تفسير البغوي
إحياء التراث سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
(1)
أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ مِنْ أَفْوَاجٍ
شَتَّى أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنِي اللَّهُ بِهِمْ
لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ» ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى:
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا الْآيَةَ.
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، أَيْ:
وَلَئِنْ عَفَوْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلْعَافِينَ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ
نَصْبِرُ» وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ وَكَفَّرَ عَنْ
يَمِينِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَاكُ: كَانَ هَذَا قَبْلَ
نُزُولِ بَرَاءَةٌ حِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ وَمُنِعَ مِنَ
الِابْتِدَاءِ بِالْقِتَالِ، فَلَمَّا أَعَزَّ [اللَّهُ] [1]
الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ، وَأُمِرُوا
بِالْجِهَادِ ونسخت هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ
وَالثَّوْرِيُّ [2] وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ سِيرِينَ: الْآيَةُ
مُحْكَمَةٌ نَزَلَتْ فِي مَنْ ظُلِمَ بِظُلَامَةٍ فَلَا
يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنَالَ مِنْ ظَالِمِهِ أَكْثَرَ مِمَّا
نَالَ الظَّالِمُ مِنْهُ أُمِرَ بِالْجَزَاءِ وَالْعَفْوِ
وَمُنِعَ مِنَ الِاعْتِدَاءِ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ، أَيْ: بِمَعُونَةِ
اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، فِي
إِعْرَاضِهِمْ عَنْكَ، وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا
يَمْكُرُونَ، أَيْ: فِيمَا فَعَلُوا مِنَ الْأَفَاعِيلِ،
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ هَاهُنَا وَفِي النَّمْلِ [70] «ضِيقٍ»
بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الضَّادِ،
قَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: هُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ رِطْلٍ
وَرَطْلٍ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الضَّيْقُ بِالْفَتْحِ
الْغَمُّ، وَبِالْكَسْرِ الشِّدَّةُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الضِّيقُ بِالْكَسْرِ فِي قِلَّةِ
الْمَعَاشِ وَفِي الْمَسَاكِنِ، فَأَمَّا مَا كَانَ فِي
الْقَلْبِ وَالصَّدْرِ فَإِنَّهُ بِالْفَتْحِ. وَقَالَ ابْنُ
قُتَيْبَةَ: الضَّيْقُ تَخْفِيفُ ضَيِّقٍ مِثْلُ هَيْنٍ
وَهَيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، فَعَلَى هَذَا هُوَ صِفَةٌ
كَأَنَّهُ قَالَ:
ولا تك [3] فِي أَمْرٍ ضَيِّقٍ مِنْ مَكْرِهِمْ.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا، الْمَنَاهِيَ،
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ بِالْعَوْنِ والنصرة [والله
تعالى أعلم] [4] .
تفسير سُورَةُ الْإِسْرَاءِ
مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وإحدى عشرة آية
[سورة الإسراء (17) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ (1)
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا، سبحان الله تنزه
[5] اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ سُوءٍ ووصفه [6] بالبراءة من
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «السدي» .
(3) في المطبوع «تكن» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في- ط «تنزيه» . [.....]
(6) في المطبوع «ووصف» .
(3/104)
كُلِّ نَقْصٍ عَلَى طَرِيقِ المبالغة،
وتكون سُبْحَانَ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ، أَسْرَى بِعَبْدِهِ،
أَيْ: سَيَّرَهُ، وَكَذَلِكَ سَرَى بِهِ، وَالْعَبْدُ هُوَ:
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قِيلَ: كَانَ الْإِسْرَاءُ مِنْ
مَسْجِدِ مَكَّةَ.
«1277» رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ
صَعْصَعَةَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فِي الْحِجْرِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ أَتَانِي
جِبْرِيلُ بِالْبُرَاقِ» ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: عُرِجَ بِهِ مِنْ دَارِ أم هانىء بِنْتِ أَبِي
طَالِبٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
أَيْ:
مِنَ الْحَرَمِ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَتْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ قَبْلَ
الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ. وَيُقَالُ: كَانَ فِي رَجَبٍ. وَقِيلَ:
كَانَ فِي [شَهْرِ] [1] رَمَضَانَ. إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَسُمِّيَ أَقْصَى
لِأَنَّهُ أَبْعَدُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تزار. وقيل: لبعده عن
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ،
بِالْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ:
سَمَّاهُ مُبَارَكًا لِأَنَّهُ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ
وَمَهْبِطُ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ [2] وَمِنْهُ يُحْشَرُ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، مِنْ
عَجَائِبِ قُدْرَتِنَا، وَقَدْ رَأَى هُنَاكَ الْأَنْبِيَاءَ
وَالْآيَاتِ الْكُبْرَى، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ،
ذَكَرَ السميع [3] لينبه على أنه [هو] [4] الْمُجِيبُ
لِدُعَائِهِ، وَذَكَرَ الْبَصِيرَ [5] لِيُنَبِّهَ عَلَى
أَنَّهُ الْحَافِظُ لَهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ.
«1278» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ مَا فُقِدَ جَسَدُ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ اللَّهَ أَسْرَى
بِرُوحِهِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أنه أسرى بجسده [وروحه] [6]
فِي الْيَقَظَةِ وَتَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ
عَلَى ذَلِكَ.
«1279» أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفربري ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل البخاري ثنا هدبة بن خالد ثنا همام بن
يحيى ثنا قَتَادَةُ حَ [7] قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ لي
خليفة العصفري: ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد وهشام. قالا: ثنا
__________
1277- هو الحديث الآتي برقم: 1279.
1278- باطل. ذكره ابن هشام في «السيرة» 2/ 31 عن ابن إسحق قال:
حدثني بعض آل أبي بكر عن عائشة، فذكره، وإسناده ضعيف لجهالة من
حديث ابن إسحاق، بل هو باطل لتفرد ابن إسحاق به، وهو يروي عن
متروكين، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 2/ 646: قال ابن إسحاق
في «المغازي» : حدثني بعض آل بكر عن عائشة بهذا اهـ.
- ومما يدل على عدم صحته عن عائشة هو أنها لم تدرك ذلك، فهو
مكذوب عليها.
1279- ساقه المصنف بأسانيد من طريق الصحيحين أو أحدهما، فهذه
أسانيد صحاح.
- أخرجه البخاري 3207 و3393 و3430 و3887 وابن حبان 48 والبيهقي
في «الدلائل» 2/ 387 من طرق عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ
هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ
مَالِكِ بْنِ صعصعة.
- وأخرجه أحمد 4/ 208 و209 وأبو عوانة 1/ 120 وابن مندة 717 من
طرق عن همام بالإسناد السابق.
- وأخرجه البخاري 3207 ومسلم 164 والترمذي 3346 وابن أبي شيبة
14/ 305 وأحمد 4/ 210 وأبو عوانة 1/ 116 و120 والبيهقي في
«الدلائل» 2/ 373- 377 وابن مندة في «الإيمان» 716 من طرق عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عن قتادة عن أنس.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع «وفيه الصخرة» .
(3) في المخطوط «السمع» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط «البصر» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) تكتب «ح» عند الانتقال من إسناد إلى إسناد آخر، فهي من
التحويل، ورمز عن ذلك ب «ح» .
(3/105)
قتادة ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ
مَالِكِ بن صعصعة عن نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ به، ح قال
البخاري:
ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ
عَنِ ابْنِ شهاب عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ وكان أَبُو
ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا أبو الحسين عَبْدُ
الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ
مُحَمَّدُ بْنُ عيسى الجلودي ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدٍ بن سفيان ثنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجٍ ثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثَابِتٍ
الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:- دَخْلَ حَدِيثُ
بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ-.
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فُرِّجَ عَنِّي سَقْفُ بَيْتِي
وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَّرَجَ صَدْرِي
ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاء بطست من ذهب ممتلىء
حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ
أَطْبَقَهُ» .
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ صَعْصَعَةَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ
أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ
وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ بَيْنَ النَّائِمِ
وَالْيَقْظَانِ» ، وذكر بين رجلين «فأتيت بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ
مَمْلُوءٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى
مَرَاقِّ الْبَطْنِ، وَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي فَغُسِلَ ثم ملىء،
وقيل حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ» .
وَقَالَ سَعِيدٌ وَهِشَامٌ: «ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ
زمزم ثم ملىء إيمانا وحكمة ثم أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق
الحمار ودون البغل [يقع] [1] حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى
طَرَفِهِ، فَرَكِبْتُهُ فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى
أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ فَرَبَطْتُهُ
بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ:
ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ
ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ
وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ
جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ
حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ
هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ، قِيلَ:
وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا
بِهِ فَنِعْمَ المجيء جاء، ففتح [له] [2] الباب فَلَمَّا
خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ لِي: هَذَا أَبُوكَ
آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ
السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ
وَالِابْنِ الصَّالِحِ» .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: «عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ
يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ
وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ مَرْحَبًا
بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ
لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هذا أبوك آدَمُ وَهَذِهِ
الْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ
بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ،
وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ
فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وإذا نظر عن قِبَلَ
شِمَالِهِ بَكَى، ثُمَّ صَعِدَ [بي] [3] حَتَّى أَتَى
السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المجيء جاء، ففتح [له] [4]
فلما خلصت
__________
- وأخرجه البخاري 3207 ومسلم 164 ح 265 والنسائي 1/ 217- 223
وأبو عوانة 1/ 116 وابن مندة 715 والبيهقي 715 من طرق عن
هِشَامُ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنس.
- وأخرجه مسلم 162 وابن أبي شيبة 14/ 302 وأبو عوانة 1/ 125
و126 من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البناني عن
أنس.
- وأخرجه البخاري 349 و1636 و3342 ومسلم 163 من طريق يُونُسُ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ
يحدث.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/106)
إذا بيحيى بن زكريا وَعِيسَى [ابْنِ
مَرْيَمَ] [1] عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ،
قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ [عَلَيْهِمَا
فَسَلَّمْتُ] [2] فردا عليّ السلام، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا
بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ صَعِدَ بِي إلى السماء الثالثة فاستفتح، فقيل: مَنْ
هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ
فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يُوسُفُ وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ
شَطْرَ الْحُسْنِ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ،
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ:
مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ
فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ:
وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ،
فَفُتِحَ فَلَمَّا خلصت فإذا [أنا] [3] بإدريس [4] ، قَالَ:
هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،
فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ
وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ» .
ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ
فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ:
وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ،
[ففتح] [5] فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا
هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ
ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ
الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ
السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ،
فَفُتِحَ [له] [6] فلما خلصت فإذا بموسى، قَالَ: هَذَا مُوسَى
فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ:
مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ،
فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ:
أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
من أمته أكثر مما يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي
إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ:
مَنْ هَذَا؟ قَالَ جبريل، قال: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قال: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا
خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هذا أبوك فَسَلِّمْ
عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ
قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ
الصَّالِحِ، فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلَتُ
جِبْرِيلَ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي
فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا
لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» .
وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: «فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ
مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ
يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا
يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذُهِبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ
الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قلال هجر، وإذا أوراقها
مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ
أَمْرِ اللَّهِ مَا غشيها تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ
خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا،
فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ بَاطِنَانِ
وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟
فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ
وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَوْحَى
إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي
كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ:
مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ
صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ
التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي
قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ:
فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى
أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى
فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا،
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) العبارة من المطبوع «إدريس» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/107)
قَالَ: إِنْ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ
فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى
حَتَّى قال الله تعالى: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ
صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ
هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ
وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ
حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمِنْ
هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا
فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، قَالَ:
فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ،
فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ
لِأُمَّتِكَ، فَقُلْتُ: سألت ربي حتى استحييت ولكن أَرْضَى
وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ
أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، ثُمَّ
أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ
وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ» .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ [1] الْأَنْصَارِيَّ، كَانَا
يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حتى ظهرت لمستوىّ أسمع فِيهِ
صَرِيفُ الْأَقْلَامِ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسٌ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَفَرَضَ
اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً» .
«1280» وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُتِيَ
بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا مُسْرَجًا،
فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ فقال له جِبْرِيلُ: أَبِمُحْمِدٍ
تَفْعَلُ هَذَا فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ
مِنْهُ، فَارْفَضَّ عَرَقًا» .
«1281» وَقَالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا
انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ جِبْرِيلُ
بِأُصْبُعِهِ فَخَرَقَ بِهَا الحجر وشدّ به [2] البراق» .
«1282» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [3]
الْمُلَيْحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ حدثني محمود أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ عن أبي
__________
1280- صحيح. أخرجه الترمذي 3131 وأحمد 3/ 164 وابن حبان 46
والبيهقي في «دلائل النبوة» 2/ 362- 363 والآجري في «الشريعة»
ص 488- 489 من طرق عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ به
وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
1281- حسن. أخرجه الترمذي 3131 والحاكم 2/ 360 وابن حبان 47 من
طريقين عن أبي تميلة بن واضح عن الزبير بن جنادة عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن غريب.
- وإسناده حسن لأجل الزبير بن جنادة، قال عنه الحافظ: مقبول،
ووثقه ابن حبان والحاكم وقال الذهبي في «الميزان» :
أخطأ من قال فيه جهالة، لكن قول الألباني في «صحيح الترمذي»
2504: إسناده صحيح، فيه نظر.
1282- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، محمود بن غيلان، عبد
الرزاق بن همام، معمر بن راشد، الزهري محمد بن مسلم.
- رواه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» 9719 عن
معمر بهذا الإسناد.
- ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري 3437 ومسلم 168 والترمذي
3130 وابن حبان 51 وأبو عوانة 1/ 129 والبيهقي في «الدلائل» 2/
387 وابن مندة 728.
- وأخرجه البخاري 3394 من طريق هشام بن يوسف عن معمر به.
- وأخرجه البخاري 4709 و5603 والنسائي 8/ 312 من طريق يونس عن
الزهري به.
(1) تصحف في المطبوع «دجانة» .
(2) في المطبوع «بها» .
(3) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3/108)
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي
لَقِيتُ مُوسَى قَالَ فَنَعَتَهُ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ
حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ، رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ من
رجال شنوءة، قال: ولقيت عِيسَى، فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «رَبْعَةٌ أَحْمَرُ
كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي الْحَمَّامَ،
وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ ولده به، قال: وأتيت
بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالْآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ،
فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ
فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لي: هديت الفطرة وأصبت الْفِطْرَةَ،
أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الخمر لغوت أمتك» .
«1283» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [1]
الْمُلَيْحِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عَمْرٌو عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ
[الإسراء: 60] قال: هي شجرة الزقوم.
«1284» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَيْلَةَ
أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ
قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ:
أَوْسَطُهُمْ هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا
خَيْرَهُمْ.
فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ
لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يرى قلبه وتنام عيناه وَلَا يَنَامُ
قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ
وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى
احْتَمَلُوهُ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَشَقَّ
جِبْرِيلُ ما بين
__________
1283- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- الحميدي عبد الله بن الزبير سفيان بن عيينة، عمرو بن دينار،
عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس.
- وهو في «شرح السنة» 3649 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 3888 عن الحميد
بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4716 و6613 والترمذي 3134 والنسائي في
«التفسير» 312 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 201 و202 وابن أبي
عاصم في «السنة» 462 وابن حبان 56 والطبراني 1641 والحاكم 2/
362 والبيهقي في «الدلائل» 2/ 365 من طرق عن سفيان به.
1284- في بعض ألفاظه غرابة، رجاله رجال البخاري ومسلم، لكن
شريك وهو ابن عبد الله بن أبي نمر المدني فيه ضعف، قال ابن
معين: لا بأس به، وقال النسائي: ليس بالقوي، ووثقه أبو داود
ووهاه ابن حزم لأجل حديث الإسراء اهـ «الميزان» 2/ 269 وقال
عنه الحافظ في «التقريب» : صدوق يخطىء.
- سليمان هو ابن بلال.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 7517 عن عبد
العزيز بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 162 ح 262 وأبو عوانة 1/ 125 و135 من طريق
سليمان بن بلال عن شريك به.
- وأخرجه الذهبي في «الميزان» 2/ 269- 270 من طريق البخاري به.
- قال الحافظ في «الفتح» 13/ 485: ومجموع ما خالفت فيه رواية
شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك. راجع
«الفتح» فقد ذكر الحافظ تلك الألفاظ الغريبة فيه.
- وقال الذهبي بعد أن أسند الحديث وذكر فيه « ... ودنا من
الجبار رب العزة ... » وهذا من غرائب الصحيح.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3/109)
نَحْرِهِ إِلَى لَبَتِّهِ حَتَّى فَرَغَ
مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ
بِيَدِهِ.
وَسَاقَ حَدِيثَ المعراج بقصته. فقال: وإذا هُوَ فِي
السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهْرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، قَالَ:
هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ [يطردان] [1] عنصر هما واحد ثم
مضى به إلى السماء فَإِذَا هُوَ بِنَهْرٍ آخَرَ عَلَيْهِ
قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ فَضَرْبَ بيده فإذا هو مسك
أذفر، فقال: «مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ» ؟ قَالَ: هَذَا
الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَّأَ لَكَ رَبُّكَ. وَسَاقَ
الْحَدِيثَ، وَقَالَ: «ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ» .
وَقَالَ: قَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ تَرْفَعَ
عَلَيَّ أَحَدًا، ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا
يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى
وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ
مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَيْهِ
فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ
وَلَيْلَةٍ، وَقَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى
رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ثُمَّ
احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ ذلك فَضَعُفُوا
عَنْهُ وَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ قُلُوبًا
وَأَجْسَادًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فارجع
فليخفف عنك ربك، وكل ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ
عَلَيْهِ وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ فَرَفَعَهُ عِنْدَ
الْخَامِسَةِ، فَقَالَ: «يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتَيْ ضُعَفَاءُ
أَجْسَادُهُمْ وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنهم» ، فقال
الجبار [جل جلاله] [2] : يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ
وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ
كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَكُلُّ
حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ
الْكِتَابِ وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَقَالَ مُوسَى: ارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَدْ وَاللَّهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ
إِلَيْهِ» ، قَالَ: فَاهْبِطْ بِسْمِ اللَّهِ فَاسْتَيْقَظَ
وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا عَنْ هَارُونَ
بْنِ سَعِيدٍ الْإِيلِيِّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ
بْنِ بِلَالٍ.
قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِ قَالَ
بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَا وَجَدْنَا لِمُحَمَّدِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ وَلِمُسْلِمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا شَيْئًا لَا
يَحْتَمِلُ مَخْرَجًا إِلَّا هَذَا، وَأَحَالَ الْأَمْرَ فِيهِ
[3] إِلَى شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ،
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ
بَعْدَ الْوَحْيِ بِنَحْوٍ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً
قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّ
الْجَبَّارَ دَنَا فَتَدَلَّى. وَذَكَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّ
الَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا
الِاعْتِرَاضُ عِنْدِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا كَانَ
رُؤْيَا فِي النَّوْمِ أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ
الْوَحْيِ بِدَلِيلِ آخَرِ الْحَدِيثِ، قَالَ: فَاسْتَيْقَظَ
وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ فِي
الْيَقَظَةِ بَعْدَ الْوَحْيِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ
تَحْقِيقًا لِرُؤْيَاهُ مِنْ قَبْلُ كَمَا أَنَّهُ رَأَى
فَتْحَ مَكَّةَ فِي الْمَنَامِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ
سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ كَانَ تَحْقِيقُهُ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَنَزَلَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَقَدْ صَدَقَ
اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ [الْفَتْحِ: 27] .
«1285» وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَكَانَ
بِذِي طَوَى قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ إِنَّ قَوْمِي لَا
يُصَدِّقُونِي» ، قَالَ: يُصَدِّقُكَ أَبُو بَكْرٍ وهو الصديق.
__________
1285- ضعيف. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» 3/ 127 عن يزيد بن
هارون عن أبي معشر قال: أخبرنا أبو وهب مولى أبي
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «أحاله الآفة فيهما» .
(3/110)
«1286» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا كانت ليلة أسري بي أصبحت
بِمَكَّةَ فَضِقْتُ بِأَمْرِي وَعَرَفْتُ أَنَّ الناس يكذبوني»
، فَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَعَدَ
مُعْتَزِلًا حَزِينًا فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ فَجَلَسَ
إِلَيْهِ فَقَالَ له كالمستهزىء: هَلِ اسْتَفَدْتَ مِنْ
شَيْءٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ»
قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: «إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ، قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ
بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا، قَالَ: «نَعَمْ» ، فَلَمْ يَرَ أَبُو
جَهْلٍ أَنَّهُ يُنْكِرُ ذلك مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ
الْحَدِيثَ، قَالَ: أتحدث قومك بما حدثتني به؟ قَالَ: «نَعَمْ»
، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لؤي
هلموا، قال: فانقضت إليه المجالس فجاؤوا حَتَّى جَلَسُوا
إِلَيْهِمَا، قَالَ: فَحَدِّثْ قومك بما حدثتني، قال: «نعم إنه
أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ» ، قَالُوا إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ:
«إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ
بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟
قال: نعم، قال: [فكان القوم] [1] فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ
وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا [2]
وَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ،
وَسَعَى رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ
فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ
بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: أَوَقَدْ
قَالَ ذلك؟ قالوا: نَعَمْ، قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ
لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا:
وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي
لَيْلَةٍ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّي
لَأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ
بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ، فَلِذَلِكَ
سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ، قَالَ: وَفِي الْقَوْمِ مَنْ
قَدْ أَتَى الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، فقال: هَلْ تَسْتَطِيعُ
أَنْ تَنْعَتَ لَنَا المسجد الأقصى؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ:
«فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ وَأَنْعَتُ فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى
الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قَالَ: فَجِيءَ
بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى وُضِعَ دُونَ
دَارِ عَقِيلٍ فَنَعَتُّ الْمَسْجِدَ، وَأَنَا أَنْظُرُ
إِلَيْهِ» ، فقال القوم: أمّا النعت فو الله [لَقَدْ] [3]
أَصَابَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا محمد أخبرنا عن عيرنا فهي أَهَمُّ
إِلَيْنَا فَهَلْ لَقِيتَ مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالَ: «نَعَمْ
مَرَرْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ، وَهِيَ بِالرَّوْحَاءِ
وَقَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ وَفِي
رِحَالِهِمْ قَدَحٌ مِنْ مَاءٍ فَعَطِشْتُ فَأَخَذْتُهُ
فَشَرِبْتُهُ ثم وضعته كما كان فاسألوهم [4] هَلْ وَجَدُوا
الْمَاءَ فِي الْقَدَحِ حِينَ رَجَعُوا إِلَيْهِ» ، قَالُوا:
هَذِهِ آيَةٌ، قَالَ: «وَمَرَرْتُ بَعِيرِ بَنِي فُلَانٍ
وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ رَاكِبَانِ قَعُودًا لَهُمَا بِذِي طَوَى
فَنَفَرَ بَعِيرُهُمَا مِنِّي فَرَمَى بِفُلَانٍ فَانْكَسَرَتْ
يَدُهُ فسلوهما عن ذلك» ، فقالوا: وَهَذِهِ آيَةٌ، قَالُوا:
فَأَخْبِرْنَا عَنْ عيرنا نحن متى تجيء؟ قَالَ: «مَرَرْتُ
بِهَا بِالتَّنْعِيمِ» ، قَالُوا: فَمَا عِدَّتُهَا
وَأَحْمَالُهَا وَهَيْئَتُهَا وَمَنْ
__________
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال
ليلة أسري به: ... فذكره.
- وهذا مرسل والمرسل من قسم الضعيف، وأبو معشر واسمه نجيح، وهو
ضعيف.
- وأخرجه ابن سعد 1/ 166- 167 من حديث عائشة وأم هانىء وابن
عباس دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا ... فذكره مطوّلا.
- وإسناده ساقط مداره على الواقدي محمد بن عمر، وهو متروك.
1286- أخرجه أحمد 1/ 309 والنسائي في «الكبرى» 11285 والبيهقي
في «الدلائل» 2/ 363- 364 من حديث ابن عباس دون عائشة رضي الله
عنها، وصحح إسناده السيوطي في «الدر» 4/ 284- 285.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 1/ 64- 65: رواه أحمد والبزار
والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح. وهو كما قال لكن لفظ
«وارتد ناس» غريب جدا، لم يثبت أن أحدا ارتد بسبب خبر الإسراء،
ولعله مدرج من كلام أحد الرواة، وهو باطل بكل حال.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع «الكذب» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «فسلوا» . [.....]
(3/111)
وَآتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا
تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ
حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ
عُلُوًّا كَبِيرًا (4)
فيها، فقال: «نَعَمْ هَيْئَتُهَا كَذَا
وَكَذَا، وَفِيهَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ يَقْدُمُهَا جَمَلٌ
أَوْرَقُ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ مَخِيطَتَانِ، تَطْلُعُ
عَلَيْكُمْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» ، قَالُوا: وَهَذِهِ آية
أخرى، ثُمَّ خَرَجُوا يَشْتَدُّونَ نَحْوَ الثَّنِيَّةِ وَهُمْ
يَقُولُونَ وَاللَّهِ لَقَدْ قَصَّ مُحَمَّدٌ شَيْئًا
وَبَيَّنَهُ حَتَّى أَتَوْا كَدَى، فَجَلَسُوا عَلَيْهِ
فَجَعَلُوا يَنْتَظِرُونَ مَتَى تَطْلُعُ الشَّمْسُ
فَيُكَذِّبُونَهُ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ
هَذِهِ الشَّمْسُ قَدْ طَلَعَتْ، وَقَالَ آخَرُ: وَهَذِهِ
وَاللَّهِ الْإِبِلُ قَدْ طَلَعَتْ يَقْدُمُهَا بَعِيرٌ
أَوْرَقُ فِيهَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ كَمَا قَالَ لَهُمْ فَلَمْ
يُؤْمِنُوا، وَقالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15)
[الصافات: 15] .
«1287» أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنْبَأَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حدثني زهير بن
حرب ثنا حجين بْنُ الْمُثَنَّى أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
وَهُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي
عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، قال: فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا
كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي
أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا
أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَإِذَا
رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ،
وَإِذَا عِيسَى قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ
شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا
إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ
صَاحِبُكُمْ، يَعْنِي نَفْسَهُ، فَجَاءَتِ الصَّلَاةُ
فَأَمَمْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لِي
قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ
فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي
بالسلام» .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 2 الى 4]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي
إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2)
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً
شَكُوراً (3) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ
عُلُوًّا كَبِيراً (4)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا، بِأَنْ لَا،
تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا، رَبًّا وَكَفِيلًا، قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو «لَا يَتَّخِذُوا» بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ
عَنْهُمْ وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، يَعْنِي قُلْنَا لَهُمْ
لَا تَتَّخِذُوا.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا، قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا نِدَاءٌ
يَعْنِي يَا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا، مَعَ نُوحٍ، فِي
السَّفِينَةِ فَأَنْجَيْنَاهُمْ مِنَ الطُّوفَانِ، إِنَّهُ
كانَ عَبْداً شَكُوراً، كَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا
أَكَلَ طَعَامًا أَوْ شَرِبَ شَرَابًا أَوْ لَبِسَ ثَوْبًا
قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَسُمِّيَ عَبْدًا شَكُورًا، أَيْ:
كَثِيرَ الشُّكْرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ
فِي الْكِتابِ الآيات.
__________
1287- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- رواه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» 172 عن زهير بن
حرب بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «التفسير» 500 وابن سعد في «الطبقات» 1/
167- 168 والبيهقي في «الدلائل» 2/ 358- 359 من طرق عن حجين بن
المثنى به.
- وأخرج صدره فقط البخاري 3886 و4710 ومسلم 170 والترمذي 3132
والنسائي في «التفسير» 302 وأحمد 3/ 377 وابن حبان 55 والبيهقي
في «الدلائل» 2/ 359 من حديث جابر.
(3/112)
«1288» رَوَى سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ
الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ ربعي بن
خراش [1] عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا اعْتَدَوْا وَقَتَلُوا
الْأَنْبِيَاءَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكَ فَارِسٍ
بُخْتُنَصَّرَ، وَكَانَ اللَّهُ مَلَّكَهُ سَبْعَمِائَةِ
سَنَةٍ فَسَارَ إِلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ
فَحَاصَرَهَا وفتحها، حتى قتل عَلَى دَمِ يَحْيَى بْنِ
زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعِينَ أَلْفًا ثُمَّ سبى
أهلها وأولاد الأنبياء وَسَلْبَ حُلِيَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
وَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعِينَ أَلْفًا وَمِائَةَ أَلْفِ
عَجَلَةٍ مِنْ حُلِيٍّ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ عَظِيمًا؟ قَالَ: «أَجَلْ بَنَاهُ
سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَيَاقُوتَ
وَزَبَرْجَدَ، وَكَانَ عُمُدُهُ ذَهَبًا أَعْطَاهُ اللَّهُ
ذَلِكَ وَسَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِينَ يَأْتُونَهُ بِهَذِهِ
الْأَشْيَاءِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَسَارَ بِهَا
بُخْتُنَصَّرُ حَتَّى نَزَلَ بَابِلَ فَأَقَامَ بَنُو
إِسْرَائِيلَ فِي يَدِهِ مِائَةَ سَنَةٍ يَسْتَعْبِدُهُمُ
الْمَجُوسُ وَأَبْنَاءُ الْمَجُوسِ، فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءُ
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ رَحِمَهُمْ فَأَوْحَى إِلَى مَلِكٍ مِنْ
مُلُوكِ فَارِسٍ يُقَالُ لَهُ كُورَشَ وَكَانَ مُؤْمِنًا أَنْ
يَسِيرَ إِلَيْهِمْ لِيَسْتَنْقِذَ بَقَايَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ، فَسَارَ كُورَشُ لبني إسرائيل وحلي بيت المقدس
حتى رده إليه، فأقام بنو إِسْرَائِيلَ حَتَّى أَتَاهُمْ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ فَسَبَى أَهْلَهَا وَأَحْرَقَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ،
وَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنْ عُدْتُمْ فِي
الْمَعَاصِي عُدْنَا عليكم بِالسَّبْيِ، فَعَادُوا فَسَلَّطَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكَ رُومِيَّةَ يُقَالُ لَهُ فَاقِسُ
بْنُ أَسْتَيَانُوسَ، فَغَزَاهُمْ فِي الْبَرِّ والبحر فسابهم
وَسَبَى حُلِيَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحْرَقَ بَيْتَ
الْمُقَدَّسِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: هَذَا مِنْ صِفَةِ حُلِيِّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ،
وَيَرُدُّهُ الْمَهْدِيُّ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ هو أَلْفٌ
وَسَبْعُمِائَةُ سَفِينَةٍ يَرْمِي بِهَا على حَتَّى تُنْقَلَ
إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِهَا يَجْمَعُ اللَّهُ
الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ» .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ
فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ وَالذُّنُوبُ وَكَانَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ
مُتَجَاوِزًا عَنْهُمْ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، وَكَانَ أَوَّلُ
مَا نَزَلَ بِهِمْ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ كَمَا أَخْبَرَ عَلَى
لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّ مَلِكًا مِنْهُمْ
كَانَ يُدْعَى صَدِيقَةُ وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا
مَلَّكَ الْمَلِكَ عَلَيْهِمْ بَعَثَ مَعَهُ نَبِيًّا
يُسَدِّدُهُ وَيُرْشِدُهُ [في جميع أموره] [2] [وكان] [3] لَا
يُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ إِنَّمَا يُؤَمَرُونَ
بِاتِّبَاعِ التَّوْرَاةِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي فِيهَا،
فَلَمَّا مَلَكَ ذَلِكَ الْمَلِكُ بَعَثَ اللَّهُ مَعَهُ
شِعْيَاءَ بْنَ أَصْفِيَا، وَذَلِكَ قَبْلَ مَبْعَثِ
زَكَرِيَّا ويحيى وعيسى عليهم السلام، وشعياء هُوَ الَّذِي
بَشَّرَ بِعِيسَى وَمُحَمَّدٍ عليهما السلام، فقال: أبشري أو
رستم الْآنَ يَأْتِيكِ رَاكِبُ الْحِمَارِ وَمِنْ بَعْدِهِ
صَاحِبُ الْبَعِيرِ، فَمَلِكَ ذَلِكَ الْمَلِكُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ زمانا طويلا فَلَمَّا
انْقَضَى مُلْكُهُ عَظُمَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ وَشَعْيَاءُ
مَعَهُ بَعَثَ اللَّهُ عليهم سنحاريب [4] مَلِكَ بَابِلَ،
مَعَهُ سِتُّمِائَةُ أَلْفِ رَايَةٍ فَأَقْبَلَ سَائِرًا
حَتَّى نَزَلَ حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْمَلِكُ مَرِيضٌ
وفي سَاقِهِ قُرْحَةٌ فَجَاءَ النَّبِيُّ شَعْيَاءُ وَقَالَ
لَهُ: يَا مَلِكَ بَنِي إسرائيل إن سنحاريب [5] مَلِكَ بَابِلَ
قَدْ نَزَلَ بِكَ، هُوَ وَجُنُودُهُ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفِ
رَايَةٍ، وقد هابهم الناس وفرقوا
__________
1288- لا أصل له في المرفوع. أخرجه الطبري 22057 من رواية رواد
بن الجراح عن سفيان الثوري عن منصور به ورواد بن الجراح هذا
متهم، والحمل عليه في هذا الحديث، قال الحافظ ابن كثير في
«التفسير» 3/ 35 هو حديث موضوع لا محالة، لا يستريب في ذلك من
عنده أدنى معرفة بالحديث، وقد صرح شيخنا أبو الحجاج المزي بأنه
موضوع مكذوب.
- قلت: فالمرفوع باطل والصحيح أنه من الإسرائيليات.
(1) تصحف في المطبوع «خراش» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
4 في المطبوع وط «سنجاريب» والمثبت عن المخطوط والطبري.
