تفسير البغوي
إحياء التراث ق وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ (1)
سورة ق
مكية وهي خمس وأربعون آية
[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ
مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ
عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ
حَفِيظٌ (4)
ق قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ قَسَمٌ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ
لِلسُّورَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: هُوَ مِفْتَاحُ اسمه القدير، والقادر
والقاهر والقريب والقابض، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ:
هُوَ جَبَلٌ مُحِيطٌ بِالْأَرْضِ مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ،
مِنْهُ خُضْرَةُ السَّمَاءِ وَالسَّمَاءُ مَقْبِيَّةٌ [عليه]
[1] . عليه كنفاها [2] ، وَيُقَالُ هُوَ وَرَاءِ الْحِجَابِ
الَّذِي تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ وَرَائِهِ بِمَسِيرَةِ سَنَةٍ،
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قُضِيَ الْأَمْرُ أَوْ قُضِيَ مَا هُوَ
كَائِنٌ كما قالوا في الم [السجدة: 1] وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ، الشَّرِيفِ الْكَرِيمِ عَلَى اللَّهِ الْكَثِيرِ
الْخَيْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي جواب هذا الْقَسَمِ، فَقَالَ
أَهْلُ الْكُوفَةِ جَوَابُهُ بَلْ عَجِبُوا وَقِيلَ جَوَابُهُ
مَحْذُوفٌ، مَجَازُهُ: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ لَتُبْعَثُنَّ.
وَقِيلَ: جَوَابُهُ قَوْلُهُ (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) .
وَقِيلَ: قَدْ عَلِمْنا، وَجَوَابَاتُ الْقَسَمِ سَبْعَةٌ
«إِنَّ» الشَّدِيدَةُ كَقَوْلِهِ:
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) [الفجر: 1] إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصادِ (14) [الفجر: 14] وما النفي كقوله: وَالضُّحى
(1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما
قَلى (3) [الضحى: 1 و3] ، واللام المفتوحة كقوله: فَوَ رَبِّكَ
لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) [3] [الحجر: 92] وإن
الْخَفِيفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ
مُبِينٍ [الشعراء: 97] ولا كقوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ
جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ
[النَّحْلِ: 38] ، وَ «قَدْ» كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9)
[الشمس: 1 و9] ، وبل كَقَوْلِهِ: وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ.
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ، مُخَوِّفٌ، مِنْهُمْ،
يَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ فَقالَ
الْكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، غَرِيبٌ.
أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً، نُبْعَثُ تَرَكَ ذِكْرَ
الْبَعْثِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، ذلِكَ رَجْعٌ،
أَيْ رَدٌّ إِلَى الْحَيَاةِ بَعِيدٌ، وَغَيْرُ كَائِنٍ أَيْ
يَبْعُدُ أَنْ نُبْعَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ
الْأَرْضُ مِنْهُمْ، أي ما تَأْكُلُ مِنْ لُحُومِهِمْ
وَدِمَائِهِمْ وَعِظَامِهِمْ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ
شَيْءٌ. قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْمَوْتُ، يَقُولُ: قَدْ
عَلِمْنَا مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ وَمَنْ يَبْقَى، وَعِنْدَنا
كِتابٌ حَفِيظٌ، مَحْفُوظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَمِنْ أَنْ
يَدْرُسَ وَيَتَغَيَّرَ [وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ] [4] ،
وَقِيلَ: حَفِيظٌ أَيْ حَافِظٌ لِعِدَّتِهِمْ وأسمائهم.
__________
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) في المطبوع «كتفاها» والمثبت عن المخطوط. [.....]
(3) تصحف في المطبوع «أجمعين» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(4/270)
بَلْ كَذَّبُوا
بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
[سورة ق (50) : الآيات 5 الى 11]
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ
مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ
كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6)
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ
وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً
وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنا مِنَ
السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ
الْحَصِيدِ (9)
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً
لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ
الْخُرُوجُ (11)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ، بِالْقُرْآنِ، لَمَّا جاءَهُمْ
فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ، مُخْتَلِطٍ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: مُلْتَبِسٌ. قَالَ قَتَادَةُ: فِي
هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ تَرَكَ الْحَقَّ مُرِجَ عَلَيْهِ
أَمْرُهُ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ دِينُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ:
مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْحَقَّ إِلَّا مُرِجَ أَمْرُهُمْ.
وَذَكَرَ الزَّجَّاجُ مَعْنَى اخْتِلَاطِ أَمْرِهِمْ، فَقَالَ:
هُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّةً شَاعِرٌ، وَمَرَّةً سَاحِرٌ،
وَمَرَّةً مُعَلَّمٌ، وَيَقُولُونَ لِلْقُرْآنِ مَرَّةً
سِحْرٌ، وَمَرَّةً رَجَزٌ، وَمَرَّةً مُفْتَرًى، فَكَانَ
أَمْرُهُمْ مختلطا ملتبسا عليهم، ثُمَّ دَلَّهُمْ عَلَى
قُدْرَتِهِ.
فَقَالَ: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ
كَيْفَ بَنَيْناها، بِغَيْرِ عَمَدٍ، وَزَيَّنَّاها،
بِالْكَوَاكِبِ، وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ، شُقُوقٍ وَفُتُوقٍ
وَصُدُوعٍ وَاحِدُهَا فَرْجٌ.
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها، بَسَطْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ،
وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ، جِبَالًا ثَوَابِتَ،
وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، حَسَنٍ كَرِيمٍ
يُبْهَجُ به، أي يسر بنظره.
تَبْصِرَةً، أَيْ جَعَلْنَا ذَلِكَ تَبْصِرَةً، وَذِكْرى، أَيْ
تَبْصِيرًا وَتَذْكِيرًا، لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ، أي ليتبصر
[1] بِهِ وَيَتَذَكَّرَ بِهِ.
وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً، كَثِيرَ
الْخَيْرِ وَفِيهِ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْمَطَرُ،
فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ، يَعْنِي
الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَسَائِرَ الْحُبُوبِ الَّتِي تَحْصُدُ
فَأَضَافَ الْحَبَّ إِلَى الْحَصِيدِ، وَهُمَا وَاحِدٌ
لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، كَمَا يُقَالُ: مَسْجِدُ
الْجَامِعِ وربيع الأول. وقيل: حب الحصيد أي حب النَّبْتِ
الْحَصِيدِ.
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ
وقَتَادَةُ: طِوَالًا، يُقَالُ: بَسَقَتِ النَّخْلَةُ بُسُوقًا
إِذَا طَالَتْ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُسْتَوِيَاتٌ. لَها طَلْعٌ
ثَمَرٌ وَحَمْلٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ،
وَالطَّلْعُ أَوَّلُ مَا يَظْهَرُ قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ [2] ،
نَضِيدٌ، مُتَرَاكِبٌ مُتَرَاكِمٌ مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى
بَعْضٍ فِي أَكْمَامِهِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ
فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ.
رِزْقاً لِلْعِبادِ، أَيْ جَعَلْنَاهَا رِزْقًا لِلْعِبَادِ،
وَأَحْيَيْنا بِهِ، أَيْ بِالْمَطَرِ، بَلْدَةً مَيْتاً،
أَنْبَتْنَا فِيهَا الْكَلَأَ، كَذلِكَ الْخُرُوجُ، من القبور.
[سورة ق (50) : الآيات 12 الى 18]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ
وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13)
وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ
الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ
الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ
بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ (16)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ
لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
__________
(1) في المطبوع «ليبصروا» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المخطوط «يتشقق» .
(4/271)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)
وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ
الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ، وَهُوَ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ،
وَاسْمُهُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ، قال قتادة: ذَمَّ اللَّهُ
قَوْمَهُ [1] وَلَمْ يَذُمَّهُ، ذَكَرْنَا قِصَّتَهُ فِي
سُورَةِ الدُّخَانِ. كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ، أَيْ كُلٌّ مِنْ
هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ كَذَّبَ الرُّسُلَ، فَحَقَّ
وَعِيدِ، وَجَبَ لَهُمْ عَذَابِي ثُمَّ أَنْزَلَ جَوَابًا
لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.
أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ، يَعْنِي أَعَجَزْنَا
حِينَ خَلَقْنَاهُمْ أَوَّلًا فَنَعْيَا بِالْإِعَادَةِ
وَهَذَا تَقْرِيرٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمُ اعْتَرَفُوا بِالْخَلْقِ
الْأَوَّلِ وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ
عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ عَيِيَ بِهِ. بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ، أَيْ
فِي شَكٍّ، مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ، وَهُوَ الْبَعْثُ.
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ
بِهِ نَفْسُهُ، يُحَدِّثُ به قلبه فلا يَخْفَى عَلَيْنَا
سَرَائِرُهُ وَضَمَائِرُهُ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ،
أَعْلَمُ بِهِ، مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، لِأَنَّ أَبْعَاضَهُ
وَأَجْزَاءَهُ يَحْجُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يَحْجُبُ علم
الله شيء وحبل الْوَرِيدِ عِرْقُ الْعُنُقِ، وَهُوَ عِرْقٌ
بَيْنَ الْحُلْقُومِ وَالْعِلْبَاوَيْنِ، يَتَفَرَّقُ فِي سائر
الْبَدَنِ، وَالْحَبْلُ هُوَ الْوَرِيدُ، فَأُضِيفَ إِلَى
نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ.
