تفسير البغوي
إحياء التراث إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ
فَتْحًا مُبِينًا (1)
سورة الفتح
مدنية وهي تسع وعشرون آية
[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ
اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2)
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3)
«1946» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ محمد
السرخسي أنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ
السَّرَخْسِيُّ [1] أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسِيرُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ
أَسْفَارِهِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ
ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ
يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ
نَزَرْتَ [2] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ،
قَالَ عُمَرُ فحركت بعيري حتى تَقَدَّمْتُ [3] أَمَامَ
النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ [يكون] [4] ينزل في قرآن، فما نشبت
[5] أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، فقلت: لقد خشيت أن
يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،
فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ
لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ،
ثُمَّ قَرَأَ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما
تَأَخَّرَ» .
«1947» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ بكر بن محمد المزني ثَنَا
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله
__________
1946- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
- وهو في «الموطأ» 1/ 203- 204 زيد بن أسلم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4177 و4833 و5012 والترمذي 3258 وأبو يعلى
148 من طرق عن مالك به.
1947- صحيح. حسين بن الفضل لم أجد له ترجمة، لكن توبع ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- عفان هو ابن مسلم، همام هو ابن يحيى، قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 3914 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 3/ 252 عن عفان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1786 وأحمد 3/ 122 و134 والطبري 31454 من طريقين
عن همام به.
- وأخرجه البخاري 4172 و4834 وأحمد 3/ 173 من طريق شعبة.
- وأخرجه مسلم 1786 والبيهقي 5/ 217 من طريق شيبان.-
(1) في المطبوع «الطوسي» والمثبت عن ط والمخطوط (أ) والمخطوط
(ب) . [.....]
(2) في المطبوع «كررت» والمثبت عن «الموطأ» والمخطوط.
(3) في المطبوع «ثم» والمثبت عن المخطوط (أ) و (ب) .
ووقع في «الموطأ» : «حتى إذا كنت» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «لبثت» والمثبت عن «الموطأ» والمخطوط.
(4/221)
حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ ثَنَا عفان ثنا همام
ثنا قتادة ثنا أَنَسٌ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً
مُبِيناً (1) إِلَى آخَرَ الْآيَةِ، مَرْجِعَهُ مِنَ
الْحُدَيْبِيَةِ وَأَصْحَابُهُ مُخَالِطُهُمُ الْحُزْنُ
وَالْكَآبَةُ، فَقَالَ: «نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» ، فَلَمَّا تَلَاهَا
نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا مَرِيئًا لَكَ قَدْ بيّن الله
مَا يُفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بنا؟ فأنزل الله هذه
الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ،
حتى ختم الآية.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً
مُبِيناً (1) ، اختلفوا في هذا الفتح، وروي عَنْ أَبِي
جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ
فَتْحُ مَكَّةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَتْحُ خَيْبَرَ،
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ،
وَمَعْنَى الْفَتْحِ فَتْحُ الْمُنْغَلِقِ، وَالصُّلْحُ مَعَ
الْمُشْرِكِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَتَّى
فَتَحَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وروى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: إِنَّا فَتَحْنا
لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) ، قال: صلح الحديبية.
«1948» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ
إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ
فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ
الرِّضْوَانِ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةٍ،
وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ
فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا،
ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ
تَمَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا
غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا
نَحْنُ وَرِكَابُنَا.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً (1) ، قَالَ: فَتْحُ الحديبية، غَفَرَ
اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ،
وَأُطْعِمُوا نَخْلَ خَيْبَرَ وَبَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسٍ، فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ
بِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ.
قَالَ الزَّهْرِيُّ: لَمْ يَكُنْ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْ صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَطُوا
بِالْمُسْلِمِينَ فَسَمِعُوا كَلَامَهُمْ فَتَمَكَّنَ
الْإِسْلَامُ فِي قُلُوبِهِمْ أَسْلَمَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَثُرَ بِهِمْ سَوَادُ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً
مُبِيناً (1) ، أَيْ قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً بَيِّنًا. وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا بِغَيْرِ
قِتَالٍ، وَكَانَ الصُّلْحُ من الفتح المبين، قِيلَ: اللَّامُ
فِي قَوْلِهِ: لِيَغْفِرَ لَامُ كَيْ مَعْنَاهُ إِنَّا
فَتْحُنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِكَيْ يَجْتَمِعَ لَكَ مَعَ
الْمَغْفِرَةِ تَمَامُ النِّعْمَةِ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ
الْحُسَيْنُ بْنُ الفضل: هو مردود
__________
- وأخرجه الترمذي 3263 وأحمد 3/ 197 من طريق معمر.
- وأخرجه مسلم 1786 والطبري 31452 والواحدي في «الوسيط» 4/
132- 133 من طريق سليمان بن طرخان.
- وأخرجه الطبري 31453 من طريق سعيد بن أبي عروبة.
- كلهم عن قتادة به.
- وأخرجه ابن حبان 371 من طريق سفيان عن الحسن عن أنس به.
1948- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحق السبيعي، أبو إسحق هو عمرو
بن عبد الله.
- وهو في «شرح السنة» 3695 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4150 عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
مُوسَى بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 4801 من طريق عبيد الله بن موسى بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3577 وأحمد 4/ 290 والطحاوي في «المشكل» 2587
والطبري 31462 مختصرا وأبو نعيم في «الدلائل» 318 والبيهقي 9/
223 من طرق عن إسرائيل به.
- وأخرجه البخاري 4151 وابن أبي شيبة 14/ 435 وأبو يعلى 1655
من طرق عن أبي إسحاق به.
(4/222)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ
السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
إِلَى قَوْلِهِ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [مُحَمَّدٍ: 19] .
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما
تَأَخَّرَ، وليدخل الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ
الْآيَةَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ
يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النَّصْرُ: 1- 3] ،
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الرِّسَالَةِ، وَمَا تَأَخَّرَ إِلَى
وَقْتِ نُزُولِ هذه السورة. وقيل: ما تَأَخَّرَ مِمَّا
يَكُونُ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يُجَوِّزُ الصَّغَائِرَ
عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا
تَقَدَّمَ مِمَّا عَمِلْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا
تَأَخَّرَ كُلُّ شَيْءٍ لَمْ تعمله، وبذكر مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى
طَرِيقِ التَّأْكِيدِ، كَمَا يُقَالَ: أَعْطَى مَنْ رَآهُ ولم
يَرَهُ، وَضَرَبَ مَنْ لَقِيَهُ وَمَنْ لَمْ يَلْقَهُ. وَقَالَ
عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ:
يَعْنِي ذَنْبَ أَبَوَيْكَ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِبَرَكَتِكَ،
وَمَا تَأَخَّرَ ذُنُوبُ أُمَّتِكَ بِدَعْوَتِكَ. وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ،
وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً، أَيْ يُثَبِّتُكَ
عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى لِيَجْتَمِعَ لَكَ مَعَ الْفَتْحِ
تَمَامُ النِّعْمَةِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْهِدَايَةِ إِلَى
الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ. وَقِيلَ:
وَيَهْدِيَكَ أَيْ يَهْدِي بِكَ.
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) غَالِبًا. وقيل:
معزا.
[سورة الفتح (48) : الآيات 4 الى 6]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ
الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ
عَلِيماً حَكِيماً (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ
ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (5) وَيُعَذِّبَ
الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ
وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ
عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً
(6)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ، الطُّمَأْنِينَةَ
وَالْوَقَارَ، فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا
تَنْزَعِجَ نُفُوسُهُمْ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: كُلُّ سَكِينَةٍ في القرآن فهي بطمأنينة إِلَّا
الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقْرَةِ [248] ، لِيَزْدادُوا
إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ
اللَّهُ رَسُولَهُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمُ الصَّلَاةَ ثُمَّ
الزَّكَاةَ ثُمَّ الصِّيَامَ ثُمَّ الْحَجَّ ثُمَّ الْجِهَادَ،
حَتَّى أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ، فَكُلَّمَا أُمِرُوا
بِشَيْءٍ فَصَدَّقُوهُ ازْدَادُوا تَصْدِيقًا إِلَى
تَصْدِيقِهِمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَقِينًا مَعَ
يَقِينِهِمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذَا فِي أَمْرِ
الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا
بِالْحَقِّ، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ
اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) .
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ
عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً
عَظِيماً.
وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالَوا
لَمَّا نَزَلَ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
فَمَا يَفْعَلُ بِنَا فَنَزَلَ: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ الْآيَةَ [1] .
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ
وَالْمُشْرِكاتِ، يريد أَهْلَ النِّفَاقِ بِالْمَدِينَةِ
وَأَهْلَ الشِّرْكِ بِمَكَّةَ، الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ
السَّوْءِ، أن لن ينصر [الله] [2] مُحَمَّدًا
وَالْمُؤْمِنِينَ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ، بالعذاب
__________
(1) هو المتقدم قبل حديث واحد.
(2) زيادة عن المخطوط.
(4/223)
وَلِلَّهِ جُنُودُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
(7)
وَالْهَلَاكِ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً.
[سورة الفتح (48) : الآيات 7 الى 10]
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ
عَزِيزاً حَكِيماً (7) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً
وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ
إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى
بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
(10)
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ
عَزِيزاً حَكِيماً (7) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً
وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ، أَيْ تُعِينُوهُ وَتَنْصُرُوهُ،
وَتُوَقِّرُوهُ، تُعَظِّمُوهُ وَتُفَخِّمُوهُ هَذِهِ
الْكِنَايَاتُ رَاجِعَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَاهُنَا وَقْفٌ، وَتُسَبِّحُوهُ، أَيْ
تُسَبِّحُوا اللَّهَ يُرِيدُ تُصَلُّوا لَهُ، بُكْرَةً
وَأَصِيلًا، بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ قرأ ابن كثير وأبو عمر
وليؤمنوا، وَيُعَزِّرُوهُ، وَيُوَقِّرُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ
بِالْيَاءِ فِيهِنَّ لِقَوْلِهِ: فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ فِيهِنَّ.
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ، يَا مُحَمَّدُ
بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا، إِنَّما
يُبايِعُونَ اللَّهَ، لِأَنَّهُمْ بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ
اللَّهِ بِالْجَنَّةِ.
«1949» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ
بْنِ الْأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ.
«1950» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ عَنْ مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا يَزِيدُ
بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْأَعْرَجِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ
لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجْرَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النَّاسَ، وَأَنَا
رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ
أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ، قَالَ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى
الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ بَايَعَهُ
جَمَاعَةٌ عَلَى الْمَوْتِ، أَيْ لَا نَزَالُ نُقَاتِلُ بَيْنَ
يَدَيْكَ مَا لَمْ نُقْتَلْ، وَبَايَعَهُ آخَرُونَ، وَقَالَوا:
لَا نَفِرُّ.
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، قَالَ ابْنُ عباس رضي الله
عنهما: يَدُ اللَّهِ بِالْوَفَاءِ بِمَا وَعَدَهُمْ مِنَ
الْخَيْرِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا
يَأْخُذُونَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَيُبَايِعُونَهُ، وَيَدُ اللَّهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ فِي الْمُبَايَعَةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: نِعْمَةُ
الله عليم فِي الْهِدَايَةِ فَوْقَ مَا صَنَعُوا مِنَ
الْبَيْعَةِ.
فَمَنْ نَكَثَ، نَقَضَ الْبَيْعَةَ، فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى
نَفْسِهِ، عَلَيْهِ وَبَالُهُ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ
عَلَيْهُ اللَّهَ،
__________
1949- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- يزيد هو مولى سلمة بن الأكوع.
- وهو في «شرح السنة» 3696 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4169 عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
1950- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- خالد هو ابن مهران الحذّاء.
- وهو في «صحيح مسلم» 1858 عن يحيى بن يحيى بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني 20 (530 و531 و532) وابن حبان 4551 و4876
والبيهقي 8/ 146 من طرق عن خالد الحذاء به.
(4/224)
سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا
وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ
مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ
اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ
بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(11)
ثَبَتَ عَلَى الْبَيْعَةِ، فَسَيُؤْتِيهِ،
قَرَأَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَسَيُؤْتِيهِ بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالنُّونِ، أَجْراً عَظِيماً، وَهُوَ الجنة.
[سورة الفتح (48) : الآيات 11 الى 15]
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا
أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ
بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ
يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ
ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ
يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ
أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ
السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (12) وَمَنْ لَمْ
يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا
لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ
وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (14) سَيَقُولُ
الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ
لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ
يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ
قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا
بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (15)
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ.
«1951» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: يَعْنِي أعراب بني
غِفَارٍ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ، وَأَشْجَعَ وَأَسْلَمَ،
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِرًا اسْتَنْفَرَ مَنْ حَوْلَ
الْمَدِينَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي
لِيَخْرُجُوا مَعَهُ حَذَرًا مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ يَعْرِضُوا
لَهُ بِحَرْبٍ، أَوْ يَصُدُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ، فَأَحْرَمَ
بِالْعُمْرَةِ وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ لِيَعْلَمَ النَّاسُ
أَنَّهُ لا يريد حربا، فتثاقل عن كَثِيرٌ مِنَ الْأَعْرَابِ
وَتَخَلَّفُوا وَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ:
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ يَعْنِي
الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجلّ عن صحبتك، فإذا
انصرفت من سفرك إليهم فعاتبهم على [1] التخلف عنك.
شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا، يَعْنِي النِّسَاءَ
وَالذَّرَارِي أَيْ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنْ يَخْلُفُنَا
فِيهِمْ فَاسْتَغْفِرْ لَنا، تَخَلُّفَنَا عَنْكَ،
فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي اعْتِذَارِهِمْ،
فَقَالَ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ، مِنْ أَمْرِ الِاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّهُمْ لَا
يُبَالُونَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا.
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ
بِكُمْ ضَرًّا، سوأ أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:
ضَرًّا بِضَمِّ الضَّادِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا
لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالنَّفْعِ وَالنَّفْعُ ضِدُّ الضَّرِّ،
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ تَخَلُّفَهُمْ عَنِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْفَعُ
عَنْهُمُ الضَّرَّ، وَيُعَجِّلُ لَهُمُ النَّفْعَ
بِالسَّلَامَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فأخبرهم
الله تعالى: أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ. بَلْ كانَ اللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيراً.
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ
وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً، أَيْ ظَنَنْتُمْ
أَنَّ الْعَدُوَّ يَسْتَأْصِلُهُمْ فَلَا يَرْجِعُونَ،
وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، زَيَّنَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ
الظَّنَّ فِي قُلُوبِكُمْ، وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ،
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ
أَكَلَةُ رَأْسٍ، فَلَا يَرْجِعُونَ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ
مَعَهُ انْتَظِرُوا مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وَكُنْتُمْ
قَوْماً بُوراً، هَلْكَى لا تصلحون لخير.
__________
1951- أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» 4/ 165 عن مجاهد مرسلا
بنحوه.
- وأخرج الطبري 31484 صدره عن مجاهد، فالخبر ضعيف، ولم أر من
أسنده عن ابن عباس.
(1) في المخطوط (أ) «عن» .
(4/225)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ
مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ
شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا
يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا
تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
(16)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ
يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَحِيماً (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ، يَعْنِي هَؤُلَاءِ
الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ، إِذَا
انْطَلَقْتُمْ، سِرْتُمْ وَذَهَبْتُمْ أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ، إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها، يَعْنِي
غَنَائِمَ خَيْبَرَ، ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ، إِلَى خَيْبَرَ
لِنَشْهَدَ مَعَكُمْ قِتَالَ أَهْلِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
لَمَّا انْصَرَفُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعَدَهُمُ اللَّهُ
فَتْحَ خَيْبَرَ وَجَعَلَ غَنَائِمَهَا لِمَنْ شَهِدَ
الْحُدَيْبِيَةَ خَاصَّةً عِوَضًا عَنْ غَنَائِمِ أهل مكة إذا
انْصَرَفُوا عَنْهُمْ عَلَى صُلْحٍ وَلَمْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ
شَيْئًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا
كَلامَ اللَّهِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: كَلِمَ
اللَّهِ بِغَيْرِ أَلِفٍ جَمْعُ كَلِمَةٍ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ: كَلامَ اللَّهِ، يُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا
مَوَاعِيدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ
بِغَنِيمَةِ خَيْبَرَ خَاصَّةً.
وقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي أَمْرَ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَسِيرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ،
قال ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عزّ وجلّ:
[فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ] [1]
فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ
أَبَداً [التَّوْبَةِ: 83] ، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ،
وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، قُلْ لَنْ
تَتَّبِعُونا، إِلَى خَيْبَرَ، كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ
قَبْلُ
، أَيْ مِنْ قَبْلِ مَرْجِعِنَا إِلَيْكُمْ أَنَّ غَنِيمَةَ
خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ
فِيهَا نَصِيبٌ، فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا، أَيْ
يَمْنَعُكُمُ الْحَسَدُ مِنْ أَنْ نُصِيبَ مَعَكُمُ
الْغَنَائِمَ، بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ، لَا يَعْلَمُونَ
عَنِ اللَّهِ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنَ الدِّينِ، إِلَّا
قَلِيلًا، مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ صِدْقِ الله والرسول.
[سورة الفتح (48) : الآيات 16 الى 18]
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى
قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ
يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً
حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ
يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى
حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ
حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ
يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى
قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: هُمْ أَهْلُ فَارِسَ. وَقَالَ كَعْبٌ:
هُمُ الرُّومُ: وَقَالَ الْحَسَنُ: فَارِسُ وَالرُّومُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ يَوْمَ حُنَيْنٍ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَجَمَاعَةٌ: هُمْ بَنُو
حَنِيفَةَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ
الْكَذَّابِ. قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: كُنَّا نَقْرَأُ
هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا نَعْلَمُ مَنْ هُمْ حَتَّى دَعَا أَبُو
بَكْرٍ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ
هُمْ. وقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: دَعَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ. وَقَالَ أبو هريرة: لم يأت
تأويل هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدُ. تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ
يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً
حَسَناً، يَعْنِي الْجَنَّةَ، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا، تُعْرِضُوا
كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ، عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ،
يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً، وَهُوَ النَّارُ، فَلَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَهْلُ الزَّمَانَةِ: كَيْفَ
بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ،
يَعْنِي فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ، وَلا عَلَى
الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً
أَلِيماً، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ نُدْخِلْهُ
ونعذبه، بِالنُّونِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ
لقوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(4/226)
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ يُبايِعُونَكَ، بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يُنَاجِزُوا
قُرَيْشًا وَلَا يَفِرُّوا، تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَكَانَتْ
سَمُرَةً.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: حَدَثَّنِي أَبِي أَنَّهُ
كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا
خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ
نَقْدِرْ عَلَيْهَا.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مَرَّ بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَتِ الشَّجْرَةُ،
فَقَالَ: أَيْنَ كَانَتْ؟ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ
هَاهُنَا [1] وَبَعْضُهُمْ هَاهُنَا، فَلَمَّا كَثُرَ
اخْتِلَافُهُمْ قَالَ سِيرُوا قَدْ ذَهَبَتِ الشَّجَرَةُ.
«1952» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَلِيُّ بن عبد الله ثنا سُفْيَانُ
قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: «أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ
الْأَرْضِ» ، وَكُنَّا أَلْفًا وأربع مائة، وَلَوْ كُنْتُ
أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجْرَةِ.
«1953» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بن الحجاج ثنا محمد بن حاتم ثنا
حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَسْأَلُ: كَمْ كَانُوا يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: كُنَّا أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِائَةٍ
فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجْرَةِ،
وَهِيَ سَمُرَةٌ، فَبَايَعْنَاهُ غَيْرَ جَدَّ بْنَ قَيْسٍ
الْأَنْصَارِيَّ اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ.
وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا خَمْسَ عَشَرَةَ
مِائَةٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: كَانَ أَصْحَابُ
الشَّجْرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ
ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ.
«1954» وَكَانَ سَبَبُ هَذِهِ الْبَيْعَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا خِرَاشَ بْنَ
أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ حِينَ نَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ،
فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ
لَهُ، يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ لِيُبَلِّغَ أَشْرَافَهُمْ
عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ، فَعَقُرُوا بِهِ جَمَلَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادُوا
قَتْلَهُ فَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ، فخلوا سبيله حتى أتى
__________
1952- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن علي بن عبد
الله، وهو المديني، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- سفيان هو ابن عيينة، عمرو هو ابن دينار.
- وهو في «صحيح البخاري» 4154 عن علي بن عبد الله بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1856 ح 71 والحميدي 1225 والطحاوي في «المشكل»
2586 والشافعي 2/ 198 والبيهقي 5/ 235 و6/ 326 وفي «دلائل
النبوة» 4/ 97 والبغوي في «شرح السنة» 3890 من طرق عن سفيان
به. [.....]
1953- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- حجاج هو ابن محمد الأعور، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد
العزيز، أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس.
- وهو في «صحيح مسلم» 1856 ح 69 عن محمد بن حاتم بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 1594 وأحمد 3/ 396 وابن حبان 4875 من طرق عن
أبي الزبير به.
1954- هذا الخبر ورد منجما عند الطبري من طريق ابن إسحاق.
