِرِ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أَيْ
مُنْكَرًا، وَالْإِمْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدَّاهِيَةُ،
وَأَصْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ شَدِيدٌ كَثِيرٌ، يُقَالُ: أَمِرَ
الْقَوْمُ إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ. وَقَالَ
الْقُتَيْبِيُّ إِمْراً أَيْ عَجَبًا. وَرُوِيَ أَنَّ
الْخَضِرَ لَمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ لَمْ يَدْخُلْهَا
الْمَاءُ. وَرُوِيَ أَنَّ موسى لما رأى ذلك [من الخضر] [6]
أَخَذَ ثَوْبَهُ فَحَشَّى بِهِ الْخَرْقَ. وَرُوِيَ أَنَّ
الْخَضِرَ أَخَذَ قَدَحًا من زجاج [7] ورقع به خرق السفينة.
__________
1368- هو بعض الحديث المتقدم برقم: 1364.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «و» .
(3) العبارة في المخطوط «أعلمه مِمَّا تُنْكِرُهُ وَلَا
تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ» .
(4) في المطبوع «وأمرهما» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع «الزجاج» .
(3/206)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ
إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا
تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي
عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا
فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ
نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ
أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا
تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ
اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا
فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ
قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
[سورة الكهف (18) : الآيات 72 الى 77]
قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
(72) قالَ لَا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ
أَمْرِي عُسْراً (73) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً
فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ
إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (75) قالَ إِنْ
سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ
بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76)
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما
أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها
جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ
لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77)
قالَ، العالم وهو الخضر [لما اشتد على الخضر من موسى بالإنكار]
[1] ، أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.
قالَ، مُوسَى، لَا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهُ مِنْ مَعَارِيضِ
الْكَلَامِ، فَكَأَنَّهُ نَسِيَ شَيْئًا آخَرَ. وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ بِمَا تَرَكْتُ مِنْ عَهْدِكَ وَالنِّسْيَانُ
التَّرْكُ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَتِ الْأُولَى مِنْ
مُوسَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ
عَمْدًا» [2] . وَلا تُرْهِقْنِي، وَلَا تَغْشَنِي، مِنْ
أَمْرِي عُسْراً، وَقِيلَ: لَا تُكَلِّفْنِي مَشَقَّةً،
يُقَالُ أَرْهَقْتُهُ عُسْرًا أَيْ كَلَّفْتُهُ ذَلِكَ،
يَقُولُ لَا تُضَيِّقْ عَلَيَّ أَمْرِي وَعَامِلْنِي
بِالْيُسْرِ وَلَا تُعَامِلْنِي بِالْعُسْرِ.
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ وفي
الْقِصَّةِ أَنَّهُمَا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ يَمْشِيَانِ
فَمَرَّا بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ فَأَخَذَ الْخَضِرُ غُلَامًا
ظَرِيفًا وَضِيءَ الْوَجْهِ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ
بِالسِّكِّينِ. قَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا
وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَوَقَّدُ حُسْنًا. وَرُوِّينَا أَنَّهُ
أَخَذَ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ. وَرَوَى عَبْدُ
الرَّزَّاقِ هَذَا الْخَبَرَ: وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ
الثَّلَاثَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى،
وَقَلَعَ بِرَأْسِهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ رَضَخَ رَأْسَهُ
بِالْحِجَارَةِ. وَقِيلَ: ضَرَبَ رَأْسَهُ بِالْجِدَارِ
فَقَتَلَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ غُلَامًا لَمْ
يَبْلُغِ الْحِنْثَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ اللَّهِ يَقُولُ:
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً إِلَّا وَهُوَ صَبِيٌّ لَمْ
يَبْلُغْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ رَجُلًا. وَقَالَ شُعَيْبٌ
الْجَبَّائِيُّ [3] : كَانَ اسْمُهُ حَيْسُورَ. وَقَالَ
الكلبي: كان فتى يقطع الطريق وَيَأْخُذُ الْمَتَاعَ وَيَلْجَأُ
إِلَى أَبَوَيْهِ. وَقَالَ الضَّحَاكُ: كَانَ غُلَامًا
يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وَتَأَذَّى [4] مِنْهُ أَبَوَاهُ.
«1369» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ [الْفَارِسِيُّ] أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بن
قعنب [5] ثنا معتمر بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رقبة
بْنِ مَصْقَلَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا
وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طغيانا وكفرا» .
__________
1369- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- سليمان والد معتمر هو سليمان بن طرخان، أبو إسحاق هو عمرو بن
عبد الله السّبيعي.
- وهو في «صحيح مسلم» 2380 ح 172 عن محمد بن عبد الأعلى عن
معتمر به مطوّلا.
- وأخرجه أبو داود 4705 وأحمد 5/ 121 وابن حبان 6221 من طرق عن
معتمر به.
- وأخرجه أبو داود 4706 والترمذي 3150 من طريقين عن أبي إسحاق
به.
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) هو بعض المتقدم برقم 1364.
(3) في المخطوط «الحمادي» والمثبت الصواب كما في «الجرح
والتعديل» 4/ 353.
(4) في المخطوط «يتأذى» .
(5) تصحف في المطبوع «مغيث» .
(3/207)
قالَ. مُوسَى، أَقَتَلْتَ نَفْساً
زَكِيَّةً، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ
وَأَبُو عَمْرٍو: زَاكِيَةً بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
زَكِيَّةً، قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُمَا
وَاحِدٌ، مِثْلُ: الْقَاسِيَةُ وَالْقَسِيَّةُ، وَقَالَ أَبُو
عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: الزَّاكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُذْنِبْ
قط، والزكية الَّتِي أَذْنَبَتْ ثُمَّ تَابَتْ، بِغَيْرِ
نَفْسٍ، أَيْ لَمْ تَقْتُلْ نَفْسًا بِشَيْءٍ وَجَبَ بِهِ
عَلَيْهَا الْقَتْلُ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، أَيْ:
مُنْكَرًا. قَالَ قَتَادَةُ: النُّكْرُ أَعْظَمُ مِنَ
الْإِمْرِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْهَلَاكِ، وَفِي خَرْقِ
السَّفِينَةِ كَانَ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: الْإِمْرُ
أَعْظَمُ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ تَغْرِيقُ جَمْعٍ كَثِيرٍ.
قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو بَكْرٍ
هَاهُنَا نُكْراً وَفِي سُورَةِ الطَّلَاقِ [8] بِضَمِّ
الْكَافِ، وَالْآخَرُونَ بسكونها.
قالَ، يَعْنِي الْخَضِرَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، قيل: زاد هنالك لِأَنَّهُ نَقَضَ
الْعَهْدَ مَرَّتَيْنِ، وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ يُوشَعَ كَانَ
يَقُولُ لِمُوسَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ اذْكُرِ الْعَهْدَ
الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ.
قالَ، مُوسَى، إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها [أي] [1]
بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَلا تُصاحِبْنِي، وَفَارِقْنِي،
وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: فَلَا تَصْحَبْنِي بِغَيْرِ أَلِفٍ مِنَ
الصُّحْبَةِ. قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً، قَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ لَدُنِّي
خَفِيفَةَ النُّونِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ، بِتَشْدِيدِهَا،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ قَدْ أُعْذِرْتَ فِيمَا بَيْنِي
وبينك. وقيل: قد حَذَّرْتَنِي أَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ مَعَكَ
صَبْرًا. وَقِيلَ: اتَّضَحَ لَكَ الْعُذْرُ فِي مُفَارَقَتِي.
«1370» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ [الْفَارِسِيُّ]
[2] أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى [الْجُلُودِيُّ] [3]
ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مسلم
بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الأعلى القيسي ثنا الْمُعْتَمِرُ
بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رُقَيَّةَ [4] عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا
وَعَلَى مُوسَى» ، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، «لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ
لَرَأَى الْعَجَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مَنْ صَاحِبِهِ
ذَمَامَةٌ، قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا
تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَلَوْ
صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ» .
قَوْلُهُ تعالى: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ
قَرْيَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَنْطَاكِيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: هِيَ الأيلة وَهِيَ أَبْعَدُ
الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ. وَقِيلَ: بَرْقَةُ. وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: بَلْدَةٌ بِالْأَنْدَلُسِ. اسْتَطْعَما أَهْلَها
فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما.
«1371» قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ
قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِي المجالس فاستطعما
__________
1370- إسناده صحيح على شرط مسلم فقد تفرد عن محمد بن عبد
الأعلى، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، سليمان بن طرخان، رقبة
بن مصقلة، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي.
- وهو في «صحيح مسلم» 2380 ح 172 عن محمد بن عبد الأعلى بهذا
الإسناد مطوّلا.
- وأخرجه أبو داود 3984 وابن حبان 988 والطبري 23232 من طريقين
عن حمزة الزيات عن أبي إسحاق به.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 11310 من طريق إسرائيل عن أبي
إسحاق به.
- وورد بنحوه من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عمرو
بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير به عند البخاري 122
و3401 و4725 و4727 ومسلم 2380.
1371- صحيح. أخرجه مسلم 2380 ح 172 وقد تقدم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) تصحف في المخطوط «رقيه» .