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، إذا يَتَلَقَّى وَيَأْخُذُ
الْمَلَكَانِ الْمُوَكَّلَانِ بِالْإِنْسَانِ عَمَلَهُ
وَمَنْطِقَهُ يَحْفَظَانِهِ وَيَكْتُبَانِهِ، عَنِ الْيَمِينِ
وَعَنِ الشِّمالِ، أَيْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ
عَنْ شِمَالِهِ، فَالَّذِي عَنِ الْيَمِينِ يَكْتُبُ
الْحَسَنَاتِ، وَالَّذِي عَنِ الشِّمَالِ يَكْتُبُ
السَّيِّئَاتِ. قَعِيدٌ، أَيْ قَاعِدٌ، وَلَمْ يَقُلْ
قَعِيدَانِ لِأَنَّهُ أَرَادَ عَنِ الْيَمِينِ قَعِيدٌ وَعَنِ
الشِّمَالِ قَعِيدٌ، فَاكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ،
هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ:
أراد قعودا كالرسول يجعل لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، كَمَا
قَالَ اللَّهُ تعالى في الاثنين: قُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ
الْعالَمِينَ
[الشُّعَرَاءِ:
16] ، قيل: أَرَادَ بِالْقَعِيدِ الْمُلَازِمَ الَّذِي لَا
يَبْرَحُ، لَا الْقَاعِدَ الَّذِي هُوَ ضد القائم. قال
مُجَاهِدٌ: الْقَعِيدُ الرَّصِيدُ.
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ، مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ كَلَامٍ
فَيَلْفِظُهُ أَيْ يَرْمِيهِ مِنْ فِيهِ، إِلَّا لَدَيْهِ
رَقِيبٌ، حَافِظٌ، عَتِيدٌ، حَاضِرٌ أَيْنَمَا كَانَ.
قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَجْتَنِبُونَ
الْإِنْسَانَ عَلَى حَالَيْنِ عِنْدُ غَائِطِهِ وَعِنْدَ
جِمَاعِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَكْتُبَانِ عَلَيْهِ حَتَّى
أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَكْتُبَانِ
إِلَّا مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُؤْزَرُ فِيهِ. وقال
الضحاك:
مجلسهما تحت الشعر عَلَى الْحَنَكِ، وَمِثْلُهُ عَنِ
الْحَسَنِ، وَكَانَ الْحَسَنُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُنَظِّفَ
عَنْفَقَتَهُ.
«2019» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشَّرِيحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الْحُسَيْنِ الدينوري ثنا
__________
2019- ضعيف جدا بهذا اللفظ، وورد مختصرا بسند ضعيف، والمتن
غريب.
- إسناده ضعيف جدا، جعفر بن الزبير متروك متهم، والقاسم وإن
وثقه ابن معين والترمذي، فقد ضعفه ابن حبان، وقال أحمد: روى
عنه علي بن يزيد أعاجيب، ولا أراها إلا من قبل القاسم، وقال
ابن معين بعد أن وثقه: والثقات يروون عنه هذه الأحاديث- أي
الواهية- ولا يرفعونها، ثم قال: يجيء من المشايخ الضعفاء ما
يدل حديثهم على ضعفه.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» 7971 من طريق عبد القاهر بن
شعيب والبيهقي في «الشعب» 7049 من طريق مروان ابن معاوية
كلاهما عن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 7050 والواحدي في «الوسيط» 4/
165- 166 من طريقين عن إسماعيل بن عيسى-
(1) في المخطوط «قوم تبّع» .
(4/272)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ
الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
إسماعيل بن جعفر بن حمدان ثنا الْفَضْلُ
بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِهْرَانَ ثنا طالوت ثنا حماد بن سلمة
أنا جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ [1] عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَاتِبُ
الْحَسَنَاتِ عَلَى يَمِينِ الرَّجُلِ [وَكَاتِبُ
السَّيِّئَاتِ عَلَى يَسَارِ الرَّجُلِ، وَكَاتِبُ الحسنات
أمين [2] عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ] [3] ، فَإِذَا عَمِلَ
حَسَنَةً كَتَبَهَا صَاحِبُ الْيَمِينِ عَشْرًا، وَإِذَا
عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ
الشِّمَالِ: دَعْهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ لَعَلَّهُ يُسَبِّحُ أَوْ
يَسْتَغْفِرُ» .
[سورة ق (50) : الآيات 19 الى 24]
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ
مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ
الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ
وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا
فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
وَقالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ، غَمْرَتُهُ وَشِدَّتُهُ الَّتِي
تَغْشَى الْإِنْسَانَ وَتَغْلِبُ عَلَى عَقْلِهِ، بِالْحَقِّ،
أَيْ بِحَقِيقَةِ الْمَوْتِ، وَقِيلَ: بِالْحَقِّ مِنْ أَمْرِ
الْآخِرَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَهُ الْإِنْسَانُ وَيَرَاهُ
بِالْعِيَانِ. وقيل: بما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُ الْإِنْسَانِ
مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ. وَيُقَالُ: لِمَنْ
جَاءَتْهُ سَكْرَةُ الْمَوْتِ، ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ
تَحِيدُ، تَمِيلُ، قَالَ الْحَسَنُ: تَهْرُبُ. قال ابْنُ
عَبَّاسٍ: تَكْرَهُ، وَأَصْلُ الْحَيْدِ الْمَيْلُ، يُقَالُ:
حِدْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَحِيدُ حَيْدًا ومَحِيدًا إِذَا مِلْتُ
عته.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، يَعْنِي نَفْخَةَ الْبَعْثِ، ذلِكَ
يَوْمُ الْوَعِيدِ، أَيْ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْوَعِيدِ
الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ لِلْكُفَّارِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ
فِيهِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي بِالْوَعِيدِ الْعَذَابَ أَيْ
يَوْمَ وُقُوعِ الْوَعِيدِ.
وَجاءَتْ، ذَلِكَ الْيَوْمَ، كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ،
يَسُوقُهَا إِلَى الْمَحْشَرِ، وَشَهِيدٌ، يَشْهَدُ عَلَيْهَا
بِمَا عَمِلَتْ، وهو عمله، قَالَ الضَّحَّاكُ: السَّائِقُ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ والشاهد من أنفسهم الأيد والأرجل، وهي رواية
__________
- العطار عن المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم به دون
صدره، وإسماعيل ضعيف ومثله القاسم. وورد بلفظ «إن صاحب الشمال
ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء، فإن
ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلّا كتب واحدة» .
- وأخرجه أبو نعيم 6/ 124 والواحدي 4/ 165 والبيهقي 7051
والطبراني 7765 من طريق إسماعيل بن عياش عن عَاصِمُ بْنُ
رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عن عروة بن رويم عن القاسم به.
- وإسناده ضعيف، وعلته القاسم، وكذا إسماعيل ضعفه غير واحد
مطلقا، وضعفه بعضهم في روايته خاصة عن غير الشاميين.
- قال الهيثمي في «المجمع» 10/ 208: وفيه جعفر بن الزبير، وهو
كذاب، ولكن ورد من وجه آخر رواه الطبراني بأسانيد رجال أحدها
وثقوا! قلت: فيه القاسم كما تقدم، ولا يحتج بما ينفرد به،
وتعيين ست ساعات أو سبع غريب جدا.
- وله شاهد من حديث أم عصمة، وفيه: «ثلاث ساعات» .
وفي الإسناد سعيد بن سنان، وهو متروك، أخرجه الطبراني في
«الأوسط» 17، فهذا شاهد لا يفرح به، وهو يعارض الأول في تعيين
الزمن.
- الخلاصة: لفظ المصنف ضعيف جدا، واللفظ المختصر عن إسماعيل بن
عياش الذي أوردته، ضعيف فقط، وشاهده ليس بشيء، وقد أورده
الألباني في «الصحيحة» 1209 وحسنه، وليس كما قال بل الإسناد
ضعيف والمتن غريب، ولا يتدين بحديث ينفرد به القاسم، وفي
الطريق إليه جعفر، وهو متروك أو ابن عياش، وهو غير حجة.
(1) في المطبوع «القاسم بن محمد» والتصويب عن كتب التراجم و
«معجم الطبراني» 7971.
(2) في المطبوع «أمير» والمثبت عن المخطوط (ب) .
(3) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع و «ط» والمخطوط (ب) وسقط
من المخطوط (أ) .
(4/273)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ
مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25)
الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ
الْآخَرُونَ: هُمَا جَمِيعًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
فيقول الله لها، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا،
الْيَوْمِ فِي الدُّنْيَا، فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ،
الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا عَلَى قَلْبِكَ وَسَمْعِكَ
وَبَصَرِكَ، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، نَافِذٌ تُبْصِرُ
مَا كُنْتَ تُنْكِرُ فِي الدُّنْيَا وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ
قَالَ: يَعْنِي نَظَرَكَ إِلَى لِسَانِ مِيزَانِكَ حِينَ
تُوزَنُ حَسَنَاتُكَ وَسَيِّئَاتُكَ.
وَقالَ قَرِينُهُ، الْمَلِكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ، هَذَا مَا
لَدَيَّ عَتِيدٌ، مُعَدٌّ مَحْضَرٌ، وَقِيلَ: ما بمعنى (من) ،
وقال مُجَاهِدٌ: يَقُولُ هَذَا الَّذِي وَكَّلَتْنِي بِهِ مِنَ
ابْنِ آدَمَ حَاضِرٌ عِنْدِي قَدْ أَحْضَرْتُهُ وَأَحْضَرْتُ
دِيوَانَ أَعْمَالِهِ.
