تفسير البغوي
إحياء التراث طس تِلْكَ آيَاتُ
الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
القصيدة التي قالها وهي [1] :
«أَمِنَ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ ... غَدَاةَ غَدٍ
أَمْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُ»
فَأَنْشَدَهُ ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ القصيدة إلى آخرها، وهي
قريب [2] مِنْ سَبْعِينَ [3] بَيْتًا، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ أَعَادَ الْقَصِيدَةَ جَمِيعَهَا، وَكَانَ حَفِظَهَا
بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.
وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً، أَيْ لَمْ يَشْغَلْهُمُ
الشِّعْرُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا
ظُلِمُوا، قَالَ مُقَاتِلٌ انْتَصَرُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
لِأَنَّهُمْ بدأوا بِالْهِجَاءِ، ثُمَّ أَوْعَدَ شُعَرَاءَ
الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا،
أَشْرَكُوا، وهجوا رسول الله أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ،
أَيَّ مَرْجِعٍ يُرْجَعُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِلَى جهنم والسعير. والله
أعلم.
تفسير سورة النمل
[مكية وهي ثلاث وتسعون آية] [4]
[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً
وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
(3)
طس، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ
تَعَالَى، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي حُرُوفِ الْهِجَاءِ.
تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ، أَيْ هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ،
وَكِتابٍ مُبِينٍ، يعني وَآيَاتُ كِتَابٍ مُبِينٍ.
هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) ، يَعْنِي هُوَ هُدًى مِنَ
الضَّلَالَةِ وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ
بالجنة.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، أي يؤدون الصلاة بأركانها
وشروطها، وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ [أي] [5] يعطون ما وجب عليهم
من زكاة أموالهم لأربابها، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ.
[سورة النمل (27) : الآيات 4 الى 7]
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا
لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُوْلئِكَ
الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ
الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ
لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي
آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ
بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
__________
(1) في المطبوع «فقال» .
(2) في المطبوع وحده «قريبة» .
(3) في المطبوع وحده «تسعين» . [.....]
(4) زيد في المطبوع وحده.
(5) زيادة عن المخطوط.
(3/489)
فَلَمَّا جَاءَهَا
نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا
وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ، الْقَبِيحَةَ
حَتَّى رَأَوْهَا حَسَنَةً، فَهُمْ يَعْمَهُونَ، أَيْ
يَتَرَدَّدُونَ فِيهَا مُتَحَيِّرِينَ.
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ، شِدَّةُ
الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ بِبَدْرٍ،
وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ لِأَنَّهُمْ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَصَارُوا إِلَى
النَّارِ.
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ، أي تؤتى الْقُرْآنَ، مِنْ
لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ، أَيْ وَحْيًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ، أَيْ
وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ فِي
مَسِيرِهِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ، إِنِّي آنَسْتُ نَارًا،
أَيْ أَبْصَرْتُ نَارًا، سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ، أَيْ
امْكُثُوا مَكَانَكُمْ سآتيكم بخبر عن الطريق أو النار،
وَكَانَ قَدْ تَرَكَ الطَّرِيقَ، أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ
قَبَسٍ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِشِهَابٍ بِالتَّنْوِينِ
جَعَلُوا الْقَبَسَ نَعْتًا لِلشِّهَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِلَا تَنْوِينٍ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَهُوَ إِضَافَةُ
الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الشِّهَابَ وَالْقَبَسَ
مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ الْعُودُ الَّذِي فِي
أَحَدِ طَرَفَيْهِ فيه نَارٌ، وَلَيْسَ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ
نَارٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشِّهَابُ هُوَ شَيْءٌ ذُو نُورٍ،
مِثْلَ الْعَمُودِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ أَبِيضَ ذِي
نُورٍ شِهَابًا، وَالْقَبَسُ:
الْقِطْعَةُ مِنَ النَّارِ، لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ،
تَسْتَدْفِئُونَ مِنَ الْبَرْدِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ
الشتاء.
[سورة النمل (27) : الآيات 8 الى 10]
فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ
وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8)
يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ
وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى لَا تَخَفْ
إِنِّي لَا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ
وَمَنْ حَوْلَها، أَيْ بُورِكَ عَلَى مَنْ فِي النار أو فيمن
[1] فِي النَّارِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بَارَكَهُ اللَّهُ
وَبَارَكَ فِيهِ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْبَرَكَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مُوسَى
وَالْمَلَائِكَةِ، مَعْنَاهُ: بُورِكَ فِي مَنْ طَلَبَ
النَّارَ، وَهُوَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَنْ
حَوْلَهَا وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ حَوْلَ النَّارِ،
وَمَعْنَاهُ: بُورِكَ فِيكَ يَا مُوسَى وَفِي الْمَلَائِكَةِ
الَّذِينَ حَوْلَ النَّارِ، وَهَذَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى بِالْبَرَكَةِ، كَمَا حَيَّا
إِبْرَاهِيمَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ حِينَ دَخَلُوا
عَلَيْهِ فَقَالُوا رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ
أَهْلَ الْبَيْتِ. وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ
المراد بالنار النور، وذكر بِلَفْظِ النَّارِ لِأَنَّ مُوسَى
حَسِبَهُ نارا مَنْ فِي النَّارِ هُمُ الْمَلَائِكَةُ.
وَذَلِكَ أَنَّ النُّورَ الَّذِي رَآهُ موسى [عليه السلام] [2]
كَانَ فِيهِ مَلَائِكَةٌ لَهُمْ زَجَلٌ بالتقديس والتسبيح، ومن
حَوْلَهَا [هُوَ] [3] مُوسَى لِأَنَّهُ كَانَ بِالْقُرْبِ
مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا. وَقِيلَ: مَنْ فِي النَّارِ
وَمَنْ حوله جَمِيعًا الْمَلَائِكَةُ. وَقِيلَ: مَنْ فِي النار
موسى ومن حَوْلَهَا الْمَلَائِكَةُ، وَمُوسَى وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فِي النَّارِ كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا كَمَا يُقَالُ
بَلَغَ فُلَانٌ الْمَنْزِلَ إِذَا قَرُبَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ
يَبْلُغْهُ بَعْدُ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ
الْبَرَكَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى النَّارِ.
وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عباس أنه قال: معناه [أن] [4]
بُورِكَتِ النَّارُ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ أُبَيًّا يَقْرَأُ: «أَنْ بُورِكَتِ النار ومن حولها»
،
__________
(1) في المطبوع «من» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/490)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ
ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ
(11)
ومَنْ قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مَا،
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ
[النُّورِ: 45] ، وَ «مَا» قَدْ تكون صِلَةً فِي الْكَلَامِ،
كَقَوْلِهِ جُنْدٌ مَا هُنالِكَ [ص: 11] ، وَمَعْنَاهُ:
بُورِكَ فِي النَّارِ وَفِيمَنْ حَوْلَهَا، وَهُمُ الملائكة
وموسى عليه السَّلَامُ، وَسَمَّى النَّارَ مُبَارَكَةً كَمَا
سَمَّى الْبُقْعَةَ مُبَارَكَةً فَقَالَ: فِي الْبُقْعَةِ
الْمُبارَكَةِ [القصص: 30] ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: بُورِكَ
مَنْ فِي النَّارِ، يَعْنِي قُدِّسَ مَنْ فِي النَّارِ، وَهُوَ
اللَّهُ عَنَى بِهِ نَفْسَهُ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ نَادَى
مُوسَى مِنْهَا وَأَسْمَعَهُ كَلَامَهُ مِنْ جِهَتِهَا.
كَمَا رُوِيَ: أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ جَاءَ
اللَّهُ مِنْ سَيْنَاءَ وَأَشْرَفَ من ساعير وَاسْتَعْلَى مِنْ
جِبَالِ فَارَانَ، فَمَجِيئُهُ مِنْ سَيْنَاءَ بَعْثَةُ مُوسَى
مِنْهَا، ومن ساعير [1] بَعْثَةُ الْمَسِيحِ مِنْهَا، وَمِنْ
جِبَالِ فَارَانَ بَعْثَةُ الْمُصْطَفَى مِنْهَا، وَفَارَانُ
مكة. وقيل: كَانَ ذَلِكَ نُورُهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتْ النَّارُ بِعَيْنِهَا،
وَالنَّارُ إِحْدَى حُجُبِ اللَّهِ تَعَالَى.
«1592» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «حِجَابُهُ النَّارُ لَوْ
كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى
إِلَيْهِ بَصَرُهُ مَنْ خَلْقِهِ» ، ثُمَّ نَزَّهَ اللَّهُ
نَفْسَهُ وَهُوَ الْمُنَزَّهُ مَنْ كُلِّ سُوءٍ وَعَيْبٍ،
فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ. وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ، ثُمَّ تَعَرَّفَ إِلَى مُوسَى بِصِفَاتِهِ،
فَقَالَ:
يَا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) ،
وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ عِمَادٌ وَلَيْسَ
بِكِنَايَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَمْرِ والشأن،
أي الأمر والشأن أن المعبود أنا، ثُمَّ أَرَى مُوسَى آيَةً
عَلَى قُدْرَتِهِ، فَقَالَ:
وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ، تَتَحَرَّكُ،
كَأَنَّها جَانٌّ، وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي
يَكْثُرُ اضطرابها، وَلَّى مُدْبِراً، وهرب من الخوف، وَلَمْ
يُعَقِّبْ، ولم يَرْجِعْ، يُقَالُ: عَقِبَ فُلَانٌ إِذَا
رَجَعَ، وَكُلُّ رَاجِعٍ مُعَقِّبٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَلَمْ يَلْتَفِتْ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: يَا مُوسى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخافُ لَدَيَّ
الْمُرْسَلُونَ، يريد إذا آمنهم لَا يَخَافُونَ أَمَّا
الْخَوْفُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ [الْإِيمَانِ] [2] فَلَا
يُفَارِقُهُمْ.
«1593» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أنا
أخشاكم لله» .
[سورة النمل (27) : الآيات 11 الى 14]
إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ
فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ
تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ
(12) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هَذَا
سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها
أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ
عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
وَقَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ
سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) ، اختلف فِي هَذَا
الِاسْتِثْنَاءِ، قِيلَ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُوسَى
حِينَ قَتَلَ الْقِبْطِيَّ خَافَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَابَ
فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي،
فَغَفَرَ له.
__________
1592- تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية: 255، خرجه مسلم
وغيره.
1593- صحيح. هو بعض حديث أنس.
أخرجه البخاري 5063 والبيهقي 7/ 77 والبغوي في «شرح السنة» 95
وفيه: ... والله إنّي لأخشاكم لله، وأتقاكم له ... » . وله
شاهد في حديث عائشة أخرجه البخاري 6101 ومسلم 2356 وأحمد 6/ 45
و61 و181 وأبو يعلى 4910 وفي «شرح السنة» 99 وفيه « ... إِنِّي
لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خشية» .
(1) في المطبوع «ساعين» .
(2) زيد في المطبوع.
(3/491)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ (15)
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى لِمُوسَى: إِنَّمَا أَخَفْتُكَ لِقَتْلِكَ النَّفْسَ.
وَقَالَ مَعْنَى الْآيَةِ: لَا يُخِيفُ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ
إِلَّا بِذَنْبٍ يُصِيبُهُ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ أَصَابَهُ
أَخَافَهُ حَتَّى يَتُوبَ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ
الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا وَتَنَاهَى الْخَبَرُ عَنِ الرُّسُلِ
عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ ابْتَدَأَ
الْخَبَرُ عَنْ حَالِ [1] مَنْ ظَلَمَ مِنَ النَّاسِ كَافَّةً،
وَفِي الْآيَةِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ عَنْ ذِكْرِهِ
بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: فَمَنْ ظَلَمَ
ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غفور رحيم.
قال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الظُّلْمُ،
بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمَتْرُوكِ فِي الْكَلَامِ،
مَعْنَاهُ لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، إِنَّمَا
الْخَوْفُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الظَّالِمِينَ، إِلَّا مَنْ
ظَلَمَ ثُمَّ تَابَ، وَهَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ
الْمُنْقَطِعِ، مَعْنَاهُ: لَكِنْ مَنْ ظَلَمَ مِنْ سَائِرِ
النَّاسِ فَإِنَّهُ يَخَافُ، فَإِنْ تَابَ وَبَدَّلَ حُسْنًا
بَعْدَ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يَعْنِي
يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ وَيُزِيلُ الْخَوْفَ عَنْهُ. وَقَالَ
بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِلَّا هَاهُنَا بمعنى لا، يَعْنِي:
لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [وَلَا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ
بَدَّلَ حَسَنًا بَعْدَ سُوءٍ يَقُولُ لَا يَخَافُ لَدَيَّ
الْمُرْسَلُونَ] [2] وَلَا الْمُذْنِبُونَ التَّائِبُونَ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ
حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [الْبَقَرَةِ:
150] يَعْنِي وَلَا الذين ظلموا، ثُمَّ أَرَاهُ اللَّهُ آيَةً
أُخْرَى فَقَالَ:
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، وَالْجَيْبُ حَيْثُ جِيبَ [3]
مِنَ الْقَمِيصِ، أَيْ قُطِعَ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ:
كَانَتْ عَلَيْهِ مُدَرَّعَةٌ مِنْ صُوفٍ لَا كُمَّ لَهَا
وَلَا أَزْرَارَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ
وَأَخْرَجَهَا، فَإِذَا هِيَ تَبْرُقُ مِثْلَ الْبَرْقِ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، مِنْ
غَيْرِ بَرَصٍ، فِي تِسْعِ آياتٍ، يَقُولُ هَذِهِ آيَةٌ مَعَ
تِسْعِ آيَاتٍ أَنْتَ مُرْسَلٌ بِهِنَّ، إِلى فِرْعَوْنَ
وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً، بَيِّنَةً وَاضِحَةً
يُبْصَرُ بِهَا، قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ، ظَاهِرٌ.
وَجَحَدُوا بِها، أَيْ أَنْكَرُوا الْآيَاتِ وَلَمْ يُقِرُّوا
أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، [وَاسْتَيْقَنَتْها
أَنْفُسُهُمْ، يعني عَلِمُوا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ]
[4] ، قوله: ظُلْماً وَعُلُوًّا، يعني شِرْكًا وَتَكَبُّرًا
عَنْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى، فَانْظُرْ
كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ.
[سورة النمل (27) : الآيات 15 الى 16]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ
عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ
وَقالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ
وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ
الْمُبِينُ (16)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ
عِلْماً، يعني عِلْمَ الْقَضَاءِ وَمَنْطِقَ الطَّيْرِ
وَالدَّوَابِّ وَتَسْخِيرَ الشَّيَاطِينِ وَتَسْبِيحَ
الْجِبَالِ، وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا،
بِالنُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ وَتَسْخِيرِ الشَّيَاطِينِ
وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ.
وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، نُبُوَّتَهُ وَعِلْمَهُ
وَمُلْكَهُ دُونَ سَائِرِ أَوْلَادِهِ، وَكَانَ لِدَاوُدَ
تِسْعَةَ عَشَرَ ابْنًا وَأُعْطِيَ سُلَيْمَانُ مَا أُعْطِيَ
دَاوُدُ مِنَ الْمُلْكِ، وَزِيدَ لَهُ تَسْخِيرُ الرِّيحِ
وتسخير الشياطين. وقال مُقَاتِلٌ: كَانَ سُلَيْمَانُ أَعْظَمَ
مُلْكًا مِنْ دَاوُدَ وَأَقْضَى مِنْهُ، وَكَانَ دَاوُدُ
أَشَدَّ تَعَبُّدًا مِنْ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ
شَاكِرًا لِنِعَمِ اللَّهِ تعالى،
__________
(1) في المخطوط «حالة» .
(2) زيد في المطبوع.
(3) في المخطوط «جيب» .
(4) سقط من المخطوط. [.....]
(3/492)
وَقالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا
مَنْطِقَ الطَّيْرِ، سَمَّى صَوْتَ الطَّيْرِ مَنْطِقًا
لِحُصُولِ الْفَهْمِ مِنْهُ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ
النَّاسِ. رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: صَاحَ وَرَشَانُ عِنْدَ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
يَقُولُ؟ قَالُوا:
لَا، قال: إنها تقول لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ،
وَصَاحَتْ فَاخِتَةٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا تَقُولُ؟
قَالُوا:
لَا، قَالَ: إِنَّهَا تَقُولُ لَيْتَ ذَا [1] الْخَلْقَ لَمْ
يُخْلَقُوا، وَصَاحَ طَاوُسٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ كَمَا
تَدِينُ تُدَانُ، وَصَاحَ هُدْهُدٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
يَقُولُ هَذَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ مَنْ
لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ، وَصَاحَ صُرَدٌ، فَقَالَ:
أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ
يَقُولُ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ يَا مذنبين، قال: وصاحت طيطوى،
فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا تَقُولُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ:
فَإِنَّهَا تَقُولُ: كُلُّ حَيٍّ مَيِّتٌ وَكُلُّ حَدِيدٍ
بَالٍ، وَصَاحَ خُطَّافٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟
قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: قَدِّمُوا خَيْرًا
تَجِدُوهُ، وَهَدَرَتْ حَمَامَةٌ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا
تَقُولُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهَا تَقُولُ:
سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى مِلْءَ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ،
وَصَاحَ قُمْرِيٌّ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟
قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ
الْأَعْلَى، قَالَ: وَالْغُرَابُ يَدْعُو عَلَى الْعَشَّارِ،
وَالْحِدَأَةُ تَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا اللَّهُ،
وَالْقَطَاةُ تَقُولُ: مَنْ سَكَتَ سَلِمَ، وَالْبَبَّغَاءُ
تَقُولُ: وَيْلٌ لمن الدنيا [أكبر] [2] هَمُّهُ، وَالضِّفْدَعُ
يَقُولُ:
سُبْحَانَ رَبِّيَ الْقُدُّوسِ، وَالْبَازِي يَقُولُ:
سُبْحَانَ رَبِّيَ وبحمده، والضفدعة تقول: سبحان [ربي] [3]
الْمَذْكُورِ بِكُلِّ لِسَانٍ، وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: صَاحَ
دُرَّاجٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا
يَقُولُ قَالُوا:
لَا قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ الرحمن على العرش استوى و [روي]
[4] عن فَرَقَدٍ السَّبَخِيِّ قَالَ مَرَّ سُلَيْمَانُ على
بلبل فوق شجرة يُحَرِّكُ رَأْسَهُ وَيُمِيلُ ذَنَبَهُ، فَقَالَ
لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْبُلْبُلُ؟
فَقَالُوا اللَّهُ وَنَبِيُّهُ أَعْلَمُ، قَالَ يَقُولُ:
أَكَلْتُ نِصْفَ تَمْرَةٍ فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاءُ.
وَرُوِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا لِابْنِ
عَبَّاسٍ: إِنَّا سَائِلُوكَ عَنْ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ فَإِنْ
أَخْبَرْتَنَا آمَنَّا وَصَدَّقْنَا، قَالَ: سَلُوا تَفَقُّهًا
وَلَا تَسْأَلُوا تَعَنُّتًا، قَالُوا: أَخْبِرْنَا مَا
يَقُولُ الْقُنْبَرُ فِي صَفِيرِهِ وَالِدَيْكُ فِي صعيقه
وَالضِّفْدَعُ فِي نَقِيقِهِ وَالْحِمَارُ فِي نَهِيقِهِ
وَالْفَرَسُ فِي صَهِيلِهِ، وَمَاذَا يَقُولُ الزَّرْزُورُ
وَالدُّرَّاجُ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَّا الْقُنْبَرُ فَيَقُولُ:
اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ،
وَأَمَّا الدِّيكُ فَيَقُولُ: اذْكُرُوا اللَّهَ يَا غافلون،
وأما الضفدع فيقول: سبحان [الله] [5] الْمَعْبُودِ فِي لُجَجِ
الْبِحَارِ، وَأَمَّا الْحِمَارُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ
الْعَنِ الْعَشَّارَ، وَأَمَّا الْفَرَسُ فَيَقُولُ: إِذَا
الْتَقَى الصفان سبوح قدوس رب الملئكة وَالرُّوحِ، وَأَمَّا
الزَّرْزُورُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قُوتَ
يَوْمٍ بِيَوْمٍ يَا رَازِقُ، وَأَمَّا الدُّرَّاجُ فَيَقُولُ:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، قَالَ: فَأَسْلَمَ
الْيَهُودُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ [6] .
وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ [7] عَلِيٍّ
قَالَ: إِذَا صَاحَ النَّسْرُ قَالَ: يَا ابْنَ آدم عش ما شئت
[فإن] [8] آخِرُهُ الْمَوْتُ، وَإِذَا صَاحَ الْعُقَابُ قَالَ:
فِي الْبُعْدِ مِنَ النَّاسِ أُنْسٌ، وَإِذَا صَاحَ
الْقُنْبَرُ قَالَ: إلهي الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ [وَآلِ
مُحَمَّدٍ] [9] ، وَإِذَا صَاحَ الْخُطَّافُ قَرَأَ الْحَمْدُ
لله رب
__________
(1) كذا في المطبوع والمخطوط- أ- وفي- ب- «هذا» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) هذه الروايات جميعا من الإسرائيليات.
(7) في المطبوع «عن» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادذة عن المخطوط.
(3/493)
وَحُشِرَ
لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
الْعَالَمِينَ، وَيَمُدُّ الضَّالِّينَ
كَمَا يَمُدُّ الْقَارِئُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُوتِينا مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ، يُؤْتَى الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُلُوكُ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي النُّبُوَّةَ وَالْمُلْكَ
وَتَسْخِيرَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالرِّيَاحِ، إِنَّ
هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ، الزِّيَادَةُ الظَّاهِرَةُ
عَلَى مَا أَعْطَى غَيْرَنَا.
وَرُوِى أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام أعطني ملك مَشَارِقَ
الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَمَلَكَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ
وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، مَلَكَ جَمِيعَ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ،
وَأُعْطِيَ عَلَى ذَلِكَ مَنْطِقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي زمانه
صنعت الصنائع العجيبة.
[سورة النمل (27) : الآيات 17 الى 20]
وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى
وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ
وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً
مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ
وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ
فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ
مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ
(20)
قَوْلُهُ عزّ وجلّ: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ، وجمع
لِسُلَيْمَانَ، جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَالطَّيْرِ في مسيره، فَهُمْ يُوزَعُونَ، فَهُمْ يَكُفُّونَ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ عَلَى كُلِّ صَفٍّ من جنوده وزعة تردّ
أولها على آخرها لئلا يتقدموا في السير، وَالْوَازِعُ
الْحَابِسُ، وَهُوَ النَّقِيبُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُوزَعُونَ
يُسَاقُونَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ:
يُوقَفُونَ. وَقِيلَ: يُجْمَعُونَ. وَأَصْلُ الْوَزْعِ
الْكَفُّ وَالْمَنْعُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ
الْقُرَظِيُّ: كَانَ مُعَسْكَرُ سُلَيْمَانَ مِائَةَ فَرْسَخٍ
خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا لِلْإِنْسِ، وَخَمْسَةٌ
وَعِشْرُونَ لِلْجِنِّ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْوَحْشِ،
وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ لِلطَّيْرِ، وَكَانَ لَهُ أَلْفُ
بَيْتٍ مِنْ قَوَارِيرَ عَلَى الْخَشَبِ، فِيهَا
ثَلَاثُمِائَةٍ زوجة، وَسَبْعُمِائَةٍ سِرِّيَّةٍ فَيَأْمُرُ
الرِّيحَ الْعَاصِفَ فَتَرْفَعُهُ، وَيَأْمُرُ الرُّخَاءَ
فَتَسِيرُ بِهِ، فأوحى الله إليه وهو [1] بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ إِنِّي قَدْ زِدْتُ فِي مُلْكِكَ أَنَّهُ لَا
يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَتْ
بِهِ الرِّيحُ، فَأَخْبَرَتْكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ
النَّمْلِ، رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ كَعْبٍ
قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا رَكِبَ حَمَلَ أَهْلَهُ
وَخَدَمَهُ وَحَشَمَهُ، وَقَدِ اتَّخَذَ مَطَابِخَ وَمَخَابِزَ
يَحْمِلُ فِيهَا تَنَانِيرَ الْحَدِيدِ وقدور عظام، ويسع كُلُّ
قِدْرٍ عَشَرَ جَزَائِرَ، وَقَدِ اتَّخَذَ مَيَادِينَ
لِلدَّوَابِّ أَمَامَهُ فَيَطْبُخُ الطَّبَّاخُونَ وَيَخْبِزُ
الْخَبَّازُونَ وَتَجْرِي الدَّوَابُّ بَيْنَ يَدَيْهِ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالرِّيحُ تَهْوِي بِهِمْ فَسَارَ
مِنِ اصْطَخْرَ إِلَى الْيَمَنِ فَسَلَكَ مَدِينَةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
سُلَيْمَانُ: هَذِهِ دَارُ هِجْرَةِ نَبِيٍّ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَطُوبَى لِمَنِ
اتَّبَعَهُ، وَرَأَى حَوْلَ الْبَيْتِ أَصْنَامًا تُعْبَدُ
مَنْ دُونِ اللَّهِ فَلَمَّا جَاوَزَ سُلَيْمَانُ الْبَيْتَ
بَكَى الْبَيْتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْبَيْتِ ما يبكيك؟
قال:
يَا رَبِّ أَبْكَانِي أَنَّ هَذَا نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ
وَقَوْمٌ مِنْ أَوْلِيَائِكَ مَرُّوا عَلَيَّ فَلَمْ
يَهْبِطُوا وَلَمْ يُصَلُّوا عِنْدِي، وَالْأَصْنَامُ تُعْبَدُ
حَوْلِي مِنْ دُونِكَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ لَا
تَبْكِ، فَإِنِّي سَوْفَ أَمَلَؤُكَ وُجُوهًا سُجَّدًا
وَأُنْزِلُ فِيكَ قُرْآنًا جَدِيدًا، وَأَبْعَثُ مِنْكَ
نَبِيًّا فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحَبَّ أَنْبِيَائِي إِلَيَّ
وَأَجْعَلُ فِيكَ عُمَّارًا مِنْ خَلْقِي يَعْبُدُونَنِي،
وَأَفْرِضُ عَلَى عِبَادِي فَرِيضَةً يَذِفُّونَ [2] إِلَيْكَ
ذَفِيفَ النُّسُورِ إِلَى وَكْرِهَا، وَيَحِنُّونَ إِلَيْكَ
حنين الناقة إلى ولدها
__________
(1) زيد في المطبوع «يسير» .
(2) في المطبوع وحده «يزفون» - «زفيف» .
(3/494)
والحمامة إلى بيضها، وَأُطَهِّرُكَ مِنَ
الْأَوْثَانِ وَعَبَدَةِ الشَّيَاطِينِ، ثُمَّ مَضَى
سُلَيْمَانُ حَتَّى مَرَّ بِوَادِي السَّدِيرِ [1] وَادٍ مِنَ
الطَّائِفِ، فَأَتَى عَلَى وَادِي النَّمْلِ، هَكَذَا قَالَ
كَعْبٌ: إِنَّهُ وَادٍ بِالطَّائِفِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: هُوَ أَرْضٌ بِالشَّامِ.
وَقِيلَ: وَادٍ كَانَ يَسْكُنُهُ الْجِنُّ، وَأُولَئِكَ
النَّمْلُ مَرَاكِبُهُمْ. وَقَالَ نَوْفٌ الْحِمْيَرِيُّ:
كَانَ نَمْلُ ذَلِكَ الْوَادِي أَمْثَالَ الذُّبَابِ. وَقِيلَ:
كَالْبَخَاتِيِّ. وَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ النَّمْلُ
الصَّغِيرُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ تِلْكَ النَّمْلَةُ ذَاتَ
جَنَاحَيْنِ. وَقِيلَ: كَانَتْ نَمْلَةً عَرْجَاءَ فَنَادَتْ،
قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَساكِنَكُمْ، وَلَمْ تَقُلْ ادْخُلْنَ لِأَنَّهُ لَمَّا
جَعَلَ لَهُمْ قَوْلًا كَالْآدَمِيِّينَ خُوطِبُوا بِخِطَابِ
الْآدَمِيِّينَ، لَا يَحْطِمَنَّكُمْ، لَا يَكْسَرَنَّكُمْ،
سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ، وَالْحَطْمُ الْكَسْرُ، وَهُمْ لَا
يَشْعُرُونَ، فَسَمِعَ سُلَيْمَانُ قَوْلَهَا، وَكَانَ لا
يتكلم [أحد من] [2] خلق [الله] [3] إِلَّا حَمَلَتِ الرِّيحُ
ذَلِكَ فَأَلْقَتْهُ فِي مَسَامِعَ سُلَيْمَانَ، قَالَ
مُقَاتِلٌ:
سَمِعَ سُلَيْمَانُ كَلَامَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أميال، وقال
الضَّحَّاكُ: كَانَ اسْمُ تِلْكَ النَّمْلَةِ طاحية، وقال
مُقَاتِلٌ: كَانَ اسْمُهَا جَرْمَى [4] ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ
يُتَصَوَّرُ الْحَطْمُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَجُنُودِهِ وَكَانَتِ
الرِّيحُ تَحْمِلُ سُلَيْمَانَ وَجُنُودَهَ عَلَى بِسَاطٍ
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ قِيلَ: كَانَ جُنُودُهُ
رُكْبَانًا وَفِيهِمْ مُشَاةٌ عَلَى الْأَرْضِ تُطْوَى لَهُمْ.
وَقِيلَ:
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَبْلَ تَسْخِيرِ اللَّهِ
الرِّيحَ لِسُلَيْمَانَ: قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: عَلِمَ
النَّمْلُ أَنَّ سُلَيْمَانَ نَبِيٌّ لَيْسَ فِيهِ جَبْرِيَّةٌ
وَلَا ظُلْمٌ. وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّكُمْ لَوْ لَمْ
تَدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ وَطَؤُوكُمْ وَلَمْ يَشْعُرُوا
بِكُمْ.
وَيُرْوَى أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا بَلَغَ وَادِي النَّمْلِ
حَبَسَ جُنُودَهُ حتى دخل النمل بيوتهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها،
قَالَ الزَّجَاجُ: أَكْثَرُ ضَحِكِ الْأَنْبِيَاءِ
التَّبَسُّمُ. وَقَوْلُهُ:
ضاحِكاً أي متبسما وقيل: كَانَ أَوَّلَهُ التَّبَسُّمُ
وَآخِرَهُ الضَّحِكُ.
«1594» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [5]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي
ابْنُ وهب أنا عمرو وهو ابن الحارث أن أبا النَّضْرُ حَدَّثَهُ
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ
إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ.
«1595» أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ
الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أبو القاسم الخزاعي أنا الْهَيْثَمُ
بْنُ كُلَيْبٍ ثَنَا أَبُو
__________
1594- إسناده صحيح على شرط البخاري، يحيى تفرد عنه البخاري،
ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- ابن وهب هو عبد الله، أبو النضر هو سالم بن أبي أمية.
- وهو في «شرح السنة» 3595 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 6092 عن يحيى بن سليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 899 ح 16 وأبو داود 5098 وأحمد 6/ 66 وأبو الشيخ
في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» 192
من طريق عمرو بن الحارث بهذا الإسناد.
1595- إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة، وقد اختلط، وليس
الراوي عنه أحد العبادلة، وقد خولف في هذا المتن كما سيأتي.
- وهو في «شرح السنة» 3596 بهذا الإسناد.
(1) في المخطوط- ب- «الشدير» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع- ب- «جزما» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(3/495)
عيسى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن
عبيد [1] اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ [2] قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا
أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ ضَحِكُ سُلَيْمَانَ مِنْ قَوْلِ
النَّمْلَةِ تَعَجُّبًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى مَا
لَا عَهْدَ لَهُ بِهِ تَعَجَّبَ وَضَحِكَ ثُمَّ حَمِدَ
سُلَيْمَانُ رَبَّهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَقالَ
رَبِّ أَوْزِعْنِي، أَلْهِمْنِي، أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ
صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ
الصَّالِحِينَ، أَيْ أَدْخِلْنِي فِي جُمْلَتِهِمْ، وَأَثْبِتِ
اسْمِى مَعَ أَسْمَائِهِمْ وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ
مِنَ النَّبِيِّينَ. وَقِيلَ:
أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ من عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ، أَيْ:
طَلَبَهَا وَبَحَثَ عَنْهَا، وَالتَّفَقُّدُ طَلَبُ مَا
فُقِدَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ:
طَلَبَ مَا فَقَدَ مِنَ الطَّيْرِ، فَقالَ مَا لِيَ لَا أَرَى
الْهُدْهُدَ، أَيْ مَا لِلْهُدْهُدِ لَا أَرَاهُ، تَقُولُ
الْعَرَبُ: مَا لِي أَرَاكَ كَئِيبًا؟ أَيْ ما لك؟
وَالْهُدْهُدُ: طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، وَكَانَ سَبَبُ تفقد
الْهُدْهُدَ وَسُؤَالِهِ عَنْهُ، قِيلَ: إِخْلَالُهُ
بِالنَّوْبَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ إِذَا نَزَلَ
مَنْزِلًا يُظِلُّهُ وَجُنْدَهُ جناح الطَّيْرُ مِنَ الشَّمْسِ
فَأَصَابَتْهُ الشَّمْسُ مِنْ مَوْضِعِ الْهُدْهُدِ، فَنَظَرَ
فَرَآهُ خَالِيًا.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْهُدْهُدَ كَانَ
دَلِيلَ سُلَيْمَانَ على الماء وكان يعرف مواضع الْمَاءِ
وَيَرَى الْمَاءَ تَحْتَ الْأَرْضِ، كَمَا يُرَى فِي
الزُّجَاجَةِ، وَيَعْرِفُ قُرْبَهُ وَبُعْدَهُ فَيَنْقُرُ
الْأَرْضَ ثُمَّ تَجِيءُ الشَّيَاطِينُ فَيَسْلَخُونَهُ
وَيَسْتَخْرِجُونَ الْمَاءَ [منه] [3] . قَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ: لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا قَالَ لَهُ
نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ:
يَا وصاف انظر ما تقول [في الهدهد] [4] إِنَّ الصَّبِيَّ
مِنَّا يَضَعُ الْفَخَّ وَيَحْثُو عَلَيْهِ التُّرَابَ
فَيَجِيءُ الْهُدْهُدُ ولا يبصر الفخ إلا في عنقه [فكيف يبصر
ما في الأرض من الماء] [5] . فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَيَحُكَ إِنَّ الْقَدَرَ إِذَا جَاءَ حَالَ دُونَ الْبَصَرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: إِذَا نَزَلَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ ذَهَبَ
اللُّبُّ وَعَمِيَ الْبَصَرُ. فَنَزَلَ سُلَيْمَانُ مَنْزِلًا
فَاحْتَاجَ إِلَى الْمَاءِ فَطَلَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا،
فَتَفَقَّدَ الْهُدْهُدَ لِيَدُلَّ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ:
مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ، عَلَى تَقْرِيرِ [6] أَنَّهُ
مع جنوده، وهم لَا يَرَاهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الشَّكُّ فِي
غَيْبَتِهِ، فَقَالَ: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ، يعني كان
مِنَ الْغَائِبِينَ، وَالْمِيمُ صِلَةٌ، وَقِيلَ: أَمْ
بِمَعْنَى بَلْ، ثُمَّ أَوْعَدَهُ على غيبته، فقال:
__________
- وهو في «سنن الترمذي» 3641 عن قتيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 4/ 190 و191 من طريقين عن ابن لهيعة به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب!!. قلت: تفرد ابن لهيعة به.
- وخالفه الليث بن سعد، فرواه عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بن جزء أخرجه الترمذي
3642 بلفظ «ما كان ضحك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم إلّا تبسما» .
وقال: هذا حديث صحيح غريب.
- قلت: رجاله ثقات مشاهير، وهذا المتن له شواهد وهو المحفوظ.
(1) تصحف في المطبوع «عبد» .
(2) تصحف في المخطوط «حزم» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «تقدير» .
