تفسير البغوي
إحياء التراث وَالطُّورِ (1)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ، يَعْنِي
لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، وهو القوي
المتقدر الْمُبَالِغُ فِي الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا، كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ،
ذَنُوباً، نَصِيبًا مِنَ الْعَذَابِ، مِثْلَ ذَنُوبِ
أَصْحابِهِمْ، مِثْلَ نَصِيبِ أصحابهم الذين أهلكوا مَنْ
قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، وَأَصْلُ الذَّنُوبِ فِي
اللُّغَةِ: الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ الْمَمْلُوءَةُ مَاءً،
ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ، فَلا
يَسْتَعْجِلُونِ، بِالْعَذَابِ يَعْنِي أَنَّهُمْ أُخِّرُوا
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) ، يَعْنِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: يَوْمُ بَدْرٍ.
سورة الطور
مكية وهي تسع وأربعون آية
[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ
(3)
وَالطُّورِ، أَرَادَ بِهِ الْجَبَلَ الَّذِي كلم الله تعالى
عليه وموسى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ
أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) ، مكتوب.
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) ، الرق: مَا يُكْتَبُ فِيهِ، وَهُوَ
أَدِيمُ المصحف والمنشور الْمَبْسُوطُ، وَاخْتَلَفُوا فِي
هَذَا الْكِتَابِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مَا كَتَبَ
اللَّهُ بِيَدِهِ لِمُوسَى مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُوسَى
يَسْمَعُ صَرِيرَ الْقَلَمِ. وَقِيلَ: هو اللوح المحفوظ. وقيل:
هو داودين الْحَفَظَةِ تَخْرُجُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَنْشُورَةً، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ
بِشِمَالِهِ.
دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ
الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الإسراء: 13] .
[سورة الطور (52) : الآيات 4 الى 10]
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ
(7) مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ (8)
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ
سَيْراً (10)
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) ، بِكَثْرَةِ الْغَاشِيَةِ
وَالْأَهْلِ، وهو بيت في السماء السابعة حِذَاءَ الْعَرْشِ
بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ يُقَالُ لَهُ: الضُّرَاحُ، حُرْمَتُهُ
فِي السَّمَاءِ كَحُرْمَةِ الْكَعْبَةِ فِي الْأَرْضِ
يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ
الْمَلَائِكَةِ يَطُوفُونَ بِهِ وَيُصَلُّونَ فِيهِ ثُمَّ لَا
يَعُودُونَ إِلَيْهِ أَبَدًا.
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) ، يَعْنِي السَّمَاءَ نَظِيرُهُ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً
مَحْفُوظاً [الْأَنْبِيَاءِ: 32] .
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ
الْقُرَظِيُّ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي الْمُوقَدَ الْمُحْمَى
بِمَنْزِلَةِ التنور
(4/289)
المسجور، وهو قوله ابْنِ عَبَّاسٍ:
وَذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ
الْبِحَارَ كلها يوم القيامة نارا فيزداد بِهَا فِي نَارِ
جَهَنَّمَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا الْبِحارُ
سُجِّرَتْ (6) [التَّكْوِيرِ: 6] .
«2033» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَا يَرْكَبَنَّ رَجُلٌ بَحْرًا إِلَّا غَازِيًا
أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ حَاجًّا، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ
نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا» .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ: الْمَسْجُورُ الْمَمْلُوءُ،
يُقَالُ: سَجَّرْتُ الْإِنَاءَ إِذَا مَلَأْتُهُ. وَقَالَ
الْحَسَنُ وقَتَادَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: هُوَ الْيَابِسُ
الَّذِي قَدْ ذَهَبَ مَاؤُهُ وَنَضَبَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ
بْنُ أَنَسٍ: هو المختلط العذب بالملح. وَرَوَى الضَّحَّاكُ
عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ
فِي الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ: هُوَ بَحْرٌ تَحْتَ الْعَرْشِ،
غَمْرُهُ [1] كَمَا بَيْنَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ إِلَى سَبْعِ
أَرْضِينَ، فِيهِ مَاءٌ غَلِيظٌ يُقَالُ لَهُ: بَحْرُ
الْحَيَوَانِ. يُمْطِرُ الْعِبَادَ بَعْدَ النَّفْخَةِ
الْأُولَى مِنْهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَيَنْبُتُونَ فِي
قُبُورِهِمْ. هَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ: أَقْسَمَ اللَّهُ
بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) ، نَازِلٌ كَائِنٌ.
مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ (8) ، مَانِعٍ.
«2034» قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ
لِأُكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ
يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ، وَصَوْتُهُ يَخْرُجُ مِنَ
الْمَسْجِدِ فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ وَالطُّورِ إِلَى قَوْلِهِ
إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دافِعٍ (8) ،
فَكَأَنَّمَا صُدِعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ
أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ فَأَسْلَمْتُ خَوْفًا مِنْ نُزُولِ
الْعَذَابِ وَمَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَقُومُ مِنْ مَكَانِي
حَتَّى يَقَعَ بِيَ العذاب. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ مَتَى
يَقَعُ [2] فَقَالَ:
يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) ، أَيْ تَدُورُ
كَدَوَرَانِ الرَّحَى وَتَتَكَفَّأُ بِأَهْلِهَا تَكَفُّؤَ
السَّفِينَةِ. قَالَ قَتَادَةُ:
تَتَحَرَّكُ. قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: تَخْتَلِفُ
أَجْزَاؤُهَا بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ: وَقِيلَ: تضطرب، والمور
يَجْمَعُ هَذِهِ الْمَعَانِي فَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الذَّهَابُ
وَالْمَجِيءُ وَالتَّرَدُّدُ وَالدَّوَرَانُ وَالِاضْطِرَابُ.
وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (10) ، فَتَزُولُ عَنْ
أَمَاكِنِهَا وَتَصِيرُ هَبَاءً مَنْثُورًا.
__________
2033- ضعيف، والصحيح موقوف، والمتن منكر.
- أخرجه أبو داود 2489 والبيهقي 4/ 334 من طريق بشر أبي عبد
الله عن بشير بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو
مرفوعا.
- وإسناده ضعيف، بشر وبشير كلاهما مجهول.
- وقال ابن الملقن في «الخلاصة» 1/ 73: هو ضعيف باتفاق الأئمة،
وضعفه الخطابي وابن دقيق العيد.
- وله شاهد من حديث أبي بكر، أخرجه الحارث بن أبي أسامة في
«مسنده» كما في «المطالب العالية» 1064 وفيه الخليل ابن زكريا،
وهو ضعيف جدا، فهذا شاهد لا يفرح به، والصواب في حديث ابن عمرو
كونه من كلامه، ولا يصح، فإنه يجوز ركوب البحر في تجارة وطلب
علم وصلة رحم وغير ذلك باتفاق، فهذا حديث لا شيء، والله أعلم.
[.....]
2034- م لم أره بهذا اللفظ، وأخرج البخاري 3050 عن محمد بن
جبير عن أبيه- وكان جاء في أسارى بدر- قَالَ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور» .
- وأخرجه البخاري 4024 من وجه آخر عن جبير بن مطعم قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يقرأ في المغرب
بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي» وعجزه لم أره.
- فهذا الذي صح من الحديث، وانظر «أحكام القرآن» 2028 بتخريجي.
(1) في المخطوط (أ) «عمقه» وفي المطبوع «سقعه» والمثبت عن «ط»
والمخطوط (ب) .
(2) في المطبوع «فيقال» والمثبت عن المخطوط و «ط» .
(4/290)
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ (11)
[سورة الطور (52) : الآيات 11 الى 21]
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي
خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ
جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها
تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا
تُبْصِرُونَ (15)
اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ
إِنَّما تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ بِما
آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ
(18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(19) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ
بِحُورٍ عِينٍ (20)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ
مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ
رَهِينٌ (21)
فَوَيْلٌ فَشِدَّةُ عَذَابٍ، يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) ، يَخُوضُونَ فِي
الْبَاطِلِ يَلْعَبُونَ غَافِلِينَ لَاهِينَ.
يَوْمَ يُدَعُّونَ، يُدْفَعُونَ، إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا،
دَفْعًا بِعُنْفٍ وَجَفْوَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ خَزَنَةَ
جَهَنَّمَ يَغُلُّونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ،
وَيَجْمَعُونَ نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعونهم إِلَى
النَّارِ دَفْعًا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَزَجًّا فِي
أَقْفِيَتِهِمْ حَتَّى يَرِدُوا النَّارَ، فَإِذَا دَنَوْا
مِنْهَا قَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا.
هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (14) ، فِي
الدُّنْيَا.
أَفَسِحْرٌ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْسُبُونَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
السِّحْرِ، وَإِلَى أَنَّهُ يُغَطِّي عَلَى الْأَبْصَارِ
بِالسِّحْرِ، فَوُبِّخُوا، بِهِ، وَقِيلَ لَهُمْ: أَفَسِحْرٌ
هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) .
اصْلَوْها، قَاسُوا شِدَّتَهَا، فَاصْبِرُوا أَوْ لَا
تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ، الصَّبْرُ وَالْجَزَعُ، إِنَّما
تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فاكِهِينَ،
مُعْجَبِينَ بِذَلِكَ نَاعِمَيْنِ، بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ
وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ، وَيُقَالُ لَهُمْ:
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً، مَأْمُونُ الْعَاقِبَةِ مِنَ
التُّخَمَةِ وَالسَّقَمِ، بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ، مَوْضُوعَةٍ بَعْضُهَا
إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ، وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمانٍ، قرأ أبو عمرو: أتبعناهم بِقَطْعِ الْأَلْفِ عَلَى
التَّعْظِيمِ، ذُرِّيَّاتِهِمْ، بِالْأَلْفِ وَكَسْرِ التَّاءِ
فِيهِمَا لِقَوْلِهِ: أَلْحَقْنا بِهِمْ وَما أَلَتْناهُمْ،
لِيَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ وَاتَّبَعَتْهُمْ بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَتَشْدِيدِ
التَّاءِ بَعْدَهَا وَسُكُونِ التَّاءِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِي ذُرِّيَّتُهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ
الْأُولَى بِغَيْرِ أَلْفٍ وَضَمِّ التَّاءِ، وَالثَّانِيَةَ
بِالْأَلْفِ وَكَسْرِ التَّاءِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الشَّامِ،
وَيَعْقُوبُ كِلَاهُمَا بِالْأَلْفِ وَكَسْرِ التَّاءِ فِي
الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ أَلْفٍ فِيهِمَا
وَرَفْعِ التَّاءِ فِي الْأُولَى وَنَصْبِهَا فِي
الثَّانِيَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ: فَقَالَ قَوْمٌ:
مَعْنَاهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ يَعْنِي أَوْلَادَهُمُ الصِّغَارَ
وَالْكِبَارَ، فَالْكِبَارُ بِإِيمَانِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ،
وَالصِّغَارُ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ، فَإِنَّ الْوَلَدَ
الصَّغِيرَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ
الْأَبَوَيْنِ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ بِدَرَجَاتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ
يَبْلُغُوا بِأَعْمَالِهِمْ دَرَجَاتِ آبَائِهِمْ تَكْرِمَةً
لِآبَائِهِمْ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ، وَهِيَ
رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمُ الْبَالِغُونَ بِإِيمَانٍ
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمُ الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ
يَبْلُغُوا الْإِيمَانَ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ
الضَّحَّاكِ، وَرِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا،
(4/291)
أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ
يَجْمَعُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتَهُ فِي الْجَنَّةِ
كَمَا كَانَ يُحِبُّ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَجْتَمِعُوا
إِلَيْهِ، يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَيُلْحِقُهُمْ
بِدَرَجَتِهِ بِعَمَلِ أَبِيهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ
الْآبَاءَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وَما أَلَتْناهُمْ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِ اللَّامِ،
وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا أَيْ مَا نَقَصْنَاهُمْ يَعْنِي
الْآبَاءَ، مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ.
«2035» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله الحديثي
ثنا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصيرفي ثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة حدثنا جبارة [1] من
مغلّس [2] ثنا قيس بن الربيع ثنا عَمْرُو [3] بْنُ مُرَّةَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ
ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي دَرَجَتِهِ وَإِنْ كانوا دونه في
العمل، لتقربهم عَيْنُهُ» ، ثُمَّ قَرَأَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ.
«2036» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن فنجويه
الدينوري ثنا أبو بكر
__________
2035- ضعيف، والصحيح موقوف، إسناده ضعيف جدا، جبارة وقيس
واهيان. وورد من وجه آخر، وإسناده لا تقوم به حجة.