(3/208)
قَالَ هَذَا فِرَاقُ
بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ
تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ
فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ
أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ
سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ
مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا
وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا
خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا»
. وَرُوِيَ أنهما طافا في القوم فاستطعماهم فلم يطعموهما
واستضافاهم فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمَا. قَالَ قَتَادَةُ: شَرُّ
الْقُرَى الَّتِي لَا تُضَيِّفُ الضَّيْفَ. وَرَوِيَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَطْعَمَتْهُمَا امْرَأَةٌ مِنْ
أَهْلِ بَرْبَرَ بَعْدَ أَنْ طَلَبَا مِنَ الرِّجَالِ فلم
يطعموهما. فدعوا لنسائهم ولعنا رِجَالَهُمْ. قَوْلُهُ
تَعَالَى: فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ،
أَيْ يَسْقُطَ، وَهَذَا مِنْ مَجَازِ كَلَامِ الْعَرَبِ،
لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا إِرَادَةَ لَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ
قَرُبَ وَدَنَا مِنَ السُّقُوطِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ:
دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلَانٍ إِذَا كَانَتْ
تُقَابِلُهَا. فَأَقامَهُ، أَيْ سَوَّاهُ.
«1372» وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَقَالَ الْخَضِرُ
بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَسَحَ الْجِدَارَ بِيَدِهِ
فَاسْتَقَامَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَدَمَهُ ثُمَّ
قَعَدَ يَبْنِيهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: بَلْ طَيَّنَا
وَجَعَلَ يَبْنِي الْحَائِطَ. قالَ مُوسَى لَوْ شِئْتَ
لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو
عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ لَتَخِذْتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وكسر
الخاء، وقرأ الآخرون لَاتَّخَذْتَ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ
وَفَتْحِ الْخَاءِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ اتَّبَعَ
وَتَبِعَ عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى إِصْلَاحِ الْجِدَارِ،
أَجْراً يَعْنِي جُعْلًا، مَعْنَاهُ: إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ
أَنَّنَا جِيَاعٌ وَأَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لَمْ
يُطْعِمُونَا فَلَوْ أَخَذْتَ على عملك أجرا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 78 الى 81]
قالَ هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ
بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا
السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ
كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ
أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً
وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما
خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81)
قالَ الْخَضِرُ، هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، يَعْنِي
هَذَا وَقْتُ فِرَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. وَقِيلَ: هَذَا
الْإِنْكَارُ عَلَى تَرْكِ الْأَجْرِ هُوَ الْمُفَرِّقُ
بَيْنَنَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ هَذَا فِرَاقُ
بَيْنِنَا أَيْ فِرَاقُ اتِّصَالِنَا وكرر بَيْنِي تَأْكِيدًا
سَأُنَبِّئُكَ، أَيْ سَوْفَ أُخْبِرُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ
تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.
وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ مُوسَى أَخَذَ بِثَوْبِهِ،
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَعْنَى مَا عَمِلْتَ قَبْلَ أَنْ
تُفَارِقَنِي.
فَقَالَ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، قَالَ كَعْبٌ: كَانَتْ لِعَشَرَةِ
إِخْوَةٍ خَمْسَةٍ زَمْنَى وَخَمْسَةٍ يَعْمَلُونَ فِي
الْبَحْرِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ وإن كان
يملك شيئا لا يزول عنه اسم المسكنة إذ لم يقم ما يملكه
بِكِفَايَتِهِ، يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ أَيْ يُؤَاجِرُونَ
وَيَكْتَسِبُونَ بِهَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها،
أَجْعَلُهَا ذَاتَ عَيْبٍ، وَكانَ وَراءَهُمْ، أَيْ
أَمَامَهُمْ، مَلِكٌ، كَقَوْلِهِ: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ
[إِبْرَاهِيمَ: 16] ، وَقِيلَ: وَرَاءَهُمْ خَلْفَهُمْ،
وَكَانَ رُجُوعُهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ يَدُلُّ عليه قراءة ابن مسعود [1] «وَكَانَ
أَمَامَهُمْ مَلِكٌ» يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، أَيْ
كل سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ
يقرؤها كَذَلِكَ فَخَرَقَهَا وَعَيَّبَهَا الْخَضِرُ حَتَّى
لَا يَأْخُذَهَا الْمَلِكُ الْغَاصِبُ، وَكَانَ اسمه الجلندى
وكان كافرا. وقال مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اسْمُهُ
مُتَوَلِّهُ بْنُ جَلَنْدِيِّ [2] الْأَزْدِيُّ. وَقَالَ
شُعَيْبٌ الْجَبَّائِيُّ اسْمُهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدَ.
__________
1372- أخرجه مسلم 2380 ح 170 من طريق عمرو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أبي بن كعب
مطوّلا، والأشبه في هذه اللفظة الوقف، فإن ابن عباس صرح عقب
هذه اللفظة برفع اللفظة التي بعدها. ولم يصرح برفع هذه اللفظة،
وهي غريبة، والأشبه أقامه بأن أعاد بناءه، والله أعلم.
(1) في المطبوع «عباس» .
(2) في المخطوط «خليفة» .
(3/209)
وَأَمَّا الْجِدَارُ
فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ
تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا
فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا
وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا
فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ
عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
وَرُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ اعْتَذَرَ إِلَى
الْقَوْمِ وَذَكَرَ لَهُمْ شَأْنَ [الْمَلِكِ] [1] الْغَاصِبِ،
وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ بِخَبَرِهِ، وَقَالَ: أَرَدْتُ
إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا لِعَيْبِهَا فَإِذَا
جَاوَزُوهُ [2] أصلحوها فانتفعوا بها. وقيل: سَدُّوهَا
بِقَارُورَةٍ. وَقِيلَ: بِالْقَارِ.
قَوْلُهُ تعالى: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ
مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا، أَيْ فَعَلِمْنَا، وَفِي قِرَاءَةِ
ابْنِ عَبَّاسٍ «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ
أَبَوَاهُ مُؤْمِنِينَ فَخَشِينَا» أَيْ فَعَلِمْنَا، أَنْ
يُرْهِقَهُما، يُغْشِيَهُمَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
يُكَلِّفَهُمَا، طُغْياناً وَكُفْراً، قال سعيد بن جبير: خشينا
أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى
دِينِهِ.
فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ
وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو [3] بِالتَّشْدِيدِ هَاهُنَا وَفِي
سورة التحريم [5] والقلم [32] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّخْفِيفِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ
فَقَالَ: التَّبْدِيلُ تَغْيِيرُ الشَّيْءِ أَوْ تَغْيِيرُ
حَالِهِ وَعَيْنُ الشيء قائم [4] والإبدال رَفْعُ الشَّيْءِ
وَوَضْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ، رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ
زَكاةً، أَيْ صَلَاحًا وَتَقْوَى، وَأَقْرَبَ رُحْماً، قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الْحَاءِ
وَالْبَاقُونَ بِجَزْمِهَا أَيْ:
عَطْفًا مِنَ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الرَّحِمِ
وَالْقَرَابَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ
وَأَبَرُّ بِوَالِدَيْهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَبْدَلَهُمَا
اللَّهُ جَارِيَةً فَتَزَوَّجَهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ
فَوَلَدَتْ لَهُ نَبِيًّا فَهَدَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ
أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ.
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ جَارِيَةً وَلَدَتْ سَبْعِينَ نَبِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ جريج: أبدلهما بغلام مسلم. قَالَ مُطَرِّفٌ:
فَرِحَ بِهِ أَبَوَاهُ حِينَ وُلِدَ وَحَزِنَا عَلَيْهِ حِينَ
قُتِلَ. وَلَوْ بَقِيَ لَكَانَ فِيهِ هَلَاكُهُمَا، فَلْيَرْضَ
امْرُؤٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ قَضَاءَ اللَّهِ
لِلْمُؤْمِنِ فِيمَا يَكْرَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قضائه فيما
يحب.
[سورة الكهف (18) : آية 82]
وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي
الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما
صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما
وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما
فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ
عَلَيْهِ صَبْراً (82)
قوله تعالى: وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ
يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ اسْمُهُمَا أَصْرَمُ
وَصَرِيمٌ، وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما، اخْتَلَفُوا فِي
ذَلِكَ الْكَنْزِ.
«1373» رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ ذَهَبًا
وَفِضَّةً» .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ مَالًا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ: كَانَ الْكَنْزُ صُحُفًا فِيهَا عِلْمٌ.
«1374» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ لَوْحًا
مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبًا فِيهِ: عَجَبًا لِمَنْ أيقن بالموت كيف
يفرح،
__________
1373- ضعيف جدا. أخرجه الترمذي 3152 والحاكم 2/ 369 والواحدي
في «الوسيط» 3/ 162 وابن عدي في «الكامل» 7/ 268 من حديث أبي
الدرداء.
- وضعفه الحافظ في «تخريج الكشاف» 2/ 742 وفي إسناده يزيد بن
يوسف الصنعاني، وهو متروك.
- قلت: وهذا الخبر وإن لم يصح عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم فمعناه صحيح وهو أن الكنز إنما هو مال أو ذهب
وفضة. [.....]
1374- الصحيح موقوف. أخرجه ابن عدي في «الكامل» 1/ 393 عن ابن
عباس موقوفا، وفيه أبين بن سفيان، قال ابن عدي: وما يرويه عن
من رواه منكر كله اهـ.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 213 عن علي موقوفا.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 3/ 162 من حديث أنس مرفوعا، وفيه
محمد بن مروان السدي وأبان. قال الحافظ
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع وط «جاوزه» .
(3) تصحف في المطبوع «عمر» .
(4) في- ب- «قائمة» .