- فقد أخرج صدره 31514 من طريق ابن إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ
أَهْلِ الْعِلْمِ.
وأما وسطه فأخرجه 31515 من طريق ابن إسحاق قال: فحدثني من لا
أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس ... فذكره.
وأما عجزه فأخرجه 31516 من طريق ابن إسحاق قال: حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر.... فذكره.
- ولعامته شواهد في الصحيح.
(1) في المطبوع «هنا» والمثبت عن ط والمخطوط.
(4/227)
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً
يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِيَبْعَثَهُ إِلَى
مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَخَافُ
قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي وَلَيْسَ [بِمَكَّةَ] [1] مِنْ بَنِي
عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ
قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا،
وَلَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ بِهَا مِنِّي
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي
سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ
يَأْتِ لِحَرْبٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ
مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ،
فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ
مَكَّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَنَزَلَ عَنْ
دَابَّتِهِ وَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ
وَأَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم، فقال أبو سفيان وعظماء قُرَيْشٍ
لِعُثْمَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ
بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ، قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى
يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَاحْتَبَسَتْهُ [2] قُرَيْشٌ عِنْدَهَا فَبَلَغَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا
نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ» ، وَدَعَا النَّاسَ
إِلَى الْبَيْعَةِ، فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ
الشَّجْرَةِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
الْمَوْتِ، قال بكير بْنُ الْأَشَجِّ: بَايَعُوهُ عَلَى
الْمَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: بَلْ عَلَى مَا استطعتم.
وقال جابر عَبْدِ اللَّهِ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: لَمْ
نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ
لَا نَفِرَّ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرضوان
رجلا مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سِنَانَ بْنُ
وَهْبٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
حَضَرَهَا إِلَّا جَدُّ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ،
قَالَ جَابِرٌ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقًا
بِإِبِطِ نَاقَتِهِ مُسْتَتِرًا بِهَا مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ
أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ.
«1955» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ فَنْجَوَيْهِ ثَنَا علي بن أحمد بن نصرويه [3]
ثنا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ سَهْلِ بن عبد الحميد الجوني
ثنا محمد بن رمح ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ
مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، مِنَ
الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ،
الطُّمَأْنِينَةَ وَالرِّضَا، عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً
قَرِيباً، يَعْنِي فَتْحَ خَيْبَرَ.
[سورة الفتح (48) : الآيات 19 الى 20]
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً
حَكِيماً (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً
تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ
النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ
وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (20)
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، مِنْ أَمْوَالِ يَهُودِ
خَيْبَرَ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ ذَاتَ عَقَارٍ وَأَمْوَالٍ،
فَاقْتَسَمَهَا [4] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً.
__________
1955- إسناده صحيح على شرط مسلم، وعنعنة أبي الزبير لا تضر، إذ
هي محمولة على السماع في رواية الليث عنه.
- أبو الزبير هو محمد بن مسلم.
- وأخرجه أبو داود 4653 والترمذي 3860 وأحمد 3/ 350 وابن حبان
4802 من طرق عن الليث به.
- وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «فاحتسبته» والمثبت عن المخطوط و «ط» .
(3) في المطبوع «نضرويه» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المخطوط (ب) «فأقسمهما» والمثبت عن ط والمخطوط (أ) .
(4/228)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً
تَأْخُذُونَها، وَهِيَ الْفُتُوحُ الَّتِي تُفْتَحُ لَهُمْ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ، يَعْنِي
خَيْبَرَ، وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَصَدَ
خَيْبَرَ وَحَاصَرَ أَهْلَهَا هَمَّتْ قَبَائِلُ مِنْ بَنِي
أَسَدٍ وَغَطَفَانَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى عِيَالِ
الْمُسْلِمِينَ وَذَرَارِيِّهِمْ بِالْمَدِينَةِ، فَكَفَّ
اللَّهُ أَيْدِيَهُمْ بِإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ،
وَقِيلَ: كَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ يَعْنِي أَهْلَ
مَكَّةَ بِالصُّلْحِ، وَلِتَكُونَ، كَفُّهُمْ وَسَلَامَتُكُمْ،
آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، عَلَى صِدْقِكَ وَيَعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْمُتَوَلِّي حِيَاطَتَهُمْ وَحِرَاسَتَهُمْ فِي
مَشْهَدِهِمْ وَمَغِيبِهِمْ، وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً
مُسْتَقِيماً، يُثَبِّتُكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَزِيدُكُمْ
بَصِيرَةً وَيَقِينًا بِصُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفَتْحِ
خَيْبَرَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ
أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيَّةَ ذِي الْحَجَّةِ وَبَعْضَ
الْمُحَرَّمِ ثُمَّ خَرَجَ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ
سَبْعٍ إِلَى خيبر.
«1956» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ إِذَا
غَزَا بِنَا قَوْمًا لم يكن يغزو [1] بنا حتى يصبح، وينظر
إليهم فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ
يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ: فَخَرَجْنَا
إِلَى خَيْبَرَ فانتهيا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ
وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي
طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا
بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيِّهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا:
مُحَمَّدٌ والله محمد والخميس، فلجأوا إلى الحصن، فَلَمَّا
رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ
إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ
الْمُنْذَرِينَ» .
«1957» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بن عيسى
الجلودي ثنا
__________
1956- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- حميد هو ابن أبي حميد الطويل.
- وهو في «صحيح البخاري» 610 و2944 من قتيبة بن سعيد بهذا
الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 4745 من طريق يحيى بن أيوب، والبغوي 2696 من
طريق علي بن حجر كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه البخاري 2943 وأحمد 3/ 206 و263 ومالك 2/ 268 وابن
سعد 2/ 108 وابن أبي شيبة 12/ 367 و368 وأبو يعلى 3804
والبيهقي 9/ 80 و108 من طرق عن حميد به.
- وأخرجه البخاري 947 و4200 ومسلم 121 والنسائي 1/ 271- 272
وأحمد 3/ 186 و246 وابن أبي شيبة 14/ 461 وابن سعد 2/ 109 من
طريق ثابت البناني عن أنس.
- وأخرجه البخاري 371 ومسلم 3/ (120) والنسائي 6/ 131- 132
وأحمد 3/ 101- 102 من طريق عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ
عَنْ أنس.
- وأخرجه البخاري 2991 و3647 من طريق محمد بن سيرين عن أنس.
- وأخرجه مسلم 3/ (122) وأحمد 3/ 164 و168 وأبو يعلى 2908 من
طريق قتادة عن أنس.
- وأخرجه أحمد 4/ 29 وابن سعد 2/ 109 من طريق سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طلحة.
1957- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «صحيح مسلم» 1807 ح 132 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرحمن الدارمي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4196 و6331 و6891 ومسلم 1802 وأحمد 4/ 47- 48
وابن حبان 5276 والبيهقي 9/ 330 والبغوي في «شرح السنة» 3699
من طرق عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عن سلمة بن الأكوع
بنحوه.
(1) في المخطوط (ب) «يفير» .
(4/229)
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي أنا أبو علي الحنفي
ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ ثَنَا عِكْرِمَةُ
بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبِي
قَالَ: خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ
يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ [1] .
«تَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا
تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا»
«فَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا ... وأنزلن سكينة
علينا
إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا» فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ: أَنَا عَامِرٌ [قَالَ] [2] غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ،
قَالَ وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ،
قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ
لَهُ: يَا نَبِيَّ الله لولا [ما] [3] مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ،
قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ
يَخْطُرُ بِسَيْفِهِ يَقُولُ:
«قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي
السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تُلَهَّبُ» قَالَ: وَبَرَزَ لَهُ
عَمِّي عَامِرٌ، فَقَالَ:
«قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ ... شَاكِي السِّلَاحِ
بَطَلٌ مُغَامِرُ»
قَالَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي
تِرْسِ عَامِرٍ وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ، فَرَجَعَ
سَيْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، وَكَانَتْ
فِيهَا نَفْسُهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُونَ:
بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا
أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ
قَتَلَ نَفْسَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قال ذلك؟ قال: نَاسٌ مِنْ
أَصْحَابِكَ، قَالَ: كَذِبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، بَلْ لَهُ
أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَى عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَرْمَدُ، فَقَالَ:
لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ [4] رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ:
فَأَتَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجِئْتُ بِهِ
أَقُودُهُ وَهُوَ أَرْمَدُ، حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصَقَ فِي
عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وَخَرَجَ
مَرْحَبٌ فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلَاحِ
[5] بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تُلَهَّبُ [6] فَقَالَ عَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثِ
غَابَاتٍ كريه المنظرة
أو فيهم بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ قَالَ: فَضَرَبَ
رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتْلَهُ، ثُمَّ كَانَ الفتح على يديه.
__________
(1) زيد في المطبوع «شعرا» .
(2) زيادة عن «صحيح مسلم» والمخطوط (أ) .
(3) زيادة عن «صحيح مسلم» . [.....]
(4) زيد في المطبوع «غدا» وليس في «صحيح مسلم» ولا في المخطوط.
(5) في المطبوع «السلام» والمثبت عن المخطوط و «صحيح مسلم» .
(6) في المطبوع «تلتهب» والمثبت عن المخطوط و «صحيح مسلم» .
(4/230)
«1958» وَرَوَى حَدِيثَ خَيْبَرَ
[جَمَاعَةٌ] [1] سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو
هُرَيْرَةَ يَزِيدُونَ وَيَنْقُصُونَ وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ
أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ
فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَايَةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَهَضَ
فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَهَا عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا هُوَ
أَشَدُّ مِنَ الْقِتَالِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَأُخْبِرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ
فَقَالَ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ
اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ» ، فَدَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالب
فأعطاه إياها وقال له: امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ
اللَّهُ عَلَيْكَ، فَأَتَى مَدِينَةَ خَيْبَرَ، فَخَرَجَ
مَرْحَبٌ صَاحِبُ الْحِصْنِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ وَحَجَرٌ قَدْ
ثَقَبَهُ مِثْلَ الْبَيْضَةِ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ
يَرْتَجِزُ فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ فَقَدَّ
الحجر والبيضة وَالْمِغْفَرَ وَفَلَقَ رَأْسَهُ حَتَّى أَخَذَ
السَّيْفُ فِي الْأَضْرَاسِ، ثُمَّ خَرَجَ بعد مرحب أخوه ياسر،
وهو يَرْتَجِزُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ
الْعَوَّامِ، فَقَالَتْ أُمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عبد المطلب:
أو يقتل ابْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لا بَلِ ابْنُكِ
يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ الْتَقَيَا فَقَتَلَهُ
الزُّبَيْرُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَحُ الْحُصُونَ، وَيَقْتُلُ
الْمُقَاتِلَةَ وَيَسْبِي الذُّرِّيَّةَ، وَيَحُوزُ
الْأَمْوَالَ.
«1959» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ
حُصُونِهِمُ افْتُتِحَ حصن نامعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة
أَلْقَتْ عَلَيْهِ الْيَهُودُ حَجَرًا فَقَتَلَهُ، ثم فتح
العموص [2] حصن بن أبي الحقيق، فأصاب منه سَبَايَا، مِنْهُمْ
صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ جَاءَ بِلَالٌ بِهَا
وَبِأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِمَا عَلَى قَتْلَى مِنْ
قَتْلَى يَهُودٍ [3] ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ الَّتِي مَعَ
صَفِيَّةَ صَاحَتْ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَحَثَتِ التُّرَابَ
عَلَى رَأْسِهَا فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْزِبُوا عَنِّي هَذِهِ
الشَّيْطَانَةَ، وَأَمْرَ بِصَفِيَّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ
وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ، فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِبِلَالٍ
لَمَّا رَأَى مِنْ تِلْكَ الْيَهُودِيَّةِ مَا رَأَى:
أَنُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ حَيْثُ تَمُرُّ
بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا، وَكَانَتْ
صَفِيَّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ
بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بن أبي الحقيق أن القمر وَقَعَ
فِي حِجْرِهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا،
فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا أَنَّكِ تَتَمَنِّينَ مَلِكَ
الْحِجَازِ مُحَمَّدًا فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً اخْضَرَّتْ
عَيْنُهَا مِنْهَا، فَأُتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهَا [4]
فَسَأَلَهَا مَا هُوَ، فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ وَأَتَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِزَوْجِهَا كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ، وكان عنده كنز بني
النضر فَسَأَلَهُ فَجَحَدَهُ أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ مَكَانَهُ،
فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِرَجُلٍ مِنَ اليهود فقال لرسول الله إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ
كِنَانَةَ يَطُوفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ،
فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِكِنَانَةَ: أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَكَ
أَنَقْتُلُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَأَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ
كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ مَا بَقِيَ فَأَبَى أَنْ
يُؤَدِّيَهُ، فَأَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَقَالَ:
عَذِّبْهُ حَتَّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ، فكان الزبير يقدح
بزنده فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ
دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلَمَةَ فَضَرْبَ عُنُقَهُ بأخيه
محمود بن مسلمة.
__________
1958- أخرجه صدره البيهقي في «دلائل النبوة» 4/ 210- 212
والحاكم 3/ 37 مختصرا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة
عن أبيه، ولأصله شاهد في الصحيح.
- وأما عجزه فأخرجه البيهقي 4/ 217- 218 من طريق يونس عن ابن
إسحاق مرسلا.
1959- هذا مرسل، وأخرجه البيهقي 4/ 231- 232 عن عروة بن الزبير
مرسلا، في أثناء حديث.
وخبر كنز بني النضير ذكره البيهقي 4/ 233 نقلا عن موسى بن
عقبة.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «الغموص» .
(3) في المخطوط (ب) «خيبر» والمثبت عن المطبوع والمخطوط (أ)
وط.
(4) في المخطوط (أ) «من اللطمة» والمثبت عن المطبوع وط
والمخطوط (ب) .
(4/231)
«1960» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
[بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن
علية ثنا عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا
خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ،
فركب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ،
فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لتمس فخذ نبي الله،
ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي
لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ
قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا
نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» ،
قَالَهَا ثَلَاثًا، قال وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى
أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، قَالَ [1] عَبْدُ
الْعَزِيزِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي
الْجَيْشَ، قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجَمَعَ السَّبْيَ
فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي
جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ، قَالَ: اذْهَبْ فَخْذْ جَارِيَةً
فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى
نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دَحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ
حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لَا تَصْلُحُ
إِلَّا لَكَ، قَالَ: ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا
نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا،
قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا.
فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدُقُهَا؟
قَالَ: نَفْسَهَا أعتقها فتزوجها حَتَّى إِذَا كَانَ
بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا
لَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا، فَقَالَ: من كان عنده شيء فليجيء
بِهِ، وَبَسَطَ نِطَعًا [2] فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ
بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الْآخَرُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ، قَالَ:
وَأَحْسَبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ، قَالَ:
فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«1961» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثِنًّا مُوسَى بْنُ إسماعيل ثنا عبد الواحد
[ثنا] [3] الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي
أَوْفَى يَقُولُ:
أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ
يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ
فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى
مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اكْفِئُوا الْقُدُورَ وَلَا تَطْعَمُوا من لحوم الحمر شيئا.
__________
1960- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم.
- وهو في «صحيح البخاري» 371 عن يعقوب بن إبراهيم بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 3/ (120) والنسائي 6/ 131- 132 وأحمد 3/ 101-
102 من طريق عبد العزيز بن صهيب به.
وانظر الحديث المتقدم برقم: 1956.
1961- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- عبد الواحد هو ابن زياد العبدي، الشيباني هو أبو إسحق سليمان
بن أبي سليمان ابن أبي أوفى هو عبد الله.
- وهو في «صحيح البخاري» 3155 عن موسى بن إسماعيل بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1937 ح 27 من طريق عبد الواحد به.
- وأخرجه البخاري 4420 ومسلم 1937 من طريقين عن الشيباني به.
- وأخرجه البخاري 4221 و4223 و4225 ومسلم 1938 ح 28 وأحمد 4/
291 و356 والطحاوي 4/ 205 من طرق عن شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ
بْنِ ثَابِتٍ عن البراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى.
(1) في المطبوع «قاله» والمثبت عن «صحيح البخاري» .
(2) في المطبوع «قطعا» والمثبت عن «صحيح البخاري» .
(3) زيادة عن «شرح السنة» و «صحيح البخاري» . [.....]
(4/232)
قال عبد الله [ابن أبي أوفى] [1] :
فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم
عنها [2] لِأَنَّهَا لَمْ تُخْمَسْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: حرمها البتة.
وسألت عنها سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَرَّمَهَا
الْبَتَّةَ.
«1962» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا [3] مُحَمَّدُ بْنُ
عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الحجاج ثنا يحيى بن حبيب
الحارثي أنا خالد بن الحارث ثنا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ
زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنْ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ
مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهَا عَنْ
ذَلِكَ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ أن أقتلك، قَالَ: مَا كَانَ
اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ:
قال: قالوا ألا نقتلها يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا وتجاوز
عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، قَالَ:
فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«1963» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ يُونُسُ:
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول
__________
1962- إسناده صحيح على شرط مسلم حيث تفرد عن يحيى.
- شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «صحيح مسلم» 2190 عن يحيى بن حبيب بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 4508 والبيهقي في «الدلائل» 4/ 259 وأبو
نعيم في «الدلائل» 148 من طريق يحيى بن حبيب بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2617 من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ عن خالد بن الحارث به.
- وأخرجه أحمد 3/ 218 من طريق شعبة به.
- وخبر الشاة المسمومة قد ورد من عدة وجوه:
أخرجه أبو داود 4510 والبيهقي في «الدلائل» 4/ 262 من طريق
الزهري عن جابر، وإسناده منقطع بين جابر والزهري.
- وأخرجه البيهقي 4/ 260 من طريق عبد الملك بن أبي نضرة عن
أبيه عن جابر.
- وأخرجه أبو داود 4511 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ
أَبِي سلمة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
أهدت له يهودية بخيبر ...
فذكره.
- وأخرجه البخاري 3169 و5777 والبيهقي في «الدلائل» 4/ 256-
257 من حديث أبي هريرة.
- وأخرجه الحاكم 4/ 109 وأبو نعيم في «الدلائل» 147 من حديث
أبي سعيد الخدري وقال الهيثمي في «المجمع» 8/ 295: أخرجه
البزار، ورجاله ثقات.
- وأخرجه أحمد 1/ 305- 306 من حديث ابن عباس، وقال الهيثمي:
ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب، وهو ثقة.
- وأخرجه الطبراني 19/ 70 من حديث كعب بن مالك.
- قال الهيثمي: وفيه أحمد بن بكر البالسي، وثقه ابن حبان وقال:
يخطئ، وضعفه ابن عدي، وبقية رجاله رجال الصحيح.
1963- صحيح. ذكره البخاري 4428 عن يونس به معلقا، وصله الحاكم
3/ 58 من طريق أحمد بن صالح عن عنبسة ثنا
(1) زيد في المطبوع «بن عباس» وليست هذه الزيادة في المخطوط
والصواب أنه «ابن أبي أوفى» راجع «صحيح البخاري» 3155 و4420.
(2) زيد في المطبوع «عنا» وليست هذه في الزيادة في «صحيح
البخاري، ولا في المخطوط.
(3) في المطبوع «أنها» وهو تصحيف.
(4/233)
فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا
عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي
أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانٌ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ
أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ» .
«1964» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بن بشار أنا حرمي أنا
شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عِمَارَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: لِمَا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا: الْآنَ
نَشْبَعُ من التمر.
«1965» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا
أحمد بن المقدام ثنا فضيل بن سليمان ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ
الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ
يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الْأَرْضُ حِينَ
ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ،
فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ
وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا
شِئْنَا فَأَقَرُّوا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ فِي
إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وأريحا.
«1966» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا سَمِعَ
أَهْلُ فَدَكٍ بِمَا صَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ
يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنُ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، وَيُخَلُّوا
لَهُ الْأَمْوَالَ، فَفَعَلَ ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ
سَأَلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يُعَامِلَهُمُ [1] الْأَمْوَالَ عَلَى النِّصْفِ،
فَفَعَلَ عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَخْرَجْنَاكُمْ،
فَصَالِحَهُ أَهْلُ فَدَكٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ
خَيْبَرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكٌ خَالِصَةً
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا
رِكَابٍ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ
امْرَأَةُ سَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ شَاةً مَصْلِيَّةً، وَقَدْ
سَأَلَتْ أَيَّ عُضْوٍ مِنَ الشَّاةِ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقِيلَ لَهَا:
الذِّرَاعُ، فَأَكْثَرَتْ فِيهَا السُّمَّ، وَسَمَّمَتْ
سَائِرَ الشَّاةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهَا فَلَمَّا وَضَعَتْهَا
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، تَنَاوُلَ الذِّرَاعَ فَأَخَذَهَا فَلَاكَ مِنْهَا
مُضْغَةً فَلَمْ يَسُغْهَا وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ
بْنُ مَعْرُورٍ، وَقَدْ أَخَذَ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا بِشْرٌ
فَأَسَاغَهَا وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَفِظَهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا
الْعَظْمَ [2] لِيُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ، ثُمَّ دَعَا
بِهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟
قَالَتْ: بَلَغْتَ مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ،
فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْتُ [3] مِنْهُ، وَإِنْ
كان نبيا فسيخبر عنها،
__________
يونس به وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي، والصواب أنه على شرط
البخاري فقد تفرد عن أحمد بن صالح وعن عنبسة، وهو ابن خالد
الأموي. وله شواهد، انظر «فتح الباري» 8/ 131.