- وأخرجه ابن عدي في «الكامل» 6/ 42 والواحدي في «الوسيط» 4/
186- 187 من طريقين عن جبارة به.
- وقال الهيثمي في «المجمع» 7/ 114: رواه البزار، وفيه قيس بن
الربيع وثقه الثوري وشعبة، وفيه ضعيف، بل هو ضعيف كان يتلقن.
- وهو في «كشف الأستار» برقم 2260.
- وأخرجه الطبري 22338- 32342 والحاكم 2/ 468 عن ابن عباس
موقوفا، وهو أصح.
- وورد بمعناه من وجه آخر من حديث ابن عباس عند الطبراني في
«الكبير» 12248 و «الصغير» 640 وإسناده ضعيف.
- قال الهيثمي في «المجمع» 11369: وفيه مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ غزوان ضعيف.
- الخلاصة: المرفوع ضعيف، والصحيح موقوف، وانظر: «فتح القدير»
2345 و2346 و «الكشاف» 1093 بتخريجي.
2036- ضعيف منكر. إسناده ضعيف، محمد بن عثمان مجهول.
- قال الذهبي في «الميزان» 3/ 642: لا يدرى من هو، وله خبر
منكر، ثم ذكر هذا الحديث.
- وهو في «الوسيط» 4/ 187 من طريق أبي بكر القطيفي به.
- وهو في «زوائد المسند» 1/ 134 عن عثمان بن أبي شيبة بهذا
الإسناد.
- وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» 213 م والواحدي في «الوسيط»
4/ 411 من طريق عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- قال الهيثمي في «المجمع» 7/ 217: رواه عبد الله بن أحمد،
وفيه محمد بن عثمان، لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
- وأخرجه أبو يعلى 7077 والطبراني 23/ 16 عن عبد الله بن نوفل
أو عن عبد الله بن بريدة عن خديجة بنحوه.
- وإسناده ضعيف لانقطاعه، ابن نوفل أو ابن بريدة، كلاهما لم
يدرك خديجة، وفيه رجل شبه مجهول، وهو سهل بن زياد الحربي.
- وقد أعله الذهبي بالانقطاع في «سير أعلام النبلاء» 2/ 113.-
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «جنادة عن المفلس» والمثبت عن كتب التراجم
والمخطوط.
(3) في المطبوع «عمر» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.
(4/292)
وَأَمْدَدْنَاهُمْ
بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)
مالك القطيعي ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شيبة
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ [1] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عُثْمَانَ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: سَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا
[2] النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
وَلَدَيْنِ مَاتَا لَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمَا في النار»
، فلما رأى الكراهية فِي وَجْهِهَا، قَالَ: «لَوْ رَأَيْتِ
مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا» ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ فَوَلَدِي مِنْكَ؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ» ثُمَّ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ،
وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ» ، ثُمَّ
قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ.
كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ، قَالَ مُقَاتِلٌ: كُلُّ
امْرِئٍ كَافِرٍ بِمَا عَمِلَ مِنَ الشِّرْكِ مُرْتَهَنٌ فِي
النَّارِ، وَالْمُؤْمِنُ لَا يَكُونُ مُرْتَهَنًا، لِقَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) [المدثر: 38 و39] ثُمَّ
ذَكَرَ مَا يَزِيدُهُمْ مِنَ الخير والنعمة.
[سورة الطور (52) : الآيات 22 الى 30]
وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)
يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لَا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ
(23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ
لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ
يَتَساءَلُونَ (25) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا
مُشْفِقِينَ (26)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27)
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ
الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ
نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
فقال: وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ، زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ
لَهُمْ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ، مِنْ أَنْوَاعِ
اللُّحْمَانِ.
يَتَنازَعُونَ، يَتَعَاطَوْنَ وَيَتَنَاوَلُونَ، فِيها كَأْساً
لَا لَغْوٌ فِيها، وَهُوَ الْبَاطِلُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
قَتَادَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَا فُضُولَ
فِيهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا رَفَثَ فيها.
وقال ابن زيد: لاسباب وَلَا تَخَاصُمَ فِيهَا. وَقَالَ
الْقُتَيْبِيُّ: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ فَيَلْغُوا
وَيَرْفُثُوا، وَلا تَأْثِيمٌ، أَيْ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ مَا
يُؤَثِّمُهُمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ مَا
يُلْغِي وَلَا مَا فِيهِ إِثْمٌ كَمَا يجري في الدنيا بشرية
الْخَمْرِ. وَقِيلَ: لَا يَأْثَمُونَ فِي شُرْبِهَا.
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ، بِالْخِدْمَةِ غِلْمانٌ لَهُمْ
كَأَنَّهُمْ، فِي الْحُسْنِ وَالْبَيَاضِ وَالصَّفَاءِ،
لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ، مَخْزُونٌ مَصُونٌ لَمْ تَمَسَّهُ
الْأَيْدِي.
قَالَ سَعِيدُ بن جبير: مكنون يَعْنِي فِي الصَّدَفِ. قَالَ
عَبْدُ الله بن عمرو: ما مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ غُلَامٍ، وَكُلُّ غُلَامٍ
عَلَى عَمَلٍ مَا عليه صاحب.
«2037» وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمَّا تَلَا هَذِهِ
الْآيَةَ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْخَادِمُ
كَاللُّؤْلُؤِ المكنون، فكيف المخدوم؟
__________
- والخبر منكر كما قال الذهبي رحمه الله.
- وانظر ما تقدم في سورة الروم عند آية: 30.
2037- لم أقف له على إسناده، وانظر ما بعده.
(1) في المطبوع «فصل» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.
(2) زيد في المطبوع «عن» .
(4/293)
قُلْ تَرَبَّصُوا
فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
«2037» م وعن قتادة قَالَ: ذُكِرَ لَنَا
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْخَادِمُ
فَكَيْفَ الْمَخْدُومُ؟ قَالَ: «فَضْلُ الْمَخْدُومِ عَلَى
الْخَادِمِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى
سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» .
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (25) ،
يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: يَتَذَاكَرُونَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ التَّعَبِ
وَالْخَوْفِ فِي الدُّنْيَا.
قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا، فِي الدُّنْيَا،
مُشْفِقِينَ، خَائِفِينَ مِنَ الْعَذَابِ.
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا، بِالْمَغْفِرَةِ، وَوَقانا عَذابَ
السَّمُومِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَذَابَ النَّارِ. وَقَالَ
الْحَسَنُ:
السَّمُومُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ، فِي الدُّنْيَا، نَدْعُوهُ،
نُخْلِصُ لَهُ الْعِبَادَةَ، إِنَّهُ، قَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَالْكِسَائِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْأَلِفِ،
أَيْ لِأَنَّهُ أَوْ بِأَنَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، هُوَ الْبَرُّ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّطِيفُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الصَّادِقُ
فِيمَا وَعَدَ الرَّحِيمُ.
فَذَكِّرْ، يَا مُحَمَّدُ بِالْقُرْآنِ أَهْلَ مَكَّةَ، فَما
أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ، بِرَحْمَتِهِ وَعِصْمَتِهِ،
بِكاهِنٍ، تَبْتَدِعُ الْقَوْلَ [1] وَتُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ
مِنْ غَيْرِ وَحْيٍ، وَلا مَجْنُونٍ، نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ
اقْتَسَمُوا عِقَابَ [2] مَكَّةَ يَرْمُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِهَانَةِ وَالسِّحْرِ
وَالْجُنُونِ وَالشِّعْرِ.
أَمْ يَقُولُونَ، بَلْ يَقُولُونَ يَعْنِي هَؤُلَاءِ
الْمُقْتَسِمِينَ الْخَرَّاصِينَ، شاعِرٌ، أَيْ هُوَ شَاعِرٌ،
نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، حَوَادِثَ الدَّهْرِ
وَصُرُوفَهُ فَيَمُوتُ وَيَهْلَكُ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَهُ
مِنَ الشُّعَرَاءِ، وَيَتَفَرَّقُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّ أَبَاهُ
مَاتَ شَابًّا وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ كموت
أبيه، والمنون يَكُونُ بِمَعْنَى الدَّهْرِ وَيَكُونُ
بِمَعْنَى الْمَوْتِ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا
يَقْطَعَانِ الأجل.
[سورة الطور (52) : الآيات 31 الى 37]
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ
(31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ
طاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا
يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا
صادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ
الْخالِقُونَ (35)
أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ
(36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ
الْمُصَيْطِرُونَ (37)
قُلْ تَرَبَّصُوا، انْتَظَرُوا بِيَ الْمَوْتَ، فَإِنِّي
مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ، مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ فيكم فتعذبوا يَوْمَ بَدْرٍ
بِالسَّيْفِ.
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ، عُقُولُهُمْ، بِهذا، وَذَلِكَ
أَنَّ عُظَمَاءَ قُرَيْشٍ كَانُوا يُوصَفُونَ بِالْأَحْلَامِ
وَالْعُقُولِ، فَأَزْرَى اللَّهُ بِعُقُولِهِمْ حِينَ لم يتميز
[3] لَهُمْ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، أَمْ هُمْ،
بَلْ هُمْ، قَوْمٌ طاغُونَ.
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ، أي تخلق الْقُرْآنَ مِنْ
تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَالتَّقَوُّلُ: تكلّف القول، ولا يستعمل
ذلك إلّا
__________
2037- م ضعيف جدا. أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» 3012 والطبري
32370 من طريق معمر عن قتادة مرسلا، فهو ضعيف، وذكره بصيغة
التمريض.
- وعامة مراسيل قتادة في التفسير إنما هي عن الحسن، ومراسيل
الحسن واهية.
(1) في المطبوع «القرآن» والمثبت عن المخطوط و «ط» . [.....]
(2) في المطبوع «عقبات» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(3) في المطبوع «تتم» والمثبت عن ط والمخطوط.
(4/294)
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ
يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ
مُبِينٍ (38)
في الكذب وليس الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا،
بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ، بِالْقُرْآنِ اسْتِكْبَارًا.
ثُمَّ أَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةَ فَقَالَ: فَلْيَأْتُوا
بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ، أي مثل القرآن في نظمه وَحُسْنِ
بَيَانِهِ، إِنْ كانُوا صادِقِينَ، أن محمدا تقوّله من تلقاء
[1] نَفْسِهِ.
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ
غَيْرِ رَبٍّ، وَمَعْنَاهُ: أَخُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ
خَلَقَهُمْ فَوُجِدُوا بِلَا خَالِقٍ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ، لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْخَلْقِ بالخالق من
ضرورة الاسم، فلا بد له من خالق، فَإِنْ أَنْكَرُوا الْخَالِقَ
لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوجَدُوا بِلَا خَالِقٍ، أَمْ هُمُ
الْخالِقُونَ، لِأَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ فِي الْبُطْلَانِ
أَشَدُّ، لِأَنَّ مَا لَا وُجُودَ لَهُ كَيْفَ يَخْلُقُ،
فَإِذَا بَطَلَ الْوَجْهَانِ قَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ
بِأَنْ لَهُمْ خَالِقًا فَلْيُؤْمِنُوا بِهِ، ذَكَرَ هَذَا
الْمَعْنَى أَبُو سُلَيْمَانَ الخطابي، قال الزَّجَّاجُ:
مَعْنَاهُ أَخُلِقُوا بَاطِلًا لَا يُحَاسَبُونَ وَلَا
يُؤْمَرُونَ؟ وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: أَخُلِقُوا عَبَثًا
وَتُرِكُوا سُدًى لَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ، فَهُوَ
كَقَوْلِ الْقَائِلِ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِ
شَيْءٍ، أَيْ لِغَيْرِ شَيْءٍ، أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ
لِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يَجِبْ عَلَيْهِمْ لِلَّهِ أَمْرٌ؟
أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، فَيَكُونُوا هُمُ
الْخَالِقِينَ، لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ لَا
يُوقِنُونَ.
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي
النُّبُوَّةَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: أَبِأَيْدِيهِمْ مَفَاتِيحُ
ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاؤوا؟ قَالَ الْكَلْبِيُّ:
خَزَائِنُ الْمَطَرِ وَالرِّزْقِ، أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ،
الْمُسَلَّطُونَ الْجَبَّارُونَ، قَالَ عَطَاءٌ: أَرْبَابٌ
قَاهِرُونَ فَلَا يَكُونُوا تَحْتَ أَمْرٍ ونهي، ويفعلون ما
شاؤوا، وَيَجُوزُ بِالسِّينِ وَالصَّادِ جَمِيعًا، قَرَأَ ابن
عامر بالسين هاهنا وفي قوله: بِمُسَيْطِرٍ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ
بِإِشْمَامِ الزَّايِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ
هَاهُنَا بالسين وبِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 22] بِالصَّادِ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالصَّادِ فِيهِمَا.