5 في المطبوع وط «سنجاريب» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(3/113)
فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَلْ أَتَاكَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ فِيمَا
حَدَثَ فَتُخْبِرُنَا بِهِ كَيْفَ يَفْعَلُ اللَّهُ بنا
وبسنحاريب وجنوده، فقال: لم يأتني [فيهم] [1] وَحْيٌ
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
شِعْيَاءَ النَّبِيِّ أَنِ ائْتِ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
فَمُرْهُ [2] أَنْ يُوصِيَ وَصِيَّتَهُ وَيَسْتَخْلِفَ- عَلَى
مُلْكِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَأَتَى
شِعْيَاءُ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ صَدِيقَةَ فَقَالَ لَهُ:
إِنَّ رَبَّكَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُوصِيَ
وَصِيَّتَكَ وَتَسْتَخْلِفَ مَنْ شِئْتَ عَلَى مُلْكِكَ مِنْ
أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فَلَمَّا قَالَ [ذَلِكَ]
[3] شِعْيَاءُ لِصَدِيقَةَ أَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَةِ
فَصَلَّى وَدَعَا وبكى، فقال وهو يبكي ويتضرع إِلَى اللَّهِ
بِقَلْبٍ مُخْلِصٍ: اللَّهُمَّ رَبَّ الْأَرْبَابِ وَإِلَهَ
الْآلِهَةِ يَا قدوس المقتدس يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ يَا
رؤوف الَّذِي لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ اذْكُرْنِي
بِعَمَلِي وَفِعْلِي وَحُسْنِ قَضَائِي عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ كَانَ مِنْكَ وَأَنْتَ
أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، سِرِّي وَعَلَانِيَتِي لَكَ وَأَنْتَ
الرَّحْمَنُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلى شعياء [أن تخبر] [4]
صِدِّيقَةَ أَنَّ رَبَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لَهُ وَرَحِمَهُ
وَأَخَّرَ لَهُ أَجْلَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَنْجَاهُ
مِنْ عدوه سنحاريب، فَأَتَاهُ شِعْيَاءُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ
فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ ذَهَبَ عَنْهُ الْوَجَعُ
وَانْقَطَعَ عَنْهُ الْحُزْنُ، وَخَرَّ ساجدا لله، وَقَالَ:
يَا إِلَهِي وَإِلَهَ آبَائِي لَكَ سَجَدْتُ وَسَبَّحْتُ
وَكَبَّرْتُ وَعَظَّمْتُ أَنْتَ الَّذِي تُعْطِي [5] الْمُلْكَ
لِمَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تشاء بيدك الخير
عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ الْأَوَّلُ
وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَأَنْتَ تَرْحَمُ
وَتَسْتَجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّينَ، وَأَنْتَ الَّذِي
أَجَبْتَ دَعْوَتِي وَرَحِمْتَ تَضَرُّعِي، فَلَمَّا رَفَعَ
رَأْسَهُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى شِعْيَاءَ أَنْ قُلْ
لِلْمَلِكِ صَدِيقَةَ فَيَأْمُرُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ
فَيَأْتِيهِ بماء التين فيجعله في قرحته فيشفى فيصبح وَقَدْ
بَرِأَ فَفَعَلَ وَشُفِيَ، وَقَالَ الْمَلِكُ لِشِعْيَاءَ:
سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا عِلْمًا بِمَا هُوَ صَانِعٌ
بِعَدُوِّنَا هَذَا قَالَ اللَّهُ لِشِعْيَاءَ قُلْ لَهُ:
إِنِّي قَدْ كَفَيْتُكَ عَدْوَّكَ وَأَنْجَيْتُكَ مِنْهُمْ
وَإِنَّهُمْ سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريب وَخَمْسَةَ نَفَرٍ
مِنْ كُتَّابِهِ أَحَدُهُمْ بختنصر فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءَ
صَارِخٌ فَصَرَخَ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، يَا مَلِكَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كفاك عدوك فاخرج فإن سنحاريب
وَمَنْ مَعَهُ قَدْ هَلَكُوا فَلَمَّا خرج الملك التمس سنحاريب
في القتلى فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمَوْتَى فَبَعَثَ الْمَلِكُ
فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكَهُ الطَّلَبُ فِي مَغَارَةٍ وَخَمْسَةَ
نَفَرٍ مِنْ كُتَّابِهِ أَحَدُهُمْ بُخْتُنَصَّرُ
فَجَعَلُوهُمْ فِي الْجَوَامِعِ ثُمَّ أَتَوْا بِهِمْ إِلَى
مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا رَآهُمْ خرّ ساجدا لله
مِنْ حِينِ طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى [وقت] [6] العصر، ثم قال:
يا سنحاريب كَيْفَ تَرَى فِعْلَ رَبِّنَا بِكُمْ أَلَمْ
يَقْتُلْكُمْ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَنَحْنُ وأنتم غافلون
فقال سنحاريب لَهُ قَدْ أَتَانِي خَبَرُ رَبِّكُمْ وَنَصْرِهِ
إِيَّاكُمْ وَرَحْمَتِهِ الَّتِي يَرْحَمُكُمْ بِهَا قَبْلَ
أَنْ أَخْرُجَ مِنْ بِلَادِي فَلَمْ أُطِعْ مُرْشِدًا وَلَمْ
يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي، ولو سَمِعْتُ أَوْ عَقِلْتُ مَا
غَزَوْتُكُمْ فَقَالَ صَدِيقَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
العالمين [7] الذي كفاناكم كم بِمَا شَاءَ وَإِنَّ رَبَّنَا
لَمْ يُبْقِكَ وَمَنْ مَعَكَ لِكَرَامَتِكَ عَلَى رَبِّكَ،
وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَبْقَاكَ وَمَنْ مَعَكَ لِتَزْدَادُوا
شِقْوَةً فِي الدُّنْيَا وَعَذَابًا فِي الْآخِرَةِ
وَلِتُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَكُمْ بِمَا رَأَيْتُمْ مِنْ فِعْلِ
رَبِّنَا بِكُمْ فَتُنْذِرُوا مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَوْلَا
ذَلِكَ لَقَتَلَكُمْ، وَلَدَمُكَ وَلَدَمُ مَنْ مَعَكَ
أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ قُرَادٍ، لَوْ قُتِلْتَ
ثُمَّ إِنْ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَ أَمِيرَ حَرَسِهِ
فَقَذَفَ فِي رقابهم الجوامع فطافت بِهِمْ سَبْعِينَ يَوْمًا
حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِيلْيَا وَكَانَ يَرْزُقُهُمْ
كُلَّ يَوْمٍ خُبْزَتَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ لِكُلِّ رجل منهم،
فقال سنحاريب لِمَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: الْقَتْلُ خَيْرٌ
مِمَّا تَفْعَلُ بِنَا فَأَمَرَ بِهِمُ الملك إلى السجن والقتل
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى شِعْيَاءَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ
قُلْ لِمَلِكِ بَنِي إسرائيل
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «قمر» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط «تؤتي» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المخطوط «العزة» . [.....]
(3/114)
يرسل سنحاريب وَمَنْ مَعَهُ لِيُنْذِرُوا
مَنْ وَرَاءَهُمْ وَلْيُكْرِمْهُمْ وَلْيَحْمِلْهُمْ حَتَّى
يَبْلُغُوا بِلَادَهُمْ، فَبَلَّغَ شِعْيَاءُ الْمَلِكَ ذَلِكَ
فَفَعَلَ الْمَلِكُ صَدِيقَةُ مَا أُمِرَ بِهِ، فخرج سنحاريب
وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى قَدِمُوا بَابِلَ فَلَمَّا قَدِمُوا
جَمْعَ النَّاسَ فَأَخْبَرَهُمْ كَيْفَ فَعَلَ اللَّهُ
بِجُنُودِهِ، فَقَالَ لَهُ كُهَّانُهُ وَسَحَرَتُهُ: يَا
مَلِكَ بَابِلَ قَدْ كُنَّا نَقُصُّ عَلَيْكَ خَبَرَ رَبِّهِمْ
وَخَبَرَ نَبِيِّهِمْ وَوَحْيَ اللَّهِ إِلَى نَبِيِّهِمْ
فَلَمْ تُطِعْنَا [ولم تسمع قولنا] [1] وَهِيَ أُمَّةٌ لَا
يَسْتَطِيعُهَا أَحَدٌ مع ربهم وكان أمر سنحاريب تَخْوِيفًا
لَهُمْ ثُمَّ كَفَاهُمُ اللَّهُ تذكرة وعبرة، ثم لبث سنحاريب
بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ وَاسْتُخْلِفَ
بُخْتُنَصَّرُ ابْنُ ابْنِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ جَدُّهُ
يَعْمَلُ عَمَلَهُ، فَلَبِثَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ
قَبَضَ اللَّهُ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ صَدِيقَةَ، فَمَرَجَ
أَمْرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ حَتَّى
قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَنَبِيُّهُمْ شِعْيَاءُ معهم ولا
يقبلون منه [أمرا ونهيا] [2] ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ
اللَّهُ لشعياء قم في قومك حتى أُوحِي عَلَى لِسَانِكَ،
فَلَمَّا قَامَ النبي شعياء أنطق الله على لِسَانَهُ
بِالْوَحْيِ، فَقَالَ: يَا سَمَاءُ استمعي وَيَا أَرْضُ
أَنْصِتِي فَإِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يَقُصَّ شَأْنَ بَنِي
إسرائيل الذين ربّاهم بنعمته واصطفاهم لِنَفْسِهِ وَخَصَّهُمْ
بِكَرَامَتِهِ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُمْ
كَالْغَنَمِ الضَّائِعَةِ الَّتِي لَا رَاعِيَ لَهَا فَآوَى
شَارِدَتَهَا وَجَمَعَ ضَالَّتَهَا وَجَبَرَ كَسْرَهَا،
وَدَاوَى مَرِيضَهَا وَأَسْمَنَ مَهْزُولَهَا وَحَفِظَ
سَمِينَهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ بَطَرَتْ فَتَنَاطَحَتْ
كِبَاشُهَا فَقَتَلَ بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ
مِنْهَا عَظْمٌ صَحِيحٌ يُجْبَرُ إِلَيْهِ آخَرُ كَسِيرٌ،
فَوَيْلٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ الَّذِينَ [3] لَا
يدرون أين [4] جاءهم الحين أَنَّ الْبَعِيرَ مِمَّا يَذْكُرُ
وَطَنَهُ فينتابه وأن الحمار لما يَذْكُرُ الْأَرْيَ الَّذِي
شَبِعَ عَلَيْهِ فَيُرَاجِعُهُ وَأَنَّ الثَّوْرَ مِمَّا
يَذْكُرُ الْمَرْجَ الَّذِي سَمِنَ فِيهِ فَيَنْتَابُهُ
وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَا يَذْكُرُونَ مِنْ حَيْثُ
جَاءَهُمُ الْخَيْرُ وَهُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وَالْعُقُولِ،
لَيْسُوا بِبَقَرٍ وَلَا حَمِيرٍ وَإِنِّي ضَارِبٌ لَهُمْ مثلا
فليسمعوه وقل لَهُمْ كَيْفَ تَرَوْنَ فِي أَرْضٍ كانت خواء [5]
زمانا [خربة] [6] أمواتا لَا عُمْرَانَ فِيهَا، وَكَانَ لَهَا
رَبٌّ حَكِيمٌ قَوِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا بِالْعِمَارَةِ
وَكَرِهَ أَنْ تُخَرَّبَ أَرْضُهُ وَهُوَ قَوِيٌّ، أَوْ أَنْ
يُقَالَ ضَيَّعَ وَهُوَ حَكِيمٌ فَأَحَاطَ عَلَيْهَا جِدَارًا
وَشَيَّدَ فِيهَا قُصُورًا وَأَنْبَطَ نَهْرًا وَصَنَّفَ [7]
فِيهَا غِرَاسًا مِنَ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ وَالنَّخِيلِ
وَالْأَعْنَابِ وَأَلْوَانِ الثِّمَارِ كُلِّهَا وَوَلَّى
ذَلِكَ وَاسْتَحْفَظَهُ قيما ذَا رَأْيٍ وَهِمَّةٍ حَفِيظًا
قَوِيًّا أَمِينًا، فَلَمَّا أَطْلَعَتْ جَاءَ طَلْعُهَا
خُرُوبًا قَالُوا بِئْسَتِ الْأَرْضُ هَذِهِ فنرى أن يهدم
جدرانها وَقَصْرُهَا [8] وَيُدْفَنَ نَهْرُهَا وَيُقْبَضَ
قِيِّمُهَا ويحرق غراسها حَتَّى تَصِيرَ كَمَا كَانَتْ أَوَّلَ
مَرَّةٍ خَرَابًا مَوَاتًا لَا عُمْرَانَ فِيهَا، قَالَ
اللَّهُ قُلْ لَهُمْ فَإِنَّ الْجِدَارَ دِينِي وَإِنَّ
الْقَصْرَ شَرِيعَتِي وَإِنَّ النَّهْرَ كِتَابِي وَإِنَّ
الْقَيِّمَ نَبِيِّي وَإِنَّ الْغِرَاسَ هُمْ وَإِنَّ
الْخُرُوبَ الَّذِي أَطْلَعَ الْغِرَاسَ أَعْمَالُهُمُ
الْخَبِيثَةُ، وَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ عَلَيْهِمْ قَضَاءَهُمْ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبْتُهُ لَهُمْ
يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ بِذَبْحِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
وَلَيْسَ يَنَالُنِي اللَّحْمُ وَلَا آكُلُهُ وَيَدَعُونَ أَنْ
يَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِالتَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ ذَبْحِ
الْأَنْفُسِ الَّتِي حَرَّمْتُهَا فَأَيْدِيهِمْ مخضوبة منها
وثيابهم مزملة بدمائها ويشيدون لِي الْبُيُوتَ مَسَاجِدَ
وَيُطَهِّرُونَ أَجْوَافَهَا وَيُنَجِّسُونَ قُلُوبَهُمْ
وَأَجْسَادَهُمْ وَيُدَنِّسُونَهَا وَيُزَوِّقُونَ إِلَيَّ
الْمَسَاجِدَ، وَيُزَيِّنُونَهَا وَيُخَرِّبُونَ عُقُولَهُمْ
وأخلاقهم ويفسدونها فأي حجة لِي إِلَى تَشْيِيدِ الْبُيُوتِ
وَلَسْتُ أَسْكُنُهَا؟
وَأَيُّ حَاجَةٍ لِي إِلَى تَزْوِيقِ الْمَسَاجِدِ وَلَسْتُ
أَدْخُلُهَا إِنَّمَا أَمَرْتُ بِرَفْعِهَا لِأُذْكَرَ
وَأُسَبَّحَ فِيهَا، يَقُولُونَ: صُمْنَا فَلَمْ يُرْفَعْ
صِيَامُنَا وصلينا فلم يرفع تنور صلاتنا وتصدقنا فلم ترك
صدقاتنا، وَدَعَوْنَا بِمِثْلِ حَنِينِ الْحَمَامِ وَبَكَيْنَا
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «التي» .
(4) في المطبوع «أني» والمثبت عن الطبري 22059.
(5) في المطبوع «خرابا» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) عند الطبري «صف» .
(8) وقع في العبارة اضطراب ففي المخطوط «تهدم جدارنها وقصورها»
وفي المطبوع «يهدم جدرها وقصرها» والمثبت عن الطبري 22059.
(3/115)
بِمِثْلِ عُوَاءِ الذِّئَابِ فِي كُلِّ ذنب
لَا يُسْتَجَابُ لَنَا، قَالَ اللَّهُ فَاسْأَلْهُمْ مَا
الَّذِي يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْتَجِيبَ لَهُمْ أَلَسْتُ
أَسْمَعَ السَّامِعِينَ وَأَبْصَرَ النَّاظِرِينَ وَأَقْرَبَ
الْمُجِيبِينَ وَأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ؟ فَكَيْفَ أَرْفَعُ
صِيَامَهُمْ وَهُمْ يلبسونه بقولة الزُّورِ وَيَتَقَوَّوْنَ
عَلَيْهِ بِطُعْمَةِ الْحَرَامِ؟ أَمْ كَيْفَ أُنَوِّرُ
صَلَاتَهُمْ وَقُلُوبُهُمْ صَاغِيَةٌ إِلَى مَنْ يُحَارِبُنِي
وَيُحَادُّنِي وَيَنْتَهِكُ مَحَارِمِي؟ أَمْ كَيْفَ تَزَكَّى
عِنْدِي صَدَقَاتُهُمْ [وَهُمْ] [1] يَتَصَدَّقُونَ
بِأَمْوَالِ غَيْرِهِمْ إِنَّمَا آجُرُ عَلَيْهَا أَهْلَهَا
الْمَغْصُوبِينَ؟ أَمْ كَيْفَ أَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ وإنما
هو قولهم [2] بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَالْفِعْلُ مِنْ ذَلِكَ
بَعِيدٌ إِنَّمَا أَسْتَجِيبُ لِلدَّاعِي اللَّيِّنِ
وَإِنَّمَا أسمع قول المستضعف [3] الْمِسْكِينِ، وَإِنَّ مِنْ
عَلَامَةِ رِضَايَ رِضَا الْمَسَاكِينِ، يَقُولُونَ لَمَّا
سَمِعُوا كَلَامِي وَبَلَغَتْهُمْ رِسَالَتِي إِنَّهَا
أَقَاوِيلُ مَنْقُولَةٌ وَأَحَادِيثُ مُتَوَارَثَةٌ
وَتَأْلِيفٌ مِمَّا يُؤَلِّفُ السَّحَرَةُ وَالْكَهَنَةُ،
وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لو شاؤوا أَنْ يَأْتُوا بِحَدِيثٍ
مِثْلِهِ فَعَلُوا ولو شاؤوا أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى عِلْمِ
الْغَيْبِ مما يُوحِي إِلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ اطَّلَعُوا
وَإِنِّي قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض قضاء أثبته وختمته
عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُ دُونَهُ أَجَلًا مُؤَجَّلًا لَا
بُدَّ أَنَّهُ وَاقِعٌ، فَإِنْ صَدَقُوا فِيمَا يَنْتَحِلُونَ
مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ فَلْيُخْبِرُوكَ مَتَى أُنَفِّذُهُ أَوْ
فِي أَيِّ زَمَانٍ يَكُونُ وَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى
أَنْ يأتوا بما يشاؤون، فَلْيَأْتُوا بِمِثْلِ هَذِهِ
الْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا أَمْضَيْتُ فَإِنِّي مُظْهِرُهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنْ
كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يؤلفوا ما يشاؤون فليؤلفوا
مِثْلَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِهَا أُدَبِّرُ أَمْرَ ذَلِكَ
الْقَضَاءِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ، وَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ
يَوْمَ خلقت السموات وَالْأَرْضَ أَنْ أَجْعَلَ النُّبُوَّةَ
فِي الْأُجَرَاءِ، وَأَنْ أَجْعَلَ الْمُلْكَ فِي الرِّعَاءِ،
وَالْعِزَّ فِي الْأَذِلَّاءِ، وَالْقُوَّةَ فِي الضُّعَفَاءِ،
وَالْغِنَى فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْعِلْمَ فِي الْجَهَالَةِ،
وَالْحِكْمَةَ فِي الْأُمِّيِّينَ فَسَلْهُمْ مَتَى هَذَا
وَمَنِ القائم بهذا، وَمَنْ أَعْوَانُ هَذَا الْأَمْرِ
وَأَنْصَارُهُ إن كانوا يعلمون، وإني بَاعِثٌ لِذَلِكَ
نَبِيًّا أُمِّيًّا أَمِينًا ليس أعمى من عميان ولا ضالا من
ضالين لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي
الْأَسْوَاقِ، وَلَا مُتَزَيِّنٌ بِالْفُحْشِ وَلَا قَوَّالٌ
لِلْخَنَا أُسَدِّدُهُ بكل جَمِيلٍ وَأَهَبُّ لَهُ كُلَّ
خُلُقٍ كَرِيمٍ، أَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ وَالْبِرَّ
شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ وَالْحِكْمَةَ مَعْقُولَهُ،
وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ
وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ، وَالْحَقَّ
شَرِيعَتَهُ والهدى إِمَامَهُ وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ [4]
وَأَحْمَدَ اسْمَهُ، أَهْدِي بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ
وَأُعَلِّمُ بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ وَأَرْفَعُ بِهِ بَعْدَ
الْخَمَالَةِ، وَأُشْهِرُ بِهِ بَعْدَ النَّكِرَةِ وَأُكْثِرُ
بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ وَأُغْنِي بِهِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ،
وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَأُؤَلِّفُ بِهِ بين قلوب
مختلفة، وأهواء مشتتة وَأُمَمٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَأَجْعَلُ
أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ تَوْحِيدًا لِي
وإيمانا [لي] [5] وإخلاصا لي يصلون [لي] [6] قِيَامًا
وَقُعُودًا وَرُكَّعًا وَسُجُودًا، وَيُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِي صُفُوفًا وَزُحُوفًا، وَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمُ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِي أُلْهِمُهُمُ
التَّكْبِيرَ وَالتَّوْحِيدَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ
والتهليل والمدحة والتمجيد [لي] [7] في مسيرهم ومجالسهم
ومضاجعهم ومتقلبهم [8] وَمَثْوَاهُمْ، يُكَبِّرُونَ
وَيُهَلِّلُونَ وَيُقَدِّسُونَ عَلَى رؤوس الْأَشْرَافِ
وَيُطَهِّرُونَ لِي الْوُجُوهَ وَالْأَطْرَافَ ويعقدون الثياب
على الأنصاف،
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «قول» .
(3) في المطبوع «المستعفف» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(4) زيد في المطبوع «والحمد دينه» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط. [.....]
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) تصحف في المطبوع «ومعاقبهم» .
(3/116)
قربانهم دماهم وَأَنَاجِيلُهُمْ فِي
صُدُورِهِمْ رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ ليوث بالنهار، وذلك فَضْلِي
أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ وَأَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ،
فَلَمَّا فَرَغَ شِعْيَاءُ مِنْ مَقَالَتِهِ عَدَوْا عَلَيْهِ
لِيَقْتُلُوهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ، فَلَقِيَتْهُ شَجَرَةٌ
فَانْفَلَقَتْ لَهُ فَدَخَلَ فِيهَا فَأَدْرَكَهُ الشَّيْطَانُ
فَأَخَذَ بِهُدْبَةٍ مِنْ ثَوْبِهِ فَأَرَاهُمْ إِيَّاهَا
فَوَضَعُوا الْمِنْشَارَ فِي وَسَطِهَا فَنَشَرُوهَا حَتَّى
قَطَعُوهَا وَقَطَعُوهُ في وسطها، واستحلف اللَّهُ عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ
نَاشِيَةُ بْنُ أَمُوصَ، وَبَعَثَ لَهُمْ أَرْمِيَاءَ بْنَ
حَلْقِيَا نَبِيًّا وَكَانَ مِنْ سِبْطِ هَارُونَ بْنِ
عِمْرَانَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ الْخَضِرُ وَاسْمُهُ
أَرْمِيَاءُ سُمِّيَ الْخَضِرَ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى
فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَقَامَ عَنْهَا وَهِيَ تَهْتَزُّ
خَضْرَاءَ، فَبَعَثَ اللَّهُ أَرْمِيَاءَ إِلَى ذَلِكَ
الْمَلِكِ يسدده [1] وَيُرْشِدَهُ ثُمَّ عَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ
فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَرَكِبُوا الْمَعَاصِيَ
وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى
أَرْمِيَاءَ أَنِ ائْتِ قَوْمَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
فَاقْصُصْ عَلَيْهِمْ مَا آمُرُكَ بِهِ وَذَكِّرْهُمْ
نِعْمَتِي وَعَرِّفْهُمْ بِأَحْدَاثِهِمْ، فَقَالَ
أَرْمِيَاءُ: يَا رَبِّ إِنِّي ضَعِيفٌ إِنْ لَمْ تُقَوِّنِي
عَاجِزٌ إِنْ لَمْ تُبَلِّغْنِي، مَخْذُولٌ إِنْ لَمْ
تَنْصُرْنِي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أو لم تَعْلَمْ أَنَّ
الْأُمُورَ كُلَّهَا تَصْدُرُ عَنْ مَشِيئَتِي، وَأَنَّ
الْقُلُوبَ وَالْأَلْسِنَةَ بِيَدِي أُقَلِّبُهَا كَيْفَ
شِئْتُ، إِنِّي مَعَكَ وَلَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ شَيْءٌ مَعِي،
فَقَامَ أَرْمِيَاءُ فِيهِمْ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ
فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَقْتِ خُطْبَةً
بليغة بَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا ثَوَابَ الطَّاعَةِ وَعِقَابَ
الْمَعْصِيَةِ، وَقَالَ فِي آخِرِهَا [أقول] [2] عَنِ اللَّهِ
تَعَالَى: وَإِنِّي حَلَفْتُ بِعِزَّتِي لَأُقَيِّضَنَّ لَهُمْ
فِتْنَةً يَتَحَيَّرُ فِيهَا الْحَلِيمُ وَلَأُسَلِّطَنَّ
عَلَيْهِمْ جَبَّارًا قَاسِيًا أُلْبِسُهُ الْهَيْبَةَ،
وَأَنْزَعُ مِنْ صَدْرِهِ الرَّحْمَةَ يَتْبَعُهُ عَدَدٌ
مِثْلُ سَوَادِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ
إِلَى إِرْمِيَاءَ:
إِنِّي مَهْلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِيَافِثَ، وَيَافِثُ مِنْ
أَهْلِ بَابِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ،
فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ فَخَرَجَ فِي
سِتِّمِائَةِ أَلْفِ رَايَةً، وَدَخْلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ
بِجُنُودِهِ وَوَطِئَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
حَتَّى أَفْنَاهُمْ وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأَمَرَ
جُنُودَهُ أَنْ يَمْلَأَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ تُرْسَهُ
تُرَابًا ثم يقذفوه فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ
حَتَّى مَلَأُوهُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا مَنْ فِي
بُلْدَانِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كُلَّهُمْ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ
كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاخْتَارَ
مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفَ صَبِيٍّ فَلَمَّا خَرَجَتْ
غَنَائِمُ جُنْدِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَهَا فِيهِمْ
قَالَتْ لَهُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ: أَيُّهَا
الْمَلِكُ لَكَ غَنَائِمُنَا كُلُّهَا وَاقْسِمْ بَيْنَنَا
هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانَ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ، فَقَسَّمَهُمْ بَيْنَ الملوك الذي كَانُوا
مَعَهُ فَأَصَابَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ غِلْمَانَ،
وَفَرَّقَ مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَ
فِرَقٍ، فَثُلُثًا أَقَرَّ بِالشَّامِ، وَثُلُثًا سَبَى
وَثُلُثَا قَتَلَ وَذَهَبَ بِنَاشِئَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَبِالصِّبْيَانِ السَّبْعِينَ الْأَلْفَ حَتَّى أَقْدَمَهُمْ
بَابِلَ فَكَانَتْ هَذِهِ الواقعة الْأُولَى الَّتِي أَنْزَلَ
اللَّهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِظُلْمِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ
عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الإسراء: 5] يَعْنِي:
بُخْتُنَصَّرَ وَأَصْحَابَهُ، ثُمَّ إِنَّ بُخْتُنَصَّرَ
أَقَامَ فِي سُلْطَانِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ رَأَى
رُؤْيَا أعجبته [وكان] [3] إذا رَأَى شَيْئًا أَصَابَهُ
فَأَنْسَاهُ اللَّهُ الَّذِي رَأَى فَدَعَا دَانْيَالَ
وَحَنَانْيَا وَعَزَازْيَا وَمِيشَائِيلَ، وَكَانُوا مِنْ
ذَرَارِي الأنبياء وسألهم عنه فجاؤوه فقالوا: أَخْبِرْنَا
بِهَا نُخْبِرْكَ بِتَأْوِيلِهَا، قَالَ: ما أذكرها ولئن لم
تخروني بها وبتأويلها لأنزعنّ [رؤوسكم عن] [4] أَكْتَافَكُمْ
فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ فَدَعَوُا الله وتضرعوا إليه فأعلمهم
الله بالذي رأى وسألهم عنه فجاؤوه وَقَالُوا: رَأَيْتَ
تِمْثَالًا قَدَمَاهُ وَسَاقَاهُ مِنْ فَخَّارٍ وَرُكْبَتَاهُ
وَفَخِذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ، وَبَطْنَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَصَدْرَهُ
مِنْ ذَهَبٍ وَرَأَسَهُ وَعُنُقَهُ مِنْ حَدِيدٍ، قَالَ:
صَدَقْتُمْ، قَالُوا: فَبَيْنَمَا أَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ
وَقَدْ أَعْجَبَكَ [5] أرسل الله تعالى
__________
(1) في المطبوع «ليسدده» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع وط «إذ» وما بين الحاصرتين زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «أعجبتك» .