1964- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- حرمي هو ابن عمارة، شعبة هو ابن الحجاج، عمارة هو ابن أبي
حفصة.
- وهو في «صحيح البخاري» 4242 عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.
1965- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن أحمد بن مقدام،
ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» 2751 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 3152 عن أحمد بن المقدام بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2338 ومسلم 1551 وأبو داود 3008 والطحاوي في
«المشكل» 2674 والبيهقي 6/ 114 من طرق عن نافع به.
1966- هذا معضل، لكن أصله محفوظ له شواهد.
(1) العبارة في المخطوط (أ) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم سأله اليهود أن يعاملهم على» .
(2) في المطبوع «العضو» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع «اسحترت» والمثبت عن المخطوط.
(4/234)
وَأُخْرَى لَمْ
تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ
اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ بِشْرُ بْنُ
الْبَرَاءِ مِنْ أَكْلَتِهِ الَّتِي أَكَلَ.
«1967» قَالَ: وَدَخَلَتْ أُمُّ بِشْرِ [بْنِ] [1] الْبَرَاءِ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ:
«يَا أُمَّ بِشْرٍ مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ الَّتِي
أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ مَعَ ابْنَكِ تُعَاوِدُنِي فَهَذَا
أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي» .
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ شَهِيدًا مَعَ مَا
أَكْرَمَهُ اللَّهُ مِنَ النبوة.
[سورة الفتح (48) : الآيات 21 الى 24]
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها
وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (21) وَلَوْ
قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ
لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ
الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ
اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ
بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها،
أَيْ وَعْدُكُمُ اللَّهَ فَتَحَ بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ
تَقْدِرُوا عَلَيْهَا، قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها، حَتَّى
يَفْتَحَهَا لَكُمْ كأنه حفظها وَمَنَعَهَا مِنْ غَيْرِكُمْ
حَتَّى تَأْخُذُوهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَّمَ اللَّهُ
أَنَّهُ يَفْتَحُهَا لَكُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ [وَالْحَسَنُ] [2] وَمُقَاتِلٌ: هِيَ فَارِسُ
وَالرُّومُ، وَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقْدِرُ عَلَى قِتَالِ
فَارِسَ وَالرُّومِ، بَلْ كَانُوا خُوَّلًا لَهُمْ حَتَّى
قَدَرُوا عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ
وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ خَيْبَرُ [3] وَعْدَهَا اللَّهُ
نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ
يُصِيبَهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَهَا. وَقَالَ
قَتَادَةُ: هِيَ مَكَّةُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حُنَيْنٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا
فَتَحُوا حَتَّى الْيَوْمَ، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيراً.
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني أسد وَغَطَفَانَ
وَأَهْلَ خَيْبَرَ، لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ، لا نهزموا، ثُمَّ
لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً.
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ، أَيْ
كَسُنَّةِ اللَّهِ فِي نَصْرِ أَوْلِيَائِهِ وَقَهْرِ
أَعْدَائِهِ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ
عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ
بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24) ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي
هَؤُلَاءِ.
«1968» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بن عيسى
الجلودي ثنا
__________
1967- صحيح. أخرجه أبو داود 4513 من طريق الزهري عن ابن كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أن أم مبشر قَالَتْ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ
فِيهِ ... فذكره.
- وإسناده صحيح، وانظر الحديث 1963.
1968- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ثابت هو ابن أسلم البناني.
- وأخرجه الواحدي في «الوسط» 4/ 142 من طريق إبراهيم بن محمد
بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح مسلم» 1808 عن عمرو الناقد بهذا الإسناد-
وأخرجه أبو داود 2688 والترمذي 3264 والنسائي في «التفسير» 530
والطبري 31558 وأحمد 3/ 124 و290 والطحاوي في «المشكل» 60
والبيهقي في «الدلائل» 4/ 141 من طرق عن حماد بن سلم به- وورد
بنحوه في أثناء حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم 1807 وأحمد 4/ 49
والطحاوي 62. [.....]
(1) زيادة عن المخطوط (أ) .
(2) زيادة عن المخطوط (أ) .
(3) في المطبوع «خبير» والمثبت عن المخطوط.
(4/235)
هُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا
رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ
أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ
عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ
تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا (25)
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا عمرو بن محمد
الناقد ثنا يزيد بن هارون أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم: أَنَّ
ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، هَبَطُوا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
جَبَلِ التَّنْعِيمِ متسلحين يريدون غرّة [1] النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فأخذوا سلما [2]
فاستحياهم، وأنزل اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ:
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ
عَلَيْهِمْ.
«1969» وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَصْلِ [3] الشَّجَرَةِ الَّتِي قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى في القرآن، على ظَهْرِهِ غُصْنٌ مِنْ
أَغْصَانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ فَرَفَعْتُهُ عَنْ ظَهْرِهِ،
وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ يَكْتُبُ
كِتَابَ الصُّلْحِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا ثَلَاثُونَ شَابًّا
عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ فَثَارُوا فِي وُجُوهِنَا، فَدَعَا
عَلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَخَذَ اللَّهُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُمْنَا إِلَيْهِمْ
فَأَخَذْنَاهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتُمْ في عهد أو جَعَلَ لَكُمْ
أَحَدٌ أَمَانًا؟
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ.
[سورة الفتح (48) : آية 25]
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ
الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ
وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ
تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ
مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ
مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ
عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الْآيَةَ.
«1970» رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ
قَالَا: خَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
من المدينة زمن الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ، يُرِيدُونَ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لا يريدون
قِتَالًا، وَسَاقَ مَعَهُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَالنَّاسُ
سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ، وَكَانَتْ كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ
نَفَرٍ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ
وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا
لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ
بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ، أتاه عتبة
الخزاعي وقال: إن قريشا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ
جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ
عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَرَوْنَ
أَنْ أَمِيلَ على
__________
1969- صحيح. أخرجه النسائي في «التفسير» 531 وأحمد 4/ 86- 87
والحاكم 2/ 460- 461 والطبري 31554 والواحدي في «الوسيط» 4/
142 والبيهقي 6/ 319 من طرق عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ
عَنْ ثَابِتٍ عن عَبْدِ الله بْنِ المغفل به.
- وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في
«المجمع» 6/ 145: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، وهو كما
قالوا.
- وقال ابن حجر في «فتح الباري» 5/ 351: أخرجه أحمد والنسائي
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مغفل بسند صحيح.
1970- صحيح. أخرجه البخاري 2731 و2732 و4178 و4179 وأبو داود
2765 مختصرا وأحمد 4/ 328 والطبري 31566 وابن حبان 4872
والبيهقي في «دلائل النبوة» 4/ 99- 108 من طريق معمر عن الزهري
به.
وسيأتي.
(1) في المطبوع «عدر» وفي المخطوط (ب) «غزو» والمثبت عن
المخطوط (أ) و «صحيح مسلم» .
و «الفرّة» : الغفلة: أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه
غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.
(2) في المطبوع «سبايا» والمثبت عن المخطوط (أ) و «صحيح مسلم»
.
- سلما والسلم: الأسد والمراد به الاستسلام والإذعان.
(3) في المخطوط (أ) «ظل» والمثبت عن «تفسير النسائي» والمخطوط
(ب) .
(4/236)
ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فَنُصِيبَهُمْ؟
فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ، وَإِنْ نَجَوْا تَكُنْ
[1] عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ أَوْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ
الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا خَرَجْتَ [2] عَامِدًا
لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قِتَالَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبًا،
فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صدنا عنه قاتلناه، قال: امْضُوا عَلَى
اسْمِ اللَّهِ، فَنَفَرُوا [3] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ
بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٍ، فخذوا ذات
اليمين فو الله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ
بِقِتْرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا
لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ
عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ
النَّاسُ: حَلَّ حَلَّ، فَأَلَحَّتْ، فقالوا: خلأت [4] القصواء
خلأت القصوا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا
بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ
إِلَى خُطَّةٍ يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ وَفِيهَا
صِلَةُ الرَّحِمِ إلّا أعطيتهم إياها، ثُمَّ زَجَرَهَا
فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى
الْحُدَيْبِيَةِ على ثمد قليل الماء، يتربضه الناس تربّضا [5]
، فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ، وشكى النَّاسُ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم العطش، فانتزع
سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ وَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ نَاجِيَةُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ
سَائِقُ بُدْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَزَلَ فِي الْبِئْرِ فَغَرَزَهُ فِي جوفه، فو الله مَا
زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّيِّ حَتَّى صَدَّرُوا عَنْهُ،
فَبَيْنَمَا هُمْ كذلك إذ جاء بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ
الْخُزَاعِيُّ فِي نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عَيْبَةَ
نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بن
لؤي نزلوا على أعداد مياه الحديبية معهم العود الْمَطَافِيلُ،
وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: إنا لم نجيء لِقِتَالِ
أَحَدٍ وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا
قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة
ويخلّو بيني وبين الناس، فإن أظهره، فإن شاؤوا أَنْ يَدْخُلُوا
فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ
جُمُّوا وإن هم أبو فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ
سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ، فَقَالَ
بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى
أتى قريشا، قال: إنا جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ
وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ
نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، قَالَ فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ
[6] : لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ،
وَقَالَ ذووا الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ
يَقُولُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا،
فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ
فَقَالَ: أي قوم ألست بالوالد؟ قالوا: بلى قال:
أولستم بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تتهموني
[بشيء من أمر محمد] [7] ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا
بَلَحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ
أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فإن هذا [الرجل] [8] قَدْ
عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا وَدَعُونِي
آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ
قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ: عِنْدَ ذَلِكَ يَا
مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إن استأصلت أمر قومك هل سَمِعْتَ
بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ
تَكُنِ الْأُخْرَى، فإني والله لا أرى وجوها وإني لأرى أشوابا
مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا ويدعوك، فقال أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: امْصُصْ بَظَرَ اللَّاتِ، أَنْحَنُ
نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَّا وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ
بِهَا لَأَجَبْتُكَ، قَالَ وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ
صَلَّى الله عليه وسلم، وكلما [9] كلما أَخْذَ بِلِحْيَتِهِ،
وَالْمُغَيَّرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ
السَّيْفُ وعليه المغفر،
__________
(1) في المطبوع «نجوتكن» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «جئت» .
(3) في المطبوع والمخطوط (أ) «فنفذوا» والمثبت عن «ط» والمخطوط
(ب) .
(4) في المخطوط (ب) «كلأت» .
(5) في المطبوع «تربصا» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط
(ب) .
(6) في المطبوع «سفاؤهم» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.
[.....]
(7) زيادة عن المخطوط (ب) .
(8) زيادة عن المخطوط (ب) .
(9) تصحّف في المخطوط (ب) إلى «فلما» .
(4/237)
فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ
إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ أَخِّرْ يَدَكَ
عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ
أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غُدَرَتِكَ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ
قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ
أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا الْإِسْلَامُ
فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ،
ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [بعينيه] [1] قال: فو الله مَا
تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ،
فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ
ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا
يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا
أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يَحُدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ
تَعْظِيمًا لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ،
فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى
الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى
وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ
يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ
مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا
وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ
وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ وَإِذَا
تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا
تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يَحُدُّونَ
إِلَيْهِ النَّظْرَةَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ
عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ،
فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ
يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبُعِثَتْ لَهُ
وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ
قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ
يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ؟ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ
قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا
أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَيْهِ
الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ
الْأَحَابِيشِ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْمٍ
يَتَأَلَّهُونَ فَابْعَثُوا بِالْهَدْيِ فِي وَجْهِهِ حَتَّى
يَرَاهُ، فَلَمَّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ
عَرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ قَدْ أُكِلَ أَوْبَارُهُ
مِنْ طُولِ الْحَبْسِ، رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ وَلَمْ يَصِلْ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِعْظَامًا لِمَا رَأَى، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ
إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَا لَا يَحِلُّ صُدَّ الْهَدْيُ فِي
قَلَائِدِهِ، وَقَدْ أُكِلَ أَوْبَارُهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ
عَنْ مَحِلِّهِ، فَقَالُوا لَهُ: اجْلِسْ إِنَّمَا أَنْتَ
رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ لَا عِلْمَ لَكَ، فَغَضِبَ الْحُلَيْسُ
عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا
عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ وَلَا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ
أَنْ تَصُدُّوا عَنْ بَيْتِ اللَّهِ مَنْ جَاءَهُ مُعَظِّمًا
لَهُ، وَالَّذِي نَفْسُ الْحُلَيْسِ بِيَدِهِ [2] لَتُخَلُّنَّ
بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ، أَوْ لَأَنْفِرَنَّ
بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا لَهُ:
مَهْ كُفَّ عَنَّا يَا حُلَيْسُ حَتَّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا
بِمَا نَرْضَى بِهِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ
مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ، فَقَالُوا [3]
: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ
رَجُلٌ فَاجِرٌ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ
سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ
أَمْرِكُمْ» ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ
سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ نكتب بيننا وبينكم [4]
كتابا، فدعى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
فقال سهيل: أما الرحمن فو الله مَا [5] أَدْرِي مَا هُوَ،
وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ،
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ
بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ هَذَا قاضي [6]
عليه محمد رسول الله، فَقَالَ سُهَيْلٌ:
وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نعلمه أن رَسُولُ اللَّهِ مَا
صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ
اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ إِنِّي
لِرَسُولُ اللَّهِ وإن كذبتموني، اكتب يا محمد بن عبد الله.
__________
(1) زيادة عن «صحيح البخاري» والمخطوط (ب) .
(2) في المخطوط (ب) «في يده» .
(3) في المطبوع «فقال» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المخطوط (ب) و (أ) «هات نكتب بيننا وبينك» والمثبت عن
«صحيح البخاري» .
(5) في المخطوط (ب) و (أ) «أما الرحمن فلا أدري» .
(6) في المطبوع «ما قضى» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري»
.
(4/238)
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ
لَا يسألوني [1] خُطَّةٍ يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ
اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، فَكَتَبَ: هَذَا مَا
قَاضَى [2] عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سُهَيْلَ
بْنَ عَمْرٍو وَاصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَنِ
النَّاسِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِ النَّاسُ وَيَكُفُّ
بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا
وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَطُوفَ بِهِ، فقال سهيل: والله لا
[نخلي بينكم وبينه في هذا العام لربما] [3] تَتَحَدَّثُ
الْعَرَبُ إِنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً [منكم] [4] وَلَكِنْ
ذَلِكَ مِنَ [5] الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ
سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ
كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إلينا، قال
الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا.
«1971» وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قِصَّةَ الصلح
وَفِيهِ قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا
مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
امْحُ رَسُولَ الله، قال علي: لَا وَاللَّهِ لَا أَمْحُوكَ
أَبَدًا، قَالَ: فَأَرِنِيهِ فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، فَمَحَاهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده وفي رواية
فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ، فَكَتَبَ هَذَا
مَا قاضى [6] مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ
الْبَرَاءُ: صَالَحَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّ
مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ
أَتَاهُمْ [7] من المسلمين لم يرده [8] ، وَعَلَى أَنْ
يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ، وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ، وَلَا يدخلها إلّا بجلباب السِّلَاحِ السَّيْفِ
وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ.
197»
وَرَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: أَنْ قُرَيْشًا صَالَحُوا
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَطُوا:
أَنَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ،
وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّهُ
مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ
جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا،
وَمَخْرَجًا» .
رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ الزهري قال: فبينما [9] هم كذلك إذا
جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي
قُيُودِهِ قَدِ انْفَلَتَ وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ،
حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ،
فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يا محمد أول ما أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ
أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ، قال فو
الله إذا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فأجزه [10] لي،
فقال: فما أنا بمجيزه [11] لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ،
قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، ثُمَّ جَعَلَ سهل يَجُرُّهُ
لِيَرُدَّهُ إِلَى قُرَيْشٍ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أرد
__________
1971- صحيح. أخرجه البخاري 2698 و2700 و3184 ومسلم 1783 وأبو
داود 1832 وأحمد 4/ 289 و291 و302 وأبو يعلى 1713 وابن حبان
4873 والبيهقي 9/ 226 من طرق عن أبي إسحاق به.
1972- صحيح. أخرجه مسلم 1784 وأحمد 3/ 268 وأبو يعلى 3323 وابن
حبان 4870 والبيهقي 9/ 226 من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ ثابت به.
(1) هو تابع لما تقدم برقم: 1970.
(1) في المطبوع «يسألون» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.
(2) في المطبوع «قضى» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(3) زيادة عن المخطوط (ب) . [.....]
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المخطوط «في» .
(6) في المطبوع «قضى» والمثبت عن المخطوط.
(7) تصحف في المخطوط إلى «أتاه» والمثبت عن «صحيح البخاري» .
(8) تصحف في المخطوط إلى «يرده» والمثبت عن «صحيح البخاري» .
(9) في المطبوع «فبينا» والمثبت عن صحيح البخاري» والمخطوط (ب)
.
(10) في المطبوع «فأجره» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط
(أ) .
(11) في المطبوع «بمجيره» والمثبت عن «صحيح البخاري» .
(4/239)
إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ
مُسْلِمًا ألا ترون ما قد لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ
عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللَّهِ.
«1973» وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا جَنْدَلٍ
احْتَسِبْ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ
الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ
عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ عَقْدًا وَصُلْحًا
وَإِنَّا لَا نَغْدِرُ» فَوَثَبَ عُمَرُ يَمْشِي إِلَى جَنْبِ
أَبِي جَنْدَلٍ، فقال: اصْبِرْ فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ
وَدَمُ أَحَدِهِمْ كَدَمِ كَلْبٍ وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ
مِنْهُ، قَالَ عُمَرُ:
رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ [1]
فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ، وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجُوا وَهُمْ
لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْا
ذَلِكَ دَخَلَ النَّاسَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا
يَهْلَكُونَ، وَزَادَهُمْ أَمْرُ أَبِي جَنْدَلٍ شَرًّا إِلَى
مَا بِهِمْ.
قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ
إِلَّا يَوْمَئِذٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ [2] ، وَرَوَاهُ أَبُو وَائِلٍ عَنْ
سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ
حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ
وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ:
أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي
النَّارِ؟ قَالَ:: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ
فِي دِينِنَا إِذَنْ؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَسْتُ
أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي، قُلْتُ: أو ليس كُنْتَ
تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟
قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟
قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، قال:
فأتيت أبا بكر: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ
اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى
الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى،
قُلْتُ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي
النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ
فِي دِينِنَا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ
اللَّهِ لَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ ناصره، فاستمسك بغرزه
فو الله إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ
يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟
قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟
قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ [3] .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ
أَعْمَالًا، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ
الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ
احْلِقُوا، قال: فو الله ما قام منهم رجل، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ
ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَامَ
فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ
النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ
أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا
مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ
حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا
مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نحر بدنه ودعا حالقه وفحلقه،
فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ
بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ
يَقْتُلَ بَعْضًا غمّا وحزنا.
«1974» قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: حَلَقَ رِجَالٌ
يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَصَّرَ آخَرُونَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم:
__________
1973- هذه الفقرة، ذكرها ابن هشام في «السيرة» 3/ 248 عن ابن
إسحاق عن الزهري، في أثناء خبر صلح الحديبية المطول.
1974- صدره صحيح، وعجزه ضعيف، والصحيح موقوف.
حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى 2718 وأحمد 1/ 353 والطبراني
11150 والطحاوي في «المشكل» 1364 و1365 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الله بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ
عَنْ ابن عباس بتمامه.
- وهو معلول، فابن إسحق، وإن صرح بالتحديث، فقد اضطرب فيه حيث
رواه غير واحد عنه فجعل عجزه موقوفا، كذا أخرجه ابن ماجه 3045
والطحاوي 1366 والبيهقي 4/ 151 وصححه البوصيري في الزوائد، وهو
الصواب.
(1) تصحّف في المطبوع إلى «إيّاه» .
(2) تصحّف في المطبوع إلى «المثور» .
(3) في المطبوع «تطوف» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(4/240)
«يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ»
قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ
الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَالْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ:
«وَالْمُقَصِّرِينَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ
ظَاهَرْتَ التَّرَحُّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ دُونَ
الْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ «لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا» .
قال ابن عمر: وذلك أنه تَرَبَّصَ قَوْمٌ وَقَالُوا لَعَلَّنَا
نَطُوفُ بِالْبَيْتِ.