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِقَرِينِهِ: أَلْقِيا فِي
جَهَنَّمَ، هَذَا خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ
عَلَى عادة العرب، يقولون: وَيْلَكَ ارْحَلَاهَا وَازْجُرَاهَا
وَخُذَاهَا وَأَطْلِقَاهَا، لِلْوَاحِدِ، قَالَ الْفَرَّاءُ:
وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى أَعْوَانِ الرَّجُلِ فِي
إِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَسِفْرِهِ اثْنَانِ، فَجَرَى كَلَامُ
الْوَاحِدِ عَلَى صَاحِبَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي
الشِّعْرِ لِلْوَاحِدِ خَلِيلَيَّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا
أَمْرٌ لِلسَّائِقِ وَالشَّهِيدِ، وَقِيلَ:
لِلْمُتَلَقِّيَيْنِ. كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، عَاصٍ مُعْرِضٍ
عَنِ الْحَقِّ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: مُجَانِبٌ
لِلْحَقِّ معاند لله.
[سورة ق (50) : الآيات 25 الى 30]
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ
مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ
الشَّدِيدِ (26) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ
وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لَا تَخْتَصِمُوا
لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا
يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ
لِلْعَبِيدِ (29)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ
مِنْ مَزِيدٍ (30)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ، أَيْ لِلزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَكُلِّ
حَقٍّ وَجَبَ فِي مَالِهِ، مُعْتَدٍ، ظَالِمٍ لَا يُقِرُّ
بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، مُرِيبٍ، شَاكٍّ فِي التَّوْحِيدِ،
وَمَعْنَاهُ: دَاخِلٌ فِي الرَّيْبِ.
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي
الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) ، وَهُوَ النَّارُ.
وَقالَ قَرِينُهُ، يَعْنِي الشَّيْطَانَ الَّذِي قُيِّضَ
لِهَذَا الْكَافِرِ، رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ، مَا
أَضْلَلْتُهُ وَمَا أَغْوَيْتُهُ، وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ
بَعِيدٍ، عَنِ الحق فيتبرأ منه شَيْطَانُهُ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلٌ: قَالَ
قَرِينُهُ يَعْنِي الْمَلِكَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
يَقُولُ الْكَافِرُ يَا رَبِّ إِنَّ الْمَلِكَ زَادَ عَلَيَّ
فِي الْكِتَابَةِ، فَيَقُولُ الْمَلِكُ:
رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ، يَعْنِي مَا زِدْتُ عَلَيْهِ وَمَا
كَتَبْتُ إِلَّا مَا قَالَ وَعَمِلَ، وَلَكِنْ كَانَ فِي
ضَلَالٍ بَعِيدٍ، طَوِيلٍ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ إلى الحق.
قالَ، يعني يقول اللَّهُ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ
قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، فِي الْقُرْآنِ
وَأَنْذَرَتْكُمْ وَحَذَّرَتْكُمْ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ،
وَقَضَيْتُ عَلَيْكُمْ مَا أَنَا قَاضٍ.
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، لَا تَبْدِيلَ لِقَوْلِي
وَهُوَ قَوْلُهُ: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود:
119، السَّجْدَةِ: 13] ، وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ:
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ أَيْ: لا يكذب القول عِنْدِي،
وَلَا يُغَيَّرُ الْقَوْلُ عَنْ وَجْهِهِ لِأَنِّي أَعْلَمُ
الْغَيْبَ. وَهَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ، وَاخْتِيَارُ
الْفَرَّاءِ لِأَنَّهُ قَالَ: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ
وَلَمْ يَقُلْ مَا يُبَدَّلُ قَوْلِي [1] وَما أَنَا
بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فَأُعَاقِبُهُمْ بِغَيْرِ جُرْمٍ.
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ، قرأ نافع وأبو بكر بِالْيَاءِ،
أَيْ يَقُولُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ: قالَ لا تَخْتَصِمُوا
لَدَيَّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ، هَلِ امْتَلَأْتِ،
وَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ لَهَا مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ
يَمْلَؤُهَا مِنَ الجنة والناس، وهذا
__________
(1) في المطبوع «لي» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(4/274)
وَأُزْلِفَتِ
الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
السُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
لِتَصْدِيقِ خَبَرِهِ وَتَحْقِيقِ وَعْدِهِ، وَتَقُولُ،
جَهَنَّمُ، هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، قِيلَ: معناه قد امتلأت فلم
يَبْقَ فِيَّ مَوْضِعٌ لَمْ يَمْتَلِئْ، فَهُوَ اسْتِفْهَامُ
إِنْكَارٍ، هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ
سُلَيْمَانَ، وَقِيلَ: هَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى
الِاسْتِزَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
أَبِي صَالِحٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ السُّؤَالُ بِقَوْلِهِ:
هَلِ امْتَلَأْتِ، قَبْلَ دُخُولِ جَمِيعِ أَهْلِهَا فِيهَا.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
سَبَقَتْ كَلِمَتُهُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود:
119، السَّجْدَةِ: 13] ، فَلَمَّا سِيقَ أَعْدَاءُ اللَّهِ
إِلَيْهَا لَا يُلْقَى فِيهَا فَوْجٌ إِلَّا ذَهَبَ فِيهَا
وَلَا يَمْلَؤُهَا شَيْءٌ، فَتَقُولُ:
أَلَسْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ لتملأني؟ فيضع قدمه عليها، تعالى
عمّا يقول الظالمون، ثُمَّ يَقُولُ: هَلِ امْتَلَأَتِ؟
فَتَقُولُ:
قَطْ قَطْ [قَدِ امْتَلَأْتُ] [1] فَلَيْسَ فِيَّ مَزِيدٌ.
«2020» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ الْعَبَّاسِ الحميدي أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
مُحَمَّدُ بن عبد الله الحافظ ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الْحُسَيْنُ بْنُ الحسن بن أيوب الطوسي أنا أَبُو حَاتِمٍ
مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرازي ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ
الْعَسْقَلَانِيُّ ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ
جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ
الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وعزتك،
وينزوي [2] بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَزَالُ فِي
الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ خَلْقًا
فَيُسْكِنَهُ فُضُولَ الْجَنَّةِ» [3] .
[سورة ق (50) : الآيات 31 الى 34]
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ
خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ، قُرِّبَتْ وَأُدْنِيَتْ،
لِلْمُتَّقِينَ، الشرك، غَيْرَ بَعِيدٍ، [هل] [4] يَنْظُرُونَ
إِلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوهَا.
هَذَا مَا تُوعَدُونَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِالْيَاءِ
وَالْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، يُقَالُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي
تَرَوْنَهُ مَا تُوعَدُونَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ
عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، لِكُلِّ أَوَّابٍ، رَجَّاعٍ إِلَى
الطَّاعَةِ عَنِ الْمَعَاصِي.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هُوَ الَّذِي يُذْنِبُ ثُمَّ
يَتُوبُ ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يتوب. وقال الشعبي ومجاهد [هو]
الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلَاءِ فَيَسْتَغْفِرُ
مِنْهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ التَّوَّابُ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: هو الْمُسَبِّحُ، مِنْ قَوْلِهِ:
يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سَبَأٍ: 10] وَقَالَ قَتَادَةُ:
هو الْمُصَلِّي. حَفِيظٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
__________
2020- إسناده صحيح على شرط البخاري، قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 4317 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6661 عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2848 والترمذي 2848 والترمذي 3268 من طريقين عن
شيبان به.
- وأخرجه البخاري 4848 و7384 وأحمد 3/ 134 و141 و234 وأبو يعلى
3140 والطبري 31921 والبيهقي في «الأسماء والصفات» 753 من طرق
عن قتادة به.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد 3/ 78 وأبو
يعلى 1313 وإسناده جيد.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «وتزوي» . [.....]
(3) هذا الحديث وأمثاله نذهب فيه إلى ما ذهب إليه السلف فإنهم
يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما صح عن نبيه من غير تكييف
ولا تعطيل ولا تشبيه، ليس كمثله شيء.
(4) زيادة عن المخطوط.
(4/275)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ
فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
الْحَافِظُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَعَنْهُ
أَيْضًا: هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ ذُنُوبَهُ حَتَّى يَرْجِعَ
عَنْهَا وَيَسْتَغْفِرَ مِنْهَا. قَالَ قَتَادَةُ: حَفِيظٌ
لِمَا اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ من حقه. قال الضحاك: المحافظ على
نفسه والمتعهد لَهَا. قَالَ الشَّعْبِيُّ: الْمُرَاقِبُ، قَالَ
سهل بن عبد الله: هو الْمُحَافِظُ عَلَى الطَّاعَاتِ
وَالْأَوَامِرِ.
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، مَحَلُّ «مَنْ» جر [1]
على نعت الأوّاب. وقيل رفع على الاستئناف، وَمَعْنَى الْآيَةِ:
مَنْ خَافَ الرَّحْمَنَ وَأَطَاعَهُ بِالْغَيْبِ وَلَمْ
يَرَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي فِي
الْخَلْوَةِ حيث لا يراه أحد [و] قَالَ الْحَسَنُ: إِذَا
أَرْخَى السِّتْرَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ. وَجاءَ بِقَلْبٍ
مُنِيبٍ، مُخْلِصٍ مُقْبِلٍ إِلَى طَاعَةَ اللَّهِ.
ادْخُلُوها، أَيْ يُقَالُ لِأَهْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ:
ادْخُلُوهَا، أَيِ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. بِسَلامٍ،
بِسَلَامَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَالْهُمُومِ. وَقِيلَ: بِسَلَامٍ
مِنَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ:
بِسَلَامَةٍ [2] مِنْ زَوَالِ النعم ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ.