(3/210)
عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ
كَيْفَ يَغْفُلُ، عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالرِّزْقِ كَيْفَ
يَتْعَبُ، عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ
يَنْصَبُ، عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِزَوَالِ الدُّنْيَا
وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا، لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَفِي
الْجَانِبِ الْآخَرِ مَكْتُوبٌ: أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي خَلَقْتُ الْخَيْرَ
وَالشَّرَّ، فَطُوبَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ للخير وأجريته على
يديه [وويل لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِلشَّرِّ وَأَجْرَيْتُهُ عَلَى
يَدَيْهِ] [1] .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وروي ذلك [أيضا] [2]
مَرْفُوعًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْكَنْزُ إِذَا أطلق ينصرف
إلى الْمَالِ وَيَجُوزُ عِنْدَ التَّقْيِيدِ أَنْ يُقَالَ
عِنْدَهُ كَنْزُ عِلْمٍ، وَهَذَا اللَّوْحُ كَانَ جَامِعًا
لَهُمَا. وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً، قِيلَ: كَانَ اسْمُهُ كاشح
وَكَانَ مِنَ الْأَتْقِيَاءِ. قَالَ ابْنُ عباس حفظا بصلاح
أبيهما، وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَبِ
الصَّالِحِ سَبْعَةُ آبَاءٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ بِصَلَاحِ الْعَبْدِ
وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ، وَعِتْرَتَهُ وَعَشِيرَتَهُ
وَأَهْلَ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظِ
اللَّهِ مَا دَامَ فِيهِمْ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
إِنِّي لَأُصَلِّي فَأَذْكُرُ وَلَدِي فَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا
أَشُدَّهُما، أَيْ يَبْلُغَا وَيَعْقِلَا. وَقِيلَ:
أَنْ يُدْرِكَا شِدَّتَهُمَا وَقُوَّتَهُمَا. وَقِيلَ:
ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً. وَيَسْتَخْرِجا حِينَئِذٍ كَنزَهُما
رَحْمَةً، نِعْمَةً، مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ
أَمْرِي، أَيْ بِاخْتِيَارِي وَرَأْيِي، بَلْ فَعَلْتُهُ
بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ، ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ
تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً، أَيْ لَمْ تُطِقْ عَلَيْهِ
صَبْرًا، واستطاع واسطاع بمعنى واحد، وروي أَنَّ مُوسَى لَمَّا
أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ قَالَ لَهُ: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا
تَطْلُبِ الْعِلْمَ لِتُحَدِّثَ بِهِ وَاطْلُبْهُ لِتَعْمَلَ
بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْخَضِرَ حَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ؟
قِيلَ: إِنَّ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ حَيَّانِ يلتقيان [في] [3]
كُلَّ سَنَةٍ بِالْمَوْسِمِ.
[4] وَكَانَ سَبَبُ حَيَاتِهِ فِيمَا يُحْكَى أَنَّهُ شَرِبَ
مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ
دَخَلَ الظُّلُمَاتِ لِطَلَبِ عَيْنِ الْحَيَاةِ. وَكَانَ
الْخَضِرُ عَلَى مقدمة [عسكر ذي القرنين] [5] فَوَقَعَ
الْخَضِرُ عَلَى الْعَيْنِ فَنَزَلَ واغتسل وَشَرِبَ وَصَلَّى
شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَخْطَأَ ذُو الْقَرْنَيْنِ
الطَّرِيقَ فَعَادَ [6] . وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ
مَيِّتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ
قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الْأَنْبِيَاءِ: 34] .
«1375» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعد
ما صَلَّى الْعَشَاءَ لَيْلَةً: «أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ
هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سنة منها لا
__________
- في «تخريج الكشاف» 2/ 742: أبان والسدي الصغير متروكان.
- وأخرجه البزار 2229 من حديث أبي ذر مرفوعا.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 7/ 53- 54 وقال: رواه البزار من
طرق بشر بن المنذر عن الحارث بن عبد الله اليحصبي، ولم
أعرفهما، وبقية رجاله ثقات اهـ.
- قلت: المرفوع لا أصل له، وإنما رواه مجاهيل، وأما الموقوف
فهو متلقى عن أهل الكتاب، والصحيح أن الكنز كان مالا، فتنبه،
والله أعلم.
1375- صحيح. أخرجه البخاري 116 و601 ومسلم 2537 وأبو داود 4348
والترمذي 2251 وأحمد 2/ 88 وابن حبان 2989 من حديث ابن عمر،
وله شواهد كثيرة.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع وحده «وقيل ميت» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) القول الذي ذهب إليه الآخرون هو الصواب، وأما الأول فباطل
مفترى، إنما مصدره أضغاث أحلام، وقصص عن مجاهيل.
(3/211)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ
ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا
(83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى
إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي
عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا
الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ
فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ
نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ
عَذَابًا نُكْرًا (87)
يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ حَيٌّ
عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» .
وَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا لَكَانَ لَا يعيش بعده.
[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 87]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا
عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي
الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84)
فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ
الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ
عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ
تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قالَ
أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى
رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (87)
قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ
سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) ، خَبَرًا،
وَاخْتَلَفُوا فِي نُبُوَّتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ
نَبِيًّا، وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَكَانَ نَبِيًّا أَمْ
ملكا، فقال: لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلِكًا ولكن كان عبدا
[صالحا] [1] أَحَبَّ اللَّهَ وَأَحَبَّهُ اللَّهُ، نَاصَحَ
اللَّهَ فَنَاصَحَهُ اللَّهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ رَجُلًا
يَقُولُ لِآخَرَ: يَا ذَا القرنين، فقال: سميتم بأسماء
الأنبياء فَلَمْ تَرْضَوْا حَتَّى تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَاءِ
الْمَلَائِكَةِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَلِكًا
عَادِلًا صَالِحًا. وَاخْتَلَفُوا فِي سبب تسميته بذي
الْقَرْنَيْنِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لِأَنَّهُ بَلَغَ قَرْنَيِ
الشَّمْسِ مَشْرِقَهَا وَمَغْرِبَهَا. وَقِيلَ: لأنه كان
مَلَكَ الرُّومَ وَفَارِسَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ دَخَلَ
النُّورَ وَالظُّلْمَةَ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ رَأَى فِي
الْمَنَامِ كَأَنَّهُ أَخَذَ بِقَرْنَيِ الشَّمْسِ. وَقِيلَ:
لِأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ ذُؤَابَتَانِ حَسَنَتَانِ. وَقِيلَ:
لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَرْنَانِ تُوَارِيهِمَا الْعِمَامَةُ.
وَرَوَى أَبُو الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ:
سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِأَنَّهُ أَمَرَ قَوْمَهُ
بِتَقْوَى اللَّهِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ
فَمَاتَ فَبَعَثَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَقْوَى
اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَمَاتَ،
فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ قِيلَ:
اسْمُهُ مَرْزُبَانُ بْنُ مِرْزَبَّةَ [2] الْيُونَانِيُّ مِنْ
وَلَدِ يُونَانَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. وَقِيلَ: اسْمُهُ
الْإِسْكَنْدَرُ بْنُ فَيْلَفُوسَ [3] بْنِ ياملوس الرومي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ،
أَوْطَأْنَا، وَالتَّمْكِينُ: تمهيد الأسباب. وقال عَلِيٌّ:
سَخَّرَ لَهُ السَّحَابَ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَمَدَّ لَهُ
فِي الْأَسْبَابِ وَبَسَطَ لَهُ النُّورَ فَكَانَ اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ عَلَيْهِ سَوَاءً، فَهَذَا مَعْنَى تَمْكِينِهِ
فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَهَّلَ عَلَيْهِ السَّيْرَ
فِيهَا وَذَلَّلَ لَهُ طُرُقَهَا. وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ أي: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ.
وَقِيلَ: مِنْ كُلِّ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ الْمُلُوكُ عَلَى
فَتْحِ الْمُدُنِ وَمُحَارَبَةِ الْأَعْدَاءِ، سَبَباً، أَيْ:
عِلْمًا يَتَسَبَّبُ بِهِ إِلَى كُلِّ مَا يُرِيدُ، وَيَسِيرُ
بِهِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَالسَّبَبُ: مَا يُوَصِّلُ به
إِلَى الشَّيْءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بَلَاغًا إِلَى حَيْثُ
أَرَادَ. وَقِيلَ: قَرَّبْنَا إِلَيْهِ أَقْطَارَ الْأَرْضِ.
فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) ، أي: سلك وسار طريقا، قَرَأَ أَهْلُ
الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ «فَاتَّبَعَ» «ثُمَّ اتَّبَعَ»
مَوْصُولًا [4] مُشَدَّدًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ
الْأَلِفِ وَجَزْمِ التَّاءِ: قيل: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ،
وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَطَعَ الْأَلِفَ
فَمَعْنَاهُ أَدْرَكَ وَلَحِقَ، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ
فَمَعْنَاهُ سَارَ، يُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ حَتَّى
أَتْبَعْتُهُ [5] أَيْ: مَا زِلْتُ أَسِيرُ خَلْفَهُ حَتَّى
لَحِقْتُهُ. وَقَوْلُهُ: سَبَبًا أَيْ طَرِيقًا. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: مَنْزِلًا.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي
عَيْنٍ حَمِئَةٍ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ [6] عَامِرٍ
وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ «حَامِيَةٍ»
بِالْأَلِفِ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ، أَيْ حَارَّةٍ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ حَمِئَةٍ مَهْمُوزًا بِغَيْرِ الْأَلِفِ أَيْ
ذَاتُ
__________
(1) سقط من المطبوع وط. [.....]
(2) في المطبوع «مرزبة بن مرزبان» .
(3) في المخطوط «فيليوس» .
(4) أي همزته الوصل.
(5) في- ط «أتبعته» .
(6) تصحف في المطبوع «أبو» .