(3/117)
صَخْرَةً مِنَ السَّمَاءِ فَدَقَّتْهُ
فَهِيَ الَّتِي أَنْسَتْكَهَا، قَالَ: صَدَقْتُمْ، قَالَ:
فَمَا تَأْوِيلُهَا؟ قَالُوا: تَأْوِيلُهَا أَنَّكَ رَأَيْتَ
[1] مُلْكَ الْمُلُوكِ، فَبَعْضُهُمْ كَانَ أَلْيَنَ مُلْكًا
وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَحْسَنَ ملكا وبعضهم كان أشبه مُلْكًا،
الْفَخَّارُ أَضْعَفُهُ، ثُمَّ فَوْقَهُ النُّحَاسُ أَشَدُّ
مِنْهُ، ثُمَّ فَوْقَ النُّحَاسِ الْفِضَّةُ أَحْسَنُ مِنْ
ذَلِكَ وَأَفْضَلُ، وَالذَّهَبُ أَحْسَنُ مِنَ الْفِضَّةِ
وَأَفْضَلُ، ثُمَّ الْحَدِيدُ مُلْكُكَ فَهُوَ أَشَدُّ
وَأَعَزُّ مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ، وَالصَّخْرَةُ الَّتِي
رَأَيْتَ أَرْسَلَ اللَّهُ من السماء فدقته [هو] [2] نَبِيٌّ
يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ فيدق الملوك [3] أَجْمَعَ
وَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ بَابِلَ
قَالُوا لَبُخْتُنَصَّرَ: أَرَأَيْتَ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانَ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كُنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ
تُعْطِينَاهُمْ فَفَعَلْتَ، فَإِنَّا قَدْ أَنْكَرْنَا
نِسَاءَنَا مُنْذُ كَانُوا مَعَنَا، لَقَدْ رَأَيْنَا
نِسَاءَنَا انْصَرَفَتْ عَنَّا وُجُوهُهُنَّ إِلَيْهِمْ
فَأَخْرِجْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا أَوِ اقْتُلْهُمْ،
قَالَ: شَأْنَكُمْ بِهِمْ، فَمَنْ أَحَبِّ مِنْكُمْ أَنْ
يَقْتُلَ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَلْيَفْعَلْ ذلك، فَلَمَّا
قَرَّبُوهُمْ لِلْقَتْلِ بَكَوْا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالُوا: يَا رَبُّ أَصَابَنَا الْبَلَاءُ بِذُنُوبِ
غَيْرِنَا فَوَعَدَ اللَّهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ، فَقُتِلُوا
إِلَّا مَنِ اسْتَبْقَى بُخْتُنَصَّرُ مِنْهُمْ دَانْيَالُ
وَحَنَانْيَا وَعَزَازْيَا وَمِيشَائِيلُ، ثُمَّ لَمَّا
أَرَادَ اللَّهُ هَلَاكَ بُخْتُنَصَّرَ انْبَعَثَ وتيقظ
فَقَالَ لِمَنْ فِي يَدِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَرَأَيْتُمْ هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي خَرَّبْتُهُ وَالنَّاسَ
الَّذِينَ [قَتَلْتُ من هم] [4] ؟ وَمَا هَذَا الْبَيْتُ؟
قَالُوا: هَذَا بَيْتُ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُهُ كَانُوا
مِنْ ذَرَارِي الْأَنْبِيَاءِ فَظَلَمُوا وَتَعَدُّوا
فَسُلِّطْتَ عَلَيْهِمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَكَانَ رَبُّهُمْ
رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ
يُكْرِمُهُمْ وَيُعِزُّهُمْ، فَلَمَّا فَعَلُوا مَا فَعَلُوا
أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ،
فَاسْتَكْبَرَ وَظَنَّ أَنَّهُ بِجَبَرُوتِهِ فَعَلَ ذَلِكَ
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي كَيْفَ لِي أَنْ
أَطَّلِعَ إِلَى السَّمَاءِ الْعُلْيَا فَأَقْتُلَ مَنْ فِيهَا
وَأَتَّخِذَهَا مُلْكًا لِي فإني قد فرغت من [ملوك] [5]
الْأَرْضِ، قَالُوا: مَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ
الْخَلَائِقِ، قَالَ: لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكُمْ
عَنْ آخِرِكُمْ، فَبَكَوْا وَتَضَرَّعُوا إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقُدْرَتِهِ بَعُوضَةً
فَدَخَلَتْ مَنْخَرَهُ حَتَّى عَضَّتْ بِأُمِّ دِمَاغِهِ،
فَمَا كَانَ يَقَرُّ وَلَا يَسْكُنُ حَتَّى يُوجَأَ لَهُ
رَأْسُهُ عَلَى أُمِّ دِمَاغِهِ، فَلَمَّا مَاتَ شَقُّوا
رَأْسَهُ فَوَجَدُوا الْبَعُوضَةَ عَاضَّةً عَلَى أُمِّ
دِمَاغِهِ لِيُرِيَ اللَّهُ الْعِبَادَ قدرته وينجي اللَّهُ
مَنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي يَدَيْهِ،
فَرَدُّوهُمْ إِلَى الشَّامِ فَبَنَوْا فِيهِ وَكَثُرُوا
حَتَّى كَانُوا عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَا أُولَئِكَ
الَّذِينَ قُتِلُوا فَلَحِقُوا بِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَمَّا
دَخَلُوا الشَّامَ دَخَلُوهَا وَلَيْسَ مَعَهُمْ عَهْدٌ مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَتِ التَّوْرَاةُ قد أحرقت، وكان عزيز
مِنَ السَّبَايَا الَّذِينَ كَانُوا بِبَابِلَ فَرَجَعَ إِلَى
الشَّامِ يَبْكِي عَلَيْهَا ليلا ونهارا وقد خرج من الناس
[واعتزلهم فبينما] [6] هو كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ
رَجُلٌ فقال:
يا عزيز مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ
وَعَهْدِهِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا الَّذِي لَا
يُصْلِحُ أمر دُنْيَانَا وَآخِرَتَنَا غَيْرُهُ، قَالَ:
أَفَتُحِبُّ أن يرده إليك؟ قال: ارْجِعْ فَصُمْ وَتَطَهَّرْ
وَطَّهِرْ ثِيَابَكَ ثُمَّ مَوْعِدُكَ هَذَا الْمَكَانُ غَدًا،
فَرَجَعَ عُزَيْرٌ فَصَامَ وَتَطَهَّرَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ
ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَعَدَهُ فَجَلَسَ
فِيهِ فَأَتَاهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ،
وَكَانَ مَلَكًا بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فَسَقَاهُ مِنْ
ذَلِكَ الْإِنَاءِ، فَمَثَلَتِ التَّوْرَاةُ فِي صَدْرِهِ
فَرَجَعَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَوَضَعَ لَهُمُ
التَّوْرَاةَ فَأَحَبُّوهُ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا حُبَّهُ
شَيْئًا قَطُّ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ وَجَعَلَتْ بَنُو
إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ يُحْدِثُونَ الْأَحْدَاثَ
وَيَعُودُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَيَبْعَثُ فِيهِمُ الرُّسُلَ،
فَفَرِيقًا يُكَذِّبُونَ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ حَتَّى كَانَ
آخِرُ
__________
(1) في المخطوط «أورثت» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط وط «ذلك» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/118)
مَنْ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنْ أنبيائهم
زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى [عَلَيْهِمُ السَّلَامُ] [1] ،
وَكَانُوا مِنْ بَيْتِ آلِ دَاوُدَ، فَمَاتَ زَكَرِيَّا
وَقِيلَ [2] قُتِلَ زَكَرِيَّا [3] فَلَمَّا رَفَعَ اللَّهُ
عِيسَى مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَقَتَلُوا يَحْيَى بَعْثَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَابِلَ يُقَالُ لَهُ
خَرْدُوشُ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بِأَهْلِ بَابِلَ حَتَّى دَخَلَ
عَلَيْهِمُ الشَّامَ فَلَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أمر رأسا من
رؤوس جنوده يدعى بيورزاذان صاحب الفيل، فقال: إني كُنْتُ
حَلَفْتُ بِإِلَهِي لَئِنْ أَنَا ظَفِرْتُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ لَأَقْتُلَنَّهُمْ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُهُمْ فِي
وَسَطِ عَسْكَرِي، إِلَّا أَنِّي لَا أَجِدُ أَحَدًا
أَقْتُلُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ حَتَّى بَلَغَ
ذَلِكَ مِنْهُمْ ببيورزاذان، وَدَخْلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ
فَقَامَ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي كَانُوا يُقَرِّبُونَ فِيهَا
قُرْبَانَهُمْ فَوَجَدَ فِيهَا دَمًا يَغْلِي فسألهم عنه،
فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا شَأْنُ هَذَا الدَّمِ
يَغْلِي؟ أَخْبِرُونِي خَبَرَهُ، قَالُوا: هَذَا دَمُ
قُرْبَانٍ لَنَا قَرَّبْنَاهُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنَّا فلذلك
يغلي، ولقد قربناه منذ ثمانمائة سنة والقربان يتقبل مِنَّا
إِلَّا هَذَا، فَقَالَ: مَا صَدَقْتُمُونِي، فَقَالُوا: لَوْ
كَانَ كَأَوَّلِ زَمَانِنَا لَتُقُبِّلَ مِنَّا وَلَكِنْ قَدِ
انْقَطَعَ مِنَّا الْمُلْكُ وَالنُّبُوَّةُ وَالْوَحْيُ
فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنَّا، فَذَبَحَ مِنْهُمْ
بِيُورْزَاذَانُ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِ سبعمائة وسبعين رجلا من
رؤوسهم، فلم يهدأ [غليانه] [4] فَأَمَرَ [فَأُتِيَ] [5]
بِسَبْعِمِائَةِ غُلَامٍ مِنْ غِلْمَانِهِمْ فَذَبَحَهُمْ
عَلَى الدَّمِ فَلَمْ يَهْدَأْ فَأَمَرَ بِسَبْعَةِ آلَافٍ
مِنْ شِيبِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ فَذَبَحَهُمْ عَلَى الدَّمِ،
فلم يهدأ فَلَمَّا رَأَى بِيُورْزَاذَانُ الدَّمَ لَا يَهْدَأُ
قَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيْلَكُمُ اصْدُقُونِي
وَاصْبِرُوا عَلَى أَمْرِ رَبِّكُمْ فَقَدْ طَالَ مَا
مَلَكْتُمْ فِي الْأَرْضِ تَفْعَلُونَ فِيهَا مَا شِئْتُمْ
قَبْلَ أَنْ لَا أَتْرُكَ مِنْكُمْ نَافِخُ نَارٍ أُنْثَى
وَلَا ذَكَرَ إِلَّا قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا رأوا الجهد منه
وَشِدَّةَ الْقَتْلِ صَدَقُوا الْخَبَرَ، فَقَالُوا: إِنَّ
هَذَا الدَّمَ دَمُ نَبِيٍّ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ أُمُورٍ
كَثِيرَةٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ فَلَوْ أَنَّا أَطَعْنَاهُ
فِيهَا لَكَانَ أَرْشَدَ لَنَا وَكَانَ يُخْبِرُنَا
بِأَمْرِكُمْ فَلَمْ نُصَدِّقْهُ، فَقَتَلْنَاهُ فَهَذَا
دَمُهُ، فَقَالَ لَهُمْ بِيُورْزَاذَانُ: مَا كَانَ اسْمُهُ؟
قَالُوا: يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ الْآنَ صدقتموني،
بمثل هَذَا انْتَقَمَ رَبُّكُمْ مِنْكُمْ، فَلَمَّا رَأَى
بِيُورْزَاذَانُ أَنَّهُمْ صَدَقُوهُ خَرَّ سَاجِدًا وَقَالَ
لِمَنْ حَوْلَهُ:
أَغْلِقُوا أَبْوَابَ الْمَدِينَةِ وَأَخْرِجُوا مَنْ كَانَ
هَاهُنَا مِنْ جَيْشِ خَرْدُوشَ، وَخَلَا فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ [ثُمَّ] قَالَ:
يَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا قَدْ عَلِمَ رَبِّي وَرَبُّكَ مَا
قَدْ أَصَابَ قَوْمَكَ مِنْ أَجْلِكَ وَمَا قُتِلَ مِنْهُمْ
فَاهْدَأْ بِإِذْنِ رَبِّكَ قَبْلَ أَنْ لَا أُبْقِيَ مِنْ
قَوْمِكَ أَحَدًا فَهَدَأَ الدَّمُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَرَفَعَ
بِيُورْزَاذَانُ عَنْهُمُ الْقَتْلَ وقال: آمنت بالذي آمَنَتْ
بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَيْقَنْتُ أَنَّهُ لَا رَبَّ
غَيْرُهُ، وَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ خَرْدُوشَ
أَمَرَنِي أَنْ أَقْتُلَ مِنْكُمْ حَتَّى تَسِيلَ دِمَاؤُكُمْ
وَسَطَ عَسْكَرِهِ، وَإِنِّي لَسْتُ أستطيع أن أعصيه، فقالوا
لَهُ افْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ فَأَمَرَهُمْ فَحَفَرُوا
خَنْدَقًا وَأَمَرَ بِأَمْوَالِهِمْ مِنَ الْخَيْلِ
وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
وَالْغَنَمِ فَذَبَحَهَا حَتَّى سَالَ الدَّمُ فِي الْعَسْكَرِ
وَأَمَرَ بِالْقَتْلَى الَّذِينَ قُتِلُوا قَبْلَ ذَلِكَ
فَطُرِحُوا عَلَى مَا قَتَلَ مِنْ مَوَاشِيهِمْ فَلَمْ يَظُنَّ
خُرْدَوْشُ إِلَّا أَنَّ ما في الخندق [جميعه] [6] مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا بَلَغَ الدَّمُ عَسْكَرَهُ أَرْسَلَ
إِلَى بِيُورْزَاذَانَ أَنِ ارْفَعْ عَنْهُمُ الْقَتْلَ، ثُمَّ
انْصَرَفَ إِلَى بَابِلَ، وَقَدْ أَفْنَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَوْ كَادَ أَنْ يفنيهم، وهي الواقعة الْأَخِيرَةُ الَّتِي
أَنْزَلَ اللَّهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، فكانت الواقعة
الْأَوْلَى بُخْتُنَصَّرَ وَجُنُودَهُ، وَالْأُخْرَى
خُرْدَوْشَ وَجُنُودَهُ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ الْوَقْعَتَيْنِ
فَلَمْ يقم لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ رَايَةٌ وَانْتَقَلَ
الْمُلْكُ بِالشَّامِ وَنَوَاحِيَهَا إِلَى الرُّومِ اليونانية
__________
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) في المخطوط «وقد» .
(3) في المخطوط «يحيى» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/119)
إلا أن بقايا بَنِي إِسْرَائِيلَ كَثُرُوا،
وَكَانَتْ لَهُمُ الرِّيَاسَةُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَنَوَاحِيَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُلْكِ، وَكَانُوا فِي
نِعْمَةٍ إِلَى أَنْ بَدَّلُوا وَأَحْدَثُوا الأحداث فسلط الله
عليهم طيطوس بن سبيانوس [1] الرُّومِيَّ، فَأَخْرَبَ
بِلَادَهُمْ وَطَرَدَهُمْ عَنْهَا وَنَزَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ
الْمُلْكَ وَالرِّيَاسَةَ وضربت عليهم الذلة فلا يبقى أحد منهم
إلا وعليه الصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ، وَبَقِيَ بَيْتُ
الْمَقْدِسِ خَرَابًا إِلَى أَيَّامِ [2] عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَعَمَّرَهُ الْمُسْلِمُونَ بِأَمْرِهِ. وَقَالَ
قَتَادَةُ:
بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جَالُوتَ فِي الْأُولَى فَسَبَى
وَقَتَلَ وَخَرَّبَ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ
عَلَيْهِمْ [الإسراء: 6] يَعْنِي فِي زَمَانِ دَاوُدَ، فَإِذَا
جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
بُخْتُنَصَّرَ فَسَبَى وَخَرَّبَ، ثُمَّ قَالَ: عَسى رَبُّكُمْ
أَنْ يَرْحَمَكُمْ [الإسراء: 8] فَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
بِالرَّحْمَةِ ثُمَّ عَادَ الْقَوْمُ بِشَرِّ مَا
بِحَضْرَتِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ مِنْ
نِقْمَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ
الْعَرَبَ كَمَا قَالَ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ
لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ
يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ [الأعراف: 167] ، فَهُمْ فِي
الْعَذَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَكَرَ السُّدِّيُّ
بِإِسْنَادِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَأَى
فِي النَّوْمِ أَنَّ خَرَابَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى يَدَيْ
غُلَامٍ يَتِيمٍ ابْنِ أَرْمَلَةٍ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ،
يُدْعَى بُخْتُنَصَّرَ وَكَانُوا يَصْدُقُونَ فَتَصْدُقُ
رُؤْيَاهُمْ، فَأَقْبَلَ لِيَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ
عَلَى أُمِّهِ وَهُوَ يَحْتَطِبُ فَجَاءَ وَعَلَى رَأْسِهِ
حُزْمَةُ حَطَبٍ فَأَلْقَاهَا ثُمَّ قَعَدَ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ
أَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ: اشْتَرِ بِهَذَا
طَعَامًا وَشَرَابًا، فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ لَحْمًا
وَبِدِرْهَمٍ خُبْزًا وَبِدِرْهَمٍ خَمْرًا، فَأَكَلُوا
وَشَرِبُوا وَفَعَلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ وَفِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ
أَنْ تَكْتُبَ لِي أَمَانًا إِنْ أنت ملكت يوما في الدهر [وصرت
من ملوك الأرض] [3] ، فقال [له] أتسخر مِنِّي؟ فَقَالَ: إِنِّي
لَا أَسْخَرُ مِنْكَ وَلَكِنْ مَا عَلَيْكَ أَنْ تَتَّخِذَ
بِهَا عِنْدِي يَدًا، فَكَتَبَ لَهُ أَمَانَا وَقَالَ:
أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَالنَّاسُ حَوْلَكَ قَدْ حَالُوا
بَيْنِي وَبَيْنَكَ، قَالَ: تَرْفَعُ صَحِيفَتَكَ عَلَى
قَصَبَةٍ فَأَعْرِفُكَ، فَكَتَبَ لَهُ وَأَعْطَاهُ، ثُمَّ
إِنَّ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يُكْرِمُ يَحْيَى بْنَ
زَكَرِيَّا وَيُدْنِي مَجْلِسَهُ وَأَنَّهُ هَوِيَ بنت [4]
امْرَأَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ابْنَةَ أُخْتِهِ [5] ،
فَسَأَلَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَنْ تَزْوِيجِهَا فَنَهَاهُ
عَنْ نِكَاحِهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ أُمَّهَا فَحَقَدَتْ [6]
عَلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَعَمَدَتْ حِينَ جَلَسَ
الْمَلِكُ عَلَى شَرَابِهِ فَأَلْبَسَتْهَا ثِيَابًا رِقَاقًا
حُمْرًا وَطَيَّبَتْهَا وَأَلْبَسَتْهَا الْحُلِيَّ
وَأَرْسَلَتْهَا إِلَى الْمَلِكِ وَأَمَرَتْهَا أن تسقيه
الخمر، فَإِنْ أَرَادَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَبَتْ عَلَيْهِ
حَتَّى يُعْطِيَهَا مَا سَأَلَتْهُ، فَإِذَا أَعْطَاهَا
سَأَلَتْ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أَنْ يُؤْتَى بِهِ في
طست ففعلت ذلك، فَلَمَّا أَرَادَهَا قَالَتْ: لَا أَفْعَلُ
حَتَّى تُعْطِيَنِي مَا أَسْأَلُكَ، قَالَ: فما تَسْأَلِينِي؟
قَالَتْ: رَأَسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أَنْ يُؤْتَى بِهِ
فِي هَذَا الطَّسْتِ، فَقَالَ: وَيْحَكِ سَلِينِي [شيئا] [7]
غَيْرَ هَذَا، فَقَالَتْ: مَا أُرِيدُ إِلَّا هَذَا فَلَمَّا
أَبَتْ عَلَيْهِ [هاجت شهوته وهو في خمرته] [8] فبعث فَأُتِيَ
بِرَأْسِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يديه والرأس يتكلم، يقول: ويل
لك لا تحل لك ويكرر ذلك، فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا دَمُهُ
يَغْلِي فَأَمَرَ بِتُرَابٍ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ فَرَقَى
الدَّمُ يَعْنِي صَعِدَ الدَّمُ يَغْلِي، وَيُلْقِي عَلَيْهِ
[مِنَ] التُّرَابِ حَتَّى بَلَغَ سُورَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ
فِي ذَلِكَ يَغْلِي فَبَعَثَ صَخَابِينُ مَلِكُ بَابِلَ
جَيْشًا إِلَيْهِمْ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرَ،
فَسَارَ بُخْتُنَصَّرَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى بلغوا ذلك المكان
فلما سمعوا به تَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي مَدَائِنِهِمْ، فَلَمَّا
اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْمَقَامُ أَرَادَ الرُّجُوعَ فَخَرَجَتْ
إِلَيْهِ عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزَ بَنِي إِسْرَائِيلَ،
فَقَالَتْ: تُرِيدُ أَنْ ترجع قبل فتح الْمَدِينَةِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَدْ طَالَ مَقَامِي وَجَاعَ أَصْحَابِي، قَالَتْ:
أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحْتُ لَكَ الْمَدِينَةَ تُعْطِينِي مَا
أَسْأَلُكَ فَتَقْتُلُ مَنْ أَمَرْتُكَ بقتله وتكف إذ
أَمَرْتُكَ أَنْ تَكُفَّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قالت: إذا أصبحت
__________
(1) في المطبوع «السطيانوس» .
(2) في المطبوع وط «خلافة» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «هو ابنة» .
(5) في المطبوع «أخيه» .
(6) في المطبوع «فحدقت» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(3/120)
تُقَسِّمُ جُنْدَكَ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ
ثُمَّ أَقِمْ عَلَى كُلِّ زَاوِيَةٍ رُبْعًا ثُمَّ ارْفَعُوا
أَيْدِيَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ فنادوا [اللهم] [1] إِنَّا
نَسْتَفْتِحُكَ يَا أَللَّهُ بِدَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا
فَإِنَّهَا سَوْفَ تَتَسَاقَطُ، فَفَعَلُوا فَتَسَاقَطَتِ
الْمَدِينَةُ وَدَخَلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا، فَقَالَتْ: كُفَّ
يَدَكَ وَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى دَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا
وَقَالَتِ: اقْتُلْ عَلَى هَذَا الدَّمِ حَتَّى يَسْكُنَ
فَقَتَلَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفًا حَتَّى سَكَنَ، فلما سكن
قالت: كف الآن يَدَكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ إِذَا
قُتِلَ نَبِيٌّ حَتَّى يُقْتَلَ مَنْ قَتَلَهُ وَمَنْ رَضِيَ
بِقَتْلِهِ، فأتاه صَاحِبُ الصَّحِيفَةِ بِصَحِيفَتِهِ فَكَفَّ
عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ
وَطَرَحَ فِيهِ الْجِيَفَ وَأَعَانَهُ عَلَى خَرَابِهِ
الرُّومُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا
يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَذَهَبَ مَعَهُ بِوُجُوهِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ وَذَهَبَ بِدَانْيَالَ وَقَوْمٍ مِنْ أَوْلَادِ
الْأَنْبِيَاءِ وَذَهَبَ مَعَهُ بِرَأْسِ جَالُوتَ، فَلَمَّا
قَدِمَ بَابِلَ وَجَدَ صَخَابِينَ قَدْ مَاتَ فَمَلَكَ [2]
مَكَانَهُ، وَكَانَ أَكْرَمَ النَّاسِ عِنْدَهُ دَانْيَالُ
وَأَصْحَابُهُ فَحَسَدَهُمُ الْمَجُوسُ وَوَشَوْا بهم إليهم
وقالوا له: إِنَّ دَانْيَالَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَعْبُدُونَ
إِلَهَكَ وَلَا يَأْكُلُونَ ذَبِيحَتَكَ، فَسَأَلَهُمْ
فَقَالُوا: أَجَلْ [إِنَّ] [3] لَنَا رَبًّا نَعْبُدُهُ
وَلَسْنَا نَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِكُمْ، فَأَمَرَ الْمَلِكُ
بِخَدٍّ فَخُدَّ لَهُمْ فَأُلْقُوا فِيهِ وَهُمْ سِتَّةٌ
وَأَلْقَى مَعَهُمْ بِسَبْعٍ ضَارٍ لِيَأْكُلَهُمْ، فَذَهَبُوا
ثم راحوا فوجدوه جُلُوسًا وَالسَّبْعُ مُفْتَرِشٌ ذِرَاعَيْهِ
مَعَهُمْ لَمْ يَخْدِشْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَوَجَدُوا مَعَهُمْ
رَجُلًا سَابِعًا، فَقَالَ: مَا [كان] [4] هَذَا السَّابِعُ
إِنَّمَا كَانُوا سِتَّةً فَخَرَجَ السَّابِعُ وَكَانَ مَلَكًا
فَلَطَمَهُ لطمة فصار في صورة الوحش وَمَسَخَهُ اللَّهُ سَبْعَ
سِنِينَ.
وَذَكَرَ وَهْبٌ: أَنَّ اللَّهَ مَسَخَ بُخْتُنَصَّرَ نسرا في
الطيور ثُمَّ مَسَخَهُ ثَوْرًا فِي الدَّوَابِّ ثُمَّ مَسَخَهُ
أَسَدًا فِي الْوُحُوشِ، فَكَانَ مَسْخُهُ سَبْعَ سِنِينَ
وَقَلْبُهُ فِي ذَلِكَ قَلْبُ إِنْسَانٍ، ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ
إِلَيْهِ مُلْكَهُ فَآمَنَ. فَسُئِلَ وَهْبٌ أَكَانَ
مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ: وَجَدْتُ أَهْلَ الْكِتَابِ اخْتَلَفُوا
فِيهِ فمنهم من قال مات مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
أَحْرَقَ بيت الله وَكُتُبَهُ وَقَتَلَ الْأَنْبِيَاءَ
فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْ تَوْبَتَهُ.
وَقَالَ السدي: إِنَّ بُخْتُنَصَّرَ [لَمَّا] [5] رَجَعَ إِلَى
صُورَتِهِ بَعْدَ الْمَسْخِ وَرَدَّ اللَّهُ إليه ملكه وكان
دَانْيَالُ وَأَصْحَابُهُ أَكْرَمَ النَّاسِ عَلَيْهِ
فَحَسَدَهُمُ الْمَجُوسُ، وَقَالُوا لِبُخْتُنَصَّرَ: إِنَّ
دَانْيَالَ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ
أَنْ يَبُولَ وَكَانَ ذَلِكَ فِيهِمْ عَارًا فَجَعَلَ لَهُمْ
طَعَامًا وَشَرَابًا فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، وَقَالَ
لِلْبَوَّابِ انْظُرْ أَوَّلَ مَنْ يَخْرُجُ لِيَبُولَ
فَاضْرِبْهُ بِالطَّبْرَزِينَ فَإِنْ قَالَ [لك] [6] أَنَا
بُخْتُنَصَّرُ فَقُلْ كَذَبْتَ بُخْتُنَصَّرُ أمرني بذلك،
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَامَ لِلْبَوْلِ بُخْتُنَصَّرُ فَلَمَّا
رَآهُ الْبَوَّابُ شَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
وَيْحَكَ أَنَا بُخْتُنَصَّرُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ
بُخْتُنَصَّرُ أَمَرَنِي فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، هَذَا مَا
ذَكَرَهُ فِي «الْمُبْتَدَأِ» ، إِلَّا أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ
رَوَى أَنَّ بُخْتُنَصَّرَ غَزَا بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ
قَتْلِهِمْ شِعْيَاءَ فِي عَهْدِ أَرْمِيَاءَ، وَمِنْ وَقْتِ
أَرْمِيَاءَ وَتَخْرِيبِ بُخْتُنَصَّرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ
إِلَى مَوْلِدِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أَرْبَعُمِائَةٍ
وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا
يُعِدُّونَ مِنْ لَدُنْ تَخْرِيبِ بُخْتُنَصَّرَ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ إِلَى حِينِ عمارته في عهد كيوس بن أخشورش بن
أصبهبد بِبَابِلَ مِنْ قِبَلِ بَهْمَنَ بْنِ إِسْفَنْدِيَارَ
سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ عِمَارَتِهِ إِلَى
ظُهُورِ الْإِسْكَنْدَرِ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَمَانٍ
وَثَمَانُونَ سَنَةً، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَمْلَكَتِهِ التي قتل
يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً.
وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
[7] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ
فِي الْكِتابِ أَيْ: أَعْلَمْنَاهُمْ وأخبرناهم فيما آتيناهم
من
__________
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) في المطبوع «فتملك» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) هذه الآثار من الإسرائيليات.
(3/121)
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي
بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا
مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ
أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ
وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا
الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا
مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
الكتاب [1] أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ،
وَالْقَضَاءُ عَلَى وُجُوهٍ يَكُونُ أَمْرًا كَقَوْلِهِ:
وَقَضى رَبُّكَ [الْإِسْرَاءِ: 23] ، وَيَكُونُ حُكْمًا
كَقَوْلِهِ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ [يونس: 93]
وَيَكُونُ خَلْقًا كَقَوْلِهِ: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ
[فُصِّلَتْ: 12] ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقتادة: يعني وقضينا
عليهم، فإلى [هاهنا] [2] بِمَعْنَى عَلَى، وَالْمُرَادُ
بِالْكِتَابِ اللَّوْحُ المحفوظ. لَتُفْسِدُنَّ [اللَّامُ] [3]
لَامُ الْقَسَمِ مَجَازُهُ وَاللَّهِ لَتُفْسِدُنَّ، فِي
الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ، بِالْمَعَاصِي، وَالْمُرَادُ
بِالْأَرْضِ أَرْضُ الشَّامِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ،
وَلَتَعْلُنَّ، وَلَتَسْتَكْبِرُنَّ وَلَتَظْلِمُنَّ النَّاسَ،
عُلُوًّا كَبِيراً [أي استكبارا وظلما كبيرا] [4] .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 5 الى 7]
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً
لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ
وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ
عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ
وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ
أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا
جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا
الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا
مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7)
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما، يعني أولى مرتين، قَالَ
قَتَادَةُ: إِفْسَادُهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَا
خَالَفُوا مِنْ أَحْكَامِ التوراة وركوب المحارم. وقال محمد بن
إِسْحَاقَ: إِفْسَادُهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَتْلُ
شِعْيَاءَ بَيْنَ الشَّجَرَةِ وَارْتِكَابُهُمُ الْمَعَاصِيَ.
بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا، قال قتادة: يعني جالوت
الخزري وَجُنُودَهُ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ دَاوُدُ [وذكرنا
قصته في البقرة] [5] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي
سنحاريب مِنْ أَهْلِ نِينَوَى. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
بُخْتُنَصَّرُ الْبَابِلِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ
الْأَظْهَرُ. أُولِي بَأْسٍ، ذَوِي بَطْشٍ شَدِيدٍ، فِي
الْحَرْبِ، فَجاسُوا، أَيْ: فَطَافُوا وَدَارُوا، خِلالَ
الدِّيارِ، وَسَطَهَا يَطْلُبُونَكُمْ وَيَقْتُلُونَكُمْ،
وَالْجَوْسُ طَلَبُ الشَّيْءِ بِالِاسْتِقْصَاءِ. قَالَ
الْفَرَّاءُ: جَاسُوا قَتَلُوكُمْ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ. وَكانَ
وَعْداً مَفْعُولًا، قَضَاءً كَائِنًا لَا خُلْفَ فِيهِ.
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ، يَعْنِي: الرَّجْعَةَ
وَالدَّوْلَةَ، عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ
وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً، عَدَدًا، أَيْ:
مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُمْ وَعَادَ الْبَلَدُ أَحْسَنَ مِمَّا
كَانَ.
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، أَيْ: لَهَا
ثَوَابُهَا، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها، أَيْ: فعليها [عقاب
الإساءة] [6] ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَلامٌ لَكَ
[الْوَاقِعَةِ: 91] أَيْ: عَلَيْكَ. وَقِيلَ: فَلَهَا
الْجَزَاءُ وَالْعِقَابُ، فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أَيِ:
الْمَرَّةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ إِفْسَادِكُمْ وَذَلِكَ
قَصْدُهُمْ قَتْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ رُفِعَ
وَقَتْلُهُمْ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ،
فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْفُرْسَ وَالرُّومَ، خَرْدُوشَ
وَطِيطُوسَ حَتَّى قَتَلُوهُمْ وَسَبَوْهُمْ وَنَفَوْهُمْ عَنْ
دِيَارِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَسُوؤُا
وُجُوهَكُمْ، أَيْ: تَحْزَنُ وُجُوهُكُمْ وَسُوءُ الْوَجْهِ
بِإِدْخَالِ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ
وَيَعْقُوبُ: لِنَسُوءَ بِالنُّونِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى
التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ:
وَقَضَيْنا [الحجر: 66] وَبَعَثْنا [المائدة: 12] وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ
الْهَمْزَةِ [عَلَى التَّوْحِيدِ] [7] ، أَيْ: لِيَسُوءَ
اللَّهُ وُجُوهَكُمْ، وَقِيلَ: لِيَسُوءَ الْوَعْدُ
وُجُوهَكُمْ، وَقَرَأَ الباقون بالياء وضم الهمزة
__________
(1) في المطبوع «الكتب» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيد في المطبوع.
(3/122)
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ
يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ
لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا
لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ
بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ
عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ
فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ
مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ
وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ
فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)
عَلَى الْجَمْعِ، أَيْ لِيَسُوءَ
الْعِبَادُ أولو الْبَأْسِ الشَّدِيدِ وُجُوهَكُمْ
وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ
وَنَوَاحِيَهُ، كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَلِيُتَبِّرُوا، وَلِيُهْلِكُوا، ما عَلَوْا أي: غَلَبُوا
عَلَيْهِ مِنْ بِلَادِكُمْ تَتْبِيراً [هلاكا] [1] .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 8 الى 12]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا
وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) إِنَّ هذَا
الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ
لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً
(10) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ
وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا
آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ
رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ
وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (12)
عَسى رَبُّكُمْ، يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَنْ يَرْحَمَكُمْ،
بَعْدَ انْتِقَامِهِ مِنْكُمْ فَيَرُدَّ الدَّوْلَةَ
إِلَيْكُمْ، وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا، أَيْ: إِنْ عُدْتُمْ
إِلَى الْمَعْصِيَةِ عُدْنَا إِلَى الْعُقُوبَةِ. قَالَ
قَتَادَةُ: فَعَادُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمْ يُعْطُونَ
الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَجَعَلْنا
جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً، سِجْنًا وَمَحْبِسًا مِنَ
الْحَصْرِ وَهُوَ الْحَبْسُ قَالَ الْحَسَنُ: حَصِيرًا أي:
فراشا. ذهب إِلَى الْحَصِيرِ الَّذِي يُبْسَطُ وَيُفْرَشُ.
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، أَيْ:
إِلَى الطَّرِيقَةِ التي هي أصوب. وقيل [إلى] [2] الْكَلِمَةُ
الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ، وَيُبَشِّرُ، يَعْنِي: الْقُرْآنُ،
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ [قولا
وفعلا على سنة نبيها] [3] أَنَّ لَهُمْ، بِأَنَّ لَهُمْ
أَجْراً كَبِيراً، وَهُوَ الْجَنَّةُ.
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا
لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) ، وهو النار.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ، حُذِفَ الواو لفظا
لاستقلال اللَّامِ السَّاكِنَةِ كَقَوْلِهِ سَنَدْعُ
الزَّبانِيَةَ (18) [الْعَلَقِ: 18] ، وَحُذِفَ فِي الْخَطِّ
أَيْضًا وَهِيَ غَيْرُ مَحْذُوفَةٍ فِي الْمَعْنَى، ومعناه:
يدعو الْإِنْسَانُ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ،
بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ عِنْدَ الْغَضَبِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ
وَأَهْلِكْهُ وَنَحْوَهُمَا، دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ، أَيْ:
كَدُعَائِهِ رَبَّهُ بِالْخَيْرِ أَنْ يَهَبَ لَهُ النِّعْمَةَ
وَالْعَافِيَةَ وَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ عَلَى
نَفْسِهِ لَهَلَكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ
بِفَضْلِهِ، وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا بِالدُّعَاءِ عَلَى
مَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ
مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضَجِرًا
لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ
آيَتَيْنِ، أَيْ: عَلَامَتَيْنِ دَالَّتَيْنِ عَلَى وُجُودِنَا
وَوَحْدَانِيِّتِنَا وَقُدْرَتِنَا، فَمَحَوْنا آيَةَ
اللَّيْلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ نُورَ
الشَّمْسِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَنُورَ الْقَمَرِ كَذَلِكَ
فَمَحَا مِنْ نُورِ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا
فَجَعَلَهَا مَعَ نور الشمس، حكي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَمَرَ جِبْرِيلَ فَأَمَرَّ جَنَاحَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَمَرِ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَطُمِسَ عَنْهُ الضَّوْءُ وَبَقِيَ فِيهِ
النُّورُ. وَسَأَلَ ابْنُ الكواء عليا [رضي الله عنه] [4] عَنِ
السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ قَالَ: هُوَ أَثَرُ
الْمَحْوِ. وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً، مُنِيرَةً
مُضِيئَةً، يَعْنِي يُبْصَرُ بِهَا. قَالَ الْكِسَائِيُّ:
تَقُولُ الْعَرَبُ أَبْصَرَ النَّهَارُ إِذَا أضاءت بِحَيْثُ
يُبْصَرُ بِهَا، لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ
وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ، أَيْ: لَوْ
تَرَكَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كَمَا خَلَقَهُمَا لَمْ
يعرف الليل والنهار ولم
__________
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/123)
وَكُلَّ إِنْسَانٍ
أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ
كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ
فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا
(15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا
مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
يَدْرِ الصَّائِمُ مَتَى يُفْطِرُ وَلَمْ
يُدْرَ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَا وَقْتُ حُلُولِ الْآجَالِ وَلَا
وَقْتُ السُّكُونِ وَالرَّاحَةِ. وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ
تَفْصِيلًا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 13 الى 16]
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ
مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي
لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا
تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ
حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ
قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ
عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ
طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَمَلُهُ وَمَا
قُدِّرَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُلَازِمُهُ أَيْنَمَا كَانَ. وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: خَيْرُهُ وَشَرُّهُ معه لا يفارقه
حتى يحاسب [1] بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:
يُمْنُهُ وَشُؤْمُهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ
إلا وفي عُنُقِهِ وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا شَقِيٌّ أَوْ
سَعِيدٌ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَرَادَ بِالطَّائِرِ مَا قَضَى
اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَامِلُهُ وَمَا هُوَ صَائِرٌ
إِلَيْهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شقاوة وسمي طائر عَلَى عَادَةِ
الْعَرَبِ فِيمَا كَانَتْ تَتَفَاءَلُ وَتَتَشَاءَمُ بِهِ مِنْ
سَوَانِحِ الطَّيْرِ وَبَوَارِحِهَا [2] .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبِيُّ: أَرَادَ
بِالطَّائِرِ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مِنْ
قَوْلِهِمْ طَارَ سهم فلان بكذا وكذا، وَخُصَّ الْعُنُقُ مِنْ
بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلَائِدِ
وَالْأَطْوَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَزِينُ أَوْ يَشِينُ،
فَجَرَى كَلَامُ الْعَرَبِ بِتَشْبِيهِ الْأَشْيَاءِ
اللَّازِمَةِ إِلَى الْأَعْنَاقِ، وَنُخْرِجُ لَهُ، يَقُولُ
اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْنُ نُخْرِجُ له، يَوْمَ الْقِيامَةِ
كِتاباً، وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَيَعْقُوبُ
وَيَخْرُجُ لَهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ،
مَعْنَاهُ: وَيَخْرُجُ لَهُ الطَّائِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كِتَابًا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ يُخْرَجُ بِالْيَاءِ
وَضَمِّهَا وَفَتَحِ الرَّاءِ، يَلْقاهُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ
وَأَبُو جَعْفَرٍ يَلْقاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ
وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، يَعْنِي: يَلْقَى الْإِنْسَانُ ذَلِكَ
الْكِتَابَ، أَيْ: يُؤْتَاهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بفتح الياء
وتخفيف [القاف] [3] أَيْ يَرَاهُ مَنْشُوراً، وَفِي الْآثَارِ:
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ الْمَلَكَ بِطَيِّ
الصَّحِيفَةِ إِذَا تَمَّ عُمْرُ العبد فلا تنشر إلا في يَوْمِ
الْقِيَامَةِ.
