تفسير البغوي
إحياء التراث الم (1)
، مُغْنٍ، عَنْ والِدِهِ شَيْئاً، قَالَ
ابن عباس: كل امرئ تهمه نَفْسُهُ، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ
بِاللَّهِ الْغَرُورُ، يَعْنِي الشَّيْطَانَ. قَالَ سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ أَنْ يَعْمَلَ الْمَعْصِيَةَ وَيَتَمَنَّى
الْمَغْفِرَةَ. قوله:
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، الآية.
«1654» نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو بن حارثة بن
محارب بن حَفْصَةَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ
وَوَقْتِهَا [1] وَقَالَ إِنَّ أَرْضَنَا أَجْدَبَتْ فَمَتَى
يَنْزِلُ الْغَيْثُ وَتَرَكْتُ امْرَأَتِي حُبْلَى، فَمَتَى
تَلِدُ، وَقَدْ عَلِمَتُ أَيْنَ وُلِدْتُ فَبِأَيِّ أَرْضٍ
أَمُوتُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ
مَا فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ
غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَقَرَأَ
أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ «بِأَيَّةِ أَرْضٍ» وَالْمَشْهُورُ
«بِأَيِّ أَرْضٍ» لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَ فِيهَا مِنْ
عَلَامَاتِ التَّأْنِيثِ شَيْءٌ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَرْضِ
المكان.
«1655» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أنا ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَفَاتِيحُ
الْغَيْبِ خَمْسٌ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
بِأَيِ أَرْضٍ تَمُوتُ» ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
تفسير سورة السجدة
مكية [وهي ثلاثون آية] [3] قَالَ عَطَاءٌ: إِلَّا ثَلَاثَ
آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً [18] إلى آخر
ثلاث آيات.
[سورة السجده (32) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ
الْعالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتاهُمْ مِنْ
نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ
مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ
(4)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ
يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
__________
1654- ضعيف. أخرجه الطبري 28173 عن مجاهد مرسلا، والمرسل من
قسم الضعيف.
1655- إسناده على شرط البخاري، عبد العزيز هو الأويسي، ابن
شهاب محمد بن مسلم.
وتقدم في سورة الأنعام عند آية: 59.
(1) في المخطوط «فقال» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع.
(3/593)
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا
شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَمْ يَقُولُونَ، بَلْ يَقُولُونَ افْتَراهُ، وَقِيلَ الْمِيمُ
صِلَةٌ أَيْ أَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ، اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ،
وَقِيلَ: أَمْ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ وَيَقُولُونَ
افْتَرَاهُ، وَقِيلَ: فيه إضمار مجاز فَهَلْ [1] يُؤْمِنُونَ،
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ، ثُمَّ قَالَ: بَلْ هُوَ، يَعْنِي
الْقُرْآنَ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما
أَتاهُمْ، يعني لَمْ يَأْتِهِمْ، مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ،
قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أُمَّةً أُمِّيَّةً لَمْ يَأْتِهِمْ
نَذِيرٌ قَبِلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال ابن عباس ومقاتل: ذاك فِي الْفَتْرَةِ الَّتِي كَانَتْ
بَيْنَ عيسى عليه السلام وبين مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما
بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى
الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ
أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) .
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ، أَيْ يُحْكِمُ الْأَمْرَ وَيُنْزِلُ
الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ، مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ،
وَقِيلَ: يُنْزِلُ الْوَحْيَ مَعَ جِبْرِيلَ مِنَ السَّمَاءِ
إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ، يَصْعَدُ، إِلَيْهِ،
جِبْرِيلُ بِالْأَمْرِ، فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ
سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، أَيْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ أيام
الدنيا وقدره مَسِيرَةِ [أَلْفِ] [2] سَنَةٍ خَمْسُمِائَةٍ
نُزُولُهُ وَخَمْسُمِائَةٍ صُعُودُهُ لِأَنَّ مَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، يَقُولُ: لَوْ
سَارَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ لَمْ يَقْطَعْهُ إِلَّا
في ألف سنة، والملائكة يقطعونه فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، هَذَا فِي
وَصْفِ عُرُوجِ الْمَلَكِ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ
إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ
(4) [المعارج: 4] ، أراد مدة المسافة من الْأَرْضِ [3] إِلَى
سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الَّتِي هِيَ مَقَامُ جِبْرِيلَ يَسِيرُ
جِبْرِيلُ وَالْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَهُ مَنْ أَهْلِ
مَقَامِهِ مَسِيرَةَ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ
وَاحِدٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى
قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ. وَقَوْلُهُ إِلَيْهِ أَيْ
إِلَى اللَّهِ.