[سورة ق (50) : الآيات 35 الى 39]
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ
أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ
بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ
أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ
الْغُرُوبِ (39)
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ
اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَنْتَهِيَ مَسْأَلَتُهُمْ
فَيُعْطَوْنَ ما شاؤوا، ثُمَّ يَزِيدُهُمُ اللَّهُ مِنْ
عِنْدِهِ مَا لَمْ يَسْأَلُوهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَدَيْنا
مَزِيدٌ، يَعْنِي الزِّيَادَةَ لَهُمْ في النعيم مما لَمْ
يَخْطُرْ بِبَالِهِمْ. وَقَالَ جَابِرٌ وَأَنَسٌ هُوَ
النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ
قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي
الْبِلادِ، ضَرَبُوا وَسَارُوا وَتَقَلَّبُوا وَطَافُوا،
وَأَصْلُهُ مِنَ النَّقْبِ وَهُوَ الطَّرِيقُ كَأَنَّهُمْ
سَلَكُوا كُلَّ طَرِيقٍ، هَلْ مِنْ مَحِيصٍ، فَلَمْ يَجِدُوا
مَحِيصًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ
مَفَرٍّ مِنَ الْمَوْتِ؟ فَلَمْ يَجِدُوا مِنْهُ مَفَرًّا
وَهَذَا إِنْذَارٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّهُمْ عَلَى مِثْلِ
سَبِيلِهِمْ لَا يَجِدُونَ مَفَرًّا عَنِ الْمَوْتِ
يَمُوتُونَ، فَيَصِيرُونَ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ.
إِنَّ فِي ذلِكَ، فِيمَا ذَكَرْتُ مِنَ الْعِبَرِ والعذاب
وَإِهْلَاكِ الْقُرَى، لَذِكْرى، تَذْكِرَةً وَعِظَةً، لِمَنْ
كانَ لَهُ قَلْبٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ عَقْلٌ. قَالَ
الْفَرَّاءُ: هَذَا جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، تقول: مالك
قَلْبٌ وَمَا قَلْبُكَ مَعَكَ، أَيْ مَا عَقْلُكَ مَعَكَ.
وَقِيلَ لَهُ: قَلْبٌ حَاضِرٌ مَعَ اللَّهِ. أَوْ أَلْقَى
السَّمْعَ، اسْتَمَعَ الْقُرْآنَ، وَاسْتَمَعَ مَا يُقَالُ
لَهُ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
أَلْقِ إلي سمعك، يعني استمع، وَهُوَ شَهِيدٌ، يعني [3]
حَاضِرُ الْقَلْبِ لَيْسَ بِغَافِلٍ وَلَا ساه.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما
مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) ، إِعْيَاءٌ وَتَعَبٌ.
«2021» نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حَيْثُ قَالُوا يَا مُحَمَّدُ:
أَخْبِرْنَا بِمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ
الْأَيَّامِ السِّتَّةِ،
__________
2021- ضعيف جدا. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 769 من طريق
أبي بكر بن عياش عن أبي سعد البقال عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: أن اليهود أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم ... فذكره.-
(1) في المخطوط «رفع» والمثبت هو الصواب انظر «تفسير القرطبي»
عند هذه الآية.
(2) في المخطوط «بسلام» .
(3) في المخطوط «أي» .
(4/276)
وَمِنَ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ
الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَالْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ،
وَالْمَدَائِنَ وَالْأَنْهَارَ وَالْأَقْوَاتَ يَوْمَ
الْأَرْبِعَاءِ، والسموات وَالْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ
إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ [1] مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَخَلَقَ
فِي أَوَّلِ الثَّلَاثِ السَّاعَاتِ الْآجَالِ، وفي الثانية
الآفة، وفي الثالث آدَمَ» قَالُوا: صَدَقْتَ إِنْ أَتْمَمْتَ،
قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: ثُمَّ اسْتَرَاحَ يَوْمَ
السَّبْتِ، وَاسْتَلْقَى عَلَى الْعَرْشِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِمْ.
فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ، مِنْ كَذِبِهِمْ فَإِنَّ
اللَّهَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، وَهَذَا قَبْلَ الْأَمْرِ
بِقِتَالِهِمْ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، أَيْ صَلِّ
حَمْدًا لِلَّهِ، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، يَعْنِي صَلَاةَ
الصُّبْحِ، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قبل الغروب الظهر العصر.
[سورة ق (50) : الآيات 40 الى 41]
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ، يَعْنِي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ
وَالْعَشَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَمِنَ اللَّيْلِ أَيْ
صَلَاةِ اللَّيْلِ أَيَّ وَقْتٍ صَلَّى. وَأَدْبارَ السُّجُودِ
قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَحَمْزَةَ: وَأَدْبارَ السُّجُودِ
بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، مَصْدَرُ أَدْبَرَ إِدْبَارًا، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا عَلَى جَمْعِ الدُّبُرِ. قَالَ عُمَرُ
بْنُ الْخِطَابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنُ
وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: أَدْبَارَ
السُّجُودِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ،
وَأَدْبَارُ النُّجُومِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةَ
الْفَجْرِ [2] وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ
الْمُفَسِّرِينَ.
«2022» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أبو المنصور مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ سَمْعَانَ أنا أبو جعفر
__________
- وإسناده ضعيف لضعف أبي سعد، بل هو متروك.
- وأخرجه الطبري 31960 من طريق أبي سنان عن أبي بكر. قال: جاءت
اليهود النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالوا:.... فذكره.
وهذا معضل، وهو أصح من الموصول، والمتن منكر جدا بذكر نزول
الآية، فإن السورة مكية، وسآلات اليهود كانت في المدينة، وقد
ورد نحو هذا الخبر بدون ذكر هذه الآية، وهو أصح، وتقدم.
2022- صحيح. إسناده لين لأجل أبي أيوب، لكن توبع ومن دونه، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم.
- أبو أيوب هو سليمان بن عبيد الله، ابن جريج هو عبد الملك بن
عبد العزيز، عطاء هو ابن أبي رباح.
- وهو في «شرح السنة» 875 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1169 ومسلم 724 وأبو داود 1254 وأبو يعلى
4443 وابن خزيمة 1108 وابن حبان 2456 و2457 وأبو عوانة 2/ 264
والبيهقي 2/ 470 من طرق عن ابن جريج به.
- وأخرجه عبد الرزاق 4777 ومن طريقه أحمد 6/ 166 عن الثوري
عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سعيد بن جبير عن عائشة.
- وأخرجه أحمد 6/ 220 و254 من طريق سفيان الثوري بالإسناد
السابق.
(1) في المخطوط «الثلاث الساعات» .
(2) ورد مرفوعا من حديث ابن عباس قال: بت عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فصلى ركعتين خفيفتين قبل
صلاة الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، فقال: يا ابن عباس ركعتان قبل
صلاة الفجر إدبار النجوم، وركعتان بعد المغرب إدبار السجود» .
- أخرجه الترمذي 3271 والحاكم 1/ 320 والطبري 31985 من حديث
ابن عباس.
- قال الترمذي: غريب.
وصححه الحاكم! وتعقبه الذهبي بقوله: رشدين بن سعد ضعفه أبو
زرعة والدارقطني.
- والراجح في هذا الوقف فيه على ابن عباس، وقد وهم رشدين
فرفعه، وأشار الحافظ ابن كثير في «تفسيره» 4/ 271 إلى ذلك.
- وحديث ابن عباس متفق عليه، وليس فيه هذه اللفظة، وتقدم في
آخر آل عمران.
(4/277)
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ
ثَنَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ
مُسْلِمٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ عُبَيْدِ
بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ
عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ أَمَامَ الصُّبْحِ.
«2023» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الضَّبِّيُّ أنا أبو محمد أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ ثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا
أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ثَنَا صالح بن عبد الله ثنا أَبُو
عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى
عَنْ سَعْدِ [1] بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .
«2024» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ثَنَا محمد
بن المثنى ثنا بدل بن المحبر ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ
مَعْدَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا
أَحْصَى مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قبل صلاة الفجر: بقل يا أيها الكافرون،
وقل هو الله أحد.
وقال مجاهد: قوله وَأَدْبارَ السُّجُودِ هُوَ التَّسْبِيحُ
بِاللِّسَانِ في أدبار الصلوات المكتوبات.
__________
2023- صحيح. رجاله رجال البخاري ومسلم سوى صالح بن عبد الله
الترمذي، وهو ثقة، وقد توبع ومن دونه.
- أبو عوانة، هو وضاح اليشكري، مشهور بكنيته، قتادة هو ابن
دعامة.
- وهو في «شرح السنة» 876 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 416 عن صالح بن عبد الله بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 725 والنسائي 3/ 252 وأحمد 6/ 50- 51 و149 و265
وابن خزيمة 1107 وابن أبي شيبة 2/ 241 والطيالسي 1498 والحاكم
1/ 306- 307 وابن حبان 2458 وأبو عوانة 2/ 273 والبيهقي 2/ 470
من طرق عن قتادة به.
2024- ضعيف بهذا اللفظ. إسناده ضعيف لضعف عبد الملك بن معدان.
- عبد الملك هو ابن الوليد بن معدان، وقد ينسب لجده، أبو وائل
هو شقيق بن سلمة.
- وهو في «شرح السنة» 879 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 431 عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 1166 من طريق بدل المحبر به.
- وأخرجه الطحاوي في «المعاني» 1/ 298 من طريق عبد الملك به.
- وأخرجه ابن ماجه 1166 وأبو يعلى 5049 والبيهقي 3/ 43 من طريق
بدل بن المحبر عن عبد الملك عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ
زر بن حبيش عن ابن مسعود به.