(3/496)
لَأُعَذِّبَنَّهُ
عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي
بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
[سورة النمل (27) : الآيات 21 الى 22]
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ
لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ
بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ
مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً، وَاخْتَلَفُوا فِي
الْعَذَابِ الَّذِي أَوْعَدَهُ بِهِ، فَأَظْهَرُ الأقاويل [أن
عذابه] [1] أَنْ يَنْتِفَ رِيشَهُ وَذَنَبَهُ وَيُلْقِيَهُ فِي
الشَّمْسِ مُمَعِطًا لَا يَمْتَنِعُ مِنَ النَّمْلِ وَلَا مِنْ
هَوَامِّ الأرض. وقال مقاتل بن حَيَّانَ: لَأَطْلِينَّهُ
بِالْقَطْرَانِ وَلَأُشَمِّسَنَّهُ وَقِيلَ: لَأُودِعَنَّهُ
الْقَفَصَ. وَقِيلَ: لَأُفَرِّقَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
إِلْفِهِ. وَقِيلَ:
لَأَحْبِسَنَّهُ مَعَ ضده. أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ [أي] [2]
لَأَقْطَعَنَّ حَلْقَهُ، أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ
مُبِينٍ، بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ فِي غَيْبَتِهِ، وَعُذْرٍ
ظَاهِرٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «ليأتيني» بِنُونَيْنِ
الْأَوْلَى مُشَدَّدَةٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِنُونٍ
وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ، وَكَانَ سَبَبُ غيبته على ما ذكر
الْعُلَمَاءُ أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا فَرَغَ من بناء بيت
المقدس عزمه عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَرَمِ [المكي]
[3] ، فَتَجَهَّزَ لِلْمَسِيرِ وَاسْتَصْحَبَ مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنْسِ وَالشَّيَاطِينِ وَالطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ مَا
بلغ معسكره مائة فرسخ، فحملته الرِّيحُ فَلَمَّا وَافَى
الْحَرَمَ أَقَامَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ،
وَكَانَ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ مقامه بِمَكَّةَ خَمْسَةَ
آلَافِ نَاقَةٍ وَيَذْبَحُ خَمْسَةَ آلَافِ ثَوْرٍ وَعِشْرِينَ
أَلْفِ كبش [4] ، وَقَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَشْرَافِ
قَوْمِهِ إِنَّ هَذَا مَكَانٌ يَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيٌّ
عَرَبِيٌّ صِفَتُهُ كَذَا وكذا [يخرج آخر الزمان] [5] يُعْطَى
النَّصْرَ عَلَى جَمِيعِ مَنْ نَاوَأَهُ، وَتَبْلُغُ
هَيْبَتُهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ
عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ
لَوْمَةُ لَائِمٍ، قَالُوا:
فَبِأَيِّ دِينٍ يَدِينُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: يدين
بدين الحنيفية البيضاء، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَهُ وَآمَنَ
بِهِ، قالوا: كَمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خُرُوجِهِ يَا نَبِيَّ
اللَّهِ؟ قَالَ: مِقْدَارُ أَلْفِ عَامٍ فَلْيُبْلِغِ
الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ
الْأَنْبِيَاءِ وَخَاتَمُ الرُّسُلِ، قال: فأقام [سليمان] [6]
بِمَكَّةَ حَتَّى قَضَى نُسُكَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ
صَبَاحًا وَسَارَ نَحْوَ الْيَمَنِ فَوَافَى صَنْعَاءَ وَقْتَ
الزَّوَالِ، وَذَلِكَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، فَرَأَى أَرْضًا
حَسْنَاءَ تَزْهُو خُضْرَتُهَا فَأَحَبَّ النُّزُولَ بِهَا
لِيُصَلِّيَ وَيَتَغَدَّى، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ الْهُدْهُدَ:
إِنَّ سُلَيْمَانَ قَدِ اشْتَغَلَ بِالنِّزُولِ فَارْتَفِعَ
نَحْوَ السَّمَاءِ فَانْظُرْ [7] إِلَى طُولِ الدُّنْيَا
وَعَرْضِهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا
فَرَأَى بُسْتَانًا لِبِلْقِيسَ، فَمَالَ إلى الخضرة
[والرياحين] [8] فَوَقْعَ فِيهِ فَإِذَا هُوَ بِهُدْهُدٍ
فَهَبَطَ عَلَيْهِ وَكَانَ اسْمُ هُدْهُدِ سُلَيْمَانَ
يَعْفُورُ وَاسْمُ هُدْهُدِ الْيَمَنِ يعفير [9] فقال يعفير
الْيَمَنِ لِيَعْفُورِ سُلَيْمَانَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَتْ
وَأَيْنَ تُرِيدُ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مِنَ الشَّامِ مَعَ
صَاحِبِي سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، فَقَالَ: وَمَنْ
سُلَيْمَانُ، قال ملك الجن والإنس، الشياطين والطير والوحش
وَالرِّيَاحِ، فَمِنْ أَيْنَ أَنْتِ، قَالَ: أَنَا مِنْ هَذِهِ
الْبِلَادِ، قَالَ: وَمَنْ مَلِكُهَا قَالَ: امْرَأَةٌ يُقَالُ
لَهَا بِلْقِيسُ، وَإِنَّ لِصَاحِبِكُمْ مُلْكًا عَظِيمًا
وَلَكِنْ لَيْسَ مُلْكُ بِلْقِيسَ دُونَهُ، فَإِنَّهَا
مَلِكَةُ الْيَمَنِ كُلِّهَا وَتَحْتَ يَدِهَا اثْنَا عَشَرَ
أَلْفَ قَائِدٍ تَحْتَ يَدِ كُلِّ قَائِدٍ مِائَةُ أَلْفِ
مُقَاتِلٍ، فَهَلْ أَنْتَ مُنْطَلِقٌ مَعِي حَتَّى تَنْظُرَ
إِلَى مُلْكِهَا، قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَتَفَقَّدَنِي
سُلَيْمَانُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ إِذَا احتاج إلى الماء [فإي
دليل مائه] [10] ، قَالَ الْهُدْهُدُ الْيَمَانِيُّ: إِنْ
صَاحَبَكَ يَسُرُّهُ أَنْ تَأْتِيَهُ بِخَبَرِ هَذِهِ
الْمَلِكَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ وَنَظَرَ إِلَى بِلْقِيسَ
وَمُلْكِهَا، وَمَا رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ إِلَّا فِي
وَقْتِ الْعَصْرِ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ سُلَيْمَانُ
وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَكَانَ نَزَلَ عَلَى
غَيْرِ مَاءٍ، فَسَأَلَ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ
عَنِ الْمَاءِ فَلَمْ يعلموا
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط. [.....]
(4) في المخطوط «شاه» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع «لينظر» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) في المخطوط- ب- «عنفير» .
(10) زيادة عن المخطوط.
(3/497)
إِنِّي وَجَدْتُ
امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا
عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
[به] [1] فَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَفَقَدَ
الْهُدْهُدَ فَدَعَا عَرِّيفَ الطَّيْرِ وَهُوَ النَّسْرُ
فَسَأَلَهُ عَنِ الْهُدْهُدِ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ
الْمَلِكَ مَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ ما أرسلته إلى مكان
فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ سُلَيْمَانُ، وَقَالَ:
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً الْآيَةَ ثُمَّ دَعَا
الْعُقَابَ سَيِّدَ الطَّيْرِ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْهُدْهُدِ
السَّاعَةَ فَرَفَعَ الْعُقَابُ نفسه صوب [2] السماء حتى التصق
بِالْهَوَاءِ فَنَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ
يَدَيْ أَحَدِكُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا
فَإِذَا هُوَ بِالْهُدْهُدِ مُقْبِلًا مِنْ نَحْوِ الْيَمَنِ،
فَانْقَضَّ الْعُقَابُ نَحْوَهُ يُرِيدُهُ، فَلَمَّا رَأَى
الْهُدْهُدُ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْعُقَابَ يَقْصِدُهُ
بِسُوءٍ فَنَاشَدَهُ فَقَالَ بِحَقِّ اللَّهِ الَّذِي قَوَّاكَ
وَأَقْدَرَكَ عَلَيَّ إِلَّا رَحِمْتَنِي وَلَمْ تَتَعَرَّضْ
لِي بِسُوءٍ، قَالَ فَوَلَّى عَنْهُ الْعُقَابُ، وَقَالَ لَهُ
وَيْلُكُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ
حَلَفَ أَنْ يُعَذِّبَكَ أَوْ يَذْبَحَكَ، ثُمَّ طَارَا
مُتَوَجِّهِينَ نَحْوَ سُلَيْمَانَ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى
الْمُعَسْكَرِ تَلَقَّاهُ النَّسْرُ وَالطَّيْرُ، فَقَالُوا
لَهُ وَيْلُكَ أَيْنَ غِبْتَ فِي يَوْمِكَ هَذَا، وَلَقَدْ
توعدك نبي الله [بالعذاب] [3] وأخبروه بما قال: فقال الهدهد:
أو ما استثنى نبي اللَّهِ قَالُوا: بَلَى قَالَ أَوْ ليأتينّي
بسلطان مبين، قال [لهم] نجوت إِذًا، ثُمَّ طَارَ الْعُقَابُ
وَالْهُدْهُدُ حَتَّى أَتَيَا سُلَيْمَانَ وَكَانَ قَاعِدًا
عَلَى كُرْسِيِّهِ، فَقَالَ الْعُقَابُ قَدْ أَتَيْتُكَ بِهِ
يَا نَبِيَّ اللَّهِ فلما قرب الهدهد منه رَفَعَ رَأَسَهُ
وَأَرْخَى ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ يَجُرُّهُمَا عَلَى
الْأَرْضِ تَوَاضُعًا لِسُلَيْمَانَ، فلما دنا منه أخذ
[سليمان] [4] بِرَأْسِهِ فَمَدَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: أَيْنَ
كُنْتَ لَأُعَذِّبَنَّكَ عَذَابًا شَدِيدًا فَقَالَ
الْهُدْهُدُ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ اذْكُرْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
تَعَالَى، فَلَمَّا سَمِعَ سُلَيْمَانُ ذَلِكَ ارْتَعَدَ
وَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ مَا الَّذِي أَبْطَأَ
بِكَ عَنِّي؟ فَقَالَ الْهُدْهُدُ: مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عنه
في قوله:
فَمَكَثَ قَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ «فَمَكَثَ» بِفَتْحِ
الْكَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ،
غَيْرَ بَعِيدٍ، أَيْ غَيْرَ طَوِيلٍ، فَقالَ أَحَطْتُ بِما
لَمْ تُحِطْ بِهِ، وَالْإِحَاطَةُ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ مِنْ
جَمِيعِ جِهَاتِهِ، يَقُولُ:
عَلِمْتُ ما لم تعلمه وَبَلَغْتُ مَا لَمْ تَبْلُغْهُ أَنْتَ
وَلَا جُنُودُكَ، وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ قرأ أبو عمرو والزبير
عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ «مِنْ سَبَأٍ» وَ «لِسَبَأٍ» فِي سُورَةِ
سَبَأٍ [15] مفتوحة الهمزة، وقرأ القواص [5] وعن ابْنِ كَثِيرٍ
سَاكِنَةً بِلَا هَمْزَةٍ، وقرأ الآخرون بالجر، فَمَنْ لَمْ
يَجُرَّهُ جَعَلَهُ اسْمَ للبلدة [6] ، ومن جرّه جَعَلَهُ
اسْمَ رَجُلٍ.
«1596» فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ سَبَأٍ فَقَالَ:
«كَانَ رَجُلًا لَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الْبَنِينَ تَيَامَنَ
مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ» . بِنَبَإٍ،
بِخَبَرٍ يَقِينٍ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: وَمَا ذَاكَ؟ قال:
[سورة النمل (27) : الآيات 23 الى 28]
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها
وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلاَّ يَسْجُدُوا
لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25)
اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
(26) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ
الْكاذِبِينَ (27)
اذْهَبْ بِكِتابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ
عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ، وَكَانَ اسْمُهَا
بِلْقِيسَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ مِنْ نَسْلِ يَعْرِبَ بْنِ
قَحْطَانَ، وَكَانَ أَبُوهَا مَلِكًا عَظِيمَ الشَّأْنِ، قَدْ
وُلِدَ لَهُ أَرْبَعُونَ مَلِكًا هُوَ آخِرُهُمْ، وَكَانَ
يَمْلِكُ أَرْضَ الْيَمَنِ كلها، وكان يقول
__________
1596- يأتي في تفسير سورة سبأ عند آية: 15، وهو قوي.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «دون» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط «القواس» .
(6) في المطبوع «البلد» . [.....]
(3/498)
لِمُلُوكِ الْأَطْرَافِ لَيْسَ أَحَدٌ
مِنْكُمْ كُفُؤًا لِي، وَأَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَ فِيهِمْ
فَزَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهَا
رَيْحَانَةُ بِنْتُ السَّكَنِ، فَوَلَدَتْ لَهُ بِلْقِيسَ،
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ غَيْرَهَا.
«1597» وَجَاءَ فِي الحديث: «أن أحد أَبَوَيْ بِلْقِيسَ كَانَ
جِنِّيًا» فَلَمَّا مات أبو بلقيس [ولم يكن له عقب يورث الملك
غيرها] [1] طَمِعَتْ فِي الْمُلْكِ فَطَلَبَتْ مِنْ قَوْمِهَا
أَنْ يُبَايِعُوهَا فَأَطَاعَهَا قَوْمٌ وَعَصَاهَا قَوْمٌ
آخَرُونَ، فَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَافْتَرَقُوا
فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ اسْتَوْلَتْ عَلَى طَرَفٍ مِنْ
أَرْضِ الْيَمَنِ، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي مَلَّكُوهُ
أَسَاءَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ حَتَّى كَانَ
يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى حَرَمِ رَعِيَّتِهِ وَيَفْجُرُ بِهِنَّ
فَأَرَادَ قَوْمُهُ خَلْعَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ،
فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ بِلْقِيسُ أَدْرَكَتْهَا الْغَيْرَةُ
فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ،
فَأَجَابَهَا الْمَلِكُ، وَقَالَ: مَا مَنَعَنِي أَنْ
أَبْتَدِئَكِ بِالْخِطْبَةِ إِلَّا الْيَأْسُ مِنْكِ،
فَقَالَتْ: لَا أَرْغَبُ عَنْكَ كُفُؤٌ كَرِيمٌ، فَاجْمَعْ
رِجَالَ قَوْمِي وَاخْطُبْنِي إِلَيْهِمْ، فَجَمَعَهُمْ وخطبها
إليهم، فقالوا: ألا تراها تَفْعَلُ هَذَا، فَقَالَ لَهُمْ
إِنَّهَا ابتدأتني وأنا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلَهَا
فَجَاؤُوهَا فذكروا لها [ما كان من الملك] [2] ، فَقَالَتْ:
نَعَمْ أَحْبَبْتُ الْوَلَدَ. فَزَوَّجُوهَا مِنْهُ، فَلَمَّا
زُفَّتْ إِلَيْهِ خَرَجَتْ فِي أُنَاسٍ كَثِيرٍ مِنْ حَشَمِهَا
فلما جاءته [واجتمعت به] [3] سَقَتْهُ الْخَمْرَ حَتَّى
سَكِرَ، ثُمَّ جَزَّتْ رَأْسَهُ وَانْصَرَفَتْ مِنَ اللَّيْلِ
إِلَى مَنْزِلِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ رَأَوْا
الْمَلِكَ قَتِيلًا وَرَأْسُهُ مَنْصُوبٌ عَلَى بَابِ
دَارِهَا، فَعَلِمُوا أَنَّ تِلْكَ الْمُنَاكَحَةَ كَانَتْ
مَكْرًا وَخَدِيعَةً مِنْهَا، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهَا
وَقَالُوا أَنْتِ بِهَذَا الْمُلْكِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِكِ
فملّكوها [الملك وبايعوها بأجمعهم] [4] .
«1598» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [5]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أنا عثمان بن الهيثم أنا عَوْفٌ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّ أَهْلَ فَارِسَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ
كِسْرَى قال: «لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة» .
__________
1597- باطل لا أصل له. أخرجه الطبري 27033 و27034 وأبو الشيخ
في «العظمة» 1113 من حديث أبي هريرة، وإسناده ضعيف جدا، فيه
سعيد بن بشير ضعفه غير واحد، وقال ابن نمير: يروي عن قتادة
المنكرات اهـ- من «الميزان» 2/ 129.
وهذا رواه عن قتادة، وقتادة مدلس، وقد عنعن، والخبر غير صحيح
بل هو باطل، إذ لو صح لما اضطرب بعض الفقهاء في جواز نكاح
الإنسي بجنية أو العكس، ومن ثم اختلفوا هل يقع ذلك عقلا أم لا،
وقد أنكره جماعة من الفقهاء، ومنهم المفسر الماوردي أحد أئمة
الشافعية. راجع تفسيره 4/ 216 والقول الصواب عدم صحة نكاح
الإنسي جنية أو العكس، وكل ما ورد من قصص وأخبار إنما هي
خيالات.
وقد أخرجه الطبري 26948 عن قتادة من قوله، وبرقم 27031 عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ أحد التابعين، وبرقم
27032 عن مجاهد، وهذا هو الراجح، وثلاثتهم تلقوه عن كتب
الأقدمين، ولا أصل له في المرفوع.
1598- إسناده صحيح على شرط البخاري، فقد تفرد عن عثمان، وباقي
الإسناد رجال الشيخين.
- عوف هو ابن أبي جميلة، الحسن هو ابن يسار البصري.
- وهو في «شرح السنة» 2480 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4425 عن عثمان بن الهيثم بهذا
الإسناد.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(3/499)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ، يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُلُوكُ مِنَ الْآلَةِ
وَالْعِدَّةِ، وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ، سَرِيرٌ ضَخْمٌ كَانَ
مَضْرُوبًا مِنَ الذَّهَبِ مُكَلَّلًا بِالدُّرِّ
وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ،
وَقَوَائِمُهُ مِنَ الْيَاقُوتِ والزمرد عليه سَبْعَةُ
أَبْيَاتٍ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ بَابٌ مُغْلَقٌ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ عَرْشُ بِلْقِيسَ ثَلَاثِينَ
ذِرَاعًا في ثلاثين، وَطُولُهُ فِي السَّمَاءِ ثَلَاثُونَ
ذِرَاعًا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ طُولُهُ ثَمَانِينَ ذراعا
[في ثمانين] [1] وطوله في الهواء ثَمَانِينَ ذِرَاعًا.
وَقِيلَ: كَانَ طُولُهُ ثَمَانِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ
أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا وَارْتِفَاعُهُ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا.
وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) .
أَلَّا يَسْجُدُوا، قَرَأَ [أَبُو جَعْفَرٍ] [2]
وَالْكِسَائِيُّ: «أَلَا يَسْجُدُوا» بِالتَّخْفِيفِ، وَإِذَا
وقفوا يقفون ألا يا. ثم [3] يبدؤون: اسْجُدُوا، عَلَى مَعْنَى:
أَلَا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا، وَجَعَلُوهُ أَمْرًا مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ مُسْتَأْنَفًا، وَحَذَفُوا هَؤُلَاءِ
اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ يَا عَلَيْهَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ
سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ أَلَا يَا ارْحَمُونَا، يُرِيدُونَ
أَلَا يَا قَوْمُ، وَقَالَ الْأَخْطَلُ:
أَلَا يَا اسلمي يا هند هند بنت بَكْرِ [4] ... وَإِنْ كَانَ
[حَيَّانَا عِدَا] [5] آخِرَ الدَّهْرِ
يُرِيدُ أَلَا يَا هند اسلمي، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ
«أَلَا» كَلَامًا مُعْتَرِضًا مِنْ غَيْرِ الْقِصَّةِ إِمَّا
مِنَ الْهُدْهُدِ وَإِمَّا مِنْ سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ: هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ مُسْتَأْنَفٌ يَعْنِي
[6] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْجُدُوا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ:
«أَلَّا يَسْجُدُوا» بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنَى، وَزَيَّنَ
لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ لِئَلَّا يسجدوا، لِلَّهِ
الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ، أَيْ الْخَفِيَّ الْمُخَبَّأَ،
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ مَا خَبَّأَتْ. قَالَ
أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: خَبْءُ السَّمَاءِ:
الْمَطَرُ، وَخَبْءُ الْأَرْضِ: النَّبَاتُ. وَفِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ: «يَخْرُجُ الْخَبْءَ مِنَ السموات والأرض» ،
ومن وفي يَتَعَاقَبَانِ تَقُولُ الْعَرَبُ لَأَسْتَخْرِجَنَّ
الْعِلْمَ فِيكُمْ، يُرِيدُ مِنْكُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَى
الْخَبْءَ الْغَيْبُ، يُرِيدُ يَعْلَمُ غَيْبَ السموات
وَالْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ،
قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِالتَّاءِ
فِيهِمَا لِأَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ خِطَابٌ عَلَى قِرَاءَةِ
الْكِسَائِي بِتَخْفِيفِ أَلَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالْيَاءِ.
اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
(26) ، أَيْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ وَالسُّجُودِ
لَا غَيْرُهُ. وعرش
__________
- وأخرجه البخاري 7099 والبيهقي 3/ 90 و10/ 117 من طريق عوف عن
الحسن به.
- وأخرجه الترمذي 2362 والنسائي 8/ 227 وأحمد 5/ 43 والحاكم 3/
118 و4/ 291 من طريق حميد عن الحسن به.