وَقِيلَ: عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ [أَيْ] [4] إِلَى مَكَانِ
الْمَلَكِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
يَعْرُجَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلْفُ سَنَةٍ وَخَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ
كُلُّهَا فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَطْوَلَ
وَعَلَى بَعْضِهِمْ أَقْصَرَ، مَعْنَاهُ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مُدَّةَ أَيَّامِ الدُّنْيَا،
ثُمَّ يَعْرُجُ أَيْ يَرْجِعُ الْأَمْرُ وَالتَّدْبِيرُ
إِلَيْهِ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا، وَانْقِطَاعِ أَمْرِ
الْأُمَرَاءِ وَحُكْمِ الْحُكَّامِ فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ [5] أَلْفَ سَنَةٍ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ،
وَأَمَّا قوله: خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4]
فَإِنَّهُ أَرَادَ عَلَى الْكَافِرِ يَجْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ
الْيَوْمَ عَلَيْهِ مِقْدَارَ خمسين ألف
__________
(1) في المطبوع «فهم» . [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع وحده «إلى السماء» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيد في المطبوع «خمسين» .
(3/594)
ذَلِكَ عَالِمُ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
سَنَةٍ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ دُونَ ذَلِكَ:
«1656» حَتَّى جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى
الْمُؤْمِنِ كَقَدْرِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلَّاهَا فِي
الدُّنْيَا» .
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: لَا يَكُونُ عَلَى
الْمُؤْمِنِ إِلَّا كَمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ،
وَيَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ هَذَا إخبار عَنْ شِدَّتِهِ
وَهَوْلِهِ وَمَشَقَّتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ
اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ ابْنُ فَيْرُوزَ عَنْ هَذِهِ
الْآيَةِ وَعَنْ قَوْلِهِ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَقَالَ
لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيَّامٌ سَمَّاهَا اللَّهُ لَا أَدْرِي
مَا هِيَ وَأَكْرَهُ أَنْ أَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لا
أعلم.
[سورة السجده (32) : الآيات 6 الى 11]
ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
(6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ
الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ
سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ
مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ
وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (9) وَقالُوا أَإِذا
ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ
هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، يَعْنِي ذَلِكَ الَّذِي
صَنَعَ مَا ذَكَرَهُ من خلق السموات وَالْأَرْضِ عَالِمُ مَا
غَابَ عَنِ [عيان] [1] الْخَلْقِ وَمَا حَضَرَ، الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ.
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، قَرَأَ نَافِعٌ،
وَأَهْلُ الْكُوفَةِ «خَلَقَهُ» بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى
الْفِعْلِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِهَا، أَيْ أَحْسَنَ
خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتْقَنَهُ
وَأَحْكَمَهُ. قَالَ قَتَادَةُ: حَسَّنَهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
عَلِمَ كَيْفَ يَخْلُقُ كُلَّ شَيْءٍ، مِنْ قَوْلِكَ فُلَانٌ
يُحْسِنُ كَذَا إِذَا كَانَ يَعْلَمُهُ. وَقِيلَ: خَلَقَ كُلَّ
حَيَوَانٍ عَلَى صورته ثم [2] يَخْلُقِ الْبَعْضَ عَلَى
صُورَةِ الْبَعْضِ، فَكُلُّ حَيَوَانٍ كَامِلٌ فِي خَلْقِهِ
حُسْنٌ، وَكُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مُقَدَّرٌ بِمَا
يَصْلُحُ بِهِ مَعَاشُهُ. وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ
طِينٍ، يَعْنِي آدَمَ.
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ، يَعْنِي ذُرِّيَّتَهُ، مِنْ سُلالَةٍ،
نُطْفَةٍ سُمِّيَتْ سُلَالَةً لِأَنَّهَا تُسَلُّ مِنَ
الْإِنْسَانِ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ، أَيْ ضعف وَهُوَ نُطْفَةُ
الرَّجُلِ.
ثُمَّ سَوَّاهُ، وسوى خَلْقَهُ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ،
ثُمَّ عَادَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ، فَقَالَ: وَجَعَلَ لَكُمُ،
بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ نُطَفًا، السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ
وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ، يَعْنِي لَا
تَشْكُرُونَ رَبَّ هَذِهِ النِّعَمِ فَتُوَحِّدُونَهُ.
وَقالُوا، يعني منكري البعث، أَإِذا ضَلَلْنا، هَلَكْنَا، فِي
الْأَرْضِ، وَصِرْنَا تُرَابًا وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ
ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا ذَهَبَ، أَإِنَّا لَفِي
خَلْقٍ جَدِيدٍ، اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ، أَيْ
بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ، يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ، مَلَكُ
الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ، أَيْ وُكِّلَ بِقَبْضِ
أَرْوَاحِكُمْ وَهُوَ عِزْرَائِيلُ، وَالتَّوَفِّي اسْتِيفَاءُ
العدد [المضروب للخلق في الأزل] [3] ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ
يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ حَتَّى لا يبقى
__________
1656- تقدم في سورة الفرقان عند آية: 26.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «لم» .