(3/212)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ
مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ
عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ
أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ
السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ
نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
حَمْأَةٍ، وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ،
وَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ كَعْبًا كَيْفَ تَجِدُ فِي التوراة أين
[1] تغرب الشمس؟ قال: أجد فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهَا تَغْرُبُ
فِي ماء وطين. وقال الْقُتَيْبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
مَعْنَى قَوْلِهِ: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أَيْ عِنْدَهَا عَيْنٌ
حَمِئَةٌ أَوْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ. وَوَجَدَ عِنْدَها
قَوْماً، أَيْ عِنْدَ الْعَيْنِ أُمَّةً، قَالَ ابْنُ
جُرَيْجٍ: مَدِينَةٌ لَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَابٍ،
لَوْلَا ضَجِيجُ أَهْلِهَا لَسُمِعَتْ وَجْبَةُ الشَّمْسِ
حِينَ تَجِبُ. قُلْنا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، استدل بها [2]
مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
خَاطَبَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا
وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْإِلْهَامُ، إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ،
يَعْنِي إِمَّا أَنْ تَقْتُلَهُمْ إِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي
الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً،
يَعْنِي تَعْفُو وَتَصْفَحُ. وَقِيلَ: تَأْسِرُهُمْ
فَتُعَلِّمُهُمُ الْهُدَى، خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ
الْأَمْرَيْنِ.
قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ [أَيْ] كَفَرَ، فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ،
أَيْ: نَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ، فِي الْآخِرَةِ
فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أَيْ: مُنْكَرًا يَعْنِي
بِالنَّارِ، وَالنَّارُ أَنْكَرُ من القتل.
[سورة الكهف (18) : الآيات 88 الى 91]
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى
وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (88) ثُمَّ أَتْبَعَ
سَبَباً (89) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها
تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها
سِتْراً (90) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً
(91)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً
الْحُسْنى، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ [وَحَفْصٌ] [3]
وَيَعْقُوبُ جَزاءً مَنْصُوبًا مُنَوَّنًا أَيْ: فَلَهُ
الْحُسْنَى جَزاءً نصب على المصدر، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالرَّفْعِ عَلَى الْإِضَافَةِ، والحسنى الجنة وإضافة الحسن
إِلَيْهَا كَمَا قَالَ: وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ [يُوسُفَ:
109] ، وَالدَّارُ [4] هِيَ الْآخِرَةُ. وقيل:
المراد بالحسنى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْأَعْمَالُ
الصَّالِحَةُ. أَيْ لَهُ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً، أَيْ نُلِينُ لَهُ
الْقَوْلَ وَنُعَامِلُهُ بِالْيُسْرِ مِنْ أَمْرِنَا. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: يُسْرًا أَيْ مَعْرُوفًا ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً
(89) ، أَيْ سَلَكَ طُرُقًا وَمَنَازِلَ.
حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، أَيْ مَوْضِعَ
طُلُوعِهَا، وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ
لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً، قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ:
لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّمْسِ سِتْرٌ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ كَانُوُا فِي مَكَانٍ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ
بِنَاءٌ، فَكَانُوا يَكُونُونَ فِي أَسْرَابٍ لَهُمْ حَتَّى
إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْهُمْ خَرَجُوا إِلَى
مَعَايِشِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا
إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ يَدْخُلُونَ الْمَاءَ، فَإِذَا
ارْتَفَعَتْ عنهم خرجوا فرعوا كَالْبَهَائِمِ. وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ: هُمْ قَوْمٌ عُرَاةٌ يَفْتَرِشُ أَحَدُهُمْ
إِحْدَى أُذُنَيْهِ ويلتحف بالأخرى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَذلِكَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَا
بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ كَذَلِكَ بَلَغَ مَطْلِعَهَا،
وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا حَكَمَ فِي الْقَوْمِ
الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ حَكَمَ فِي
الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ، وَقَدْ أَحَطْنا
بِما لَدَيْهِ خُبْراً، يَعْنِي: بِمَا عِنْدَهُ وَمَعَهُ مِنَ
الْجُنْدِ وَالْعُدَّةِ والآلات «خبرا» أي علما.
[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 94]
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ
السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لَا يَكادُونَ
يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ
نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا
وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ
السَّدَّيْنِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ
السَّدَّيْنِ و «سدا» هاهنا بفتح
__________
(1) تصحف في المطبوع «أن» .
(2) في المطبوع «يستدل بها» .
(3) في المطبوع «أبو جعفر يعقوب» .
(4) تصحف في المطبوع «والدار» .
(3/213)
السين ووافق حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ فِي
سَدًّا وَقَرَأَ الباقون بضم السين وفي [سورة] [1] يَس سَدًّا
بِالْفَتْحِ حَمْزَةُ [وَالْكِسَائِيُّ] [2] وَحَفْصٌ،
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا
لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
مَا كَانَ مِنْ صَنْعَةِ بَنِي آدَمَ فَهُوَ السَّدُّ
بِالْفَتْحِ، وَمَا كَانَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ فَهُوَ سُدٌّ
بِالضَّمِّ. وَقَالَهُ أَبُو عَمْرٍو.
وَقِيلَ: السَّدُّ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ،
وَهُمَا هنا جَبَلَانِ سَدَّ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا
بَيْنَهُمَا حَاجِزًا بَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمَنْ
وَرَائَهُمْ. وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً يَعْنِي: أَمَامَ
السَّدَّيْنِ. لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَفْقَهُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ
وَكَسْرِ القاف على معنى لا يفهمون غَيْرَهُمْ قَوْلًا،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الياء والقاف، أي لا يفهمون
كَلَامَ غَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا يفهمون كَلَامَ
أَحَدٍ وَلَا يَفْهَمُ النَّاسُ كَلَامَهُمْ.
قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالُوا
ذَلِكَ وهم لا يفهمون؟ قيل: تكلم [3] عَنْهُمْ مُتَرْجِمٌ،
دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَا يَكَادُونَ
يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِمْ يَا ذَا
الْقَرْنَيْنِ» إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، قرأهما عاصم
مهموزين، و [قرأ] [4] الآخرون بغير همز، وَهُمَا لُغَتَانِ
أَصْلُهُمَا مِنْ أَجِيجِ النار، وهو ضوؤها وَشَرَرُهَا،
شُبِّهُوا بِهِ لِكَثْرَتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ، وقيل: بالهمز من
أَجِيجِ النَّارِ وَبِتَرْكِ الْهَمْزِ اسْمَانِ
أَعْجَمِيَّانِ، مِثْلُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَهُمْ مِنْ
أَوْلَادِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ جِيلٌ
مِنَ التُّرْكِ. قَالَ السُّدِّيُّ: التُّرْكُ سَرِيَّةٌ مِنْ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، خَرَجَتْ فَضَرَبَ ذُو الْقَرْنَيْنِ
السَّدَّ، فَبَقِيَتْ خَارِجَهُ، فَجَمِيعُ التُّرْكِ
مِنْهُمْ. وَعَنْ قَتَادَةَ: أنهم اثنتان وَعِشْرُونَ
قَبِيلَةً، بَنَى ذُو الْقَرْنَيْنِ السَّدَّ عَلَى إِحْدَى
وَعِشْرِينَ قَبِيلَةً فَبَقِيَتْ قَبِيلَةٌ وَاحِدَةٌ فَهُمُ
التُّرْكُ، سُمُّوا التُّرْكَ لِأَنَّهُمْ تُرِكُوا
خَارِجِينَ. قَالَ أَهْلُ التَّوَارِيخِ: أَوْلَادُ نُوحٍ
ثَلَاثَةٌ سَامٌ وَحَامٌ ويَافِثُ، فَسَامٌ أَبُو الْعَرَبِ
وَالْعَجَمِ وَالرُّومِ، وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشَةِ
وَالزَّنْجِ وَالنُّوبَةِ، ويَافِثُ أَبُو التُّرْكِ
وَالْخُزْرِ وَالصَّقَالِبَةِ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: هُمْ عَشَرَةُ
أَجْزَاءٍ وولد آدم كلهم جزء.
«1375» م وروي عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا: إِنَّ يَأْجُوجَ
[أُمَّةٌ] [5] وَمَأْجُوجَ أُمَّةٌ، كُلُّ أُمَّةٍ [أربعمائة]
[6] أُمَّةٍ لَا يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ حَتَّى يَنْظُرَ
إِلَى أَلْفِ ذَكَرٍ مِنْ صُلْبِهِ، كُلُّهُمْ قَدْ حَمَلَ
السِّلَاحَ وَهُمْ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، يسيرون إلى خراب الدنيا.
قلت [7] : [يا رسول الله صفهم لنا، قال] [8] : «هُمْ ثَلَاثَةُ
أَصْنَافٍ صِنْفٌ مِنْهُمْ أمثال الأرز شجر
__________
1375- م أخرجه ابن عدي في «الكامل» 6/ 169 والطبراني في
«الأوسط» كما في «المجمع» 8/ 6 (12572) من حديث حذيفة وفيه
محمد بن إسحاق العكاشي قال ابن عدي: أحاديث كلها مناكير موضوعة
وقال الهيثمي: وفيه يحيى بن سعيد القطان وهو ضعيف.
وفي الباب من حديث ابن مسعود عند ابن حبان 6828 بلفظ «إن يأجوج
ومأجوج أقل ما يترك أحدهم من الذرية لصلبه ألفا من الذرية وإن
من وراءهم أمما ثلاثا.....» وفي إسناده أبو إسحاق السبيعي قد
اختلط، وللحديث شواهد أخرى انظر «الكشاف» 651 بتخريجي.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع وط «كلم» .
(4) زيادة عن المخطوط. [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «أربعة آلاف» والمثبت عن المخطوط وكتب التخريج.