- وأخرجه ابن حبان 4516 وأحمد 5/ 47 و51 والقضاعي 864 و865 من
طرق عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الحسن به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «حمزة» والمثبت عن المطبوع وكتب القراءات.
(3) تصحفت العبارة في المطبوع «ألا يأثم» .
(4) في المطبوع «بدر» .
(5) في المطبوع «حي قاعدا» وفي المخطوط «حبانا عدا» والمثبت عن
الطبري 26937.
(6) زيد في المخطوط «ألا» . [.....]
(3/500)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)
مَلِكَةِ سَبَأٍ وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا
فَهُوَ صَغِيرٌ حَقِيرٌ فِي جَنْبِ عَرْشِهِ عَزَّ وَجَلَّ،
تَمَّ هَاهُنَا كَلَامُ الْهُدْهُدِ، فَلَمَّا فَرَغَ
الْهُدْهُدُ مِنْ كَلَامِهِ.
قالَ، سُلَيْمَانُ لِلْهُدْهُدِ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ، فِيمَا
أَخْبَرْتَ، أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ، فَدَلَّهُمُ
الْهُدْهُدُ على الماء فاحتفروا [وملؤوا] [1] الركايا وروى
الناس [منه] [2] وَالدَّوَابُّ، ثُمَّ كَتَبَ سُلَيْمَانُ
كِتَابًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ إِلَى
بِلْقِيسَ مَلِكَةِ سَبَأٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا
بَعْدُ فَلَا تَعْلُوَا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَزِدْ سُلَيْمَانُ عَلَى مَا
قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وكذلك كل
الْأَنْبِيَاءُ كَانَتْ تَكْتُبُ جُمَلًا لَا يُطِيلُونَ وَلَا
يُكْثِرُونَ، فَلَمَّا كَتَبَ الْكِتَابَ طَبَعَهُ بِالْمِسْكِ
وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ. فَقَالَ لِلْهُدْهُدِ:
اذْهَبْ بِكِتابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ، قَرَأَ أَبُو
عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ سَاكِنَةَ الْهَاءِ
وَيَخْتَلِسُهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَقَالُونُ
كَسْرًا [والباقون بِالْإِشْبَاعِ كَسْرًا] [3] ، ثُمَّ
تَوَلَّ عَنْهُمْ، تَنَحَّ عَنْهُمْ فَكُنْ قَرِيبًا مِنْهُمْ،
فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ، يَرُدُّونَ مِنَ الْجَوَابِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ
مَجَازُهَا: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ
فَانْظُرْ ماذا يرجعون [من الجواب] [4] ، ثُمَّ تَوَلَّ
عَنْهُمْ، أَيْ انْصَرِفْ إِلَيَّ فَأَخَذَ الْهُدْهُدُ
الْكِتَابَ فَأَتَى بِهِ إِلَى بِلْقِيسَ، وَكَانَتْ بِأَرْضٍ
يُقَالُ لَهَا: مَأْرِبُ مِنْ صَنْعَاءَ على ثلاثة [أميال
فَوَافَاهَا] [5] فِي قَصْرِهَا وَقَدْ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ
وَكَانَتْ إِذَا رَقَدَتْ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَأَخَذَتِ
الْمَفَاتِيحَ فَوَضَعَتْهَا تَحْتَ رَأْسِهَا، فَأَتَاهَا
الْهُدْهُدُ وَهِيَ نَائِمَةٌ مُسْتَلْقِيَةٌ عَلَى قَفَاهَا،
فَأَلْقَى الْكِتَابَ عَلَى نَحْرِهَا، هَذَا قَوْلُ
قَتَادَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: حَمَلَ الْهُدْهُدُ الْكِتَابَ
بِمِنْقَارِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ
وَحَوْلَهَا الْقَادَةُ وَالْجُنُودُ فَرَفْرَفَ سَاعَةً
وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى رَفَعَتِ الْمَرْأَةُ
رَأْسَهَا فَأَلْقَى الْكِتَابَ فِي حِجْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ
مُنَبِّهٍ وَابْنُ زَيْدٍ: كَانَتْ لَهَا كُوَّةٌ
مُسْتَقْبِلَةَ الشَّمْسِ تَقَعُ الشَّمْسُ فِيهَا حِينَ
تَطْلُعُ، فَإِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهَا سَجَدَتْ لَهَا، فَجَاءَ
الْهُدْهُدُ الْكُوَّةَ فسدها بجناحه فَارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ
وَلَمْ تَعَلَمْ فَلَمَّا اسْتَبْطَأَتِ الشَّمْسَ قَامَتْ
تَنْظُرُ، فَرَمَى بِالصَّحِيفَةِ إِلَيْهَا فَأَخَذَتْ
بِلْقِيسُ الْكِتَابَ وَكَانَتْ قَارِئَةً فَلَمَّا رَأَتِ
الْخَاتَمَ ارتعدت وَخَضَعَتْ لِأَنَّ مُلْكَ سُلَيْمَانَ
كَانَ فِي خَاتَمِهِ، وَعَرَفَتْ أَنَّ الَّذِي أَرْسَلَ
الْكِتَابَ إِلَيْهَا أَعْظَمُ مُلْكًا مِنْهَا، فَقَرَأَتِ
الْكِتَابَ وَتَأَخَّرَ الْهُدْهُدُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَجَاءَتْ
حَتَّى قَعَدَتْ على سرير ملكها وَجَمَعَتِ الْمَلَأَ مِنْ
قَوْمِهَا، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَائِدٍ مَعَ كُلِّ
قَائِدٍ مِائَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: كَانَ مَعَ بِلْقِيسَ مِائَةُ أَلْفٍ، قَيْلٍ: كان مع
كل مائة ألف [مقاتل] [6] ، والفيل الْمَلِكُ دُونَ الْمَلِكِ
الْأَعْظَمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: كَانَ أَهْلُ
مَشُورَتِهَا ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا كُلُّ
رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، قال: فجاؤوا وأخذوا
مجالسهم.
[سورة النمل (27) : الآيات 29 الى 35]
قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ
كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ
وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ
أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى
تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا
بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا
تَأْمُرِينَ (33)
قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها
وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ
يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ
فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «أيام فوفاها» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/501)
قالَتْ، لَهُمْ بِلْقِيسُ، يَا أَيُّهَا
الْمَلَأُ، وَهُمْ أَشْرَافُ النَّاسِ وَكُبَرَاؤُهُمْ إِنِّي
أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ، قَالَ عَطَاءٌ
وَالضَّحَّاكُ: سَمَّتْهُ كَرِيمًا لأنه كان مختوما.
«1599» روى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«كَرَامَةُ الْكِتَابِ خَتَمُهُ» .
وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: كِتَابٌ كَرِيمٌ أَيْ حَسَنٌ،
وَهُوَ اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ، وَقَالَ حَسَنٌ مَا فِيهِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَرِيمٌ أَيْ شَرِيفٌ لِشَرَفِ
صَاحِبِهِ، وَقِيلَ: سَمَّتْهُ كَرِيمًا لِأَنَّهُ كَانَ
مُصَدَّرًا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثم بينت
الْكِتَابُ. فَقَالَتْ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ، وبينت
المكتوب [فيه] [1] فَقَالَتْ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لَا
تَتَكَبَّرُوا عَلَيَّ. وَقِيلَ: لَا تَتَعَظَّمُوا وَلَا
تترفعوا عليّ. وقيل:
معناه لا تمتنعوا علي مِنَ الْإِجَابَةِ، فَإِنَّ تَرْكَ
الْإِجَابَةِ مِنَ الْعُلُوِّ وَالتَّكَبُّرِ، وَأْتُونِي
مُسْلِمِينَ، مُؤْمِنِينَ طَائِعِينَ.
قِيلَ هُوَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ
الِاسْتِسْلَامِ.
قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي،
أَشِيرُوا عَلَيَّ فِيمَا عَرَضَ لِي وَأَجِيبُونِي فِيمَا
أُشَاوِرُكُمْ فِيهِ، مَا كُنْتُ قاطِعَةً، قَاضِيَةً
وَفَاصِلَةً، أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ، أَيْ تَحْضُرُونِ.
قالُوا، مُجِيبِينَ لَهَا، نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ، في القتال،
وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ، عِنْدَ الْحَرْبِ، قَالَ مُقَاتِلٌ:
أَرَادُوا بِالْقُوَّةِ كَثْرَةَ الْعَدَدِ وَبِالْبَأْسِ
الشَّدِيدِ الشَّجَاعَةَ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ مِنْهُمْ
بِالْقِتَالِ إِنْ أَمَرَتْهُمْ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالُوا،
وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ، أَيَّتُهَا الْمَلِكَةُ فِي الْقِتَالِ
وَتَرْكِهِ، فَانْظُرِي [أيتها الملكة] [2] من الرأي، ماذا
تَأْمُرِينَ، تجدين لِأَمْرِكِ مُطِيعِينَ.
قالَتْ، بِلْقِيسُ مُجِيبَةً لَهُمْ عَنِ التَّعْرِيضِ
لِلْقِتَالِ، إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً،
عَنْوَةً، أَفْسَدُوها، خَرَّبُوهَا، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ
أَهْلِها أَذِلَّةً، أَيْ أَهَانُوا أَشْرَافَهَا
وَكُبَرَاءَهَا، كَيْ يَسْتَقِيمَ لَهُمُ الْأَمْرُ
تُحَذِّرُهُمْ مَسِيرَ سُلَيْمَانَ إِلَيْهِمْ وَدُخُولَهُ
بِلَادَهُمْ، وَتَنَاهَى الْخَبَرُ عَنْهَا هَاهُنَا،
فَصَدَّقَ اللَّهُ قَوْلَهَا فَقَالَ: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ،
أَيْ كَمَا قَالَتْ هِيَ يَفْعَلُونَ.
ثُمَّ قَالَتْ: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ،
وَالْهَدِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ عَلَى طَرِيقِ
الْمُلَاطَفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ بِلْقِيسَ كَانَتِ امْرَأَةً
لَبِيبَةً قَدْ سَيِسَتْ وَسَاسَتْ، فَقَالَتْ لِلْمَلَأِ مِنْ
قَوْمِهَا: إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ أَيْ إِلَى
سُلَيْمَانَ وَقَوْمِهِ بِهَدِيَّةٍ أُصَانِعُهُ بِهَا عَنْ
مُلْكِي وَأَخْتَبِرُهُ بِهَا أَمَلِكٌ هُوَ أَمْ نَبِيٌّ؟
فَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا قَبِلَ الْهَدِيَّةَ وَانْصَرَفَ،
وَإِنْ كَانَ نَبيًا لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ وَلَمْ
يُرْضِهِ مِنَّا إِلَّا أَنْ نَتَّبِعَهُ عَلَى دِينِهِ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ
الْمُرْسَلُونَ، فَأَهْدَتْ إِلَيْهِ وُصَفَاءَ وَوَصَائِفَ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلْبَسَتْهُمْ لِبَاسًا وَاحِدًا كي لا
يعرف الذكر من الأنثى.
وقال مجاهد: ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الْجَوَارِي
لِبَاسَ [3] الْغِلْمَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي عددهم،
__________
1599- ضعيف جدا. أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» 39 والطبراني
في «الأوسط» 3884 من حديث ابن عباس، ومداره على محمد بن مروان
السدي الصغير، وهو متروك وشيخه الكلبي متهم بالكذب، وأبو صالح
متهم.
وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» 797 وعزاه للقضاعي،
والطبراني في «الأوسط» بالإسناد السابق، ثم قال: بل رواه أيضا-
يعني الطبراني- من حديث السدي عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
عَطَاءِ عن ابن عباس، والسدي راويه من الوجهين متروك.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «ألبسة» .
(3/502)
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِائَةُ وَصِيفٍ
وَمِائَةُ وَصِيفَةٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: مِائَتَا
غُلَامٍ وَمِائَتَا جَارِيَةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَسَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ
فِي حَرِيرٍ وَدِيبَاجٍ. وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ:
أَهْدَتْ إِلَيْهِ صَفَائِحَ مِنَ الذَّهَبِ فِي أَوْعِيَةِ
الدِّيبَاجِ. وَقِيلَ: كَانَتْ أَرْبَعَ لَبِنَاتٍ مِنْ
ذَهَبٍ. وَقَالَ وَهْبٌ وَغَيْرُهُ: عَمَدَتْ بِلْقِيسُ إِلَى
خَمْسِمِائَةِ غُلَامٍ وَخَمْسِمِائَةِ جَارِيَةٍ،
فَأَلْبَسَتِ الْغِلْمَانَ لِبَاسَ الْجَوَارِي، وَجَعَلَتْ
فِي سَوَاعِدِهِمْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي أَعْنَاقِهِمْ
أَطْوَاقًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِي آذَانِهِمْ أَقْرَاطًا
وَشُنُوفًا مُرَصَّعَاتٍ بِأَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ،
[وَأَلْبَسَتِ الْجَوَارِيَ لِبَاسَ الْغِلْمَانِ
الْأَقْبِيَةَ وَالْمَنَاطِقَ] [1] ، وَحَمَلَتِ الْجَوَارِيَ
عَلَى خَمْسِمِائَةِ رَمَكَةٍ وَالْغِلْمَانَ عَلَى
خَمْسِمِائَةِ بِرْذَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فَرَسٍ لِجَامٌ مِنْ
ذَهَبٍ مُرَصَّعٌ بِالْجَوَاهِرِ وَغَوَاشِيهَا مِنَ
الدِّيبَاجِ الْمُلَوَّنِ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ
لَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَخَمْسَمِائَةِ لَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ
وَتَاجًا مُكَلَّلًا بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ الْمُرْتَفِعِ،
وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ المسك والعنبر والعود الأكنجوج [2]
وَعَمَدَتْ إِلَى حُقَّةٍ فَجَعَلَتْ فِيهَا دُرَّةً ثَمِينَةً
غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ وَخَرَزَةً جَزِعِيَّةً مَثْقُوبَةً
مُعْوَجَّةَ الثُّقْبِ، وَدَعَتْ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِ
قَوْمِهَا يُقَالُ لَهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَضَمَّتْ
إِلَيْهِ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهَا أَصْحَابَ رَأْيٍ وَعَقْلٍ،
وَكَتَبَتْ مَعَهُ كِتَابًا بِنُسْخَةِ الْهَدِيَّةِ،
وَقَالَتْ فِيهِ إِنْ كنت نبيا فميز لي بين الوصائف والوصفاء،
وأخبرني بِمَا فِي الْحُقَّةِ قَبْلَ أَنْ تَفْتَحَهَا
وَاثْقُبِ الدُّرَّ ثَقْبًا مُسْتَوِيًا وَأَدْخِلْ خَيْطًا
فِي الْخَرَزَةِ الْمَثْقُوبَةِ مِنْ غَيْرِ عِلَاجِ إِنْسٍ
وَلَا جِنٍّ، وَأَمَرَتْ بِلْقِيسُ الْغِلْمَانَ فَقَالَتْ إذا
كلمكم فكلموه بكلام تأنيث وتحنيث يُشْبِهُ كَلَامَ النِّسَاءِ،
وَأَمَرَتِ الْجَوَارِيَ أَنْ يُكَلِّمْنَهُ بِكَلَامٍ فِيهِ
غِلْظَةٌ يُشْبِهُ كَلَامَ الرِّجَالِ، ثُمَّ قَالَتْ
لِلرَّسُولِ. انْظُرْ إِلَى الرَّجُلِ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ
فَإِنْ نَظَرَ إِلَيْكَ نَظَرَ غَضَبٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ
مَلَكٌ وَلَا يَهُولَنَّكَ مَنْظَرُهُ، فَإِنَّا أَعَزُّ
مِنْهُ، وَإِنْ رَأَيْتَ الرَّجُلَ بَشَّاشًا لَطِيفًا
فَاعْلَمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ فَتَفَهَّمْ قَوْلَهُ،
وَرُدَّ الْجَوَابَ، فَانْطَلَقَ الرَّسُولُ بِالْهَدَايَا،
وَأَقْبَلَ الْهُدْهُدُ مُسْرِعًا إِلَى سُلَيْمَانَ
فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ كُلَّهُ فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ الْجِنَّ
أَنْ يَضْرِبُوا لَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَلَبِنَاتِ الْفِضَّةِ
فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَبْسُطُوا مِنْ مَوْضِعِهِ
الَّذِي هُوَ فِيهِ إِلَى تِسْعَةِ فَرَاسِخَ مَيْدَانًا
وَاحِدًا بِلَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ
يَجْعَلُوا حَوْلَ الْمَيْدَانِ حَائِطًا شُرُفُهَا مِنَ
الذَّهَبِ والفضة [ففعلوا ذلك] [3] ، ثُمَّ قَالَ أَيُّ
الدَّوَابِّ أَحْسِنُ مِمَّا رَأَيْتُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا رأينا دواب
في بحر كذا وكذا منقطعة [4] مُخْتَلِفَةٌ أَلْوَانُهَا لَهَا
أَجْنِحَةٌ وَأَعْرَافٌ وَنَوَاصٍ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهَا
السَّاعَةَ، فَأَتَوْا بِهَا، فَقَالَ شَدُّوهَا عَنْ يَمِينِ
الْمَيْدَانِ وَعَنْ يَسَارِهِ عَلَى لَبِنَاتِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ، وَأَلْقُوا لَهَا علفها فِيهَا، ثُمَّ قَالَ
لِلْجِنِّ: عَلَيَّ بِأَوْلَادِكُمْ فَاجْتَمَعَ خَلْقٌ
كَثِيرٌ فَأَقَامَهُمْ عن يمين الميدان و [عن] [5] يساره،
ثُمَّ قَعَدَ سُلَيْمَانُ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى سَرِيرِهِ
وَوُضِعَ لَهُ أَرْبَعَةُ آلاف كرسي عن يمينه ومثله عَنْ
يَسَارِهِ، وَأَمْرَ الشَّيَاطِينَ أَنْ يَصْطَفُّوا صُفُوفًا
فَرَاسِخَ، وَأَمْرَ الْإِنْسَ فَاصْطَفَوْا فَرَاسِخَ
وَأَمْرَ الْوُحُوشَ وَالسِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ وَالطَّيْرَ،
فَاصْطَفَوْا فَرَاسِخَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ،
فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَ الْمَيْدَانِ وَنَظَرُوا إِلَى
مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَرَأَوُا الدَّوَابَّ الَّتِي لَمْ تَرَ
أَعْيُنُهُمْ مِثْلَهَا تَرُوثُ عَلَى لَبِنِ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ، تَقَاصَرَتْ نفوسهم وَرَمَوْا بِمَا مَعَهُمْ
مِنَ الْهَدَايَا، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ
سُلَيْمَانَ لَمَّا أَمَرَ بِفَرْشِ الْمَيْدَانِ بِلَبِنَاتِ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا عَلَى
طَرِيقِهِمْ مَوْضِعًا عَلَى قَدْرِ مَوْضِعِ اللَّبِنَاتِ
الَّتِي مَعَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى الرُّسُلُ مَوْضِعَ
اللَّبِنَاتِ خَالِيًا وكانت [6] الْأَرْضِ مَفْرُوشَةً
خَافُوا أَنْ يُتَّهَمُوا بِذَلِكَ فَطَرَحُوا مَا مَعَهُمْ
فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَلَمَّا رَأَوُا الشَّيَاطِينَ
نَظَرُوا إِلَى مَنْظَرٍ عَجِيبٍ فَفَزِعُوا فقالت لهم
الشياطين جوزوا
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «اليلنوج» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «منقطعة» . [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «وكل» .