(3) زيد في المطبوع.
(3/595)
وَلَوْ تَرَى إِذِ
الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ
رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ
صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
أَحَدٌ مِنَ الْعَدَدِ الَّذِي كُتِبَ
عَلَيْهِ الْمَوْتُ.
وَرُوِيَ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ جُعِلَتْ لَهُ الدُّنْيَا
مِثْلَ رَاحَةِ الْيَدِ يَأْخُذُ مِنْهَا صَاحِبُهَا مَا
أَحَبَّ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَهُوَ يَقْبِضُ أَنْفُسَ
الْخَلْقِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَلَهُ
أَعْوَانٌ مِنْ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةِ
الْعَذَابِ، [فملائكة الرحمة للمؤمنين وملائكة العذاب
للكافرين] [1] .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ خُطْوَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا
بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جُعِلَتْ لَهُ الْأَرْضُ مِثْلَ طَسْتٍ
يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ.
وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى
مِعْرَاجٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيَنْزِعُ
أَعْوَانُهُ رُوحَ الْإِنْسَانِ فَإِذَا بَلَغَ ثَغْرَهُ
نَحْرُهُ قَبَضَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ.
وَرَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
قَالَ: إِنَّ لِمَلَكِ الْمَوْتِ حَرْبَةً تَبْلُغُ مَا بَيْنَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَهُوَ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَ
النَّاسِ فَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ إِلَّا وَمَلَكُ الْمَوْتِ
يَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، فَإِذَا رَأَى
إِنْسَانًا قَدِ انْقَضَى أَجَلُهُ ضَرَبَ رَأَسَهُ بِتِلْكَ
الْحَرْبَةِ، وَقَالَ الْآنَ تنزل بك سكرات الموت. قَوْلُهُ:
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ، أَيْ تَصِيرُونَ إِلَيْهِ
أَحْيَاءً فَيَجْزِيكُمْ بأعمالكم.
[سورة السجده (32) : الآيات 12 الى 14]
وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ
صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ
نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا
نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (14)
وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ، الْمُشْرِكُونَ، ناكِسُوا
رُؤُسِهِمْ، مطأطئوا رؤوسهم، عِنْدَ رَبِّهِمْ، حياء منه
وَنَدَمًا، رَبَّنا، أَيْ يَقُولُونَ رَبَّنَا، أَبْصَرْنا،
مَا كُنَّا بِهِ مُكَذِّبِينَ، وَسَمِعْنا، مِنْكَ تَصْدِيقَ
مَا أَتَتْنَا بِهِ رُسُلُكَ. وَقِيلَ: أَبْصَرْنَا
مَعَاصِيَنَا وسمعنا ما قيل منا، فَارْجِعْنا، فَأَرْدُدْنَا
إِلَى الدُّنْيَا، نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ،
وَجَوَابُ لَوْ مُضْمَرٌ مَجَازُهُ لَرَأَيْتَ الْعَجَبَ.
وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها، رُشْدَهَا
وَتَوْفِيقَهَا لِلْإِيمَانِ، وَلكِنْ حَقَّ، وَجَبَ،
الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ قوله للإبليس: لَأَمْلَأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ،
ثُمَّ يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا
دَخَلُوا النَّارَ قَالَتْ لَهُمُ الْخَزَنَةُ:
فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا، أَيْ
تَرَكْتُمُ الْإِيمَانَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، إِنَّا
نَسِيناكُمْ، تَرَكْنَاكُمْ، وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، مِنَ الْكُفْرِ والتكذيب. قوله عزّ
وجلّ:
[سورة السجده (32) : الآيات 15 الى 16]
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها
خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ
يُنْفِقُونَ (16)
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها،
وُعِظُوا بِهَا، خَرُّوا سُجَّداً، سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ
سَاجِدِينَ، وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، قِيلَ: صَلُّوا
بِأَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقِيلَ: قَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ
وَبِحَمْدِهِ، وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، عن الإيمان والسجود
له.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(3/596)
تَتَجافى، تَرْتَفِعُ وَتَنْبُو،
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ، جَمْعُ مَضْجَعٍ وَهُوَ
الْمَوْضِعُ الَّذِي يُضْطَجَعُ عَلَيْهِ يَعْنِي الْفُرُشَ
وهم المتهجدون بالليل، الذين يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
«1657» قَالَ أَنَسٌ: نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ
كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ فَلَا نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا
حَتَّى نُصَلِّيَ الْعِشَاءَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«1658»
وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانُوا يُصَلُّونَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى صَلَاةِ
الْعِشَاءِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَازِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ،
وَقَالَا: هِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ
لَتَحُفُّ بِالَّذِينِ يُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ. وَقَالَ
عَطَاءٌ: هُمُ الَّذِينَ لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا
الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي
ذَرٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
هُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالْفَجْرَ
فِي جَمَاعَةٍ.