اقْرَأْ كِتابَكَ، أَيْ: يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ كِتَابَكَ،
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ
حَسِيباً، مُحَاسِبًا. قَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ عَدَلَ
عَلَيْكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ. قَالَ قَتَادَةُ:
سَيَقْرَأُ يَوْمَئِذٍ [4] مَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا فِي
الدُّنْيَا.
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، لَهَا
ثَوَابُهُ، وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها، لِأَنَّ
عَلَيْهَا عِقَابَهُ، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى،
أَيْ: لَا تَحْمِلُ حَامِلَةٌ حِمْلَ أُخْرَى مِنَ الْآثَامِ،
أَيْ: لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ أَحَدٍ. وَما كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ
وَقَطْعًا لِلْعُذْرِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا وَجَبَ
[وَجَبَ بِالسَّمْعِ] [5] لَا بِالْعَقْلِ.
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
، قَرَأَ مُجَاهِدٌ: «أَمَّرْنَا» بِالتَّشْدِيدِ أَيْ:
سَلَّطْنَا شِرَارَهَا فَعَصَوْا وَقَرَأَ الْحَسَنُ
وَقَتَادَةُ وَيَعْقُوبُ أَمَرْنا
بِالْمَدِّ، أَيْ: أَكْثَرْنَا. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ
[مَقْصُورًا مُخَفَّفًا] [6] ، أَيْ: أَمَرْنَاهُمْ
بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ
جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى
أَكْثَرْنَا، يُقَالُ: أَمَّرَهُمُ اللَّهُ أي كثرهم الله.
__________
(1) في المطبوع «يحاسبه» .
(2) في المخطوط «جوارحها» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط «اليوم» .
(5) العبارة في المخطوط «بالقطع والسمع» .
(6) العبارة في المطبوع «بالقصر مختلفا» .
(3/124)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا
مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ
يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ
لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا
مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى
لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ
مَشْكُورًا (19)
«1289» وَفِي الْحَدِيثِ: «خَيْرُ الْمَالِ
مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ» أَيْ كَثِيرَةُ النَّسْلِ. وَيُقَالُ
مِنْهُ: أَمَرَ الْقَوْمُ يَأْمُرُونَ أَمْرًا إِذَا كَثُرُوا،
وَلَيْسَ مِنَ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ
لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ
قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ وَقَالَ: لِأَنَّ الْمَعَانِيَ
الثَّلَاثَةَ تَجْتَمِعُ فِيهَا يَعْنِي الْأَمْرَ
وَالْإِمَارَةَ وَالْكَثْرَةَ. مُتْرَفِيها
مُنَعَّمِيهَا وَأَغْنِيَاءَهَا فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ
عَلَيْهَا الْقَوْلُ
، وَجَبَ عَلَيْهَا الْعَذَابُ، فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
، أَيْ: خَرَّبْنَاهَا وَأَهْلَكْنَا مَنْ فِيهَا.
«1290» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [1]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ [2] ثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ
حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ
زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا وَهُوَ يَقُولُ:
«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ
اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا»
[3] وَحَلَّقَ بِأُصْبُعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا،
قَالَتْ زَيْنَبُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلَكُ
وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نعم إذا كثر الخبث» .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 17 الى 19]
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى
بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) مَنْ
كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ
لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها
مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى
لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ
مَشْكُوراً (19)
قَوْلُهُ: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ أَيِ:
الْمُكَذِّبَةِ، مِنْ بَعْدِ نُوحٍ، يُخَوِّفُ كُفَّارَ
مَكَّةَ، وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ
__________
1289- ضعيف جدا. أخرجه أحمد 3/ 468 وأبو عبيد في «الغريب» 1/
349 والبخاري في «التاريخ» 2/ 2/ 144 والطبراني 6470 والقضاعي
1250 من طريق مسلم بن بديل عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة
مرفوعا، وإسناده واه، وله علل: سويد مختلف في صحبته، وإياس
وثقه ابن حبان على قاعدته، ومسلم بن بديل لم أجد له ترجمة وقد
وقفه النضر بن شميل في روايته كما في «تخريج الكشاف» 2/ 655،
ومع ذلك كله قال الهيثمي في «المجمع» 5/ 258:
رجال أحمد ثقات؟!!، وانظر «أحكام القرآن» 1419 بتخريجي.
1290- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عقيل هو ابن خالد،
الليث هو ابن سعد، ابن شهاب هو محمد بن مسلم.
- رواه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» 3346 عَنْ
يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2880 ح 2 عن طريق عقيل بن خالد به.
- وأخرجه البخاري 3598 و7135 والمصنف في «شرح السنة» 4096 من
طريق شعيب عن الزهري به.
- وأخرجه البخاري 7059 ومسلم 2880 والنسائي في «الكبرى» 11311
من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزهري به.
- وأخرجه مسلم 2880 والنسائي 11333 وعبد الرزاق 20749 وأحمد 6/
428 و429 وابن حبان 327 وفي «شرح السنة» 4096 من طرق عن الزهري
به.
- وأخرجه مسلم 2880 والترمذي 2187 وابن ماجه 3953 وأحمد 6/ 428
والحميدي 308 وابن أبي شيبة 19061 والبيهقي 10/ 93 من طرق عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزهري عن عروة عَنْ زَيْنَبَ
بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عن حبيبة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش.
- وأخرجه ابن حبان 6831 من روآية سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة قالت: استيقظ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ....
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «بكر» .
(3) في المطبوع «هذه» . [.....]
(3/125)
كُلًّا نُمِدُّ
هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ
عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ
وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً، قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: الْقَرْنُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ
سَنَةً، فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ قَرْنٍ، وَكَانَ فِي آخِرِهِ يَزِيدُ
بْنُ مُعَاوِيَةَ. وَقِيلَ: مِائَةُ سَنَةٍ.
«1291» وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بن بشر الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ
وَقَالَ: «سَيَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا» قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ فَمَا زِلْنَا نَعُدُّ لَهُ حَتَّى
تَمَّ لَهُ مِائَةُ سَنَةٍ، ثم مات.
وقال الكلبي: القرن ثَمَانُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ
سَنَةً.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ، يَعْنِي الدُّنْيَا أَيِ
الدَّارَ الْعَاجِلَةَ، عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ، مِنَ
الْبَسْطِ وَالتَّقْتِيرِ، لِمَنْ نُرِيدُ، أَنْ نَفْعَلَ بِهِ
ذَلِكَ أَوْ إِهْلَاكَهُ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ فِي الْآخِرَةِ،
جَهَنَّمَ يَصْلاها، يَدْخُلُ نَارَهَا، مَذْمُوماً
مَدْحُوراً، مَطْرُودًا مُبْعَدًا.
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها، عَمِلَ
عَمَلَهَا، وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ
مَشْكُوراً، مقبولا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 20 الى 23]
كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما
كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا
بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ
وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً
آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضى رَبُّكَ
أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ
إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما
أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما
وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23)
كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، أَيْ: نُمِدُّ كِلَا
الْفَرِيقَيْنِ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمَنْ يُرِيدُ
الْآخِرَةَ، مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ، أَيْ: يَرْزُقُهُمَا
جَمِيعًا ثُمَّ يَخْتَلِفُ [1] بِهِمَا الْحَالُ فِي الْمَآلِ،
وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ، رِزْقُ رَبِّكَ، مَحْظُوراً،
مَمْنُوعًا عَنْ عِبَادِهِ فَالْمُرَادُ مِنَ الْعَطَاءِ
الْعَطَاءُ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَلَا حَظَّ للكفار في
الآخرة.
انْظُرْ، يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى
بَعْضٍ، فِي الرِّزْقِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، يَعْنِي:
طَالِبَ الْعَاجِلَةِ وَطَالِبَ الْآخِرَةِ، وَلَلْآخِرَةُ
أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا.
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ. الْخِطَابُ مَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ
غَيْرُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تجعل أيها الإنسان [2]
فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا، مَذْمُومًا مِنْ غَيْرِ
حَمْدٍ مَخْذُولًا مِنْ غَيْرِ نَصْرٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَضى رَبُّكَ، وَأَمَرَ رَبُّكَ،
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ. قَالَ
الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ:
وَأَوْجَبَ رَبُّكَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَأَوْصَى رَبُّكَ.
وَحُكِيَ عَنِ الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: «وَوَصَّى رَبُّكَ»
. وَقَالَ: إِنَّهُمْ أَلْصَقُوا الْوَاوَ بِالصَّادِّ
فَصَارَتْ قَافًا، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أَيْ: وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا بِرًّا بِهِمَا وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا.
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ، قرأ حمزة والكسائي
بِالْأَلِفِ عَلَى التَّثْنِيَةِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ:
أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما، كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ
[الْمَائِدَةِ: 71] وَقَوْلِهِ:
__________
1291- تقدم في تفسير سورة الأنعام عند آية: 7.
(1) في المطبوع «يخلف» .
(2) زيد في المطبوع وط عقب لفظ «الْإِنْسَانُ» «مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ» .
(3/126)
وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي
نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ
لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
[الْأَنْبِيَاءِ: 3] وقوله: الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء: 3]
ابْتِدَاءٌ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يَبْلُغَنَّ عَلَى
التَّوْحِيدِ، فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ، فِيهِ ثَلَاثُ
لُغَاتٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ
بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وحفص
بالكسر والتنوين، و [قرأ] [1] الباقون بِكَسْرِ الْفَاءِ
غَيْرَ مُنَوَّنٍ، وَمَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَهِيَ كَلِمَةُ
كَرَاهِيَةٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَصْلُ الْتُّفِّ
وَالْأُفِّ الْوَسَخُ عَلَى الْأَصَابِعِ إِذَا فَتَلْتَهَا.
وَقِيلَ: الْأُفُّ مَا يَكُونُ فِي المغابن من الوسخ، والتف
مَا يَكُونُ فِي الْأَصَابِعِ. وَقِيلَ: الأف وسخ الأذن والتف
وسخ الأظفار.
وقيل: الأف وسخ الظفر والتف مَا رَفَعْتَهُ بِيَدِكَ مِنَ
الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ حَقِيرٍ.
وَلا تَنْهَرْهُما، وَلَا تَزْجُرْهُمَا، وَقُلْ لَهُما
قَوْلًا كَرِيماً، حَسَنًا جَمِيلًا لَيِّنًا.
قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: كَقَوْلِ الْعَبْدِ الْمُذْنِبِ
لِلسَّيِّدِ الْفَظِّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تسميهما ولا
تكنهما وقل لهما يَا أَبَتَاهُ يَا أُمَّاهُ [2] .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا إِذَا بَلَغَا
عِنْدَكَ مِنَ الْكِبَرِ مَا يَبُولَانِ فَلَا
تَتَقَذَّرْهُمَا وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ حِينَ تُمِيطُ
عَنْهُمَا الْخَلَاءَ وَالْبَوْلَ كَمَا كَانَا يميطانه عنك
صغيرا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 24 الى 25]
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ
أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ
فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25)
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ، أَيْ: ألن جانبك لهما واخضع
لهما. وقال عروة بن الزبير: ألن لَهُمَا حَتَّى لَا تَمْتَنِعَ
عَنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ مِنَ الرَّحْمَةِ، مِنَ الشفقة، وَقُلْ
رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً، أَرَادَ إذا كانا
مسلمين. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَنْسُوخُ بِقَوْلِهِ:
مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ [التَّوْبَةِ: 113] .
«1292» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [3]
المليحي أَنَا أَبُو مَسْعُودٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بن زنجويه
ثنا سليمان بن حرب ثنا حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن السُّلَمِيَّ عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ فَحَافِظْ [4] إِنْ شِئْتَ أَوْ ضيّع» .
__________
1292- إسناده قوي، فيه عطاء بن السائب اختلط، لكن سمع منه حماد
بن زيد قبل الاختلاط وكذا الثوري وشعبة سمعا منه قبل الاختلاط،
والجمهور على أنه صحيح الحديث قبل الاختلاط.
- وهو في «شرح السنة» 3315 بهذا الإسناد وفيه قصة.
- وأخرجه ابن ماجه 3663 وابن أبي شيبة 8/ 540 وأحمد 6/ 451 من
طريق سفيان عن عطاء به.
- وأخرجه أحمد 5/ 197 و198 عن حسين بن محمد عن شريك عن عطاء
به.
- وأخرجه الترمذي 1900 والحميدي 395 والحاكم 4/ 152 من طريق
سفيان عن عطاء به وفيه قصة.
- وأخرجه أحمد 5/ 196 وابن ماجه 2089 والحاكم 4/ 52 من طريق
شعبة عن عطاء به وفيه قصة.
- وأخرجه ابن حبان 425 عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ عطاء به. وفيه قصة.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «يا أمها» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «فاحفظ» .
(3/127)
«1293» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ أَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الجرجرائي [1] أَنَا
أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عيسى [2] الماليني أنا حسن بن
سفيان ثنا يَحْيَى بْنَ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثنا خالد بن
الحارث عن شيبة عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا
الْوَالِدِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ» [3] .
«1294» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى
الصَّيْرَفِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ غالب تمتام الضبي ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ
خَمْرٍ» .
«1295» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
__________
1293- إسناده ضعيف لجهالة عطاء والد يعلى، وثقه ابن حبان وحده
على قاعدته، وقال ابن القطان: مجهول الحال، ما روى عنه سوى
ابنه يعلى، ووافقه الذهبي في «الميزان» حيث قال: لا يعرف إلّا
بابنه.
- وللحديث علة ثانية وهي الوقف.
- وهو في «شرح السنة» 3318 بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 429 عن الحسن بن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 1899 من طريق عمر بن علي عن خالد بن الحارث
به.
- وأخرجه الحاكم 4/ 151- 152 من طريق شعبة به، وصححه، ووافقه
الذهبي مع أنه قال في «الميزان» عطاء والد يعلى لا يعرف.
- وأخرجه الترمذي 1899 والبخاري في «الأدب المفرد» والبغوي في
«شرح السنة» 3317 من طرق عن شعبة به موقوفا عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وقال الترمذي: وهذا أصح.
- وفي الباب من حديث ابن عمر أخرجه البزار 1865 وقال الهيثمي
في «المجمع» 8/ 136: فيه عصمة بن محمد، وهو متروك.
- فهذا شاهد ساقط وانظر «أحكام القرآن» 1427 بتخريجي، فقد
استوفيت الكلام عليه.
1294- صحيح بشواهده. إسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، لكن
للحديث شواهد كثيرة تجعله صحيحا، والله أعلم.
- وهو في «شرح السنة» 3322 بهذا الإسناد مع إسناد آخر إلى يزيد
بن أبي زياد.
- وأخرجه أحمد 3/ 28 من طريق عبد العزيز بن مسلم به.
- وأخرجه أحمد 3/ 44 والبيهقي 8/ 288 من طريق شعبة عن يزيد به.
- وأخرجه أبو يعلى 1168 من طريق جرير عن يزيد به.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 4920 من طريق يزيد بن أبي زياد
عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد عن أبي سعيد.
- ويشهد له حديث عبد الله بن عمرو. أخرجه النسائي 8/ 318 وأحمد
2/ 201 و203 والطيالسي 2295 والبخاري في «التاريخ الصغير» 1/
362- 263 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 366 وابن حبان 3384
وإسناده ضعيف، لانقطاعه.
- وله شاهد أيضا من حديث أبي قتادة عن الطحاوي في «المشكل» 915
ومن حديث ابن عباس عند الطبراني 11168 و11170 ومن حديث أنس عند
أحمد 2/ 226 وللحديث شواهد لا تخلو من مقال لكن تصلح للاعتبار،
فالحديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
1295- صحيح. إسناده صحيح، رجاله ثقات، وله شواهد كثيرة.-
(1) في المطبوع «الجرجاني» .
(2) تصحف في المطبوع «الحسين» .
(3) في المخطوط «الوالدين» . [.....]
(3/128)
بامويه [1] الأصفهاني أَنَا أَبُو سَعِيدٍ
أَحْمَدُ [بْنُ محمد] [2] بن زياد البصري أَنَا الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ الصّبّاح ثنا رِبْعِيُّ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ
عَلَيَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرُ
رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ له ورغم أنف امرئ أَدْرَكَ
أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ» .
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ، مِنْ بِرِّ
الْوَالِدَيْنِ وَعُقُوقِهِمَا، إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ،
أَبْرَارًا مُطِيعِينَ بَعْدَ تَقْصِيرٍ كَانَ مِنْكُمْ فِي
الْقِيَامِ بِمَا لَزِمَكُمْ مِنْ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ، بَعْدَ
الْمَعْصِيَةِ غَفُوراً.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ
الرَّجُلُ يَكُونُ مِنْهُ الْبَادِرَةُ إِلَى أَبَوَيْهِ لَا
يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ فَإِنَّهُ لَا يؤاخذ به.
وقال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْأَوَّابُ الَّذِي يُذْنِبُ
ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ. قَالَ سَعِيدُ
بْنُ جبير: [هو] [3] الرَّجَّاعُ إِلَى الْخَيْرِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الرَّجَّاعُ إِلَى الله
فيما يحزنه وَيَنُوبُهُ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُمُ الْمُسَبِّحُونَ، دَلِيلُهُ
قَوْلُهُ: يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سَبَأٍ 10] . قَالَ
قَتَادَةُ: هم المصلون، قال عون الْعَقِيلِيُّ: هُمُ الَّذِينَ
يُصَلُّونَ صَلَاةَ الضُّحَى.
«1296» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بن الحسين الرّوقي
[4] الطوسي أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب أنا
أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن يوسف ثنا الحسن
بن سفيان ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة ثنا وكيع عن
هِشَامُ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْقَاسِمِ
بْنِ عَوْفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ
قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الضُّحَى، فَقَالَ:
«صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. إِذَا رَمَضَتِ الْفِصَالُ مِنَ
الضُّحَى» .
__________
- ربعي هو ابن إبراهيم بن مقسم، ويعرف بابن علية، وهو أخو
إسماعيل بن علية.
- وهو في «شرح السنة» 690 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3545 وأحمد 2/ 254 من طريق أحمد بن إبراهيم
الدورقي عن ربعي بن إبراهيم بن علية به.
- وأخرجه ابن حبان 908 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق به.
- وأخرجه إسماعيل القاضي في «الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم» 16 من طريق بشر عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ به.
- وأخرج مسلم عجزه برقم 2551 من طريق سُهَيْلِ بْنِ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أبيه عن أبي هريرة.
- وللحديث شواهد كثيرة موضع بسطها في كتب الصَّلَاةُ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وبر الوالدين.
1296- صحيح. الحسن بن سفيان قد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال
البخاري ومسلم غير القاسم بن عوف فإنه من رجال مسلم، أَبُو
بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد، وكيع بن الجراح، هشام بن عبد
الله، قتادة بن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 1005 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 748 ح 144 من طريق هشام به.
- وأخرجه مسلم 748 وأحمد 4/ 367 و372 وابن خزيمة 1227 وابن
حبان 3539 والطبراني في «الكبير» 5108 و5109 و5113 وفي
«الصغير» 155 وأبو عوانة 2/ 271 والبيهقي 2/ 49 من طرق عن
القاسم به.
(1) تصحف في المطبوع «نامويه» وفي المخطوط «راهويه» .
(2) زيادة عن «شرح السنة» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «الدروفي» وفي نسخة «الدروقي» والمثبت هو
الصواب.
(3/129)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ
تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ
رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا
تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا
(29)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ:
الْأَوَّابُ [الَّذِي] [1] يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ
الْمَلَائِكَةَ لَتَحُفُّ بِالَّذِينِ يُصَلُّونَ بَيْنَ
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَهِيَ صلاة الأوابين [2] .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 29]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ
الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ
عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ
لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ، يَعْنِي
صِلَةَ الرَّحِمِ، وَأَرَادَ بِهِ قَرَابَةَ الْإِنْسَانِ
وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
[و] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَرَادَ بِهِ قَرَابَةَ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمِسْكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، أَيْ: لَا
تُنْفِقْ مَالَكَ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ
أَنْفَقَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ كُلَّهُ [فِي الْحَقِّ مَا
كَانَ] [3] تَبْذِيرًا وَلَوْ أَنْفَقَ مُدًّا فِي بَاطِلٍ
كَانَ تَبْذِيرًا، وَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ التَّبْذِيرِ
فَقَالَ: إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. قَالَ
شُعْبَةُ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أَبِي إِسْحَاقَ فِي طَرِيقِ
الْكُوفَةِ فَأَتَى على دار بنيت بِجِصٍّ وَآجُرٍّ، فَقَالَ:
هَذَا التَّبْذِيرُ، وَفِي قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ:
إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي [4] غَيْرِ حَقِّهِ.
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ، أَيْ:
أولياءهم، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مُلَازِمِ سُنَّةَ
قَوْمٍ هُوَ أَخُوهُمْ. وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ
كَفُوراً، جَحُودًا لِنِعَمِهِ.
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ، نَزَلَتْ فِي مَهْجَعٍ
وَبِلَالٍ وَصُهَيْبٍ وَسَالِمٍ وَخَبَّابٍ كَانُوا
يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْأَحَايِينِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَلَا يَجِدُ
فَيُعْرِضُ عَنْهُمْ حَيَاءً مِنْهُمْ وَيُمْسِكُ عَنِ
الْقَوْلِ، فَنَزَلَ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ [5] ،
وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ أَنْ
تُؤْتِيَهُمْ، ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها،
انْتِظَارَ رِزْقٍ مِنَ اللَّهِ تَرْجُوهُ أَنْ يَأْتِيَكَ،
فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً لَيِّنًا وَهِيَ الْعِدَةُ،
أَيْ: عِدْهُمْ وَعْدًا جَمِيلًا. وقيل: القول الميسور أن
يقول: يَرْزُقُنَا [6] اللَّهُ وَإِيَّاكَ.
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ.
«1297» قَالَ جَابِرٌ: أَتَى صَبِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنْ أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ دِرْعًا وَلَمْ يَكُنْ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا
قَمِيصُهُ، فَقَالَ لِلصَّبِيِّ: «مِنْ سَاعَةٍ إلى ساعة يظهر
كذا، فعد إلينا وَقْتًا آخَرَ» ، فَعَادَ إِلَى أُمِّهِ
فَقَالَتْ: قُلْ لَهُ إِنْ أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ الدِّرْعَ
الَّذِي عَلَيْكَ، فَدَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم داره فنزع قميصه وأعطاه إِيَّاهُ [7] وَقَعَدَ
عُرْيَانًا فَأَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَانْتَظَرُوهُ
فَلَمْ يَخْرُجْ، فَشَغَلَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ فَدَخَلَ
عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَرَآهُ عُرْيَانًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى:
__________
1297- ضعيف جدا. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 576 عن جابر
بدون إسناد.
- وأخرجه الواحدي 575 من حديث ابن مسعود، وإسناده ضعيف جدا،
سليمان بن سفيان الجهني متروك، والخبر شبه موضوع.
(1) سقط من المطبوع.
(2) تصحف في المطبوع «الأولين» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) تصحف في المطبوع «من» .
(5) تفرد المصنف بذكره، ولم أقف عليه عند غيره، والظاهر أنه
ليس له أصل.
(6) في المطبوع «تقول رزقنا» .
(7) زيد في المطبوع. [.....]
(3/130)
إِنَّ رَبَّكَ
يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ
بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا
أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ
وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ
سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ
جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي
الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى
عُنُقِكَ.
يَعْنِي: وَلَا تُمْسِكْ يَدَكَ عن النفقة في الخير [1]
كَالْمَغْلُولَةِ يَدُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَدِّهَا، وَلا
تَبْسُطْها، بِالْعَطَاءِ، كُلَّ الْبَسْطِ، فَتُعْطِيَ
جَمِيعَ مَا عِنْدَكَ، فَتَقْعُدَ مَلُوماً، يَلُومُكَ
سَائِلُوكَ بِالْإِمْسَاكِ إذا لم تعطهم، والملوم الَّذِي
أَتَى بِمَا يَلُومُ نَفْسَهُ أَوْ يَلُومُهُ [2] غَيْرُهُ،
مَحْسُوراً مُنْقَطِعًا لَا شَيْءَ عِنْدَكَ تُنْفِقُهُ.
يُقَالُ: حَسَرْتُهُ بِالْمَسْأَلَةِ إِذَا أَلْحَفْتُ
عَلَيْهِ، وَدَابَّةٌ حَسِيرَةٌ إِذَا كَانَتْ كَالَّةً رازحة.
وقال قَتَادَةُ مَحْسُوراً نَادِمًا عَلَى مَا فرط منك.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 30 الى 33]
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ
إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا
تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ
نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً
كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً
وَساءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً
فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي
الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ، يُوسِعُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ
وَيَقْدِرُ، أَيْ: يُقَتِّرُ وَيُضَيِّقُ، إِنَّهُ كانَ
بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ
إِمْلاقٍ، فَقْرٍ، نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ، وَذَلِكَ
أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتَهُمْ
خَشْيَةَ الْفَاقَةِ فَنُهُوا عَنْهُ، وَأُخْبِرُوا أَنَّ
رِزْقَهُمْ وَرِزْقَ أَوْلَادِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى،
إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ
[3] وَأَبُو جَعْفَرٍ خِطْأً بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ
مَقْصُورًا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ
مَمْدُودًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَجَزْمِ
الطَّاءِ وَمَعْنَى الْكُلِّ وَاحِدٌ، أَيْ: إِثْمًا كَبِيرًا.
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ، وَحَقُّهَا مَا رُوِّينَا:
«1298» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى
ثَلَاثٍ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ أَوْ زَنَى بَعْدَ
إِحْصَانِهِ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ
بِهَا» .
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ
سُلْطاناً، أَيْ: قُوَّةً وَوِلَايَةً عَلَى الْقَاتِلِ
بِالْقَتْلِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ الضَّحَاكُ:
سُلْطَانُهُ هُوَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَ اسْتَقَادَ
مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شاء عفا عنه.
فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ: فَلَا تُسْرِفْ بِالتَّاءِ يُخَاطِبُ وَلِيَ
الْقَتِيلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَائِبِ
أَيْ: لَا يسرف الولي في القتل.
__________
1298- صحيح. أخرجه أبو داود 2502 والترمذي 2158 وابن ماجه 2533
وأحمد 1/ 61 و62 و65 و70 والطيالسي 72 والشافعي 2/ 96 والدارمي
2/ 171 وابن الجارود 836 والحاكم 4/ 350 والطحاوي في «المشكل»
1802 والبيهقي 8/ 18- 19 والمصنف في «شرح السنة» 2512 من طرق
حماد بن زيد عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أبي أمامة بن سهل
عن عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه. وإسناده صحيح.
- وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث
حسن.
- وله شواهد في الصحيح.
(1) في المطبوع «الحق» .
(2) في المطبوع «يلوم» .
(3) تصحف في المخطوم «عاصم» .
(3/131)
وَلَا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى
يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ
كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي
الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ
تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ
عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِسْرَافِ
الَّذِي منع منه ولي القتيل، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: معناه [و] لَا يَقْتُلُ غَيْرَ
الْقَاتِلِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
إِذَا قُتِلَ مِنْهُمْ قَتِيلٌ لَا يَرْضَوْنَ بقتل قاتله حتى
يقتل أَشْرَفَ مِنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ
وَاحِدًا فَلَا يَقْتُلْ جَمَاعَةً بَدَلَ وَاحِدٍ، وَكَانَ
أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ شَرِيفًا لَا
يَرْضَوْنَ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ وَحْدَهُ حَتَّى يَقْتُلُوا
مَعَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَقْرِبَائِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
مَعْنَاهُ لَا يُمَثِّلُ بِالْقَاتِلِ.
إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً، فَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى
الْمَقْتُولِ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً يَعْنِي:
إِنَّ الْمَقْتُولَ مَنْصُورٌ فِي الدُّنْيَا بِإِيجَابِ
الْقَوَدِ عَلَى قَاتِلِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِتَكْفِيرِ
خَطَايَاهُ وَإِيجَابِ النَّارِ لِقَاتِلِهِ، هَذَا قَوْلُ
مُجَاهِدٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى
وَلِيِّ الْمَقْتُولِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَنْصُورٌ عَلَى
الْقَاتِلِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَصَاصِ مِنْهُ أَوِ الدِّيَةِ.
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ
أَرَادَ بِهِ الْقَاتِلَ الْمُعْتَدِيَ، يقول: لا يعتدي
بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ
فَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ مَنْصُورٌ عليه باستيفاء القصاص منه.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 35]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ
إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ،
بِالْإِتْيَانِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالِانْتِهَاءِ
عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَهْدِ مَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ
عَلَى نفسه، إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا، وقال
السُّدِّيُّ: كَانَ مَطْلُوبًا.
وَقِيلَ: الْعَهْدُ يُسْأَلُ عَنْ صَاحِبِ الْعَهْدِ،
فَيُقَالُ: فِيمَا نُقِضْتَ، كَالْمَؤُودَةِ تُسْأَلُ فِيمَ
قُتِلَتْ.
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ،
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ بِالْقِسْطاسِ
بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْبَاقُونَ بالضم [1] ، وهما لغتان وهو
الميزان صغيرا كان أو كبيرا أَيْ: بِمِيزَانِ الْعَدْلِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْقَبَّانُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ
رُومِيٌّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَرَبِيٌّ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِسْطِ
وَهُوَ الْعَدْلُ، أَيْ: زِنُوا بِالْعَدْلِ. الْمُسْتَقِيمِ
ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا، أَيْ: عَاقِبَةً.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 36 الى 38]
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً
(36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ
الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37) كُلُّ ذلِكَ
كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38)
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، قَالَ قَتَادَةُ:
لَا تقل رأيت ولم تر [2] وسمعت ولم تسمع [3] وعلمت ولم تعلم
[4] . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَرْمِ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ
لَكَ بِهِ عِلْمٌ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: لَا تُتْبِعْهُ
بِالْحَدْسِ والظن. وهو
__________
(1) في المطبوع «بضمة» .
(2) في المطبوع «تره» .
(3) في المطبوع «تسمعه» .
(4) في المطبوع «تعلمه» والمثبت عن المخطوط والطبري 22309.
(3/132)
فِي اللُّغَةِ اتِّبَاعُ الْأَثَرِ،
يُقَالُ: قَفَوْتُ فُلَانًا أَقْفُوهُ وَقَفَيْتُهُ
وَأَقْفَيْتُهُ إِذَا اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ، وَبِهِ سُمِّيَتِ
القافة [1] لِتَتَبُّعِهِمُ الْآثَارَ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ:
هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَفَا كَأَنَّهُ يَقْفُو الْأُمُورَ،
أَيْ: يَكُونُ فِي إِقْفَائِهَا يَتْبَعُهَا وَيَتَعَرَّفُهَا.
وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى لَا تَتَكَلَّمْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ
بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا، قِيلَ:
مَعْنَاهُ يُسْأَلُ الْمَرْءُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
وَفُؤَادِهِ.
وَقِيلَ: يُسْأَلُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْفُؤَادُ عَمَّا
فَعَلَهُ الْمَرْءُ. وَقَوْلُهُ: كُلُّ أُولئِكَ أَيْ كُلُّ
هَذِهِ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ، وَعَلَى الْقَوْلِ
الْأَوَّلِ يَرْجِعُ أُولَئِكَ إِلَى أربابها.
«1299» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
المليحي أنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن الحسن
أَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ محمد الرّفّاء ثنا أَبُو
الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ العزيز أنا الفضل بن دكين ثنا
[3] سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنِي بِلَالُ بْنُ
يَحْيَى الْعَبْسِيُّ أَنَّ شُتَيْرَ بْنَ شَكَلٍ أَخْبَرَهُ
عَنْ أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ علمني تعويذا أتعوذ به، قال: فَأَخَذَ
بِيَدِي ثُمَّ قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنَ شَرِّ سَمْعِي وَشَرِّ بَصَرِي وَشَرِّ لساني وشرّ قلبي
وشرّ منيّتي» قال: فحفظتها، قال سعد [4] : والمني مَاؤُهُ.
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، أَيْ بَطَرًا وَكِبْرًا
وَخُيَلَاءَ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمَشْيِ فَلِذَلِكَ أَخْرَجَهُ
عَلَى الْمَصْدَرِ، إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ، أَيْ:
لَنْ تَقْطَعَهَا بِكِبْرِكَ حَتَّى تَبْلُغَ آخِرَهَا، وَلَنْ
تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا أَيْ: لَا تَقْدِرُ أَنْ تُطَاوِلَ
الْجِبَالَ وَتُسَاوِيَهَا بِكِبْرِكَ، مَعْنَاهُ أَنَّ
الْإِنْسَانَ لَا يَنَالُ بِكِبْرِهِ وَبَطَرِهِ شَيْئًا
كَمَنْ يُرِيدُ خَرْقَ الْأَرْضِ وَمُطَاوَلَةَ الْجِبَالِ لَا
يَحْصُلُ عَلَى شَيْءٍ. وَقِيلَ: ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ
مَشَى مُخْتَالًا يمشي مرة على عقبه وَمَرَّةً عَلَى صُدُورِ
قَدَمَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ لَنْ تَنْقُبَ الْأَرْضَ
إِنْ مَشَيْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ
طُولًا إِنْ مَشَيْتَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْكَ.
«1300» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَنَا أبو
__________
1299- إسناده حسن، رجاله ثقات- وهو في «شرح السنة» 1363 بهذا
الإسناد.
- وأخرجه النسائي 8/ 259 من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين به.
- وأخرجه أبو داود 1551 والترمذي 3487 والنسائي 8/ 256- 260
وأحمد 3/ 429 والحاكم 1/ 533 من طرق عن سعد بن أوس به، وصححه
الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن غريب.
1300- صحيح بطرقه. إسناده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع، وفي
الإسناد المسعودي وهو صدوق لكنه اختلط، وكلاهما قد توبع.
- وكيع هو ابن الجراح، الْمَسْعُودِيُّ هُوَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود.