«1975» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَهْدَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي
هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ
فِضَّةٍ لِيَغِيظَ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ [1] : ثُمَّ جَاءَهُ
نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ
مُهاجِراتٍ، حَتَّى بَلَّغَ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ
[الْمُمْتَحِنَةِ: 10] ، فَطَلَّقَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشرك،
فتزوج أحدهما معاوية بن أبي سفيان، الأخرى صَفْوَانُ بْنُ
أُمَيَّةَ، قَالَ: فَنَهَاهُمْ أَنْ يَرُدُّوا النِّسَاءَ،
وَأَمَرَ بِرَدِّ الصَّدَاقِ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ،
فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ عُتْبَةُ بْنُ أُسَيْدٍ، رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَانَ مِمَّنْ حُبِسَ بِمَكَّةَ
فَكَتَبَ فِيهِ أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ وَالْأَخْنَسُ
بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَا فِي طَلَبِهِ رَجُلًا
مِنْ بَنِي عَامِرِ بن لؤي، وَقَالَا: الْعَهْدَ الَّذِي
جَعَلْتَ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا بَصِيرٍ إِنَّا قَدْ
أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ ما قد علمت، ولا يصلح [2] فِي
دِينِنَا الْغَدْرُ وَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ
مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، ثُمَّ
دَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا
ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ
لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ
وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا جَيِّدًا
فَاسْتَلَّهُ الآخر من غمده، فَقَالَ: أَجَلْ وَاللَّهِ
إِنَّهُ لِجَيِّدٌ لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ به،
فقال أبو بصير: وأرني أنظر إليه، فأخذه [3] وعلا بِهِ
فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى
الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ:
لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«وَيْلَكَ مالك» قال: قتل الله صاحبي وإني لمقتول، فو الله مَا
بَرِحَ حَتَّى طَلَعَ أَبُو بَصِيرٍ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ
حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلم، فقال: يا
__________
- وورد بدون عجزه، أخرجه أحمد 1/ 216 وأبو يعلى 2476 من طريق
يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مقسم عن ابن عباس، ويزيد ضعفه
الجمهور، لكن حديثه على وفق رواية الصحيحين.
- وكذا أخرجه الطبراني 1492 من طريق ابن مؤمل عَنْ عَطَاءٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وابن مؤمل سيئ الحفظ، لكن يصلح للاعتبار
بحديثه.
- وأخرجه البخاري 1727، ومسلم 1301 وأبو داود 1979 والترمذي
913 وابن ماجه 3043 وابن خزيمة 2929 وأحمد 2/ 79 والطيالسي
1835 والدارمي 2/ 64 وابن حبان 3880 والطحاوي 1362 والبيهقي 5/
103 والبغوي في «شرح السنة» 1954 من طرق عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، دون عجزه، وهو قوله «قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَلِمَ ظاهرت ... » .
- وكذا أخرجه البخاري 1728 ومسلم 1302 وأحمد 2/ 231 والطحاوي
1363 والبيهقي 5/ 134 من حديث أبي هريرة.
الخلاصة: صدر الحديث صحيح، وعجزه ضعيف، والصواب موقوف. [.....]
1975- حسن. أخرجه البيهقي في «الدلائل» 4/ 152 من طريق ابن
إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ ابن عباس به، وفيه عنعنة ابن إسحق.
- لكن ورد من وجه آخر، أخرجه البيهقي 4/ 151/ 152 بسند ضعيف،
لكن يصلح للاعتبار به.
(1) هو تابع للحديث المتقدم برقم: 1970.
(2) في المطبوع «يصح» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع «فأخذوه» والمثبت عن المخطوط.
(4/241)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ
الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ
اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
نبي الله قد والله أَوْفَى اللَّهُ
ذِمَّتَكَ قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ أَنْجَانِي
اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «وَيْلَ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ
مَعَهُ أَحَدٌ» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ
سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ
الْبَحْرِ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا احتبسوا
بِمَكَّةَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِأَبِي بَصِيرٍ: وَيْلَ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ
لَوْ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ فَخَرَجَ عِصَابَةٌ مِنْهُمْ
إِلَيْهِ، وَانْفَلَتَ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ فَلَحِقَ
بِأَبِي بَصِيرٍ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ سبعين
رجلا، فو الله مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ [1] خَرَجَتْ
لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا
فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ
قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ،
فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمُوا
عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَهُوَ
الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ
بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ
وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً حَتَّى بَلَغَ
حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ
لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبَسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْبَيْتِ.
قَالَ الله تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، يَعْنِي كُفَّارَ
مَكَّةَ، وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أَنْ
تَطُوفُوا بِهِ. وَالْهَدْيَ، أَيْ وَصَدُّوا الْهَدْيَ وَهِيَ
الْبُدْنُ الَّتِي سَاقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ سَبْعِينَ بَدَنَةً، مَعْكُوفاً،
مَحْبُوسًا، يُقَالُ: عَكَفْتُهُ عَكْفًا إِذَا حَبَسْتُهُ [2]
وَعُكُوفًا لَازِمٌ، كَمَا يُقَالُ: رَجَعَ رَجْعًا
وَرُجُوعًا، أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، مَنْحَرَهُ وَحَيْثُ
يَحُلُّ نحره يعني الحرم، وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ
وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ، يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ،
لَمْ تَعْلَمُوهُمْ، لَمْ تعرفوهم، أَنْ تَطَؤُهُمْ، بالقتال
وَتُوقِعُوا بِهِمْ، فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ
بِغَيْرِ عِلْمٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَعَرَّةٌ إِثْمٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: غُرْمُ الدِّيَةِ. وَقِيلَ:
الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الله أَوْجَبَ عَلَى قَاتِلِ
الْمُؤْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِذَا لَمْ يُعْلَمُ
إِيمَانُهُ الْكَفَّارَةَ دُونَ الدِّيَةِ، فَقَالَ الله عزّ
وجلّ: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النِّسَاءِ: 92] ، وَقِيلَ:
هُوَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَعِيبُونَكُمْ وَيَقُولُونَ
قَتَلُوا أَهْلَ دِينَهُمْ، وَالْمَعَرَّةُ الْمَشَقَّةُ،
يَقُولُ: لَوْلَا أن تطؤوا رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً
مُؤْمِنَاتٍ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ فَيَلْزَمُكُمْ بِهِمْ
كَفَّارَةٌ أَوْ يلحقكم سيئة [3] ، وَجَوَابُ لَوْلَا
مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: لَأُذِنَ لَكُمْ فِي دُخُولِهَا
وَلَكِنَّهُ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ. لِيُدْخِلَ
اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ، فَاللَّامُ فِي
لِيُدْخِلَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى
الْكَلَامِ، يَعْنِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ
لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ
مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بعد الصلح قبل أن تدخولها،
لَوْ تَزَيَّلُوا، لَوْ تَمَيَّزُوا يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ
مِنَ الْكُفَّارِ، لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ
عَذاباً أَلِيماً، بِالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ بِأَيْدِيكُمْ،
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العلم: لعذبنا جواب لكل من الآيتين [4]
أحدهما: وَلَوْلا رِجالٌ، وَالثَّانِي: لَوْ تَزَيَّلُوا،
ثُمَّ قَالَ: لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ،
يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وقوله: فِي
رَحْمَتِهِ، أي جنته. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار كما دفع بالمستضعفين من
المؤمنين عن مشركي مكة.
[سورة الفتح (48) : الآيات 26 الى 27]
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ
حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ
الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ
إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا
فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27)
__________
(1) في المطبوع «ببعير» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.
(2) في المخطوط (ب) «حبسه» والمثبت عن المطبوع والمخطوط (أ) .
(3) كذا في المخطوط (أ) والمطبوع و «ط» وفي المخطوط (ب) «سيئة»
.
(4) في المطبوع و «ط» والمخطوط (أ) «الكلامين» والمثبت عن
المخطوط (ب) .
(4/242)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ، حِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَنِ
الْبَيْتِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، وَأَنْكَرُوا مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَمِيَّةُ: الْأَنَفَةُ،
يُقَالُ: فَلَانَ ذُو حَمِيَّةٍ إِذَا كَانَ ذَا غَضَبٍ
وَأَنَفَةٍ. قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: قَدْ
قَتَلُوا أَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا ثُمَّ يَدْخُلُونَ
عَلَيْنَا، فَتَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُمْ دَخَلُوا
عَلَيْنَا عَلَى رَغْمِ أَنْفِنَا، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا
يَدْخُلُونَهَا عَلَيْنَا، فَهَذِهِ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ،
الَّتِي دَخَلَتْ قُلُوبَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى لَمْ
يَدْخُلْهُمْ مَا دَخْلَهُمْ مِنَ الْحَمِيَّةِ فَيَعْصُوا
اللَّهَ فِي قِتَالِهِمْ، وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وقَتَادَةُ
وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَأَكْثَرُ
الْمُفَسِّرِينَ: كَلِمَةُ التَّقْوَى «لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ» [1] وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا.
وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ: كَلِمَةُ التَّقْوَى لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَالَ عَطَاءُ
بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ
الْخُرَاسَانِيُّ: هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هِيَ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَكانُوا أَحَقَّ بِها، مِنْ كُفَّارِ
مَكَّةَ، وَأَهْلَها، أَيْ وَكَانُوا أَهْلَهَا فِي عِلْمِ
اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لِدِينِهِ
وَصُحْبَةِ نَبِيِّهِ أَهْلَ الْخَيْرِ، وَكانَ اللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً.
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ
آمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُرِيَ فِي الْمَنَامِ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ
يَخْرُجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ يَدْخُلُ هُوَ
وَأَصْحَابُهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ آمِنِينَ، ويحلقون
رؤوسهم ويقصرون، فأخبره بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ، فَفَرِحُوا
وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ دخلوا مَكَّةَ عَامَهُمْ ذَلِكَ،
فَلَمَّا انْصَرَفُوا ولم يدخلوا شقّ عليهم ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
«1976» وَرُوِيَ عَنْ مَجْمَعِ بْنِ جَارِيَةَ
الْأَنْصَارِيِّ: قَالَ شَهْدِنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فلما انصرفنا
__________
(1) المرفوع ضعيف، والصحيح موقوف. أخرجه الترمذي 3265 والطبري
31579 وعبد الله في «زوائد المسند» 5/ 138 والطبراني في
«الكبير» 536 والبيهقي في «الأسماء والصفات» 200 من طريق الحسن
بن قزعة عن سفيان بن حبيب عن شعبة عن ثوير عن أبيه عن الطفيل
بن أبيّ عن أبيه، وإسناده ضعيف جدا، ثوير بن أبي فاختة متروك
الحديث، بل قال الثوري: هو ركن من أركان الكذب.
- قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مرفوعا
إلّا من حديث الحسن بن قزعة.
- قال الترمذي: وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث، فلم يعرفه
مرفوعا إلّا من هذا الوجه اهـ.
- تنبيه: وقد وهم الألباني في هذا الحديث حيث حكم بصحته في
«صحيح الترمذي» 2603.
- وأخرجه الطبراني في «الدعاء» 1530 من حديث سلمة بن الأكوع،
وفي إسناد موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، ليس بشيء.
- وأخرجه ابن مردويه كما في «الدر» 6/ 80 من حديث أبي هريرة،
وابن مردويه يروي الموضوعات لا يحتج بما ينفرد به، وقد تفرد به
عن أبي هريرة، فهو لا شيء، وقد ورد موقوفا عن غير واحد من
الصحابة والتابعين، وهو الصواب، وقد وهم ثوير وموسى الربذي
فروياه مرفوعا.
1976- أخرجه أبو داود 2736 والبيهقي في «الدلائل» 4/ 156- 157
من طريق مجمّع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري، عن أبيه عن
عمه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عمه مجمع بن جارية
... به، وإسناده ضعيف لجهالة يعقوب ابن مجمّع، وله شاهد من
مرسل عروة والزهري، أخرجه البيهقي في «الدلائل» 4/ 160 وإسناده
قوي، ومراسيل عروة جياد.
(4/243)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
عَنْهَا إِذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ
الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا بَالُ النَّاسِ؟
فَقَالُوا: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَخَرَجْنَا نُوجِفُ [1] ،
فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ،
فَلَمَّا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ قَرَأَ: إِنَّا فَتَحْنا
لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) [الفتح: 1] ، فقال عمر: أو فتح هويا
رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ»
.
فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَتْحِ صُلْحُ
الْحُدَيْبِيَةِ، وَتَحَقُّقُ الرُّؤْيَا كَانَ فِي الْعَامِ
الْمُقْبِلِ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، أخبر
أن الرؤية التي أراها إياه فِي مَخْرَجِهِ إِلَى
الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّهُ يَدْخُلُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ صِدْقٌ وَحَقٌّ. قَوْلُهُ
لَتَدْخُلُنَّ يَعْنِي وَقَالَ: لَتَدْخُلُنَّ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَتَدْخُلُنَّ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ
حِكَايَةً عَنْ رُؤْيَاهُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ،
وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى مَعَ عِلْمِهِ بِدُخُولِهَا بِإِخْبَارِ
اللَّهِ تَعَالَى، تَأَدُّبًا بِآدَابِ اللَّهِ، حَيْثُ قال
له: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23)
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الْكَهْفِ: 23] . وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ: إِنْ بِمَعْنَى إِذْ مَجَازُهُ: إِذْ شَاءَ
اللَّهُ، كَقَوْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 91] ،
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الدُّخُولِ لِأَنَّ بَيْنَ الرُّؤْيَا
وَتَصْدِيقِهَا سَنَةٌ، وَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ نَاسٌ
فَمَجَازُ الْآيَةِ:
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كُلُّكُمْ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ، وَقِيلَ الاستثناء واقع على الأمر لَا عَلَى
الدُّخُولِ، لِأَنَّ الدُّخُولَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَكٌّ.
«1977» كَقَوْلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِنْدَ دُخُولِ الْمَقْبَرَةِ: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
بِكُمْ لَاحِقُونَ» ، فَالِاسْتِثْنَاءُ راجع إلى اللحوق
[بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ] [2] لا إلى الموت.
مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ، كلها، وَمُقَصِّرِينَ، يأخذ بَعْضِ
شُعُورِهَا، لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا،
أَنَّ الصَّلَاحَ كَانَ فِي الصُّلْحِ وَتَأْخِيرِ الدُّخُولِ،
وهو قوله تعالى: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ
مُؤْمِناتٌ، الْآيَةَ. فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ، أَيْ مِنْ
قَبْلِ دُخُولِكُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَتْحاً قَرِيباً،
وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ،
وَقِيلَ: فَتْحُ خَيْبَرَ.
[سورة الفتح (48) : الآيات 28 الى 29]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ
شَهِيداً (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ
رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ
وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ
ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي
الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ
فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً
وَأَجْراً عَظِيماً (29)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ
شَهِيداً (28) ، عَلَى أَنَّكَ نَبِيٌّ صادق صالح فِيمَا
تُخْبِرُ.
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، تم الكلام هاهنا، قال ابْنُ
عَبَّاسٍ: شَهِدَ لَهُ بِالرِّسَالَةِ. ثُمَّ قَالَ
مُبْتَدِئًا وَالَّذِينَ مَعَهُ، فالواو فيه واو الاستئناف
أَيْ: وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ، غِلَاظٌ عَلَيْهِمْ
__________
1977- صحيح. أخرجه مسلم 249 ومالك 1/ 28 والنسائي 1/ 93 من
حديث أبي هريرة مطوّلا، وصدره «السلام عليكم دار قوم مؤمنين
... » .
(1) في المطبوع «نرجف» والمثبت عن المخطوط و «سنن أبي داود» .
- والوجف. الركض والإسراع.
(2) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع فقط، وهذه الزيادة ليست
في «ط» ولا في المخطوط.
(4/244)
كَالْأَسَدِ عَلَى فَرِيسَتِهِ لَا
تَأْخُذُهُمْ فِيهِمْ رَأْفَةٌ، رُحَماءُ بَيْنَهُمْ،
مُتَعَاطِفُونَ مُتَوَادُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ،
كَالْوَلَدِ مَعَ الْوَالِدِ، كَمَا قَالَ: أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [الْمَائِدَةِ:
54] : تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً، أَخْبَرَ عَنْ كَثْرَةِ
صَلَاتِهِمْ وَمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَيْهَا، يَبْتَغُونَ فَضْلًا
مِنَ اللَّهِ، أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ، وَرِضْواناً،
أَنْ يَرْضَى عَنْهُمْ، سِيماهُمْ، أَيْ عَلَامَتُهُمْ، فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.
اخْتَلَفُوا فِي هذا السِّيمَا.
فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ نُورٌ وَبَيَاضٌ فِي وُجُوهِهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُعْرَفُونَ بِهِ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِي
الدُّنْيَا، وَهُوَ رِوَايَةُ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ
وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: اسْتَنَارَتْ وُجُوهُهُمْ مِنْ
كَثْرَةِ مَا صَلُّوا.
وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: تَكُونُ مَوَاضِعُ السُّجُودِ
مِنْ وُجُوهِهِمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.
وَقَالَ آخَرُونَ [1] : هُوَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالْخُشُوعُ
وَالتَّوَاضُعُ. وَهُوَ رِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ:
لَيْسَ بِالَّذِي تَرَوْنَ لَكِنَّهُ سِيمَاءُ الْإِسْلَامِ
وَسَجِيَّتُهُ وَسَمْتُهُ وَخُشُوعُهُ وَهُوَ قَوْلُ
مُجَاهِدٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ السُّجُودَ أَوْرَثَهُمُ
الْخُشُوعَ وَالسَّمْتُ الْحَسَنُ الَّذِي يُعْرَفُونَ بِهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ صُفْرَةُ الْوَجْهِ من السهر. قال
الْحَسَنُ: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ مَرْضَى وَمَا
هُمْ بِمَرْضَى.
قَالَ عِكْرِمَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ أَثَرُ
التُّرَابِ عَلَى الْجِبَاهِ. قَالَ أَبُو العالية لأنهم
يَسْجُدُونَ عَلَى التُّرَابِ لَا عَلَى الْأَثْوَابِ. وَقَالَ
عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ
مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُ، مَثَلُهُمْ، صِفَتُهُمْ فِي
التَّوْراةِ، هَاهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ ذَكَرَ
نَعْتَهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ، فَقَالَ: وَمَثَلُهُمْ،
صِفَتُهُمْ، فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ: شَطَأَهُ بِفَتْحِ
الطَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِهَا وَهُمَا
لُغَتَانِ كالنهر والنهر، وأراد فراخه، يُقَالُ أَشْطَأَ
الزَّرْعُ فَهُوَ مُشْطِئٌ، إِذَا أَفْرَخَ، قَالَ مُقَاتِلٌ:
هُوَ نَبْتٌ وَاحِدٌ فَإِذَا خَرَجَ مَا بَعْدَهُ فَهُوَ
شَطْؤُهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ أَنْ يُخْرِجَ مَعَهُ الطَّاقَةَ
الْأُخْرَى. قَوْلُهُ: فَآزَرَهُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ:
فَأَزَرَهُ بِالْقَصْرِ وَالْبَاقُونَ بِالْمَدِّ، أَيْ
قَوَّاهُ وَأَعَانَهُ وَشَدَّ أَزْرَهُ، فَاسْتَغْلَظَ غَلُظَ
ذَلِكَ الزَّرْعُ، فَاسْتَوى، أَيْ تَمَّ وَتَلَاحَقَ
نَبَاتُهُ وَقَامَ، عَلى سُوقِهِ، أُصُولِهِ يُعْجِبُ
الزُّرَّاعَ، أَعْجَبَ ذَلِكَ زُرَّاعَهُ، هَذَا مَثَلٌ
ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّهُمْ
يَكُونُونَ قَلِيلًا، ثم يزادون وَيَكْثُرُونَ.
قَالَ قَتَادَةُ: مَثَلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِنْجِيلِ مَكْتُوبٌ
أَنَّهُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَنْبُتُونَ نَبَاتَ الزَّرْعِ
يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.
وقيل: الزرع محمد والشطء أَصْحَابُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.
وَرُوِيَ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَشِدَّاءُ عَلَى
الْكُفَّارِ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ
اللَّهِ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بالجنة.
__________
(1) في المخطوط (أ) «قوم» . [.....]
(4/245)
وَقِيلَ: كَمَثَلِ زَرْعٍ مُحَمَّدٌ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ، أَبُو بَكْرٍ فَآزَرَهُ عُمَرُ
فَاسْتَغْلَظَ عُثْمَانُ لِلْإِسْلَامِ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ اسْتَقَامَ الْإِسْلَامُ
بِسَيْفِهِ، يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، قَوْلُ عُمَرَ لِأَهْلِ مَكَّةَ
بعد ما أسلم: لا نعبد [1] اللَّهَ سِرًّا بَعْدَ الْيَوْمِ.
«1978» حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
الشجاعي السرخسي إملاء أَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بن
أحمد القفال ثنا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن
الفضل السمرقندي ثنا شَيْخِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ
بن الفضل البلخي ثنا أَبُو رَجَاءٍ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ
وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ
فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي
الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ
وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدُ بْنُ
زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ
فِي الْجَنَّةِ» .
«1979» حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بن أحمد
التميمي أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عثمان بن
قاسم ثنا
__________
1978- صحيح. إسناده حسن لأجل الدراوردي، فهو وإن روى له مسلم،
فقد تكلم فيه، وحديثه حسن، وله شواهد.