(7) في المطبوع وب- «وقيل» وفي «ط» قيل وفي- أ- «وقال» والمثبت
عن كتب التخريج.
(8) زيادة عن كتب التخريج.
(3/214)
بِالشَّامِ طُولُهُ عِشْرُونَ وَمِائَةُ
ذِرَاعٍ فِي السَّمَاءِ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ عَرْضُهُ وَطُولُهُ
سَوَاءٌ عِشْرُونَ وَمِائَةُ ذِرَاعٍ في السماء، وَهَؤُلَاءِ
لَا يَقُومُ لَهُمْ جَبَلٌ وَلَا حَدِيدٌ، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ
يَفْتَرِشُ أحدهم أذنه [1] وَيَلْتَحِفُ الْأُخْرَى لَا
يَمُرُّونَ بِفِيلٍ وَلَا وَحْشٍ وَلَا خِنْزِيرٍ [2] إِلَّا
أَكَلُوهُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَكَلُوهُ، مُقَدَّمَتُهُمْ
بِالشَّامِ وَسَاقَتُهُمْ بِخُرَاسَانَ، يَشْرَبُونَ أنهار
المشرق [3] وَبُحَيْرَةَ طَبَرِيَّةَ» وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ
قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ طُولُهُ شِبْرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ
مُفْرِطٌ فِي الطُّولِ. وَقَالَ كَعْبٌ: هُمْ نَادِرَةٌ [فِي]
[4] وَلَدِ آدَمَ وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ احْتَلَمَ [5] ذَاتَ
يَوْمٍ وَامْتَزَجَتْ نُطْفَتُهُ بِالتُّرَابِ، فَخَلَقَ
اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَهُمْ
يَتَّصِلُونَ بِنَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ.
وَذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ
كَانَ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ ابْنَ عَجُوزٍ، فَلَمَّا بَلَغَ
كَانَ عَبْدًا صَالِحًا.
قَالَ اللَّهُ لَهُ: إِنِّي بَاعِثُكَ إِلَى أُمَمٍ
مُخْتَلِفَةٍ أَلْسِنَتُهُمْ، مِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا
طُولُ الْأَرْضِ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ،
يُقَالُ لَهَا نَاسِكُ، وَالْأُخْرَى عِنْدَ مَطْلِعِهَا،
يُقَالُ لَهَا مَنْسَكُ، وَأُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ
الْأَرْضِ إِحْدَاهُمَا فِي الْقُطْرِ الْأَيْمَنِ يُقَالُ
لَهَا هَاوِيلُ، وَالْأُخْرَى فِي قُطْرِ الْأَرْضِ
الْأَيْسَرِ يُقَالُ لَهَا تَاوِيلُ، وَأُمَمٌ فِي وَسَطِ
الْأَرْضِ مِنْهُمُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَيَأْجُوجُ
وَمَأْجُوجُ، فقال ذو القرنين: يا رب بِأَيِّ قُوَّةٍ
أُكَابِرُهُمْ وَبِأَيِّ جَمْعٍ أُكَاثِرُهُمْ وَبِأَيِّ
لِسَانٍ أُنَاطِقُهُمْ؟ قَالَ الله عزّ وجلّ: إني سأقويك
وَأَبْسُطُ لَكَ لِسَانَكَ وَأَشُدُّ عَضُدَكَ فَلَا
يَهُولَنَّكَ شَيْءٌ، وَأُلْبِسُكَ الْهَيْبَةَ فَلَا
يَرُوعُكَ شَيْءٌ، وَأُسَخِّرُ لَكَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ
وَأَجْعَلُهُمَا مِنْ جُنُودِكَ، يَهْدِيكَ النُّورُ مِنْ
أَمَامِكَ وتَحُوطُكَ الظُّلْمَةُ مِنْ وَرَائِكَ،
فَانْطَلَقَ، حَتَّى أَتَى مَغْرِبَ الشَّمْسِ فَوَجَدَ
جَمْعًا وعددا لا يحصبه إِلَّا اللَّهُ.
فَكَابَرَهُمْ بِالظُّلْمَةِ حَتَّى جَمَعَهُمْ فِي مَكَانٍ
وَاحِدٍ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ
مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، فَعَمَدَ إِلَى
الَّذِينَ تَوَلَّوْا عَنْهُ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِمُ
الظُّلْمَةَ فَدَخَلَتْ فِي أَجْوَافِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ
فَدَخَلُوا فِي دَعْوَتِهِ، فَجَنَّدَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ
جُنْدًا عَظِيمًا فَانْطَلَقَ يَقُودُهُمْ وَالظُّلْمَةُ
تَسُوقُهُمْ حَتَّى أَتَى هَاوِيلَ [6] فَعَمِلَ فِيهِمْ
كَعَمَلِهِ فِي نَاسِكَ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى
مَنْسَكٍ عِنْدَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ، فَعَمِلَ فِيهَا
وَجَنَّدَ [مِنْهَا] [7] جُنُودًا كَفِعْلِهِ فِي
الْأُمَّتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ نَاحِيَةَ الْأَرْضِ الْيُسْرَى
فَأَتَى تَاوِيلَ فَعَمِلَ فِيهَا كَعَمَلِهِ [فِيمَا
قَبْلَهَا] [8] ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الْأُمَمِ الَّتِي فِي
وَسَطِ الأرض.
فلما كان [9] مِمَّا يَلِي مُنْقَطَعَ التُّرْكِ نَحْوَ
الْمَشْرِقِ قَالَتْ لَهُ أُمَّةٌ صَالِحَةٌ مِنَ الْإِنْسِ:
يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إن بين
__________
(1) في المخطوط «إحدى أذنيه» والمثبت عن المطبوع وكتب الحديث.
(2) زيد في المطبوع وحده «ولا كلب» .
(3) في المطبوع «المشارق» وفي المخطوط «الشرق» والمثبت عن كتب
التخريج.
(4) زيادة عن المخطوط وط.
(5) هذا الخبر من إسرائيليات كعب الأحبار، وهو كعب بن ماتع
الحميري اليمني، فقد أظهر إسلامه، إلّا أنه بقي على سرد أخبار
الماضين من كتب كانت عنده، والأولى به أن ينكبّ على دراسة
القرآن وحديث النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بدل ذلك، والله الموفق للصواب.
(6) في المطبوع وحده «هويل» وتكررت هكذا في مواضع.
(7) في المطبوع «فيها» .
(8) سقط من المطبوع.
(9) في المطبوع وط «دنا» والمثبت عن المخطوطتين.
(3/215)
قَالَ مَا مَكَّنِّي
فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ
الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ
انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي
أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ
يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا
رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ
دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ خَلْقًا أَشْبَاهَ
الْبَهَائِمِ يَفْتَرِسُونَ الدَّوَابَّ وَالْوُحُوشَ، لَهُمْ
أَنْيَابٌ وَأَضْرَاسٌ كَالسِّبَاعِ، يَأْكُلُونَ الْحَيَّاتِ
وَالْعَقَارِبَ، وَكُلَّ ذِي رُوحٍ، خُلِقَ فِي الْأَرْضِ
وَلَيْسَ يَزْدَادُ خَلْقٌ كَزِيَادَتِهِمْ، ولا شك أنهم
سيملؤون [1] الأرض ويظهرون عليها [2] وَيُفْسِدُونَ فِيهَا،
فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمْ سَدًّا.
قَالَ مَا مَكَّنِّي فيه ربي خير، [ثم] [3] قال: اعمدوا [4]
إِلَيَّ الصُّخُورَ وَالْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ حَتَّى أَعْلَمَ
عِلْمَهُمْ، فَانْطَلَقَ حَتَّى تَوَسَّطَ بِلَادَهُمْ
فَوَجَدَهُمْ عَلَى مِقْدَارٍ وَاحِدٍ يَبْلُغُ طُولُ
الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِثْلَ نِصْفِ الرَّجُلِ الْمَرْبُوعِ
مِنَّا، لَهُمْ مَخَالِيبُ كَالْأَظْفَارِ فِي أَيْدِينَا
وَأَنْيَابٌ وأضراس كالسباع، ولهم هلب [5] من الشعر في أجسادهم
يُوَارِيهِمْ وَيَتَّقُونَ بِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ،
وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُذُنَانِ عَظِيمَتَانِ يَفْتَرِشُ
إِحْدَاهُمَا وَيَلْتَحِفُ بِالْأُخْرَى ويصيف في إحداهما
ويشتور فِي الْأُخْرَى، يَتَسَافَدُونَ تَسَافُدَ الْبَهَائِمِ
حَيْثُ الْتَقَوْا، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ ذُو الْقَرْنَيْنِ
انْصَرَفَ إِلَى مَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ فَقَاسَ مَا
بَيْنَهُمَا فَحُفِرَ لَهُ الْأَسَاسُ حَتَّى بَلَغَ الْمَاءَ،
وَجَعَلَ حَشْوَهُ الصَّخْرَ وَطِينَهُ النُّحَاسَ، يُذَابُ
فَيَصُبُّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عِرْقٌ مِنْ جَبَلٍ
تَحْتَ الأرض.
قوله تعالى: مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ:
فَسَادُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ أَيَّامَ الربيع
إلى [أرض هؤلاء الذين شكوهم إلى ذي القرنين] [6] فَلَا
يَدَعُونَ فِيهَا شَيْئًا أَخْضَرَ إلا أكلوه ولا يابسا إلّا
احتملوه، وَأَدْخَلُوهُ أَرْضَهُمْ، وَقَدْ لَقُوا مِنْهُمْ
أَذًى شَدِيدًا وَقَتْلًا.
وَقِيلَ: فَسَادُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ النَّاسَ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
عِنْدَ خُرُوجِهِمْ.
فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ «خَرَاجًا» بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
خَرْجاً بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ،
أَيْ جُعْلًا وَأَجْرًا مِنْ أَمْوَالِنَا. قال أبو عمرو: [و]
الخرج ما تبرعت به، والخراج مَا لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ. وَقِيلَ:
الْخَرَاجُ على الأرض والخرج عَلَى الرِّقَابِ. يُقَالُ: أَدِّ
خَرْجَ [7] رَأْسِكَ وَخَرَاجَ مَدِينَتِكَ.
عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا، أَيْ حاجزا
فلا يصلون إلينا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 95 الى 98]
قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي
بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95)
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ
الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا
قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطاعُوا
أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (97) قالَ
هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي
جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
قالَ، لَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ، مَا مَكَّنِّي فِيهِ، قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ مَكَّنَنِي بِنُونَيْنِ ظَاهِرَيْنِ. وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ
__________
(1) في- ب- «سيملكون» . [.....]
(2) في المطبوع «علينا» .
(3) زيادة عن- ب-.
(4) في المطبوع وط «اعدوا» .
(5) أي كثرة من الشعر، وفي المطبوع «هدب» .
(6) ما بين الحاصرتين في المطبوع «أرضهم» وفي المخطوط «الأرض»
والمثبت مع الزيادة عن «الوسيط» 3/ 167 وبها يتضح المعنى.
(7) في المخطوط «ذا خرج» .
(3/216)
بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى
الْإِدْغَامِ، أَيْ مَا قَوَّانِي عَلَيْهِ، رَبِّي خَيْرٌ،
مِنْ جُعْلِكُمْ، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ، مَعْنَاهُ إِنِّي
لَا أُرِيدُ الْمَالَ بَلْ أَعِينُونِي بِأَبْدَانِكُمْ
وَقُوَّتِكُمْ، أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً،
أَيْ سَدًّا، قَالُوا: وَمَا تِلْكَ الْقُوَّةُ؟
قَالَ: فَعَلَةٌ وَصُنَّاعٌ يُحْسِنُونَ الْبِنَاءَ
وَالْعَمَلَ، وَالْآلَةُ. قَالُوا: وَمَا تِلْكَ الْآلَةُ؟
قال:
آتُونِي، أَعْطُوْنِي وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ ائْتُونِي أَيْ
جِيئُونِي، زُبَرَ الْحَدِيدِ، أَيْ: قِطَعَ الْحَدِيدِ،
وَاحِدَتُهَا زُبْرَةٌ، فَآتَوْهُ بِهَا وَبِالْحَطَبِ
وَجَعَلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَلَمْ يَزَلْ يَجْعَلُ
الْحَدِيدَ عَلَى الْحَطَبِ وَالْحَطَبَ عَلَى الْحَدِيدِ،
حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، قَرَأَ ابْنُ
كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ
الصَّادِّ وَالدَّالِّ، وَجَزَمَ أَبُو بَكْرٍ الدال، وقرأ
الآخرون بفتحهما [1] ، وَهُمَا الْجَبَلَانِ، سَاوَى أَيْ:
سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيِ الْجَبَلَيْنِ. قالَ انْفُخُوا.
وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْفَحْمَ وَالْحَطَبَ فِي
خِلَالِ زُبَرِ الْحَدِيدِ ثُمَّ قَالَ: انْفُخُوا يَعْنِي فِي
النَّارِ، حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا، أَيْ صَارَ الْحَدِيدُ
نَارًا، قالَ آتُونِي، قَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ
وَصْلًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ. أُفْرِغْ
عَلَيْهِ قِطْراً، أَيْ آتَوْنِي قطرا أفرغ عليه، والإفراغ
الصبّ والقطر هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ، فَجَعَلَتِ النَّارُ
تَأْكُلُ الْحَطَبَ وَيَصِيرُ النُّحَاسُ مَكَانَ الْحَطَبِ
حَتَّى لَزِمَ الْحَدِيدُ النُّحَاسَ.
قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ [2] طَرِيقَةٌ
سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ
عَرْضَهُ كَانَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا وَارْتِفَاعَهُ مِائَتَيْ
ذِرَاعٍ وَطُولُهُ فَرْسَخٌ.
فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ، أَنْ يَعْلُوهُ مِنْ
فَوْقِهِ لِطُولِهِ وَمَلَاسَتِهِ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ
نَقْباً، من أسفله لشدته وصلابته. وَقَرَأَ حَمْزَةُ فَمَا
اسْتَطَاعُوا بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَدْغَمَ تَاءَ
الافْتِعَالِ فِي الطَّاءِ.
قالَ، يَعْنِي ذَا الْقَرْنَيْنِ، هذا، السد، رَحْمَةٌ،
نِعْمَةٌ، مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي، قِيلَ:
[يَوْمُ] [3] الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: وَقْتُ خُرُوجِهِمْ.
جَعَلَهُ دَكَّاءَ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ دَكَّاءَ
بِالْمَدِّ والهمز، أرضا ملساء، وقرأ الآخرون [دكاء] [4] بِلَا
مَدٍّ أَيْ: جَعَلَهُ مَدْكُوكًا مُسْتَوِيًا مَعَ وَجْهِ
الْأَرْضِ، وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا.
«1376» وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ
شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا
فَسَتَحْفِرُونَهُ [5] غَدًا فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ،
حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا
كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي
عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غدا إن شاء الله،
__________
1376- أخرجه ابن ماجه 4199 والحاكم 4/ 448 والواحدي في
«الوسيط» 3/ 168 من طريق قتادة عن أبي رافع به.
- وصححه الحاكم على شرطهما، وسكت الذهبي.
- وقال البوصيري: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
- وقال ابن كثير في «تفسيره» 3/ 110: إسناده جيد قوي ولكن متنه
في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من
ارتقائه ولا نقبه، لإحكام بنائه وصلابته، ثم ذكر ابن كثير
أحاديث صحيحة مثل «فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ
ومأجوج مثل هذا» وهذا متفق عليه، وفيه أن ما فتح من الردم شيء
يسير، فهو يخالف ما ذكره المصنف من الحديث، وأنه يظهر لهم شعاع
الشمس، والله أعلم، وانظر بقية كلام ابن كثير. عند هذه الآية
بتخريجي، وانظر «تفسير الشوكاني» 1530.
(1) في المطبوع «بفتحها» .
(2) في المطبوع «كالبر والبحر» والمثبت عن المخطوطتين، وعبارة
البغوي «كالبرد الحبير» 3/ 168.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط «فتستفتحونه» وعبارة الطبري «فتحفرونه» .
(3/217)
وَاسْتَثْنَى فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ
كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَحْفِرُونَهُ فَيَخْرُجُونَ
عَلَى الناس، فيتتبعون الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ فِي
حُصُونِهِمْ مِنْهُمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى
السَّمَاءِ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ فَيَقُولُونَ
قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ
فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا [1] فِي أَقْفَائِهِمْ
فَيَهْلِكُونَ، وَإِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمُنُ
وَتَشْكَرُ مِنْ لُحُومِهِمْ شَكَرًا» .
«1377» أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ
أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بن
الحجاج ثنا محمد بن مهران الرازي ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ
عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ
جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ
قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ
وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ،
فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذلك فينا، قال: «مَا
شَأْنُكُمْ» ؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله ذكرت الدجال الغداة
[2] فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي
طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ
أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ؟ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ
فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ
فِيكُمْ فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ
خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ
عَيْنُهُ الْيُمْنَى [3] طَافِيَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ
بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ
فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ
خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ
يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا»
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟
قال: «أربعون يوما أول يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ
وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ»
[قُلْنَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ
أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا اقْدُرُوا لَهُ
قَدْرَهُ] [4] ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «كَالْغَيْثِ
اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى القوم فيدعوهم
فيؤمنون به ويستجيبون لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ
وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ
أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ [5] ضُرُوعًا
وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ
فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، قَالَ: فينصرف عنهم فيصبحون
مملحين لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ،
وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ
فَيَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ
يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ
بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ،
ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وجهه يضحك،
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ الله المسيح ابن مريم،
فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ
دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ [6] وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى
أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا
رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلُ جُمَانِ اللُّؤْلُؤِ، فَلَا
يحل لكافر يجد رِيحِ [7] نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ
يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى
يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى
قَوْمٌ قَدْ عصمهم الله
__________
1377- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 4156 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح مسلم» 2937 عن محمد بن مهران بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 4/ 181- 182 عن الوليد بن مسلم به.
- وأخرجه ابن ماجه 4075 من طريق يحيى بن حمزة عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بن جابر به.
(1) النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، والواحدة نغفة.
[.....]
(2) في المطبوع «ذات غداة» .
(3) زيد في المطبوع.
(4) سقط من المخطوط.
(5) في المخطوط «وأشبعه» .
(6) تضحف في المطبوع «مهرب ودستين» .
(7) في المطبوع «من ريح نفسه» وفي المخطوط «ريحه» والمثبت عن
«شرح السنة» .
(3/218)
فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ
وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا
هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ
أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ [1] لِأَحَدٍ
بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ
اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ
يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ
طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ
فَيَقُولُ [2] : لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ،
وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ
رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ
لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ [3]
فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ
مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ،
فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى
اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ،
فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ
يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ
وَلَا وَبَرٍ فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلقة [4] ، ثم يقال
للأرض أنبتي ثمرك [5] ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ
تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ
بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ
اللِّقْحَةَ من الإبل لتكفي ألفا مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ
مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ،
وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ
النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ
رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ
رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ
الناس يتهارجون [فيها] [6] تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ
تَقُومُ السَّاعَةُ» .