- وهو في «شرح السنة» 3646 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» بإثر 3637 عن
ابن وكيع بهذا الإسناد مطوّلا، وقال الترمذي: حسن صحيح. كذا
صححه المصنف في «شرح السنة» .
- وأخرجه أحمد 1/ 96 وأبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» 214 من طريق وكيع به.
(1) في المطبوع وط «القافية» وفي المخطوط «القامة» ، والمثبت
عن القرطبي 10/ 258 وفي الطبري 22314 «القيافة اتباع الأثر» .
(2) زيادة عن المخطوط.
3 تصحف في المطبوع «سعيد» .
4 تصحف في المطبوع «سعيد» . [.....]
(3/133)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى
إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا
مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ
وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ
لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي
هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا
نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا
يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا
(42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا
كَبِيرًا (43)
الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ ثَنَا أَبُو
عيسى الترمذي ثنا سفيان بن وكيع ثنا أَبِي عَنِ
الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ
عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مَطْعَمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ
صَبَبٍ.
«1301» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ] [1] الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو
الْقَاسِمِ الخزاعي أنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ [2] ثَنَا
أَبُو عيسى الترمذي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ
عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ: [مَا] [3] رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ
الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا
أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا
لِنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ.
كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ،
قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ بِرَفْعِ
الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْهَاءِ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَمَعْنَاهُ
كُلُّ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] كانَ سَيِّئُهُ
أَيْ: سَيِّئُ مَا عَدَدْنَا عَلَيْكَ عِنْدَ رَبِّكَ
مَكْرُوهًا لأن فيما عددنا أُمُورًا حَسَنَةً كَقَوْلِهِ:
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ [الإسراء: 26] وَاخْفِضْ لَهُما
جَناحَ الذُّلِّ [الإسراء: 24] وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ سَيِّئَةً مَنْصُوبَةً مُنَوَّنَةً يَعْنِي: كُلُّ
الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ سَيِّئَةٌ لَا حَسَنَةَ
فِيهِ، إِذِ الْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
دُونَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ مَكْرُوهَةً لِأَنَّ فيه تقديما
وتأخيرا تقديره وكل ذَلِكَ كَانَ مَكْرُوهًا سَيِّئَةً.
وَقَوْلُهُ: مَكْرُوهاً عَلَى التَّكْرِيرِ لَا عَلَى
الصِّفَةِ مَجَازُهُ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سيئة وكان مكروها،
وراجع إِلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، لِأَنَّ السيئة الذنب
وهو مذكر.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 39 الى 43]
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا
تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ
مَلُوماً مَدْحُوراً (39) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ
بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ
لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي
هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ
نُفُوراً (41) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ
إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42)
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (43)
__________
- أخرجه أحمد 1/ 127 من طريق المسعودي به.
- وأخرجه أحمد 1/ 116 و117 و134 من طرق عن نافع به.
- أخرجه أحمد 1/ 89 و101 وأبو يعلى 370 من رواية ابن الحنفية
عن علي بنحوه.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه.
1301- إسناده ضعيف، مداره على ابن لهيعة، وهو ضعيف الحديث.
- ابن لهيعة هو عبد الله، أبو يونس هو سليم بن جبير مولى أبي
هريرة.
- وهو في «شرح السنة» 3543 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» 3648 وفي
«الشمائل» 115 عن قتيبة به.
- وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
- وأخرجه أحمد 2/ 380 من طريق قتيبة به.
- وأخرجه أحمد 2/ 350 وأبو الشيخ 779 من طريقين عن ابن لهيعة
به.
- والحديث ضعيف بهذا اللفظ، وانظر «ضعيف سنن الترمذي» 750.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) تصحف في المطبوع «كليم» .
(3) سقط من المطبوع.
(3/134)
تُسَبِّحُ لَهُ
السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ
مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا
تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا
(44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا
(45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ
رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ
نُفُورًا (46)
ذلِكَ، الذي ذكر [1] ، مِمَّا أَوْحى
إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَكُلُّ مَا أَمَرَ
اللَّهُ به أو نهى الله عَنْهُ فَهُوَ حِكْمَةٌ. وَلا تَجْعَلْ
مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، خَاطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ
الْأُمَّةُ، فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً،
مَطْرُودًا مُبْعَدًا مِنْ كُلِّ خير.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ، أَيِ:
اخْتَارَكُمْ فَجَعَلَ لَكُمُ الصَّفْوَةَ وَلِنَفْسِهِ مَا
لَيْسَ بِصَفْوَةٍ، يَعْنِي اخْتَارَكُمْ، بِالْبَنِينَ
وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً لِأَنَّهُمْ كَانُوا
يَقُولُونَ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، إِنَّكُمْ
لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً، يخاطب مشركي مكة.
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ، يعني الْعِبَرِ [2]
وَالْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالْحُجَجِ
وَالْإِعْلَامِ [وَالتَّشْدِيدِ] [3] لِلتَّكْثِيرِ [4]
وَالتَّكْرِيرِ، لِيَذَّكَّرُوا أَيْ: لِيَتَذَكَّرُوا
وَيَتَّعِظُوا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِإِسْكَانِ
الذَّالِ وَضَمِّ الْكَافِ وَكَذَلِكَ فِي الْفُرْقَانِ. وَما
يَزِيدُهُمْ، تصريفنا وتذكيرنا وتكريرنا، إِلَّا نُفُوراً،
ذَهَابًا وَتَبَاعُدًا عَنِ الْحَقِّ.
قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، لَوْ كانَ
مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ، قَرَأَ حَفْصٌ وَابْنُ
كَثِيرٍ يَقُولُونَ بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّاءِ، إِذاً لَابْتَغَوْا، لَطَلَبُوا يَعْنِي
الْآلِهَةَ إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا، للمغالبة [5] والقهر
ليزيلوا ملكه [ويضادوا ما يفعله من الإيجاد والإعدام] [6] ،
كَفِعْلِ مُلُوكِ الدُّنْيَا بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ لَطَلَبُوا إِلَى ذِي العرش سبيلا [طريقا] [7]
بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ. قَالَ قَتَادَةُ: لَعَرَفُوا الله
بفضله وَابْتَغَوْا مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ
أَصَحُّ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ. فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ تقولون بالتاء [وقرأ] [8] الآخرون بالياء،
عُلُوًّا كَبِيراً.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 44 الى 46]
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ
فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً
غَفُوراً (44) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ
وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً
مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ
يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ
فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً
(46)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ
فِيهِنَّ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ
وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ «تُسَبِّحُ» بِالتَّاءِ وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِلْحَائِلِ بَيْنَ الْفِعْلِ
وَالتَّأْنِيثِ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ
بِحَمْدِهِ.
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ
حَيٍّ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
يَعْنِي الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّامِيَاتِ [9] ، وَقَالَ
عِكْرِمَةُ: الشَّجَرَةُ تسبح والأسطوانة [10] تُسَبِّحُ.
وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكرب قال: إن
__________
(1) في المطبوع «ذكرناه» .
(2) في المطبوع «الصبر» .
(3) زيد في المطبوع وط.
(4) في المخطوط «والتفكير» .
(5) في المطبوع «بالمبالغة» وكذا وط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) في المخطوط «النابتات» . [.....]
(10) زيد في المطبوع وط «لا» والمثبت عن المخطوط والطبري
23727.
(3/135)
التُّرَابَ يُسَبِّحُ مَا لَمْ يَبْتَلَّ،
فَإِذَا ابْتَلَّ تَرَكَ التَّسْبِيحَ، وَإِنَّ الخرزة لتسبح
مَا لَمْ تُرْفَعْ مِنْ مَوْضِعِهَا، فَإِذَا رُفِعَتْ
تَرَكَتِ التَّسْبِيحَ، وَإِنَّ الْوَرَقَةَ لَتُسَّبِحُ مَا
دَامَتْ عَلَى الشَّجَرَةِ فَإِذَا سَقَطَتْ تَرَكَتِ
التَّسْبِيحَ، وَإِنَّ الثَّوْبَ لَيُسَّبِحُ مَا دَامَ
جَدِيدًا فَإِذَا وَسِخَ تَرَكَ التَّسْبِيحَ، وَإِنَّ
الْمَاءَ يُسَبِّحُ مَا دَامَ جَارِيًا فَإِذَا رَكَدَ تَرَكَ
التَّسْبِيحَ، وإن الوحش [1] تُسَبِّحُ إِذَا صَاحَتْ فَإِذَا
سَكَنَتْ تَرَكَتِ التَّسْبِيحَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ جَمَادٍ [2] إِلَّا
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ حَتَّى صَرِيرُ الْبَابِ وَنَقِيضُ
السَّقْفِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كُلُّ الْأَشْيَاءِ تُسَبِّحُ لِلَّهِ
حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا أَوْ جَمَادًا وَتَسْبِيحُهَا
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ.
«1302» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [3]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن المثنى أنا أبو أحمد
الزبيري [4] أنا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا
تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ:
«اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ» فجاؤوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ
قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ:
«حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةِ مِنَ
اللَّهِ» فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ [بَيْنِ]
[5] أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ
وَهُوَ يُؤْكَلُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ المعاني: تسبيح السَّمَوَاتُ
وَالْأَرْضُ وَالْجَمَادَاتُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ سوى
العقلاء ما دامت تدل بِلَطِيفِ تَرْكِيبِهَا وَعَجِيبِ
هَيْئَتِهَا عَلَى خَالِقِهَا، فَيَصِيرُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ
التَّسْبِيحِ مِنْهَا. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ
السلف، واعلم أن الله تعالى [أودع] [6] عِلْمًا فِي
الْجَمَادَاتِ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ
يُوكَلَ عِلْمُهُ إِلَيْهِ. وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ، أَيْ لَا تَعْلَمُونَ تَسْبِيحَ مَا عَدَا مَنْ
يُسَبِّحُ بِلُغَاتِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ، إِنَّهُ كانَ
حَلِيماً غَفُوراً.
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً
(45) ، يَحْجُبُ قُلُوبَهُمْ عَنْ فَهْمِهِ وَالِانْتِفَاعِ
بِهِ. قَالَ قَتَادَةُ: وهو الْأَكِنَّةُ، وَالْمَسْتُورُ
بِمَعْنَى السَّاتِرِ كَقَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ
مَأْتِيًّا [مَرْيَمَ: 61]
__________
1302- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو أحمد الزبيري مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير
بن عمر بن درهم الأسدي، إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، منصور
بن المعتمر، إبراهيم بن يزيد النخعي، علقمة بن الأسود.
- وهو في «شرح السنة» 3607 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 3579 عن ابن
المثنى به.
- وأخرجه الترمذي 3633 وأحمد 1/ 460 والدارمي 1/ 14- 15 وأبو
نعيم في «الدلائل» 312 وابن أبي شيبة 11/ 474 والبيهقي في
«الإعتقاد» ص 272 من طرق عن إسرائيل به.
- وأخرجه النسائي 1/ 60- 61 وابن حبان 6540 والبيهقي في
«الدلائل» 4/ 129- 130 من طريق عبد الرزاق عَنْ سُفْيَانَ عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ إبراهيم به.
- وأخرجه الدارمي 1/ 15 وأبو نعيم في «الدلائل» 311 من طريق
عمارة بن زريق عن الأعمش به.
(1) زيد في المطبوع وط «الطير» .
(2) في المخطوط «جمادي» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «الزبير» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) سقط من المطبوع.
(3/136)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا
يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ
نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ
الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا
لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً
أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي
فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ
رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ
قَرِيبًا (51)
مفعول بمعنى الفاعل. وقيل: مستورا عَنْ
أَعْيُنِ النَّاسِ فَلَا يَرَوْنَهُ. وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ
بِالْحِجَابِ عَنِ الْأَعْيُنِ الظَّاهِرَةِ.
«1303» كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ
لَمَّا نَزَلَتْ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: 1]
جَاءَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ وَمَعَهَا حَجَرٌ وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ
تَرَهُ، فَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ أَيْنَ صَاحِبُكَ لَقَدْ
بَلَغَنِي أَنَّهُ هَجَانِي؟
فقال: والله ما ينطق عن الهوى ولا يَنْطِقُ بِالشِّعْرِ وَلَا
يَقُولُهُ، فَرَجَعَتْ وَهِيَ تَقُولُ قَدْ كُنْتُ جِئْتُ
بِهَذَا الْحَجَرِ لِأَرْضَخَ رَأْسَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
مَا رَأَتْكَ يَا رسول الله، قال: «لا يَزَلْ مَلَكٌ بَيْنِي
وَبَيْنَهَا يَسْتُرُنِي» .
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً، أَغْطِيَةً، أَنْ
يَفْقَهُوهُ، كراهية أن يفقهوا. وقيل: لئلا يفقهوا، وَفِي
آذانِهِمْ وَقْراً، ثِقْلًا لِئَلَّا يَسْمَعُوهُ [1] . وَإِذا
ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ، يَعْنِي إِذَا
قُلْتَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَأَنْتَ
تَتْلُوهُ، وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً، جَمْعُ
نَافِرٍ مِثْلِ قَاعِدٍ وَقُعُودٍ وَجَالِسٍ وَجُلُوسٍ، أَيْ
نافرين.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 47 الى 51]
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ
إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ
تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47) انْظُرْ كَيْفَ
ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ
سَبِيلاً (48) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) قُلْ كُونُوا
حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي
فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ
رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ
قَرِيباً (51)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ، قِيلَ: بِهِ صِلَةٌ
أَيْ: يَطْلُبُونَ سَمَاعَهُ [2] ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ
إِلَيْكَ، وَأَنْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَإِذْ هُمْ نَجْوى،
يتناجون في أمرك. وقيل: ذووا نجوى، فبعضهم يقول هو مَجْنُونٌ،
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ كَاهِنٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سَاحِرٌ،
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ شَاعِرٌ. إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ،
يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابَهُ، إِنْ
تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً، مَطْبُوبًا. وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: مَخْدُوعًا. وَقِيلَ: مَصْرُوفًا عَنِ الْحَقِّ.
يُقَالُ: مَا سَحَرَكَ عَنْ كذا أي ما صرفك عنه؟ وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ: أَيْ رَجُلًا لَهُ سَحْرٌ، وَالسَّحْرُ الرِّئَةُ
أَيْ إنه بشر مثلكم تغذى معللا بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ. قَالَ الشاعر:
أرانا [3] موضعين لأمر غيب ... ونسحر [4] بالطعام وبالشراب
__________
1303- حسن بشواهده. أخرجه أبو يعلى 25 وابن حبان 6511 والبزار
2294 من حديث ابن عباس.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 11529 وقال: قال البزار إسناده
حسن، مع أن فيه عطاء بن السائب اختلط هـ.
- وحسنه الحافظ في «الفتح» 8/ 738.
- وأخرجه الحاكم 2/ 526 من حديث زيد بن أرقم وأعله الحاكم
بالإرسال، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه الحميدي 323 والحاكم 2/ 361 والواحدي في «الوسيط» 3/
110 من حديث أسماء وصححه، ووافقه الذهبي مع أن في إسناده ابن
تدرس، وهو مجهول.
- وللحديث شواهد ضعيفة لكن تتأيد بمجموعها، ويعلم أن للحديث
أصلا، والله أعلم. وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان» .
(1) في المخطوط «يسمعوا» .
(2) في المطبوع «سمعه» .
(3) تصحف في المطبوع «أرنا» .
(4) في المطبوع «ويسحر» .
(3/137)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ
فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ
إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ
الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ
يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
(54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ
وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
أي: يغذي ويعلل.
انْظُرْ، يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ،
الأشباه، فقالوا شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ وَكَاهِنٌ وَمَجْنُونٌ،
فَضَلُّوا، فَحَارُوا وَحَادُوا، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا
أَيْ: وُصُولًا إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ.
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً بعد الموت، قَالَ
مُجَاهِدٌ: تُرَابًا. وَقِيلَ: حُطَامًا. والرفات: كل ما يكسر
ويبلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَالْفُتَاتِ وَالْحُطَامِ.
أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً.
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً،
فِي الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَمْرِ
إِلْزَامٍ بَلْ هُوَ أَمْرُ تَعْجِيزٍ، أَيِ: اسْتَشْعِرُوا
فِي قُلُوبِكُمْ أَنَّكُمْ حِجَارَةٌ أَوْ حَدِيدٌ فِي
الْقُوَّةِ.
أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ، قِيلَ
السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ
وَعِكْرِمَةُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ الْمَوْتُ،
فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ ابْنِ آدَمَ شَيْءٌ أَكْبَرُ مِنَ
الْمَوْتِ، أَيْ: ولو كُنْتُمُ الْمَوْتَ بِعَيْنِهِ
لَأُمِيتَنَّكُمْ وَلَأَبْعَثَنَّكُمْ، فَسَيَقُولُونَ مَنْ
يُعِيدُنا، مَنْ يَبْعَثُنَا بَعْدَ الْمَوْتِ، قُلِ الَّذِي
فَطَرَكُمْ، خَلَقَكُمْ، أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى
الْإِنْشَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِعَادَةِ، فَسَيُنْغِضُونَ
إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ، أَيْ: يُحَرِّكُونَهَا إِذَا قُلْتَ
لَهُمْ ذَلِكَ مُسْتَهْزِئِينَ بِهَا، وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ،
أَيِ: الْبَعْثُ وَالْقِيَامَةُ، قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ
قَرِيباً، أَيْ: هُوَ قَرِيبٌ، لِأَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ
وَاجِبٌ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ
السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب: 63] .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 52 الى 55]
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ
إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52) وَقُلْ لِعِبادِي
يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ
بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا
مُبِيناً (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ
يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما
أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ
بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ
النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى مَوْقِفِ
الْقِيَامَةِ، فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: بِأَمْرِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِطَاعَتِهِ.
وَقِيلَ: مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَبَاعِثُهُمْ
وَيَحْمَدُونَهُ حِينَ [1] لَا يَنْفَعُهُمُ الْحَمْدُ.
وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين
[له] [2] وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ، فِي الدُّنْيَا أو في
الْقُبُورِ، إِلَّا قَلِيلًا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لو مكث
أوفا من السنين في الدنيا أو في القبور عَدَّ ذَلِكَ قَلِيلًا
فِي مُدَّةِ الْقِيَامَةِ وَالْخُلُودِ. قَالَ قَتَادَةُ:
يَسْتَحْقِرُونَ مُدَّةَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَ
الْمُسْلِمِينَ فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا لِلْكَافِرِينَ الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ وَلَا يُكَافِئُوهُمْ بِسَفَهِهِمْ. قَالَ الْحَسَنُ:
يَقُولُ لَهُ يَهْدِيكَ اللَّهُ.
وَكَانَ هَذَا قَبْلَ الْإِذْنِ فِي الْجِهَادِ وَالْقِتَالِ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ] [3] شَتَمَهُ بَعْضُ الْكُفَّارِ فَأَمَرَهُ
اللَّهُ بِالْعَفْوِ.
وَقِيلَ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَقُولُوا
وَيَفْعَلُوا الَّتِي هِيَ أحسن أي: الخصلة [4] الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ. وَقِيلَ:
الْأَحْسَنُ: كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ. إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، أَيْ:
يُفْسِدُ وَيُلْقِي الْعَدَاوَةَ بَيْنَهُمْ،
__________
(1) تصحف في المطبوع «حتى» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع وط «الخلة» .
(3/138)
قُلِ ادْعُوا
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ
الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ
أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ
عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ
عَدُوًّا مُبِيناً، ظَاهِرَ الْعَدَاوَةِ.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ،
يُوَفِّقْكُمْ لتؤمنوا [فيثيبكم على الإيمان] [1] ، أَوْ إِنْ
يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ، يُمِيتُكُمْ عَلَى الشِّرْكِ
فَتُعَذَّبُوا، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ فَيُنْجِيكُمْ
مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَإِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ
فَيُسَلِّطَهُمْ عَلَيْكُمْ، وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ
وَكِيلًا حَفِيظًا وَكَفِيلًا. قِيلَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ
الْقِتَالِ.
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ:
رَبُّكَ الْعَالِمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
فَجَعَلَهُمْ مُخْتَلِفِينَ في صورهم وأخلاقهم وأحوالهم وما
لهم [2] ، وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى
بَعْضٍ، قِيلَ جَعَلَ أَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
مُخْتَلِفِينَ كَمَا فَضَّلَ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى
بَعْضٍ. قَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اتَّخَذَ
اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَكَلَّمَ [3] مُوسَى
تَكْلِيمًا وَقَالَ لِعِيسَى كُنْ فَيَكُونُ، وَآتَى
سُلَيْمَانَ مُلْكًا [4] لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ
بَعْدِهِ، وَآتَى دَاوُدَ زَبُورًا كَمَا قَالَ: وَآتَيْنا
داوُدَ زَبُوراً، وَالزَّبُورُ كِتَابٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ
دَاوُدَ يَشْتَمِلُ عَلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سُورَةً
كُلُّهَا دُعَاءٌ وَتَمْجِيدٌ وَثَنَاءٌ عَلَى الله عزّ وجلّ،
ليس فِيهَا حَرَامٌ وَلَا حَلَالٌ وَلَا فرائض ولا حدود،
ومعناه:
إِنَّكُمْ لَمْ تُنْكِرُوا تَفْضِيلَ النَّبِيِّينَ فَكَيْفَ
تُنْكِرُونَ فَضْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِعْطَاءَهُ الْقُرْآنَ؟ وَهَذَا خِطَابٌ مَعَ
مَنْ يُقِرُّ بِتَفْضِيلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ مِنْ أهل الكتاب وغيرهم.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 57]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا
يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56)
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ
وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً
(57)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ
مِنْ دُونِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَصَابَهُمْ
قَحْطٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْكِلَابَ وَالْجِيَفَ
فَاسْتَغَاثُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِيَدْعُوَ لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلِ
لِلْمُشْرِكِينَ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ
فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ، الْقَحْطِ وَالْجُوعِ،
عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا، إِلَى غَيْرِكُمْ أَوْ تَحْوِيلَ
الْحَالِ مِنَ الْعُسْرِ إِلَى الْيُسْرِ.
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ، يَعْنِي الَّذِينَ يَدْعُونَهُمُ المشركون آلهة
[و] يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: هم
عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ، وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ، يَبْتَغُونَ أَيْ يَطْلُبُونَ إِلَى
رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، أَيِ: الْقُرْبَةَ. وقيل: الوسيلة
الدرجة [أَيْ: يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ
الدَّرَجَةِ] [5] الْعُلْيَا. وَقِيلَ: الْوَسِيلَةُ كُلُّ مَا
يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ:
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، مَعْنَاهُ يَنْظُرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
إِلَى اللَّهِ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ يَبْتَغِي الْوَسِيلَةَ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ،
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ، جَنَّتَهُ، وَيَخافُونَ عَذابَهُ
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً، أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ
الْحَذَرُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: نَزَلَتِ
الْآيَةُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ
نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَلَمْ
يَعْلَمِ الْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ
بِإِسْلَامِهِمْ، فَتَمْسَّكُوا بِعِبَادَتِهِمْ فَعَيَّرَهُمُ
اللَّهُ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ
«الذين تدعون» بالتاء.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) تصحف في المطبوع «ملكهم» .
(3) زيد في المطبوع «الله» .
(4) زيد في المطبوع «عظيما» .
(5) زيد في المطبوع وط.
(3/139)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ
إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ
مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ
مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ
إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ
النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ
بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ
رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا
الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا
يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
[سورة الإسراء (17) : الآيات 58 الى 60]
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ
الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ
فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (58) وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ
بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا
ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ
بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59) وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ
رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي
أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما
يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (60)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ وَمَا مِنْ قَرْيَةٍ، إِلَّا نَحْنُ
مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ، أي: مخربوها ومهلكو
أَهْلَهَا، أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً، بِأَنْوَاعِ
الْعَذَابِ إِذَا كَفَرُوا وَعَصَوْا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ
وَغَيْرُهُ: مُهْلِكُوهَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ
بِالْإِمَاتَةِ وَمُعَذِّبُوهَا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ
بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا
وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ أذن الله في إهلاكها. كانَ ذلِكَ فِي
الْكِتابِ، فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، مَسْطُوراً،
مَكْتُوبًا.
«1304» قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ
أَوَّلَ مَا خَلَقَ الله القلم فقال [له] [1] اكتب، قال: مَا
أَكْتُبُ؟ قَالَ الْقَدَرُ، وَمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ
إِلَى الأبد» .
قوله: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ
كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ.
«1305» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ [رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] أَنْ يَجْعَلَ
لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ
فَيَزْرَعُوا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَسُولِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ شِئْتَ أَنْ
أَسَتَأْنِيَ بِهِمْ فَعَلْتُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُوتِيهِمْ
مَا سَأَلُوا فَعَلْتُ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَهْلَكْتُهُمْ
كَمَا أَهْلَكْتُ من كان قبلهم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا بَلْ تَسْتَأْنِي بِهِمْ» ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما مَنَعَنا أَنْ
نُرْسِلَ بِالْآياتِ. الَّتِي سَأَلَهَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ
إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ فَأَهْلَكْنَاهُمْ،
فَإِنْ لَمْ يُؤَمِنْ قَوْمُكَ بَعْدَ إِرْسَالِ الآيات
أهلكناهم، لأن من شأننا فِي الْأُمَمِ إِذَا سَأَلُوا
الْآيَاتِ ثم لم يؤمنوا
__________
1304- جيد. أخرجه أبو داود 4700 من طريق أبي حفصة عن عبادة بن
الصامت مرفوعا.
- وأخرجه الترمذي 2155 وأحمد 5/ 317 من طريق الوليد بن عبادة
عن أبيه مرفوعا، مع اختلاف يسير فيه.
- وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى 2329 والبيهقي 9/
3 وفي «الأسماء والصفات» وإسناده حسن في الشواهد.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 7/ 190 من حديث ابن عباس وقال:
رواه البزار، ورجاله ثقات اهـ.
- وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة أخرجه الآجري في «الشريعة»
168 وإسناده ضعيف، لضعف الحسن بن يحيى الخشني.
1305- إسناده قوي، أخرجه النسائي في «التفسير» 310 وأحمد 1/
258 والبري 22398 والحاكم 2/ 362 والبيهقي في «الدلائل» 2/ 371
والواحدي في «أسباب النزول» 579 من طرق عن جرير عن الأعمش عن
جعفر بن إياس عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس به،
وإسناده حسن صحيح.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه البزار 2224 والبيهقي في «الدلائل» 2/ 272 من حديث
سلمة بن كهيل عن عمران السلمي عن ابن عباس به.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 7/ 50 وقال: ورجال الروايتين رجال
الصحيح ... اهـ.
- وصححه أحمد شاكر في «المسند» 2333.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) سقط من المخطوط.
(3/140)
وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا
إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ
أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ
ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ
تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً
مَوْفُورًا (63)
بَعْدَ إِتْيَانِهَا أَنْ نُهْلِكَهُمْ
وَلَا نمهلهم، وقد حكمنا بإمهال هذه الأمة في العذاب، فَقَالَ
جَلَّ ذِكْرُهُ: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ
أَدْهى وَأَمَرُّ (64) [الْقَمَرِ: 46] ، ثُمَّ قَالَ:
وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً، مضيئة مبينة [1] ،
فَظَلَمُوا بِها، أَيْ: جَحَدُوا بِهَا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ كَمَا قَالَ: بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ
[الْأَعْرَافِ: 9] ، أَيْ: يَجْحَدُونَ. وَقِيلَ: ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ بِتَكْذِيبِهَا يُرِيدُ فَعَاجَلْنَاهُمْ
بِالْعُقُوبَةِ. وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ أَيِ: الْعِبَرِ
وَالدَّلَالَاتِ، إِلَّا تَخْوِيفاً، لِلْعِبَادِ لِيُؤْمِنُوا
قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ النَّاسَ
بِمَا شَاءَ مِنْ آيَاتِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ
أَحاطَ بِالنَّاسِ، أَيْ: هُمْ فِي قَبْضَتِهِ لَا يَقْدِرُونَ
عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ مَشِيئَتِهِ فَهُوَ حَافِظُكَ
وَمَانِعُكَ مِنْهُمْ فَلَا تَهَبْهُمْ وَامْضِ إلى ما أمر
الله بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، كَمَا قَالَ:
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [الْمَائِدَةِ: 67] ، وَما
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً
لِلنَّاسِ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ
مَا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ. قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَمَسْرُوقٍ وَقَتَادَةَ
وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَكْثَرِينَ.
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي رُؤْيَةً وَرُؤْيَا،
فَلَمَّا ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَّبُوا
وكان فِتْنَةً لِلنَّاسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: أُسْرِيَ بِرُوحِهِ
دُونَ بَدَنِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كان له معراجان رُؤْيَةٍ
بِالْعَيْنِ وَمِعْرَاجُ رُؤْيَا بِالْقَلْبِ، وَقَالَ قَوْمٌ:
أَرَادَ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا مَا رَأَى صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ دَخَلَ مكة
هو وأصحابه فجعل السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ
فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَكَانَ رُجُوعُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بعد ما أَخْبَرَ
أَنَّهُ يَدْخُلُهَا [2] فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ، حَتَّى
دَخَلَهَا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا
بِالْحَقِّ [الْفَتْحِ: 27] ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ
فِي الْقُرْآنِ، يَعْنِي شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، مَجَازُهُ
وَالشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ،
وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ طَعَامٍ كَرِيهٍ: طَعَامٌ
مَلْعُونٌ. وقيل: معناه الملعون أهلها [3] ، وَنُصِبَ
الشَّجَرَةُ عَطْفًا عَلَى الرُّؤْيَا، أَيْ: وَمَا جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ
إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، فَكَانَتِ الْفِتْنَةُ فِي
الرُّؤْيَا مَا ذَكَرْنَا، وَالْفِتْنَةُ فِي الشَّجَرَةِ
الْمَلْعُونَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي
كَبْشَةَ يُوعِدُكُمْ بِنَارٍ تُحْرِقُ الْحِجَارَةَ ثُمَّ
يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهَا شَجَرَةٌ، وَتَعْلَمُونَ
أَنَّ النَّارَ تحرق الشجر.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزِّبَعْرَى قَالَ:
إِنَّ مُحَمَّدًا يُخَوِّفُنَا بِالزَّقُّومِ وَلَا نَعْرِفُ
الزَّقُّومَ إِلَّا الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ.
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا جَارِيَةُ تَعَالِي فَزَقِّمِينَا
فَأَتَتْ بِالتَّمْرِ وَالزُّبْدِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ
تَزَقَّمُوا فَإِنَّ هَذَا مَا يُخَوِّفُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ،
فَوَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّافَّاتِ [62] .
وَقِيلَ: الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ هِيَ الَّتِي تَلْتَوِي
عَلَى الشَّجَرِ فتخنقه [4] ، يَعْنِي الْكَشُوثَ،
وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ، التَّخْوِيفُ، إِلَّا
طُغْياناً كَبِيراً أَيْ: تمردا وعتوا عظيما في قوله عزّ وجلّ:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 63]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا
إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61)
قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ
ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ
تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً
مَوْفُوراً (63)
__________
(1) في المطبوع «بينة» .
(2) زيد في المطبوع «فكان رجوعه» . [.....]
(3) في المطبوع وط «أكلها» .
(4) في المخطوط وط «فتجففه» .
(3/141)
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ
اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ
بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ
إِلَّا غُرُورًا (64)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ
خَلَقْتَ طِيناً أَيْ: خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ أَنَا جِئْتُ
بِهِ، وَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ إِبْلِيسَ
حَتَّى أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابِ الأرض من عذبها ومالحها
فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ، فَمَنْ خَلَقَهُ من العذاب فَهُوَ
سَعِيدٌ وَإِنْ كَانَ ابْنَ كافرين، ومن خلقه من المالح [1]
فَهُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ كَانَ ابْنَ مؤمنين [2] .
قالَ، يَعْنِي إِبْلِيسُ، أَرَأَيْتَكَ أَيْ أَخْبِرْنِي
وَالْكَافُ لِتَأْكِيدِ الْمُخَاطَبَةِ، هذَا الَّذِي
كَرَّمْتَ عَلَيَّ أَيْ: فَضَّلْتَهُ عَلَيَّ: لَئِنْ
أَخَّرْتَنِ أَمْهَلْتَنِي إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ
لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أَيْ: لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ
بِالْإِضْلَالِ، يُقَالُ احْتَنَكَ الْجَرَادُ الزَّرْعَ إِذَا
أَكَلَهُ كُلَّهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ
حَنَّكَ الدَّابَّةَ يُحَنِّكُهَا [3] إِذَا شَدَّ فِي حنكها
الأسفل حبلا يقودها [به] [4] ، أَيْ لَأَقُودَنَّهُمْ كَيْفَ
شِئْتُ. وَقِيلَ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ
بِالْإِغْوَاءِ، إِلَّا قَلِيلًا، يَعْنِي الْمَعْصُومِينَ
الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْلِهِ:
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الْحِجْرِ:
42] .
قالَ اللَّهُ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ
جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ أي: جزاءك وَجَزَاءُ أَتْبَاعِكَ، جَزاءً
مَوْفُوراً، وَافِرًا مكملا، تقول [5] : وفرته أوفره وفرا.
[سورة الإسراء (17) : آية 64]
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ
وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي
الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ
الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (64)
وقوله: وَاسْتَفْزِزْ [أي] [6] استخفف [واستزل] [7]
وَاسْتَجْهِدْ [8] مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ، أَيْ: مِنْ
ذُرِّيَّةِ آدَمَ، بِصَوْتِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَقَتَادَةُ: بِدُعَائِكَ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكُلُّ
دَاعٍ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ ادْعُهُمْ دعاء تستفزهم به
إلى إجابتك [9] ، أَيْ: تَسْتَخِفُّهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
بِالْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ
بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، قِيلَ: اجْمَعْ عَلَيْهِمْ مَكَايِدَكَ
وَخَيْلَكَ، يقال: أجلبوا وجلبوا إِذَا صَاحُوا، يَقُولُ: صِحْ
بِخَيْلِكَ ورجلك واحتثهم [10] بالإغواء، [و] قَالَ مُقَاتِلٌ:
اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِرُكْبَانِ جُنْدِكَ وَمُشَاتِهِمْ،
وَالْخَيْلُ: الرُّكْبَانِ، وَالرَّجِلُ: الْمُشَاةُ.