[سورة الطور (52) : الآيات 38 الى 45]
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ
مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَناتُ
وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ
مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ
فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ
كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42)
أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا
يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ
ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى
يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ، مَرْقًى وَمِصْعَدٌ إِلَى السَّمَاءِ،
يَسْتَمِعُونَ فِيهِ، أَيْ يَسْتَمِعُونَ عَلَيْهِ الْوَحْيَ،
كَقَوْلِهِ:
وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: 71] أَيْ
عليها، أي أَلَهُمْ سُلَّمٌ يَرْتَقُونَ بِهِ إِلَى
السَّمَاءِ، فَيَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ
مَا هُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ بِالْوَحْيِ، فهم متمسكون بِهِ
كَذَلِكَ؟ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ، إِنِ ادّعوا ذلك،
بِسُلْطانٍ مُبِينٍ، بحجة بَيِّنَةٍ.
أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) ، هَذَا
إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ حِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ،
كَقَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ
الْبَنُونَ (149) [الصافات: 149] .
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً، جُعْلًا عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ
وَدَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدِّينِ، فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ
مُثْقَلُونَ، أَثْقَلَهُمْ ذلك الغرم الذي تسألهم، فمنعهم
ذَلِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ.
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ، أَيْ عِلْمُ مَا غَابَ عنهم حتى
عملوا أَنَّ مَا يُخْبِرُهُمُ الرَّسُولُ مِنْ أَمْرِ
الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ بَاطِلٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا
جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ،
يَقُولُ: أَعِنْدَهُمْ علم الْغَيْبُ [أَيْ عِلْمُ مَا غَابَ
عنهم] [2] حَتَّى عَلِمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُوتُ قَبْلَهُمْ؟ فَهُمْ يَكْتُبُونَ،
قال القتيبي: فهم يكتبون أي
__________
(1) في المخطوط «قبل» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(4/295)
يَوْمَ لَا يُغْنِي
عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)
يَحْكُمُونَ، وَالْكِتَابُ الْحُكْمُ.
«2038» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَخَاصَمَا إِلَيْهِ: «أَقْضِي
بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» .
أَيْ بِحُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ
أَمْ عِنْدَهُمُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
مَا فِيهِ وَيُخْبِرُونَ النَّاسَ بِهِ؟
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً، مَكْرًا بِكَ لِيُهْلِكُوكَ،
فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ، أَيْ هُمُ
الْمَجْزِيُّونَ بِكَيْدِهِمْ يُرِيدُ أَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ
يَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَيَحِيقُ مَكْرُهُمْ بِهِمْ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ مَكَرُوا بِهِ فِي دَارِ النَّدْوَةِ فَقُتِلُوا
بِبَدْرٍ.
أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ، يَرْزُقُهُمْ
وَيَنْصُرُهُمْ، سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، قَالَ
الْخَلِيلُ: مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ ذكر أم كلمة
اسْتِفْهَامٌ وَلَيْسَ بِعَطْفٍ.
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً، قِطْعَةً، مِنَ السَّماءِ ساقِطاً،
هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ
السَّماءِ، يَقُولُ: لَوْ عَذَّبْنَاهُمْ بِسُقُوطِ بَعْضٍ
مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ كُفْرِهِمْ،
يَقُولُوا، لِمُعَانَدَتِهِمْ هَذَا، سَحابٌ مَرْكُومٌ،
بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ يَسْقِينَا.
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا، يعاينوا، يَوْمَهُمُ الَّذِي
فِيهِ يُصْعَقُونَ، يموتون، أي حتى يعاينوا الْمَوْتَ، قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ يُصْعَقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ
يُهْلَكُونَ.
[سورة الطور (52) : الآيات 46 الى 48]
يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ
ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ
لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ
يُنْصَرُونَ (46) ، أَيْ لَا يَنْفَعُهُمْ كَيْدُهُمْ يَوْمَ
الْمَوْتِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مَانِعٌ.
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا، كَفَرُوا، عَذاباً دُونَ ذلِكَ،
أَيْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْقَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ [1] : هُوَ الْجُوعُ وَالْقَحْطُ سَبْعَ
سِنِينَ. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ:
هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ، أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِهِمْ.
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ، إِلَى أَنْ يَقَعَ بِهِمُ
الْعَذَابُ الَّذِي حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّكَ
بِأَعْيُنِنا، أَيْ بِمَرْأًى مِنَّا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
نَرَى مَا يُعْمَلُ بك. وقال الزجاج: معناه إِنَّكَ بِحَيْثُ
نَرَاكَ وَنَحْفَظُكَ فَلَا يَصِلُونَ إِلَى مَكْرُوهِكَ.
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ، قَالَ سَعِيدُ بن
جبير الضحاك [2] : أَيْ قُلْ حِينَ تَقُومُ مِنْ مَجْلِسِكَ:
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، فَإِنْ كَانَ
الْمَجْلِسُ خَيْرًا ازْدَدْتَ فِيهِ إِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ
غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَةً لَهُ.
«2039» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ أَنَا أَبُو
مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الفضل
__________
2038- تقدم تخريجه.
2039- صحيح بشواهده. إسناده حسن، رجاله ثقات، إلا أن البخاري
أعله بأن وهيبا رواه عن ابن عون- أي لم يرفعه- وبأنه لم يثبت
سماع موسى بن عقبة من سهيل.
- قلت: وغاية ما فيه ضعف الحديث، وعدم ثبوت سماع موسى هو على
مذهب البخاري علة، أما على مذهب مسلم فليس بعلة إذا كان الراوي
ثقة، ولم يكن مدلسا، ومع ذلك فللحديث شواهد يصح بها.-
(1) في المطبوع «مجاهد» .
(2) في المطبوع «عطاء» والمثبت عن «تفسير الطبري» .
(4/296)
الْبَرْوَنْجِرْدِيُّ [1] أَنَا أَبُو
أَحْمَدَ بَكْرُ بن محمد الصيرفي ثنا أحمد بن عبيد الله النرسي
[2] ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا فكثر فِيهِ لَغَطُهُ،
فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ،
أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا كَانَ كَفَّارَةً
لِمَا بَيْنَهُمَا» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا:
مَعْنَاهُ صَلِّ لِلَّهِ حِينَ تَقُومُ مِنْ مَقَامِكَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ: إِذَا قُمْتُ إِلَى
الصَّلَاةِ فَقُلْ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،
وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ
غَيْرُكَ.
«2040» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أبو
مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ
__________
- وهو في «شرح السنة» 1334 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3433 والحاكم 1/ 536 من طريق حجاج بن محمد
بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان 594 من طريق أبي قرة عن ابن جريج به.
- وأخرجه البخاري في «التاريخ» 4/ 105، 2/ 2 والخطيب 2/ 28 عن
ابن جريج به.
- وصححه الحاكم، لكن قال: وأعله البخاري بحديث وهيب. أي رواه
عن ابن عون لم يرفعه، وللحديث شواهد.
الأول: أخرجه الحاكم 1/ 537 والطبراني 1586 من حديث جبير بن
مطعم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
الثاني: أخرجه أبو داود 4859 والدارمي 2/ 283 والحاكم 1/ 537
من حديث أبي برزة الأسلمي. وسكت عليه الحاكم، وكذا الذهبي،
وإسناده لا بأس به.
الثالث: أخرجه الحاكم 1/ 537 والطبراني 4445 من حديث رافع بن
خديج.
- وفيه مصعب بن حيان، وهو لين الحديث، لكن يصلح حديثه شاهدا.
وقال الهيثمي في «المجمع» 1/ 141: ورجاله ثقات.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بشواهده، وفي الباب أحاديث تعضده.
- وانظر «أحكام القرآن» 2020 لابن العربي بتخريجي.
2040- حسن صحيح بطرقه وشواهده.
- إسناده واه لأجل حارثة بن أبي الرجال، لكن توبع، وللحديث
شواهد.
- أبو معاوية هو محمد بن خازم، عمرة هي بنت عبد الرحمن بن سعد
بن زرارة.
- وهو في «شرح السنة» 574 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 243 عن الحسن بن عرفة ويحيى بهذا
الإسناد.
- وأخرجه الدارقطني 1/ 301 من طريق الحسن بن عرفة به.
- وأخرجه البيهقي 2/ 34 من طريق سعدان بن نصر عن أبي معاوية
به.
- وأخرجه الدارقطني 1/ 301 من طريق يوسف عن أبي معاوية به.
- وأخرجه أبو داود 776 والدارقطني 1/ 299 والحاكم 1/ 235
والبيهقي 2/ 33- 35 من طريق طلق بن غنام عن عبد السلام الملائي
عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، رجاله ثقات إن كان سمعه أبو
الجوزاء من عائشة، ففي سماعه منها اختلاف كما في «التهذيب» .
- قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن
حرب، لم يروه إلّا طلق بن غنام، وقد روى قصة-
(1) في المطبوع «البروجردي» وفي المخطوط «البرويجردي» والمثبت
عن «شرح السنة» و «ط» .
(2) في المطبوع «الترسى» وفي المخطوط «البرس» وفي «ط» :
«القرشي» والمثبت عن «شرح السنة» .
(4/297)
ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ وَيَحْيَى
بْنُ موسى قالا ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ
أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا
افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ
وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا
إِلَهَ غَيْرُكَ» .
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ بِاللِّسَانِ حِينَ
تَقُومُ من الفراش إلى أن يدخل فِي الصَّلَاةِ [1] .
«2041» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ
الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ [2] أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ
بْنُ جعفر بن عبد الواحد
__________
- الصلاة عن بديل جماعة، لم يذكروا فيه شيئا من هذا.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري:
أخرجه أبو داود 775 والترمذي 242 والنسائي 4/ 132 وابن ماجه
804 وأحمد 3/ 50 والدارمي 1/ 282 وأبو يعلى 1108 والدارقطني 1/
298- 299 والبيهقي 2/ 34.
- وإسناده لين لأجل علي بن علي الرفاعي.
- قال أبو داود: وهذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن
مرسلا، والوهم من جعفر.
- وله شاهد آخر من حديث أنس:
أخرجه أبو يعلى 3735 والدارقطني 1/ 300 والطبراني في «الأوسط»
كما في «المجمع» 2/ 107.
- وإسناده ضعيف، لضعف الحسين بن علي بن الأسود.
- وقال الهيثمي: رواه الطبراني في «الأوسط» ، ورجاله موثقون.
- وله شاهد آخر من حديث ابن مسعود.
أخرجه الطبراني في «الأوسط» 430 و1030.
قال الهيثمي: وأبو عبيدة لم يسمع من ابن مسعود، ورواه في
«الكبير» باختصار، وفيه مسعود بن سليمان قال أبو حاتم: مجهول.
- وله شاهد آخر من حديث واثلة بن الأسقع.
أخرجه الطبراني في «الأوسط» 8345 وإسناده ضعيف.
قال الهيثمي: وفيه عمرو بن الحصين، وهو ضعيف.
- وورد موقوفا عن عمر بأسانيد بعضها صحيح.
- وقال الهيثمي: وروي في الاستفتاح ب «سبحانك الله وبحمدك ...
» حديث آخر عن ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله ابن مسعود عن أبيه
مرفوعا، وليس بالقوي.
- وروى ذلك مرفوعا عن حميد عن أنس.
وروي من وجه آخر عن عائشة، وأصح ما روي فيه الأثر الموقوف على
عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والموقوف
على عمر لا يعلل المرفوع، بل يشهد له، والله أعلم.
2041- جيد، إسناده حسن أزهر وعاصم كلاهما صدوق، وباقي الإسناد
ثقات.
- وهو في «شرح السنة» 946 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن أبي داود» 766 عن محمد بن رافع بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي 3/ 208- 209 و8/ 284 وابن ماجه 1356 من طرق
عن زيد بن الحباب به.
- وأخرجه ابن حبان 2602 من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح به.
- وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» 870 وأحمد 6/ 143 من
طريق خالد بن معدان عن ربيعة الجرشي عن-[.....]
(1) في المطبوع «صلاته» والمثبت عن المخطوط.
(2) في المخطوط «الفاساني» والمثبت عن ط و «شرح السنة» .
(4/298)
وَمِنَ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْلُؤْلُؤِيُّ ثَنَا
أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ [بْنُ] الأشعث ثنا محمد بن رافع [1]
ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ [2] أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بن صالح
أنا أَزْهَرُ بْنُ سَعِيدٍ الْحُرَّازِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ
حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهَا بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامَ اللَّيْلِ؟
فَقَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ اللَّهَ عَشْرًا
وَحَمِدَ اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبَّحَ اللَّهَ عَشْرًا
وَهَلَّلَ عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَقَالَ:
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي»
وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يوم القيامة.