(3/503)
فَلَمَّا جَاءَ
سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ
اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ
تَفْرَحُونَ (36)
فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ، فَكَانُوا
يَمُرُّونَ على كردوش كردوش [1] مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
وَالطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ وَالْوُحُوشِ، حَتَّى
وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ
سُلَيْمَانُ نَظَرًا حَسَنًا بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَقَالَ: مَا
وَرَاءَكُمْ فَأَخْبَرَهُ رَئِيسُ الْقَوْمِ بِمَا جَاؤُوا
لَهُ وَأَعْطَاهُ كِتَابَ الملك فَنَظَرَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:
أَيْنَ الحقة فأتى فَحَرَّكَهَا وَجَاءَ جِبْرِيلُ
فَأَخْبَرَهُ بِمَا فِي الْحُقَّةِ، فَقَالَ: إِنْ فِيهَا
دُرَّةً ثَمِينَةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ وَجَزِعَةً مَثْقُوبَةً
مُعْوَجَّةَ الثُّقْبِ، فَقَالَ الرَّسُولُ: صَدَقْتَ
فَاثْقُبِ الدُّرَّةَ، وَأَدْخِلِ الْخَيْطَ فِي الْخَرَزَةِ،
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: مِنْ لِي بِثُقْبِهَا فَسَأَلَ
سُلَيْمَانُ الْإِنْسَ ثُمَّ الْجِنَّ فَلَمْ يَكُنْ
عِنْدَهُمْ عِلْمُ ذَلِكَ ثُمَّ سَأَلَ الشَّيَاطِينَ،
فَقَالُوا: نُرْسِلُ إِلَى الْأَرَضَةِ فَجَاءَتِ الْأَرَضَةُ
فَأَخَذَتْ شَعْرَةً فِي فِيهَا فَدَخَلَتْ فِيهَا حَتَّى
خَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ
مَا حَاجَتُكِ؟
فَقَالَتْ: تُصَيِّرُ رِزْقِي فِي الشَّجَرَةِ، فَقَالَ لَكِ
ذَلِكَ.
وروي أنها جَاءَتْ دُودَةٌ تَكُونُ فِي الصَّفْصَافِ فَقَالَتْ
أَنَا أُدْخِلُ الْخَيْطَ فِي الثُّقْبِ عَلَى أَنْ يَكُونَ
رِزْقِي فِي الصَّفْصَافِ، فَجَعَلَ لَهَا ذَلِكَ فَأَخَذَتِ
الْخَيْطَ بِفِيهَا وَدَخَلَتِ الثُّقْبَ وَخَرَجَتْ مِنَ
الْجَانِبِ الْآخَرِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لِهَذِهِ الْخَرَزَةِ
فَيَسْلُكُهَا فِي الْخَيْطِ؟ فَقَالَتْ دُودَةٌ بَيْضَاءُ
أَنَا لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَتِ الدُّودَةُ
الْخَيْطَ فِي فِيهَا وَدَخَلَتِ الثُّقْبَ حَتَّى خَرَجَتْ
مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: [سليني]
[2] مَا حَاجَتُكِ؟
فَقَالَتْ: تَجْعَلُ رِزْقِي فِي الْفَوَاكِهِ، قَالَ: لَكِ
ذَلِكَ، ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنَ الْجَوَارِي وَالْغِلْمَانِ،
بِأَنْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَغْسِلُوا وُجُوهَهُمْ
وَأَيْدِيَهُمْ، فَجَعَلَتِ الْجَارِيَةُ تَأْخُذُ الْمَاءَ
مِنَ الْآنِيَةِ بِإِحْدَى يَدَيْهَا ثُمَّ تَجْعَلُهُ عَلَى
الْيَدِ الْأُخْرَى ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ الْوَجْهَ،
وَالْغُلَامُ كَمَا يأخذه من الآنية فيضرب بِهِ وَجْهَهُ،
وَكَانَتِ الْجَارِيَةُ تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى بَطْنِ
سَاعِدِهَا وَالْغُلَامُ عَلَى ظَهْرِ السَّاعِدِ، وَكَانَتِ
الْجَارِيَةُ تَصُبُّ الْمَاءَ صَبًّا وَكَانَ الْغُلَامُ
يَحْدُرُ الْمَاءَ عَلَى يَدَيْهِ حَدْرًا، فَمَيَّزَ
بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ، ثُمَّ رَدَّ سليمان الهدية.
[سورة النمل (27) : الآيات 36 الى 39]
فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما
آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ
بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها
وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37)
قالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها
قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ
الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ
وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ
أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ
«أَتُمِدُّونِّي» بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَإِثْبَاتِ
الْيَاءِ، وقرأ الآخرون بنونين خفيفتين، وَيُثْبِتُ الْيَاءَ
أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ، وَالْآخَرُونَ
يَحْذِفُونَهَا، فَما آتانِيَ اللَّهُ، أَعْطَانِيَ اللَّهُ
مِنَ النُّبُوَّةِ وَالدِّينِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمُلْكِ،
خَيْرٌ أَفْضَلُ، مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ
بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ، لِأَنَّكُمْ أَهْلُ مُفَاخَرَةٍ
فِي الدُّنْيَا وَمُكَاثَرَةٍ بِهَا تَفْرَحُونَ بِإِهْدَاءِ
بَعْضِكُمْ إلى بعض، فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَفْرَحُ بِهَا
وَلَيْسَتِ الدُّنْيَا مِنْ حَاجَتِي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
قَدْ مَكَّنَنِي فِيهَا وَأَعْطَانِي مِنْهَا مَا لَمْ يُعْطِ
أَحَدًا، وَمَعَ ذَلِكَ أَكْرَمَنِي بِالدِّينِ
وَالنُّبُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُنْذِرِ بْنِ عمرو أمير
الوفد:
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، بِالْهَدِيَّةِ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ
بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ، لَا طَاقَةَ لَهُمْ، بِها
وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها، أَيْ مِنْ أَرْضِهِمْ
وَبِلَادِهِمْ وَهِيَ سَبَأٌ، أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ،
ذَلِيلُونَ إِنْ لَمْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ وَهْبٌ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ [3] : فَلَمَّا رَجَعَتْ
رُسُلُ بِلْقِيسَ إِلَيْهَا مِنْ عِنْدِ سُلَيْمَانَ قَالَتْ:
قَدْ عَرَفْتُ وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ وَمَا لنا به
__________
(1) في المطبوع «كردوس» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «الكتاب» .
(3/504)
قَالَ الَّذِي
عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا
عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ
لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
طَاقَةٌ، فَبَعَثَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ
إِنِّي قَادِمَةٌ عَلَيْكَ بِمُلُوكِ قَوْمِي حَتَّى أَنْظُرَ
مَا أَمَرُكَ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ دِينِكَ، ثُمَّ
أَمَرَتْ بِعَرْشِهَا فَجُعِلَ فِي آخِرِ سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ
بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ فِي آخِرِ قَصْرٍ مِنْ سَبْعَةِ قُصُورٍ
لَهَا ثُمَّ أُغْلِقَتْ دُونَهُ الْأَبْوَابُ وَوَكَّلَتْ بِهِ
حُرَّاسًا يَحْفَظُونَهُ، ثُمَّ قَالَتْ لِمَنْ خَلَّفَتْ
عَلَى سُلْطَانِهَا احْتَفِظَ [1] بِمَا قِبَلَكَ وَسَرِيرِ
مُلْكِي لَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يقربه حَتَّى
آتِيَكَ، ثُمَّ أَمَرَتْ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي أَهْلِ
مَمْلَكَتِهَا يُؤَذِّنُهُمْ بِالرَّحِيلِ، وَشَخَصَتْ إِلَى
سُلَيْمَانَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ قَيْلٍ مِنْ ملوك
اليمن، تحت يد كُلِّ قَيْلٍ أُلُوفٌ كَثِيرَةٌ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ سُلَيْمَانُ رَجُلًا مَهِيبًا
لَا يُبْتَدَأُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ
عَنْهُ، فَخَرَجَ يَوْمًا فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ ملكه فرأى
وهجا قَرِيبًا مِنْهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: بِلْقِيسُ
وَقَدْ نَزَلَتْ مِنَّا بِهَذَا الْمَكَانِ، وَكَانَ عَلَى
مَسِيرَةِ فَرْسَخٍ مِنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَكَانَ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ مسيرة قَدْرَ
فَرَسَخٍ، فَأَقْبَلَ سُلَيْمَانُ حِينَئِذٍ عَلَى جُنُودِهِ.
قالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها
قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) ، أَيْ مُؤْمِنِينَ،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَائِعِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي
السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِإِحْضَارِ
عَرْشِهَا، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لِأَنَّ سُلَيْمَانَ عَلِمَ
أَنَّهَا إِنْ أَسْلَمَتْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَالُهَا
فَأَرَادَ [أَنْ] [2] يَأْخُذَ سَرِيرَهَا قَبْلَ أَنْ
يَحْرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ بِإِسْلَامِهَا، وَقِيلَ:
لِيُرِيَهَا قدرة الله وعظيم [3] سُلْطَانِهِ فِي مُعْجِزَةٍ
يَأْتِي بِهَا فِي عَرْشِهَا، وَقَالَ قَتَادَةُ لِأَنَّهُ
أَعْجَبَتْهُ صِفَتُهُ لَمَّا وَصَفَهُ الْهُدْهُدُ فَأَحَبَّ
أَنْ يَرَاهُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ أَنْ يَأْمُرَ
بِتَنْكِيرِهِ وَتَغْيِيرِهِ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ عَقْلَهَا.
قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ، وهو المراد الْقَوِيُّ، قَالَ
وَهْبٌ: اسْمُهُ كُوذَى، وَقِيلَ: ذَكْوَانُ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: الْعِفْرِيتُ الدَّاهِيَةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
هُوَ الخبيث. وقال الربيع: الغليظ، وقال الْفَرَّاءُ:
الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ، وَقِيلَ: هُوَ صخر [4] الجني، وكان
بمنزلة الجبل يَضَعُ قَدَمَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرَفِهِ،
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، أَيْ
مِنْ مَجْلِسِكَ الَّذِي تَقْضِي فِيهِ، قَالَ ابن عباس: وكان
له [في] [5] كُلَّ غَدَاةٍ مَجْلِسٌ يَقْضِي فِيهِ إلى متسع
النَّهَارِ، وَإِنِّي عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى حَمْلِهِ لَقَوِيٌّ
أَمِينٌ، عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْجَوَاهِرِ، فَقَالَ
سُلَيْمَانُ: أريد أسرع من هذا.
[سورة النمل (27) : الآيات 40 الى 42]
قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ
بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي
غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ
أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41)
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ
وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ
(42)
ف قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ، وَاخْتَلَفُوا
فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جِبْرِيلُ. وَقِيلَ: هُوَ
مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ نبيه سليمان.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ آصَفُ بن برخيا،
وَكَانَ صَدِيقًا يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي
إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى.
__________
(1) في المخطوط «احفظ» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «وعظم» .
(4) تصحف في المطبوع «صخره» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(3/505)
وَرَوَى جُوَيْبِرٌ وَمُقَاتِلٌ عَنِ
الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ آصَفَ قَالَ
لِسُلَيْمَانَ حِينَ صَلَّى مُدَّ عَيْنَيْكَ حَتَّى
يَنْتَهِيَ طَرْفُكَ، فَمَدَّ سُلَيْمَانُ عَيْنَيْهِ،
فَنَظَرَ نَحْوَ اليمين فدعا آصَفُ فَبَعَثَ اللَّهُ
الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلُوا السَّرِيرَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ
يَخُدُّونَ بِهِ خَدًّا حَتَّى انْخَرَقَتِ الْأَرْضُ
بِالسَّرِيرِ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَرَّ آصَفُ سَاجِدًا وَدَعَا بسم الله
الأعظم فغار عَرْشُهَا تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى نَبَعَ عِنْدَ
كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ. وَقِيلَ: كَانَتِ الْمَسَافَةُ
مِقْدَارَ شَهْرَيْنِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الدُّعَاءِ الَّذِي دَعَا [بِهِ] [1] آصَفُ،
فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: يَا ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَا حَيُّ يَا
قَيُّومُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ. وَرُوِيَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: دُعَاءُ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ
الْكِتَابِ: يَا إِلَهَنَا وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَهًا
وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ائْتِنِي بِعَرْشِهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّمَا هُوَ
سُلَيْمَانُ، قَالَ لَهُ عَالِمٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَفَهْمًا. أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، قَالَ سُلَيْمَانُ هَاتِ،
قَالَ أَنْتَ النَّبِيُّ ابْنُ النَّبِيِّ، وَلَيْسَ أَحَدٌ
أَوْجَهَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكَ فَإِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ
وَطَلَبْتَ إِلَيْهِ كَانَ عِنْدَكَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ،
فَفَعَلَ ذَلِكَ فَجِيءَ بِالْعَرْشِ فِي الْوَقْتِ،
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَرْجِعَ إِلَيْكَ أَقْصَى مَنْ تَرَى، وَهُوَ أَنْ يَصِلَ
إِلَيْكَ مَنْ كَانَ مِنْكَ عَلَى مَدِّ بَصَرِكَ. قَالَ
قَتَادَةُ: قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الشَّخْصُ مِنْ مَدِّ
الْبَصَرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي إِدَامَةَ النَّظَرِ
حَتَّى يَرْتَدَّ الطرف خاسئا. قال وَهَبٌ: تَمُدُّ عَيْنَيْكَ
فَلَا يَنْتَهِي طَرْفُكَ إِلَى مَدَاهُ، حَتَّى أُمَثِّلَهُ
بَيْنَ يَدَيْكَ، فَلَمَّا رَآهُ، يَعْنِي رَأَى سُلَيْمَانُ
الْعَرْشَ، مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ، مَحْمُولًا إِلَيْهِ مِنْ
مَأْرِبَ إِلَى الشَّامِ فِي قَدْرِ ارْتِدَادِ الطَّرْفِ،
قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ،
نعمه، أَمْ أَكْفُرُ، فَلَا أَشْكُرُهَا، وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، أَيْ يُعُودُ نَفْعُ شُكْرِهِ
إِلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَوْجِبَ بِهِ تَمَامَ النِّعْمَةِ
وَدَوَامَهَا، لِأَنَّ الشُّكْرَ قَيْدُ النِّعْمَةِ
الْمَوْجُودَةِ وَصَيْدُ النِّعْمَةِ الْمَفْقُودَةِ، وَمَنْ
كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ، عَنْ شُكْرِهِ، كَرِيمٌ،
بِالْإِفْضَالِ [2] عَلَى مَنْ يكفر نعمه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها، يَقُولُ
غَيَّرُوا سَرِيرَهَا إِلَى حَالٍ تُنْكِرُهُ إِذَا رَأَتْهُ،
قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ:
هُوَ أَنْ يُزَادَ فيه وينقص منه.
وَرُوِيَ أَنَّهُ جَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ وَأَعْلَاهُ
أَسْفَلَهُ، وَجَعَلَ مَكَانَ الْجَوْهَرِ الْأَحْمَرِ
أَخْضَرَ وَمَكَانَ الْأَخْضَرِ أَحْمَرَ، نَنْظُرْ
أَتَهْتَدِي، إِلَى عَرْشِهَا فَتَعْرِفُهُ، أَمْ تَكُونُ
مِنَ، الْجَاهِلِينَ، الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ، إِلَيْهِ.
وَإِنَّمَا حَمَلَ سُلَيْمَانُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ
وَهْبٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ
الشَّيَاطِينَ خَافَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ
فَتُفْشِي إِلَيْهِ أَسْرَارَ الْجِنِّ وَذَلِكَ أَنَّ
أُمَّهَا كَانَتْ جِنِّيَّةً، وَإِذَا وَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا
لَا يَنْفَكُّونَ مِنْ تَسْخِيرِ سُلَيْمَانَ وَذُرِّيَّتِهِ
من بعده، فأساؤوا الثَّنَاءَ عَلَيْهَا لِيُزَهِّدُوهُ فِيهَا،
وَقَالُوا: إِنَّ فِي عَقْلِهَا شَيْئًا وَإِنَّ رِجْلَهَا
كَحَافِرِ الْحِمَارِ وَأَنَّهَا شَعْرَاءُ السابقين فَأَرَادَ
سُلَيْمَانُ أَنْ يَخْتَبِرَ عَقْلَهَا بِتَنْكِيرِ عَرْشِهَا،
وَيَنْظُرَ إِلَى قَدَمَيْهَا بِبِنَاءِ الصَّرْحِ.
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ، لها، أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ
كَأَنَّهُ هُوَ، قال مقاتل: عرفته [و] [3] لَكِنَّهَا
شَبَّهَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا شَبَّهُوا عَلَيْهَا. وَقَالَ
عِكْرِمَةُ: كَانَتْ حَكِيمَةً لَمْ تَقُلْ نَعَمْ خَوْفًا
مِنْ أَنْ تَكْذِبَ، وَلَمْ تَقُلْ لَا خَوْفًا مِنَ
التَّكْذِيبِ- قَالَتْ: كَأَنَّهُ هُوَ فَعَرَفَ سُلَيْمَانُ
كَمَالَ عَقْلِهَا حَيْثُ لَمَّ تُقِرَّ وَلَمْ تُنْكِرْ،
وَقِيلَ اشْتَبَهَ عَلَيْهَا أَمْرُ الْعَرْشِ لِأَنَّهَا
تَرَكَتْهُ فِي بَيْتٍ خَلْفَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ مُغَلَّقَةً
وَالْمَفَاتِيحُ مَعَهَا، قيل لَهَا فَإِنَّهُ عَرْشُكِ فَمَا
أَغْنَى عنك
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «بإفضال» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(3/506)
وَصَدَّهَا مَا
كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ
قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)
إغلاق الأبواب، فقالت: وَأُوتِينَا
الْعِلْمَ، بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ سُلَيْمَانَ بِالْآيَاتِ
الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَمْرِ الْهَدِيَّةِ وَالرُّسُلِ، مِنْ
قَبْلِها، مِنْ قَبْلِ الْآيَةِ فِي الْعَرْشِ وَكُنَّا
مُسْلِمِينَ، مُنْقَادِينَ طَائِعِينَ لِأَمْرِ سُلَيْمَانَ،
وَقِيلَ: قَوْلُهُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا
قَالَهُ سُلَيْمَانُ، يَقُولُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بِاللَّهِ
وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ
الْمَرْأَةِ، وَكُنَّا مُسْلِمِينَ، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بِإِسْلَامِهَا
وَمَجِيئِهَا طَائِعَةً مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهَا وَكُنَّا
مُسْلِمِينَ طَائِعِينَ لِلَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [1] .
[سورة النمل (27) : الآيات 43 الى 44]
وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها
كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي
الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ
عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ
قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ، أَيْ مَنَعَهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَهُوَ الشَّمْسُ أَنْ تُعْبَدَ اللَّهَ، أَيْ
صَدَّهَا عِبَادَةُ الشَّمْسِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ
اللَّهِ، فَعَلَى هذا التأويل تكون «ما» في محل رفع [2] .