- حميد هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وهو في «شرح السنة» 3818 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3747 والنسائي في «الفضائل» 91 وأحمد 1/ 931
وابن حبان 7002 من طريق قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وله شاهد من حديث سعيد بن زيد:
- أخرجه أبو داود 4649 والترمذي 3757 والنسائي في «الفضائل»
106 والطيالسي 236 وأحمد 1/ 188 وابن حبان 6993 وابن أبي عاصم
في «السنة» 1428 و1429 و1431 من طرق عن شعبة عن الحر بن الصباح
عن عبد الرحمن الأخنس عن سعيد بن زيد.
- وأخرجه أبو داود 4650 والنسائي 90 وابن ماجه 133 وأحمد 1/
187 وابن أبي عاصم 1433 و1436 من طريق رياح بن الحارث عن سعيد
بن زيد.
- وقال الترمذي: حديث حسن.
- وأخرجه أبو داود 4648 والترمذي 3757 والنسائي 87 و101 وابن
ماجه 134 وأحمد 1/ 188 و189 والحاكم 3/ 450- 451 وابن حبان
6996 من طرق عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن هلال بن
يساف عن عبد الله بن ظالم المازني عن سعيد بن زيد.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه.
1979- حسن. إسناده غير قوي لأجل قطبة بن العلاء، لكن توبع ومن
دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- خالد هو ابن مهران الحذاء، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد.
- وهو في «شرح السنة» 3823 بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 155 والطحاوي في «المشكل» 810 وأبو نعيم في
«الحلية» 3/ 122 والبيهقي 6/ 210 من طرق عن سفيان به.
- وأخرجه النسائي في «الفضائل» 138 والترمذي 3791 وابن ماجه
154 وأحمد 3/ 281 والطيالسي 2096 وابن حبان 7131 و7137
والبيهقي 6/ 210 من طرق عن خالد الحذاء به.
- وأخرجه الترمذي 3790 من طريق معمر عن قتادة عن أنس.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(1) في المطبوع «تعبدوا» والمثبت عن المخطوط.
(4/246)
خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ
حَيْدَرَةَ الطرابلسي ثنا أحمد بن هاشم الأنطاكي ثنا قطبة بن
العلاء ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ
[1] عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أَرْحَمُ أمتي [بأمتي] [2] أَبُو بَكْرٍ، وَأَشُدُّهُمْ فِي
[أَمْرِ] [3] اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً
عُثْمَانُ، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب،
وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ
الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» .
«1980» وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا وَفِيهِ:
«وَأَقْضَاهُمْ عَلِيٌّ» .
«1981» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا معلى بن أسد ثنا عبد العزيز [بن] [4]
المختار قال: خالد الحذاء ثنا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ
السَّلَاسِلِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ
أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلْتُ: مِنَ الرجال؟ قال: أَبُوهَا،
قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ [بْنُ الْخَطَّابِ] [5] ،
فَعَدَّ رِجَالًا [فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي
آخِرِهِمْ] [6] .
«1982» أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الملك وأبو الفتح
نصر بن الحسين ابْنَا [7] عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ منصور
__________
- قلت: إسناده صحيح، لكن فيه عنعنة قتادة.
- ولعجزه «لكل أمة أمين ... » شاهد من حديث أنس أخرجه البخاري
4382 و7255 ومسلم 2419 والنسائي في «الفضائل» 96 وأحمد 3/ 133
و139 وأبو يعلى 2808 وابن حبان 7001 وأبو نعيم 7/ 175.
1980- ضعيف بهذا اللفظ، والصحيح موقوف.
- أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» 20387 من طريق معمر عن قتادة
مرسلا.
وقوله «وأقضاهم علي» ورد في أثناء حديث عن ابن عمر عند أبي
يعلى 5763 وابن عدي 6/ 77.
وإسناده ضعيف جدا، لأجل محمد بن عبد الرحمن البيلماني.
- وحديث جابر أخرجه الطبراني كما في «كشف الخفاء» 1/ 108 (313)
.
- وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه العقيلي في «الضعفاء» 2/ 156
وفي إسناده سلام بن سلام المدائني، وهو متروك.
- وأخرجه البخاري 4481 عن ابن عباس عن عمر قال: أقرؤنا أبي
وأقضانا علي.
- فهذا هو الصواب في هذا الحديث كونه موقوفا.
1981- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- خالد هو ابن مهران، أبو عثمان هو عبد الرحمن بن ملّ، وهو
النّهدي.
- وهو في «شرح السنة» 3762 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 3662 عن معلى بن أسد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3885 والنسائي في «فضائل الصحابة» 16 وأحمد
4/ 203 وابن حبان 6885 من طريق عبد العزيز ابن المختار بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4358 ومسلم 2384 وابن حبان 6900 والبيهقي 10/
233 من طريق خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء به.
1982- حسن صحيح بشواهده.
(1) في المطبوع «الخزاعي» وهو تصحيف.
(2) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع، وليست هذه الزيادة في
المخطوط، وفي «شرح السنة» .
(3) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع، وليست هذه الزيادة في
المخطوط ولا في «شرح السنة» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) زيادة عن المخطوط (أ) و «شرح السنة» .
(6) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وهذه الزيادة ليست في
المخطوط ولا في «شرح السنة» .
(7) في المطبوع «أنا» والمثبت عن «شرح السنة» . [.....]
(4/247)
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
شَاذَوَيْهِ الطوسي بها قالا: ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ
بْنُ أحمد بن كيسان النحوي ثنا أبو إسحاق وإبراهيم بن شريك
الأسدي ثنا [إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ] [1]
يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ثنا أَبِي عَنْ أَبِيهِ
عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ
أَصْحَابِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ
عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ» [2] .
«1983» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ
[بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] [3] بْنِ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ
الرَّمَادِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أُحُدًا ارْتَجَّ
وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو
بكر [وعمر] وَعُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْبُتْ أُحُدُ مَا عليك إلّا نبي وصديق
وشهيدان» [4] .
«1984» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ موسى بن
__________
- إسناده ضعيف جدا، إسماعيل بن يحيى ضعيف، وأبوه يحيى متروك،
لكن للحديث شواهد وطرق فالمتن محفوظ.
- أبو الزعراء هو عبد الله بن هانىء.
- وهو في «شرح السنة» 3789 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3805 عن إبراهيم بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم 3/ 75- 76 من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ حنبل عن إبراهيم بن إسماعيل به.
- وصححه الحاكم وقال الذهبي: سنده واه.
- وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
- وأخرجه ابن عدي 7/ 196- 197 من طريق ابن أبي زائدة عن يحيى
بن سلمة به.
- وله شاهد من حديث حذيفة أخرجه الترمذي 3663 وأحمد 5/ 399
والطحاوي في «المشكل» 1224 و1225 و2226 و1227 و1228 و1229
و1230 و1231 و1232 و1233 من طريقين عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ
حِرَاشٍ عَنْ حذيفة، وهو قوي، وقد تقدم في تفسير سورة النساء
عند آية: 59.
1983- إسناده صحيح، أحمد بن منصور ثقة وقد توبع ومن دونه، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، معمر بن راشد، أبو حازم، سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» 3795 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20401 عن معمر به.
- وأخرجه أحمد 5/ 331 وأبو يعلى 7518 وابن حبان 6492 والبيهقي
في «الدلائل» 6/ 351 من طريق عبد الرزاق به.
- قال الهيثمي في «المجمع» 9/ 55: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال
الصحيح.
- وله شاهد من حديث أنس:
أخرجه البخاري 3686 وأبو داود 4651 والنسائي في «فضائل
الصحابة» 32 وأبو يعلى 3196 وابن حبان 6865.
1984- صحيح، أبو سعيد فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، ومن دونه
توبعوا.
- أبو سعيد هو عبد الله بن سعيد، وكيع هو ابن الجراح، الأعمش
هو سليمان بن مهران.
- وهو في «شرح السنة» 3801 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 78 وابن أبي شيبة 12/ 56- 57 وابن ماجة 114 وابن
أبي عاصم 1325 من طريق أبي معاوية ووكيع
(1) زيادة عن المخطوط (أ) و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «ابن أم عبد» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط
(أ) والمخطوط (ب) .
(3) زيادة عن المخطوط (أ) و «شرح السنة» .
(4) في المطبوع «أو صديق أو شهيد» والمثبت عن «شرح السنة»
والمخطوط (ب) وكتب التراجم.
(4/248)
الصلت ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ
بْنُ عَبْدِ الصمد الهاشمي ثنا أبو سعيد الأشج أنا وكيع ثنا
الْأَعْمَشُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ زِرِّ بْنِ
حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُحِبُّكَ
إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يبغضك إلّا منافق.
«1985» أخبرنا أبو المظفر التميمي [1] أنا عبد الرحمن بن عثمان
[2] أنا خيثمة بن سليمان [ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ
حَيَّانَ] [3] ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ
[عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ] [4] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِي
[بِأَرْضٍ] [5] كَانَ نُورَهُمْ وَقَائِدَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةَ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، أَيْ
إِنَّمَا كَثَّرَهُمْ وَقَوَّاهُمْ لِيَكُونُوا غَيْظًا
لِلْكَافِرِينَ.
قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: مَنْ أَصْبَحَ وَفِي قَلْبِهِ
غَيْظٌ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ.
«1986» أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ العلاء البغوي ثنا أَبُو مَعْمَرٍ الْفَضْلُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أنا جدي
__________
بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 78 والنسائي في «خصائص علي» 100 والترمذي 3736
أبو يعلى 291 وأحمد 1/ 84 و95 و128 وابن منده في «الإيمان» 261
والحميدي 58 وابن حبان 6924 والبغوي في «شرح السنة» 3802 من
طرق عن الأعمش به.
1985- ضعيف. إسناده ساقط، محمد بن الفضل، قال عنه الحافظ في
«التقريب» : كذبوه، وتابعه عثمان بن ناجية عند الترمذي وعثمان
مجهول، وللحديث علة ثانية: عبد الله بن مسلم هو أبو طيبة، قال
أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به.
- وللحديث علة ثالثة، وهي الإرسال.
- وهو في «شرح السنة» 3755 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3865 من طريق عثمان بن ناجية عن عَبْدِ الله
بْنِ مَسْلَمَةَ به.
- قال الترمذي: هذا حديث غريب، وروي هذا الْحَدِيثِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلم أبي طيبة عن ابن بريدة عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مرسل، وهو أصح.
- الخلاصة: الحديث ضعيف.
1986- ضعيف بهذا اللفظ.
- إسناده ضعيف، وعلته جهالة عبد الرحمن بن زياد، قال ابن معين:
لا أعرفه، وقال البخاري: فيه نظر. قلت: هو مجهول ما روى عنه
سوى ابن أبي رائطة، وقد اختلف في اسمه فقيل: عبد الرحمن بن
زياد، وقيل: عبد الله بن عبد الرحمن، وقيل عكسه، وقيل عبد
الملك، فهذا دليل على جهالته.
- وهو في «شرح السنة» 3753 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3862 والبيهقي في «الاعتقاد» ص 321 من طريق
يعقوب بن إبراهيم به.
- وأخرجه أحمد 4/ 87 وابن حبان 7256 وابن أبي عاصم في «السنة»
992 وأبو نعيم في «الحلية» 8/ 287 من طريق عن عبيدة بن أبي
رائطة عن عبد الرحمن عن عبد الله بن المغفل به.
(1) في المطبوع «التيمي» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) تصحف في «شرح السنة» إلى «عفان» .
(3) سقط من المطبوع واستدرك من «شرح السنة» والمخطوط (1) .
(4) سقط في المطبوع، واستدرك من «شرح السنة» والمخطوط (أ) .
[.....]
(5) سقط من المطبوع، واستدرك من المخطوط و «شرح السنة» .
(4/249)
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ
الدوري [1] ثنا الْمُفَضَّلُ [2] بْنُ غَسَّانَ بْنِ
الْمُفَضَّلِ الغلابي [3] ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ سَعْدٍ ثنا عبيدة [4] بن أبي رائطة [5] عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
الْمُزْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا
تَتَّخِذُوهُمْ غرضا من بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ
فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي
أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي
فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ
يَأْخُذَهُ» .
«1987» حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أحمد بن حامد التميمي أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بن عثمان بن القاسم أنا أَبُو الْحَسَنِ
خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ العبسي القصار بالكوفة أنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ
عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تسبوا أصحابي فو الذي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ
ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ [6] مَدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» .
«1988» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن الحسين
الزعفراني ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بن عروة ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بن إشكاب ثنا شبابة
بن سوار ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ أَبِي خباب عن أبي
سليمان الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فإن قوما
يتنحلون حبك يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ
نَبَزَهُمُ الرَّافِضَةُ [7] فَإِنْ أَدْرَكْتَهُمْ
فَجَاهِدْهُمْ فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ» [8] ، فِي إِسْنَادِ
هَذَا الْحَدِيثِ نظر وقول اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ،
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي مِنَ الشَّطْءِ الَّذِي
أَخْرَجَهُ الزَّرْعُ، وَهُمُ الدَّاخِلُونَ فِي الْإِسْلَامِ
بَعْدَ الزَّرْعِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرَدَّ الْهَاءَ
وَالْمِيمَ عَلَى مَعْنَى الشَّطْءِ لَا عَلَى لَفْظِهِ،
وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: مِنْهُ مَغْفِرَةً وَأَجْراً
عَظِيماً، يَعْنِي الجنة.
__________
- وأخرجه أحمد 5/ 54 و57 والخطيب 9/ 123 من طريق سعد بن
إبراهيم عن عبيدة بن أبي رائطة فقالوا: عن عبد الرحمن بن
زيادة، أو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
- قال الترمذي: هذا حديث حسن لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا
الوجه.
- الخلاصة: الإسناد ضعيف، والمتن بهذا اللفظ لا يصح، والصحيح
هو الآتي.
1987- تقدم في سورة آل عمران عند آية: 110.
1988- موضوع. إسناده ساقط، فضيل بن مرزوق ضعيف، وشيخه الهمداني
مجهول، وكذا أبوه، وقال الذهبي في «الميزان» 4/ 533: أتى بخبر
منكر، والظاهر أنه إسناد مصنوع، والخبر أمارة الوضع لائحة
عليه.
- وقال البغوي رحمه الله: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ
نَظَرٌ.
- وله شاهد من حديث ابن عباس، أخرجه ابن عدي 5/ 153 وأعله بعمر
بن المخرّم، وقال: يروي عن ابن عيينة وغيره بالبوطيل.
(1) في «شرح السنة» : «الدوزي» .
(2) في المطبوع «الفضل» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (أ) .
(3) في المطبوع «العلائي» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (أ)
.
(4) في المطبوع «عتبة» وفي المخطوط (أ) «أبو عبيدة» والمثبت عن
المخطوط (ب) و «شرح السنة» .
(5) في المطبوع «رابطة» والمثبت عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(6) في المطبوع «بلغ» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(7) أي اسمهم الذي يسمون به.
(8) هذا الحديث زيد في المطبوع و «ط» وليس هو في المخطوط.
(4/250)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(1)
سورة الحجرات
مدنية وهي ثمان عشرة آية
[سورة الحجرات (49) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (1)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَرَأَ يَعْقُوبُ: لَا تُقَدِّمُوا
بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ، مِنَ التَّقَدُّمِ أَيْ لَا
تَتَقَدَّمُوا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ التَّاءِ
وَكَسْرِ الدَّالِ، مِنَ التَّقْدِيمِ، وَهُوَ لَازِمٌ
بِمَعْنَى التَّقَدُّمِ، مثل بين وتبين، وقيل: هو متعد على
ظاهره، والمفعول محذوف، أي: لا تقدموا القول والفعل بين يدي
الله ورسوله. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ تَقُولُ الْعَرَبُ: لَا
تَقَدَّمْ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ يَدَيِ الْأَبِ،
أَيْ لَا تعجل بالأمر والنهي دونه، ومعنى: بين يدي [1]
الْأَمَامُ، وَالْقُدَّامُ: أَيْ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيْ أَمْرِهِمَا وَنَهْيِهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي
مَعْنَاهُ، رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ فِي
الذَّبْحِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ [2] ،
أَيْ لَا تَذْبَحُوا قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا ذَبَحُوا
قَبْلَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الذَّبْحَ [3] .
«1989» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ [4] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن زبيد [5]
عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوم
__________
1989- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- شعبة هو ابن الحجاج، زبيد هو ابن الحارث اليامي، الشعبي هو
عامر بن شراحيل.
- وهو في «شرح السنة» 1109 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 968 عن سليمان بن حرب بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 951 و965 و5545 ومسلم 1961 ح 7 وأحمد 4/ 303
والطيالسي 743 وابن حبان 5906 والطحاوي في «المعاني» 4/ 172
والبيهقي 9/ 269 و276 من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري 976 والطحاوي 4/ 173 والبيهقي 3/ 311 من طريق
محمد بن طلحة عن زبيد به.
- وأخرجه مسلم 1961 ح 5 والترمذي 1508 والنسائي 7/ 222 وأبو
يعلى 1661 والبيهقي 9/ 262 و276 من طرق عن داود بن أبي هند عن
الشعبي به.
- وأخرجه البخاري 5556 ومسلم 1961 ح 4 وأبو داود 2801 وابن
الجارود 908 وابن حبان 5907 و5908 والبيهقي 9/ 262 و276 من طرق
عن الشعبي به.
- وأخرجه البخاري 6673 من طريق معاذ بن معاذ عن ابن عون عن
الشعبي به.
(1) في المطبوع «اليدين» والمثبت عن المخطوط. [.....]
(2) تصحف في المطبوع إلى «الحسين» والمثبت عن ط والمخطوط.
(3) لم يصح هذا في أنه هو سبب نزول الآيات، والصواب الآتي برقم
1990.
(4) في المطبوع «أحمد» والمثبت عن المخطوط.
(5) في المطبوع «زيد» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.
(4/251)
النَّحْرِ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا
نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ
نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ
سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ فَإِنَّمَا
هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكَ فِي
شَيْءٍ» .
وَرَوَى مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ فِي النَّهْيِ عَنْ
صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ، أَيْ لَا تَصُومُوا قَبْلَ أَنْ
يَصُومَ نَبِيُّكُمْ.
«1990» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إبراهيم بن موسى ثنا هِشَامُ بْنُ
يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ [1] أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزبير أخبرهم أنه
قد رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ
الْقَعْقَاعَ معبد بن زرارة، وقال عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ
الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ
إِلَّا خِلَافِي، قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ،
فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَتْ
فِي ذَلِكَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا
بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حتى انقضت.
«1991» ورواه نافع بن عمر [الجمحي] عَنِ [ابْنِ] أَبِي
مَلِيكَةَ [2] ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
إلى قوله: وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، وَزَادَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ:
فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى
يَسْتَفْهِمَهُ.
وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي نَاسٍ كَانُوا
يَقُولُونَ لو أنزل في كذا، وصنع فِي كَذَا وَكَذَا، فَكَرِهَ
اللَّهُ ذَلِكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَفْتَاتُوا [3] عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ
حَتَّى يَقْضِيَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يعني في القتال وشرائع الذين لَا
تَقْضُوا أَمْرًا دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَاتَّقُوا اللَّهَ، فِي تَضْيِيعِ حَقِّهِ وَمُخَالَفَةِ
أَمْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ، لأقوالكم، عَلِيمٌ بأفعالكم.
__________
1990- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن هشام بن يوسف،
وباقي الإسناد على شرطهما.
- ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، ابن أبي مليكة هو عبد
الله بن عبيد الله.
- وهو في «صحيح البخاري» 4367 عن إبراهيم بن موسى بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 6816 من طريق هشام بن يوسف به.
- وأخرجه البخاري 4847 والنسائي 8/ 226 وفي «التفسير» 534
والواحدي في «أسباب النزول» 752 من طريق الحسن بن محمد عن
حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جريج به.
- وأخرجه الترمذي 3262 والطبري 31673 من طريق مؤمل بن إسماعيل
عن نافع عن عمر بن جميل عن ابن أبي مليكة به.
- وقال الترمذي: هذا حديث غريب حسن، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي
مليكة مرسلا، ولم يذكر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
1991- أخرجه البخاري 4845 و7302 وأحمد 2/ 6 من طريق نافع به.
(1) في المطبوع «ملكة» وهو تصحيف.
(2) في المطبوع «نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أبي مليكة»
والتصويب عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(3) في المطبوع «تفتأوا» وفي المخطوط (ب) «تغتابوا» والمثبت عن
ط و «تفسير الطبري» والمخطوط (أ) .
(4/252)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ
بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ (2)
[سورة الحجرات (49) : الآيات 2 الى 4]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ
فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ
وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ
أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ
الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ
فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَجِّلُوهُ
وَيُفَخِّمُوهُ وَلَا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَلَا
يُنَادُونَهُ كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَنْ
تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ، لِئَلَّا تَحْبَطَ حَسَنَاتُكُمْ.
وَقِيلَ: مَخَافَةَ أَنْ تَحْبَطَ حَسَنَاتُكُمْ، وَأَنْتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ.
«1992» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ [بْنُ] عَبْدِ الْقَاهِرِ
أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا حَمَّادُ بْنُ
سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ الْآيَةَ، جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ
وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَاحْتَبَسَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عنه] سَعْدُ
بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا أبا عمر وما شأن ثابت أيشتكي؟
فَقَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لِجَارِي وَمَا عَلِمْتُ لَهُ
شَكْوَى، قَالَ فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ثَابِتٌ:
أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ
أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذَكَرَ
ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .
«1993» وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
قَعَدَ ثَابِتٌ فِي الطَّرِيقِ يَبْكِي، فَمَرَّ بِهِ عَاصِمُ
بْنُ عَدِيٍّ فَقَالَ: مَا
__________
1992- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو بكر هو عبد الله بن محمد، ثابت هو ابن أسلم.
- وهو في «صحيح مسلم» 119 ح 187 عن أب بكر بن أبي شيبة بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أحمد 3/ 146 من طريق حماد بن سلمة به.
- وأخرجه مسلم 119 ح 188 وأحمد 3/ 137 و146 وأبو يعلى 3381
و3427 والنسائي في «التفسير» 533 وابن حبان 7168 و7169
والواحدي في «أسباب النزول» 753 والبيهقي في «الدلائل» 6/ 354
من طرق عن ثابت به.
- وأخرجه البخاري 3613 و4846 والبغوي في «شرح السنة» 3891 من
طريقين عن أزهر بن سعد عن ابن عون عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ
عَنْ أنس.
- وأخرجه الطبراني 1309 من طريق ثمامة بن عبد الله بن أنس عن
أنس.
1993- بعضه صحيح، وبعضه حسن، وبعضه غريب.
- أخرجه الطبراني 1320 والبيهقي في «الدلائل» 6/ 356- 357 عن
عطاء الخراساني عن ابنة ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ به.
- ورجاله ثقات، لكن ابنة ثابت لم تسم.
- وورد من وجه آخر مع اختصار في بعض ألفاظه، أخرجه الطبري 1320
وإسناده حسن في الشواهد لأجل إسماعيل ابن محمد بن ثابت.
- وأخرجه ابن حبان 7167 والطبري 1314 من طريق يُونُسُ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ إسماعيل بن ثابت، أن ثابت بن قيس الأنصاري
قال: يا رسول الله ... فذكره مختصرا مرسلا.
- وأخرجه الحاكم 3/ 234 والبيهقي في «الدلائل» 6/ 355 من طريق
الزهري عن إسماعيل بن محمد بن ثابت عن أبيه:
أن ثابت بن قيس قال:.... فذكره مختصرا وصححه الحاكم على
شرطهما، ووافقه الذهبي مع أن في إسناده إسماعيل وأبيه لم يرويا
لهما!
(4/253)
يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ
الْآيَةُ أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِيَّ وَأَنَا
رَفِيعُ الصَّوْتِ أَخَافُ أَنْ يُحْبَطَ عَمَلِي وَأَنْ
أَكُونَ [مِنْ] [1] أَهْلِ النَّارِ، فَمَضَى عَاصِمٌ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وغلب ثابت
الْبُكَاءُ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ [ابْنُ] [2] سلول، فقال: إِذَا دَخَلْتُ
بَيْتَ فَرَسِي فَشُدِّي عليّ الضبة بمسمار [فضربته
بِمِسْمَارٍ] [3] وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ حَتَّى يَتَوَفَّانِي
اللَّهُ أَوْ يَرْضَى عَنِّي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ فَقَالَ
لَهُ:
اذْهَبْ فَادْعُهُ، فَجَاءَ عَاصِمٌ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي
رَآهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَهُ فِي
بَيْتِ الْفَرَسِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ، فَقَالَ: اكْسَرِ
الضَّبَّةَ فَكَسَرَهَا، فَأَتَيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ» ؟
فَقَالَ: أَنَا صَيِّتٌ وَأَتَخَوَّفُ أَنَّ تَكُونَ هَذِهِ
الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ
حَمِيدًا وَتُقْتَلَ شَهِيدًا وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ» ؟
فَقَالَ: رَضِيتُ بِبُشْرَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا
أَرْفَعُ صَوْتِي أَبَدًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: إِنَّ
الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
الْآيَةَ.
قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَنْظُرُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ يَمْشِي بَيْنَ أَيْدِينَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ فِي حَرْبِ مُسَيْلِمَةَ
الْكَذَّابِ رَأَى ثَابِتٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَ
الِانْكِسَارِ وَانْهَزَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ:
أُفٍّ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَالَ ثَابِتٌ لِسَالِمٍ مَوْلَى
أَبِي حُذَيْفَةَ: مَا كُنَّا نُقَاتِلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلَ هَذَا، ثُمَّ ثَبَتَا وَقَاتَلَا حَتَّى قُتِلَا.
وَاسْتُشْهِدَ ثَابِتٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ وَأَنَّهُ قال
له: اعلم أن فلان رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَزَعَ دِرْعِي
فَذَهَبَ بِهَا وَهِيَ فِي نَاحِيَةٍ من العسكر [4] عند فرس
يستن به فِي طِوَلِهِ وَقَدْ وَضَعَ عَلَى درعي برمة فأت
خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَأَخْبِرْهُ حَتَّى يسترد درعي وأت
أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْ لَهُ إِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا حَتَّى
يقضيه [5] عني، وفلان وَفُلَانٌ مِنْ رَقِيقِي عَتِيقٌ،
فَأَخْبَرَ الرَّجُلُ خَالِدًا فَوَجَدَ دِرْعَهُ وَالْفَرَسَ
عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُ [6] ، فَاسْتَرَدَّ الدِّرْعَ،
وَأَخْبَرَ خَالِدٌ أَبَا بَكْرٍ بِتِلْكَ الرُّؤْيَا
فَأَجَازَ أَبُو بَكْرٍ وَصِيَّتَهُ، قَالَ مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ: لَا أَعْلَمَ وَصِيَّةً أُجِيزَتْ بَعْدَ مَوْتِ
صَاحِبِهَا إِلَّا هَذِهِ.
«1994» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يُكَلِّمُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا
كَأَخِي السِّرَارِ.
«1995» وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ مَا حَدَّثَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَسْمَعُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلامه
__________
الخلاصة: صدره صحيح بشواهده منها المتقدم، وذكر شد وثاقه حسن
بشاهده، وذكر بشارته في الجنة عند مسلم 119 وتقدم، وقول أنس
إلى «قتلا» أخرجه ابن حبان 7168 بسند صحيح على شرط مسلم عن
أنس، وخبر وصيته بدرعه، ورد بإسناد صحيح كما تقدم، وبعض ألفاظه
لم أجده من ذلك قول مالك في آخره.
1994- أخرجه الحاكم 2/ 462 عن أبي هريرة، وصححه على شرط مسلم،
ووافقه الذهبي، وهو حسن لأجل محمد بن عمرو.
- وورد عن ابن عباس عند الواحدي 755 بدون إسناد.
- ويشهد لحديث أبي هريرة الحديث المتقدم برقم 1991، لكن ذاك في
عمر.
1995- تقدم قبل ثلاثة أحاديث. [.....]
(1) زيادة عن المخطوط و «دلائل النبوة للبيهقي» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط و «تفسير الطبري» (31669) .
(4) في المطبوع «المعسكر» والمثبت عن المخطوط و «تفسير الطبري»
.
(5) في المخطوط (ب) «يقضى» .
(6) في المخطوط (ب) «وصفه» .
(4/254)
وَلَوْ أَنَّهُمْ
صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ مِمَّا يَخْفِضُ
صَوْتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ، يَخْفِضُونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ
رَسُولِ اللَّهِ، إِجْلَالًا لَهُ، أُولئِكَ الَّذِينَ
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى، اخْتَبَرَهَا
وَأَخْلَصَهَا كَمَا يُمْتَحَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ
فَيَخْرُجُ خَالِصُهُ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ.
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ، قَرَأَ
الْعَامَّةُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ
بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَهِيَ جَمْعُ
الْحُجَرِ وَالْحُجَرُ جُمَعُ الْحُجْرَةِ فَهِيَ جَمْعُ
الْجَمْعِ.
«1996» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى بَنِي الْعَنْبَرِ
وَأَمَّرَ [1] عَلَيْهِمْ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ
الْفَزَارِيَّ، فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ تَوَجَّهَ
نَحْوَهُمْ هَرَبُوا وَتَرَكُوا عِيَالَهُمْ، فَسَبَاهُمْ
عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَقَدِمَ بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ
رِجَالُهُمْ يَفْدُونَ الذَّرَارِيَّ، فَقَدِمُوا وَقْتَ
الظَّهِيرَةِ، وَوَافَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائما فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ
الذَّرَارِيُّ أَجْهَشُوا إِلَى آبَائِهِمْ يَبْكُونَ، وَكَانَ
لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجرة، فعجّلوا قبل أَنْ يَخْرُجَ
إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ
إِلَيْنَا، ويصيحون حَتَّى أَيْقَظُوهُ مِنْ نَوْمِهِ،
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ فَادِنَا
عِيَالَنَا، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ
رَجُلًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ سَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ عَلَى دِينِكُمْ؟
فَقَالُوا: نَعَمْ، فقال سبرة: إني لَا أَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
إِلَّا وَعَمِّي شَاهِدٌ وَهُوَ الْأَعْوَرُ بْنُ بَشَامَةَ،
فَرَضُوا بِهِ، فَقَالَ الْأَعْوَرُ: أَرَى أَنَّ تُفَادِيَ
نِصْفَهُمْ وَتَعْتِقَ نِصْفَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ رَضِيتُ، فَفَادَى
نصفهم وأعتق نِصْفَهُمْ [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ محرر من ولد إسماعيل
فليعتق] [2] . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ
يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ (4) ، وَصْفَهُمْ بِالْجَهْلِ وَقِلَّةِ العقل.
[سورة الحجرات (49) : آية 5]
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ
خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ
خَيْراً لَهُمْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
لِأَنَّكَ كُنْتَ تَعْتِقُهُمْ جَمِيعًا وَتُطْلِقُهُمْ بِلَا
فِدَاءٍ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ [3] مِنْ أعراب بني
تميم جاؤوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ.
«1997» وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتْ بْنُو
تَمِيمٍ فَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ: اخْرُجْ إِلَيْنَا يَا
مُحَمَّدُ، فَإِنَّ مدحنا
__________
1996- غريب. لم أقف عليه بهذا السياق. وهذا الخبر قد ورد في
السّتر.
- فقد أخرجه الواقدي في «المغازي» ص 973- 979 عن سعيد بن عمرو،
والزهري مطوّلا والواقدي متروك.
- وانظر «دلائل النبوة» للبيهقي 5/ 313- 315 و «سيرة ابن هشام»
4/ 203 و «سيرة ابن كثير» 4/ 79- 85.
1997- أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 759 من حديث جابر
مطوّلا وفيه معلى بن عبد الرحمن ضعيف- وهذا الخبر أخرجه ابن
سعد في «الطبقات» 1/ 224- 225 من طريق الواقدي عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن الزهري ح وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
يَزِيدَ عَنْ سعيد بن عمرو مرسلا بنحوه، والواقدي متروك.
- وأخرجه ابن إسحاق وابن مردويه كما في «الدر» 6/ 90 من حديث
ابن عباس بنحوه.
- وصدر الحديث وورد مسندا عند الترمذي 3267 والنسائي في
«التفسير» 535 والطبري 31676 من طريق الحسين ابن واقد عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ
مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ فقال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ
صَلَّى الله عليه وسلم فقال:
(1) في المطبوع «أمّ» ، والمثبت عن المخطوط وط.
(2) زيادة عن المخطوط (ب) .
(3) في المخطوط «قوم» .
(4/255)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
زين، وذمنا شين، فسمعها النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنَّمَا
ذَلِكُمُ اللَّهُ الَّذِي مَدْحُهُ زَيْنٌ وَذَمُّهُ شَيْنٌ» .
فَقَالُوا: نَحْنُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ جِئْنَا
بِشُعَرَائِنَا وَخُطَبَائِنَا [1] لِنُشَاعِرَكَ
وَنُفَاخِرَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا بِالشِّعْرِ بُعِثْتُ وَلَا بِالْفِخَارِ [2]
أُمِرْتُ، وَلَكِنْ هاتوا ما عندكم» ، فَقَامَ شَابٌّ مِنْهُمْ
فَذَكَرَ فَضْلَهُ وَفَضْلَ قَوْمِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
شَمَّاسٍ وَكَانَ خَطِيبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «قم فأجبه» [فقام] [3] ، فَأَجَابَهُ، وَقَامَ
شَاعِرُهُمْ فَذَكَرَ أَبْيَاتًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
«أَجِبْهُ» فَأَجَابَهُ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ،
فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمُؤْتًى لَهُ [4] وَاللَّهِ مَا
أَدْرِي مَا هَذَا الْأَمْرَ تَكَلَّمَ خَطِيبُنَا، فَكَانَ
خَطِيبُهُمْ أحسن من خطيبنا قَوْلًا، وَتَكَلَّمَ شَاعِرُنَا
فَكَانَ شَاعِرُهُمْ أَشْعَرَ وَأَحْسَنَ قَوْلًا، ثُمَّ دَنَا
مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ
اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا» ، ثُمَّ
أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وكساهم،
وكان قد تَخَلَّفَ فِي رِكَابِهِمْ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ
لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ، فَأَعْطَاهُ]
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا
أَعْطَاهُمْ، وَأَزْرَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَارْتَفَعْتِ
الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ فِيهِمْ: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ
الْآيَاتِ الْأَرْبَعَ إِلَى قَوْلِهِ: غَفُورٌ رَحِيمٌ.
«1998» وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ
الْعَرَبِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى هَذَا
الرَّجُلِ فَإِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَنَحْنُ أَسْعَدُ النَّاسِ
بِهِ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا نَعِشْ في جنابه [6] ، فجاؤوا
فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ، يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ
الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ
أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً
لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) .
[سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 9]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا
عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ
رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ
لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ
وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ
وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(8) وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى
الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى
أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ (9)
__________
إن حمدي زين، وإن ذمي شين فقال: ذاك الله تبارك وتعالى» .
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وقال ابن كثير في «السيرة» بعد أن ذكر هذا الحديث 4/ 86: وهذا
إسناد جيد متصل.
- وله شاهد من حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن
الأقرع بن حابس:
- أخرجه أحمد 3/ 488 و6/ 393 و394 الطبري 31679 والطبراني 878.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 7/ 108: وأحد إسنادي أحمد رجال
الصحيح، إن كان أبو سلمة سمع من الأقرع. وإلّا فهو مرسل.
- وأخرجه الطبري 31681 عن قتادة مرسلا و31684 عن الحسن مرسلا.
1998- أخرجه الطبري 31678 من طريق داود الطفاوي عن أبي مسلم
البجلي عن زيد بن أرقم به، وإسناده ضعيف، أبو مسلم مجهول،
وداود ضعفه ابن معين، ووثقه ابن حبان، ومع ذلك يشهد له ما
قبله.
- الخلاصة: أكثر هذه الروايات يذكر فيها الأقرع بن حابس،
والظاهر أنه قدم معه وفد، فتارة يذكر الرواة الوفد، وتارة
يذكرون الأقرع ويسمونه لأنه أمير الوفد من بني تميم، فالحديث
أصله محفوظ وقد جود ابن كثير أحد طرقه كما تقدم، وتقدم أيضا
أسبابا أخرى لنزول هذه الآيات، والظاهر تعدد الأسباب، والله
أعلم.
(1) في المخطوط «شاعرنا، وخطيبنا» . [.....]
(2) في المخطوط «بالفخر» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط «لمؤثا» .
(5) في المطبوع «فأعداه» والمثبت عن المخطوط.
(6) في المخطوط «جناحه» .
(4/256)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا، الْآيَةَ.
«1999» نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي
مُعَيْطٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ
مُصَدِّقًا وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ الْقَوْمُ تَلَقُّوهُ
تَعْظِيمًا لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ
قَتْلَهُ فَهَابَهُمْ فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنْ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا صَدَقَاتِهِمْ وَأَرَادُوا
قَتْلِي، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهَمَّ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَبَلَغَ الْقَوْمَ
رُجُوعُهُ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْنَا
بِرَسُولِكَ فَخَرَجْنَا نَتَلَقَّاهُ وَنُكْرِمُهُ وَنُؤَدِّي
إِلَيْهِ مَا قَبِلْنَاهُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
فَبَدَا لَهُ الرُّجُوعُ، فَخَشِينَا أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ
مِنَ الطَّرِيقِ كِتَابٌ جَاءَهُ مِنْكَ لِغَضَبٍ غَضِبْتَهُ
عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضِبِ
رَسُولِهِ، فَاتَّهَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ
إِلَيْهِمْ خُفْيَةً فِي عَسْكَرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْفِيَ
عَلَيْهِمْ قُدُومَهُ، وَقَالَ لَهُ: انْظُرْ فَإِنْ رَأَيْتَ
مِنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِهِمْ فَخُذْ مِنْهُمْ
زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَرَ ذلك فاستعمل فيهم ما
تستعمل فِي الْكُفَّارِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ خَالِدٌ وَوَافَاهُمْ
[1] فَسَمِعَ مِنْهُمْ أَذَانَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ، فَأَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ وَلَمْ يَرَ
مِنْهُمْ إِلَّا الطَّاعَةَ وَالْخَيْرَ، فَانْصَرَفَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَخْبَرَهُ الخبر، فأنزل الله
__________
1999- جيد. أخرجه أحمد 4/ 279 والطبراني في «الكبير» 3395
والواحدي في «أسباب النزول» 760 من حديث الحارث بن ضرار.
- قال الهيثمي في «المجمع» 7/ 11352: رجال أحمد ثقات.
- وقال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» 4/ 209: هذا الحديث أحسن
ما روي في هذه القصة اهـ.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» 3809 من حديث جابر، وإسناده
ضعيف، لضعف عبد الله بن عبد القدوس وبه أعله الهيثمي في
«المجمع» 7/ 11355.
- وورد من حديث علقمة بن ناجية:
- أخرجه الطبراني 17/ 6- 8 وإسناده ضعيف، لضعف يعقوب بن كاسب،
لكن توبع كما ذكر الهيثمي في «المجمع» 11354.
- وورد من حديث أم سلمة:
- أخرجه الطبراني في «الكبير» 23/ 401 وقال الهيثمي 11357: فيه
موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
- وورد عن قتادة مرسلا.
أخرجه الطبري 31688.
- وورد من مرسل يزيد بن رومان:
- أخرجه الطبري 31692.
- وورد من مرسل ابن أبي ليلى:
أخرجه الطبري 31690 و31691.
- فالحديث بهذه الشواهد الموصولة والمرسلة يتقوى ويرقى إلى
درجة الحسن الصحيح والله أعلم.
- وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام القرآن» لابن العربي 1986
و «الكشاف» 1066 بتخريجي، والله الموفق.
(1) في المطبوع «واقاهم» والمثبت عن المخطوط.
(4/257)
تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ،
بِنَبَإٍ، بِخَبَرٍ، فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا، كَيْ لَا
تُصِيبُوا بِالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ، قَوْماً، بُرَآءَ،
بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ، مِنْ
إِصَابَتِكُمْ بِالْخَطَأِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ، فَاتَّقُوا
اللَّهَ أَنْ تَقُولُوا بَاطِلًا أَوْ تُكَذِّبُوهُ، فَإِنَّ
اللَّهَ يُخْبِرُهُ وَيُعَرِّفُهُ أَحْوَالَكُمْ
فَتَفْتَضِحُوا، لَوْ يُطِيعُكُمْ، أَيِ الرَّسُولُ، فِي
كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ، مِمَّا تُخْبِرُونَهُ بِهِ فَيَحْكُمُ
بِرَأْيِكُمْ، لَعَنِتُّمْ، لَأَثِمْتُمْ وَهَلَكْتُمْ،
وَالْعَنَتُ: الْإِثْمُ وَالْهَلَاكُ. وَلكِنَّ اللَّهَ
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ، فَجَعَلَهُ أَحَبَّ
الْأَدْيَانِ إِلَيْكُمْ، وَزَيَّنَهُ، حَسَّنَهُ فِي
قُلُوبِكُمْ، حَتَّى اخْتَرْتُمُوهُ، وتطيعوا رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ
الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ
الْكَذِبَ، وَالْعِصْيانَ، جَمِيعَ مَعَاصِي اللَّهِ، ثُمَّ
عَادَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْخَبَرِ، وَقَالَ: أُولئِكَ
هُمُ الرَّاشِدُونَ، الْمُهْتَدُونَ.
فَضْلًا، أَيْ كَانَ هَذَا فَضْلًا، مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما،
الْآيَةَ.
«2000» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا مُعْتَمِرٌ [1] قَالَ سَمِعْتُ أَبِي
يَقُولُ: إِنَّ أَنَسًا قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ حِمَارًا وَانْطَلَقَ
الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ، وَهِيَ [2] أَرْضٌ سبخة،
فلما أتاهم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتَنُ
حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ من الأنصار: والله لحمار رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ،
فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَتَشَاتَمَا،
فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فكان بينهما
ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا
أَنَّهَا نَزَلَتْ: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما.
وَيُرْوَى أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاصْطَلَحُوا وَكَفَّ
بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ [3] .