«1659»
وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى العشاء في جماعة كان كمن قام
نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ
كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» .
«1659»
وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى العشاء في جماعة كان كمن قام
نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ
كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» . «1660» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
__________
1657- ضعيف. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 685 من طريق
إسماعيل بن عيسى عن المسيب عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ
أنس بن مالك به.
- وإسناده ضعيف لضعف المسيب وهو ابن واضح، ثم إن السورة مكية
فيما ذكر البغوي وابن كثير وغيرهما؟!.
- وذكره السيوطي في «الدر» 5/ 336 ونسبه لابن مردويه من حديث
أنس.
1658- ضعيف. أخرجه ابن عدي في «الكامل» 2/ 193 والطبري 28225
من طريق الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار:
سألت أنس بن مالك عن قوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضاجِعِ قال:.... فذكره.
وأعله ابن عدي بالحارث بن وجيه الراسبي ونقل عن النسائي في
قوله: الحارث بن وجيه ضعيف.
- وذكره الواحدي في «الأسباب» 684 عن مالك بن دينار به بدون
إسناد.
- وورد بدون ذكر نزول الآية، وإنما هو رأي لأنس يبين المراد
بالآية.
- وأخرجه أبو داود 1321 والطبري 28226 من طريق سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قتادة عن أنس: «كانوا يتيقظون ما بين
المغرب والعشاء يصلون» .
ورجاله ثقات، لكنه رأي لأنس رضي الله عنه، والراجح في معنى
الآية قيام الليل، وسيأتي برقم 1661.
1659- تقدم في سورة الفرقان عند آية: 64.
1660- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، مالك بن أنس، أبو صالح اسمه
ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 385 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 1/ 68 عن سمي به.
- وأخرجه البخاري 615 و654 و721 و2689 ومسلم 437 والنسائي 1/
269 والترمذي 225 و226 وعبد الرزاق 2007 وأحمد 2/ 236 و278
و303 و374 و533 وابن حبان 1659 وابن خزيمة 391 وأبو عوانة 1/
332 و2/ 37 والبيهقي 1/ 428 و10/ 288 من طرق عن مالك به.
(3/597)
«لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي
النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا
أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُّوا، وَلَوْ
يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ،
وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ
لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» .
وَأَشْهُرُ الْأَقَاوِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ صَلَاةُ
اللَّيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ
وَالْأَوْزَاعِيِّ وَجَمَاعَةٍ.
«1661»
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ [1]
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَشْرَانَ
أَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي
النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَفَرِنَا فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ
وَهُوَ يَسِيرُ فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي
الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: «لقد سئلت عن
عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لِيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا
وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ
رَمَضَانَ وَتَحْجُّ الْبَيْتَ» . ثُمَّ قَالَ:
«أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جنة،
والصدقة تطفئ الْخَطِيئَةَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ
الليل» ، ثم تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حَتَّى
بَلَغَ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، ثُمَّ قَالَ أَلَا
أُخْبِرُكَ [2]
بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ:
بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ
الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ
الْجِهَادُ» ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ
كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَأَخَذَ
بِلِسَانِهِ فَقَالَ: «اكْفُفْ عليك هذا» ، فقلت: يا رسول
اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟
قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ
النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى
مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» .
«1662»
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
زِيَادٍ الْحَنَفِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أحمد المخلدي أنا
__________
1661- حديث حسن.
- إسناده ضعيف. رجاله ثقات إلّا أنه منقطع، أبو وائل لم يسمع
من معاذ، لكن ورد موصولا، فالحديث حسن.
- عبد الرزاق بن همّام، معمر بن راشد، أبو الجنود والد عاصم
اسمه بهدلة، أبو وائل هو شقيق بن سلمة.
- وهو في «شرح السنة» 11 بهذا الإسناد.
- وهو في «تفسير عبد الرزاق» 2302 عن معمر به.
- وأخرجه الترمذي 1616 والنسائي في «الكبرى» 11394 و «التفسير»
414 وابن ماجه 3973 وأحمد 5/ 231 والطبراني 20/ (266) من طرق
عن معمر به.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب حسن.
- وأخرجه أحمد 5/ 248 والطبراني 10/ (200) من طريق عاصم عن شهر
عن معاذ به رواية أحمد مختصرة، وهذا منقطع أيضا.
- وأخرجه أحمد 5/ 245- 246 من طريق شهر عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عن معاذ به.