وقيل: معناه ما صدها عن عبادة الله نُقْصَانُ عَقْلِهَا كَمَا
قَالَتِ الْجِنُّ: إِنَّ فِي عَقْلِهَا شَيْئًا بَلْ مَا
كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
وَصَدَّهَا سُلَيْمَانُ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ الله
أي منعها من ذَلِكَ وَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَيَكُونُ
مَحَلُّ «مَا» نَصَبًا، إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ،
هَذَا اسْتِئْنَافٌ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا
كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ، فَنَشَأَتْ
بَيْنَهُمْ وَلَمْ تَعْرِفْ إِلَّا عِبَادَةَ الشمس.
قوله: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ
الْآيَةَ، وَذَلِكَ أن سليمان [عليه السلام] [3] أَرَادَ أَنْ
يَنْظُرَ إِلَى قَدَمَيْهَا وَسَاقَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَسْأَلَهَا كَشْفَهَا لَمَّا قَالَتِ الشَّيَاطِينُ إِنَّ
رِجْلَيْهَا كَحَافِرِ الْحِمَارِ [4] وَهِيَ شَعْرَاءُ
السَّاقَيْنِ، أَمَرَ الشَّيَاطِينِ فَبَنَوْا لَهُ صَرْحًا
أَيْ قَصْرًا مِنْ زُجَاجٍ، وَقِيلَ بَيْتًا مِنْ زُجَاجٍ
كَأَنَّهُ الْمَاءُ بَيَاضًا وَقِيلَ الصَّرْحُ صَحْنُ
الدَّارِ وَأَجْرَى تَحْتَهُ الْمَاءَ وَأَلْقَى فِيهِ كُلَّ
شَيْءٍ مِنْ دَوَابَّ الْبَحْرِ السَّمَكِ وَالضَّفَادِعِ
وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ وَضَعَ سَرِيرَهُ فِي صَدْرِهِ وَجَلَسَ
عَلَيْهِ وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالْجِنُّ
وَالْإِنْسُ وَقِيلَ: اتَّخَذَ صَحْنًا مِنْ قَوَارِيرَ
وَجَعَلَ تَحْتَهَا تَمَاثِيلَ مِنَ الْحِيتَانِ
وَالضَّفَادِعِ، فَكَانَ الْوَاحِدُ إِذَا رَآهُ ظَنَّهُ
مَاءً. وَقِيلَ: إِنَّمَا بنى الصرح ليختبر عقلها وفهمها كما
فعلت هي بالوصائف والوصيفات، فَلَمَّا جَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ
دَعَا بِلْقِيسَ، فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح،
لَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً
، وهي معظمه الماء، كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
، لِتَخُوضَهُ إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَظَرَ سُلَيْمَانُ فَإِذَا
هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ قَدَمًا وَسَاقًا إِلَّا أَنَّهَا
كَانَتْ شَعْرَاءَ السَّاقَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَانُ
ذَلِكَ صَرَفَ بَصَرَهُ عَنْهُ وناداها، الَ إِنَّهُ صَرْحٌ
مُمَرَّدٌ
، مُمَلَّسٌ مُسْتَوٍ، نْ قَوارِيرَ
، وَلَيْسَ بِمَاءٍ، ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ دَعَاهَا إِلَى
الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ قَدْ رَأَتْ حَالَ الْعَرْشِ
وَالصَّرْحَ فأجابت [سليمان] [5] الَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ
نَفْسِي
، بِالْكَفْرِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا رَأَتِ السَّرِيرَ
وَالصَّرْحَ عَلِمَتْ أَنَّ مُلْكَ سُلَيْمَانَ مِنَ اللَّهِ
فَقَالَتْ: رَبِّ إِنِّي ظلمت نفسي بعبادة غيرك، أَسْلَمْتُ
مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
، أَيْ أَخْلَصْتُ لَهُ التَّوْحِيدَ، وَقِيلَ: إِنَّهَا
لَمَّا بَلَغَتِ الصَّرْحَ فظنته لُجَّةً، قَالَتْ فِي
نَفْسِهَا إِنَّ سُلَيْمَانَ يُرِيدُ أَنْ يُغْرِقَنِي،
وَكَانَ الْقَتْلُ عَلَيَّ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا، فقولها ظلمت
نفسي يعني بِذَلِكَ الظَّنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِهَا بعد
إسلامها.
__________
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) في المطبوع «الرفع» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) هذه حكايات إسرائيلية.
(5) زيادة عن المخطوط.
(3/507)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
فقال عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَ
رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ: هل تزوجها سليمان؟ فقال:
انْتَهَى أَمْرُهَا إِلَى قَوْلِهَا أَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَعْنِي لَا عِلْمَ
لَنَا وَرَاءَ ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا [1] وَلَمَّا أراد أن
يتزوجها كره لما رَأَى مِنْ كَثْرَةِ شَعْرِ سَاقَيْهَا،
فَسَأَلَ الْإِنْسَ مَا يُذْهِبُ هَذَا [الشعر] [2] قَالُوا:
الْمُوسَى، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَمَسَّنِي حَدِيدَةٌ
قَطُّ، فِكَرِهَ سُلَيْمَانُ الْمُوسَى، وَقَالَ: إِنَّهَا
تَقْطَعُ سَاقَيْهَا، قال الحسن: فَسَأَلَ الْجِنَّ فَقَالُوا:
لَا نَدْرِي، ثُمَّ سَأَلَ الشَّيَاطِينَ فَقَالُوا: إِنَّا
نحتال لك حتى يكون كالفضة البيضاء، فاتخذوا النور والحمام
فكانت النور وَالْحَمَّامَاتُ مِنْ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا
تَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ أَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا
وَأَقَرَّهَا عَلَى مُلْكِهَا وَأَمَرَ الْجِنَّ فَابْتَنَوْا
لَهَا بِأَرْضِ الْيَمَنِ ثَلَاثَةَ حُصُونٍ لَمْ يَرَ
النَّاسُ مِثْلَهَا ارْتِفَاعًا وحسنا وهي سلحين وبيسنون
وَعَمْدَانُ، ثُمَّ كَانَ سُلَيْمَانُ يَزُورُهَا فِي كُلِّ
شَهْرٍ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ رَدَّهَا إِلَى مُلْكِهَا
وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَبْتَكِرُ مِنَ
الشَّامِ إِلَى الْيَمَنِ وَمِنَ الْيَمَنِ إِلَى الشَّامِ،
وَوَلَدَتْ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ.
وَرُوِيَ [عَنْ] [3] وَهْبٍ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ بِلْقِيسَ
لَمَّا أَسْلَمَتْ قَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: اخْتَارِي رَجُلًا
مِنْ قَوْمِكِ أُزَوِّجُكِهِ، قَالَتْ: وَمِثْلِي يا نبي الله
ينكح الرِّجَالَ وَقَدْ كَانَ لِي فِي قَوْمِي مِنَ الْمُلْكِ
وَالسُّلْطَانِ مَا كَانَ، قَالَ:
نَعَمْ إِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا ذَلِكَ
وَلَا يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تُحَرِّمِي مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكِ، فَقَالَتْ: زَوِّجْنِي إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ
ذَا تُبَّعٍ مَلِكَ همدان فزوجها إياه ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى
الْيَمَنِ وَسَلَّطَ زَوْجَهَا ذَا تُبَّعٍ عَلَى الْيَمَنِ
ودعا زوبعة أمير الجن باليمن، فَقَالَ: اعْمَلْ لِذِي تُبَّعٍ
مَا اسْتَعْمَلَكَ فِيهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا مَلِكًا يَعْمَلُ
لَهُ فِيهَا مَا أَرَادَ حَتَّى مَاتَ سُلَيْمَانُ، فَلَمَّا
أَنْ حَالَ الْحَوْلُ وَتَبَيَّنَتِ الْجِنُّ مَوْتَ
سُلَيْمَانَ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَسَلَكَ تِهَامَةَ
حَتَّى إِذَا كَانَ فِي جَوْفِ الْيَمَنِ صَرَخَ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ إِنَّ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ
قَدْ مَاتَ، فَارْفَعُوا أيديكم [عما أنتم فيه من انشغالكم]
[4] فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتَفَرَّقُوا وَانْقَضَى مُلْكُ
ذِي تُبَّعٍ، وَمُلْكُ بِلْقِيسَ مَعَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُلْكَ وَصَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ وَهُوَ
ابْنُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً وَمَاتَ وَهُوَ ابن ثلاث وخمسين
سنة.
[سورة النمل (27) : الآيات 45 الى 49]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
قالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ
الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ (46) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ
قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ
تُفْتَنُونَ (47) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ
يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قالُوا
تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ
لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ
وَإِنَّا لَصادِقُونَ (49)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ
أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، وَحْدَهُ، فَإِذا
هُمْ فَرِيقانِ، مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، يَخْتَصِمُونَ، فِي
الدِّينِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: وَاخْتِصَامُهُمْ مَا ذُكِرَ فِي
سُورَةِ الْأَعْرَافِ: [75- 77] قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ
آمَنَ مِنْهُمْ [الأعراف: 75- 77] .
ف قالَ، لَهُمْ صَالِحٌ، يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ
بِالسَّيِّئَةِ، بِالْبَلَاءِ وَالْعُقُوبَةِ، قَبْلَ
الْحَسَنَةِ، العافية والرحمة، لَوْلا، هَلَّا تَسْتَغْفِرُونَ
اللَّهَ، بِالتَّوْبَةِ مِنْ كفركم، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
قالُوا اطَّيَّرْنا، أَيْ تَشَاءَمْنَا، وَأَصْلُهُ
تَطَيَّرْنَا، بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ، قِيلَ: إِنَّمَا قالوا
ذلك لتفرق
__________
(1) زيد في المخطوط «سليمان» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع.
(4) زيادة عن المخطوط.
(3/508)
وَمَكَرُوا مَكْرًا
وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
كَلِمَتِهِمْ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَمْسَكَ
عَنْهُمُ الْمَطَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقُحِطُوا
فَقَالُوا: أَصَابَنَا هَذَا الضُّرُّ وَالشِّدَّةُ مِنْ
شُؤْمِكَ وَشُؤْمِ أَصْحَابِكَ، قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ، أَيْ مَا يُصِيبُكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
عِنْدَ اللَّهِ بِأَمْرِهِ وَهُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْكُمْ،
سُمِّيَ طَائِرًا لِسُرْعَةِ نُزُولِهِ بِالْإِنْسَانِ
فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ أَسْرَعُ مِنْ قَضَاءٍ مَحْتُومٍ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ:
الشُّؤْمُ أَتَاكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِكُفْرِكُمْ.
وَقِيلَ طَائِرُكُمْ أَيْ عَمَلُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، سُمِّي
طَائِرًا لِسُرْعَةِ صُعُودِهِ إِلَى السَّمَاءِ. بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
تُخْتَبَرُونَ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
[الْأَنْبِيَاءِ: 35] ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القرظي:
تعذبون.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ يَعْنِي مَدِينَةَ
ثَمُودَ وَهِيَ الْحِجْرُ، تِسْعَةُ رَهْطٍ، مِنْ أَبْنَاءِ
أَشْرَافِهِمْ، يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ،
وَهُمُ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى عَقْرِ النَّاقَةِ وَهُمْ
غُوَاةُ قَوْمِ صَالِحٍ وَرَأْسُهُمْ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ،
وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى عَقْرَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
بِالْمَعَاصِي.
قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ، تَحَالَفُوا يقول بعضهم لبعض:
احْلِفُوا بِاللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَمَوْضِعُ
تَقَاسَمُوا جُزِمَ عَلَى الْأَمْرِ، وَقَالَ قَوْمٌ مَحَلُّهُ
نَصْبٌ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، يَعْنِي أَنَّهُمْ
تَحَالَفُوا وَتَوَاثَقُوا [1] ، تَقْدِيرُهُ: قَالُوا
مُتَقَاسِمِينَ بِاللَّهِ، لَنُبَيِّتَنَّهُ أَيْ:
لِنَقْتُلَنَّهُ بَيَاتًا أَيْ لَيْلًا، وَأَهْلَهُ، أي قومه
الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ «لَتُبَيِّتُنَّهُ» وَ «لَتَقُولُنَّ»
بِالتَّاءِ فِيهِمَا وَضَمِّ لَامِ الْفِعْلِ عَلَى
الْخِطَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِمَا
وَفَتَحِ لَامِ الْفِعْلِ، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ،
أَيْ لِوَلِيِّ دَمِهِ، مَا شَهِدْنا، مَا حَضَرْنَا، مَهْلِكَ
أَهْلِهِ، أَيْ إِهْلَاكَهُمْ، وَلَا نَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ،
وَمَنْ فَتَحَ الْمِيمَ فَمَعْنَاهُ هَلَاكُ أَهْلِهِ،
وَإِنَّا لَصادِقُونَ، فِي قَوْلِنَا مَا شَهِدْنَا ذَلِكَ.
[سورة النمل (27) : الآيات 50 الى 58]
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
(50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا
دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ
بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا
وَكانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ
أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَما كانَ
جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ
قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها
مِنَ الْغابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً
فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)
وَمَكَرُوا مَكْراً، غَدَرُوا غَدْرًا حِينَ قَصَدُوا
تَبْيِيتَ صَالِحٍ وَالْفَتْكَ بِهِ، وَمَكَرْنا مَكْراً،
جَزَيْنَاهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ بِتَعْجِيلِ عُقُوبَتِهِمْ،
وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ.
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا، قَرَأَ
أَهْلُ الْكُوفَةِ «أَنَّا» بِفَتْحِ الْأَلِفِ رَدًّا عَلَى
الْعَاقِبَةِ، أَيْ [كَانَتِ الْعَاقِبَةُ] [2] أَنَّا
دَمَّرْنَاهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «إِنَّا» بِالْكَسْرِ
عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، دَمَّرْناهُمْ، أَيْ أَهْلَكْنَاهُمُ
التِّسْعَةَ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ هَلَاكِهِمْ،
قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَرْسَلَ
اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إِلَى دَارِ
صَالِحٍ يَحْرُسُونَهُ فَأَتَى التِّسْعَةُ دَارَ صَالِحٍ
شَاهِرِينَ سُيُوفَهُمْ فَرَمَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ
بِالْحِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ [لا] [3] يرون الملائكة، فقتلتهم
[4] . قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلُوا فِي سَفْحِ جَبَلٍ يَنْظُرُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَأْتُوا دار صالح،
__________
(1) في المخطوط «وتوافقوا» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) سقط من المطبوع.
(4) تصحف في المطبوع «فقتلهم» .
(3/509)
قُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ
خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
فَجَثَمَ عَلَيْهِمُ الْجَبَلُ
فَأَهْلَكَهُمْ، وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، أَهْلَكَهُمُ
اللَّهُ بِالصَّيْحَةِ.
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ
خَالِيَةً، بِما ظَلَمُوا، أَيْ بِظُلْمِهِمْ وَكُفْرِهِمْ،
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً، لَعِبْرَةً، لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ،
قُدْرَتَنَا.
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ،
يُقَالُ: كَانَ النَّاجُونَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ
الْفاحِشَةَ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ الْقَبِيحَةُ، وَأَنْتُمْ
تُبْصِرُونَ، أَيْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا فَاحِشَةٌ. وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ يَرَى بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَكَانُوا لَا يستترون
عتوا منهم.
أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) .
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ
لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
، مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ.
فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها،
قَضَيْنَا عَلَيْهَا وَجَعَلْنَاهَا بِتَقْدِيرِنَا، مِنَ
الْغابِرِينَ، أَيِ الْبَاقِينَ فِي الْعَذَابِ.
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً، وهي [1] الْحِجَارَةُ،
فَساءَ فَبِئْسَ، مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.
[سورة النمل (27) : الآيات 59 الى 63]
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ
اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ
السَّماءِ مَاءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ مَا
كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ
بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ
قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ
وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا
تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ
رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ (63)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، هَذَا خِطَابٌ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ
أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى هَلَاكِ كُفَّارِ الْأُمَمِ
الْخَالِيَةِ. وَقِيلَ: عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ. وَسَلامٌ عَلى
عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى، قَالَ مُقَاتِلٌ: هُمُ
الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) [الصافات: 181]
، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ أَبِي مَالِكٍ هُمْ
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: هُمُ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ
السَّابِقِينَ وَاللَّاحِقِينَ، آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا
يُشْرِكُونَ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ:
«يُشْرِكُونَ» بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ،
يُخَاطِبُ أَهْلَ مَكَّةَ وَفِيهِ إِلْزَامُ الْحُجَّةِ عَلَى
الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ هَلَاكِ الْكُفَّارِ، يَقُولُ آللَّهُ
خَيْرٌ لِمَنْ عبده أم الأصنام خير لِمَنْ عَبَدَهَا
وَالْمَعْنَى:
أَنَّ اللَّهَ ينجي [2] مَنْ عَبَدَهَ مِنَ الْهَلَاكِ،
وَالْأَصْنَامُ لَمْ تُغْنِ شَيْئًا عَنْ عَابِدِيهَا عند نزول
العذاب بهم.
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مَعْنَاهُ
آلِهَتُكُمْ خَيْرٌ أَمِ الَّذِي خَلَقَ السموات والأرض،
وَأَنْزَلَ لَكُمْ
__________
(1) في المطبوع «وهو» .
(2) في المطبوع «نجي» . [.....]
(3/510)
أَمَّنْ يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
مِنَ السَّماءِ مَاءً، يَعْنِي الْمَطَرَ،
فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ، بَسَاتِينَ جَمْعُ حَدِيقَةٍ،
قَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ الْمُحَاطُ
عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَلَيْسَ
بِحَدِيقَةٍ، ذاتَ بَهْجَةٍ، أي منضر حَسَنٍ، وَالْبَهْجَةُ:
الْحُسْنُ يَبْتَهِجُ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، مَا كانَ لَكُمْ أَنْ
تُنْبِتُوا شَجَرَها، أَيْ مَا يَنْبَغِي لَكُمْ، لِأَنَّكُمْ
لَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا. أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ،
اسْتِفْهَامٌ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ أَيْ هَلْ معه معبود
سواه يعينه عَلَى صُنْعِهِ بَلْ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ. بَلْ
هُمْ قَوْمٌ، يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، يَعْدِلُونَ،
يُشْرِكُونَ.
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً، لَا تَمِيدُ بِأَهْلِهَا،
وَجَعَلَ خِلالَها، وَسَطَهَا أَنْهاراً، تَطْرُدُ
بِالْمِيَاهِ، وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ جِبَالًا ثَوَابِتَ،
وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ، الْعَذْبِ وَالْمَالِحِ،
حاجِزاً، مَانِعًا لِئَلَّا يَخْتَلِطَ أَحَدُهُمَا
بِالْآخَرِ، أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ، توحيد ربهم وسلطانه.
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، الْمَكْرُوبَ الْمَجْهُودَ،
إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ، الضُّرَّ، وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفاءَ الْأَرْضِ، سُكَّانَهَا يُهْلِكُ قَرْنًا وَيُنْشِئُ
آخَرَ. وَقِيلَ: يَجْعَلُ أَوْلَادَكُمْ خُلَفَاءَكُمْ
وَقِيلَ: جَعَلَكُمْ [1] خُلَفَاءَ الْجِنِّ فِي الْأَرْضِ.
أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، قَرَأَ أبو
عمرون بِالْيَاءِ وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ.
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، إِذَا
سَافَرْتُمْ، وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ
رَحْمَتِهِ أَيْ قُدَّامَ الْمَطَرِ، أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ
تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
[سورة النمل (27) : الآيات 64 الى 71]
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ
يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64) قُلْ
لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ
مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66) وَقالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا
لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنا
مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي
ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا
الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71)
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، بَعْدَ
الْمَوْتِ، وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ،
أَيْ مِنَ السَّمَاءِ الْمَطَرَ وَمِنَ الْأَرْضِ النَّبَاتَ.
أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ، حُجَّتَكُمْ
عَلَى قَوْلِكُمْ أَنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ.
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلَّا اللَّهُ، نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ سَأَلُوا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ
قِيَامِ السَّاعَةِ، وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ، متى،
يُبْعَثُونَ.
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ
كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: «أَدْرَكَ» عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ
أَيْ بَلَغَ وَلَحِقَ، كَمَا يُقَالُ: أَدْرَكَهُ عِلْمِي
إِذَا لَحِقَهُ وَبَلَغَهُ، يُرِيدُ مَا جَهِلُوا فِي
الدُّنْيَا وَسَقَطَ علمه عنهم أعلموه في الآخرة.
وقال مُجَاهِدٌ: يُدْرِكُ عِلْمَهُمْ، فِي الْآخِرَةِ،
وَيَعْلَمُونَهَا إِذَا عَايَنُوهَا حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ
عِلْمُهُمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: بَلْ عَلِمُوا فِي الْآخِرَةِ
حِينَ عَايَنُوهَا مَا شَكُّوا وَعَمُوا عَنْهُ فِي الدُّنْيَا
وَهُوَ قَوْلُهُ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها، يَعْنِي هُمُ
الْيَوْمَ فِي شَكٍّ مِنَ السَّاعَةِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بَلْ «ادَّارَكَ» مَوْصُولًا مشددا مع الألف بعد الدال المشددة
[2] ، يعني تَدَارَكَ وَتَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ
وَتَلَاحَقَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اجْتَمَعَ عِلْمُهُمْ حين
عاينوها في الآخرة أنها
__________
(1) في المطبوع «جعل» وفي المخطوط- ب- «يجعلكم» والمثبت عن
المخطوط- أ-.
(2) في المطبوع «المشدد» .
(3/511)
قُلْ عَسَى أَنْ
يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
كائنة، وهم في شك منها فِي وَقْتِهِمْ،
فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى طَرِيقِ
الِاسْتِفْهَامِ، مَعْنَاهُ: هَلْ تَدَارَكَ وَتَتَابَعَ
عِلْمُهُمْ بذلك في الآخرة؟ يعني: لَمْ يَتَتَابَعْ وَضَلَّ
وَغَابَ عِلْمُهُمْ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَمْ
يُدْرِكُوهُ، لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ ضَرْبًا مِنَ
الْجَحْدِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَلَى»
بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، «أَدَّارَكَ» بفتح الألف على الاستفهام،
يعني: لَمْ يُدْرَكْ، وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ «أم تدرك
عِلْمُهُمْ» ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ بَلْ مَوْضِعَ أم وأم
مَوْضِعَ بَلْ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ
أَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِذَا بُعِثُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَسْتَوِي عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَمَا وُعِدُوا فِيهَا
مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَإِنْ كَانَتْ عُلُومُهُمْ
مُخْتَلِفَةً فِي الدُّنْيَا، وَذَكَرَ علي بن عيسى [الرماني]
[1] أَنَّ مَعْنَى «بَلْ» هَاهُنَا لَوْ وَمَعْنَاهُ لَوْ
أَدْرَكُوا فِي الدُّنْيَا مَا أَدْرَكُوا فِي الْآخِرَةِ لَمْ
يشكوا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ فِي
الدُّنْيَا فِي شَكٍّ مِنَ السَّاعَةِ. بَلْ هُمْ مِنْها
عَمُونَ، جَمْعُ عَمٍ وهو الأعمى الْقَلْبِ. قَالَ
الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ هُمْ جَهَلَةٌ بِهَا.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني مشركي مكة، أَإِذا كُنَّا
تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ، مِنْ قُبُورِنَا
أَحْيَاءً، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ «إِذَا» غَيْرَ
مُسْتَفْهِمٍ «أإنّا» بِالِاسْتِفْهَامِ، وَقَرَأَ ابْنُ
عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ «أإنّا» بهمزتين «أننا» بنونين، وقرأ
الآخرون بالاستفهام [فيهما] [2] .
لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا، أَيْ هَذَا الْبَعْثَ، نَحْنُ
وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ، أَيْ مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ
ذَلِكَ بِشَيْءٍ إِنْ هَذَا، مَا هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ
الْأَوَّلِينَ أَحَادِيثُهُمْ وَأَكَاذِيبُهُمُ الَّتِي
كَتَبُوهَا.
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الْمُجْرِمِينَ (69) .
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ
وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْكَ، وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا
يَمْكُرُونَ، نَزَلَتْ في المستهزئين الذين اقتسموا أعقاب
مَكَّةَ.
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
(71) .
[سورة النمل (27) : الآيات 72 الى 78]
قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي
تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى
النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ
رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ
(74) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي
كِتابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي
إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)
وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ
رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْعَلِيمُ (78)
قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ، أَيْ دَنَا وَقُرْبَ، لَكُمْ،
وَقِيلَ تبعكم والمعنى ردفكم أدخل فيه اللَّامَ كَمَا أَدْخَلَ
فِي قَوْلِهِ: لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ [الْأَعْرَافِ: 154]
قَالَ الْفَرَّاءُ: اللَّامُ صِلَةٌ زَائِدَةٌ كَمَا تَقُولُ
نَقَدْتُهُ مِائَةً وَنَقَدْتُ لَهُ بَعْضُ الَّذِي
تَسْتَعْجِلُونَ مِنَ الْعَذَابِ فَحَلَّ بِهِمْ ذَلِكَ يَوْمَ
بَدْرٍ.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ، قَالَ
مُقَاتِلٌ: عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ لَمْ يُعَجِّلْ
عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَشْكُرُونَ ذَلِكَ.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ، تُخْفِي، صُدُورُهُمْ
وَما يُعْلِنُونَ.
وَما مِنْ غائِبَةٍ، أَيْ جُمْلَةٍ غَائِبَةٍ مِنْ مَكْتُومِ
سِرٍّ وَخُفِيِّ أَمْرٍ وَشَيْءٍ غَائِبٍ، فِي السَّماءِ
وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ، أَيْ في اللوح
المحفوظ.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3/512)
فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي
إِسْرائِيلَ، أَيْ يُبَيِّنُ لَهُمْ، أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ
فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ اخْتَلَفُوا فِيمَا
بَيْنَهُمْ فَصَارُوا أَحْزَابًا يَطْعَنُ بَعْضُهُمْ عَلَى
بَعْضٍ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَيَانِ ما اختلفوا فيه.
وَإِنَّهُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، لَهُدىً وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ.
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي، [يَفْصِلُ] [1] بَيْنَهُمْ، أَيْ
بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الدِّينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
بِحُكْمِهِ، الْحَقِّ، وَهُوَ الْعَزِيزُ، الْمَنِيعُ فَلَا
يُرَدُّ لَهُ أَمْرٌ، الْعَلِيمُ، بِأَحْوَالِهِمْ فَلَا يخفى
عليه شيء.
[سورة النمل (27) : الآيات 79 الى 82]
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ
(79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ
الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي
الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ
يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذا وَقَعَ
الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لَا
يُوقِنُونَ (82)
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ
(79) ، الْبَيِّنِ.
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى، يَعْنِي الْكُفَّارَ، وَلا
تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ لَا
يَسْمَعُ بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الْمِيمِ الصُّمُّ
رُفِعَ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الرُّومِ [52] ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِ الْمِيمِ الصُّمَّ
نُصِبَ.
إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، مَعْرِضِيْنَ، فَإِنْ قِيلَ مَا
مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَإِذَا كَانُوا
صُمًّا لَا يَسْمَعُونَ سَوَاءٌ وَلَّوْا أَوْ لَمْ يُوَلُّوا؟
قِيلَ: ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ.
وَقِيلَ: الْأَصَمُّ إذا كان حاضرا قد يَسْمَعُ بِرَفْعِ
الصَّوْتِ وَيَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ، فَإِذَا وَلَّى لَمْ
يَسْمَعْ وَلَمْ يَفْهَمْ. قَالَ قَتَادَةُ: الْأَصَمُّ إِذَا
وَلَّى مُدْبِرًا ثُمَّ نَادَيْتَهُ لَمْ يَسْمَعْ، كَذَلِكَ
الْكَافِرُ لَا يَسْمَعُ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ مِنَ
الْإِيمَانِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ لِفَرْطِ
إِعْرَاضِهِمْ عَمَّا يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ كَالْمَيِّتِ
الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى إِسْمَاعِهِ، وَالْأَصَمِّ الَّذِي
لَا يَسْمَعُ.
وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ
«تَهْدِي» بِالتَّاءِ وَفَتْحِهَا عَلَى الْفِعْلِ «الْعُمْيَ»
بِنَصْبِ الْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي الروم، وقرأ الآخرون بهادي
بالياء عَلَى الِاسْمِ، «الْعُمْيِ» ، بِكَسْرِ الْيَاءِ، عَنْ
ضَلالَتِهِمْ، أَيْ مَا أَنْتَ بِمُرْشِدٍ مَنْ أَعْمَاهُ
اللَّهُ عَنِ الْهُدَى وَأَعْمَى قَلْبَهُ [2] عَنِ
الْإِيمَانِ، إِنْ تُسْمِعُ، مَا تُسْمِعُ، إِلَّا مَنْ
يُؤْمِنُ بِآياتِنا، إِلَّا مَنْ يُصَدِّقُ بِالْقُرْآنِ
أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَهُمْ مُسْلِمُونَ، مخلصون.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ،
وَجَبَ الْعَذَابُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ إِذَا غَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ
الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ، واختلفوا في كلامهم، فَقَالَ
السُّدِّيُّ: تُكَلِّمُهُمْ بِبُطْلَانِ الْأَدْيَانِ سِوَى
دِينِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَلَامُهَا أَنْ
تَقُولَ لِوَاحِدٍ هَذَا مُؤْمِنٌ، وَتَقُولَ لِآخَرَ هَذَا
كَافِرٌ. وَقِيلَ:
كَلَامُهَا مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّ النَّاسَ كانُوا
بِآياتِنا لَا يُوقِنُونَ، قَالَ مُقَاتِلٌ تَكَلُّمُهُمْ
بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَقُولُ إِنَّ النَّاسَ كَانُوا
بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْقُرْآنِ وَالْبَعْثِ، قَرَأَ
أَهْلُ الْكُوفَةِ «أَنَّ النَّاسَ» بِفَتْحِ الْأَلِفِ أَيْ
بِأَنَّ النَّاسَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ عَلَى
الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا
يُوقِنُونَ قَبْلَ خُرُوجِهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذَلِكَ
حِينَ لَا يُؤْمَرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يُنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ،
وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرَيُّ
وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: «تَكْلِمُهُمْ» بِفَتْحِ
التَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ مِنَ الْكَلْمِ وَهُوَ الجرح.
وقال أَبُو الْجَوْزَاءِ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ هَذِهِ الآية «تكلمهم أو تكلم» قَالَ:
كُلُّ ذَلِكَ تَفْعَلُ، تُكَلِّمُ المؤمن وتكلم الكافر.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «قلب» .
(3/513)
«1600» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنِ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ
الطَّيَسْفُونِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ
[1] أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
جَعْفَرٍ أَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ
سِتًا: طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مغربها والدخان والدجال والدابة
[2] وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَأَمْرَ الْعَامَّةِ» .
«1601» أَخْبَرَنَا إسماعيل أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أبي شيبة أنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ
عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ
مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضحّى
وأيتهما ما كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى
أَثْرِهَا قَرِيبًا» .
«1602» وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحُسَيْنُ بن محمد [3] بن
__________
1600- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- عبد الرحمن والد العلاء هو ابن يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «شرح السنة» 4144 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مُسْلِمٌ 2947 عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2947 ح 128 وأحمد 2/ 372 من طريق العلاء بن عبد
الرحمن به.
- وأخرجه مسلم 2947 وأحمد 2/ 324 و407 وابن حبان 6790 من
طريقين عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ زياد بن رياح عن
أبي هريرة.
- وأخرجه أحمد 2/ 511 والطيالسي 2549 والحاكم 4/ 516 من طريق
عمران القطان عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن رباح عن
أبي هريرة.
1601- إسناده على شرط البخاري ومسلم.
- ابن أبي شيبة هو محمد بن عبد الله، أبو حيان، هو يحيى بن
سعيد بن حيان، أبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير، قيل اسمه هرم،
وقيل: عمرو.
- وهو في «شرح السنة» 4186 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح مسلم» 2941 عن ابن أبي شيبة بهذا الإسناد.
1602- المرفوع ضعيف جدا، والصحيح موقوف.
- إسناده ضعيف جدا لأجل طلحة بن عمرو، فإنه متروك الحديث،
وخالفه غير واحد فرووه موقوفا، وهو الصواب، والله أعلم.
- أبو الطفيل هو عامر بن وائلة.
- وأخرجه الحاكم 5/ 4/ 484 من طريق عمرو بن محمد عن طلحة بن
عمرو عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي الطفيل عن أبي سريحة
حذيفة بن أسيد.
- وأخرجه الطيالسي 1069 ونعيم بن حماد في «الفتن» ص 401
والطبراني 3035 وفي «الأحاديث الطوال» 34 من طرق عن طلحة بن
عمرو به.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» 8/ 6 وقال: رواه الطبراني، وفيه
طلحة بن عمرو، وهو متروك.
- وأخرجه الحاكم 4/ 484- 485 من طريق عبد الأعلى عن هشام بن
حسّان عن قيس بن سعد عن أبي الطفيل عن
(1) تصحف في المطبوع «الكشمهيني» .
(2) في المطبوع «ودابة الأرض» .
(3) في المطبوع «أحمد» .
(3/514)
فَنَجْوَيْهِ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خرجة
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن سليمان الحضرمي أنا
هاشم [1] بن حماد أنا عمرو بن محمد القنقزي [2] عَنْ طَلْحَةَ
بْنِ عَمْرٍو عَنْ عبد الله بن [عبيد بْنِ] [3] عُمَيْرٍ
اللَّيْثِيِّ [عَنْ أَبِي الطفيل] [4] عن أبي شريحة
الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «يَكُونُ لِلدَّابَّةِ ثَلَاثُ خُرُجَاتٍ
مِنَ الدَّهْرِ فَتَخْرُجُ خُرُوجًا بِأَقْصَى الْيَمَنِ
فَيَفْشُو ذِكْرُهَا في البادية وَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهَا
الْقَرْيَةَ» ، يَعْنِي مَكَّةَ، «ثُمَّ تَمْكُثُ زَمَانًا
طَوِيلًا ثُمَّ تَخْرُجُ خَرْجَةً أُخْرَى قَرِيبًا من مكة
فيفشو ذكرها في البادية وَيَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ» ،
يَعْنِي مَكَّةَ، «فَبَيْنَمَا النَّاسُ يَوْمًا فِي أَعْظَمِ
الْمَسَاجِدِ عَلَى اللَّهِ حُرْمَةً وَأَكْرَمِهَا عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَعْنِي الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَمْ
يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ تَدْنُو
وَتَدْنُو» .
كَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَمَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ
إِلَى بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ يَمِينِ الْخَارِجِ فِي
وَسَطٍ مِنْ ذَلِكَ فارفضّ الناس عنها وتثبت لها عصابة عرفوا
أنهم لن يُعْجِزُوا اللَّهَ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ تَنْفُضُ
رَأْسَهَا مِنَ التُّرَابِ فَمَرَّتْ بِهِمْ فَجَلَّتْ عَنْ
وُجُوهِهِمْ حَتَّى تَرَكَتْهَا كأنها الكوكب الدري، ثُمَّ
وَلَّتْ فِي الْأَرْضِ لَا يدركها طالب ولا يفوتها هَارِبٌ،
حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ لَيَقُومُ فَيَتَعَوَّذُ مِنْهَا
بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِهِ فَتَقُولُ يَا فُلَانُ
الْآنَ تُصَلِّي فَيُقْبِلُ عَلَيْهَا بِوَجْهِهِ فَتَسِمُهُ
في وجهه، فيتجاور والناس فِي دِيَارِهِمْ وَيَصْطَحِبُونَ فِي
أَسْفَارِهِمْ وَيَشْتَرِكُونَ فِي الْأَمْوَالِ، يُعْرَفُ
الْكَافِرُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، فَيُقَالُ لِلْمُؤْمِنِ يَا
مُؤْمِنُ وَيُقَالُ لِلْكَافِرِ يَا كَافِرُ.
«1603» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بن محمد أنا
أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ [5] أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بن حنبل أنا أبي ثنا يزيد ثنا حماد هو
ابن سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ
خَالِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تخرج الدابة ومعها عصى
مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ فَتَجْلُو وَجْهَ المؤمن بالعصا
وتحطم أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ
الْخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ
وَيَقُولُ هَذَا يَا كافر» .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عنه] [6] قَالَ:
لَيْسَتْ بِدَابَّةٍ لَهَا ذَنَبٌ وَلَكِنْ لَهَا لِحْيَةٌ
كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلى أنها رَجُلٌ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى
أَنَّهَا دَابَّةٌ.
__________
حذيفة موقوفا عليه، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي.
وكذا أخرجه الطبري 27096 من وجه آخر عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ
عَنْ حُذَيْفَةَ بن أسيد موقوفا عليه.
1603- إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، فقد ضعفه غير واحد، روى
مناكير كثيرة، وهذا منها.
- يزيد هو ابن هارون.
- وأخرجه الترمذي 3187 وابن ماجه 4066 وأحمد 2/ 295 والطبري
27101 والحاكم 4/ 485 ونعيم بن حماد في «الفتن» ص 403 والحاكم
4/ 485 من طرق عن حماد بن سلمة به، سكت عليه الحاكم! وكذا
الذهبي!.
- وأخرجه الواحدي في «الوسيط» 3/ 485 من طريق حمّاد بن سلمة
بهذا الإسناد موقوفا على أبي هريرة وهو أصح من المرفوع، والله
أعلم، وهو أشبه من المرفوع، والله أعلم. [.....]
(1) في المطبوع «هشيم» .