«2001» وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنَ
الْأَنْصَارِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُدَارَاةٌ [4] فِي حَقٍّ
بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: لَآخُذُنَّ
حَقِّي مِنْكَ عَنْوَةً، لِكَثْرَةَ عَشِيرَتِهِ، وَإِنَّ
الْآخَرَ دَعَاهُ لِيُحَاكِمَهُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَنْ يتبعه،
__________
2000- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- مسدد هو ابن مسرهد، معتمر هو ابن سليمان بن طرخان.
- وهو في «صحيح البخاري» 2691 عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1799 وأحمد 3/ 157 و219 وأبو يعلى 4083 والطبري
31699 والبيهقي 8/ 172 والواحدي في «أسباب النزول» 761 و
«الوسيط» 4/ 153 من طرق عن المعتمر بن سليمان به.
- فالحديث صحيح، لكن ذكر نزول الآية الظاهر أنه من كلام
سليمان، وأنه مدرج في الحديث، والله أعلم.
2001- ضعيف. أخرجه الطبري 31707 و31708 عن قتادة مرسلا،
والمرسل من قسم الضعيف.
(1) تصحف في المطبوع إلى «معمر» .
(2) في المخطوط «على» والمثبت عن ط و «صحيح البخاري» .
(3) لم أقف على إسناد هذه الرواية، وذكرها الزمخشري في
«الكشاف» 4/ 264 عن مقاتل بدون إسناد، ومقاتل إن كان ابن
سليمان، فهو كذاب، وإن كان ابن حيان فذو مناكير، فالخبر واه
بمرة، ليس بشيء.
(4) في المطبوع «مماراة» والمثبت عن «تفسير الطبري» والمخطوط.
(4/258)
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
فَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا
حَتَّى تدافعا [1] وَتَنَاوَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، ولم يكن بينهما قِتَالٌ
بِالسُّيُوفِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ زَيْدٍ تَحْتَ رَجُلٍ،
وَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا شَيْءٌ فَرَقِيَ بِهَا
إِلَى عُلِّيَّةٍ وحبسها، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا، وجاء قومه
واقتتلوا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالدُّعَاءِ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ
اللَّهِ وَالرِّضَا بِمَا فِيهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، فَإِنْ
بَغَتْ إِحْداهُما، تَعَدَّتْ إِحْدَاهُمَا، عَلَى الْأُخْرى،
وَأَبَتِ الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ،
فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ، تَرْجِعَ، إِلى
أَمْرِ اللَّهِ، فِي كتابه وحكمه، فَإِنْ فاءَتْ، رَجَعَتْ
إِلَى الْحَقِّ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ،
بِحَمْلِهِمَا عَلَى الْإِنْصَافِ وَالرِّضَا بِحُكْمِ
اللَّهِ، وَأَقْسِطُوا، اعْدِلُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ.
[سورة الحجرات (49) : آية 10]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ
أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فِي الدِّينِ
وَالْوِلَايَةِ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، إِذَا
اخْتَلَفَا وَاقْتَتَلَا، قَرَأَ يَعْقُوبُ بَيْنَ
إِخْوَتِكُمْ بِالتَّاءِ عَلَى الْجَمْعِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ،
فَلَا تَعْصُوهُ وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ، لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ.
«2002» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ [2] بْنُ
أَحْمَدَ المخلدي أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
إسحاق السراج ثنا قتيبة بن سعيد ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا
يَشْتُمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي
حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ
اللَّهُ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَغْيَ
لَا يُزِيلُ اسْمَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
سَمَّاهُمْ إِخْوَةً مُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ بَاغِينَ.
يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ
أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
سُئِلَ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ عَنْ
أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ: أَمُشْرَكُونَ هُمْ؟ فَقَالَ:
لَا مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا، فَقِيلَ: أَمُنَافِقُونَ هُمْ؟
فَقَالَ: لَا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ
إِلَّا قَلِيلًا، قِيلَ: فَمَا حَالُهُمْ؟ قَالَ: إِخْوَانُنَا
بَغَوْا عَلَيْنَا.
وَالْبَاغِي فِي الشَّرْعِ هُوَ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ
الْعَدْلِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ قُوَّةٌ
وَمَنَعَةٌ فَامْتَنَعُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ
بِتَأْوِيلٍ مُحْتَمَلٍ، وَنَصَّبُوا إِمَامًا فَالْحُكْمُ
فِيهِمْ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ وَيَدْعُوَهُمْ
إِلَى طَاعَتِهِ، فَإِنْ أَظْهَرُوا مَظْلَمَةً أَزَالَهَا
عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا مَظْلَمَةً وَأَصَرُّوا
عَلَى بَغْيِهِمْ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ حَتَّى يَفِيئُوا
إِلَى طَاعَتِهِ، ثُمَّ الْحُكْمُ فِي قِتَالِهِمْ أَنْ لَا
يُتْبَعَ مُدْبِرُهُمْ وَلَا يُقْتَلَ أَسِيرُهُمْ، وَلَا
يُذَفَّفَ على جريحهم، نادى منادي
__________
2002- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- الليث هو ابن سعد، عقيل هو ابن خالد، الزهري هو محمد بن
مسلم، سالم هو ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
- وَهُوَ في «شرح السنة» 3412 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2580 وأبو داود 4893 والترمذي 1426 وابن حبان
533 من طريق قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2442 و6951 وأحمد 2/ 91 والبيهقي 6/ 94 و8/
330 من طريقين عن ليث بن سعد به.
- وأخرج صدره فقط مسلم 3564 والبغوي في «شرح السنة» 3443 من
حديث أبي هريرة. [.....]
(1) في المطبوع «تدافعوا» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المطبوع «الحسين» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4/259)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ
يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى
أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ
بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ (11)
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ
الْجَمَلِ: أَلَا لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى
جَرِيحٍ.
وَأُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ صِفِّينَ
بِأَسِيرٍ فَقَالَ لَهُ: لَا أَقْتُلُكَ صَبْرًا إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَمَا أَتْلَفَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى
فِي حَالِ الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فلا ضمان عليها.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ
يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ، وَأُتْلِفَ
فِيهَا أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إِلَى أَنْ
سَكَنَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ
فَمَا عَلِمْتُهُ اقْتَصَّ مِنْ أَحَدٍ وَلَا أَغْرَمَ مَالًا
أَتْلَفَهُ.
أَمَّا مَنْ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِمْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ
الثَّلَاثُ بِأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَلِيلِينَ لَا مَنَعَةَ
[1] لَهُمْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، أَوْ لَمْ
يُنَصِّبُوا إِمَامًا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ إِنْ لم ينصبوا
قتالا أو لم يَتَعَرَّضُوا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا
فَهُمْ كقطاع الطريق.
وروى أن عليا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ فِي نَاحِيَةِ
الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ:
كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، لَكُمْ عَلَيْنَا
ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا
فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا
دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مع أيدينا، ولا نبدأكم بقتال.
[سورة الحجرات (49) : آية 11]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ
قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ
نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا
أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
يَسْخَرْ قَوْمٌ، الْآيَةَ.
«2003» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ شَمَّاسٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي أُذُنِهِ وَقْرٌ،
فَكَانَ إِذَا أَتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقُوهُ بِالْمَجْلِسِ أَوْسَعُوا لَهُ
حَتَّى يَجْلِسَ إِلَى جَنْبِهِ، فَيَسْمَعَ مَا يَقُولُ،
فَأَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ
صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الصَّلَاةِ أَخَذَ
أَصْحَابُهُ مَجَالِسَهُمْ، فَضَنَّ كُلُّ رَجُلٍ بِمَجْلِسِهِ
فَلَا يَكَادُ يُوَسِّعُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ
إِذَا جَاءَ فَلَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا يَجْلِسُ فِيهِ قَامَ
قَائِمًا كَمَا هُوَ، فَلَمَّا فَرَغَ ثَابِتٌ مِنَ الصَّلَاةِ
أَقْبَلَ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَيَقُولُ:
تَفَسَّحُوا تَفَسَّحُوا، فَجَعَلُوا يَتَفَسَّحُونَ لَهُ
حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ
لَهُ: تَفَسَّحْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ أَصَبْتَ مَجْلِسًا
فَاجْلِسْ، فَجَلَسَ ثَابِتٌ خَلْفَهُ مُغْضَبًا، فَلَمَّا
انْجَلْتِ الظُّلْمَةُ غَمَزَ ثَابِتٌ الرَّجُلَ، فَقَالَ:
مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا فُلَانٌ، فقال له ثَابِتٌ: ابْنُ
فُلَانَةٍ، وَذَكَرَ أُمًّا لَهُ كَانَ يُعَيَّرُ بِهَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَكَّسَ الرَّجُلُ رَأَسَهُ وَاسْتَحْيَا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
__________
2003- لا أصل له. ذكره المصنف عن ابن عباس معلقا.
- وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 762 م بدون إسناد.
- وقال الحافظ في «الكشاف» 4/ 370 ذكره الثعلبي ومن تبعه عن
ابن عباس بدون إسناد.
- قلت: الظاهر أنه من رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، فإنه كان يكذب عليه، لذا يذكر المفسرون روايته بدون
إسناد، والذي صح في ثابت نزول بعض أوائل السورة، انظر الحديث
1992.
(1) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 763 م بدون إسناد.
(1) في المطبوع «منة» والمثبت عن المخطوط.
(4/260)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ
أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي وَفْدِ
بَنِي تميم الذي ذكرناهم، كانوا يستهزؤون بِفُقَرَاءِ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِثْلِ عَمَّارٍ وَخَبَّابٍ وَبِلَالٍ وَصُهَيْبٍ وَسَلْمَانَ
وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، لَمَّا رَأَوْا مِنْ
رَثَاثَةِ حَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ أَيْ رِجَالٌ من رجال، والقوم
اسْمٌ يَجْمَعُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَقَدْ يَخْتَصُّ
بِجَمْعِ الرِّجَالِ، عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ
وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ.
رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَيَّرْنَ
أُمَّ سَلَمَةَ بِالْقِصَرِ [1] .
«2004» وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا
نَزَلَتْ فِي صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، قَالَ
لَهَا النِّسَاءُ:
يَهُودِيَّةٌ بِنْتُ يَهُودِيَّيْنِ.
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ، أَيْ لَا يَعِبْ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا، وَلَا يَطْعَنْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلا
تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ، التَّنَابُزُ التَّفَاعُلُ مِنَ
النَّبْزِ وَهُوَ اللَّقَبُ، وَهُوَ أَنْ يُدْعَى الْإِنْسَانُ
بِغَيْرِ مَا سُمِّيَ بِهِ. قَالَ عِكْرِمَةُ:
هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ يَا فَاسِقُ يَا مُنَافِقُ
يَا كَافِرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْيَهُودِيُّ
وَالنَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ، فَيُقَالُ لَهُ بَعْدَ
إِسْلَامِهِ يَا يَهُودِيُّ يَا نَصْرَانِيُّ، فنهوا عنه
ذَلِكَ. قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ أَنْ تَقُولَ لِأَخِيكَ: يَا
كَلْبُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: التَّنَابُزُ
بِالْأَلْقَابِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَمِلَ السَّيِّئَاتِ
ثُمَّ تَابَ عَنْهَا فَنُهِيَ أَنْ يعير بما سلف عن عَمَلِهِ،
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ، أَيْ بِئْسَ
الِاسْمُ أَنْ يَقُولَ يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا فَاسِقُ بَعْدَ
مَا آمَنَ وَتَابَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّ مَنْ فَعَلَ مَا
نُهِيَ عَنْهُ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالنَّبْزِ
فَهُوَ فَاسِقٌ، وَبِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمَانِ، فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَتَسْتَحِقُّوا اسْمَ
الْفُسُوقِ، وَمَنْ لَمْ يَتُبْ، مِنْ ذَلِكَ، فَأُولئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ.
[سورة الحجرات (49) : آية 12]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ
الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا
يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ
الظَّنِّ.
«2005» قِيلَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي رَجُلَيْنِ اغْتَابَا
رَفِيقَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا أَوْ سَافَرَ
__________
2004- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 764 عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به معلقا بدون إسناد.
- وأخرج الترمذي 3894 وابن حبان 7211 وعبد الرزاق في «المصنف»
20921 وأحمد 6/ 135- 136 عن أنس قال: «بلغ صفية أن حفصة قالت
لها: ابنة يهودي، فدخل عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم وهي تبكي، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلم، وما يبكيك؟ قالت: قالت لي حفصة إني بنت
يهودي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنك
لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، فبم تفخر عليك، ثم
قال: اتق الله يا حفصة» .
- وإسناده على شرط الشيخين، لكن ليس فيه ذكر نزول الآية كما
ترى.
- فهذا الذي صح في شأن صفية، وذكر نزول الآية لا يصح.
2005- ضعيف جدا. ذكره ابن كثير في «تفسيره» 4/ 254 ونسبه للسدي
بدون ذكر الإسناد، وهذا معضل، وكذا ذكره السيوطي في «الدر» 6/
102 ونسبه لابن أبي حاتم عن السدي، ومع إرساله السدي عنده
مناكير.
- وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 4/ 374: ذكره الثعلبي وربيعة،
بغير سند ولا راو.
(1) في المخطوط (ب) «في» .
(4/261)
ضَمَّ الرَّجُلَ الْمُحْتَاجَ إِلَى
رَجُلَيْنِ مُوسِرَيْنِ يَخْدِمُهُمَا، وَيَتَقَدَّمُ لَهُمَا
إِلَى المنزل فيهيئ لهماما يُصْلِحُهُمَا مِنَ الطَّعَامِ
وَالشَّرَابِ، فَضَمَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ إِلَى
رَجُلَيْنِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَتَقَدَّمَ سَلْمَانُ
إِلَى المنزل فغلبته عيناه فَلَمْ يُهَيِّئْ لَهُمَا شَيْئًا،
فَلَمَّا قَدِمَا قَالَا لَهُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا؟ قَالَ:
لَا غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ، قَالَا لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطْلُبْ
لَنَا مِنْهُ طَعَامًا، فَجَاءَ سَلْمَانُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُ
طَعَامًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْطَلَقَ إِلَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ
وَقُلْ لَهُ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ مِنْ طَعَامٍ
وَإِدَامٍ فَلْيُعْطِكَ» وَكَانَ أُسَامَةُ خَازِنَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم على رَحْلِهِ، فَأَتَاهُ
فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَرَجَعَ سَلْمَانُ إِلَيْهِمَا
وَأَخْبَرَهُمَا، فقالا: كان عند أسامة طعاما وَلَكِنْ بَخِلَ،
فَبَعَثَا سَلْمَانَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ
يَجِدْ عِنْدَهُمْ شَيْئًا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَا: لَوْ
بَعَثْنَاكَ إِلَى بِئْرِ سُمَيْحَةَ لَغَارَ مَاؤُهَا، ثُمَّ
انْطَلَقَا يَتَجَسَّسَانِ هَلْ عِنْدَ أُسَامَةَ مَا أَمَرَ
لَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءَا إلى رسول الله قال لهما: «مالي
أَرَى خُضْرَةَ اللَّحْمِ فِي أَفْوَاهِكُمَا» قَالَا:
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَنَاوَلْنَا يَوْمَنَا
هَذَا لَحْمًا، قَالَ: «بَلْ ظَلَلْتُمْ تَأْكُلُونَ لَحْمَ
سَلْمَانَ وَأُسَامَةَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ
الظَّنِّ.
وَأَرَادَ أن يظن بأهل الخير شرا [1] ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الظَّنُّ ظَنَّانِ:
أَحَدُهُمَا: إِثْمٌ، وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَتَتَكَلَّمَ بِهِ،
وَالْآخَرُ: لَيْسَ بِإِثْمٍ وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَلَا
تَتَكَلَّمَ. وَلا تَجَسَّسُوا، التَّجَسُّسُ هُوَ الْبَحْثُ
عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْبَحْثِ
عَنِ الْمَسْتُورِ مِنْ أمور [2] الناس وتتبع عوارتهم حَتَّى
لَا يَظْهَرَ عَلَى مَا سَتَرَهُ اللَّهُ مِنْهَا.
«2006» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ]
وَلَا تَجَسَّسُوا [4] وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا
وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ
اللَّهِ إِخْوَانًا» .
«2007» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ بِهَا أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
__________
- وأخرج الأصبهاني في «الترغيب» 2231 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي ليلى نحوه وهذا مرسل، والمتن منكر، فإن فيه تسمية
الرجل وأنهما أبو بكر وعمر، وهذا بعيد جدا، والخبر واه بمرة
شبه موضوع.
2006- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، أبو الزناد هو عبد الله بن
ذكوان، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
- وهو في «شرح السنة» 3427 بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» 2/ 907- 908 عن أبي الزناد به.
- وأخرجه البخاري 6066 ومسلم 2563 ح 28 وأبو داود 4917 وأحمد
2/ 465 و517 وابن حبان 5687 والبيهقي 6/ 85 و8/ 333 و10/ 231
من طريق مالك به.
- وأخرجه أحمد 2/ 245 عن سفيان عن أبي الزناد به.
- وأخرجه البخاري 5143 والبيهقي 7/ 180 من طريق جعفر بن ربيعة
عن الأعرج به.
- وأخرجه البخاري 6064 و6724 ومسلم 2563 ح 29 وأحمد 2/ 312
و342 و470 و482 و504 و539 والواحدي في «الوسيط» 4/ 156 والبغوي
في «شرح السنة» 3428 من طرق عن أبي هريرة به.
2007- صحيح. إسناده حسن لأجل أوفى بن دلهم فإنه صدوق، وباقي
الإسناد ثقات، وللحديث شواهد.
(1) في المخطوط (أ) «سوءا» .
(2) في المطبوع «عيوب» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(3) زيد في المطبوع «ولا تحسسوا» وهذه الزيادة ليست في ط ولا
في «شرح السنة» ولا في المخطوط.
(4) زيد في المطبوع «ولا تناجشوا» وهذه الزيادة ليست في «شرح
السنة» ولا «ط» ولا المخطوط. [.....]
(4/262)
محمد بن إبراهيم الأسفراييني أَنَا أَبُو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم الإسماعيلي أنا عبد الله بن
ناجية ثنا يحيى بن أكثم أنا الفضل بن موسى السّيناني عَنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا
مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإيمان إلى
قلبه، ولا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا
عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ
الْمُسْلِمِينَ، يَتَتَبَّعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ
يَتَتَبَّعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ
رَحْلِهِ» [1] .
قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ
فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ
من أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ [2] .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ: قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: هَلْ
لَكَ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ
خَمْرًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ،
فَإِنْ يَظْهَرْ لَنَا شيئا نَأْخُذْهُ بِهِ. وَلا يَغْتَبْ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً، يَقُولُ: لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا بِظَهْرِ الْغَيْبِ بِمَا يَسُوءُهُ مِمَّا هُوَ
فِيهِ.
«2008» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ ثنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن
حجر ثنا إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أَتَدْرُونَ مَا الْغَيْبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، قَالَ:
ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ
كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا
تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا
تَقُولُ فقد بهته» .
__________
- وهو في «شرح السنة» 3420 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2032 وابن حبان 5763 من طريقين عن الفضل بن
موسى بهذا الإسناد.
- وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
- وللحديث شواهد منها:
- حديث أبي برزة الأسلمي: أخرجه أبو داود 4880 وأحمد 4/ 420
421 و424 وابن أبي الدنيا في «الصمت» 167 والبيهقي 10/ 247
وإسناده حسن.
- وحديث ابن عباس: أخرجه الطبراني 11444 ورجاله ثقات كما في
«المجمع» 8/ 93.
- وحديث البراء: أخرجه أبو يعلى 1675 وابن أبي الدنيا 167
ورجاله ثقات كما في «المجمع» 8/ 93.
- وحديث ثوبان: أخرجه أحمد 5/ 279 وفيه ميمون بن موسى ضعيف.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بشواهده.
2008- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- عبد الرحمن هو ابن يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «شرح السنة» 3454 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2589 عن يحيى بن أيوب، وقتيبة، وعلي بن حجر عن
إسماعيل بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 5759 والبيهقي 10/ 247 وفي «الآداب» 154 من
طريق إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه أبو داود 4874 والترمذي 1934 وأحمد 2/ 320 و384 و458
والدارمي 2/ 297 وابن حبان 5858 والواحدي في «الوسيط» 4/ 156
والأصبهاني في «الترغيب» 2229 من طرق عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
(1) في المطبوع «رجل» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.
(2) قول ابن عمر مدرج في الحديث المتقدم، هو كما مصرح به، وقد
رفعه بعض الضعفاء في غير هذا الكتاب، وليس بشيء، والصحيح
موقوف.
(4/263)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
«2009» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أبو الطاهر
الْحَارِثِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ
أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلًا فَقَالُوا: لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُطْعَمَ، وَلَا
يَرْحَلُ حَتَّى يُرَحَّلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْتَبْتُمُوهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا
حَدَّثْنَا بِمَا فِيهِ، قَالَ: حَسْبُكَ إِذَا ذَكَرْتَ
أَخَاكَ بِمَا فِيهِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ، قَالَ مُجَاهِدٌ:
لَمَّا قِيلَ لَهُمْ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً قَالُوا: لَا، قِيلَ: فَكَرِهْتُمُوهُ
أَيْ فَكَمَا كَرِهْتُمْ هَذَا فَاجْتَنِبُوا ذِكْرَهُ
بِالسُّوءِ غَائِبًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: تَأْوِيلُهُ: إِنَّ
ذِكْرَكَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْكَ بسوء بمنزلة أكل لحمه [1]
وَهُوَ مَيِّتٌ لَا يُحِسُّ بِذَلِكَ.