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي
مَعَاصِي اللَّهِ فَهُوَ مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرَجِلًا
مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَهُوَ كُلُّ مَنْ يُقَاتِلُ فِي
الْمَعْصِيَةِ، وَالرَّجُلُ وَالرَّجَّالَةُ وَالرَّاجِلَةُ
وَاحِدٌ، يُقَالُ: رَاجِلٌ وَرَجُلٌ مِثْلُ تَاجِرٍ وَتَجُرٍّ
وراكب وركب.
__________
(1) في المطبوع «الملح» .
(2) في المطبوع «نبي» وعند الطبري 22458 «نبيين» وكذا في- ط
والمثبت عن المخطوط أقرب للصواب، فليس من النساء نبي.
(3) في المطبوع «يحنك» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «يقال» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المخطوط «واستجهل» .
(9) في المطبوع «جانبك» .
(10) في المطبوع «وأحثهم» .
(3/142)
وَقَرَأَ حَفْصٌ وَرَجِلِكَ بِكَسْرِ
الْجِيمِ وَهُمَا لُغَتَانِ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ
وَالْأَوْلادِ، فَالْمُشَارَكَةُ فِي الْأَمْوَالِ كُلُّ مَا
أُصِيبَ مِنْ حَرَامٍ أَوْ أُنْفِقَ فِي حَرَامٍ، هَذَا قَوْلُ
مُجَاهِدٍ وَالْحُسْنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ الرِّبَا وَقَالَ قَتَادَةُ هُوَ مَا
كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحَرِّمُونَهُ مِنَ الْأَنْعَامِ
كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ.
وَقَالَ الضَّحَاكُ: هُوَ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَهُ
لِآلِهَتِهِمْ. وَأَمَّا المشاركة [1] فِي الْأَوْلَادِ رُوِيَ
عَنِ ابْنِ عباس: أنها الموؤدة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
وَالضَّحَاكُ: هُمْ أَوْلَادُ الزِّنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ
وَقَتَادَةُ: هُوَ أَنَّهُمْ هَوَّدُوا أَوْلَادَهُمْ
وَنَصَّرُوهُمْ وَمَجَّسُوهُمْ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [فِي]
[2] رِوَايَةِ أُخْرَى: هُوَ تَسْمِيَتُهُمُ الْأَوْلَادَ
عَبْدَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ شَمْسٍ وَعَبْدَ الْعُزَّى
وَعَبْدَ الدَّارِ وَنَحْوَهَا. وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَقْعُدُ عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ
فَإِذَا لَمْ يَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَصَابَ مَعَهُ
امْرَأَتَهُ وَأَنْزَلَ فِي فَرْجِهَا كَمَا يُنْزِلُ
الرَّجُلُ [3] .
«1306» وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ «إِنَّ فِيكُمْ
مُغْرِبِينَ» قِيلَ: وَمَا الْمُغْرِبُونَ؟ قَالَ: «الَّذِينَ
يُشَارِكُ فِيهِمُ الْجِنُّ» .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ
امْرَأَتِي اسْتَيْقَظَتْ وَفِي فَرْجِهَا شُعْلَةٌ مِنْ
نَارٍ، قَالَ: ذَلِكَ مِنْ وَطْءِ الْجِنِّ [4] .
وَفِي الْآثَارِ: أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أُخْرِجَ إِلَى
الْأَرْضِ، قَالَ: يَا رَبِّ أَخْرَجْتَنِي مِنَ الْجَنَّةِ
لِأَجْلِ آدَمَ فَسَلِّطْنِي عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ،
قَالَ: أَنْتَ مُسَلَّطٌ، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُهُ إِلَّا
بِكَ فَزِدْنِي، قَالَ: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ
مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ الْآيَةَ، فَقَالَ آدَمُ: يَا رَبِّ
سَلَّطْتَ إِبْلِيسَ عَلَيَّ وَعَلَى ذُرِّيَّتِي وَإِنِّي لَا
أَسْتَطِيعُهُ إِلَّا بِكَ، قَالَ: لَا يُولَدُ لَكَ وَلَدٌ
إِلَّا وَكَّلْتُ بِهِ من يحفظه، فقال: زِدْنِي، قَالَ:
الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالسَّيِّئَةُ
بِمِثْلِهَا، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: التَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ
مَا دَامَ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ، فَقَالَ: زِدْنِي، قَالَ:
يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:
53] الآية.
وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: يَا رَبِّ بَعَثْتَ
أَنْبِيَاءَ وَأَنْزَلْتَ كتبا فما قرآني [5] ؟ قال: [قرآنك]
[6] الشِّعْرُ، قَالَ: فَمَا كِتَابِي؟ قَالَ: الْوَشْمُ،
قَالَ: وَمَنْ رُسُلِي؟ قَالَ: الْكَهَنَةُ، قَالَ: وَأَيْنَ
مَسْكَنِي؟ قَالَ: الْحَمَّامَاتُ، قَالَ: وَأَيْنَ مَجْلِسِي؟
قَالَ: الأسواق، قال: فما مَطْعَمِي؟ قَالَ: مَا لَمْ يُذْكَرْ
عليه اسمي [7] ، قال: ما شرابي؟
قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ، قَالَ: وَمَا حِبَالِي؟ قَالَ:
النِّسَاءُ، قَالَ: وَمَا أَذَانِي؟ قَالَ: الْمَزَامِيرُ [8]
. قَوْلُهُ عَزَّ وجلّ:
وَعِدْهُمْ، أي: خذ [أَيْ: مَنِّهِمُ] [9] الْجَمِيلَ فِي
طَاعَتِكَ. وَقِيلَ: قُلْ لَهُمْ لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ
وَلَا بَعْثَ.
وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً، وَالْغُرُورُ
تَزْيِينُ الْبَاطِلِ بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ الحق، فإن قيل:
كيف يذكر اللَّهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ
اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ [الْأَعْرَافِ: 28] ؟
قِيلَ: هَذَا عَلَى طَرِيقِ التهديد، كقوله
__________
1306- ضعيف جدا. أخرجه أبو داود 5107 من طريق ابن جريج عن أبيه
عن أم حميد عن عائشة مرفوعا، وإسناده ضعيف جدا، والمتن شبه
موضوع، أم حميد لا يعرف حالها، قاله الحافظ في «التقريب» وعبد
العزيز بن جريج والد ابن جريج، لين الحديث، غير حجة، وابن جريج
مدلس، وقد عنعن.
(1) في المطبوع «الشركة» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
3 هكذا ساقه تعليقا عن جعفر بن محمد وعن ابن عباس، وهو باطل لا
أصل له عن ابن عباس وجعفر بن محمد.
4 هكذا ساقه تعليقا عن جعفر بن محمد وعن ابن عباس، وهو باطل لا
أصل له عن ابن عباس وجعفر بن محمد.
(5) في المطبوع «قراءتي» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) العبارة في المخطوط «كل شيء لم يذكر عليه اسم الله» .
(8) هذا الأثر متلقى عن أهل الكتاب وكذا الذي قبله.
(9) العبارة في المطبوع «خذ منهم» .
(3/143)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ
لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
(66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ
تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ
أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ
يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ
وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً
أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ
فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ
عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ
خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ
بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ
فَتِيلًا (71)
تَعَالَى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ
[فُصِّلَتْ: 40] ، وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: افْعَلْ مَا شِئْتَ
فسترى.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 65 الى 69]
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى
بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65) رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ
الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ
كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي
الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا
نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ
كَفُوراً (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ
الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لَا تَجِدُوا
لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ
تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ
فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ
عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69)
قَوْلُهُ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ
وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) ، أَيْ حَافِظًا بمن [1]
يُوكِلُ الْأَمْرَ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ
الْفُلْكَ أَيْ: يَسُوقُ وَيُجْرِي لَكُمُ الْفُلْكَ، فِي
الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، لِتَطْلُبُوا مِنْ
رِزْقِهِ، إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً.
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ، الشِّدَّةُ وَخَوْفُ الْغَرَقِ،
فِي الْبَحْرِ ضَلَّ، أَيْ: بَطَلَ وَسَقَطَ، مَنْ تَدْعُونَ،
مِنَ الْآلِهَةِ، إِلَّا إِيَّاهُ، إِلَّا اللَّهُ فَلَمْ
تَجِدُوا مغيثا سواه، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ، أَجَابَ
دُعَاءَكُمْ وَأَنْجَاكُمْ مِنْ هَوْلِ الْبَحْرِ
وَأَخْرَجَكُمْ، إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ [أغمضتم] [2]
عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَالطَّاعَةِ كُفْرًا
مِنْكُمْ لِنِعَمِهِ، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً.
أَفَأَمِنْتُمْ، بَعْدَ ذَلِكَ، أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ،
يُغَوِّرَ بِكُمْ، جانِبَ الْبَرِّ، نَاحِيَةَ الْبَرِّ وَهِيَ
الْأَرْضُ، أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً، أَيْ: يُمْطِرُ
عَلَيْكُمْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَا أَمْطَرَ عَلَى
قَوْمِ لُوطٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبِيُّ:
الْحَاصِبُ الرِّيحُ الَّتِي تَرْمِي بِالْحَصْبَاءِ، وَهِيَ
الْحَصَا الصِّغَارُ، ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا، قال
قتادة: مانعا [يمنع عنكم ما فعلنا بكم] [3] .
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ، يَعْنِي فِي
الْبَحْرِ، تارَةً مَرَّةً، أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ
قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: عَاصِفًا
وَهِيَ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ
الرِّيحُ الَّتِي تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ، أَيْ تَدُقُّهُ
وَتُحَطِّمُهُ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: هِيَ الَّتِي تَقْصِفُ
الشَّجَرَ، أَيْ تُكَسِّرُهُ، فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ
ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً، نَاصِرًا
ولا ثائرا، وتبيع بِمَعْنَى تَابِعٍ أَيْ [تَابِعًا مُطَالِبًا
بِالثَّأْرِ] [4] . وَقِيلَ: مَنْ يُتْبِعُنَا بِالْإِنْكَارِ،
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «أَنْ نَخْسِفَ،
وَنُرْسِلَ، وَنُعِيدَكُمْ، فَنُرْسِلَ، فَنُغْرِقَكُمْ» ،
بِالنُّونِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ عَلَيْنا وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: إِلَّا إِيَّاهُ، وَقَرَأَ
أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ فتغرقكم بالتاء يعني الريح.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 70 الى 71]
وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ
عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (70) يَوْمَ
نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ
بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا
يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)
__________
(1) في المطبوع «ومن» وفي- ط «من» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) العبارة في المخطوط «طالبا للثأر» .
(3/144)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ
كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ
قَالَ: هُوَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي وَغَيْرُ
الْآدَمِيِّ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنَ الْأَرْضِ. وَرُوِيَ عَنْهُ
أنه قال: بالعقل [الذي يميز به بين الحسن والقبح] [1] .
وَقَالَ الضَّحَاكُ: بِالنُّطْقِ. وَقَالَ عَطَاءٌ:
بِتَعْدِيلِ الْقَامَةِ وَامْتِدَادِهَا، وَالدَّوَابُّ
مُنْكَبَّةٌ عَلَى وُجُوهِهَا. وَقِيلَ:
بِحُسْنِ الصُّورَةِ. وَقِيلَ: الرِّجَالُ بِاللِّحَى
وَالنِّسَاءُ بِالذَّوَائِبِ.
وَقِيلَ: بِأَنْ سَخَّرَ لَهُمْ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ.
وَقِيلَ: بِأَنَّ مِنْهُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ. وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، أَيْ:
حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ عَلَى الدَّوَابِّ وَفِي الْبَحْرِ
عَلَى السُّفُنِ، وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، يعني:
لذيذ الطعام والشراب [2] .
قَالَ مُقَاتِلٌ: السَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالتَّمْرُ
وَالْحَلْوَى، وَجَعَلَ رِزْقَ غَيْرِهِمْ مَا لا يخفى [عليكم
من التبن والعظام وغيرها] [3] وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ
مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ
فَضَّلَهُمْ على كثير من خلقه لَا عَلَى الْكُلِّ. وَقَالَ
قَوْمٌ: فُضِّلُوا عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إِلَّا عَلَى
الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فُضِّلُوا عَلَى
الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ إِلَّا عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ
وَمَلَكِ الْمَوْتِ، وَأَشْبَاهِهِمْ.
وَفِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ اخْتِلَافٌ،
فَقَالَ قَوْمٌ: فُضِّلُوا عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَعَلَى
الْمَلَائِكَةِ كُلِّهِمْ، وَقَدْ يُوضَعُ الْأَكْثَرُ
مَوْضِعَ الْكُلِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ
عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) [الشعراء: 221] ،
إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ
[الشُّعَرَاءِ: 223] أَيْ: كُلُّهُمْ.
«1307» وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ قَالَ:
«لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ قَالَتِ
الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبُّ خَلَقْتَهُمْ يَأْكُلُونَ
وَيَشْرَبُونَ وَيَنْكِحُونَ فَاجْعَلْ لَهُمُ الدُّنْيَا
وَلَنَا الْآخِرَةَ، فَقَالَ تَعَالَى: «لَا أَجْعَلُ مَنْ
خَلَقْتُهُ بِيَدِي وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كَمَنْ
قُلْتُ لَهُ: كُنْ فَكَانَ» . وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ:
عَوَامُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامَّ
الْمَلَائِكَةِ، وَخَوَاصُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ مِنْ
خَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) [الْبَيِّنَةِ: 7] ، وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [4] أَنَّهُ قَالَ:
المؤمن من أفضل وأكرم عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
الَّذِينَ عنده.
قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، قَالَ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: بِنَبِيِّهِمْ. وَقَالَ: أَبُو صَالِحٍ
وَالضَّحَاكُ: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: بِأَعْمَالِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي فِيهِ
أَعْمَالُهُمْ، بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ، فَمَنْ أُوتِيَ
كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُسَمَّى الْكِتَابُ إِمَامًا كَمَا
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ
مُبِينٍ [يَس: 12] . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بِإِمَامِ زَمَانِهِمُ [5]
الَّذِي دَعَاهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى ضَلَالَةٍ أَوْ هُدًى،
قَالَ اللَّهُ تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً
__________
1307- ضعيف جدا. أخرجه البيهقي في «الصفات» 2/ 46 و «الشعب»
149 من حديث جابر، وإسناده ضعيف، فيه عبد ربه بن صالح، ولم أجد
له ترجمة، وقال البيهقي: في ثبوته نظر، واستغربه ابن كثير 3/
68 جدا، وهو خبر منكر، شبه موضوع.
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) في المطبوع «المطاعم والمشارب» .
(3) زيادة عن القرطبي 10/ 295 وبها يتضح المعنى، وقد نسبه
لمقاتل أيضا.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط «زمامهم» .
(3/145)
وَمَنْ كَانَ فِي
هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ
سَبِيلًا (72) وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا
لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)
إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ
ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا
لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا
وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)
يَهْدُونَ بِأَمْرِنا، [الْأَنْبِيَاءِ:
73] وَقَالَ: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ [الْقَصَصِ: 41] ، وَقِيلَ:
بِمَعْبُودِهِمْ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ:
كُلُّ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ إِلَى رَئِيسِهِمْ فِي الْخَيْرِ
وَالشَّرِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: بِإِمامِهِمْ،
قيل: يعني بأمهاتهم، [قيل] [1] فيه ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مِنَ
الْحِكْمَةِ أَحَدُهَا: لِأَجْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَالثَّانِي لِشَرَفِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَالثَّالِثِ
لِئَلَّا يَفْتَضِحَ أَوْلَادُ الزِّنَا. فَمَنْ أُوتِيَ
كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا
يُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْ: لَا يَنْقُصُ مِنْ حَقِّهِمْ
قَدْرُ فتيل.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 72 الى 76]
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى
وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ
الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ
وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74)
إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ
لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) وَإِنْ كادُوا
لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها
وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76)
وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى، اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ
الْإِشَارَةِ فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى النِّعَمِ
الَّتِي عَدَّدَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ
مِنْ قَوْلِهِ: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ
إِلَى قوله: تَفْضِيلًا [الإسراء: 21 و70] يقول: ومن كَانَ
مِنْكُمْ فِي هَذِهِ النِّعَمِ التي قد عاين [وشاهد] [2]
أَعْمَى، فَهُوَ فِي، أَمْرِ، الْآخِرَةِ، الَّتِي لَمْ
يُعَايِنْ وَلَمْ يَرَ، أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا، يُرْوَى
هَذَا عن ابن عباس، وقال آخرون [3] : هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى
الدُّنْيَا، يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا
أَعْمَى الْقَلْبِ عَنْ رُؤْيَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرُؤْيَةِ الْحَقِّ، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى أَيْ
أَشَدُّ عَمًى وَأَضَلُّ سَبِيلًا أَيْ أَخْطَأُ طَرِيقًا.
وَقِيلَ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنِ
الِاعْتِبَارِ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى عَنِ الاعتذار.
وقال الحسن: ومن كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ضَالًّا كَافِرًا
فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا لِأَنَّهُ
فِي الدُّنْيَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَفِي الْآخِرَةِ لَا
تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَأَمَالَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ هَذَيْنِ
الْحَرْفَيْنِ وَفَتْحَهُمَا بَعْضُهُمْ، وَكَانَ أَبُو
عَمْرٍو يَكْسِرُ الْأَوَّلَ وَيَفْتَحُ الثاني [يعني] [4]
فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَمًى لقوله: وَأَضَلُّ
سَبِيلًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ
الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الْآيَةَ، اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ
نُزُولِهَا.
«1308» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ
فَمَنَعَتْهُ قُرَيْشٌ، وقالوا: لا ندعك حَتَّى تُلِمَّ
بِآلِهَتِنَا وَتَمَسَّهَا فَحَدَّثَ نفسه [وقال] [5] : مَا
عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ
أَنِّي لَهَا كَارِهٌ بَعْدَ أَنْ يَدَعُونِي حَتَّى أستلم
الحجر.
وَقِيلَ: طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَمَسَّ آلِهَتَهُمْ حَتَّى
يُسَلِمُوا وَيَتَّبِعُوهُ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآية [6] .
__________
1308- مرسل ضعيف. أخرجه الطبري 22536 عن سعيد بن جبير مرسلا،
ومع إرساله فيه يعقوب القمي، وشيخه جعفر بن أبي المغيرة،
وكلاهما غير قوي.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «الآخرون» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) أخرجه ابن إسحاق وابن أبي حاتم وابن مردويه كما في «الدر»
3/ 352 من حديث ابن عباس، وهو خبر منكر، لا يصح.
(3/146)
«1309» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدِمَ
وَفْدُ ثَقِيفٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالُوا: نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنَا
ثَلَاثَ خِصَالٍ، قَالَ: «وَمَا هُنَّ؟» قَالُوا: أَنْ لَا
ننحني فِي الصَّلَاةِ وَلَا نَكْسِرُ أَصْنَامَنَا بأيدينا وأن
تمتعنا باللات [والعزى] [1] سَنَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ
نَعْبُدَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ وَلَا
سُجُودَ، وأما أن [لا] [2] تَكْسِرُوا أَصْنَامَكُمْ
بِأَيْدِيكُمْ فَذَاكَ لَكُمْ، وَأَمَّا الطَّاغِيَةُ يَعْنِي
اللَّاتَ وَالْعُزَّى فَإِنِّي غَيْرُ مُمَتِّعِكُمْ بِهَا» ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ
الْعَرَبُ أَنَّكَ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ غَيْرَنَا،
فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ أَعْطَيْتَهُمْ مَا
لَمْ تُعْطِنَا، فَقُلْ: اللَّهُ أَمَرَنِي بِذَلِكَ؟ فَسَكَتَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَمَعَ
الْقَوْمُ فِي سُكُوتِهِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: وَإِنْ كادُوا
لَيَفْتِنُونَكَ لَيَصْرِفُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ، لِتَخْتَلِقَ، عَلَيْنا غَيْرَهُ
وَإِذاً، لَوْ فَعَلْتَ مَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ لَاتَّخَذُوكَ
خَلِيلًا أَيْ: وَالَوْكَ وَصَافَوْكَ.
وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ، عَلَى الْحَقِّ بِعِصْمَتِنَا،
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ أَيْ: تَمِيلُ، إِلَيْهِمْ شَيْئاً
قَلِيلًا أَيْ: قَرِيبًا مِنَ الْفِعْلِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومًا
فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقْرُبَ مِمَّا طَلَبُوهُ وَمَا
طَلَبُوهُ كُفْرٌ؟
قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ خَاطِرَ قَلْبٍ ولم يكن عزما وقد عفا
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ.
«1310» قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: «اللَّهُمَّ لَا
تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ» . وَالْجَوَابُ
الصحيح وهو: أن الله تعالى قال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا (74)
وَقَدْ ثَبَّتَهُ الله فلم يركن [إليهم] [3] وهذا مثل قوله
تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا [النِّسَاءِ: 83]
. [وَقَدْ تَفَضَّلَ فَلَمْ يَتَّبِعُوا] [4] .
إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ،
أَيْ: لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ عَذَابِ
الْحَيَاةِ وَضَعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ، يَعْنِي أَضْعَفْنَا
لَكَ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقِيلَ:
الضِّعْفُ هُوَ الْعَذَابُ سُمِّيَ ضِعْفًا لِتَضَاعُفِ
الْأَلَمِ فِيهِ. ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً،
أَيْ: نَاصِرًا يَمْنَعُكَ مِنْ عَذَابِنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ
الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى
الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ.
«1311» قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَرِهَ
الْيَهُودُ مُقَامَهُ بِالْمَدِينَةِ حسدا منهم، فأتوه وقالوا:
__________
1309- أخرجه الطبري 22540 عن ابن عباس مختصرا بإسناد فيه
مجاهيل، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 581 بدون إسناد،
فالخبر واه جدا بهذا اللفظ، ولفظ «لَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا
ركوع فيه» ورد من وجه آخر، ولعله تقدم.
1310- مرسل. أخرجه الطبري 22541 عن قتادة مرسلا، والمرسل من
قسم الضعيف.
1311- خبر منكر شبه موضوع، والكلبي متروك متهم ليس بأهل لأن
يروى عنه.
- وأخرجه البيهقي في «الدلائل» 5/ 254- 255 وابن أبي حاتم وابن
عساكر كما في «الدر» 4/ 452 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
غَنْمٍ بنحوه، وهذا مرسل، وإسناده ضعيف لضعف أحمد بن عبد
الجبار.
- وقال ابن حجر في «تخريج الكشاف» 2/ 686: لم أجده، وذكره
السهيلي في «الروض» عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامٍ
عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عبد الرحمن بن غنم....» فذكره
اهـ.
- قلت: الخبر منكر شبه موضوع، فالسورة مكية، والخبر مدني،
وبعيد أن يصغي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
لليهود، راجع «تفسير القرطبي» 6448. [.....]
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع.
(3/147)
سُنَّةَ مَنْ قَدْ
أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ
لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ
الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ
قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ
فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا
هَذِهِ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ أَرْضَ الْأَنْبِيَاءِ
الشَّامُ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، وَكَانَ بِهَا
إِبْرَاهِيمُ وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ، فَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا مِثْلَهُمْ فَأْتِ
الشَّامَ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا
مَخَافَتُكَ الرُّومَ، وَإِنَّ اللَّهَ سَيَمْنَعُكَ مِنَ
الرُّومِ إِنْ كُنْتَ رَسُولَهُ، فَعَسْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ
الْمَدِينَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ: إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ
حَتَّى يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَيَخْرُجَ، فأنزل
الله هذه الآيةو الْأَرْضِ هَاهُنَا هِيَ الْمَدِينَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: الْأَرْضُ أَرْضُ مَكَّةَ.
وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ، هَمَّ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُخْرِجُوهُ
مِنْهَا فَكَفَّهُمُ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى أَمَرَهُ
بِالْهِجْرَةِ، فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ [ومعه صاحبه أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [1] . وَهَذَا أَلْيَقُ بِالْآيَةِ
لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ
وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. وَقِيلَ: هُمُ الْكُفَّارُ كُلُّهُمُ
أَرَادُوا أَنْ يَسْتَفِزُّوهُ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ
بِاجْتِمَاعِهِمْ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْهِ، فَمَنَعَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَمْ ينالوا منه ما أملوه، وَالِاسْتِفْزَازُ هُوَ
الْإِزْعَاجُ بِسُرْعَةٍ، وَإِذاً لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ
أَيْ: بَعْدَكَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ «خِلَافَكَ» اعْتِبَارًا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ
خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ [التَّوْبَةِ: 81] ، وَمَعْنَاهُمَا
وَاحِدٌ.
إِلَّا قَلِيلًا أَيْ: لَا يَلْبَثُونَ بِعَدَكَ إِلَّا
قَلِيلًا حَتَّى يَهْلَكُوا، فعلى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ
مُدَّةُ [2] حَيَاتِهِمْ، وَعَلَى الثَّانِي مَا بَيْنَ
خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ قُتِلُوا بِبَدْرٍ.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 77 الى 79]
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا
تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (77) أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا
قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا أَيْ: كَسُنَّتِنَا، فَانْتَصَبَ
بِحَذْفِ الْكَافِ، وَسُنَّةُ اللَّهِ فِي الرُّسُلِ إِذَا
كَذَّبَتْهُمُ الْأُمَمُ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ مَا دَامَ
نَبِيُّهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَإِذَا خَرَجَ نَبِيُّهُمْ
مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ عَذَّبَهُمْ. وَلا تَجِدُ
لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا، أي تبديلا.
قَوْلُهُ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ، اخْتَلَفُوا
فِي الدُّلُوكِ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّهُ قَالَ:
الدُّلُوكُ هُوَ الْغُرُوبُ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ [3] وَالضَّحَاكِ
وَالسُّدِّيِّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ
وَجَابِرٌ: هُوَ زَوَالُ الشَّمْسِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ
وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَأَكْثَرِ
التَّابِعِينَ، وَمَعْنَى اللَّفْظِ يَجْمَعُهُمَا لِأَنَّ
أَصْلَ الدُّلُوكِ الْمَيْلُ، وَالشَّمْسُ تَمِيلُ إِذَا زالت
أو غربت، وَالْحَمْلُ عَلَى الزَّوَالِ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ
لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَلِأَنَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ
عَلَيْهِ كَانَتِ الْآيَةُ جَامِعَةً لِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ
كُلِّهَا، فَدُلُوكُ الشَّمْسِ يتناول صلاة الظهر والعصر، وإلى
غَسَقِ اللَّيْلِ يَتَنَاوَلُ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ،
والقرآن الْفَجْرِ هُوَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ أَيْ: ظُهُورِ ظُلْمَتِهِ،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بُدُوُّ اللَّيْلِ. وَقَالَ
قَتَادَةُ: وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، يَعْنِي صَلَاةَ
الْفَجْرِ، سَمَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ قُرْآنًا لِأَنَّهَا لَا
تَجُوزُ إِلَّا بقرآن، وانتصاب قرآن [4] مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الصَّلَاةِ، أَيْ: وَأَقِمْ
قُرْآنَ الْفَجْرِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ أَهْلُ
الْبَصْرَةِ: عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ وَعَلَيْكَ قُرْآنَ
الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً، أي:
تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «حده» .
(3) تصحف في المخطوط «حبان» .
(4) في المطبوع «الْقُرْآنِ» .
(3/148)
«1312» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا أَبُو الْيَمَانِ أَنْبَأَنَا
شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَفْضُلُ صَلَاةُ
الْجَمِيعِ [1] صلاة أحدكم وحده بخمسة وَعِشْرِينَ جُزْءًا
وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ
فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» ، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إِنْ
شِئْتُمْ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أَيْ:
قُمْ بَعْدَ نَوْمِكَ، وَالتَّهَجُّدُ لَا يَكُونُ إِلَّا
بَعْدَ النَّوْمِ، يُقَالُ:
تَهَجَّدَ إِذَا قَامَ بعد ما نَامَ، وَهَجَدَ إِذَا نَامَ [2]
، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ: قِيَامُ اللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ،
وَكَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرِيضَةً عَلَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَعَلَى
الْأُمَّةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) [الْمُزَّمِّلِ: 1] ،
ثُمَّ نَزَلَ التَّخْفِيفُ فَصَارَ الْوُجُوبُ مَنْسُوخًا فِي
حَقِّ الْأُمَّةِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَبَقِيَ
الِاسْتِحْبَابُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَاقْرَؤُا مَا
تَيَسَّرَ مِنْهُ [الْمُزَّمِّلِ: 20] ، وَبَقِيَ الْوُجُوبُ
فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«1313» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ
هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ، وهنّ سنة لكم:
__________
1312- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو الحكم
بن نافع، شعيب هو ابن أبي حمزة- دينار، الزهري هو محمد بن
مسلم.
- رواه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» 648 عن أبي
اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 649 ح 246 والواحدي في «الوسيط» 3/ 121 من طريق
أبي اليمان به.
- وأخرجه البخاري 4717 ومسلم 649 وعبد الرزاق 2001 وابن حبان
2051 من طريق معمر عن الزهري به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 480 عن علي بن مسهر عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرٍو عَنْ أبي سلمة به.
- وأخرجه مالك في «الموطأ» 1291 عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
سَعِيدِ بن المسيب به.
- ومن طريق مالك أخرجه مسلم 649 ح 245 والترمذي 216 والنسائي
2/ 103 وأحمد 2/ 486 وابن حبان 2053 وأبو عوانة 2/ 2 والبيهقي
3/ 60 والمصنف في «شرح السنة» 787.
- وأخرجه مسلم 649 ح 247 وأحمد 2/ 475 وأبو عوانة 2/ 2
والبيهقي 3/ 61 من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو
بن حزم عن الأغر عن أبي هريرة.
- وأخرجه أحمد 2/ 328 و454 و525 من طريق الأشعث بن سليم عن
الأحوص عن أبي هريرة.
1313- ضعيف. أخرجه الطبراني في «الأوسط» 3290 من حديث عائشة.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 8/ 264 وقال: وفيه مُوسَى بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيِّ، وهو كذاب.
- وأخرجه أحمد 1/ 231 والحاكم 1/ 300 من حديث ابن عباس، سكت
عليه الحاكم، وقال الذهبي: هو غريب منكر، وأبو جناب الكلبي،
ضعفه النسائي والدارقطني اهـ.
- وأخرجه الحاكم كما في «نصب الراية» 2/ 115 من طريق آخر، وفيه
جابر الجعفي واه.
- وأخرجه ابن الجوزي في «الواهيات» 720 من وجه آخر من حديث ابن
عباس، وفيه وضاح بن يحيى ومندل، وكلاهما ضعيف.
- الخلاصة: هو حديث ضعيف، ليس في أسانيده ما يحتج به، وقد حكم
الألباني في «ضعيف الجامع» 2561 بوضعه، وفي ذلك نظر، والصواب
أنه ضعيف.
(1) في المطبوع «الجمع» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(2) زيد في المطبوع وط ويدل عليه عبارة الطبري 12918 وفي
المخطوط «قام» .
(3/149)
الْوِتْرُ وَالسِّوَاكُ وَقِيَامُ
اللَّيْلِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: نافِلَةً لَكَ أَيْ: زيادة لك، يريد
فريضة [1] زَائِدَةٌ، عَلَى سَائِرِ الْفَرَائِضِ، فَرَضَهَا
اللَّهُ عَلَيْكَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ
صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ،
فَصَارَتْ نَافِلَةً، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ،
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: نافِلَةً لَكَ وَلَمْ يَقُلْ
عَلَيْكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَهِيَ
زِيَادَةٌ فِي حَقِّ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي
حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ:
التَّخْصِيصُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ نَوَافِلَ الْعِبَادِ
كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِمْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَكَانَتْ نَوَافِلُهُ لَا تَعْمَلُ
فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ فَتَبْقَى لَهُ زِيَادَةٌ فِي
رَفْعِ الدَّرَجَاتِ.
«1314» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ
الْهَيْثَمُ بْنُ كليب [الشاشي] [2] ثنا أَبُو عِيسَى
[مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى] [3] الترمذي ثنا قُتَيْبَةُ وَبِشْرُ
بْنُ مُعَاذٍ قَالَا ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ
عَلَاقَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَامَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَتَكَلَّفُ هَذَا
وَقَدْ غفر [الله] [4] لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا
تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» .
«1315» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أبي بكر عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ
الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ،
فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فسطاطه،
__________
1314- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- قتيبة هو ابن سعيد، أبو عوانة هو وضاح اليشكري مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 926 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» 412 وفي
«الشمائل» 258 عن قتيبة وبشر بن معاذ بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
- وأخرجه مسلم 2819 ح 79 من طريق أبي عوانة به.
- وأخرجه البخاري 1130 و6471 وأحمد 4/ 255 والبيهقي 7/ 39 من
طريق مسعر بن كدام عن زياد بن علاقة به.
- وأخرجه البخاري 4836 و2819 ح 80 والنسائي 3/ 219 وابن ماجه
1419 وأحمد 4/ 255 و251 وعبد الرزاق 4746 والحميدي 759.
- وابن حبان 311 والبيهقي 3/ 16 من طريق سفيان عن زياد بن
علاقة به.
1315- إسناده صحيح. رجاله رجال البخاري ومسلم غير عبد الله بن
قيس فإنه من رجال مسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، أبو بكر والد عبد الله يعرف
بكنيته، وهو ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.
- وهو في «شرح السنة» 904 بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» 1/ 122 عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه مسلم 765 وأبو داود 1366 والترمذي في
«الشمائل» 266 وابن ماجه 1362 والنسائي في «الكبرى» 396 و1336
وعبد الرزاق 4712 وعبد الله بن أحمد 5/ 193 وابن حبان 2608
والطبراني 5245 والبيهقي 3/ 8.
- وأخرجه أحمد 5/ 193 عن عبد الرحمن عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بن أبي بكر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ به.
- وأخرجه الطبراني 5246 من طريق زهير بن محمد عن عبد الله بن
أبي بكر عن أبيه به. [.....]
(1) في المطبوع «فضيلة» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/150)
فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ،
ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا،
ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا،
ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا،
[ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا]
[1] ، ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثُ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
«1316» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ
سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ
صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي رَمَضَانَ؟ قَالَ: فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ
وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي
أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ،
ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ
وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. قَالَتْ عَائِشَةُ
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟
فَقَالَ:
«يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنِيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ
قَلْبِي» .
«1317» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ الْحَسَنِ الإِسْفَرَاينِيُّ أَنَا أَبُو عُوَانَةَ يعقوب
بن إسحاق أنا يونس [هو] [2] بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَا
ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَابْنُ أَبِي ذئب وعمرو
بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى
الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كل ركعتين
ويوتر بواحدة، ويسجد سجدتين [3] قَدْرَ مَا يَقْرَأُ
أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ،
فإذا سكت المؤذن من صلاة الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ
قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ
عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ
لِلْإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ على بعض.