(2) تصحف في المطبوع «العبقري» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) تصحف في المطبوع «العطيفي» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(3/515)
وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ [1]
الزُّبَيْرِ أَنَّهُ وَصَفَ الدَّابَّةَ فَقَالَ: رَأْسُهَا
رَأْسُ الثَّوْرِ وَعَيْنُهَا عَيْنُ خنزير، وَأُذُنُهَا
أُذُنُ فِيلٍ وَقَرْنُهَا قَرْنُ أَيِّلٍ، وَصَدْرُهَا صَدْرُ
أَسَدٍ وَلَوْنُهَا لَوْنُ نَمِرٍ، وَخَاصِرَتُهَا خَاصِرَةُ
هِرٍّ، وَذَنَبُهَا ذَنَبُ كَبْشٍ وَقَوَائِمُهَا قَوَائِمُ
بَعِيرٍ، بَيْنَ كُلِّ مَفْصِلَيْنِ اثْنَا عشر ذراعا معها
عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ
إِلَّا نَكَتَتْهُ فِي مَسْجِدِهِ بِعَصَا مُوسَى نُكْتَةً
بَيْضَاءَ يضيء لها وَجْهُهُ، وَلَا يَبْقَى كَافِرٌ إِلَّا
نكتت [في] [2] وجهه بخاتم سليمان فيسود لها وَجْهُهُ، حَتَّى
إِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ: بِكَمْ يَا
مُؤْمِنُ؟
بِكَمْ يَا كَافِرُ، ثُمَّ تَقُولُ لَهُمُ الدَّابَّةُ: يَا
فُلَانُ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيَا فُلَانُ أَنْتَ
مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ
دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ الْآيَةَ.
«1604» [أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي عَقِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الجرجاني] [3] الفقيه أنا أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ
زَكَرِيَّا البغدادي أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جرير
الطبري أنا أبو كريب أنا الْأَشْجَعِيُّ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ
مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَخْرُجُ
الدَّابَّةُ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا كَجَرْيِ [4] الْفَرَسِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَا خَرَجَ ثُلُثُهَا.
160»
وَبِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ قال:
حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ أَبِي [حَدَّثَنَا] [5]
سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ أنا مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ
رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَخْرُجُ؟ قَالَ: «مِنْ أَعْظَمِ
الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً على الله، بينما عيسى [عليه الصلاة
والسلام] [6] يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ
إِذْ تَضْرِبُ الْأَرْضُ تَحْتَهُمْ وَتَنْشَقُّ الصَّفَا
مِمَّا يَلِي الْمَشْعَرِ، وَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ من الصفا
أول ما يبدو [7] مِنْهَا رَأْسُهَا مُلَمَّعَةً ذَاتَ وَبَرٍ
وَرِيشٍ، لَنْ يُدْرِكَهَا طَالِبٌ وَلَنْ يَفُوتَهَا هَارِبٌ،
تُسَمِّي النَّاسَ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا، أَمَّا الْمُؤْمِنُ
فَتَتْرُكُ وَجْهَهُ كوكبا دريا وَتَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ
مُؤْمِنٌ، وَأَمَّا الكافر تكتب بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
نُكْتَةً سَوْدَاءَ، وَتَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَرَعَ الصَّفَا
بِعَصَاهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ، إِنَّ الدَّابَّةَ
لَتَسْمَعُ قَرْعَ عَصَايَ هَذِهِ.
__________
1604- موقوف ضعيف. إسناده ضعيف لضعف عطية بن سعد العوفي.
- وهو في «تفسير الطبري» 27094 عن أبي كريب بهذا الإسناد.
- وأخرجه نعيم بن حماد ص 403 من طريق فضيل بن مرزوق به لكن عن
ابن عمرو، وهو أشبه، فإن هذا الأثر متلقى عن أهل الكتاب، وابن
عمر ما روى عن أهل الكتاب بخلاف ابن عمرو، والله أعلم.
1605- إسناده ضعيف لضعف رواد بن الجراح وبخاصة عن الثوري، قال
أحمد: لا بأس به، إلّا أنه حدث عن سفيان بمناكير، وقال
البخاري: روّاد عن سفيان كان قد اختلط.
- وهو في «تفسير الطبري» 27100 عن عصام بن روّاد بهذا الإسناد.
(1) في المخطوط «أبي» والمثبت عن المخطوط- أ- والمطبوع و
«تفسير القرطبي» 13/ 236.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) سقط من المخطوط- ب-.
(4) في المطبوع «كجرس» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيادة عن المخطوط. [.....]
(7) في المطبوع «يبدر» .
(3/516)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ
مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا
فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو [1]
قال: تخرج الدابة من شعيب [بالأجياد] [2] فيمس رأسها
السَّحَابِ وَرِجْلَاهَا فِي الْأَرْضِ مَا خَرَجَتَا [3]
فَتَمُرُّ بِالْإِنْسَانِ يُصَلِّي فَتَقُولُ مَا الصَّلَاةُ
مِنْ حَاجَتِكَ فَتَخْطِمُهُ.
وعن ابن عمرو قَالَ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ لَيْلَةَ جَمْعِ
وَالنَّاسُ يَسِيرُونَ إِلَى مِنًى.
«1606» وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ [أَبِي] [4] صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «بئس الشعب شعب جياد» [5] ،
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قِيلَ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: «تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ فَتَصْرُخُ
ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ يَسْمَعُهَا مَنْ بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ» .
وَقَالَ وَهْبٌ: وَجْهُهَا وَجْهُ رَجُلٍ وَسَائِرُ خَلْقِهَا
كَخَلْقِ الطَّيْرِ، فَتُخْبِرُ مَنْ رَآهَا أَنَّ أَهْلَ
مَكَّةَ كَانُوا بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ لَا يُوقِنُونَ.
[سورة النمل (27) : الآيات 83 الى 87]
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ
يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ
قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً
أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ
وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ
مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ
اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
فَوْجاً، أَيْ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ جَمَاعَةً، مِمَّنْ يُكَذِّبُ
بِآياتِنا، وَلَيْسَ مِنْ هَاهُنَا لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ
جَمِيعَ الْمُكَذِّبِينَ يُحْشَرُونَ، فَهُمْ يُوزَعُونَ،
يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا
ثُمَّ يُسَاقُونَ إِلَى النار.
حَتَّى إِذا جاؤُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قالَ، اللَّهُ لَهُمْ،
أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً، وَلَمْ
تَعْرِفُوهَا حَقَّ مَعْرِفَتِهَا، أَمَّا ذا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ، حين لم تتفكروا فِيهَا وَمَعْنَى الْآيَةِ
أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي غير عالمين بها ولم تتفكروا [6] فِي
صِحَّتِهَا بَلْ كَذَبْتُمْ بِهَا جاهلين.
وَوَقَعَ الْقَوْلُ، وَجَبَ الْعَذَابُ، عَلَيْهِمْ بِما
ظَلَمُوا، [أي] [7] بِمَا أَشْرَكُوا، فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ،
قَالَ قَتَادَةُ: كَيْفَ يَنْطِقُونَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ،
نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ
(53) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
[الْمُرْسَلَاتِ: 35- 36] ، وَقِيلَ: لَا يَنْطِقُونَ لِأَنَّ
أَفْوَاهَهُمْ مَخْتُومَةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا،
خَلَقْنَا، اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ
مُبْصِراً، مُضِيئًا يُبْصَرُ فِيهِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، يُصَدِّقُونَ فَيَعْتَبِرُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ،
وَالصُّورُ قَرْنٌ يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ، وقال الحسن:
الصور هي
__________
1606- إسناده ضعيف جدا. مداره على رباح بن عبيد الله، وهو منكر
الحديث.
- أخرجه ابن عدي 3/ 73 و7/ 112 والواحدي في «الوسيط» 3/ 385
والذهبي في «الميزان» 2/ 37/ 2723 من طرق عن هشام بن يوسف عن
رباح بن عبيد الله عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ به.
(1) في المطبوع «عمر» .
(2) زيادة عن «الدر المنثور» 4/ 220.
(3) في المطبوع «فخرجتا» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المطبوع «أجياد» .
(6) في المطبوع «تفكروا» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(3/517)
الْقَرْنُ، وَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَهُ
أَنَّ الْأَرْوَاحَ تُجْمَعُ فِي الْقَرْنِ ثُمَّ يُنْفَخُ
فِيهِ فَتَذْهَبُ الْأَرْوَاحُ إِلَى الأجساد فتحيا بالأجساد،
قوله: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ،
أَيْ فَصَعِقَ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: فَصَعِقَ مَنْ
فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزُّمَرِ: 68] ، أَيْ
مَاتُوا، وَالْمَعْنَى أنه يُلْقَى عَلَيْهِمُ الْفَزَعُ إِلَى
أَنْ يَمُوتُوا وَقِيلَ:
يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ فِي الصُّورِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ
نَفْخَةَ الْفَزَعِ وَنَفْخَةَ الصَّعْقِ وَنَفْخَةَ
الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ شاءَ
اللَّهُ، اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ.
«1607» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ قَوْلِهِ:
إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، قَالَ: «هُمُ الشُّهَدَاءُ
مُتَقَلِّدُونَ أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ الْعَرْشِ» .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
هُمُ الشُّهَدَاءُ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَا
يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَيْهِمْ.
وَفِي بَعْضِ الآثار: الشهداء ثنية الله. أَيِ الَّذِينَ
اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي جِبْرِيلَ
وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكَ الْمَوْتِ، فَلَا
يَبْقِى بَعْدَ النَّفْخَةِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ
ثُمَّ يَقْبِضُ اللَّهُ رُوحَ مِيكَائِيلَ [ثُمَّ رُوحَ
إِسْرَافِيلَ] [1] ثُمَّ رُوحَ مَلَكِ الْمَوْتِ [ثُمَّ رُوحَ
جِبْرِيلَ] [2] فَيَكُونُ آخِرُهُمْ مُوتًا جِبْرِيلُ.
وَيُرْوَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِمَلِكِ الْمَوْتِ:
خُذْ نَفْسَ إِسْرَافِيلَ ثُمَّ يَقُولُ مَنْ بَقِيَ يَا
مَلَكَ الْمَوْتِ؟ فَيَقُولُ سُبْحَانَكَ رَبِّي تَبَارَكْتَ
وَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، بَقِيَ
جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ: خُذْ
نَفْسَ مِيكَائِيلَ، فَيَأْخُذُ نَفْسَهُ فَيَقَعُ كَالطَّوْدِ
الْعَظِيمِ، فيقول [الله] [3] مَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ:
سُبْحَانَكَ رَبِّي تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، بَقِيَ
جِبْرِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَيَقُولُ: مُتْ يَا مَلَكَ
الْمَوْتِ فَيَمُوتُ، فَيَقُولُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ بَقِيَ؟
فَيَقُولُ: تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ وَجْهُكَ الْبَاقِي الدَّائِمُ وَجِبْرِيلُ
الْمَيِّتُ الْفَانِي، قَالَ فَيَقُولُ:
يَا جِبْرِيلُ لَا بُدَّ مِنْ مَوْتِكَ فَيَقَعُ سَاجِدًا يخفق
بجناحيه فيروى أنه فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم على
الظرب من الظرب.
وَيُرْوَى أَنَّهُ يَبْقَى مَعَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ
حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيَقْبِضُ رُوحَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ
ثُمَّ أَرْوَاحَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ ثُمَّ رُوحَ إِسْرَافِيلَ
ثُمَّ روح ملك الموت.
__________
1607- ضعيف جدا. أخرجه الحاكم 5/ 253 وأبو يعلى كما في «تفسير
ابن كثير» 4/ 77 وإسناده ضعيف، مداره على عمر بن محمد، وهو
مجهول.
- وقال الحافظ ابن كثير عنه: غير معروف اهـ.
- والخبر منكر معارض بالحديث الآتي، فإن فيه عدم استثناء أحد
من البشر إلّا أن يكون موسى- على الشك- فهو ضعيف جدا.
- تنبيه: لم أره في «مسند أبي يعلى» ولا في «المجمع» ، ولعله
في «المسند الكبير» .
(1) زيادة عن المخطوط- أ-.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(3/518)
وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ
اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَفْعَلُونَ (88)
«1608» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بْنِ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيُصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ
يَنْفُخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ
رَأْسَهُ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ
الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ مِمَّنِ [1] اسْتَثْنَى
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبَلِي، وَمَنْ
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فقد كذب» .
وقال الضَّحَّاكُ: هُمْ رِضْوَانُ وَالْحَوَرُ وَمَالِكٌ
وَالزَّبَانِيَةُ. وَقِيلَ: عَقَارِبُ النَّارِ وَحَيَّاتُهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكُلٌّ أَيْ كل الَّذِينَ أُحْيُوا
بَعْدَ الْمَوْتِ، أَتَوْهُ، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ
وَحَفْصٌ «أَتَوْهُ» مَقْصُورًا [2] بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى
الْفِعْلِ أي جاؤوه، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِّ وَضَمِّ
التَّاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ
الْقِيامَةِ فَرْداً (95) [مَرْيَمَ: 95] ، داخِرِينَ،
صَاغِرِينَ.
[سورة النمل (27) : الآيات 88 الى 90]
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ
السَّحابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ
إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ
يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
قال الله تعالى: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً،
قَائِمَةً وَاقِفَةً، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ، أَيْ
تَسِيرُ سَيْرَ السَّحَابِ حَتَّى تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ
فَتَسْتَوِي بِهَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَظِيمٍ
وَكُلَّ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقْصُرُ عَنْهُ الْبَصَرُ
لِكَثْرَتِهِ وَبُعْدِ مَا بَيْنَ أَطْرَافِهِ فَهُوَ فِي
حُسْبَانِ النَّاظِرِ وَاقِفٌ وَهُوَ سَائِرٌ، كَذَلِكَ سَيْرُ
الْجِبَالِ لَا يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ
__________
1608- صحيح. إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو، وقد توبع، وباقي
الإسناد ثقات مشاهير.
- أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وهو في «شرح السنة» 4196 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3245 وابن ماجه 4274 وأحمد 2/ 450- 451 وابن
حبان 7311 من طرق عن محمد بن عمرو به.
- وأخرجه البخاري 11/ 24 و6517 ومسلم 2373 ح 160 وأبو داود
4671 وأحمد 2/ 264 وفي «شرح السنة» 4197 من طرق عن
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شهاب عن أبي سلمة وعبد
الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
- وأخرجه البخاري 3408 ومسلم 2373 ح 161 من طريق أبي اليمان عن
شعيب عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هريرة.
- وأخرجه البخاري 3414 ومسلم 2373 ح 159 والطحاوي في «المعاني»
4/ 315 من طرق عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الفضل عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ به.
- وأخرجه البخاري 6518 من طريق شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
عَنِ الأعرج عن أبي هريرة.
- وأخرجه البخاري 4813 من طريق الشعبي عن أبي هريرة.
- وأخرجه البخاري 4603 من طريق هِلَالٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ «من قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ
يُونُسَ بن متى فقد كذب» . [.....]
(1) في المطبوع «من» .
(2) في المخطوط «مقصودا» .
(3/519)
إِنَّمَا أُمِرْتُ
أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا
وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (91)
لعظمها كَمَا أَنَّ سَيْرَ السَّحَابِ لَا
يُرَى لِعِظَمِهِ وَهُوَ سَائِرٌ، صُنْعَ اللَّهِ، نُصِبَ
عَلَى الْمَصْدَرِ، الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، يعني
أَحْكَمَ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ، قَرَأَ ابْنُ
كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ
بِالتَّاءِ.
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ، بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَهِيَ
شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ أَبُو
مَعْشَرٍ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَحْلِفُ وَلَا يَسْتَثْنِي
أَنَّ الْحَسَنَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ
قَتَادَةُ بِالْإِخْلَاصِ. وَقِيلَ: هِيَ كَلُّ طَاعَةٍ [1]
فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَمِنْهَا يَصِلُ
الْخَيْرُ إِلَيْهِ يَعْنِي لَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَسَنَةِ
خَيْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَالْأَمْنُ
مِنَ الْعَذَابِ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنَ
الْإِيمَانِ فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرًا مِنْ
قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقِيلَ: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا يَعْنِي رِضْوَانَ اللَّهِ،
قَالَ تَعَالَى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ
[التَّوْبَةِ: 72] ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا يَعْنِي
الْأَضْعَافَ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَاحِدَةِ
عَشْرًا فَصَاعِدًا، وَهَذَا حَسَنٌ لِأَنَّ لِلْأَضْعَافِ
خَصَائِصٌ مِنْهَا أَنَّ الْعَبْدَ يُسْأَلُ عَنْ عَمَلِهِ
وَلَا يُسْأَلُ عَنِ الْأَضْعَافِ، وَمِنْهَا أَنَّ
لِلشَّيْطَانِ سَبِيلًا إِلَى عَمَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ سَبِيلٌ
إِلَى الْأَضْعَافِ وَلَا مَطْمَعَ لِلْخُصُومِ فِي
الْأَضْعَافِ وَلِأَنَّ الْحَسَنَةَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ
الْعَبْدِ وَالتَّضْعِيفَ كَمَا يَلِيقُ بِكَرَمِ الرَّبِّ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ
آمِنُونَ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ «مِنْ فَزَعٍ»
بِالتَّنْوِينِ يَوْمَئِذٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَإِنَّهُ
يَقْتَضِي الْأَمْنَ مِنْ جَمِيعِ فَزَعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ،
وَبِالتَّنْوِينِ كَأَنَّهُ فَزَعٌ دُونَ فَزَعٍ، وَيَفْتَحُ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْمِيمَ مِنْ يَوْمَئِذٍ.
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ، يَعْنِي الشِّرْكَ، فَكُبَّتْ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ، يَعْنِي أُلْقُوا عَلَى
وُجُوهِهِمْ، يقال:
كبتّ الرَّجُلَ إِذَا أَلْقَيْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ فَانْكَبَّ
وَأَكَبَّ، وَتَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ: هَلْ
تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فِي الدُّنْيَا
مِنَ الشرك.
[سورة النمل (27) : الآيات 91 الى 93]
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ
الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ
أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ
فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ
فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما
رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما أُمِرْتُ، يَقُولُ اللَّهُ
لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلِ إِنَّمَا
أُمِرْتُ، أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ، يَعْنِي
مَكَّةَ، الَّذِي حَرَّمَها، يعني جَعَلَهَا اللَّهُ حَرَمًا
آمِنًا لَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ وَلَا يُظْلَمُ فِيهَا أَحَدٌ
وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَهُ
كُلُّ شَيْءٍ، خَلْقًا وَمِلْكًا، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لِلَّهِ.
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ، يَعْنِي وَأُمِرْتُ أن أَتْلُوَ
الْقُرْآنَ، فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ،
أَيْ نَفْعُ اهْتِدَائِهِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، وَمَنْ ضَلَّ،
عَنِ الْإِيمَانِ وأخطأ طَرِيقِ الْهُدَى، فَقُلْ إِنَّما
أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ، ومن الْمُخَوِّفِينَ فَلَيْسَ
عَلَيَّ إِلَّا الْبَلَاغُ، نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، عَلَى نِعَمِهِ، سَيُرِيكُمْ
آياتِهِ، يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ
وَضَرْبِ الْمَلَائِكَةِ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ،
نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا
تَسْتَعْجِلُونِ [الْأَنْبِيَاءِ: 37] ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
سَيُرِيْكُمْ آيَاتِهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَفِي
أَنْفُسِكُمْ، كَمَا قَالَ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ
وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فُصِّلَتْ: 53] ، فَتَعْرِفُونَها،
يَعْنِي تَعْرِفُونَ الْآيَاتِ وَالدَّلَالَاتِ، وَما رَبُّكَ
بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
، وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم.
__________
(1) في المطبوع «الطاعة» .
(3/520)
|