«2010» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ
أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي ابن فنجويه
ثنا ابن أبي شيبة ثنا الفريابي ثنا محمد بن المصفى [2] ثنا
أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ
حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ثنا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ
نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ [3] بِهَا وُجُوهَهُمْ وَلُحُومَهُمْ،
فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي
أَعْرَاضِهِمْ» .
قال ميمون بن سياه [4] : بينما أَنَا نَائِمٌ إِذَا أَنَا
بِجِيفَةِ زِنْجِيٍّ وَقَائِلٍ يَقُولُ: كُلْ، قُلْتُ: يَا
عَبْدَ اللَّهِ وَلِمَ آكُلْ؟ قَالَ: بِمَا اغْتَبْتَ عَبْدَ
فَلَانٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُ فِيهِ خَيْرًا
وَلَا شَرًّا، قَالَ لَكِنَّكَ اسْتَمَعْتَ وَرَضِيتَ بِهِ،
فَكَانَ مَيْمُونٌ لَا يَغْتَابُ أَحَدًا وَلَا يَدَعُ أَحَدًا
يَغْتَابُ عِنْدَهُ أَحَدًا.
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.
[سورة الحجرات (49) : آية 13]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثى، الْآيَةَ.
__________
2009- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف المثنى بن الصّبّاح.
- شعيب هو ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بن
العاص.
- وهو في «شرح السنة» 3456 بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد» لابن الْمُبَارَكِ 705 عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ
الصَّبَّاحِ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الأصبهاني في «الترغيب» 2235 من طريق ابن المبارك به.
2010- إسناده حسن لأجل محمد بن مصفى، فإنه صدوق، وهو مدلس، لكن
صرح بالتحديث، ومن فوقه ثقات.
- وأخرجه أبو داود 4878 ومن طريقه البيهقي في «الشعب» 6716 عن
ابن المصفى بهذا الإسناد.
(1) في المطبوع «لحم أخيك» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المطبوع «المصطفى» والمثبت عن «سنن أبي داود» والمخطوط.
(3) في المطبوع «يخشمون» والمثبت عن المخطوط.
(4) في المطبوع «سيار» والمثبت عن كتب التراجم.
(4/264)
«2011» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي
ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَوْلُهُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ
يُفْسِحْ لَهُ: ابْنُ فُلَانَةٍ يُعَيِّرُهُ بِأُمِّهِ، قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
الذَّاكِرُ فُلَانَةً؟ فَقَالَ ثَابِتٌ: أَنَا يا رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَقَالَ: انْظُرْ فِي
وُجُوهِ الْقَوْمِ فَنَظَرَ فَقَالَ: مَا رَأَيْتَ يَا
ثَابِتُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ،
قَالَ: فَإِنَّكَ لَا تَفْضُلُهُمْ إِلَّا فِي الدِّينِ
وَالتَّقْوَى، فَنَزَلَتْ فِي ثَابِتٍ هَذِهِ الْآيَةُ، وَفِي
الَّذِي لَمْ يَتَفَسَّحْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا
[الْمُجَادَلَةِ: 11] .
«2012» وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ
أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِلَالًا حَتَّى عَلَا ظَهْرَ الْكَعْبَةِ وَأَذَّنَ، فَقَالَ
عَتَّابُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي قبض أبي حتى لم يرد هذا اليوم، وقال: قال الْحَارِثُ
بْنُ هِشَامٍ: أَمَا وَجَدَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ هَذَا الْغُرَابِ
الْأَسْوَدِ مُؤَذِّنًا وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: إِنْ
يُرِدِ اللَّهُ شَيْئًا يُغَيِّرْهُ. وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
إِنِّي لَا أَقُولُ شَيْئًا أَخَافُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ رَبُّ
السَّمَاءِ، فَأَتَى جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالُوا: فَدَعَاهُمْ
وَسَأَلَهُمْ عَمَّا قَالُوا فَأَقَرُّوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَزَجَرَهُمْ عَنِ التَّفَاخُرِ
بِالْأَنْسَابِ وَالتَّكَاثُرِ بِالْأَمْوَالِ وَالْإِزْرَاءِ
بِالْفُقَرَاءِ.
فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثى يَعْنِي آدَمَ وَحَوَّاءَ أَيْ إِنَّكُمْ
مُتَسَاوُونَ فِي النَّسَبِ.
وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً، جَمْعُ شَعْبٍ بِفَتْحِ الشِّينِ،
وهي رؤوس الْقَبَائِلِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَالْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ، سُمُّوا شُعُوبًا لِتَشَعُّبِهِمْ
وَاجْتِمَاعِهِمْ، كَشُعَبِ أَغْصَانِ الشَّجَرِ، وَالشَّعْبُ
مِنَ الْأَضْدَادِ يُقَالُ: شَعَبَ [1] أَيْ:
جَمَعَ، وشعب، أي: فرق. وَقَبائِلَ، هي دُونُ الشُّعُوبِ،
وَاحِدَتُهَا قَبِيلَةٌ وَهِيَ كَبَكْرٍ مِنْ رَبِيعَةَ
وَتَمِيمٍ مِنْ مُضَرَ، وَدُونَ الْقَبَائِلِ الْعَمَائِرُ،
وَاحِدَتُهَا عمارة، بفتح العين هم [2] كَشَيْبَانَ مِنْ
بِكْرٍ وَدَارِمٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَدُونَ الْعَمَائِرِ
الْبُطُونُ، وَاحِدَتُهَا بَطْنٌ، وَهُمْ [3] كَبَنِي غَالِبٍ
وَلُؤَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَدُونَ الْبُطُونِ الْأَفْخَاذُ
وَاحِدَتُهَا فَخِذٌ وَهُمْ كَبَنِي هَاشِمٍ وَأُمَيَّةَ مِنْ
بَنِي لُؤَيٍّ، ثُمَّ الْفَصَائِلُ وَالْعَشَائِرُ
وَاحِدَتُهَا فَصِيلَةٌ وَعَشِيرَةٌ، وَلَيْسَ بَعْدَ
الْعَشِيرَةِ حَيٌّ يُوصَفُ بِهِ وَقِيلَ: الشُّعُوبُ مِنَ
الْعَجَمِ، وَالْقَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْأَسْبَاطُ
مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ أَبُو رَوْقٍ: الشعوب من الَّذِينَ لَا يَعْتَزُّونَ
إِلَى أَحَدٍ، بَلْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْمَدَائِنِ
وَالْقُرَى، وَالْقَبَائِلُ الْعَرَبُ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ
إِلَى آبَائِهِمْ. لِتَعارَفُوا، لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا فِي قُرْبِ النَّسَبِ وَبُعْدِهِ، لَا
لِيَتَفَاخَرُوا. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ أَرْفَعَهُمْ
مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ فَقَالَ: إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ، قَالَ قَتَادَةُ:
فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ أَكْرَمَ الْكَرَمِ التَّقْوَى،
وَأَلْأَمُ اللُّؤْمِ الفجور.
__________
2011- لم أقف له على إسناد.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 765 عن ابن عباس بدون إسناد،
والظاهر أنه من رواية الكلبي الكذاب، وتقدم أن الذي صح في ثابت
هو الحديث 1992، ويأبى الأفّاكون إلّا أن يذكروا ثابتا عند كل
آية، وأنها نزلت فيه.
2012- ذكره عن مقاتل هاهنا تعليقا، وإسناده إليه أول الكتاب،
لكن لم يعينه، فإن كان ابن سليمان، فهو كذاب، وإن كان ابن
حيان، فذو مناكير، وهو مرسل.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 765 م عن مقاتل بدون إسناد.
- وله شاهد من مرسل ابن أبي مليكة، أخرجه الواحدي 766 بنحوه.
- الخلاصة: هو خبر ضعيف.
(1) في المطبوع «شعث» والمثبت عن ط والمخطوط.
(2) في المطبوع «هي» والمثبت عن ط والمخطوط. [.....]
(3) في المطبوع «هي» والمثبت عن ط والمخطوط.
(4/265)
«2013» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي الهيثم التُّرَابِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
خُزَيْمٍ [1] الشَّاشِيُّ ثَنَا عبد الله بن حميد ثنا يونس بن
محمد ثنا سَلَامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَسَبُ
الْمَالُ، وَالْكَرْمُ التَّقْوَى» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَرَمُ الدُّنْيَا الْغِنَى، وَكَرَمُ
الْآخِرَةِ التَّقْوَى.
«2014» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ أَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ ثنا عبد [2] بن
__________
2013- حسن صحيح بشواهده، لكن صدره محمول على حديث بريدة.
- إسناده ضعيف، سلّام فيه ضعف، والحسن مدلس، وقد عنعن،
والجمهور على أنه لم يسمع من سمرة سوى حديث العقيقة.
- قتادة هو ابن دعامة، الحسن هو ابن يسار البصري.
- وهو في «شرح السنة» 3439 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3271 وابن ماجه 4219 وأحمد 5/ 10 والحاكم 2/
163 و4/ 325 والدار القطني 3/ 302 والطبري 6912 و6913 والقضاعي
21 والبيهقي 7/ 135- 136 من طرق عن سلّام بن أبي مطيع بهذا
الإسناد.
- قال الترمذي: حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلّا من حديث سلّام بن
أبي مطيع.
وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي؟! - وله شاهد من حديث أبي هريرة،
أخرجه الدارقطني 3/ 302 والبزار 3607 وفيه معدي بن سليمان، وهو
ضعيف.
- ولعجزه شاهد بمعناه عن أبي هريرة أيضا، أخرجه أحمد 2/ 365
وابن حبان 483 وصححه الحاكم 1/ 123 على شرط مسلم، وتعقبه
الذهبي بقوله: مسلم بن خالد ضعيف.
ولصدره شاهد من حديث بريدة.
- أخرجه النسائي 6/ 64 وأحمد 5/ 361 وابن حبان 699 والبيهقي 7/
135 والقضاعي 20 بلفظ «إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه
المال» ؟.
وصححه الحاكم 2/ 163 ووافقه الذهبي، وهو صحيح.
- وهذا يحمل عليه حديث الباب، أي أن هذا في مفهوم أهل الدنيا،
وليس عند النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه
وسلم فرق في الحديث المتفق عليه بين المال والحسب بقوله: «تنكح
المرأة لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها ... » وتقدم تخريجه.
- الخلاصة: الحديث حسن أو صح بشواهده، لكن صدره مؤول، وقد فات
الألباني التنبيه على ذلك فحكم بصحته من غير بيان أو تفصيل في
الإرواء 1870، وانظر «أحكام القرآن» 2013 بتخريجي.
2014- جيد، دون لفظ ذكر نزوله على أيدي الرجال والاستغفار.
- إسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي.
- وهو في «شرح السنة» 3438 بهذا الإسناد.
- وهو في «المنتخب» لعبد بن حميد 795 عن أبي عاصم الضحاك بهذا
الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3270 والبيهقي في «الشعب» 5130 من طريقين عن
عبد الله بن جعفر عن ابن دينار به، وإسناده ضعيف لضعف ابن
جعفر.
- وليس فيه ذكر نزوله على أيدي الرجال، ولا الاستغفار.
- وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلّا من حديث عبد
الله بن دينار عن ابن عمر إلّا من هذا الوجه.
وعبد الله بن جعفر يضعّف، ضعفه يحيى بن معين وغيره، وعبد الله
بن جعفر هو والد علي بن المديني.
- وتابعه موسى بن عقبة عند ابن خزيمة 2781 وابن حبان 3828
ورجاله ثقات.
(1) في المخطوط «خريم» .
(2) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن ط و «شرح السنة» .
(4/266)
حميد أنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ
مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ طَافَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ
يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ
يَجِدْ مَنَاخًا، فَنَزَلَ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ، ثُمَّ
قَامَ فَخَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،
وَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنْكُمْ
عُبِّيَّةَ [1] الْجَاهِلِيَّةِ [2] وَتَكَبُّرَهَا
بِآبَائِهَا [وفخرها بالآباء وتكبرها] ، إنما النَّاسُ
رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيُّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ
شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ تَلَا يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، ثُمَّ
قَالَ: أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي
ولكم» .
«2015» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا محمد هو ابن سلام ثنا عَبْدَةُ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أبي
هريرة قَالَ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاهُمْ، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ:
فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ
اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ.
قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ فَعَنْ
مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
«فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي
الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا» .
«2016» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بن الحجاج ثنا عمرو والناقد ثنا كثير
بن هشام ثنا جَعْفَرُ بْنُ بَرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ
لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ
يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» .
__________
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد 2/ 361 وأبو داود
5116 وفيه هشام بن سعد لين الحديث، لكن يصلح شاهدا لما قبله.
- الخلاصة: أصل الحديث حسن صحيح بطرقه وشواهده، دون الألفاظ
التي نبهت عليها، والله الموفق، وانظر «أحكام القرآن» 2003
بتخريجي.
2015- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن ابن سلام، ومن
فوقه رجال الشيخين.
- عبدة هو ابن سليمان الكلابي، عبيد الله هو ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» 3440 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4689 عن محمد بن سلام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3374 و3383 والنسائي في «الكبرى» 11250 وأحمد
2/ 431 والطحاوي في «المشكل» 2054 من طرق عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3353 و3490 ومسلم 2378 والنسائي في «الكبرى»
11249 من طرق عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عن سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هريرة به.
2016- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 4045 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح مسلم» 2564 عن عمرو الناقد بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 4143 وأحمد 2/ 539 وأبو نعيم في «الحلية» 4/
98 من طرق عن كثير بن هشام به.
- وأخرجه أحمد 2/ 284 و285 وابن حبان 394 وأبو نعيم في
«الحلية» 7/ 124 من طرق عن جعفر بن برقان به.
- وأخرجه مسلم 2564 ح 33 من طريق أبي سعيد مولى عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ كريز عن أبي هريرة به.
(1) في المطبوع «عيبة» والمثبت عن «شرح السنة» و «صحيح
البخاري» .
(2) زيد في المخطوط «وفخرها بالآباء وتكبرها» .
(4/267)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ
تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ
أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
[سورة الحجرات (49) : آية 14]
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ
قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي
قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا
يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (14)
قوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا، الْآيَةَ.
«2017» نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ
قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي سَنَةٍ جَدْبَةٍ فَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ
وَلَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فِي السِّرِّ، فَأَفْسَدُوا
طُرُقَ الْمَدِينَةِ بِالْعَذِرَاتِ وَأَغْلَوْا أَسْعَارَهَا
وَكَانُوا يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ: أَتَتْكَ
الْعَرَبُ بِأَنْفُسِهَا عَلَى ظُهُورِ رَوَاحِلِهَا،
وَجِئْنَاكَ بِالْأَثْقَالِ وَالْعِيَالِ وَالذَّرَارِيِّ،
وَلَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ بْنُو فُلَانٍ وَبْنُو
فُلَانٍ، يُمَنُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَيُرِيدُونَ الصَّدَقَةَ، وَيَقُولُونَ أَعْطِنَا،
فَأَنْزِلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْأَعْرَابِ الَّذِينَ
ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي سورة الفتح، وهم أعراب من جُهَيْنَةَ
وَمُزَيْنَةَ وَأَسْلَمَ وَأَشْجَعَ وَغِفَارٍ، كَانُوا
يَقُولُونَ: آمَنَّا لِيَأْمَنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَمَّا اسْتُنْفِرُوا إِلَى
الْحُدَيْبِيَةِ تَخَلَّفُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ
هذه الآية فيهم، قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا صَدَّقْنَا، قُلْ
لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا، أنقذنا استسلمنا
مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ، فَأَخْبَرَ أَنَّ حَقِيقَةَ
الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، وَأَنَّ الْإِقْرَارَ
بِاللِّسَانِ وَإِظْهَارِ شَرَائِعِهِ بِالْأَبْدَانِ لَا
يَكُونُ إِيمَانًا دُونَ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ
وَالْإِخْلَاصِ.
«2018» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غرير الزهري ثنا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ: فَتَرَكَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ
رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُمْتُ
إِلَى رسول الله فساررته، فقلت: مالك عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ
إِنِّي لِأَرَاهُ مؤمنا،
__________
2017- حديث حسن. ذكره المصنف تعليقا، ومن غير عز ولقائل.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 767 بدون إسناد.
- وورد بنحوه من حديث ابن عباس عند النسائي في «التفسير» 539
والبزار كما في «تفسير ابن كثير» 4/ 258 من طريقين ضعيفين عن
سعيد بن جبير به.
- وورد عن أبي قلابة مرسلا، أخرجه ابن سعد 1/ 2/ 39.
- وورد عن قتادة مرسلا، أخرجه الطبري 31781.
- وورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوفى، أخرجه الطبراني
في «الكبير» و «الأوسط» كما في «المجمع» 7/ 112.
قال الهيثمي: وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو ثقة، ولكنه مدلس،
وبقية رجاله رجال الصحيح.
- رووه بألفاظ متقاربة، والمعنى واحد، فالحديث حسن إن شاء
الله.
- وانظر «فتح القدير» 2324 للشوكاني بتخريجي.
2018- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- إبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم، صالح هو ابن كيسان، ابن شهاب
هو محمد بن مسلم، سعد هو ابن أبي وقاص.
- وهو في «صحيح البخاري» 1478 عن محمد بن عزير بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 27 ومسلم 150 والحميدي 67 والطيالسي 198 وابن
أبي شيبة 11/ 31 وأحمد 1/ 182 وابن مندة 162 وأبو يعلى 714
و733 من طرق عن الزهري به.
- وأخرجه أبو داود 4683 والنسائي 8/ 103 و104 والحميدي 68
وأحمد 1/ 167 وابن حبان 163 وابن مندة 161 والطبري 31777 من
طرق عن معمر عن الزهري به.
(4/268)
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ
لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)
قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا» قَالَ: فَسَكَتَ
قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مالك عن فلان فو الله إِنِّي لِأَرَاهُ
مُؤْمِنًا قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا» قَالَ: فَسَكَتَ قَلِيلًا،
ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يا رسول الله
مالك عن فلان فو الله إِنِّي لِأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ: «أَوْ
مُسْلِمًا» قَالَ: «إِنِّي لِأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ
عَلَى وجهه» .
فالإسلام هو الدخول إلى السِّلْمِ وَهُوَ الِانْقِيَادُ
وَالطَّاعَةُ، يُقَالُ: أَسْلَمَ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ فِي
السِّلْمِ كَمَا يُقَالُ: أَشْتَى الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ فِي
الشِّتَاءِ، وَأَصَافَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّيْفِ، وَأَرْبَعَ
إِذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ، فَمِنَ الإسلام ما هو في طَاعَةٌ
عَلَى الْحَقِيقَةِ بِاللِّسَانِ، وَالْأَبْدَانِ
وَالْجَنَانِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِإِبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ:
أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْبَقَرَةِ:
131] ، وَمِنْهُ مَا هُوَ انْقِيَادٌ بِاللِّسَانِ دُونَ
الْقَلْبِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي
قُلُوبِكُمْ، وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ظَاهِرًا
وَبَاطِنًا سِرًّا وَعَلَانِيَةً.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تُخْلِصُوا الْإِيمَانَ، لَا يَلِتْكُمْ
قرأ أبو عمرو لا يالتكم بالألف كقوله تَعَالَى: وَما
أَلَتْناهُمْ [الطُّورِ: 21] وَالْآخَرُونَ بِغَيْرِ أَلْفٍ
وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا لَا يَنْقُصُكُمْ، يُقَالُ:
أَلِتَ يَأْلِتُ أَلْتًا وَلَاتَ يَلِيتُ لَيْتًا إِذَا
نَقُصَ، مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً، أَيْ لَا يَنْقُصُ مِنْ
ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ، ثم بين حقيقة الإيمان.
[سورة الحجرات (49) : الآيات 15 الى 18]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ
أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ
اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ
كُنْتُمْ صادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ
(18)
فَقَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا، لَمْ يَشُكُّوا فِي
دِينِهِمْ، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، فِي
إِيمَانِهِمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ أَتَتِ
الْأَعْرَابُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ
صَادِقُونَ، وَعَرَفَ اللَّهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ
اللَّهَ بِدِينِكُمْ، وَالتَّعْلِيمُ هَاهُنَا بِمَعْنَى
الْإِعْلَامِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بِدِينِكُمْ وَأَدْخَلَ
الْبَاءَ فِيهِ، يَقُولُ أَتُخْبِرُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمُ
الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ، أي لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِخْبَارِكُمْ.
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا
عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ، أَيْ بِإِسْلَامِكُمْ، بَلِ اللَّهُ
يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ، وَفِي مُصْحَفِ
عَبْدِ اللَّهِ إِذْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ، إِنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ.
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (18) ، قَرَأَ ابْنُ
كَثِيرٍ «يَعْمَلُونَ» بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالتَّاءِ.
(4/269)
|