وهذا إسناد موصول، وشهر لا بأس به، وهو حسن الحديث في
المتابعات.
- وأخرجه أحمد 5/ 233 وابن أبي شيبة في «الإيمان» 2 والحاكم 2/
76 و412 والطبراني 20/ (291- 394) والطبري 28239 والبيهقي 9/
20 من طريقين عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ به مطوّلا ومختصرا.
وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وهذا منقطع بين ميمون ومعاذ.
- الخلاصة: هو حديث حسن بمجموع طرقه، وانظر «الكشاف» 864
بتخريجي. [.....]
1662- إسناده ضعيف، رجاله ثقات غير عبد الله بن صالح، فقد ضعفه
غير واحد، روى مناكير كثيرة بسبب جار له كان يدس في كتبه وهو
لا يدري، لذا ضعف، وللحديث شاهد بإسناد ساقط، لا فائدة منه.-
(1) تصحف في المطبوع «الحسن» .
(2) في المطبوع «أدلك» .
(3/598)
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الجبار الرياني أنا حمد بن زنجويه أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي
رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَلَيْكُمْ
بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ
قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ
[1]
لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ» .
«1663»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ
محمد بن سمعان أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَانِيُّ أَنَا حميد بن زنجويه أنا
روح بن أسلم أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَطَاءُ بْنُ
السَّائِبِ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رجلين رجل ثار عن
__________
- أبو إدريس هو عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
- وهو في «شرح السنة» 917 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي بإثر 3549 تعليقا، ووصله الحاكم 1/ 308
والطبراني 8/ 7466 والبيهقي 2/ 502 من طريق عبد الله بن صالح
به.
وصححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
- قلت: ذكر الحافظ في «التهذيب» أن البخاري روى له في
التعاليق، وقد ضعفه الجمهور كما تقدم، وذكر له الذهبي في
«الميزان» مناكير كثيرة.
- وورد من حديث بلال أخرجه الترمذي 3549 وابن نصر في «قيام
الليل» ص 18 وابن أبي الدنيا في «التهجد» (1) والبيهقي 2/ 502
من طريق بكر بن خنيس عن محمد القرشي، عن رَبِيعَةُ بْنُ
يَزِيدَ عَنْ أَبِي إدريس عن بلال به.
- قلت: إسناده ساقط، محمد هو ابن سعيد المصلوب، كذاب متروك.
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث بلال إلّا من هذا
الوجه من قبل إسناده قال: سمعت البخاري يقول:
محمد القرشي هو محمد بن سعيد الشامي، وهو ابن أبي قيس، وهو
محمد بن حسّان، وقد ترك حديثه.
وقال الترمذي بعد أن روى حديث أبي أمامة: وهذا أصح من حديث أبي
إدريس عن بلال.
- الخلاصة: هو حديث ضعيف، ولا يتأيد بشاهده بسبب شدة ومن هذا
الشاهد، والأشبه كونه من كلام أبي أمامة.
1663- حديث حسن صحيح. إسناده ضعيف لضعف روح بن أسلم، لكن تابعه
غير واحد كما سيأتي، وفيه أيضا عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه
اختلط، وقد سمع منه حماد قبل الاختلاط وبعده، فلم يتميز، لكن
له شاهد يحسن به إن شاء الله.
- مرة الهمداني هو ابن شراحيل.
- وهو في «شرح السنة» 925 بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 2558 عن محمد بن محمود بن عدي عن حميد بن
زنجويه بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 2536 وأحمد 1/ 416 وأبو يعلى 5272 و5361
والحاكم 2/ 112 وابن حبان 2557 وابن أبي عاصم في «السنة» 569
والبيهقي 9/ 46 من طرق عن حمّاد بن سلمة به، وبعضهم اقتصر على
ذكر الغازي في سبيل الله فقط.
- وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وقال الهيثمي 2/ 255: إسناده
حسن.
- وورد من وجه آخر، أخرجه الطبراني 10486، وإسناده حسن لأجل
أبي بكر بن عياش.
- وله شاهد من حديث أبي الدرداء، أخرجه الطبراني كما في
«المجمع» 2/ 255 وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد، أخرجه أحمد 3/ 80 وأبو يعلى
1004، وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو سىء الحفظ، لكن الحديث حسن
صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
(1) في المطبوع «وتكفير» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3/599)
وطائه ولحافه من بين حبه [1]
وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ» ، فَيَقُولُ اللَّهُ
لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي ثَارَ عَنْ
فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنِ حبه [2]
وَأَهْلِهِ إِلَى صِلَاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقًا
مِمَّا عِنْدِي، «وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَانْهَزَمَ مع أَصْحَابُهُ، فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي
الِانْهِزَامِ وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ فَقَاتَلَ
حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهُ» ، فَيَقُولُ اللَّهُ
لِمَلَائِكَتِهِ:
«انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي
وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُهْرِيقَ دَمُهُ» .