[سورة الطور (52) : آية 49]
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ، أَيْ صَلِّ لَهُ، قَالَ
مُقَاتِلٌ: يَعْنِي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ،
وَإِدْبارَ النُّجُومِ، يَعْنِي ركعتين قَبْلَ صَلَاةِ
الْفَجْرِ، وَذَلِكَ حِينَ تُدْبِرُ النُّجُومُ أَيْ تَغِيبُ
بِضَوْءِ الصُّبْحِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ فَرِيضَةُ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
«2042» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرْخَسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ
أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي المغرب بالطّور.
[والله أعلم] .
__________
- عائشة.
- وإسناده حسن، وهو شاهد لما قبله.
- وعلقه فقال أبو داود: ورواه خالد بن معدان عن ربيعة الخرشي
عن عائشة نحوه.
- الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بشاهده، والله أعلم.
2042- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر، مالك بن أنس، ابن شهاب هو محمد
بن مسلم الزهري.
- وهو في «شرح السنة» 598 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 765 ومسلم 463 وأبو داود 811 والنسائي 2/ 169
والطحاوي في «المعاني» 1/ 211 والشافعي 1/ 79 والطيالسي 946
والطبراني 1492 وأبو عوانة 2/ 154 وابن خزيمة 514 والبيهقي 2/
392 من طرق عن مالك به.
- وأخرجه البخاري 3050 و4854 ومسلم 463 وابن ماجه 832 وأحمد 4/
84 وعبد الرزاق 2692 والدارمي 1/ 296 وابن خزيمة 514 والطبراني
1495 و1499 و1501 وأبو عوانة 2/ 154 وابن حبان 1833 و1834
والحميدي 556 والشافعي 1/ 79 والبيهقي 2/ 193 من طرق عن الزهري
به.
- وانظر المتقدم برقم 2033 و «أحكام القرآن» 2027 و2028
بتخريجي، والله الموفق.
(1) في المطبوع وط «نافع» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «الحباب» .
(4/299)
وَالنَّجْمِ إِذَا
هَوَى (1)
سورة النجم
مكية وهي اثنتان وستون آية
[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 9]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2)
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى
(4)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8)
فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9)
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي
رِوَايَةِ الْوَالِبِيِّ وَالْعَوْفِيِّ: يَعْنِي الثُّرَيَّا
إِذَا سَقَطَتْ وَغَابَتْ، وَهُوِيُّهُ مَغِيبُهُ، وَالْعَرَبُ
تُسَمِّي الثُّرَيَّا نَجْمًا.
«2043» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «مَا طَلَعَ النَّجْمُ قَطُّ وَفِي
الْأَرْضِ مِنَ الْعَاهَةِ شَيْءٌ إِلَّا رُفِعَ» وَأَرَادَ
بِالنَّجْمِ الثُّرَيَّا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ نُجُومُ
السَّمَاءِ كُلُّهَا حِينَ تَغْرُبُ، لَفْظُهُ وَاحِدٌ
وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، سُمِّيَ الْكَوْكَبُ نَجْمًا
لِطُلُوعِهِ، وَكُلُّ طَالِعٍ نَجْمٌ، يُقَالُ: نَجَمَ
السِّنُّ، وَالْقَرْنُ وَالنَّبْتُ إِذَا طلع [1] .
وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ
الرُّجُومُ مِنَ النُّجُومِ، يعني ما ترمى بها الشَّيَاطِينُ
عِنْدَ اسْتِرَاقِهِمُ السَّمْعَ. وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ
الثُّمَّالِيُّ: هِيَ النُّجُومُ إِذَا انْتَثَرَتْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ [2] : المراد بالنجم
__________
2043- غير قوي. أخرجه أحمد 2/ 341 و388 والبزار 1292 والطحاوي
في «المشكل» 2286 و2287 والعقيلي في «الضعفاء» 347 من طرق عن
عسل بن سفيان عن عطاء بن أبي هريرة مرفوعا، واللفظ للبزار.
- وإسناده ضعيف كضعف عسل بن سفيان.
- وقال العقيلي: عسل بن سفيان في حديثه وهم، قال البخاري: فيه
نظر.
- وتابعه أبو حنيفة.
- فقد أخرجه الطبراني في «الصغير» 104 و «الأوسط» 1327
والطحاوي في «المشكل» 2282 وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» 1/ 121
من طريق داود الطائي عن أبي حنيفة النعمان قال: حدثنا عطاء عن
أبي هريرة به.
- وصحح إسناده الأرناؤط في «مشكل الآثار» 2282 وضعفه الألباني
في «الضعيفة» 397.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد، أخرجه ابن عدي 5/ 257 وإسناده
ضعيف جدا، عطية العوفي ضعيف وأبو طيبة واه.
- وله شاهد موقوف.
- أخرجه الشافعي 1/ 149 وأحمد 2/ 42 و50 والطحاوي في «المشكل»
2283 و2284 والطبراني 13287 والبيهقي 5/ 300 والبغوي في «شرح
السنة» 2072 من طرق عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عثمان بن عبد
الله بن سراقة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن بيع الثمار
حتى تذهب العاهة» . قال فسألت ابن عمر: متى ذلك؟ قال: طلوع
الثريا.
وإسناده صحيح.
- ولعل الراجح وقفه على أبي هريرة كحديث ابن عمر. والله تعالى
أعلم فإن في ألفاظ حديث أبي هريرة اضطرابا.
(1) في المخطوط «طلعت» .
(2) في المخطوط «يقال» .
(4/300)
الْقُرْآنُ سَمِّيَ نَجْمًا لِأَنَّهُ
نُزِّلَ نُجُومًا مُتَفَرِّقَةً فِي عِشْرِينَ سَنَةً،
وَسُمِّي التَّفْرِيقُ: تَنْجِيمًا، وَالْمُفَرَّقُ:
مُنَجَّمًا، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسِ فِي رِوَايَةِ
عَطَاءٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيُّ، و «الْهُوِّيُّ» :
النُّزُولُ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:
النَّجْمُ هُوَ النَّبْتُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ، وَمِنْهُ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ
(6) [الرَّحْمَنِ: 6] ، وَهُوِيُّهُ سُقُوطُهُ عَلَى
الْأَرْضِ. وَقَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: يَعْنِي مُحَمَّدًا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنزل [1] من السماء إلى الأرض
ليلة المعراج، والهوي، النُّزُولُ، يُقَالُ: هَوَى يَهْوِي
هُوِيًّا إِذَا نَزَلَ، مِثْلُ مَضَى يَمْضِي مضيا.
وَجَوَابُ الْقَسَمِ. قَوْلُهُ: مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ، يَعْنِي
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضَلَّ عَنْ
طَرِيقِ الْهُدَى، وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) ،
يعني بِالْهَوَى يُرِيدُ لَا يَتَكَلَّمُ بِالْبَاطِلِ،
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْقُرْآنَ مِنْ تِلْقَاءِ
نَفْسِهِ.
إِنْ هُوَ، مَا نُطْقُهُ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ،
إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، يعني وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ يُوحَى
إِلَيْهِ.
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ، وهو جِبْرِيلُ، وَالْقُوَى
جَمْعُ الْقُوَّةِ.
ذُو مِرَّةٍ، قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ فِي خَلْقِهِ، يَعْنِي
جِبْرِيلَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُو مِرَّةٍ يَعْنِي ذُو
مَنْظَرٍ حسن.
وقال قتادة: ذُو خَلْقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ. فَاسْتَوى، يَعْنِي
جِبْرِيلَ.
وَهُوَ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا أَرَادُوا
الْعَطْفَ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُظْهِرُوا كِنَايَةَ
الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: اسْتَوَى هُوَ
وَفُلَانٌ، وَقَلَّمَا يَقُولُونَ: اسْتَوَى وفلان، ونظير هذا
قوله: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا [النَّمْلِ: 67] ،
عَطَفَ الْآبَاءَ عَلَى الْمُكَنَّى فِي كُنَّا مِنْ غَيْرِ
إِظْهَارِ نَحْنُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: اسْتَوَى جِبْرِيلُ
وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ،
بِالْأُفُقِ الْأَعْلى، وَهُوَ أَقْصَى الدُّنْيَا عِنْدَ
مَطْلَعِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: فَاسْتَوَى يَعْنِي جِبْرِيلَ،
وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جِبْرِيلَ أَيْضًا، أَيْ قَامَ فِي
صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ، وَهُوَ بِالْأُفُقِ
الْأَعْلَى.
وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَأْتِي رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ
كَمَا كان يأتي النبيين، فسأل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ عَلَى صورته
الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا فَأَرَاهُ نَفْسَهُ مَرَّتَيْنِ،
مَرَّةً فِي الْأَرْضِ وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ، فَأَمَّا فِي
الْأَرْضِ فَفِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَالْمُرَادُ
بِالْأَعْلَى جَانِبُ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ أَنْ مُحَمَّدًا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِحِرَاءٍ فَطَلَعَ
لَهُ جِبْرِيلُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَسَدَّ الْأُفُقَ إِلَى
الْمَغْرِبِ، فَخَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فِي
صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ فَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَ
يَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ
دَنا فَتَدَلَّى (8) ، وَأَمَّا فِي السَّمَاءِ فَعِنْدَ
سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [2] ، وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ إِلَّا نَبِيُّنَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ
قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) ، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ.
«2044» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
__________
2044- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن يوسف، وقد توبع
ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- أبو أسامة هو حماد بن أسامة، ابن الأشوع هو سعيد بن عمرو،
الشعبي هو عامر بن شراحيل، مسروق هو ابن الأجدع.
- وهو في «صحيح البخاري» 3235 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 177 ح 290 والطبري 32450 والبيهقي في «الأسماء
والصفات» 921 وأبو عوانة 1/ 155 من
(1) في المطبوع «إذ نزل» .
(2) انظر الحديث الآتي والذي بعده.
(4/301)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [ثَنَا
مُحَمَّدُ بن يوسف] [1] ثنا أبو أسامة ثنا زَكَرِيَّا بْنِ
أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أبي [2] الْأَشْوَعِ عَنِ الشَّعْبِيِّ
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ:
ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى
(9) ؟ قَالَتْ: ذَلِكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ
الرَّجُلِ وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ
الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ الْأُفُقَ.
«2045» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بن إسماعيل ثنا طلق بن غنّام ثنا زَائِدَةُ عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ: فَكانَ
قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ
جَنَاحٍ.
فَمَعْنَى الْآيَةِ: ثُمَّ دَنَا جِبْرِيلُ بَعْدَ
اسْتِوَائِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ،
فَتَدَلَّى فَنَزَلَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى،
بَلْ أَدْنَى وَبِهِ قَالَ ابن عباس والحسن وقتادة.
وقيل: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ:
ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا، لِأَنَّ التَّدَلِّيَ [3] سَبَبُ
الدُّنُوِّ، وَقَالَ آخَرُونَ:
ثُمَّ دَنَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَلَّى، فَقَرُبَ مِنْهُ
حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.
«2046» وَرُوِّينَا فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرِيكِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ: وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ
الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حتى
__________
طريق أبي أسامة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4612 و4855 و7380 و7531 ومسلم 177 ح 189
وأحمد 6/ 49 وأبو عوانة 1/ 154 من طريق إِسْمَاعِيلُ بْنُ
أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشعبي به.
- وأخرجه مسلم 177 ح 287 و288 والترمذي 3068 والنسائي في
«التفسير» 428 و552 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 221- 224 وأبو
يعلى 4900 وابن حبان 60 والطبري 32475 وابن مندة في «الإيمان»
763 و766 وأبو عوانة 1/ 153 و154 من طرق عن داود بن أبي هند عن
الشعبي به.
- وأخرجه الترمذي 3278 من طريق مجالد عن الشعبي به.
- وأخرجه البخاري 3234 من طريق ابن عون عن القاسم عن عائشة به.
- وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» ص 225 من طريق أبي معشر عن
إبراهيم عن مسروق به.
- وأخرجه أبو عوانة 1/ 155 من طريق بيان عن قيس عن عائشة به.
2045- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- زائدة هو ابن قدامة، الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان، زرّ
هو ابن حبيش.
- وهو في «شرح السنة» 3651 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4857 عن طلق بن غنام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4856 ومسلم 174 ح 281 والترمذي 3277 والنسائي
في «التفسير» 554 و560 وابن خزيمة في «التوحيد» ص 202 و203
وأبو عوانة 1/ 153 من طرق عن الشيباني به.