«1378» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ
الحجاج ثنا علي بن حجر السعدي ثنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ
بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَا وَزَادَ بَعْدَ
قَوْلِهِ:
«لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى
يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمْرِ [7] وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي
الْأَرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ،
فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا» .
وَقَالَ وهب: إنهم يَأْتُونَ الْبَحْرَ فَيَشْرَبُونَ مَاءَهُ
وَيَأْكُلُونَ دَوَابَّهُ، ثُمَّ يَأْكُلُونَ الْخَشَبَ
وَالشَّجَرَ، وَمَنْ ظَفِرُوا بِهِ مِنَ النَّاسِ، وَلَا
يَقْدِرُونَ أَنْ يَأْتُوا مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ وَلَا
بَيْتَ الْمَقْدِسِ.
«1379» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [8]
الْمُلَيْحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف
__________
1378- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة» بإثر 4156 بهذا الإسناد.
- وفي «صحيح مُسْلِمٌ» 2937 عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ السعدي
به.
1379- إسناده صحيح على شرط البخاري، أحمد هو ابن حفص بن عبد
الله بن راشد السلمي، إبراهيم هو ابن طهمان، قتادة هو ابن
دعامة.
- وهو في «صحيح البخاري» 1593 عن أحمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 3/ 27 و48 و64 وابن خزيمة 2507 والحاكم 4/ 453
من طريق أبا بن يزيد عن قتادة به.
- وأخرجه أبو يعلى 1030 وأحمد 3/ 27- 28 وابن خزيمة 2507 وابن
حبان 6832 من طريق عمران القطان عن قتادة به.
(1) تصحف في المطبوع «لا بد» وفي المخطوط «لا يؤذن» .
(2) في المطبوع «فيقولون» .
(3) النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، والواحدة نغفة.
(4) في المطبوع «كالزلفة» .
(5) في المطبوع «ثمرتك» .
(6) سقط من المطبوع. [.....]
(7) كذا في المطبوع و «شرح السنة» والخمر هنا: الشجر الملتف
الذي يستر من فيه، وقع في المخطوط «الجمر» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(3/219)
وَتَرَكْنَا
بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي
الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ
يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ
أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا
أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ
ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَزْنًا (105)
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ [1] أَنْبَأَنَا أَبِي أَنْبَأَنَا
إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ
بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» .
وَفِي الْقِصَّةِ: أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ دَخَلَ الظُّلْمَةَ
فَلَمَّا رَجَعَ تُوُفِّيَ بِشَهْرَزُورَ. وَذَكَرَ
بَعْضُهُمْ: أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ نيفا وثلاثين سنة.
[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 102]
وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنا
جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) الَّذِينَ
كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لَا
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا
أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102)
قوله تعالى: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي
بَعْضٍ، قِيلَ: هَذَا عِنْدَ فَتْحِ السَّدِّ، يَقُولُ
تَرَكْنَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يموج [بعضهم في بعض] [2] أَيْ
يَدْخُلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَوْجِ الْمَاءِ
وَيَخْتَلِطُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لِكَثْرَتِهِمْ، وَقِيلَ:
هَذَا عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ يَدْخُلُ الْخَلْقُ
بَعْضُهُمْ فِي بعض، ويختلط إنسهم بجنهم [3] حَيَارَى،
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، لِأَنَّ خُرُوجَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ
مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ، فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً، فِي
صَعِيدٍ وَاحِدٍ.
وَعَرَضْنا، أَبْرَزْنَا، جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ
عَرْضاً، حَتَّى يُشَاهِدُوهَا عِيَانًا.
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ، أي غشاء والغطاء ما
يغطي [4] الشيء ويستره، عَنْ ذِكْرِي، عَنِ الْإِيمَانِ
وَالْقُرْآنِ. وَعَنِ الْهُدَى وَالْبَيَانِ. وَقِيلَ: عَنْ
رُؤْيَةِ الدَّلَائِلِ. وَكانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً،
أَيْ سَمْعَ الْقَبُولِ، وَالْإِيمَانِ لِغَلَبَةِ
الشَّقَاوَةِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَعْقِلُونَ، وَقِيلَ:
كانوا لا يستطيعون [سمعا] [5] أَيْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ
يَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ
[لَهُ] [6] ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ
أَسْمَعَ مِنْ فلان شيئا لعداوته.
أَفَحَسِبَ، أَفَظَنَّ، الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا
عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ، أَرْبَابًا يُرِيدُ
بِالْعِبَادِ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ، كَلَّا بَلْ هُمْ
لَهُمْ أَعْدَاءٌ ويتبرؤون مِنْهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
يَعْنِي الشَّيَاطِينَ أَطَاعُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وقال
مقاتل: الأصنام سماها عِبَادًا، كَمَا قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ
[الْأَعْرَافِ: 194] ، وَجَوَابُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ محذوف.
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ إِنِّي لَأَغْضَبُ لِنَفْسِي،
يَقُولُ أَفَظَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا
غَيْرِي أَوْلِيَاءَ وَأَنِّي لَا أَغْضَبُ لِنَفْسِي وَلَا
أُعَاقِبُهُمْ. وَقِيلَ: أَفَظَنُّوا أَنَّهُمْ يَنْفَعُهُمْ
أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ. إِنَّا
أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا، أَيْ: مَنْزِلًا،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَثْوَاهُمْ. وَقِيلَ: النُّزُلُ
مَا يُهَيَّأُ لِلضَّيْفِ، يُرِيدُ هِيَ مُعَدَّةٌ لهم عندنا
كالنزل للضيف.
[سورة الكهف (18) : الآيات 103 الى 105]
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (103)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولئِكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً
(105)
__________
(1) زيد في المخطوط «بن رجا» وانظر الكلام على ترجمة الإسناد
في تخريج الحديث.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع وط «إنسيهم وجنيهم» .
(4) زيد في المطبوع وط «به» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/220)
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ
جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي
هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا
(107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي
لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي
وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا
(110)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ
أَعْمالًا (103) ، يعني الذين أتبعوا أَنْفُسَهُمْ فِي عَمَلٍ
يَرْجُونَ بِهِ فَضْلًا وَنَوَالًا فَنَالُوا هَلَاكًا
وَبَوَارًا، كمن يشتري سلعة يرجو بها [1] [نوالا و] [2]
رِبْحًا فَخَسِرَ وَخَابَ سَعْيُهُ. وَاخْتَلَفُوا فيهم، فقال
ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: هُمُ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى. وَقِيلَ: هُمُ الرُّهْبَانُ.
الَّذِينَ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ. وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هُمْ أَهْلُ حَرُورَاءَ [3] .
ضَلَّ سَعْيُهُمْ، بَطَلَ عَمَلُهُمْ وَاجْتِهَادُهُمْ، فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعاً، أَيْ: عَمَلًا.
أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ
فَحَبِطَتْ، بَطَلَتْ، أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً، أَيْ لَا نَجْعَلُ لَهُمْ خَطَرًا
وَقَدْرًا، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا لِفُلَانٍ عندنا [4] وَزْنٌ
أَيْ قَدْرٌ لِخِسَّتِهِ.
«1380» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [5]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النعيمي أنا
أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عن مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن عبد الله ثنا سعيد بن [أبي]
[6] مريم أنبأنا المغيرة [حدثني أَبُو] [7] الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « [إنه] [8]
لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جناح بعوضة» ، وقال:
[اقرؤوا] [9] فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: يَأْتِي أُنَاسٌ
بِأَعْمَالٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هِيَ عِنْدَهُمْ [10] فِي
الْعِظَمِ كَجِبَالِ تِهَامَةَ، فَإِذَا وَزَنُوهَا لَمْ
تَزِنْ شَيْئًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا نُقِيمُ
لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً.
[سورة الكهف (18) : الآيات 106 الى 110]
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي
وَرُسُلِي هُزُواً (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً
(107) خالِدِينَ فِيها لَا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (108)
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ
الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا
بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً
صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
ذلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ وَخِسَّةِ
أَقْدَارِهِمْ [11] ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: جَزاؤُهُمْ
جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي، يَعْنِي
الْقُرْآنَ، وَرُسُلِي هُزُواً، أَيْ: سُخْرِيَةً وَمَهْزُوءًا
بِهِمْ.
__________
1380- إسناده صحيح على شرط البخاري، محمد بن عبد الله هو محمد
بن يحيى بن عبد الله الذهلي، أبو مريم والد سعيد هو الحكم بن
محمد، المغيرة، هو ابن عبد الرحمن أبو الزِّنَادِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، الأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
- وهو في «شرح السنة» 4222 بهذا الإسناد.
- وفي «صحيح البخاري» 4729 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2785 والواحدي في «الوسيط» 3/ 170 من طريق
المغيرة به.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 5670 والواحدي 3/ 170 من وجه آخر
عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنِ أبي هريرة مرفوعا.
(1) في المطبوع «عليها» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) تصحف في المخطوط «حوراء» .
(4) في المطبوع وط «عندي» .
(5) زيادة عن المخطوط. [.....]
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع وط «عن أبي» .
(8) زيادة عن المخطوط وكتب التخريج.
(9) زيادة عن المخطوط وكتب التخريج.
(10) في المخطوط «عندكم» .
(11) في المخطوط «قدرهم» .
(3/221)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ
الْفِرْدَوْسِ.
«1381» رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ،
فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ،
وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تفجر أنهار الجنة» .