- ولفظ ركعتي الفجر، له شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه.
- أخرجه الترمذي 417 وابن ماجه 1149 والنسائي 2/ 170 وأحمد 2/
35 و94 وعبد الرزاق 4790 وابن حبان 2459، ورجاله ثقات مشاهير،
لكن فيه عنعنة أبي إسحاق، وهو مدلس، فالإسناد ضعيف، لكن يشهد
لفقره الفجر، وصحح إسناده الشيخ شعيب، وقال على شرطهما، وتقدم
أن فيه عنعنة أبي إسحاق، حتى عند ابن حبان، واضطرب الألباني في
هذا الحديث فهو في «صحيح ابن ماجه» 1166 و «ضعيف ابن ماجه»
243.
- الخلاصة: لفظ المصنف ضعيف، وبخاصة قوله: «لا أحصي» ، وذكر
الفجر له شاهد يجعله حسنا، وأما المغرب فضعيف، والله أعلم.
(1) تصحف في المطبوع إلى «سعيد» .
(4/278)
«2025» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [1]
طَاهِرُ بْنُ الحسين الروقي [2] الطوسي بها، أَنَا أَبُو
الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يعقوب أنا محمد بن [بن مُحَمَّدُ
بْنُ] [3] يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بن أيوب أنا مسدد ثنا
خَالِدٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِي
عُبَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ سبح الله فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ
[مَكْتُوبَةٍ] [4] ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ
ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا
وَثَلَاثِينَ، فَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، ثُمَّ قَالَ
تَمَامُ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله لَا شَرِيكَ لَهُ،
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ
الْبَحْرِ» .
«2026» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إسحاق أنا يزيد أنا وَرْقَاءُ عَنْ
سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ
بِالدَّرَجَاتِ [5] وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، قَالَ: «كَيْفَ
ذَاكَ؟» قَالُوا: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا وَجَاهَدُوا كَمَا
جَاهَدْنَا، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ
وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، قَالَ: «أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ
بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
وَتَسْبَقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَأْتِي أَحَدٌ
بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ:
تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَتَحْمَدُونَ
عَشْرًا وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ
مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) ، أَيْ وَاسْتَمِعْ يَا مُحَمَّدُ
صَيْحَةَ القيامة
__________
2025- إسناده على شرط الصحيح.
- مسدد هو ابن مسرهد، سهيل هو ابن أبي صالح، أبو عبيد هو
المذحجي، قيل: اسمه عبد الملك وقيل: حييّ، وقيل: حيّ.
- وهو في «شرح السنة» 719 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي 2/ 187 من طريق مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 597 وابن خزيمة 570 وابن حبان 2016 من طرق عن
خالد بن عبد الله به.
- وأخرجه مسلم 597 وأحمد 2/ 371 و482 والنسائي في «اليوم
والليلة» 143 وأبو عوانة 2/ 247 و248 من طرق عن سهيل به.
- وأخرجه ابن حبان 2013 وأبو عوانة 2/ 247 من طريق مالك عن أبي
عبيد به. [.....]
2026- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- إسحاق هو ابن راهوية، يزيد هو ابن هارون، ورقاء هو ابن عمر،
سمي هو مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ.
- أبو صالح، اسمه ذكوان مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 721 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 6329 عن إسحاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي 2/ 186 من طريق ورقاء به.
- وأخرجه البخاري 843 ومسلم 595 والنسائي في «اليوم والليلة»
146 وابن خزيمة 749 وأبو عوانة 2/ 249 وابن حبان 2014 والبيهقي
2/ 186 من طرق عن سميّ به.
- وأخرجه مسلم 595 والنسائي 145 من طريقين عَنْ سُهَيْلِ بْنِ
أَبِي صَالِحٍ عن أبيه به.
(1) في المطبوع «أبو الحسين» والمثبت عن «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «الدورقي» وفي المخطوط «الدرقي» والمثبت عن ط و
«شرح السنة» .
(3) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4) زيد في المخطوط «مكتوبة» وهذه الزيادة ليست في «شرح السنة»
.
(5) زيد في المطبوع «العلى» وهذه ليست في المخطوط و «شرح
السنة» .
(4/279)
مَا تَذَرُ مِنْ
شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
وَالنُّشُورِ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي،
قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي إِسْرَافِيلَ يُنَادِي بِالْحَشْرِ
يَا أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ وَالْأَوْصَالُ
الْمُتَقَطِّعَةُ وَاللُّحُومُ الْمُتَمَزِّقَةُ وَالشُّعُورُ
الْمُتَفَرِّقَةُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ
تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْ
صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهِيَ وَسَطُ الْأَرْضِ. قَالَ
الْكَلْبِيُّ: هِيَ أَقْرَبُ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ
بِثَمَانِيَةَ عشر ميلا.
[سورة ق (50) : الآيات 42 الى 45]
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ
الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا
الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً
ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما
يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ
بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ، وَهِيَ
الصَّيْحَةُ الْأَخِيرَةُ [1] ، ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ، مِنَ
الْقُبُورِ.
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً، جَمْعُ سَرِيعٍ
أَيْ يَخْرُجُونَ سِرَاعًا، ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا، جَمْعٌ
عَلَيْنَا يَسِيرٌ.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ، يَعْنِي كَفَّارَ مَكَّةَ
فِي تَكْذِيبِكَ، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ،
بِمُسَلَّطٍ تُجْبِرُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ إِنَّمَا
بُعِثْتَ مُذَكِّرًا، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ
وَعِيدِ، أَيْ مَا أَوْعَدْتُ بِهِ مَنْ عَصَانِي مِنَ
الْعَذَابِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ
خَوَّفَتْنَا، فَنَزَلَتْ: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ
وَعِيدِ [2] .
سُورَةُ الذَّارِيَاتِ
مَكِّيَّةٌ وهي ستون آية
[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2)
فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4)
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) ، يَعْنِي الرِّيَاحَ الَّتِي تذر
التُّرَابَ ذَرْوًا، يُقَالُ: ذَرَتِ الرِّيحُ التُّرَابَ
وَأَذْرَتْ.
فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) ، يَعْنِي السحاب التي تَحْمِلُ
ثُقْلًا مِنَ الْمَاءِ.
فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) ، هِيَ السُّفُنُ تَجْرِي فِي
الْمَاءِ جَرْيًا سَهْلًا.
فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4) ، هِيَ الْمَلَائِكَةُ
يُقَسِّمُونَ الْأُمُورَ بَيْنَ الْخَلْقِ عَلَى مَا أُمِرُوا
بِهِ، أَقْسَمَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِمَا فِيهَا مِنَ
الدَّلَالَةِ عَلَى صُنْعِهِ [3] وَقُدْرَتِهِ.
__________
(1) في المخطوط «الآخرة» .
(2) ضعيف. أخرجه الطبري 32005 من طريق أيوب عن عمرو الملائي عن
ابن عباس به. وكرره 32006 عن الملائي مرسلا.
ومدارهما على أيوب بن سيار، وهو ضعيف.
(3) في المخطوط «من الدلالات على صنعته» .
(4/280)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ
لَصَادِقٌ (5)
[سورة الذاريات (51) : الآيات 5 الى 14]
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ
(6) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ
مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ
ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا
فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّما
تُوعَدُونَ، مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، لَصادِقٌ.
وَإِنَّ الدِّينَ، الْحِسَابَ وَالْجَزَاءَ، لَواقِعٌ،
لِكَائِنٌ.
ثُمَّ ابْتَدَأَ قَسَمًا آخَرَ فَقَالَ: وَالسَّماءِ ذاتِ
الْحُبُكِ (7) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ
وَعِكْرِمَةُ: ذَاتِ الْخَلْقِ الْحَسَنِ الْمُسْتَوِي،
يُقَالُ لِلنَّسَّاجِ إِذَا نَسَجَ الثَّوْبَ فَأَجَادَ: مَا
أَحْسَنَ حَبْكَهُ [1] ! قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ذَاتُ
الزِّينَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: حُبِكَتْ بِالنُّجُومِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْمُتْقَنَةُ الْبُنْيَانِ [2] .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: ذَاتُ
الطَّرَائِقِ كَحُبُكِ الْمَاءِ إِذَا ضَرَبَتْهُ الرِّيحُ،
وَحُبُكِ الرَّمْلِ وَالشَّعْرِ الْجَعْدِ، وَلَكِنَّهَا لَا
تُرَى لِبُعْدِهَا مِنَ النَّاسِ وَهِيَ جَمْعُ حِبَاكٍ
وَحَبِيكَةٍ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ قوله [3] :
إِنَّكُمْ، يَا أَهْلَ مَكَّةَ، لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، فِي
الْقُرْآنِ وَفِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، تَقُولُونَ فِي الْقُرْآنِ سِحْرٌ وَكِهَانَةٌ
وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَفِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاحِرٌ وَشَاعِرٌ وَمَجْنُونٌ. وَقِيلَ:
لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ أَيْ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ.
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) ، يُصْرَفُ عَنِ الْإِيمَانِ
بِهِ مِنْ صُرِفَ حَتَّى يُكَذِّبَهُ، يَعْنِي مَنْ حَرَمَهُ
اللَّهُ الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ عَنْ بِمَعْنَى: مِنْ
أَجْلِ، أَيْ: يُصْرَفُ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْقَوْلِ
الْمُخْتَلِفِ أَوْ بِسَبَبِهِ عَنِ الْإِيمَانِ مَنْ صَرَفَ
[4] . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ الرَّجُلَ
إِذَا أَرَادَ الْإِيمَانَ فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ سَاحِرٌ
وَكَاهِنٌ وَمَجْنُونٌ، فَيَصْرِفُونَهُ عَنِ الْإِيمَانِ،
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ.