- وأخرجه الترمذي 3283 وابن خزيمة ص 204 والحاكم 2/ 468- 469
وابن حبان 59 وأحمد 1/ 494 و418 من طرق عن إسرائيل بن يونس عن
أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود به وصححه
الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [.....]
2046- تقدم في سورة الإسراء، وهذه لفظة منكرة تفرد بها شريك،
وهو من أوهامه كما قال الحافظ ابن حجر، وتقدم الكلام على ذلك.
(1) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري» .
(2) في المطبوع «ابن» والمثبت عن «صحيح البخاري» وكتب التراجم.
(3) في المطبوع «التداني» والمثبت عن المخطوط.
(4/302)
فَأَوْحَى إِلَى
عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى.
وهذا رواية أبي سَلَمَةَ عَنِ [1] ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَالتَّدَلِّي هُوَ النُّزُولُ إِلَى الشَّيْءِ، حَتَّى
يَقْرَبَ مِنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دَنَا جِبْرِيلُ مِنْ
رَبِّهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: دَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبِّهِ فَتَدَلَّى فَأَهْوَى
لِلسُّجُودِ، فَكَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى،
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قابَ قَوْسَيْنِ أي قدر قوسين، والقاب
والقيب والقاد والقيد عبارة عن المقدار، والقوس: مَا يُرْمَى
بِهِ فِي قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ
وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ بين
جبريل وبين مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِقْدَارُ قَوْسَيْنِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ حَيْثُ
الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ.
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَأْكِيدِ الْقُرْبِ [2] وَأَصْلُهُ
أَنَّ الْحَلِيفَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ كَانَا إِذَا أَرَادَا
عَقْدَ الصَّفَاءِ وَالْعَهْدِ خَرَجَا بِقَوْسَيْهِمَا
فَأَلْصَقَا بَيْنَهُمَا، يُرِيدَانِ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا
مُتَظَاهِرَانِ يُحَامِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
صَاحِبِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَابَ قَوْسَيْنِ أَيْ
قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
وَشَقِيقِ بن سلمة، والقوس: الذِّرَاعُ يُقَاسُ بِهَا كُلُّ
شَيْءٍ، أو أدنى بل أقرب.
[سورة النجم (53) : الآيات 10 الى 11]
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤادُ
مَا رَأى (11)
فَأَوْحى
، أَيْ أَوْحَى اللَّهُ، إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
، مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَالْكَلْبِيِّ وَالْحَسَنِ
وَالرَّبِيعِ وَابْنِ زَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَوْحَى جِبْرِيلُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
أَوْحَى إِلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَوْحَى إِلَيْهِ: أَلَمْ
يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) [الانشراح: 4] ، وَقِيلَ:
أَوْحَى إِلَيْهِ إِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى
الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أَنْتَ، وَعَلَى الْأُمَمِ
حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ.
مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (11) ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ
مَا كذب بِتَشْدِيدِ الذَّالِ أَيْ مَا كَذَّبَ قَلَبُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى
بِعَيْنِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، بَلْ صَدَّقَهُ وَحَقَّقَهُ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ مَا كَذَبَ فُؤَادُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَأَى،
بَلْ صَدَقَهُ، يُقَالُ: كَذَبَهُ إِذَا قَالَ لَهُ الكذب،
وصدقه إذا قال له الصدق، مَجَازُهُ: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ
فِيمَا رَأَى، وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي رَآهُ، فَقَالَ
قَوْمٌ: رَأَى جِبْرِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَعَائِشَةَ.
«2047» أَخْبَرَنَا إسماعيل بن عبد القاهر بن محمد أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أَبِي شيبة ثنا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَا
كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (11) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ وله
سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ
اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
جَعَلَ بَصَرَهُ فِي فُؤَادِهِ فَرَآهُ [3] بِفُؤَادِهِ،
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
__________
2047- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو بكر هو محمد بن عبد الله، الشيباني هو سليمان بن أبي
سليمان، زر هو ابن حبيش.
- وهو في «صحيح مسلم» 174 ح 281 عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
شيبة بهذا الإسناد.
وانظر الحديث المتقدم.
(1) زيد في المطبوع «عن أبي سلمة» .
(2) في المطبوع «العصد» والمثبت عن ط والمخطوط.
(3) في المطبوع «فرأى» والمثبت عن ط والمخطوط.
(4/303)
«2048» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ ثنا أبو سعيد الأشج ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا
الْأَعْمَشُ عَنِ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي
الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا
رَأى (11) .
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ
مَرَّتَيْنِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ
قَوْلُ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ [1] ، قَالُوا: رَأَى
مُحَمَّدٌ رَبَّهُ.
«2049» وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخُلَّةِ وَاصْطَفَى مُوسَى
بِالْكَلَامِ وَاصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالرُّؤْيَةِ.
وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: لَمْ
يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَبَّهُ.
وَتَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى رُؤْيَتِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ.
«2050» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا يحيى ثنا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ
لِعَائِشَةَ يَا أُمَّاهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تكلمت بشيء قف
له شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ
حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ ذكب؟ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ لَا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ (103) [الْأَنْعَامِ: 103] ، وَما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ
حِجابٍ [الشُّورَى:
51] ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ
كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ
غَداً [لقمان:
__________
2048- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو سعيد هو عبد الله بن سعيد وكيع هو ابن الجراح، الأعمش هو
سليمان بن مهران، أبو العالية هو رفيع بن مهران.
- وهو في «صحيح مسلم» 176 ح 285 عن ابن أبي شيبة وأبي سعيد
الأشج بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 176 ح 286 والنسائي في «التفسير» 555 والطبري
32466 من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه الترمذي 3280 وابن خزيمة ص 200 والطبري 32489 وابن
حبان 57 والطبراني 10727 والبيهقي في «الأسماء والصفات» 933 من
طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عن أبي سلمة عن
ابن عباس.
(1) قال الحافظ ابن كثير 4/ 295: رواية إطلاق الرؤية عن ابن
عباس محمولة على المقيدة بالفؤاد، ومن روى عنه بالبصر فقد
أغرب، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم، وقول
البغوي في «تفسيره» وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ
بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وعكرمة، فيه
نظر، والله أعلم.
2049- أخرجه النسائي في «التفسير» 559 والطبري 32465 وابن أبي
عاصم في «السنة» 442 والحاكم 1/ 65 و2/ 469 وابن مندة في
«الإيمان» 762 من طريق قتادة عن عكرمة به.
- وهو معلول فيه عنعنة قتادة.
- وأخرجه ابن أبي عاصم 436 وابن خزيمة ص 199 من طريق عاصم
الأحول عن عكرمة به، ورجاله ثقات لكنه معلول، فقد أخرجه ابن
خزيمة ص 199 من طريقين عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ
ابن عباس قال: رأى محمد ربه، وهذه الرواية ليس فيها مخالفة
لحديث أبي ذر وعائشة، وهي الراجحة. وانظر المتقدم 2048.
2050- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- يحيى بن موسى، وكيع بن الجراح، عامر بن شراحيل- الشعبي،
مسروق بن الأجدع.
- وهو في «صحيح البخاري» 4855 عن يحيى بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4612 و7380 و5731 ومسلم 177 ح 289 وأحمد 6/
49 و50 وابن مندة في «الإيمان» 767 و768 وأبو عوانة 1/ 154 من
طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي به.
(4/304)
أَفَتُمَارُونَهُ
عَلَى مَا يَرَى (12)
34] ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ
شَيْئًا فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
[الْمَائِدَةِ:
67] الْآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ
مَرَّتَيْنِ.
«2051» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ
بْنُ أبي شيبة ثنا وَكِيعٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي
ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: «نُورٌ
أَنَّى أَرَاهُ» .
[سورة النجم (53) : الآيات 12 الى 14]
أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً
أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14)
أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (12) ، قَرَأَ حَمْزَةُ
وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ: أَفَتَمْرُونَهُ بِفَتْحِ
التَّاءِ [وَسُكُونِ الْمِيمِ] بِلَا أَلْفٍ، أَيْ
أَفَتَجْحَدُونَهُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَرَيْتُ الرَّجُلَ
حَقَّهُ إِذَا جَحَدْتُهُ.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: أَفَتُمارُونَهُ بِالْأَلْفِ وَضَمِّ
التَّاءِ، عَلَى مَعْنَى أَفَتُجَادِلُونَهُ عَلَى مَا يَرَى،
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَادَلُوهُ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ،
فَقَالُوا: صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ
عِيرِنَا فِي الطَّرِيقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَادَلُوهُ
بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَفَتُجَادِلُونَهُ جِدَالًا تَرُومُونَ
بِهِ دَفْعَهُ عَمَّا رَآهُ وَعَلِمَهُ.
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) ، يَعْنِي رَأَى
جِبْرِيلَ فِي صورته التي خلق عليه نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ
نَزْلَةً أُخْرَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُ فِي صُورَتِهِ [1]
مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً فِي الْأَرْضِ وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ.
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ
عَبَّاسٍ مَعْنَى: نَزْلَةً أُخْرى هُوَ أَنَّهُ كَانَتْ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَجَاتٌ فِي
تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِمَسْأَلَةِ [2] التَّخْفِيفِ مِنْ
أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ عَرْجَةٍ نَزْلَةٌ،
فَرَأَى رَبَّهُ فِي بَعْضِهَا.
«2052» وَرُوِّينَا عَنْهُ: «أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ
بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ» .
«2053» وَعَنْهُ: «أنه رآه بعينه» ، وقوله: عِنْدَ سِدْرَةِ
الْمُنْتَهى (14) .
«2054» وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي
__________
2051- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو بكر هو عبد الله بن محمد، وكيع بن الجراح، قتادة بن
دعامة.
- وهو في «صحيح مسلم» 178 عن ابن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 3282 والطيالسي 474 وابن خزيمة في «التوحيد»
ص 205 و207 وابن مندة في «الإيمان» 770 و771 من طرق عن يزيد بن
إبراهيم به.
- وأخرجه مسلم 178 ح 592 وابن خزيمة ص 206 وابن مندة 772 و773
و774 وابن حبان 58 وأبو عوانة 1/ 147 من طرق عَنْ مُعَاذِ بْنِ
هِشَامٍ عَنْ أبيه عن قتادة به.
- وأخرجه مسلم 178 ح 292 وأبو عوانة 1/ 147 من طريق عفان عن
همام عن قتادة به.
2052- تقدم قبل حديثين. [.....]
2053- منكر. عزاه السيوطي في «الدر» 6/ 159 لابن مردويه عن ابن
عباس، ولم أقف على إسناده، وابن مردويه يروي الموضوعات، والذي
صح عن ابن عباس، هو ما رواه مسلم وغيره، وتقدم 2048.
2054- تقدم في سورة البقرة عند آية: 286. وأخرجه الطبري 32492
من طريق طلحة اليامي عن مره عن ابن مسعود به.
(1) في المطبوع «صورتين» والمثبت عن ط والمخطوط.
(2) في المطبوع «لمسئلته» والمثبت عن ط والمخطوط.
(4/305)
عِنْدَهَا جَنَّةُ
الْمَأْوَى (15)
السماء السادسة [1] ينتهي إليها [2] مَا
يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا
يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ منها،
قال: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى
السِّدْرَةَ مَا يَغْشى (16) قَالَ: فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ.
«2055» وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: «ثُمَّ صَعِدَ
بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا أَنَا
بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،
ثُمَّ رفعت إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبِقُهَا
مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ
الْفِيَلَةِ» .
وَالسِّدْرَةُ شَجْرَةُ النَّبْقِ، وَقِيلَ لَهَا: سِدْرَةُ
الْمُنْتَهَى لأنه إليها ينتهي علم الخلائق [3] .
قَالَ هِلَالُ بْنُ يَسَافَ]
: سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا عَنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
وَأَنَا حَاضِرٌ، فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّهَا سِدْرَةٌ فِي
أَصْلِ الْعَرْشِ على رؤوس حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَإِلَيْهَا
يَنْتَهِي عِلْمُ الْخَلَائِقِ، وَمَا خَلْفَهَا غَيْبٌ لَا
يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ.
«2056» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة ثنا المسوحي
ثنا عبيد [5] بن يعيش ثنا يونس بن بكير أنا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ
بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى،
قَالَ: «يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّ الفنن منها مائة عام
يستظل في الغصن مِنْهَا مِائَةُ أَلْفِ رَاكِبٍ، فِيهَا
فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَالُ» .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ شَجَرَةٌ تَحْمِلُ الْحُلِيَّ
وَالْحُلَلَ وَالثِّمَارَ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْوَانِ، لَوْ
أَنَّ وَرَقَةً منها وضعت فِي الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ لِأَهْلِ
الْأَرْضِ، وَهِيَ طُوبَى الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تعالى في
سورة الرعد.