__________
1316- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر المدني، أحد رواة «الموطأ» .
- وهو في «شرح السنة» 894 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» 1/ 120 عن سعيد
المقبري بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 1147 و2013 و3569 ومسلم 738 ح
125 وأبو داود 341 والنسائي 3/ 234 والترمذي 439 وعبد الرزاق
4711 وأحمد 6/ 36 و73 و104 وابن خزيمة 166 وابن حبان 2431 وأبو
عوانة 2/ 327 والبيهقي 1/ 122 و2/ 495- 496 و3/ 6 و7/ 62 وفي
«دلائل النبوة» 1/ 371- 372.
1317- إسناده صحيح. يونس بن عبد الأعلى من رجال مسلم، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم، ابن وهب هو عبد الله، يونس، هو ابن يزيد،
ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن، ابن شهاب هو محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 896 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1337 والنسائي 2/ 30 و3/ 65 من طريقين عن
ابن وهب به.
- وأخرجه ابن ماجه 1358 من طريق ابن أبي ذئب والأوزاعي به.
- وأخرجه مسلم 736 ح 122 من طريق ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ عن ابن شهاب به.
- وأخرجه مسلم بإثر 736 (122) من طريق ابن وهب عَنْ يُونُسَ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ به.
- وأخرجه البخاري 994 عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري به.
(1) سقط من المخطوط.
(2) في المطبوع «بن هارون» والمثبت هو الصواب.
(3) في المطبوع «السجدة» .
(3/151)
«1318» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ
الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ أَنَا
يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
مَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الليل مصليا إلا رأيناه، وما نَشَاءُ
أَنْ نَرَاهُ نَائِمًا إِلَّا رأيناه، وقال: وكان يَصُومُ
[مِنَ] [1] الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ [مِنْهُ
شَيْئًا] [2] ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ مِنْهُ
شَيْئًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً
مَحْمُوداً عَسَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ لِأَنَّهُ لَا
يَدْعُ أَنْ يُعْطِيَ عِبَادَهُ أَوْ يَفْعَلَ بِهِمْ مَا
أَطْمَعَهُمْ فِيهِ، وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ هُوَ مَقَامُ
الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُ، يَحْمَدُهُ فِيهِ
الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ.
«1319» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زنجويه أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ المقري أنا حيوة عن
كعب بن عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا
سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ
صَلُّوا عليّ فمن صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ
فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ
تَكُونَ إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ
أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ
عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» .
«1320» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يوسف ثنا محمد بن
__________
1318- حديث صحيح. إسناده ضعيف عبد الرحيم بن منيب مجهول، لكن
توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- حميد هو ابن أبي حميد.
- وهو في «شرح السنة» 927 بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي 3/ 213- 214 وأبو يعلى 3852 وابن حبان 2617
من طرق عن يزيد بن هارون به.
- وأخرجه البخاري 1141 و1972 و1973 والترمذي 769 وأحمد 3/ 104
و236 و264 وابن خزيمة 2134 وابن حبان 2618 والبيهقي 3/ 17 من
طرق عن حميد به.
1319- صحيح. حميد بن زنجويه ثقة وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه
رجال مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 422 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3614 وأحمد 2/ 168 وابن خزيمة 418 وابن حبان
1692 والبيهقي 1/ 410 من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ
المقري بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 384 وأبو داود 523 والنسائي 2/ 25 و26 وابن حبان
1690 والطحاوي في «المعاني» 1/ 143 وابن السني ص 44 وأبو عوانة
1/ 336 والبيهقي 1/ 410 من طرق عن حيوة بن شريح به.
- وصححه المصنف في «شرح السنة» .
1320- إسناده على شرط البخاري، حيث تفرد عن علي بن عياش.
- أبو حمزة والد شعيب اسمه دينار.
- وهو في «شرح السنة» 421 بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 614 و4719 عن
علي بن عياش بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 529 والترمذي 211 والنسائي 2/ 26- 28 وابن
ماجه 722 وابن خزيمة 420 وأحمد 3/ 354
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع. [.....]
(3/152)
إسماعيل ثنا علي بن عياش ثنا شُعَيْبُ [1]
بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ
النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ
وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ
وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي
وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
«1321» أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ
الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بن منيب أنا يَعْلَى عَنِ
الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً وَإِنِّي
اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي وَهِيَ نَائِلَةٌ
مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بالله
شيئا» .
«1322» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
وَقَالَ الحجاج بن منهال ثنا همام بن يحيى ثنا قَتَادَةَ عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى
يَهْتَمُّوا بِذَلِكَ [2] فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنَا
إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ
آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ
اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ
مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ
لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا من مكاننا هذا [قال]
[3] ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ
التي أصاب أكله مِنَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا
وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ
إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ
هُنَاكُمْ ويذكر خطيئته
__________
والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1/ 146 وابن حبان 1689 وابن
أبي عاصم في «السنة» 826 وابن السني ص 45 والبيهقي 1/ 410 من
طرق عن علي بن عياش به.
1321- حديث صحيح، إسناده ضعيف لجهالة عبد الرحيم بن منيب، لكن
توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- يعلى هو ابن عبيد، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه
ذكوان.
- وهو في «شرح السنة» 1230 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 199 والترمذي 3602 وابن ماجه 4307 وأحمد 2/ 426
وأبو عوانة 1/ 90 وابن مندة في «الإيمان» 912 و913 من طرق عن
الأعمش به.
- وأخرجه البخاري 6304 وأحمد 2/ 486 وابن حبان 6461 من طريق
مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأعرج عن أبي هريرة.
- وأخرجه البخاري 7474 ومسلم 198 وعبد الرزاق 20864 وأحمد 2/
275 و313 و381 و396 وأبو عوانة 1/ 90 والطبراني في «الأوسط»
1748 والقضاعي 1039 و1040 من طرق عن أبي هريرة.
1322- حديث صحيح. رجاله رجال البخاري ومسلم، وحجاج قد سمع منه
البخاري وعبارة البخاري توهم التعليق، لكن قد توبع من طرق.
- قتادة هو ابن دعامة السدوسي.
- وهو عند البخاري 7440 عن حجاج بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 3/ 244 وابن أبي عاصم في «السنة» 804 من طريق
همام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4476 و7410 و7516 ومسلم 193 وابن حبان 6464
وابن أبي عاصم 805 و806 وابن مندة في «الإيمان» 864 وأبو عوانة
1/ 178 و179 و180 وأحمد 3/ 116 والبيهقي في «الإعتقاد» ص 89
و192 من طرق عن قتادة به.
(1) تصحف في المطبوع «سعيد» .
(2) زيد في المطبوع وط و «صحيح البخاري» في المخطوط «يهنوا
لذلك» .
(3) سقط من المطبوع.
(3/153)
الَّتِي أَصَابَ سُؤَالَهُ رَبَّهُ
بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ:
إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ [ثَلَاثَ] [1] كَذِبَاتٍ
كَذَبَهُنَّ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ
التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا. قَالَ:
فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ،
وَيَذْكُرُ خطيئته التي أصاب قتله النَّفْسِ، وَلَكِنِ ائْتُوا
عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحَ اللَّهِ
وَكَلِمَتَهُ، قال: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ
هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدًا غَفَرَ
اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ،
قَالَ: فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ
فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ
سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ الله أن يدعني، فيقول ارفع
[رأسك] [2] مُحَمَّدُ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ [تُشَفَّعْ]
[3] ، وسل تعط قَالَ:
فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى ربي بثناء وتحميد يعلمنيه
[قال] [4] ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدَّ لِي حَدًّا فأخرج،
وأدخلهم الجنة، [ثم أعود الثانية فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي
فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي] [5] عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ
وَقَعْتُ [سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارفع مُحَمَّدُ وَقُلْ تُسْمَعْ
وَاشْفَعْ] [6] تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهُ، [قَالَ: فَأَرْفَعُ
رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ
يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدَّ لِي حدا فَأَخْرُجُ
فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ،
ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي
دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ
سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ
يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهُ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي
فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ
ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدَّ لِي حَدًّا فَأَخْرُجُ
فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ] [7] . قَالَ قتادة: وقد سمعته
يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ
وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ
إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ» ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ
الْخُلُودُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: عَسى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قَالَ: «وَهَذَا
الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
«1323» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ [8] : حَدَّثَنَا محمد بن
إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد ثنا معبد بن هلال
قَالَ: ذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ
الشَّفَاعَةِ، بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: «فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى
رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ
بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ
الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا
مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهُ
وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي،
فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ،
ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ
أَخِرُّ له ساجدا فذكر مثله، وقال: فيقال لي: انْطَلِقْ
فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ
خَرْدَلَةٍ من إيمان، قال: فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ
أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ثُمَّ أَخِرُّ
لَهُ ساجدا، فذكر مِثْلَهُ، ثُمَّ يُقَالُ: انْطَلِقْ
فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أدنى مثقال
__________
1323- صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» 4229 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 7510 عن سليمان
بن حرب بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 193 ح 326 من طريق حماد بن زيد به.
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من المخطوط.
(7) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط، وهو مثبت في «صحيح
البخاري» والمطبوع. [.....]
(8) القائل هو محمد بن يونس الفربري أحد رواة «صحيح البخاري» .
(3/154)
حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ
فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ» ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ
أَنَسٍ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ
فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ [1] ،
فَقَالَ: هِيهِ، فَقُلْنَا [لَمْ] [2] يَزِدْنَا عَلَى هَذَا،
فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ يَوْمَئِذٍ جَمِيعٌ [3]
مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً كَمَا حَدَّثَكُمْ، ثُمَّ قال:
«أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ،
ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ
رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ، فأقول يا ربي ائذن لي فيمن قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، فَيَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَكِبْرِيَائِي
وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ
الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ
الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ
اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ بِمُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ
الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ
فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا
يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ.
«1324» وَأَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَامُوَيْهِ ثَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحسين القطان ثنا محمد بن حيويه
ثنا سعيد بن سليمان ثنا منصور بن أبي الأسود ثنا اللَّيْثُ
عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُهُمْ خُرُوجًا [إِذَا
بُعِثُوا] [4] وَأَنَا قَائِدُهُمْ إِذَا وَفَدُوا وَأَنَا
خَطِيبُهُمْ إِذَا أَنْصَتُوا وَأَنَا شَفِيعُهُمْ إِذَا
حُبِسُوا وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا، الْكَرَامَةُ
وَالْمَفَاتِيحُ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ
يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى
رَبِّي، يَطُوفُ عَلِيَّ أَلْفُ خَادِمٍ كَأَنَّهُمْ لؤلؤ
بِيضٌ مَكْنُونٌ أَوْ لُؤْلُؤٌ مَنْثُورٌ» .
«1325» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثنا
__________
1324- ضعيف بهذا الفظ. إسناده ضعيف، مداره على ليث وهو ابن أبي
سليم، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أحمد:
مضطرب الحديث، وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره. انظر
«الميزان» 3/ 420.
- أبو الأسود والد منصور قيل: اسمه حازم.
- وهو في «شرح السنة» 3518 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي 1/ 26- 27 سعيد بن سفيان عن منصور بن أبي
الأسود به.
- وأخرجه الترمذي 3610 من طريق الليث به دون عجزه وقال: هذا
حديث حسن غريب.
- وكذا استغربه المصنف في «شرح السنة» .
- وقد تفرد ليث بألفاظ لا يتابع عليها، وهو ضعيف بهذا اللفظ
الإسناد.
- تنبيه: وقع عند الدارمي: سعيد بن سفيان، والذي عند البغوي
وفي «التهذيب» سعيد بن سليمان عن منصور.
1325- إسناده صحيح على شرط مسلم، الأوزاعي هو أبو عمرو عبد
الرحمن بن عمرو، أبو عمار هو شداد بن عبد الله.
- وهو في «شرح السنة» 3519 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» 2278 عن الحكم بن
موسى بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 540، وابن خزيمة في «التوحيد» ص 166 وابن أبي
عاصم 792 من طرق عن الأوزاعي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عن أبي هريرة بنحوه.
- وفي الباب أحاديث منها:
(1) تصحف في المطبوع «الموضوع» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) أي مجمع العقل، والمراد ذاكرته قوية حيث كان في سنن
الشباب.
(4) زيد في المطبوع، وهو يناسب سياق الفقرات.
(3/155)
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ
بن موسى ثنا هقل [1] بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
فَرُّوخٍ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ
وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ
عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» .
وَالْأَخْبَارُ فِي الشفاعة متواترة كَثِيرَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ
أَنْكَرَهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مُبْتَدِعٌ
بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
«1326» وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُهَيْبٍ الْفَقِيرِ [2]
قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ
الْخَوَارِجِ، وَكُنْتُ رَجُلًا شَابًّا فَخَرَجْنَا فِي
عِصَابَةٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ [3] ، فَمَرَرْنَا عَلَى
الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ
الْقَوْمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم،
وذكر حديث الْجُهَنَّمِيِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ
رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تحدثون [4] وَاللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ
أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: 192] ، وكُلَّما أَرادُوا أَنْ
يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها [السَّجْدَةِ: 20] ،
فَقَالَ لِي: يَا فتى أتقرأ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،
قَالَ: هَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودِ
الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ
اللَّهُ بِهِ مَنْ [النار من] [5] يخرج، ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ
الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قَوْمًا
يَخْرُجُونَ من النار بعد ما يَكُونُونَ فِيهَا، قَالَ:
فَرَجَعْنَا وَقُلْنَا أَتَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخَ يَكْذِبُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«1327» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم
خليل اللَّهِ وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ» ، ثُمَّ
قَرَأَ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قَالَ: يُجْلِسُهُ عَلَى
الْعَرْشِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قال: يقعده على
الكرسي [6] .
__________
- حديث واثلة بن الأسقع أخرجه مسلم 2276 والترمذي 3605 و3606
وأحمد 4/ 107 وابن حبان 6242 والطبراني 22/ 161.
- وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي 3615 وابن ماجه 4308
وأحمد 3/ 2 وإسناده ضعيف، لضعف عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ
جُدْعَانَ.
- وحديث عبد الله بن سلام أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» 793
وأبو يعلى 1807 وابن حبان 6478 وإسناده ضعيف، لضعف عمرو بن
عثمان الكلابي.
1326- ضعيف. أخرجه الآجري في «الشريعة» 787 وابن مردويه كما في
«الدر» 6/ 460 عن يزيد الفقير به، وإسناده ضعيف، فيه سنان بن
فروخ ولم أجد له ترجمة، وفيه مبارك بن فضالة، وهو لين الحديث.
وأخرجه الآجري 786- بترقيمي- من وجه آخر بنحوه، وإسناده ضعيف
جدا، فيه عبد الواحد بن سليم، وهو متهم بالكذب.
1327- ضعيف. أخرجه الطبراني 10256 من حديث ابن مسعود، وفي
إسناده يحيى الحماني، وهو ضعيف كما في «المجمع» 8/ 255.
- وأصله في الصحيح انظر الحديث المتقدم في تفسير سورة النساء
عند آية: 155، وليس فيه ذكر هذه الآية، والأشبه في هذا الوقف.
(1) تصحف في المطبوع «معقل» .
(2) في المطبوع «الفقيه» .
(3) في المطبوع «تريد الحج» .
(4) في المطبوع وط «يحدثون» . [.....]
(5) جاءت في المطبوع عقب قوله «يخرج» أي بعد كلمة.
(6) لا أصل لهذا الخبر عن عبد الله بن سلام، وأما أثر مجاهد
فقد أنكره أهل العلم، وليس لمجاهد مستند في ذلك.
(3/156)
وَقُلْ رَبِّ
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ
جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
زَهُوقًا (81)
[سورة الإسراء (17) : الآيات 80 الى 81]
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي
مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً
نَصِيراً (80) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ
الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (81)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ
صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ المراد مِنَ الْمُدْخَلِ
وَالْمُخْرَجِ الْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ، وَاخْتَلَفَ
أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيهِ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحُسْنُ وَقَتَادَةُ: أَدْخِلْنِي
مُدْخَلَ صِدْقٍ الْمَدِينَةَ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صدق من
مَكَّةَ، نَزَلَتْ حِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهِجْرَةِ. وَقَالَ الضَّحَاكُ:
وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ مِنْ مَكَّةَ آمِنًا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ، وَأَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ مَكَّةَ
ظَاهِرًا عَلَيْهَا بِالْفَتْحِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
أَدْخِلْنِي فِي أَمْرِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَنِي بِهِ مِنَ
النُّبُوَّةِ مُدْخَلَ صِدْقٍ [الْجَنَّةَ] [1] ،
وَأَخْرِجْنِي مِنَ الدُّنْيَا وَقَدْ قُمْتُ بِمَا وَجَبَ
عَلَيَّ مِنْ حَقِّهَا مُخْرَجَ صِدْقٍ.
وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ
الْجَنَّةَ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ مِنْ مَكَّةَ
وَقِيلَ أَدْخِلْنِي فِي طَاعَتِكَ وَأَخْرِجْنِي مِنَ
الْمَنَاهِي.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَدْخِلْنِي حَيْثُ مَا أَدْخَلْتَنِي
بِالصِّدْقِ، وَأَخْرِجْنِي بِالصِّدْقِ، أَيْ: لَا
تَجْعَلْنِي مِمَّنْ يَدْخُلُ بِوَجْهٍ وَيَخْرُجُ بِوَجْهٍ،
فَإِنَّ ذَا الْوَجْهَيْنِ لَا يَكُونُ آمِنًا [2] وَوَجِيهًا
عِنْدَ اللَّهِ. وَوَصَفَ الْإِدْخَالَ والإخراج بالصدق لما
يؤول إِلَيْهِ الْخُرُوجُ وَالدُّخُولُ مِنَ النَّصْرِ
وَالْعِزِّ وَدَوْلَةِ الدِّينِ، كَمَا وَصَفَ الْقَدَمَ
بِالصِّدْقِ فَقَالَ:
أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [يُونُسَ: 2] .
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً، قَالَ
مُجَاهِدٌ: حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مُلْكًا قَوِيًّا تَنْصُرُنِي بِهِ عَلَى
مَنْ نَاوَأَنِي وَعِزًّا ظَاهِرًا أُقِيمُ بِهِ دِينَكَ،
فَوَعَدَهُ اللَّهُ لَيَنْزِعَنَّ مُلْكَ فَارِسٍ وَالرُّومِ
وَغَيْرِهِمَا فَيَجْعَلُهُ لَهُ. قَالَ قَتَادَةُ: عَلِمَ
نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا
طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ نَصِيرٍ،
فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا كِتَابَ الله وحدوده وإقامة
دينه.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ، يَعْنِي
الْقُرْآنَ، وَزَهَقَ الْباطِلُ، أي [مذهب] [3] الشيطان، قاله
[4] قَتَادَةُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْحَقُّ الْإِسْلَامُ،
والباطل الشِّرْكُ. وَقِيلَ: الْحَقُّ عِبَادَةُ اللَّهِ،
والباطل عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ. إِنَّ الْباطِلَ كانَ
زَهُوقاً ذَاهِبًا، يُقَالُ: زَهَقَتْ نَفْسُهُ أَيْ خَرَجَتْ.
«1328» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يوسف ثنا محمد بن
__________
1328- إسناده صحيح على شرط البخاري، فقد تفرد عن صدقة بن
الفضل، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن عيينة هو سفيان، ابن
أبي نجيح هو عبد الله، مجاهد بن جبر، أبو معمر هو عبد الله بن
سخبرة.
- وهو في «شرح السنة» 3707 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 4287 عن صدقة
بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2478 و4720 ومسلم 1781 والترمذي 3138
والنسائي في «الكبرى» 11298 و11428 وأحمد 1/ 377 وابن حبان
5863 والطبراني 10427 والبيهقي 6/ 101 من طرق عن سفيان بن
عيينة به.
- وأخرجه مسلم 1781 والطبري 22663 والطبراني في «الصغير» 210
وفي «الكبير» 10535 من طريق عبد الرزاق عن الثوري عن ابن أبي
نجيح به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «أمينا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) تصحف في المطبوع «قال» .
(3/157)
وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا
يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) وَإِذَا
أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ
وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ
يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ
أَهْدَى سَبِيلًا (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ
الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ
إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ
بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ
عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ
فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ
كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)
إسماعيل ثنا صدقة بن الفضل ثنا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ
أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ
يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ البيت ستون وثلاثمائة صنم، فَجَعَلَ
يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد» .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 82 الى 84]
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً
(82) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى
بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (83) قُلْ
كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ
هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (84)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ
شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قِيلَ: مِنَ لَيْسَ
لِلتَّبْعِيضِ، وَمَعْنَاهُ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا
كُلُّهُ شِفَاءٌ، أَيْ: بَيَانٌ مِنَ الضَّلَالَةِ
وَالْجَهَالَةِ يُتَبَيَّنُ بِهِ الْمُخْتَلَفُ وَيَتَّضِحُ
بِهِ الْمُشْكِلُ وَيُسْتَشْفَى بِهِ مِنَ الشُّبْهَةِ
وَيُهْتَدَى بِهِ مِنَ الحيرة، هو شفاء للقلوب [1] بِزَوَالِ
الْجَهْلِ عَنْهَا، وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَلا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً، لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا
يَنْتَفِعُ بِهِ وَالْمُؤْمِنَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَكُونُ
رَحْمَةً لَهُ، وَقِيلَ: زِيَادَةُ الْخَسَارَةِ لِلظَّالِمِ
مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ تَنْزِلُ يَتَجَدَّدُ مِنْهُمْ
تَكْذِيبٌ وَيَزْدَادُ لَهُمْ خَسَارَةٌ، قَالَ قَتَادَةُ:
لَمْ يُجَالِسْ هَذَا [2] الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ
عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ [3] قَضَى اللَّهُ الَّذِي
قَضَى شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ
أَعْرَضَ، عَنْ ذِكْرِنَا وَدُعَائِنَا، وَنَأى بِجانِبِهِ، أي
تباعد منا بِنَفْسِهِ، أَيْ تَرَكَ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ
بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: تَعَظَّمَ وَتَكْبَّرَ،
وَيَكْسِرُ النُّونَ وَالْهَمْزَةَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ،
وَيَفْتَحُ النُّونَ وَيَكْسِرُ الْهَمْزَةَ أَبُو بَكْرٍ،
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَنَاءَ مِثْلَ جَاءَ
قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى نَأَى، وَقِيلَ: نَاءَ مِنَ النَّوْءِ
وَهُوَ النُّهُوضُ وَالْقِيَامُ. وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ،
الشِّدَّةُ والضر، كانَ يَؤُساً، أَيْ آيِسًا قَنُوطًا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَضَرَّعُ وَيَدْعُو عِنْدَ
الضُّرِّ وَالشِّدَّةِ، فَإِذَا تَأَخَّرَتِ الْإِجَابَةُ
يَئِسَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَيْأَسَ مِنَ
الْإِجَابَةِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَيَدَعُ الدعاء.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ،
قَالَ ابْنُ عباس: على ناحيته. قالا الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
عَلَى نِيَّتِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى خَلِيقَتِهِ. قَالَ
الْفَرَّاءُ: عَلَى طَرِيقَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: عَلَى طَبِيعَتِهِ وَجِبِلَّتِهِ.
وَقِيلَ: عَلَى السَّبِيلِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ،
وَهُوَ مِنَ الشَّكْلِ، يُقَالُ: لَسْتَ عَلَى شَكْلِي وَلَا
شَاكِلَتِي، وكلها لغات مُتَقَارِبَةٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
طَرِيقٌ ذُو شَوَاكِلَ إِذَا تَشَعَّبَتْ مِنْهُ الطُّرُقُ،
وَمَجَازُ الْآيَةِ: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى مَا يُشْبِهُهُ
كَمَا يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: كُلُّ امْرِئٍ يُشْبِهُهُ
فِعْلُهُ. فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا،
أوضح طريقا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 85 الى 88]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)
وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (86) إِلاَّ
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً
(87) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88)
قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ
أَمْرِ رَبِّي، الآية.
__________
(1) في المطبوع «القلوب» .
(2) في المخطوط «أهل» .
(3) في المخطوط «انتقاص» .
(3/158)
«1329» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ
أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا قيس بن حفص ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ
يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ ثنا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ مَسْعُودٍ] [1] قَالَ:
بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ
يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مَنَ
الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ
الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ لَا يَجِيءُ
فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا
الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى
إِلَيْهِ فَقُمْتُ فلما أنجى عنه، وقال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ
مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وفي رواية «وما أوتوا
مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» قَالَ الْأَعْمَشُ: هَكَذَا
فِي قِرَاءَتِنَا.
«1330» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ
قُرَيْشًا قَدِ اجْتَمَعُوا وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا
نَشَأَ فِينَا بِالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَمَا اتَّهَمْنَاهُ
بِكَذِبٍ، وَقَدِ ادَّعَى مَا ادَّعَى، فَابْعَثُوا نَفَرًا
إِلَى الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَاسْأَلُوهُمْ عَنْهُ
[وأخبروهم بخبره وما ادعاه وانظروا ما يقولون في أمره] [2]
فَإِنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَبَعَثُوا جَمَاعَةً إِلَيْهِمْ،
فَقَالَتِ الْيَهُودُ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ
فَإِنْ أَجَابَ عَنْ كُلِّهَا أَوْ لَمْ يُجِبْ عَنْ شَيْءٍ
مِنْهَا، فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ أَجَابَ عَنِ اثْنَيْنِ
وَلَمْ يُجِبْ عن واحد فَهُوَ نَبِيٌّ فَسَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ
فُقِدُوا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ
فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجِيبٌ وَعَنْ رَجُلٍ بلغ
مشرق الأرض ومغربها وما خَبَرُهُ، وَعَنِ الرُّوحِ،
فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ غَدًا» وَلَمْ
يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَبِثَ الوحي، قال مجاهد: اثنتي
عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقَالَ
عِكْرِمَةُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ:
وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَقَدْ أَصْبَحْنَا لَا يُخْبِرُنَا
بِشَيْءٍ، حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَنْ مُكْثِ الْوَحْيِ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا
يَقُولُهُ أَهْلُ مَكَّةَ، ثُمَّ نَزَلَ جِبْرِيلُ بقوله: وَلا
تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الكهف: 23] ، ونزل في الْفِتْيَةِ أَمْ
حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ
آياتِنا عَجَباً (9) ، ونزل فيمن بلغ المشرق والمغرب
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَنَزَلَ فِي الروح
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي.
وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ الَّذِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ،
فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ جِبْرِيلُ [عليه
السلام] [3] ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَرُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [4] أَنَّهُ قَالَ:
[هُوَ] [5] مَلَكٌ لَهُ سبعون ألف وجه
__________
1329- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- الأعمش هو سليمان بن مهران، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي،
علقمة هو ابن الأسود.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 125 عن قيس بن
حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4721 و6462 و7297 ومسلم 2794 والترمذي 3140
وأحمد 1/ 410 و444 وأبو يعلى 5390 والطبري 22676 والواحدي في
«أسبابه» 588 من طريق عن الأعمش به.
1330- ضعيف. أخرجه البيهقي في «الدلائل» 2/ 269- 271 من طريق
ابن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل مكة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس مطوّلا.
- وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 590 نقلا عن المفسرين
بنحوه.
- وفي «الوسيط» 3/ 125 عن ابن عباس بدون إسناد.
- وهو بهذا اللفظ ضعيف.
- أما السؤال عن الروح فقد صح من حديث ابن مسعود وهو الحديث
المتقدم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(3/159)
لِكُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ
يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى بِكُلِّهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
خَلْقٌ عَلَى صُوَرِ بَنِي آدم لهم أيد وأرجل ورؤوس وَلَيْسُوا
بِمَلَائِكَةَ وَلَا نَاسٍ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ تَعَالَى
خَلْقًا أَعْظَمَ مِنَ الرُّوحِ غَيْرَ الْعَرْشِ، لَوْ شَاءَ
أَنْ يَبْتَلِعَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ
السَّبْعِ وَمَنْ فِيهَا بِلُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ،
صُورَةُ خَلْقِهِ عَلَى صُورَةِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ
وَصُورَةُ وَجْهِهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ، يَقُومُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَهُوَ أَقْرَبُ
الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ عِنْدَ
الْحُجُبِ السَّبْعِينَ، وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَهُوَ مِمَّنْ يَشْفَعُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ،
وَلَوْلَا أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الملائكة سترا من نور
لاحتراق أَهْلُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِهِ. وَقِيلَ:
الرُّوحُ هُوَ الْقُرْآنُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ،
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ليس كما يقوله الْيَهُودُ وَلَا كَمَا
يَقُولُهُ النَّصَارَى، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الرُّوحُ
الْمُرَكَّبُ في الخلق الذي يحيى [1] بِهِ الْإِنْسَانُ،
وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَتَكَلَّمَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: هُوَ الدَّمُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ
إِذَا مَاتَ لَا يَفُوتُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا الدَّمُ.
[وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ نَفَسُ الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ
يَمُوتُ بِاحْتِبَاسِ النَّفَسِ] [2] . وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ
عَرَضٌ. وَقَالَ قَوْمٌ:
هُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الرُّوحُ مَعْنَى
اجْتَمَعَ فِيهِ النُّورُ وَالطِّيبُ والعلو والعلم
وَالْبَقَاءُ، أَلَّا تَرَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا
يَكُونُ الْإِنْسَانُ مَوْصُوفًا بِجَمِيعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ،
فَإِذَا خَرَجَ ذَهَبَ الْكُلُّ، وَأُولَى الْأَقَاوِيلِ: أَنْ
يُوكَلَ عِلْمُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ
أَهْلِ السُّنَّةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ:
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْلِعْ عَلَى الرُّوحِ مَلَكًا
مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قِيلَ: مِنْ عِلْمِ
رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أَيْ:
فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: خِطَابٌ
لِلْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ أُوتِينَا
التَّوْرَاةَ وَفِيهَا الْعِلْمُ الْكَثِيرُ. وَقِيلَ: كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ
مَعْنَى الرُّوحِ وَلَكِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا لِأَنَّ
تَرْكَ إِخْبَارِهِ بِهِ كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّتِهِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجلّ استأثر
بعلمه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي
أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، [يَعْنِي الْقُرْآنَ، مَعْنَاهُ: إِنَّا
كَمَا مَنَعْنَا عِلْمَ الرُّوحِ عَنْكَ وَعَنْ غَيْرِكَ، لَوْ
شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَعْنِي
الْقُرْآنَ] [3] ، ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا
وَكِيلًا، أَيْ: مَنْ يَتَوَكَّلُ بِرَدِّ الْقُرْآنِ
إِلَيْكَ.
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ
مَعْنَاهُ: وَلَكِنْ لَا نَشَاءُ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْ
رَبِّكَ. إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً، فَإِنْ قِيلَ
كَيْفَ يَذْهَبُ الْقُرْآنُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ؟ قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ مَحْوُهُ مِنَ الْمَصَاحِفِ
وَإِذْهَابُ مَا فِي الصُّدُورِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ: اقرؤوا الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ فَإِنَّهُ
لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ. قِيلَ هَذِهِ
الْمَصَاحِفُ تُرْفَعُ فَكَيْفَ بِمَا فِي صُدُورِ النَّاسِ؟
قَالَ: يَسْرِي عَلَيْهِ لَيْلًا فَيُرْفَعُ مَا فِي
صُدُورِهِمْ فَيُصْبِحُونَ لَا يَحْفَظُونَ [منه] [4] شَيْئًا
وَلَا يَجِدُونَ فِي الْمَصَاحِفِ شَيْئًا، ثُمَّ يُفِيضُونَ
فِي الشِّعْرِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَرْجِعَ
الْقُرْآنُ مِنْ حَيْثُ نَزَلَ، لَهُ دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ
كَدَوِيِّ النَّحْلِ، [فَيَقُولُ الرَّبُّ مَا لَكَ وَهُوَ
أَعْلَمُ] ؟ [5] فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أُتْلَى وَلَا يُعْمَلُ
بِي.
قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ
كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً، عونا ومظاهرا، فنزلت حِينَ
قَالَ الْكُفَّارُ: لَوْ نَشَاءُ
__________
(1) في المطبوع «يحيل» .
(2) زيد في المطبوع وط.
(3) سقط من المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) سقط من المخطوط.
(3/160)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا
لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى
أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ
يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ
وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا
أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي
السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ
عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ
كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا فَكَذَّبَهُمُ
اللَّهُ تَعَالَى، فَالْقُرْآنُ مُعْجِزٌ فِي النَّظْمِ
وَالتَّأْلِيفِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ، وَهُوَ كلام
في أعلى طبقات المبالغة لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْخَلْقِ،
لِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لأتوا
بمثله.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 89 الى 93]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ
مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89)
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ
الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ
نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً
(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً
أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ
يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ
وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا
كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ
بَشَراً رَسُولاً (93)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي
هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنَ
الْعِبَرِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ
وَغَيْرِهَا، فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً،
جحودا.
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، لَنْ نُصَدِّقَكَ، حَتَّى
تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، قَرَأَ أَهْلُ
الْكُوفَةِ وَيَعْقُوبُ تَفْجُرَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ
الْجِيمِ مُخَفَّفًا، لِأَنَّ الْيَنْبُوعَ وَاحِدٌ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّفْجِيرِ، وَاتَّفَقُوا
عَلَى تَشْدِيدِ قَوْلِهِ: فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها
تَفْجِيراً، لِأَنَّ الْأَنْهَارَ جَمْعٌ وَالتَّشْدِيدُ
يَدُلُّ عَلَى التَّكْثِيرِ، ولقوله:
«تفجيرا من بعده» .