«1664»
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أَبُو عيسى الترمذي أَنَا قُتَيْبَةُ
بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ
رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ
بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» .
«1665»
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٌ
الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ مُعَانِقٍ [أو أبي
مُعَانِقٍ] [3]
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي
الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا،
وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ
أَلَانَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَتَابَعَ
الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ والناس نيام» .
__________
1664- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو عوانة هو وضاح اليشكري، أبو بشر هو جعفر بن إياس.
- وهو في «سنن الترمذي» 438 عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1163 ح 202 وأبو داود 2429 والنسائي 3/ 206- 207
وابن حبان 3636 والبيهقي 4/ 290- 291 من طرق عن قتيبة به.
- وأخرجه أبو داود 2429 وأحمد 2/ 344 والدارمي 2/ 22 والبيهقي
4/ 290 و291 والبغوي في «شرح السنة» 1782 من طرق عن أبي عوانة
به.
وليس عند البغوي في «شرح السنة» ذكر قيام الليل.
- وأخرجه مسلم 1163 ح 203 وابن ماجه 1742 وأحمد 2/ 303 و329
و342 و535 وابن خزيمة 2076 والبيهقي 4/ 291 من طرق عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عن محمد بن المنتشر عَنْ حُمَيْدِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
- وأخرجه النسائي 3/ 207 من طريق شعبة عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ
حُمَيْدِ مرسلا.
1665- حسن صحيح. إسناده حسن لأجل ابن معانق، فقد وثقه العجلي
وابن حبان، وروى عنه غير واحد من الثقات، فارتفعت جهالته من
وجهين، ولحديثه شواهد.
- ابن معانق هو عبد الله أبو عوانة هو وضاح اليشكري، أبو بشر
هو جعفر بن إياس.
- وهو في «شرح السنة» 922 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20883 عن معمر به.
- وأخرجه أحمد 5/ 343 والطبراني 3466 وابن حبان 509 والبيهقي
4/ 300- 301 من طريق عبد الرزاق به.
- وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أحمد 2/ 173
والحاكم 1/ 321 من طريقين عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد
الرحمن الحبلي عنه.
وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وفيه لين من أجل حيي بن عبد
الله، لكن يصلح حديثه شاهدا لما قبله، وفي الباب أحاديث كثيرة.
(1) تصحف في المطبوع «جنبيه» .
(2) تصحف كسابقه.
(3) سقط من المطبوع.
(3/600)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
«1666»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [1]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أنا أَصْبَغُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شهاب أن الهيثم بن
أبي سنان أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي
قَصَصِهِ يَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا
يَقُولُ الرَّفَثَ» يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
رَوَاحَةَ، قَالَ:
وفينا رسول الله يتلوا كِتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ
مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ
مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا
اسْتَثْقَلَتْ بالمشركين الْمَضَاجِعُ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً
وَطَمَعاً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ خَوْفًا مِنَ النَّارِ
وَطَمَعًا فِي الْجَنَّةِ، وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ،
قِيلَ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ. وقيل: [هو
عام] [2] في الواجب والتطوع.
[سورة السجده (32) : الآيات 17 الى 22]
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ
أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ
الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا
الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا
أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ
ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
(20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ
الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ
أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ
(22)
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَيَعْقُوبُ «أُخْفِي لَهُمْ» سَاكِنَةَ الْيَاءِ أَيْ أَنَا
أُخْفِي لَهُمْ، وَمِنْ حُجَّتِهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ
«نُخْفِي» بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، مِنْ
قُرَّةِ أَعْيُنٍ، مِمَّا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، جَزاءً
بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
«1667»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [3]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
__________
1666- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- أصبغ هو ابن الفرج الأموي، يونس هو ابن يزيد الأيلي.
- وهو في «صحيح البخاري» 6151 عن أصبغ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1155 من طريق الليث عن يونس به.
1667- إسناده على شرط البخاري، فقد تفرد عن إسحق بن نصر، وهو
صدوق، فالإسناد حسن، لكن توبع، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- إسحق هو ابن إبراهيم بن نصر، أبو أسامة هو حمّاد بن أسامة.
- وهو في «شرح السنة» 4267 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح السنة» 4267 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4780 عن إسحاق بن نصر به.
- وأخرجه مسلم 2824 ح 4 وابن ماجه 4328 وأحمد 2/ 466 و495 وابن
أبي شيبة 13/ 109 من طرق عن الأعمش به.-[.....]
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(3/601)
مُحَمَّدٍ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ نصر أنا أبو أسامة عن الأعمش أنا أَبُو صَالِحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا
عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى
قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ» ،
ثُمَّ قَرَأَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ
قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17) .