[سورة النجم (53) : الآيات 15 الى 16]
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما
يَغْشى (16)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) ، قَالَ عَطَاءٌ عن ابن عباس:
جنة المأوى جَنَّةٌ يَأْوِي إِلَيْهَا جِبْرِيلُ
وَالْمَلَائِكَةُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: يَأْوِي إِلَيْهَا
أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ.
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى (16) ، قَالَ ابْنُ
مَسْعُودٍ: فراش من ذهب.
__________
2055- تقدم في سورة الإسراء.
2056- حسن. رجاله ثقات، وابن إسحق صرح بالتحديث عند هناد في
«الزهد» وأصل الحديث عند مسلم. وله شاهد مرسل، فهو حسن إن شاء
الله.
- وأخرجه الترمذي 2541 والطبراني في «الكبير» 24/ 87- 88
والحاكم 2/ 469 والطبري 32507 وأبو نعيم في «صفة الجنة» 435 من
طرق عن يونس بن بكير بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي! مع أن في إسناده
يحيى بن عباد لم يرو لم يسلم، وهو ثقة بكل حال.
- وابن إسحاق مدلس وقد عنعن، لكن صرّح بالتحديث عند هناد في
«الزهد» 115.
- ولأصله شاهد عند مسلم 162، وتقدم.
- وله شاهد من مرسل قتادة، أخرجه الطبري 32509، ولبعضه شاهد من
حديث أبي هريرة، أخرجه الطبري 32503 وسنده ضعيف.
- الخلاصة: هو حديث حسن إن شاء الله، ولم يصب من جزم بضعفه.
(1) في المطبوع «السابعة إليها» والتصويب «تفسير الطبري» 32492
والمخطوط و «ط» .
(2) في المطبوع «إلى» والمثبت عن المخطوط و «تفسير الطبري» .
(3) في المخطوط «الخلائق» .
(4) في المخطوط «يسار» والمثبت عن المخطوط و «ط» .
(5) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(4/306)
مَا زَاغَ الْبَصَرُ
وَمَا طَغَى (17)
«2057» وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ
الْمِعْرَاجِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ ذَهَبَ [1] بِي إِلَى سِدْرَةِ
الْمُنْتَهَى فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا
ثَمَرُهَا كالقلال، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ
الله ما غشيها تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، وَأَوْحَى
إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي
كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: تَغْشَاهَا الْمَلَائِكَةُ أَمْثَالَ
الْغِرْبَانِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنَ الطُّيُورِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: غَشِيَهَا نُورُ
الْخَلَائِقِ وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِنْ حُبِّ اللَّهِ
أَمْثَالَ الغربان، حتى يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَةِ، قَالَ
فَكَلَّمَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ. وَعَنِ
الْحَسَنِ قَالَ: غَشِيَهَا نُورُ رَبِّ الْعِزَّةِ
فَاسْتَنَارَتْ.
«2058» وَيُرْوَى فِي الْحَدِيثِ: «رَأَيْتُ عَلَى كُلِّ
وَرَقَةٍ مِنْهَا مَلَكًا قَائِمًا يُسَبِّحُ اللَّهَ تعالى» .
[سورة النجم (53) : الآيات 17 الى 19]
مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ
رَبِّهِ الْكُبْرى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى
(19)
مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) ، أَيْ مَا مَالَ بَصَرُ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا وَلَا
شِمَالًا وَمَا طَغَى، أَيْ مَا جَاوَزَ مَا رَأَى. وَقِيلَ:
مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا وَصْفُ أَدَبِهِ فِي
ذَلِكَ الْمَقَامِ إِذْ لَمْ يَلْتَفِتْ جَانِبًا.
لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) يَعْنِي
الْآيَاتِ الْعِظَامِ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَا رَأَى تِلْكَ
اللَّيْلَةَ فِي مَسِيرِهِ وَعَوْدِهِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ:
لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا [الْإِسْرَاءِ: 1] ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْآيَةَ
الْكُبْرَى.
«2059» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا
عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنِ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُفْيَانَ ثَنَا مسلم بن الحجاج ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ [2]
بْنُ مُعَاذٍ العنبري ثَنَا أَبِي ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ سَمِعَ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ
الْكُبْرى (18) قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ لَهُ
سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ.
«2060» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثنا
__________
2057- أخرجه البخاري 7517 ومسلم 162 ح 62 وقد تقدم في سورة
الإسراء.
2058- ضعيف جدا. أخرجه الطبري 32519 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ زَيْدِ قال: قيل له: يا رسول الله أي شيء يغشى تلك الشجرة
... فذكره.
- وهذا واه بمرة، ابن زيد متروك، وحديثه معضل.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» 4/ 421: عبد الرحمن ضعيف، وهذا
معضل.
2059- إسناده صحيح على شرط البخاري، ومسلم.
- معاذ هو ابن معاذ، شعبة هو ابن الحجاج، سليمان بن أبي
سليمان.
- وهو في «صحيح مسلم» 174 ح 282 عن عبيد الله بن معاذ بهذا
الإسناد.
وانظر الحديث المتقدم برقم: 2045. [.....]
2060- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- شعبة هو ابن الحجاج، الأعمش هو سليمان بن مهران، إبراهيم هو
ابن يزيد النخعي، علقمة هو ابن الأسود.
- وهو في «صحيح البخاري» 3233 عن حفص بن عمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» 919 عن أبي عمر حفص بن
عمر بهذا الإسناد.
(1) في المطبوع «عرج» والمثبت عن ط والمخطوط.
(2) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن المخطوط و «صحيح مسلم» .
(4/307)
محمد بن إسماعيل ثنا حفص بْنُ عُمَرَ ثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [قَالَ] : لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ
الْكُبْرى (18) قَالَ: «رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أفق
السماء» .
قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) ، هَذِهِ
أَسْمَاءُ أَصْنَامٍ اتَّخَذُوهَا آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا،
اشْتَقُّوا لَهَا أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى
فَقَالُوا: مِنَ اللَّهِ اللَّاتُ، وَمِنَ الْعَزِيزِ
الْعُزَّى. وَقِيلَ: الْعُزَّى تَأْنِيثُ الْأَعَزِّ، أَمَّا
اللَّاتُ قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ بِالطَّائِفِ، وَقَالَ
ابْنُ زيد: بيت نخلة كَانَتْ قُرَيْشٌ تَعْبُدُهُ، وَقَرَأَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ: اللَّاتَّ
بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَقَالُوا: كَانَ رَجُلًا يَلُتُّ
السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ، فَلَمَّا مَاتَ عكفوا عن قَبْرِهِ
يَعْبُدُونَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ لَهُ غُنَيْمَةٌ
يَسْلَأُ مِنْهَا السَّمْنَ وَيَأْخُذُ مِنْهَا الْأَقِطَ،
وَيَجْمَعُ رِسْلَهَا ثُمَّ يَتَّخِذُ مِنْهَا حَيْسًا
فَيُطْعِمُ مِنْهُ الْحَاجَّ، وَكَانَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ،
فَلَمَّا مَاتَ عَبَدُوهُ، وَهُوَ اللَّاتُّ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ
لَهُ صِرْمَةُ بْنُ غَنْمٍ، وَكَانَ يَسْلَأُ السَّمْنَ
فَيَضَعُهَا عَلَى صَخْرَةٍ ثُمَّ تَأْتِيهِ الْعَرَبُ
فَتَلُتُّ بِهِ أَسْوِقَتَهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ
حَوَّلَتْهَا ثقيف إلى منازلها فعبدتها، فعمدت [1] الطَّائِفِ
عَلَى مَوْضِعِ اللَّاتِ. وَأَمَّا الْعُزَّى قَالَ مُجَاهِدٌ:
هِيَ شَجَرَةٌ بِغَطَفَانَ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا.
«2061» فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَطَعَهَا فَجَعَلَ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَضْرِبُهَا بِالْفَأْسِ وَيَقُولُ:
يَا عِزُّ كُفْرَانَكَ لَا سُبْحَانَكْ ... إِنِّي رَأَيْتُ
اللَّهَ قَدْ أَهَانَكْ
فَخَرَجَتْ مِنْهَا شَيْطَانَةٌ نَاشِرَةً شعرها داعية بويلها
وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا. وَيُقَالُ: إِنْ خَالِدًا
رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: قَدْ قَلَعْتُهَا، فَقَالَ: مَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: مَا
رَأَيْتُ شَيْئًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ما قلعت، فعاودها [2] وَمَعَهُ الْمِعْوَلُ
فَقَلَعَهَا وَاجْتَثَّ أَصْلَهَا فَخَرَجَتْ مِنْهَا
امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ، فَقَتَلَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم
__________
- وأخرجه البخاري 4858 من طريق سفيان وابن خزيمة في «التوحيد»
ص 204 من طريق شعبة كلاهما عن الأعمش به.
- وأخرجه الترمذي 3283 والنسائي في «التفسير» 553 والبيهقي 920
من طريق أبي إسحاق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عن
ابن مسعود به.
2061- أصل الحديث محفوظ، لكن كون المرأة هي العزى منكر جدا.
- ذكره ابن سعد في «الطبقات» 2/ 110- 111 بدون إسناد.
- وأخرجه ابن مردويه كما في «تخريج الكشاف» 4/ 423 من طريق
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ
الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صالح، وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
بعث خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْعُزَّى ليهدمها ... »
وهذا إسناد ساقط، محمد بن السائب كذاب، وأبو صالح واه.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 11547 و «التفسير» 567 وأبو يعلى
902 والبيهقي في «الدلائل» 5/ 77 من طريقين عن محد بن فضيل عن
الوليد بن جميع عن أبي الطفيل به مع اختلاف يسير فيه، وهو
معلول، الوليد بن جميع، وإن روى له مسلم، ووثقه غير واحد، فقد
قال الحاكم: لو لم يذكره مسلم في صحيحه لكان أولى، وقال ابن
حبان: فحش تفرده، فبطل الاحتجاج به.
- وقال العقيلي: في حديثه اضطراب.
- فالرجل غير حجة، وكون المرأة هي العزى منكر جدا، وأما أصل
الحديث فهو محفوظ.
(1) كذا في المطبوع وفي المخطوط «فمدرت» وفي ط «فسدرة» ولعل
الصواب «فعبدت» .
(2) في المطبوع «فعاودوها» والمثبت عن المخطوط.
(4/308)
وَمَنَاةَ
الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «تِلْكَ
الْعُزَّى وَلَنْ تُعْبَدَ أَبَدًا» .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ صَنَمٌ لِغَطَفَانَ وَضَعَهَا
لَهُمْ سَعْدُ بْنُ ظَالِمٍ الْغَطَفَانِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
قَدِمَ مَكَّةَ فَرَأَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ، وَرَأَى
أَهْلَ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا، فَعَادَ إِلَى بَطْنِ
نَخْلَةَ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّ لِأَهْلِ مَكَّةَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ وَلَيْسَتَا لَكُمْ وَلَهُمْ إِلَهٌ
يَعْبُدُونَهُ وَلَيْسَ لَكُمْ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟
قَالَ: أَنَا أَصْنَعُ لَكُمْ كَذَلِكَ، فَأَخَذَ حَجَرًا مِنْ
الصَّفَا وَحَجَرًا مِنْ الْمَرْوَةِ وَنَقْلَهُمَا إِلَى
نَخْلَةَ، فَوَضْعَ الَّذِي أَخَذَ مِنَ الصَّفَا، فَقَالَ:
هَذَا الصَّفَا، ثُمَّ وَضَعَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنَ
الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ الْمَرْوَةُ، ثُمَّ أَخَذَ
ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ فَأَسْنَدَهَا إِلَى شَجَرَةٍ، فَقَالَ:
هَذَا رَبُّكُمْ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ
وَيَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ، حَتَّى افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَأَمَرَ بِرَفْعِ
الْحِجَارَةِ، وَبَعْثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى
الْعُزَّى فَقَطَعَهَا [1] . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ
بَيْتٌ بِالطَّائِفِ كانت تعبده ثقيف.