«1331» وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ عُتْبَةَ
وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ
وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَأَبَا الْبُخْتُرِيَّ بْنَ هشام
والأسود بن الْمُطَّلِبِ وَزَمَعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ
وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَأُمِّيَّةَ بْنَ
خَلَفٍ وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَنَبِيهًا وَمُنَبِّهًا
ابْنَيِ الْحَجَّاجِ اجْتَمَعُوا وَمَنِ اجْتَمَعَ مَعَهُمْ
بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ
وَخَاصِمُوهُ حَتَّى تُعْذَرُوا فِيهِ، فَبَعَثُوا إِلَيْهِ
أَنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ
لِيُكَلِّمُوكَ فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ بَدَا
لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدْءٌ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا
يُحِبُّ رُشْدَهُمْ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ إِنَّا بَعَثْنَا إِلَيْكَ لِنُعْذَرَ فِيكَ
وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ
أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ،
لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ وَعِبْتَ الدِّينَ وَسَفَّهْتَ
الْأَحْلَامَ وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ
فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا
بَيْنَكَ وَبَيْنَنَا، فَإِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِهَذَا
الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَعَلَنَا لَكَ مِنْ
أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنَّ
كُنْتَ تَطْلُبُ الشَّرَفَ سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ
كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ
هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي بِكَ رَئِيٌّ تَرَاهُ حَتَّى قَدْ
غَلَبَ عَلَيْكَ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ بَذَلْنَا لَكَ
أَمْوَالَنَا فِي طلب [الطلب] [1] حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ،
أَوْ نُعْذَرَ فِيكَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ
الْجِنِّ: الرَّئِيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بِي مَا تَقُولُونَ مَا جِئْتُكُمْ
بما جئتكم به أطلب [2] أَمْوَالِكُمْ وَلَا الشَّرَفَ
عَلَيْكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ
بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلِيَّ كِتَابًا
وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا
فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ
تَقْبَلُوا مِنِّي فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تردوه عليّ أصبر
__________
1331- ضعيف. أخرجه الطبري 22719 عن ابن إسحاق عن شيخ من أهل
مصر عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به، وإسناده ضعيف،
فيه راو لم يسمّ، وكرره الطبري 22720 عن ابن إسحاق عن محمد بن
أبي محمد به وإسناده ضعيف لجهالة محمد هذا.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «لطلب» .
(3/161)
لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ
غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ فَقَدْ عَلِمْتَ
أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَضْيَقَ مِنَّا بِلَادًا وَلَا أَشَدَّ
مِنَّا عَيْشًا فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ فليسير
عنا هذه الجبال التي قد ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطْ لَنَا
بِلَادَنَا وَيُفَجِّرَ فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ
الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى من
آبائنا وليكن فيهم [1] قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فَإِنَّهُ كَانَ
شَيْخًا صَدُوقًا فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا تَقُولُ أَحَقٌّ هُوَ
أَمْ بَاطِلٌ، فَإِنْ صَدَّقُوكَ صَدَّقْنَاكَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
بِهَذَا بُعِثْتُ فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ،
فَإِنْ تَقْبَلُوهُ مِنِّي فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ [عَلَيَّ] [2] أَصْبِرْ
لِأَمْرِ اللَّهِ» ، قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذَا
فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَلَكًا يُصَدِّقُكَ
وَاسْأَلْهُ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ جِنَانًا وَقُصُورًا
وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا
نَرَاكَ، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ وتلتمس المعاش كما
نلتسمه، فَقَالَ: «مَا بُعِثْتُ بِهَذَا وَلَكِنَّ اللَّهَ
بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا» ، قَالُوا:
فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ، أَنَّ رَبَّكَ لَوْ
شَاءَ فَعَلَ، فَقَالَ: «ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ
فِعْلَ ذَلِكَ بِكُمْ فَعَلَهُ» ، وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ:
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ
مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَهُوَ ابْنُ
عَمَّتِهِ عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا
مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُوا عَلَيْكَ
فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ سَأَلُوكَ لِأَنْفُسِهِمْ
أُمُورًا يَعْرِفُونَ بِهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أَنْ تُعَجِّلَ مَا
تُخَوِّفُهُمْ بِهِ من العذاب، فلم تفعل، فو الله لَا أُؤْمِنُ
لَكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا
تَرْقَى فِيهَا وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا
وَتَأْتِيَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ مَعَكَ وَنَفَرٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ بِمَا تَقُولُ، وَايْمُ
اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَظَنَنْتُ أَنْ لَا
أُصَدِّقَكَ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ حَزِينًا لِمَا رَأَى مِنْ
مُبَاعَدَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَعْنِي:
أَرْضَ مَكَّةَ يَنْبُوعاً أَيْ:
عُيُونًا.
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ، بُسْتَانٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ
فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً، تَشْقِيقًا.
أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً،
قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ السِّينِ،
أَيْ قِطَعًا وَهِيَ جَمْعُ كِسْفَةٍ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ
وَالْجَانِبُ مِثْلُ كِسْرَةٍ وَكِسَرٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِسُكُونِ السِّينِ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَجَمْعُهُ أَكْسَافٍ
وَكُسُوفٍ، أَيْ: تُسْقِطُهَا طَبَقًا وَاحِدًا. وَقِيلَ:
أَرَادَ جَانِبَهَا عَلَيْنَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَيْضًا
الْقِطَعُ، وَهِيَ جَمْعُ التَّكْسِيرِ مِثْلُ سِدْرَةٍ
وَسِدْرٍ فِي الشُّعَرَاءِ [87] وَسَبَأٍ [9] «كِسَفًا»
بِالْفَتْحِ، حَفْصٌ، وَفِي الرُّومِ [48] سَاكِنَةٌ أَبُو
جَعْفَرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ. أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ
وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَفِيلًا
أَيْ يَكْفُلُونَ بِمَا تَقُولُ. وَقَالَ الضَّحَاكُ:
ضَامِنًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ جَمْعُ الْقَبِيلَةِ أَيْ:
بِأَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَيَانًا، أَيْ: [نراهم مقابلة] [3] .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ العرب لقيت فلانا قبلا
[4] ، وَقَبِيلًا أَيْ: مُعَايَنَةً.
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ،
وَأَصْلُهُ الزِّينَةُ، أَوْ تَرْقى، تَصَعَدُ، فِي السَّماءِ،
هَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَلَنْ
نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ، لِصُعُودِكَ، حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا
كِتاباً نَقْرَؤُهُ، أُمِرْنَا فِيهِ بِاتِّبَاعِكَ، قُلْ
سُبْحانَ رَبِّي، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ
«قَالَ» يَعْنِي مُحَمَّدًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ عَلَى
الْأَمْرِ، أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، هَلْ كُنْتُ إِلَّا
بَشَراً رَسُولًا، أَمَرَهُ بِتَنْزِيهِهِ وَتَمْجِيدِهِ،
عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أن ينزل ما
__________
(1) في المطبوع «منهم» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) العبارة في المطبوع وط «تراهم القابلة أي معاينة» والمثبت
عن المخطوط، ويدل عليه عبارة «الوسيط» 3/ 127. [.....]
(4) في المطبوع وط «قبيلا» .
(3/162)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ
أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا
أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي
الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى
بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ
بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)
طَلَبُوا لَفَعَلَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَا
يُنَزِّلُ الْآيَاتِ عَلَى مَا يَقْتَرِحُهُ الْبَشَرُ، وَمَا
أَنَا إِلَّا بَشَرٌ وليس ما سألتم من [1] طَوْقِ الْبَشَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَاتِ
وَالْمُعْجِزَاتِ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا كُلِّهِ، مِثْلَ
الْقُرْآنِ وَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَتَفْجِيرِ الْعُيُونِ
مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَالْقَوْمُ
عَامَّتُهُمْ كَانُوا مُتَعَنِّتِينَ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمْ
طَلَبَ الدَّلِيلِ لِيُؤْمِنُوا، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
سؤالهم.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 97]
وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى
إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94)
قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ
مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً
رَسُولاً (95) قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً
وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ
سَعِيراً (97)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا
إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا، جَهْلًا مِنْهُمْ،
أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا، أَرَادَ أَنَّ الْكُفَّارَ
كَانُوا يَقُولُونَ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ لِأَنَّكَ بَشَرٌ،
وَهَلَّا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا مَلَكًا فَأَجَابَهُمُ
اللَّهُ تَعَالَى:
قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ
مُطْمَئِنِّينَ، مُسْتَوْطِنِينَ مُقِيمِينَ، لَنَزَّلْنا
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا، مِنْ جِنْسِهِمْ
لِأَنَّ الْقَلْبَ إِلَى الْجِنْسِ أَمْيَلُ مِنْهُ إِلَى
غَيْرِ الْجِنْسِ.
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، إِنِّي
رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ، إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً
بَصِيراً.
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ، يَهْدُونَهُمْ،
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ.
«1332» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصالحي أنا
الحسين [2] بْنُ شُجَاعٍ الصُّوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ
الْمَوْصِلِيِّ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الهيثم ثنا جعفر
بن محمد الصائغ ثنا حسين بن محمد ثنا شيبان [3] عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسِ [بْنِ مالك] [4] أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ
عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ» .
__________
1332- صحيح. جعفر بن محمد ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم. شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
النَّحْوِيُّ، قتادة بن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 4210 بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 11367 وابن حبان 7323 وأبو نعيم
في «الحلية» 2/ 343 من طرق عن الحسين بن محمد به.
- وأخرجه البخاري 4760 و6523 ومسلم 2806 وأبو يعلى 3046 وأحمد
3/ 229 من طريق يونس بن محمد البغدادي عن شيبان به.
(1) في المطبوع «في» .
(2) تصحف في المطبوع «الحسن» .
(3) تصحف في المطبوع «سفيان» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/163)
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ
بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا
عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا
(98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ
مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى
الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ
تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ
خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ
إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)
«1333» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّهُمْ
يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ» ، عُمْياً
وَبُكْماً وَصُمًّا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَصَفَهُمْ
بِأَنَّهُمْ عُمْيٌ وَبُكْمٌ وَصُمٌّ. وَقَدْ قَالَ: وَرَأَى
الْمُجْرِمُونَ النَّارَ [الْكَهْفِ: 53] ، وَقَالَ:
دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً [الْفُرْقَانِ: 13] وَقَالَ:
سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان: 12] ، أثبت
[لهم] [1] الرُّؤْيَةَ وَالْكَلَامَ وَالسَّمْعَ؟ قِيلَ:
يُحْشَرُونَ عَلَى مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ تُعَادُ
إِلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَجَوَابٌ آخَرُ قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: عُمْيًا لا يرون ما يسرهم كما لَا يَنْطِقُونَ
بِحُجَّةٍ، صُمًّا لَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا يَسُرُّهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ:
هَذَا حِينَ يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ إِلَى أَنْ
يَدْخُلُوا النَّارَ. وَقَالَ مقاتل: هَذَا حِينَ [يُسَاقُونَ
إِلَى الْمَوْقِفِ] [2] يقال لهم: اخْسَؤُا فِيها وَلا
تُكَلِّمُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 108] فَيَصِيرُونَ
بِأَجْمَعِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا لَا يَرَوْنَ وَلَا
يَنْطِقُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ. مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما
خَبَتْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلَّمَا سَكَنَتْ، أَيْ: سكن
لهبها. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: طُفِئَتْ وَقَالَ قَتَادَةُ: ضعف
وَقِيلَ: هُوَ الْهُدُوُّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ نُقْصَانٌ
فِي أَلَمِ [3] الْكُفَّارِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ [الزُّخْرُفُ: 75] ، وَقِيلَ:
[كُلَّمَا خَبَتْ] أَيْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْبُوَ، زِدْناهُمْ
سَعِيراً، أَيْ: وَقُودًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ
كُلَّما خَبَتْ أَيْ نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ وَاحْتَرَقَتْ
أعيدوا [4] إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَزَيْدَ في تسعير
النار لتحرقهم [وتؤلمهم] [5] .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 98 الى 101]
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا
أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
خَلْقاً جَدِيداً (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ
مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى
الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ
تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ
خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي
إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي
لَأَظُنُّكَ يَا مُوسى مَسْحُوراً (101)
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا
أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ
خَلْقاً جَدِيداً (98) فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى:
فَقَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، فِي عَظَمَتِهَا وَشِدَّتِهَا]
، قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ، فِي صِغَرِهِمْ
وَضَعْفِهِمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَخَلْقُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ
[غَافِرٍ: 57] . وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا، وَقْتًا
لِعَذَابِهِمْ، لَا رَيْبَ فِيهِ، أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ، قِيلَ:
هُوَ الْمَوْتُ، وَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَأَبَى
الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً، جُحُودًا وَعِنَادًا.
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي
أَيْ: نِعْمَةِ رَبِّي. وَقِيلَ: رِزْقِ رَبِّي، إِذاً
لَأَمْسَكْتُمْ، لبخلتم
__________
1333- هو عجز حديث أخرجه الترمذي 3142 وأحمد 2/ 447 والبيهقي
في «الشعب» 1/ 318 عن أبي هريرة مرفوعا، وصدره «يُحْشَرُ
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثلاثة أصناف» وإسناده
ضعيف، لضعف عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، لكن للحديث
شواهد بمعناه، انظر «الدر المنثور» 4/ 368 فالحديث حسن
«بشواهده» إن شاء الله، والله أعلم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «آلام» .
(4) زيد في المطبوع «فيها» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيد في المطبوع وط، وفي المخطوط «عظمها وشدتها» والأشبه
«عظمتهما وشدتهما» .
(3/164)
وحسبتم، خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ، أَيْ:
خَشْيَةَ الْفَاقَةِ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: خَشْيَةَ
النَّفَادِ، يُقَالُ: أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَيْ أَمْلَقَ وذهب
ماله ونفق الشيء، إذا: ذَهَبَ، وَقِيلَ: لَأَمْسَكْتُمْ عَنِ
الْإِنْفَاقِ خَشْيَةَ الْفَقْرِ، وَكانَ الْإِنْسانُ
قَتُوراً، بَخِيلًا: مُمْسِكًا عَنِ الْإِنْفَاقِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ
بَيِّناتٍ، أَيْ: دَلَالَاتٍ واضحات، والآيات التِّسْعُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: هِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ
الْبَيْضَاءُ وَالْعُقْدَةُ الَّتِي كَانَتْ بِلِسَانِهِ
فَحَلَّهَا وَفَلْقُ الْبَحْرِ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ
وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: هِيَ
الطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ
وَالدَّمُ وَالْعَصَا وَالْيَدُ وَالسُّنُونَ وَنَقْصُ
الثَّمَرَاتِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ:
الطَّمْسَ وَالْبَحْرَ بَدَلَ السنين ونقص من الثمرات، وقال
فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مَعَ أَهْلِهِ في فراشه وقد صارا
حَجَرَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْهُمْ قَائِمَةٌ تَخْبِزُ وَقَدْ
صَارَتْ حَجَرًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُنَّ آيَاتُ الْكِتَابِ.
«1334» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الحسن [1] بن
محمد الثقفي أنا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ
الْعَطَّارُ [2] أَنْبَأَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الله بن
ماهان ثنا [أبو] [3] الوليد الطيالسي ثنا شُعْبَةُ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عن عبد الله بن سلمة [4] عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ أن يهوديا قال لصاحبه تعالى
حَتَّى نَسْأَلَ هَذَا النَّبِيَّ، فَقَالَ الْآخَرُ: لَا
تَقُلْ نَبِيٌّ فَإِنَّهُ لَوْ سَمِعَ [صَارَتْ أَرْبَعَةَ
أَعْيُنٍ] [5] ، فَأَتَيَاهُ فَسَأَلَاهُ عَنْ هَذِهِ
الْآيَةِ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ
فَقَالَ: «لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا
تَزْنُوا وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تحسروا وَلَا
تَمْشُوا بِالْبَرِيءِ إِلَى سُلْطَانٍ ليقتله، ولا تسرفوا
وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَةَ، وَلَا تَفِرُّوا مِنَ
الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةَ الْيَهُودِ أَنْ لَا
تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» ، فقبلا يده، قالا [6] : نَشْهَدُ
أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ
تَتَّبِعُونِي؟ قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا
يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نخاف إن تبعناك أن
تقتلنا اليهود.
قوله عزّ وجلّ: فَسْئَلْ، يَا مُحَمَّدُ، بَنِي إِسْرائِيلَ
إِذْ جاءَهُمْ، مُوسَى، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الخطاب معه
__________
1334- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن سلمة، قال البخاري:
لا يتابع على حديثه، وقال أبو حاتم والنسائي:
يعرف وينكر، أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك، شعبة بن الحجاج.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 3/ 130 عن طريق أبي الوليد
الطيالسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3144 من طرق أبي داود ويزيد بن هارون وأبي
الوليد عن شعبة به وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
- وأخرجه أحمد 2/ 239 من طريق يزيد ومحمد بن جعفر عن شعبة به.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 3541 و8656 من طريق ابن إدريس عن
شعبة به.
- وأخرجه أحمد 2/ 240 من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة به.
- وأخرجه الحاكم 1/ 9 من طريق وهب بن جرير وآدم بن إياس ومحمد
بن جعفر عن شعبة به.
- وصححه ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 2/ 697:
عبد الله بن سلمة كبر فساء حفظه.
- وأخرجه ابن ماجه 3705 من طريق شعبة بهذا الإسناد باختصار
شديد. [.....]
(1) في المخطوط «الحسين» .
(2) في المطبوع وحده «العطارد» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «مسلمة» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) في المطبوع «وقال» وفي المخطوط «وقالوا» .
(3/165)
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ
مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ
مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ
الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)
وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا
الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ
لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ
نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
(105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ
عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا
بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا
إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ
لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)
وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ خَاطَبَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَرَهُ
بِالسُّؤَالِ لِيَتَبَيَّنَ كَذِبَهُمْ مَعَ قَوْمِهِمْ.
فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسى
مَسْحُوراً، أَيْ: مَطْبُوبًا سَحَرُوكَ، قَالَهُ
الْكَلْبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَخْدُوعًا. وَقِيلَ:
مَصْرُوفًا عَنِ الْحَقِّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ: سَاحِرًا، فَوَضَعَ الْمَفْعُولَ مَوْضِعَ
الْفَاعِلِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: مُعْطًى عِلْمُ
السِّحْرِ، فَهَذِهِ الْعَجَائِبُ الَّتِي تَفْعَلُهَا من
سحرك.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 102 الى 104]
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا
فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (102) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ
مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (103)
وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا
الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ
لَفِيفاً (104)
قالَ، مُوسَى، لَقَدْ عَلِمْتَ، قَرَأَ الْعَامَّةُ بِفَتْحِ
التَّاءِ خِطَابًا لِفِرْعَوْنَ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ
بِضَمِّ التَّاءِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلَيٍّ [رَضِيَ
اللَّهُ عنه] [1] ، وَقَالَ: لَمْ يَعْلَمِ الْخَبِيثُ أَنَّ
مُوسَى عَلَى الْحَقِّ، وَلَوْ عَلِمَ لَآمَنَ وَلَكِنْ مُوسَى
هُوَ الَّذِي علمه، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلِمَهُ فِرْعَوْنُ
وَلَكِنَّهُ عَانَدَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَحَدُوا بِها
وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا
[النَّمْلُ: 14] ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ وَهِيَ نَصْبُ
التَّاءِ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ
الْقُرَّاءِ، لِأَنَّ مُوسَى لَا يحتج عليه بعلم نفسه، ولم
يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ رَفْعُ التَّاءِ لأنه يروى عَنْ رَجُلٍ
مَنْ مُرَادٍ عَنْ علي، وذلك الرَّجُلَ مَجْهُولٌ وَلَمْ
يَتَمَسَّكْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ غَيْرَ
الْكِسَائِيُّ، مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ، هَذِهِ الْآيَاتَ
التِّسْعَ، إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ،
جَمْعُ بَصِيرَةٍ أَيْ يُبَصَرُ بِهَا، وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ
يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَلْعُونًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَالِكًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: مُهْلَكًا.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ مَصْرُوفًا مَمْنُوعًا عَنِ
الْخَيْرِ. يُقَالُ: مَا ثَبَرَكَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ
مَا مَنَعَكَ وَصَرَفَكَ عَنْهُ.
فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ، أَيْ: أَرَادَ فِرْعَوْنُ أَنْ
يَسْتَفِزَّ [2] مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ
يُخْرِجَهُمْ، مِنَ الْأَرْضِ، يَعْنِي أَرْضَ مِصْرَ،
فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً، وَنَجَّيْنَا مُوسَى
وَقَوْمَهُ.
وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ، أَيْ مِنْ بَعْدِ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ،
لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ، يَعْنِي أَرْضَ
مِصْرَ وَالشَّامِ، فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ، يَعْنِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً أَيْ: جَمِيعًا
إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ.
وَاللَّفِيفُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ إِذَا كَانُوا
مُخْتَلِطِينَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، يُقَالُ: لَفَّتِ [3]
الْجُيُوشُ إِذَا اخْتَلَطُوا، وَجَمْعُ الْقِيَامَةِ.
كَذَلِكَ، فِيهِمُ [4] الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ
وَالْفَاجِرُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
الْآخِرَةِ يَعْنِي مَجِيءَ عِيسَى مِنَ السَّمَاءِ جِئْنَا
بِكُمْ لَفِيفًا أَيِ [5] النُّزَّاعُ: مِنْ كُلِّ قوم من
هاهنا وهاهنا لفوا جميعا.
[سورة الإسراء (17) : الآيات 105 الى 109]
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما
أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً
فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ
وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا
تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ
إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً
(107) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا
لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ
وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)
__________
- وانظر «تفسير الكشاف» 637 بتخريجي، وفي الحديث بعض الألفاظ
المنكرة، وقد نبه عليها الحافظ ابن كثير عند هذه الآية.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «يستفزهم» .
(3) في المخطوط «لفف» .
(4) في المخطوط «منهم» .
(5) زيد في المطبوع وط، وفي المخطوط «أنواعا» والمثبت هو
الراجح، ويدل عليه ونزعنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ...
الآية.
(3/166)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ
نَزَلَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا
مُبَشِّراً لِلْمُطِيعِينَ، وَنَذِيراً، لِلْعَاصِينَ.
وَقُرْآناً فَرَقْناهُ، قيل: أنزلنا نُجُومًا لَمْ يَنْزِلْ
مَرَّةً وَاحِدَةً، بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«وَقُرْآنًا فَرَّقْنَاهُ» بِالتَّشْدِيدِ، وَقِرَاءَةُ
الْعَامَّةِ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: فَصَّلْنَاهُ. وَقِيلَ:
بَيَّنَّاهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ فَرَّقْنَا بِهِ
بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ
عَلى مُكْثٍ أَيْ: عَلَى تُؤَدَةٍ وَتَرَسُّلٍ فِي ثَلَاثٍ
وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [أي رتلناه
ترتيلا] [1] .
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا، هَذَا عَلَى طَرِيقِ
الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
مِنْ قَبْلِهِ، قِيلَ:
هُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا
يَطْلُبُونَ الدِّينَ قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَسْلَمُوا بَعْدَ
مَبْعَثِهِ، مِثْلُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو [2] بْنِ نُفَيْلٍ
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ. إِذا
يُتْلى عَلَيْهِمْ، يَعْنِي الْقُرْآنَ يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ أَيْ: يَسْقُطُونَ عَلَى الْأَذْقَانِ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِهَا الْوُجُوهَ، سُجَّداً.
وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا
لَمَفْعُولًا (108) ، أَيْ: كَائِنًا وَاقِعًا.
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ، أَيْ: يَقَعُونَ عَلَى
الوجوه يبكون، والبكاء مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ قِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ، وَيَزِيدُهُمْ، نُزُولُ الْقُرْآنِ، خُشُوعاً،
خُضُوعًا لِرَبِّهِمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذا
تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً
وَبُكِيًّا [مَرْيَمُ: 58] .
«1335» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو عَمْرٍو بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُزَنِيُّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله
الحفيد [3] ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ أَنَا
عاصم بن علي بن عاصم ثنا الْمَسْعُودِيُّ هُوَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى
مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي
الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا» .
«1336» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ
هَوَازِنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ
الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بن
__________
1335- حديث حسن. إسناده ضعيف، فيه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ المسعودي، وقد اختلط، لكن تابعه مسعر عند
النسائي وابن حبان، ومسعر ثقة.
- والحديث بدون «حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ» صحيح
له شواهد كثيرة.
- وهو في «شرح السنة» 4063 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2311 و1633 والنسائي 6/ 12 وأحمد 2/ 505
والحاكم 4/ 259 من طرق عن المسعودي به.
- وأخرجه النسائي 6/ 12 من طريق مسعر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
- وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي حسن صحيح.
- وأخرج ابن حبان 4607 عجزه فقط من طريق مسعر عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
1336- متن حسن صحيح بشواهده. إسناده ضعيف لضعف محمد بن يونس
الكديمي، وجهالة أبي حبيب القنوي، حيث لم أجد له ترجمة، وقد
توبع محمد بن يونس عند الطبراني، فانحصرت العلة في أبي حبيب،
وللحديث شواهد كثيرة.
- وهو في «شرح السنة» 4064 بهذا الإسناد. [.....]
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) تصحف في المطبوع «عمر» .
(3) تصحف في المطبوع «الجنيد» .
(3/167)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ
أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا
تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
عبد الخالق المؤذن أَنَا [أَبُو] [1]
أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ محمد بن حمدان ثنا مُحَمَّدُ بْنُ
يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ [2] أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ ثنا أبو حبيب القنوي [3] ثنا بَهْزِ
بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى ثَلَاثِ أَعْيُنٍ: عَيْنٌ بَكَتْ
مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، وَعَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ الله» .
[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا
تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ
سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ
يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ
تَكْبِيراً (111)
قوله جلّ وعلّا: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا
الرَّحْمنَ.
«1337» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَجَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَجَعَلَ
يَبْكِي وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «يَا أللَّهُ يَا رَحْمَنُ»
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَنْهَانَا عَنْ
آلِهَتِنَا وَهُوَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا اسْمَانِ لِوَاحِدٍ، أَيًّا مَا
تَدْعُوا، «مَا» صِلَةٌ مَعْنَاهُ أَيًّا [4] تدعو مِنْ
هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ وَمِنْ جَمِيعِ أَسْمَائِهِ، فَلَهُ
الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ
بِها.
«1338» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أنا يعقوب بن إبراهيم [نا] هشيم
ثنا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ
وَلا تُخافِتْ بِها قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا
صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا
سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ
وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ
الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا
عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعَهُمْ وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ
سَبِيلًا.
__________
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» 19/ 416 من طريق عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ بهذا الإسناد.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 4/ 288 وقال: وفيه أبو حبيب
العنقزي ويقال: القنوي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو نعيم في «الحلية» 5/
209 وفي إسناده محمد بن يونس الكديمي وهو ضعيف كما في
«التقريب» . وعطاء الخراساني لين الحديث، وللحديث شواهد كثيرة
يتقوى بها انظر «الترغيب والترهيب» للمنذري 2/ 207- 209.
1337- ضعيف. أخرجه الطبري 2801 عن ابن عباس، وإسناده ضعيف،
لضعف حسين بن داود، الملقب ب «سنيد» .
- وأخرجه الطبري 222802 عن مكحول مرسلا، ومع إرساله فيه سنيد،
وهو ضعيف.
1338- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، هشيم هو ابن بشير،
أبو بشر هو جعفر بن إياس.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 4722 عن يعقوب
بن إبراهيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 7490 و7525 و7547 ومسلم 446 والترمذي 3144
والنسائي 2/ 177- 178 وأحمد 2/ 23 و215 والطبري 22825 وابن
حبان 6563 والبيهقي 2/ 184 والواحدي في «أسباب النزول» 596 من
طرق عن هشيم به.
- وأخرجه النسائي 2/ 178 والطبري 22828 والطبراني 12454 من طرق
عن الأعمش عن أبي بشر بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3145 من طريق شعبة عن أبي بشر به.
(1) سقط من المطبوع.
(2) تصحف في المطبوع «الكريمي» .
(3) تصحف في المطبوع «الغنوي» .
(4) زيد في المطبوع وط «ما» .
(3/168)
«1339» وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إسماعيل قال: ثنا مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ
أَبِي بِشْرٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ وَابْتَغِ بَيْنَ
ذلِكَ سَبِيلًا، أَسْمِعْهُمْ وَلَا تَجْهَرْ حَتَّى
يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ.
وقال قوم: نزلت الْآيَةُ فِي الدُّعَاءِ وَهُوَ قَوْلُ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ
وَمَكْحُولٍ.
«1340» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا طلق بن
غنام ثنا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [فِي قَوْلِهِ تَعَالَى] [1] وَلا
تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها، قَالَتْ: أُنْزِلَ
ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ.
«1341» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: كَانَ أَعْرَابٌ
مَنْ بَنِي تَمِيمٍ إِذَا سُلِّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَالًا
وَوَلَدًا فَيَجْهَرُونَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
الْآيَةَ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ.
أَيْ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ بِقِرَاءَتِكَ أَوْ بِدُعَائِكَ
وَلَا تُخَافِتْ بِهَا، وَالْمُخَافَتَةُ خَفْضُ الصَّوْتِ
وَالسُّكُوتُ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أَيْ: بَيْنَ
الجهر والخفاء.
«1342» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ أحمد الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ
ثنا محمود بن غيلان ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ
الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «مَرَرْتُ
بك وأنت تقرأ القرآن وأنت تخفض صوتك، فقال: إني سمعت مَنْ
نَاجَيْتُ، فَقَالَ: ارْفَعْ قَلِيلًا، وَقَالَ لِعُمَرَ:
مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَرْفَعُ صَوْتَكَ،
فَقَالَ: إِنِّي أُوقِظُ الْوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ
الشَّيْطَانَ، فَقَالَ: اخْفِضْ قَلِيلًا» .
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً،
أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِأَنْ يَحْمَدَهُ [2] عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَعْنَى
الْحَمْدِ لِلَّهِ هُوَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ
أَهْلُهُ، قال الحسين بن الفضل: معناه الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي عَرَّفَنِي أَنَّهُ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ
مِنَ الذُّلِّ، قال مجاهد: لم يذل حتى يحتاج إِلَى وَلِيٍّ
يَتَعَزَّزُ بِهِ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً، أَيْ: وَعَظِّمْهُ
عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ وَلِيٌّ.
__________
1339- إسناده على شرط البخاري لتفرده عن مسدد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 7490 عن مسدد
بهذا الإسناد، وانظر الحديث المتقدم.
1340- إسناده صحيح على شرط البخاري فقد تفرد عن طلق، ومن فوقه
رجال البخاري ومسلم.
- زائدة هو ابن قدامة، هشام هو ابن عروة بن الزبير.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 4723 عن طلق بن
غنام بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري 6327 و7526 والطبري 22806
و22807 و22808 من طرق عن هشام به.
1341- ضعيف جدا. أخرجه الطبري 22821 عن عبد الله بن شداد، وهذا
مرسل، فهو ضعيف، والمتن منكر جدا شبه موضوع ثم إن السورة مكية.
1342- حديث صحيح، إسناده على شرط مسلم، وله شواهد.
- ثابت هو ابن أسلم البناني.
- وهو في «شرح السنة» 1914 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» 447 عن محمد بن
غيلان بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1329 والحاكم 1/ 310 من طريق يحيى بن إسحاق
عن حماد به. [.....]
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «يحمد» .
(3/169)
«1343» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو
عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بن محمد القاضي أنا الْإِمَامُ أَبُو
الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ محمد بن سليمان ثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ [ثَنَا محمد بن يعقوب] [1] ثنا محمد بن
إسحاق الصّغاني ثنا نصر بْنُ حَمَّادٍ أَبُو الْحَارِثِ
الْوَرَّاقُ ثنا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ
قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ الحمادون الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ
فِي السَّرَّاءِ والضراء» .
«1344» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
مَنْصُورٍ الرمادي أنبأنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر [و] قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَأْسُ الشُّكْرِ، مَا شَكَرَ اللَّهَ عبدا
لَا يَحْمَدُهُ» .
«1345» أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ زياد بْنُ مُحَمَّدٍ
الْحَنَفِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَحْمَدَ الأنصاري أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ محمد بن
صاعد ثنا يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ أَيُّوبَ المخزومي ثنا
مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرِ بن بشر الحرامي [2]
الْأَنْصَارِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشٍ [3] عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَفْضَلَ الدُّعَاءِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَفْضَلَ الذِّكْرِ لا إله إلا الله» .
__________
- وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه أبو داود 1330 وإسناده
حسن.
- وشاهد من حديث علي، أخرجه أحمد 1/ 109، وله شاهد من مرسل ابن
سيرين، أخرجه الطبري 22835، وانظر «الكشاف» 638 بتخريجي.
1343- ضعيف. إسناده ضعيف جدا لأجل نصر بن حماد، فإنه متروك،
لكن توبع، فانحصرت العلة في حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ،
وَهُوَ مدلس ويرسل عمن لم يلقه، ولا عبرة بتصريحه في رواية
البغوي بالتحديث، لأنه إسناد ساقط.
- وهو في «شرح السنة» 1264 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الآداب» 887 من طريق أبي العباس الأصم
بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم 1/ 502 والطبراني في «الكبير» 12345 و
«الصغير» 288 والبزار 3114 والبيهقي في «الآداب» 887 وأبو نعيم
في «صفة الجنة» 82 وفي «الحلية» 5/ 69 من طريقين عَنْ حَبِيبِ
بْنِ أَبِي ثَابِتٍ به.
- وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي!؟ وليس كذلك، فإن
في إسناد «المستدرك» عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
المسعودي، وقد اختلط، وفيه قراد أبو نوح وعنده مناكير.
- وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» 206 عن مسعر عَنْ حَبِيبِ
بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عن سعيد بن جبير قوله، ولعل الصواب وقفه،
فإن مسعرا ثقة ثبت.
- وقد علقه المصنف في سورة التوبة عند آية: 112 من حديث ابن
عباس.
1344- ضعيف. رجاله ثقات مشاهير إلّا أنه منقطع، قتادة لم يسمع
من عبد الله بن عمرو بن العاص.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، قتادة بن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 1264 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 5395 وفي «الآداب» 888 عن أبي
الحسين بن بشران بهذا الإسناد.
- قال البيهقي: هكذا جاء مرسلا بين قتادة، ومن فوقه.
- وقال السيوطي في «تدريب الراوي» 1/ 57: رجاله ثقات، لكنه
منقطع.
1345- حسن. يحيى بن خالد لم أجد له ترجمة، لكن تابعه غير واحد،
وشيخه صدوق حسن الحديث، وكذا شيخ شيخه.
(1) سقط من المطبوع.
(2) تصحف في المطبوع وط «الخزامي» .
(3) تصحف في المطبوع «حراش» .
(3/170)
|