قال ابن عباس: هَذَا مِمَّا لَا تَفْسِيرَ لَهُ. وَعَنْ
بَعْضِهِمْ قَالَ: أَخْفَوْا أَعْمَالَهُمْ فأخفى الله ثوابهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ
فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18) ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ
أَخِي عُثْمَانَ لِأُمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ
بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ وَكَلَامٌ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ لَعَلِيٍّ اسْكُتْ فَإِنَّكَ صَبِيٌّ
وَأَنَا وَاللَّهُ أَبْسَطُ [1] مِنْكَ لِسَانًا وَأَحَدُّ
مِنْكَ سِنَانًا وَأَشْجَعُ مِنْكَ جَنَانًا وَأَمْلَأُ مِنْكَ
حَشْوًا فِي الْكَتِيبَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: اسْكُتْ
فَإِنَّكَ فَاسِقٌ [2] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ
(18) ، وَلَمْ يَقُلْ [لَا] [3] يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّهُ لَمْ
يُرِدْ مُؤْمِنًا وَاحِدًا وَفَاسِقًا وَاحِدًا بَلْ أَرَادَ
جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعَ الْفَاسِقِينَ.
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ
جَنَّاتُ الْمَأْوى، الَّتِي يَأْوِي إِلَيْهَا
الْمُؤْمِنُونَ، نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما
أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ
لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
تُكَذِّبُونَ (20) .
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ
الْأَكْبَرِ، [أَيْ سِوَى الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ] [4] ،
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ
وَإِبْرَاهِيمُ: الْعَذَابِ الْأَدْنَى مَصَائِبِ الدُّنْيَا
وَأَسْقَامِهَا، وَهُوَ رِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. وقال عكرمة عنه: الْحُدُودُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
الْجُوعُ سَبْعَ سِنِينَ بِمَكَّةَ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ
وَالْعِظَامَ وَالْكِلَابَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ
الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ
وَالسُّدِّيِّ، دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ يَعْنِي عَذَابَ
الْآخِرَةِ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، إِلَى الْإِيمَانِ،
يَعْنِي مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ بَعْدَ بَدْرٍ وَبَعْدَ
الْقَحْطِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ
أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ، يَعْنِي
الْمُشْرِكِينَ، مُنْتَقِمُونَ.
__________
- وأخرجه البخاري 3244 و4779 ومسلم 2824 والترمذي 3197
والحميدي 1133 وابن حبان 369 من طرق عن سُفْيَانُ عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ عَنْ الأعرج عن أبي هريرة به.
- وأخرجه البخاري 7498 وعبد الرزاق 20874 وأحمد 2/ 313 وفي
«شرح السنة» 4266 من طريق مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ عن أبي هريرة به.
- وأخرجه أحمد 2/ 313 والدارمي 2/ 335 وفي «شرح السنة» 4268 من
طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سلمة عن أبي هريرة به.
- وله شاهد من حديث سهل بن سعد أخرجه مسلم 2725 ومن حديث أبي
سعيد الخدري أخرجه أبو نعيم في «الحلية» 2/ 262.
(1) في المطبوع «أنشط» .
(2) هذا خبر منكر ليس بشيء، والصواب أن الآية عامة.
(3) زيد في المطبوع.
(4) زيد في المطبوع.
(3/602)
وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ
وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)
[سورة السجده (32) : الآيات 23 الى 26]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ
مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (23)
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا
صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا
فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ
أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي
مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ
مِنْ لِقائِهِ، يَعْنِي فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَاءِ
مُوسَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَغَيْرُهُ.
«1668» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
أَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ. قال: وقال لي
خليفة أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَبِي العالية قال: حدثنا ابْنُ عَمِّ
نَبِيِّكُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ
أُسَرِيَ بِي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا كَأَنَّهُ
مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعًا
مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ سَبِطَ
الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ،
وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ فَلَا
تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ» .
166»
أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
المؤذن أنا عبد الله المحاملي أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عبد الله بن إبراهيم البزار أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ
أَنَا عمر بن حبيب القاضي أنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم: «لما سري [1] بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ مُوسَى
يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» .
وَرُوِّينَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ رَآهُ فِي السَّمَاءِ
السَّادِسَةِ وَمُرَاجَعَتِهِ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ، وقال
السدي: «فلا تكن
__________
1668- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- غندر هو محمد بن جعفر، شعبة بن الحجاج، قتادة بن دعامة، أبو
العالية، رفيع بن مهران.
- خليفة بن خياط، سعيد بن أبي عروبة.
- وهو في «صحيح البخاري» 3239 عن محمد بن بشار.
وعن خليفة بهذا الإسناد.