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) ، لُعِنَ الْكَذَّابُونَ، يُقَالُ:
تَخَرَّصَ [5] عَلَى فُلَانٍ الْبَاطِلَ، وَهُمُ
الْمُقْتَسِمُونَ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا عِقَابَ مَكَّةَ،
وَاقْتَسَمُوا الْقَوْلَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عَنْ دِينِ
الْإِسْلَامِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْكَهَنَةُ.
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ، غَفْلَةٍ وَعَمًى وَجَهَالَةٍ
ساهُونَ لَاهُونَ غَافِلُونَ عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ،
وَالسَّهْوُ:
الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ، وَهُوَ ذَهَابُ الْقَلْبِ عنه.
يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) ، يَقُولُونَ: يَا
مُحَمَّدُ مَتَى يَوْمُ الْجَزَاءِ، يَعْنِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ تَكْذِيبًا وَاسْتِهْزَاءً.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ هُمْ، أَيْ يَكُونُ هَذَا
الْجَزَاءُ فِي يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ، أَيْ
يُعَذَّبُونَ وَيُحْرَقُونَ بِهَا كَمَا يُفْتَنُ الذَّهَبُ
بِالنَّارِ. وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ
بِالنَّارِ، وَتَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ النَّارِ:
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ، عَذَابَكُمْ، هذَا الَّذِي كُنْتُمْ
بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ، فِي الدُّنْيَا تَكْذِيبًا بِهِ.
[سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 18]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا
آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ
(16) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
__________
(1) في المخطوط «حبكه» .
(2) في المخطوط «قال مجاهد: المتقن البنيان» .
(3) في المطبوع «وله» والمثبت عن ط والمخطوط.
(4) في المطبوع «يصرف» والمثبت عن المخطوط و «ط» .
(5) في المطبوع «تحرص» والمثبت عن «ط» والمخطوط. [.....]
(4/281)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ
وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ، أَعْطَاهُمْ،
رَبُّهُمْ، مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ، إِنَّهُمْ كانُوا
قَبْلَ ذلِكَ، قَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، مُحْسِنِينَ،
فِي الدُّنْيَا.
كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) ،
وَالْهُجُوعُ النَّوْمُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَمَا
صِلَةٌ، وَالْمَعْنَى:
كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ أَيْ يُصَلُّونَ
أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَانَ اللَّيْلُ
الَّذِي يَنَامُونَ فِيهِ كُلُّهُ قَلِيلًا، وَهَذَا مَعْنَى
قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَعْنِي:
كَانُوا قَلَّ لَيْلَةٌ تَمُرُّ بِهِمْ إِلَّا صَلَّوْا فِيهَا
شَيْئًا إِمَّا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ من أوسطها [أو من آخرها]
[1] .
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كَانُوا يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ
الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ:
كَانُوا لَا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعَتَمَةَ. قَالَ
مُطْرِفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: قَلَّ
لَيْلَةٌ أَتَتْ عَلَيْهِمْ هَجَعُوهَا كُلَّهَا. قَالَ
مُجَاهِدٌ:
كَانُوا لَا يَنَامُونَ كُلَّ اللَّيْلِ. وَوَقَفَ بَعْضُهُمْ
عَلَى قَوْلِهِ: قَلِيلًا أَيْ كَانُوا مِنَ النَّاسِ قَلِيلًا
ثُمَّ ابْتَدَأَ: مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَجَعَلَهُ
جَحْدًا أَيْ لَا يَنَامُونَ بِاللَّيْلِ الْبَتَّةَ، بَلْ
يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ قَوْلُ
الضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ.
وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) ، قَالَ الْحَسَنُ:
لَا يَنَامُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَقَلَّهُ، وَرُبَّمَا
نَشِطُوا فَمَدُّوا إلى السحر، ثم أخذوا في الأسحار بالاستغفار
[2] . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ:
وَبِالْأَسْحَارِ يُصَلُّونَ، وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ
بِالْأَسْحَارِ لِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ.
«2027» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ محمد المخلدي أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
إسحاق السراج ثنا قتيبة ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ [3]
الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ
فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ مَنِ الَّذِي
يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنِ الَّذِي يَسْأَلُنِي
فَأُعْطِيَهُ؟ مَنِ الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فأغفر له» .
__________
2027- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- قتيبة هو ابن سعيد، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 941 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 758 ح 169 والترمذي 446 وأحمد 2/ 419 من طريق
قتيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 2/ 282 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 130 من طريقين
عن معمر عن سهيل به.
- وأخرجه البخاري 1145 و2321 و749 ومسلم 758 وأبو داود 1315
وأحمد 2/ 487 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 127 وابن أبي عاصم في
«السنة» 492 وابن حبان 920 والبيهقي 3/ 2 من طرق عن مالك عن
الزهري عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، وعن أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن أبي هريرة به.
وهو في «الموطأ» 1/ 214 عن الزهري بالإسناد السابق.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 480 وابن ماجه 1366
وأحمد 2/ 267 من طريقين عن الزهري بالإسناد السابق.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 483 وأحمد 2/ 433 من
طريقين عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هريرة به.
- وأخرجه النسائي 484 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 130 من طريق
عبيد الله عن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي
هريرة به.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «بالأسحار في الاستغفار» .
(3) في المخطوط «سماء» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(4/282)
«2028» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
[بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ ثنا سفيان ثنا سُلَيْمَانَ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ
طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ
الْحَمْدُ أنت قيّم السموات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ
[وَلَكَ الْحَمْدُ لك مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ،
وَمَنْ فِيهِنَّ] [1] ، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض [2]
، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ
الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ
حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ
حق، ومحمد حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ
أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ
أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ
لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا
أَعْلَنْتُ [3] ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ،
لا إله إلّا أنت- أو لا إِلَهَ غَيْرُكَ» .
قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ:
«وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» .
«2029» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف ثنا
__________
2028- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن علي المديني،
وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- سفيان هو ابن عيينة، طاوس هو ابن كيسان.
- وهو في «صحيح البخاري» 1120 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6317 ومسلم 769 والنسائي 3/ 209- 210 وابن
ماجه 1355 وأحمد 1/ 358 وعبد الرزاق 2565 والحميدي 495
والدارمي 1/ 348- 349 وابن خزيمة 1151 والطبراني 10987 وأبو
عوانة 2/ 299 و3000 وابن حبان 2597 والبيهقي 3/ 4 من طرق عن
سفيان به.
- وأخرجه البخاري 7385 و7442 و7499 ومسلم 769 وأحمد 1/ 366
والبيهقي 3/ 5 من طريق ابن جريج عن سليمان الأحول به.
- وأخرجه مسلم 769 ح 199 وأبو داود 771 والترمذي 3418 والنسائي
في «عمل اليوم والليلة» 868 وأحمد 1/ 298 وأبو عوانة 2/ 300-
301 وابن السني 758 وابن حبان 2598 من طرق عَنْ مَالِكٍ عَنْ
أَبِي الزُّبَيْرِ المكي عن طاووس به.
- وأخرجه مسلم 769 وأبو داود 772 وابن خزيمة 1152 وابن حبان
2599 والطبراني 11012 وأبو عوانة 2/ 301 من طرق عن عمران بن
مسلم عن قيس بن سعد عن طاووس.
2029- إسناده صحيح على شرط البخاري، وقد صرح الوليد بالتحديث
عند أحمد وغيره.
- صدقة هو ابن خالد الدمشقي، الوليد هو ابن مسلم، الأوزاعي هو
أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو، أبو أمية اسمه كبير.
- وهو في «شرح السنة» 948 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 1154 عن صدقة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 5060 والترمذي 3414 والنسائي في «عمل اليوم
والليلة» 861 وابن ماجه 3878 وأحمد 5/ 313 وابن حبان 2596 وابن
السني 749 والبيهقي 3/ 5 من طرق عن الوليد بن مسلم به.
(1) زيادة عن «صحيح البخاري» .
(2) زيد في المطبوع «ومن فيهن» وليست هذه الزيادة في «صحيح
البخاري» .
(3) زيد في المطبوع: «وما أنت أعلم به مني» وليست هذه الزيادة
في المخطوط و «صحيح البخاري» .
(4/283)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ
حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
مُحَمَّدٍ بن إسماعيل ثنا صدقة أنا
الْوَلِيدُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي عُمَيْرِ بْنِ
هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ حَدَّثَنِي
عُبَادَةُ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ
وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلَّا
بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ:
اللَّهُمَّ [1] اغْفِرْ لِي، أَوْ [2] دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ،
فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى [3] قبلت صلاته» .
[سورة الذاريات (51) : الآيات 19 الى 24]
وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ
أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما
تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ
لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ (19) ، السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ،
وَالْمَحْرُومُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْغَنَائِمِ [4]
سَهْمٌ، وَلَا يجري عليه من الفيء سهم [5] ، هَذَا قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بن المسيب، قال: الْمَحْرُومُ
الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ، وَمَعْنَاهُ فِي
اللُّغَةِ: الَّذِي مُنِعَ الْخَيْرَ وَالْعَطَاءَ. وَقَالَ
قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ: الْمَحْرُومُ الْمُتَعَفِّفُ
الَّذِي لَا يَسْأَلُ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ الْمُصَابُ ثَمَرُهُ أَوْ
زَرْعُهُ أَوْ نَسْلُ مَاشِيَتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ
بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قال: المحروم صاحب الحاجة، ثُمَّ
قَرَأَ: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
(67) [الْوَاقِعَةِ: 66- 67] .
وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ، عِبَرٌ، لِلْمُوقِنِينَ، إِذَا سَارُوا
فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالْأَشْجَارِ
وَالثِّمَارِ وَأَنْوَاعِ النَّبَاتِ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ،
آيَاتٌ إِذْ كَانَتْ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً
ثُمَّ عَظْمًا إِلَى أَنْ نُفِخَ [6] فِيهَا الرُّوحُ وَقَالَ
عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ اخْتِلَافَ
الْأَلْسِنَةِ وَالصُّوَرِ وَالْأَلْوَانِ وَالطَّبَائِعِ.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يُرِيدُ سَبِيلَ الْغَائِطِ
وَالْبَوْلِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مِنْ مَدْخَلٍ وَاحِدٍ
وَيُخْرِجُ مِنْ السبيلين. أَفَلا تُبْصِرُونَ، قَالَ
مُقَاتِلٌ: أَفَلَا تُبْصِرُونَ كَيْفَ خَلَقَكُمْ
فَتَعْرِفُوا قُدْرَتَهُ عَلَى الْبَعْثِ.
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ
وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْمَطَرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ
الْأَرْزَاقِ، وَما تُوعَدُونَ، قَالَ عَطَاءٌ: مِنَ
الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْخَيْرِ
وَالشَّرِّ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَمَا تُوعَدُونَ مِنَ
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثم أقسم بنفسه فقال:
فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ، أَيْ مَا
ذَكَرْتُ مِنْ أَمْرِ الرِّزْقِ لِحَقٌّ، مِثْلَ، قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: مِثْلَ
بِرَفْعِ اللَّامِ بَدَلًا مِنْ الْحَقِّ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ أَيْ كَمِثْلِ، مَا أَنَّكُمْ
تَنْطِقُونَ، فَتَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقِيلَ: شَبَّهَ تحقق ما أخبر عنه بتحقق نُطْقِ الْآدَمِيِّ،
كَمَا تَقُولُ: إِنَّهُ لحق كما أنت هاهنا، وَإِنَّهُ لَحَقٌّ
كَمَا أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّهُ فِي
صِدْقِهِ وَوُجُودِهِ كَالَّذِي تَعْرِفُهُ ضَرُورَةً:
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: يَعْنِي كَمَا أَنَّ كُلَّ
إِنْسَانٍ يَنْطِقُ بِلِسَانِ نَفْسِهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ
يَنْطِقَ بِلِسَانِ غَيْرِهِ كذلك كَلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ
رِزْقَ نَفْسِهِ الَّذِي قُسِمَ لَهُ. وَلَا يَقْدِرُ أن يأكل
رزق غيره.
__________
(1) في المطبوع «رب» المثبت عن «المخطوط» و «شرح السنة» .
(2) زيد في المطبوع «قال» والمثبت عن «صحيح البخاري» و «شرح
السنة» .
(3) زيد في المطبوع «وصلى» وليست هذه الزيادة في «صحيح
البخاري» ولا في المخطوط و «شرح السنة» .
(4) في المطبوع «الغنيمة» والمثبت عن المخطوط.
(5) في المطبوع «شيء» والمثبت عن المخطوط. [.....]
(6) في المخطوط «ينفخ» .
(4/284)
إِذْ دَخَلُوا
عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ
(25)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ أَتاكَ
حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ، ذَكَرْنَا عَدَدَهُمْ فِي سُورَةِ
هُودٍ [78] ، الْمُكْرَمِينَ، قِيلَ: سَمَّاهُمْ مُكْرَمِينَ
لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَلَائِكَةً كِرَامًا عِنْدَ اللَّهِ،
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِهِمْ: بَلْ عِبادٌ
مُكْرَمُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 26] ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ
كَانُوا ضَيْفَ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَكْرَمَ
الْخَلِيقَةِ، وَضَيْفُ الْكِرَامِ مُكْرَمُونَ [1] وَقِيلَ:
لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْرَمَهُمْ
بِتَعْجِيلِ قِرَاهُمْ، وَالْقِيَامِ بِنَفْسِهِ عليهم وطلاقة
الْوَجْهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عن مجاهد: خدمته بنفسه إياهم.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمَّاهُمْ مكرمين لأنهم جاؤوا
غَيْرَ مَدْعُوِّينَ.
«2030» وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
واليوم الآخر فليكرم ضيفه» [2] .
[سورة الذاريات (51) : الآيات 25 الى 34]
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ
مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ
سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ
(27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لَا تَخَفْ
وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ
فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ
الْعَلِيمُ (30) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ
(31) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً
عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ، إبراهيم،
سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، أَيْ غُرَبَاءُ لَا نَعْرِفُكُمْ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ فِي نَفْسِهِ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ
لَا نَعْرِفُهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّمَا أَنْكَرَ أَمْرَهُمْ
لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: أَنْكَرَ سَلَامَهُمْ فِي ذَلِكَ
الزَّمَانِ وَفِي تِلْكَ الْأَرْضِ.
فَراغَ، فَعَدَلَ وَمَالَ [3] ، إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ
سَمِينٍ، مَشْوِيٍّ.
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ، لِيَأْكُلُوا فَلَمْ يَأْكُلُوا، قالَ
أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لَا
تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ
امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ، أَيْ صَيْحَةٍ، قِيلَ: لَمْ يَكُنْ
ذَلِكَ إِقْبَالًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَإِنَّمَا
هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَقْبَلَ يَشْتُمُنِي، بِمَعْنَى
أَخَذَ فِي شَتْمِي، أَيْ أخذت تولول كما قال الله تعالى:
قالَتْ يا وَيْلَتى [هُودٍ: 72] ، فَصَكَّتْ وَجْهَها، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لَطَمَتْ وَجْهَهَا. وَقَالَ الْآخَرُونَ:
جَمَعَتْ أَصَابِعَهَا فَضَرَبَتْ جَبِينَهَا تَعَجُّبًا،
كَعَادَةِ النِّسَاءِ إِذَا أَنْكَرْنَ شَيْئًا، وَأَصْلُ
الصَّكِّ: ضَرْبُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ الْعَرِيضِ. وَقالَتْ
عَجُوزٌ عَقِيمٌ، مَجَازُهُ: أَتَلِدُ عَجُوزٌ عَقِيمٌ،
وَكَانَتْ سَارَةُ لَمْ تَلِدْ قَبْلَ ذَلِكَ.
قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ، أَيْ كَمَا قُلْنَا لَكَ قَالَ
رَبُّكِ إِنَّكَ سَتَلِدِينَ غُلَامًا، إِنَّهُ هُوَ
الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ.
قالَ، يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ، فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا
الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ
مُجْرِمِينَ (32) ، يَعْنِي قَوْمَ لُوطٍ.
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً،
مُعَلَّمَةً، عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ:
لِلْمُشْرِكِينَ، وَالشِّرْكُ أَسْرَفُ الذُّنُوبِ
وَأَعْظَمُهَا.
[سورة الذاريات (51) : الآيات 35 الى 43]
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَما
وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)
وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ
الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى
فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ
وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ
مُلِيمٌ (40) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ
الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ
إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ
لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43)
__________
2030- تقدم في سورة البقرة عند آية: 177.
1 في المخطوط «يكرمون» .
2 في المخطوط «يكرمون» .
(3) في المخطوط «حال» .
(4/285)
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
(44)
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها، أَيْ فِي
قُرَى قَوْمِ لُوطٍ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ [هود: 81، الحجر:
65] .
فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ، أَيْ غَيْرَ أَهْلِ
بَيْتٍ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَعْنِي لُوطًا وَابْنَتَيْهِ،
وَصْفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ
جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ.
وَتَرَكْنا فِيها، أَيْ فِي مَدِينَةِ قَوْمِ لُوطٍ، آيَةً،
عِبْرَةً، لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ، أَيْ
عَلَامَةً لِلْخَائِفِينَ تَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَهْلَكَهُمْ فَيَخَافُونَ مثل عذابهم.
وَفِي مُوسى، أَيْ وَتَرَكْنَا فِي إِرْسَالِ مُوسَى آيَةً
وَعِبْرَةً. وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَفِي
الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) [الذاريات: 20] ، وَفِي
مُوسَى، إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ
مُبِينٍ، بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ.
فَتَوَلَّى، أي فَأَعْرَضَ وَأَدْبَرَ عَنِ الْإِيمَانِ،
بِرُكْنِهِ، أَيْ بِجَمْعِهِ وَجُنُودِهِ الَّذِينَ كَانُوا
يتقوى بهم، كالركن الذي يتقوى [1] به البنيان، نظيره قوله:
أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هُودٍ: 80] ، وَقالَ ساحِرٌ
أَوْ مَجْنُونٌ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَوْ، بِمَعْنَى
الواو.
َخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ
، أَغْرَقْنَاهُمْ فيه، هُوَ مُلِيمٌ
، أَيْ آتٍ بِمَا يُلَامُ عَلَيْهِ مِنْ دَعْوَى
الرُّبُوبِيَّةَ وَتَكْذِيبِ الرسل.
وَفِي عادٍ، أَيْ وَفِي إِهْلَاكِ عَادٍ أَيْضًا آيَةٌ، إِذْ
أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، وَهِيَ الَّتِي
لَا خَيْرَ فِيهَا وَلَا بَرَكَةَ وَلَا تُلَقِّحُ شَجَرًا [2]
وَلَا تَحْمِلُ مَطَرًا.