[سورة النجم (53) : الآيات 20 الى 23]
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ
وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ
هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ
الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ
رَبِّهِمُ الْهُدى (23)
وَمَناةَ، قرأ ابن كثير بالمدة وَالْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ
الْعَامَّةُ بِالْقَصْرِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ
سَمَّتْ زَيْدَ مَنَاةَ وَعَبْدَ مَنَاةَ، وَلَمْ يُسْمَعْ
فِيهَا الْمَدُّ. قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ لِخُزَاعَةَ كَانَتْ
بِقُدَيْدٍ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فِي الْأَنْصَارِ
كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ حَذْوَ قُدَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بَيْتٌ كَانَ بِالْمُشَلَّلِ يَعْبُدُهُ
بْنُو كَعْبٍ. قال الضحاك: ماة صَنَمٌ لِهُذَيْلٍ وَخُزَاعَةَ
يَعْبُدُهَا أَهْلُ مَكَّةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَنَاةُ أَصْنَامٌ مِنْ حِجَارَةٍ
كَانَتْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَعْبُدُونَهَا.
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي الْوَقْفِ عَلَى اللَّاتِ
وَمَنَاةَ، فَوَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِمَا بِالْهَاءِ
وَبَعْضُهُمْ بِالتَّاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كُتِبَ فِي
الْمُصْحَفِ بِالتَّاءِ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ، وَمَا
كَتَبَ بِالْهَاءِ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ بِالْهَاءِ. وَأُمًّا
قَوْلُهُ:
الثَّالِثَةَ الْأُخْرى، فَالثَّالِثَةُ نَعْتٌ لِمَنَاةَ أَيِ
الثَّالِثَةَ لِلصَّنَمَيْنِ فِي الذِّكْرِ، وَأَمَّا
الْأُخْرَى فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تقول للثالثة أخرى [2] ،
إِنَّمَا الْأُخْرَى هَاهُنَا نَعْتٌ لِلثَّانِيَةِ. قال
الخليل: فالياء لوفاق رؤوس الْآيِ، كَقَوْلِهِ:
مَآرِبُ أُخْرى [طه: 18] وَلَمْ يَقُلْ: أُخَرُ: وَقِيلَ: فِي
الآية تقديم وتأخير، مجازها: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ
وَالْعُزَّى الْأُخْرَى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ، وَمَعْنَى
الْآيَةِ: أَفَرَأَيْتُمْ أَخْبِرُونَا أَيُّهَا الزَّاعِمُونَ
أَنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ومناة بنات الله تعالى عما يقول
الظالمون علوّا كبيرا.
وقال الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ يَقُولُونَ
الْأَصْنَامُ وَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَكَانَ
الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا بُشِّرَ بِالْأُنْثَى كره ذلك.
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: أَلَكُمُ
الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى
(22) ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ: أَيْ قِسْمَةٌ
جَائِرَةٌ حَيْثُ جَعَلْتُمْ لِرَبِّكُمْ مَا تَكْرَهُونَ
لِأَنْفُسِكُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: قِسْمَةٌ
عَوْجَاءُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: غَيْرُ مُعْتَدِلَةٍ. قرأ ابن كثير: ضِيزى
بِالْهَمْزِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ.
__________
(1) هو مرسل ذكره المصنف هاهنا معلقا عن الضحاك، وسنده إليه في
أول الكتاب.
(2) في المطبوع «الثالثة الأخرى» والمثبت عن المخطوط وط و
«تفسير القرطبي» .
(4/309)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ
مَا تَمَنَّى (24)
قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ مِنْهُ ضَازَ
يَضِيزُ ضَيْزًا، وَضَازَ يَضُوزُ ضَوْزًا وَضَازَ يُضَازُ
ضَازًا إِذَا ظَلَمَ ونقص، وتقدير ضيزى من لكلام فُعْلَى
بِضَمِّ الْفَاءِ، لِأَنَّهَا صِفَةٌ وَالصِّفَاتُ لَا تَكُونُ
إِلَّا عَلَى فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ، نَحْوَ حُبْلَى
وَأُنْثَى وَبُشْرَى، أَوْ فَعْلَى بِفَتْحِ الْفَاءِ، نَحْوَ
غَضْبَى وَسَكْرَى وَعَطْشَى، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
فِعْلَى بِكَسْرِ الْفَاءِ فِي النُّعُوتِ، إِنَّمَا يَكُونُ
فِي الْأَسْمَاءِ مِثْلُ ذِكْرَى وشعرى وكسرى، والضاد هَاهُنَا
لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْيَاءُ وَاوًا وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ
الْيَاءِ [1] كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ أَبْيَضَ بِيضٌ، والأصل
بوض مثل جمر وَصُفْرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: ضَازَ يَضُوزُ
فَالِاسْمُ مِنْهُ ضُوزَى مِثْلَ شُورَى.
إِنْ هِيَ، مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ، إِلَّا أَسْماءٌ
سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
بِها مِنْ سُلْطانٍ، حجة وبرهان بِمَا تَقُولُونَ إِنَّهَا
آلِهَةً، ثُمَّ رجع إلى الخبر بعد المخطابة فَقَالَ: إِنْ
يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهَا
آلِهَةً، وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَهُوَ مَا زَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى،
الْبَيَانُ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ أَنَّهَا لَيْسَتْ
بآلهة، وأن الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ الواحد
القهار.
[سورة النجم (53) : الآيات 24 الى 30]
أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ
وَالْأُولى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا
تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ
يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26) إِنَّ الَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ
تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ
يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي
مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ
إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30)
أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (24) ، أَيُظَنُّ الْكَافِرُ
أَنَّ لَهُ مَا يَتَمَنَّى وَيَشْتَهِي مِنْ شَفَاعَةِ
الْأَصْنَامِ.
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25) ، لَيْسَ كَمَا ظَنَّ
الْكَافِرُ وَتَمَنَّى، بَلْ لِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأَوْلَى
لَا يَمْلِكَ أَحَدٌ فِيهِمَا شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ، ممن يَعْبُدُهُمْ
هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ وَيَرْجُونَ شَفَاعَتَهُمْ عِنْدَ
اللَّهِ، لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ
أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ، فِي الشَّفَاعَةِ، لِمَنْ يَشاءُ
وَيَرْضى، أَيْ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ. قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَا تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا لِمَنْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَمَعَ الْكِنَايَةَ فِي قَوْلِهِ:
شَفَاعَتُهُمْ وَالْمَلَكُ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ
قَوْلِهِ: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ، الْكَثْرَةُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ:
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47)
[الْحَاقَّةِ: 47] .
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ
الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) ، أَيْ بِتَسْمِيَةِ
الْأُنْثَى حِينَ قَالُوا إِنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ مَا
يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ إناث، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا
الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً،
وَالْحَقُّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ أَيْ لَا يَقُومُ الظَّنُّ
مَقَامَ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: الْحَقُّ بِمَعْنَى الْعَذَابِ،
أَيْ أن [2] ظنهم لا ينقذهم من العذاب.
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ، يَعْنِي الْقُرْآنَ.
وَقِيلَ: الْإِيمَانُ، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ
الدُّنْيا.
ثُمَّ صَغَّرَ رَأْيَهُمْ فَقَالَ: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ
الْعِلْمِ، أَيْ ذَلِكَ نِهَايَةُ عِلْمِهِمْ وَقَدْرُ
عُقُولِهِمْ أَنْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ.
وَقِيلَ: لَمْ يَبْلُغُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا ظَنَّهُمْ [3]
أن الملائكة بنات الله، وأنه تَشْفَعُ لَهُمْ فَاعْتَمَدُوا
عَلَى ذَلِكَ وَأَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ. إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِمَنِ اهْتَدى، أي هو عالم
__________
(1) في المطبوع «الباء» والمثبت عن المخطوط وط.
2 في المطبوع «أظنهم» والمثبت عن المخطوط.
3 في المطبوع «أظنهم» والمثبت عن المخطوط.
(4/310)
وَلِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا
بِالْحُسْنَى (31)
بالفريقين فيجازيهم.
[سورة النجم (53) : الآيات 31 الى 32]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ
الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ
كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ
رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ
أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي
بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا
مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْآيَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ قوله:
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا، فَاللَّامُ فِي
قَوْلِهِ: لِيَجْزِيَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى الْآيَةِ
الْأُولَى، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَعْلَمَ بِهِمْ جَازَى
كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ، الَّذِينَ أساؤوا أي أشركوا بِمَا
عَمِلُوا مِنَ الشِّرْكِ، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا
بِالْحُسْنَى، وَحَّدُوا رَبَّهُمْ بِالْحُسْنَى بِالْجَنَّةِ،
وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ عَلَى مُجَازَاةِ الْمُحْسِنِ
وَالْمُسِيءِ إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْمُلْكِ، وَلِذَلِكَ
قَالَ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.
ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ
الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ، اخْتَلَفُوا فِي
مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ
صَحِيحٌ، وَاللَّمَمُ: مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ،
وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِلَّا أَنْ يُلِمَّ بِالْفَاحِشَةِ
مَرَّةً ثُمَّ يَتُوبُ، وَيَقَعُ الْوَقْعَةَ [1] ثُمَّ
يَنْتَهِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٍ
وَالْحَسَنِ، وَرِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: اللَّمَمُ مَا
دُونُ الشِّرْكَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ قَالَ [2] أَبُو
صَالِحٍ: سُئِلْتُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِلَّا
اللَّمَمَ، فَقُلْتُ: هُوَ الرَّجُلُ يُلِمُّ بِالذَّنْبِ
ثُمَّ لَا يُعَاوِدُهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ
فَقَالَ: لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهَا مَلَكٌ كَرِيمٌ.
«2062» وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
قَوْلِهِ: إِلَّا اللَّمَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ
تَغْفِرْ جَمًّا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا» .
وَأَصْلُ اللَّمَمِ وَالْإِلْمَامِ مَا يَعْمَلُهُ
الْإِنْسَانُ الْحِينَ بَعْدَ الحين، ولا يكون له إعادة، ولا
إقامة عليه.
وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَجَازُهُ
لَكِنِ اللَّمَمَ، وَلَمْ يَجْعَلُوا اللَّمَمَ مِنَ
الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ
مَا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يُؤَاخِذُهُمُ اللَّهُ
بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ:
إِنَّهُمْ كَانُوا بِالْأَمْسِ يَعْمَلُونَ مَعَنَا؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
هُوَ صِغَارُ الذُّنُوبِ كَالنَّظْرَةِ وَالْغَمْزَةِ
وَالْقُبْلَةِ وَمَا كان دون الزنا، وهذا قَوْلُ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ،
وَرِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
«2063» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف أنا
__________
2062- تقدم في سورة الزمر عند آية: 53.
2063- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- عبد الرزاق بن همام، ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس بن كيسان
اليماني.
- وهو في «شرح السنة» 74 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 6612 عن محمود بن غيلان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري بإثر 6243 ومسلم 2657 ح 20 وأحمد 2/ 276 وابن
حبان 4420 والبيهقي 7/ 89 و10/ 185 [.....]
(1) في المخطوط «الواقعة» .
(2) في المطبوع «و» والمثبت عن المخطوط و «ط» .
(4/311)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي
تَوَلَّى (33)
محمد بن إسماعيل أنا محمود بن غيلان أَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رأيت أشبه باللمم مما
قال [1] أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ
حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا
الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللسان النطق، والنفس وتمنّى [2]
وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ» .
«2064» وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم، وزاد: «والعينان زِنَاهُمَا النَّظَرُ،
وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ
زِنَاهُ الْكَلَامُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ.
وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى» .
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: اللَّمَمُ عَلَى وَجْهَيْنِ كُلُّ
ذَنْبٍ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا
وَلَا عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ فَذَلِكَ الَّذِي تُكَفِّرُهُ
الصَّلَوَاتُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ،
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ هُوَ: الذَّنْبُ الْعَظِيمُ يُلِمُّ بِهِ
الْمُسْلِمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَيَتُوبُ مِنْهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هُوَ مَا لَمَّ عَلَى
الْقَلْبِ أَيْ خَطَرَ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ:
اللَّمَمُ النَّظْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَهُوَ
مَغْفُورٌ، فَإِنْ أَعَادَ النَّظْرَةَ فَلَيْسَ بِلَمَمٍ
وَهُوَ ذَنْبٌ. إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ:
لمن فعل ذلك ثم [3] تاب، تَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا، ثُمَّ
قَالَ: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ، أَيْ خَلَقَ أَبَاكُمْ آدَمَ مِنَ التُّرَابِ،
وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ، جَمْعُ جَنِينٍ، سُمِّيَ جَنِينًا
لِاجْتِنَانِهِ فِي الْبَطْنِ، فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا
تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا
تَمْدَحُوهَا. قَالَ الْحَسَنُ: عَلِمَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ
نَفْسٍ مَا هِيَ صَانِعَةٌ وَإِلَى مَا هِيَ صَائِرَةٌ، فَلَا
تُزَكُّوا أنفسكم، فلا تبرؤوها عَنِ الْآثَامِ وَلَا
تَمْدَحُوهَا بِحُسْنِ أَعْمَالِهَا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: كَانَ النَّاسُ يَعْمَلُونَ
أَعْمَالًا حَسَنَةً ثُمَّ يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا
وجهادنا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى، أَيْ بَرَّ وَأَطَاعَ وَأَخْلَصَ
الْعَمَلَ لِلَّهِ تعالى.