- وكرره 3396 عن محمد بن بشار بالإسناد الأول.
1669- أصل الحديث صحيح. إسناده ضعيف جدا، محمد بن يونس هو
الكديمي، متروك الحديث، وشيخه عمر بن حبيب ضعيف، لكن أصل المتن
محفوظ.
- سليمان هو ابن طرخان.
- وهو في «شرح السنة» 3654 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2375 والنسائي 3/ 216 وأحمد 3/ 120 وابن حبان 49
من طرق عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ مرفوعا
«مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم
يصلّي في قبره» .
- وأخرجه مسلم 2375 ح 164 وأحمد 3/ 148 و124 والنسائي 3/ 215
وابن أبي شيبة 14/ 307 و308 من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ ثابت البناني وسليمان التيمي عن أنس به.
- وأخرجه ابن حبان 50 من طريق ثابت عن أنس به.
- الخلاصة: الحديث صحيح، لكن الصواب في المتن ما ذكرته، لأن
سياق المصنف يوهم أنه رآه في السماء يصلّي، والصواب أنه في
قبره، والله أعلم.
(1) في المخطوط «سري» .
(3/603)
أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ
بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ
أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ» أَيْ مِنْ
تَلَقِّي مُوسَى كِتَابَ اللَّهِ بِالرِّضَا وَالْقَبُولِ،
وَجَعَلْناهُ، يَعْنِي الْكِتَابَ وَهُوَ التَّوْرَاةُ،
وَقَالَ قَتَادَةُ: مُوسَى، هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ،
أَئِمَّةً، قَادَةً فِي الْخَيْرِ يُقْتَدَى بِهِمْ، يَعْنِي
الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ كَانُوا فِيهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، يَهْدُونَ، يَدْعُونَ، بِأَمْرِنا
لَمَّا صَبَرُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ
اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ لِصَبْرِهِمْ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ
حِينَ صَبَرُوا عَلَى دِينِهِمْ وَعَلَى الْبَلَاءِ مِنْ
عَدُّوهُمْ بِمِصْرَ، وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ، يَقْضِي، بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
أَوَلَمْ يَهْدِ، لَمْ يَتَبَيَّنْ، لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا
مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ، آيَاتِ الله
وعظاته فيتعظون بها.
[سورة السجده (32) : الآيات 27 الى 30]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ
الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ
أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
(28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا
إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ
الْجُرُزِ، أَيْ الْيَابِسَةِ الْغَلِيظَةِ الَّتِي لَا
نَبَاتَ فِيهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَرْضٌ
بِالْيَمَنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ أَرْضُ بَابِينِ [1] ،
فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ، مِنَ
الْعُشْبِ وَالتِّبْنِ، وَأَنْفُسُهُمْ، مِنَ الْحُبُوبِ
وَالْأَقْوَاتِ، أَفَلا يُبْصِرُونَ.
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
(28) ، قِيلَ: أَرَادَ بِيَوْمِ الْفَتْحِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الَّذِي فِيهِ الْحُكْمُ بَيْنَ الْعِبَادِ.
قَالَ: قَتَادَةُ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكُفَّارِ: إِنْ لَنَا يَوْمًا
نَتَنَعَّمُ فِيهِ وَنَسْتَرِيحُ وَيُحْكَمُ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ، فَقَالُوا اسْتِهْزَاءً مَتَى هَذَا الْفَتْحُ؟
أَيْ الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ. وَقَالَ
السُّدِّيُّ: يَوْمَ بَدْرٍ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كانوا يَقُولُونَ لَهُمْ:
إِنَّ اللَّهَ نَاصِرُنَا وَمُظْهِرُنَا عَلَيْكُمْ،
فَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ.
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَنْفَعُ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ، وَمَنْ حَمَلَ الْفَتْحَ
عَلَى فتح مكة والقتل يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ مَعْنَاهُ لَا
يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ إِذَا جَاءَهُمُ
الْعَذَابُ وَقُتِلُوا، وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ، لَا
يُمْهَلُونَ لِيَتُوبُوا وَيَعْتَذِرُوا.
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْهَا آيَةُ
السَّيْفِ، وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ، قيل: انتظر
وعدي لَكَ بِالنَّصْرِ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ بِكَ حَوَادِثَ
الزَّمَانِ. وَقِيلَ: انْتَظِرْ عَذَابَنَا فِيهِمْ
فَإِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ذَلِكَ.
«1670» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [2]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أنا
__________
1670- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو نعيم هو الفضل بن دكين، سفيان هو ابن سعيد الثوري.
- وهو في «شرح السنة» 606 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 891 عن أبي نعيم بهذا الإسناد.-
(1) في المطبوع «أبين» وهي من أرض اليمن.
(2) زيادة عن المخطوط. [.....]
(3/604)
|