[و] قَالَ كَعْبٌ: لَيْسَ فِي الْجِنَانِ جَنَّةٌ أَعْلَى مِنْ
جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فِيهَا الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الجنة وأوسطها
أفضلها [1] وَأَرْفَعُهَا. قَالَ كَعْبٌ: الْفِرْدَوْسُ هُوَ
الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الْأَعْنَابُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
هُوَ الْبُسْتَانُ بِالرُّومِيَّةِ. وَقَالَ عكرمة: هي الجنة
بلسان الحبشة. وقال الزَّجَّاجُ: هُوَ بِالرُّومِيَّةِ
مَنْقُولٌ إِلَى لَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
هِيَ الْجَنَّةُ الْمُلْتَفَّةُ الْأَشْجَارِ. وَقِيلَ: هِيَ
الرَّوْضَةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي
تُنْبِتُ ضُرُوبًا مِنَ النَّبَاتِ، وَجَمْعُهُ فراديس،
نُزُلًا، أَيْ مَنْزِلًا.
وَقِيلَ: مَا يُهَيَّأُ لِلنَّازِلِ عَلَى مَعْنَى كَانَتْ
لَهُمْ ثِمَارُ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ وَنَعِيمُهَا نُزُلًا،
وَمَعْنَى كَانَتْ لَهُمْ أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ
يُخْلَقُوا.
خالِدِينَ فِيها لَا يَبْغُونَ، لَا يَطْلُبُونَ، عَنْها
حِوَلًا، أَيْ تَحَوُّلًا [2] إِلَى غَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا كَمَا
يَنْتَقِلُ الرَّجُلُ مِنْ دَارٍ إِذَا [لَمْ] تُوَافِقْهُ
إِلَى دَارٍ أخرى.
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتِ الْيَهُودُ يَا مُحَمَّدُ
تَزْعُمُ أَنَّا قَدْ أُوتِينَا الْحِكْمَةَ، وَفِي كِتَابِكَ
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا،
ثُمَّ تَقُولُ: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَتْ: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ
إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاءِ: 85] ، قَالَتِ الْيَهُودُ:
أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً سُمِّيَ
الْمِدَادُ مِدَادًا لِإِمْدَادِ الْكَاتِبِ، وَأَصْلُهُ مِنَ
الزِّيَادَةِ وَمَجِيءُ الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِلْقَلَمِ
وَالْقَلَمُ يَكْتُبُ، لَنَفِدَ الْبَحْرُ، أَيْ مَاؤُهُ،
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
يَنْفَدُ بِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ الْفِعْلِ، والباقون بالتاء،
لِكَلِماتِ رَبِّي، أَيْ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ، وَلَوْ جِئْنا
بِمِثْلِهِ مَدَداً، مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْخَلَائِقُ
يَكْتُبُونَ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُمْ لنفد [ماء] [3] البحر ولم
تنفد كلمات الله، ولو جئنا بمثله [أي] [4] البحر في كثرته
مدادا وزيادة، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّما
فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ
مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ
اللَّهِ [لقمان: 27] .
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما
إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَّمَ
اللَّهُ رَسُولَهُ التَّوَاضُعَ لِئَلَّا يَزْهُوَ عَلَى
خَلْقِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُقِرَّ فَيَقُولَ: «إِنِّي
آدَمِيٌّ مِثْلُكُمْ إِلَّا أَنِّي خُصِّصْتُ بِالْوَحْيِ
وَأَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهِ، يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ» ، فَمَنْ كانَ
يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ، أَيْ يَخَافُ الْمَصِيرَ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ: يَأْمُلُ رُؤْيَةَ رَبِّهِ، فَالرَّجَاءُ يَكُونُ
بِمَعْنَى الْخَوْفِ وَالْأَمَلِ جميعا، قال الشاعر:
__________
1381- تقدم في تفسير سورة النساء عند آية: 96.
(1) في المطبوع «أقصاها» .
(2) في المخطوط «تحويلا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «مدادا بمثل ماء» .
(3/222)
فلا كُلُّ مَا تَرْجُو مِنَ الْخَيْرِ
كَائِنٌ ... وَلَا كُلُّ مَا تَرْجُو مِنَ الشَّرِّ وَاقِعُ
فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا
صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً، أَيْ: لَا
يُرَائِي بِعَمَلِهِ.
«1382» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ [أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بن إسماعيل] [1] أنبأنا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا
سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ
جُنْدُبًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ
يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» .
«1383» وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ
عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ» ، قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ:
«الرِّيَاءُ» .
«1384» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ موسى
الصيرفي ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب الأصم
ثنا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الحكم ثنا أبي
وشعيب قالا [2] : ثنا الليث عن ابن الهاد
__________
1382- إسناده على شرط البخاري ومسلم، أبو نعيم هو الفضل بن
دكين، سفيان هو ابن سعيد الثوري، جندب هو ابن عبد الله البجلي.
- وهو في «شرح السنة» 4029 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 6499 عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6499 ومسلم 2987 وأحمد 4/ 313 وابن ماجه 4207
وابن حبان 406 من طرق عن سفيان الثوري به.
- وأخرجه مسلم 2987 والحميدي 778 من طريق سفيان عن الوليد بن
حرب على سلمة به.
- وأخرجه البخاري 7152 من وجه آخر عن طريق أبي تميمة عن جندب
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: «مَنْ
سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يوم القيامة، ومن شاق شقّ الله
عليه يوم القيامة» .
- وللحديث شواهد منها:
- حديث ابن عباس أخرجه مسلم 2986 وابن حبان 407 وأبو نعيم في
«الحلية» 4/ 301.
- وحديث أبي بكرة أخرجه أحمد 5/ 45.
- وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي 2381.
- وحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص أخرجه أحمد 2/
162 و195 و224 وأبو نعيم في «الحلية» 4/ 123 و124 و5/ 99
والمصنف في «شرح السنة» 4033.
1383- تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية 264 وسورة هود عند
آية: 16.
1384- إسناده صحيح، عبد الله بن عبد الحكم ثقة، وتابعه شعيب
وهو من رجال مسلم، ومن فوقهما رجال البخاري ومسلم سوى عمرو،
فإن كان ابن أبي عمرو، فهو من رجال البخاري وإن كان ابن شعيب
فهو ثقة، شعيب هو ابن الليث بن سعد، ابن الهاد هو يزيد بن عبد
الله.
- وهو في «شرح السنة» 4031 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2985 وابن ماجه 4202 وأحمد 2/ 301 و435
والطيالسي 2559 وأبو يعلى 6552 وابن حبان 395 والواحدي 3/ 172
من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.
- وله شاهد من حديث شداد بن أوس أخرجه الطيالسي 1120.
- ومن حديث أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري أخرجه الترمذي 3154
وابن ماجه 4203 والواحدي 3/ 173 وأحمد 3/ 466 و4/ 215 وابن
حبان 404 وإسناده حسن. [.....]
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «قال» .
(3/223)
عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سمعت رسول الله
يقول: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: أَنَا
أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا
أَشْرَكَ فِيهِ غيري فأنا منه بريء وهو لِلَّذِي عَمِلَهُ» .
«1385» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثنا حفص بن عمر ثنا هَمَّامٌ عَنْ
قَتَادَةَ حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ [أَبِي] [1] الْجَعْدِ
الغَطَفَانِيُّ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ
أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»
.
«1386» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ
ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ [مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ] [3] الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجُوَيْهِ ثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ ثَنَا ابن لهيعة عن
زبّان]
عَنْ سَهْلٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ قَرَأَ
أَوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ وَآخِرَهَا كانت له نورا من قرنه
إلى قدمه [5] ، وَمَنْ قَرَأَهَا كُلَّهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا
مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ» [والله أعلم] [6] .
__________
1385- صحيح، حميد بن زنجويه ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم سوى معدان بن أبي طلحة، فإنه من رجال مسلم.
- همام هو ابن يحيى، قتادة هو ابن دعامة، أبو الدرداء اسمه
عويمر قيل: ابن زيد.
- وهو في «شرح السنة» 1197 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم بإثر 809 النسائي في «الكبرى» 10787 وابن الضريس
في «فضائل القرآن» 209 والواحدي في «الوسيط» 3/ 134 من طرق عن
همام به.
- وأخرجه مسلم 809 وأبو داود 4323 والنسائي في «عمل اليوم
والليلة» 951 وأحمد 5/ 196 و6/ 449 وابن حبان 785 من طرق عن
قتادة به.
1386- إسناده ضعيف. ابن لهيعة وزبّان وسهل بن معاذ ثلاثتهم
ضعفاء، وتوبع ابن لهيعة عند الطبراني، تابعه رشدين لكنه متروك،
فلا يفرح بمتابعته، لكن في الباب أحاديث، أبو الأسود هو النضر
بن عبد الجبار.
- ابن لهيعة هو عبد الله، زبّان هو ابن فائد.
- وهو في «شرح السنة» 1189 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 4/ 439 من طريق ابن لهيعة، والطبراني 20/ (443)
من طريق رشدين كلاهما عن زبّان بن فائد به.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 7/ 52 وقال: وفي إسناد أحمد: ابن
لهيعة، وهو ضعيف، وقد يحسن حديثه. قلت:
ليس الراوي عنه أحد العبادلة، ثم إن شيخه ضعيف وكذا شيخ شيخه.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد «من قرأ سورة الكهف في يوم
الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين» أخرجه الحاكم 1/
564 والبيهقي في «الشعب» 2446، ورجاله ثقات.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ورجح البيهقي الوقف، وانظر
«الكشاف» 656 و «فتح القدير» 1483 و1484 بتخريجي، وانظر «صحيح
الجامع» 6470.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) تصحف في المطبوع «زياد» .
(5) في المطبوع وط «من قدميه إلى رأسه» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/224)
|