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ، مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَنْعَامِهِمْ ومواشيهم وَأَمْوَالِهِمْ، إِلَّا جَعَلَتْهُ
كَالرَّمِيمِ، كَالشَّيْءِ الْهَالِكِ الْبَالِي، وَهُوَ
نَبَاتُ الْأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ. قَالَ مُجَاهِدٌ:
كَالتِّبْنِ الْيَابِسِ. قَالَ قَتَادَةُ: كَرَمِيمِ
الشَّجَرِ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَالتُّرَابِ
الْمَدْقُوقِ. وَقِيلَ: أَصِلُهُ مِنَ الْعَظْمِ الْبَالِي.
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ
(43) ، يَعْنِي وَقْتَ فَنَاءِ آجَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ قِيلَ لَهُمْ: تمتعوا ثلاثة أيام.
[سورة الذاريات (51) : الآيات 44 الى 51]
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ
وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما
كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46) وَالسَّماءَ
بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ
فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (48)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ
مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ
إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ،
يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ
الْمَوْتُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ:
يَعْنِي العذاب، والصاعقة: كُلُّ عَذَابٍ مُهْلِكٌ، وَقَرَأَ
الْكِسَائِيُّ: الصَّاعِقَةُ، وهي
__________
(1) في المطبوع «يقوى» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المطبوع «سجرا» والمثبت عن المخطوط.
(4/286)
كَذَلِكَ مَا أَتَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا
سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)
الصوت الذي يكون في الصَّاعِقَةِ، وَهُمْ
يَنْظُرُونَ، يَرَوْنَ ذَلِكَ عِيَانًا.
فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ، فَمَا قَامُوا بَعْدَ نُزُولِ
الْعَذَابِ بِهِمْ وَلَا قَدَرُوا عَلَى نُهُوضٍ. قَالَ
قَتَادَةُ: لَمْ يَنْهَضُوا مِنْ تِلْكَ الصَّرْعَةِ، وَما
كانُوا مُنْتَصِرِينَ، مُمْتَنِعِينَ مِنَّا. قَالَ قَتَادَةُ:
مَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ قُوَّةٌ يَمْتَنِعُونَ بِهَا من الله.
وَقَوْمَ نُوحٍ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ: وَقَوْمَ، بِجَرِّ الْمِيمِ، أَيْ وَفِي
قَوْمِ نُوحٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِنَصْبِهَا بِالْحَمْلِ
عَلَى الْمَعْنَى، وهو أن قوله: أَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ
فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ
، مَعْنَاهُ: أغرقناهم، كأنه قال: أَغْرَقْنَاهُمْ
وَأَغْرَقْنَا قَوْمَ نُوحٍ. مِنْ قَبْلُ، أَيْ مِنْ قَبْلِ
هَؤُلَاءِ، وَهُمْ عَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ فِرْعَوْنَ.
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.
وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ، بِقُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ،
وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله
تعالى عنهما:
لقادرون. وَعَنْهُ أَيْضًا: لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ عَلَى
خلقنا. وقيل: ذو سعة. وقال الضَّحَّاكُ: أَغْنِيَاءُ،
دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ
[الْبَقَرَةِ: 236] ، قال الحسن: المطيقون.
وَالْأَرْضَ فَرَشْناها، بَسَطْنَاهَا وَمَهَّدْنَاهَا [1]
لَكُمْ، فَنِعْمَ الْماهِدُونَ، الْبَاسِطُونَ نَحْنُ: قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: نِعْمَ مَا وَطَّأْتُ لِعِبَادِي.
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ، صِنْفَيْنِ
وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ،
وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،
وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالسَّهْلِ وَالْجَبَلِ،
وَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ،
وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ،
وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَالسَّعَادَةِ والشقاوة، والجنة
والنار، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْحُلْوِ وَالْمُرِّ.
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فتعملون أَنَّ خَالِقَ الْأَزْوَاجِ
فَرْدٌ.
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ، فَاهْرُبُوا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
إِلَى ثَوَابِهِ، بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ.
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فِرُّوا مِمَّا سِوَى
اللَّهِ إِلَى اللَّهِ. إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ
وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ
مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) .
[سورة الذاريات (51) : الآيات 52 الى 57]
كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ
إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَواصَوْا بِهِ
بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ
بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ
الْمُؤْمِنِينَ (55) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ
يُطْعِمُونِ (57)
كَذلِكَ، أَيْ كَمَا كَذَّبَكَ قَوْمُكَ يا محمد وَقَالُوا
سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ كَذَلِكَ، مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ، مِنْ قَبْلِ كُفَّارِ مَكَّةَ، مِنْ رَسُولٍ
إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَتَواصَوْا بِهِ، أَيْ أَوْصَى
أَوَّلُهُمْ آخِرَهُمْ وَبَعْضُهُمْ بعضا بالتكذيب وتواطؤا
عَلَيْهِ؟
وَالْأَلْفُ فِيهِ لِلتَّوْبِيخِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَمَلَهُمُ الطُّغْيَانُ فِيمَا
أَعْطَيْتُهُمْ وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِمْ عَلَى تَكْذِيبِكَ،
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، فَما أَنْتَ
بِمَلُومٍ، لَا لَوْمَ عَلَيْكَ فَقَدْ أَدَّيْتَ الرِّسَالَةَ
وَمَا قَصَّرْتَ فِيمَا أمرت به.
__________
(1) في المخطوط «مددناها» .
(4/287)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
«2031» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى
أَصْحَابِهِ، وَظَنُّوا أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ،
وَأَنَّ الْعَذَابَ قَدْ حضر إذا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَلَّى عَنْهُمْ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى
تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) ، فَطَابْتُ أَنْفُسُهُمْ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ عِظْ بِالْقُرْآنِ كُفَّارَ
مَكَّةَ [1] ، فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ مَنْ سَبَقَ فِي
عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يُؤْمِنَ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
عِظْ بِالْقُرْآنِ مَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِكَ فَإِنَّ
الذِّكْرَى تَنْفَعُهُمْ.
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَسُفْيَانُ: هَذَا خَاصٌّ
لِأَهْلِ طَاعَتِهِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ
قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، ثُمَّ قَالَ فِي
آية أُخْرَى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الْأَعْرَافِ: 179] ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ:
وَمَا خَلَقْتُ السُّعَدَاءَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِلَّا
لِعِبَادَتِي وَالْأَشْقِيَاءَ مِنْهُمْ إِلَّا لِمَعْصِيَتِي،
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: هم عَلَى
مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. أَيْ: إِلَّا لِآمُرَهُمْ أَنْ
يَعْبُدُونِي وَأَدْعُوَهُمْ إِلَى عِبَادَتِي، يُؤَيِّدُهُ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
إِلهاً واحِداً [التَّوْبَةِ: 31] ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَّا
لِيَعْرِفُونِي [2] . وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ
يَخْلُقْهُمْ لَمْ يُعْرَفْ وُجُودُهُ وَتَوْحِيدُهُ،
دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ
خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزُّخْرُفِ: 87] ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ إِلَّا لِيَخْضَعُوا إِلَيَّ وَيَتَذَلَّلُوا،
وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي اللُّغَةِ:
التَّذَلُّلُ وَالِانْقِيَادُ، فَكُلُّ مَخْلُوقٌ مِنَ
الْجِنِّ وَالْإِنْسِ خَاضِعٌ لِقَضَاءِ اللَّهِ، ومتذلل
لِمَشِيئَتِهِ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ لِنَفْسِهِ خروجا عما خلق
عليه قدر ذرة من نفع ضرر. وقيل: إلا ليعبدون إلّا ليوحدون،
فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُوَحِّدُهُ [3] فِي الشِّدَّةِ
وَالرَّخَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُوَحِّدُهُ فِي
الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ دُونَ النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ،
بَيَانُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ [الْعَنْكَبُوتِ: 65] ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ
مِنْ رِزْقٍ، أَيْ أَنْ يَرْزُقُوا أَحَدًا مِنْ خَلْقِي وَلَا
أَنْ يَرْزُقُوا أَنْفُسَهُمْ، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ،
أَيْ أَنْ يُطْعِمُوا أَحَدًا مِنْ خَلْقِي، وَإِنَّمَا
أَسْنَدَ الْإِطْعَامَ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْخَلْقَ
عِيَالُ اللَّهِ وَمَنْ أَطْعَمَ عِيَالَ أَحَدٍ فَقَدْ
أَطْعَمَهُ.
«2032» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ اللَّهُ: «يا ابن
آدم استطعمتك فلم تطعمني» ، أي فلم تُطْعِمْ عَبْدِي، ثُمَّ
بَيَّنَ أَنَّ الرزاق هو لا غيره فقال:
[سورة الذاريات (51) : الآيات 58 الى 60]
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
(58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ
أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
__________
2031- ضعيف. أخرجه الطبري 32260 عن قتادة مرسلا.
وأخرجه ابن منيع وابن راهوية والهيثم بن كليب في مسانيدهم كما
في «أسباب النزول» للسيوطي 1048 من طريق مجاهد عن علي بنحوه،
وإسناده ضعيف، مجاهد عن علي منقطع، فالخبر ضعيف، ولا يثبت
بمثله سبب نزول أول عدم نزول، فتنبه، والله أعلم.
2032- صحيح، أخرجه مسلم 2569 وغيره، وتقدم في سورة البقرة عند
آية: 245.
(1) في المخطوط «قومك» .
(2) في المخطوط «ليعرفون» .
(3) في المطبوع «فيجده» والمثبت عن المخطوط و «ط» .
(4/288)
|