[سورة النجم (53) : الآيات 33 الى 36]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلاً
وَأَكْدى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35)
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) ،
نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، كَانَ قَدِ
اتَّبَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
دِينِهِ فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ لَهُ:
أَتَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَلْتَهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي
خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ فَضَمِنَ الَّذِي عَاتَبَهُ إِنْ هُوَ
[وافقه ورجع إلى شركه] [4] أعطاه كذا من ماله أَنْ يَتَحَمَّلَ
عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ، فَرَجَعَ الْوَلِيدُ إِلَى الشِّرْكِ
وَأَعْطَى الَّذِي عَيَّرَهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْمَالِ الذي ضمن
[ثم بخل] [5] وَمَنْعَهُ تَمَامَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) أَدْبَرَ عن
الإيمان.
__________
والواحدي 4/ 201 من طريق عبد الرزاق به.
وانظر الحديث المتقدم في سورة النساء عند آية 31.
2064- صحيح. أخرجه مسلم 2657 ح 21 وأبو داود 2153 وأحمد 2/ 372
و536 والبيهقي 7/ 89 من طريق سهيل بن أبي صالح به.
- وأخرجه أبو داود 2154 وأحمد 379 وابن حبان 4423 من طريق
الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صالح به.
وانظر ما قبله.
(1) في المطبوع «قاله» والمثبت عن ط والمخطوط.
(2) في المطبوع «تتمنى» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) في المطبوع «و» والمثبت عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن «أسباب النزول» للواحدي 772.
(4/312)
وَإِبْرَاهِيمَ
الَّذِي وَفَّى (37)
وَأَعْطى، صَاحِبَهُ، قَلِيلًا وَأَكْدى،
بَخِلَ بِالْبَاقِي، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَعْطَى يَعْنِي
الْوَلِيدَ قَلِيلًا مِنَ الْخَيْرِ بِلِسَانِهِ، وأكدى ثُمَّ
أَكْدَى، يَعْنِي قَطَعَهُ وَأَمْسَكَ وَلَمْ يَقُمْ عَلَى
الْعَطِيَّةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ
السَّهْمِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يُوَافِقُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ
الْأُمُورِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: نَزَلَتْ فِي
أَبِي جَهْلٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا
يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ إِلَّا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى (34) ، أَيْ
لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَمَعْنَى أَكْدَى: يَعْنِي قَطَعَ،
وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُدْيَةِ، وَهِيَ حَجَرٌ يَظْهَرُ فِي
الْبِئْرِ يَمْنَعُ مِنَ الْحَفْرِ، تَقُولُ الْعَرَبُ:
أَكْدَى الْحَافِرَ وَأَجْبَلَ إِذَا بَلَغَ فِي الْحَفْرِ
الْكُدْيَةَ وَالْجَبَلَ.
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35) ، مَا غَابَ
عَنْهُ وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ
عَذَابَهُ.
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ، لَمْ يُخْبَرْ، بِما فِي صُحُفِ مُوسى،
يَعْنِي أَسْفَارَ التَّوْرَاةِ.
[سورة النجم (53) : الآيات 37 الى 41]
وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ مَا
سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ثُمَّ يُجْزاهُ
الْجَزاءَ الْأَوْفى (41)
وَإِبْراهِيمَ، وفي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
الَّذِي وَفَّى، تَمَّمَ وَأَكْمَلَ مَا أُمِرَ بِهِ. قَالَ
الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وقَتَادَةُ: عَمِلَ بِمَا
أُمِرَ بِهِ وَبَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ إِلَى خَلْقِهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَفَّى بِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ.
قَالَ الرَّبِيعُ: وَفَّى رُؤْيَاهُ وَقَامَ بِذَبْحِ ابْنِهِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: اسْتَكْمَلَ الطَّاعَةَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ:
وَفَّى سِهَامَ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [الْبَقَرَةِ:
124] ، وَالتَّوْفِيَةُ الْإِتْمَامُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
وَفَّى مِيثَاقِ [1] الْمَنَاسِكِ.
«2065» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْحِيرِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بن
دحيم الشيباني ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري ثنا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ
عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى
(37) [قال] «كان يصلي [2] أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوَّلَ
النَّهَارِ» .
«2066» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَحْبُوبِيُّ ثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ
__________
2065- إسناده ضعيف جدا، جعفر بن الزبير متروك، والقاسم روى
مناكير عن أبي أمامة.
- قال الإمام أحمد: روي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ
أعاجيب، ولا أراها إلّا من قبل القاسم.
- إسرائيل هو ابن يونس السّبيعي، القاسم هو ابن عبد الرحمن.
- وأخرجه الطبري 32618 من طريق الحسن بن عطية عن إسماعيل به.
- وقد ضعفه ابن كثير في «التفسير» 4/ 258 والسيوطي في «الدر»
86.
- وانظر «الكشاف» 1105 بتخريجي.
2066- صحيح. إسناده لا بأس به، إسماعيل بن عياش، حديثه عن أهل
بلده مستقيم، وهذا إسناد شامي، وقد توبع، وللحديث شاهد.
- أبو جعفر، محمد بن جعفر، أبو مسهر، هو عبد الأعلى بن مسهر.
(1) في المخطوط «في شأن» .
(2) في المطبوع «صلى أربع» والمثبت عن المخطوط.
(4/313)
ثنا أبو جعفر السّمناني [1] ثنا أبو مسهر
ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ بُحَيْرِ [2] بْنِ سَعْدٍ
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
أَنَّهُ قَالَ: «ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ
مِنْ أول النهار أكفك آخره» .
ثُمَّ بَيَّنَ مَا فِي صُحُفِهِمَا فَقَالَ: أَلَّا تَزِرُ
وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) ، أَيْ لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ
حَامِلَةٌ حِمْلَ أُخْرَى، وَمَعْنَاهُ: لَا تُؤْخَذُ نَفْسٌ
بِإِثْمِ غَيْرِهَا، وَفِي هَذَا إِبْطَالُ قَوْلِ مَنْ ضَمِنَ
لِلْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَنْهُ
الْإِثْمَ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا قَبْلَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْخُذُونَ الرَّجُلَ
بِذَنْبِ غَيْرِهِ، كَانَ الرَّجُلُ يُقْتَلُ بذنب أَبِيهِ
وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَامْرَأَتِهِ وَعَبْدِهِ، حتى كان
إبراهيم فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَبَلَّغَهُمْ عَنِ اللَّهِ
أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) .
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى (39) ، أَيْ
عَمِلَ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
[اللَّيْلِ: 4] ، وَهَذَا أَيْضًا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ
وَمُوسَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَنْسُوخُ الْحُكْمِ
فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، بِقَوْلِهِ: أَلْحَقْنا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ [الطُّورِ: 21] ، فَأَدْخَلَ الْأَبْنَاءَ
الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ
ذَلِكَ لِقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، فَأَمَّا هَذِهِ
الْأُمَّةُ فَلَهُمْ مَا سَعَوْا وَمَا سَعَى لَهُمْ
غَيْرُهُمْ.
«2067» لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ:
«نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» .
«2068» وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، فَهَلْ لَهَا
أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قال: «نعم» .
__________
- وهو في «شرح السنة» 1004 بهذا الإسناد.
- وهو في «سنن الترمذي» 475 عن أبي جعفر السّمناني بهذا
الإسناد.
- قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
- وأخرجه أحمد 6/ 440 من طريق صفوان و6/ 451 من طريق أبي
اليمان كلاهما عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ شريح بْنِ
عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجل
يقول: ابن آدم لا تعجز عن أربع ركعات أول النهار أكفك آخره» .
- وإسناده حسن.
- وله شاهد من حديث نعيم بن همار.
- أخرجه أبو داود 1289 وأحمد 5/ 287 (21969) من طريق مكحول عن
كثير بن مرة عنه، ورجاله ثقات، لكن فيه إرسال.
- وأخرجه أحمد 5/ 287 (21965) والدارمي 1/ 338 من طريق مكحول
عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي عن نعيم بن همّار به، وإسناده
حسن، رجاله ثقات.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه، وشواهده. [.....]
2067- صحيح. أخرجه مسلم 1336 وأبو داود 1736 والنسائي 5/ 120-
121 وأحمد 1/ 219 والشافعي 1/ 289 والحميدي 504 والطيالسي 2707
وابن الجارود 411 وابن حبان 144 والطبراني 12176 من طرق عن
سفيان عن إبراهيم بن علقمة عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
بأتم منه.
2068- صحيح. أخرجه البخاري 1388 و2760 ومسلم 1630 والنسائي 6/
250 وابن خزيمة 2499 وابن حبان 3353 والبيهقي 6/ 277 من طرق
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه عن عائشة.
- وله شاهد من حديث سعد بن عبادة.
(1) في المطبوع «الشيباني» وفي المخطوط «السماني» والمثبت عن ط
و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «يحيى» والمثبت عن المخطوط.
(4/314)
وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ
الْمُنْتَهَى (42)
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَأَنْ
لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى (39) يَعْنِي الْكَافِرَ،
فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى وَمَا سُعِيَ لَهُ.
قيل: لَيْسَ لِلْكَافِرِ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا مَا عَمِلَ
هُوَ، فَيُثَابُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا يَبْقَى
لَهُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ.
«2069» وَيُرْوَى أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَ
أَعْطَى الْعَبَّاسَ قَمِيصًا أَلْبَسَهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا
مَاتَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَهُ فِيهِ.
فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ فِي الْآخِرَةِ يُثَابُ
عَلَيْهَا.
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40) ، فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَرَيْتُهُ الشَّيْءَ.
ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41) ، الْأَكْمَلَ
وَالْأَتَمَّ أَيْ يُجْزَى الْإِنْسَانُ بِسَعْيهِ، يُقَالُ:
جَزَيْتُ فُلَانًا سَعْيَهُ وَبِسَعْيِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنْ أَجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ ... لَمْ
أَجْزِهِ بِبَلَاءِ يَوْمٍ واحد
فجمع بين اللغتين.
[سورة النجم (53) : الآيات 42 الى 47]
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) وَأَنَّهُ هُوَ
أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47)
وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) ، أَيْ مُنْتَهَى
الْخَلْقِ وَمَصِيرُهُمْ إِلَيْهِ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ
بِأَعْمَالِهِمْ. وَقِيلَ: مِنْهُ ابْتِدَاءُ الْمِنَّةِ
وَإِلَيْهِ انْتِهَاءُ الْآمَالِ.
«2070» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ محمد
الشيباني [1] أنا
__________
- أخرجه البخاري 2756 و2762 من طريقين عن ابن جريج عن يعلى بن
مسلم أنه سمع عكرمة يقول: أنبأنا ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أن سعد بن عبادة توفيت أمه، وهو غائب عنها،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أمي توفيت وأنا غائب عنها،
أينفعها شيء إن تصدقت عنها؟ قالت: نعم. قال: فإني أشهدك أن
حائطي المخراف صدقة عليها» .
- وأخرجه البخاري 2770 وأبو داود 2882 والترمذي 669 والنسائي
6/ 252- 253 من طريق عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عن
ابن عباس.
- وأخرجه النسائي 6/ 250- 251 وابن خزيمة 2500 والحاكم 1/ 420
وابن حبان 3354 والبيهقي 6/ 278 من طريق مالك عن سعيد بن عمرو
بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: خرج سعد بن عبادة ... فذكره.
2069- تقدم في سورة التوبة عند آية: 83.
2070- إسناده ضعيف جدا، أبو جعفر الرازي ضعفه غير واحد بسبب
سوء حفظه، وفي الإسناد إليه مجاهيل.
- وتفسير الآية على أنه مرفوع ضعيف جدا، ليس بشيء، وسيأتي
لمعناه شواهد دون تفسير الآية.
- أبو جعفر هو عيسى بن أبي عيسى الرازي، وأبو عيسى اسمه ماهان،
أبو العالية هو رفيع بن مهران.
- وأخرجه الدارقطني في «الأفراد» كما في «الدر» 6/ 130 من حديث
أبي بن كعب.
- وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (6) من طريق عبد العزيز بن
خالد عن سفيان من قوله: وكرره 9 عن الثوري قوله في تفسير هذه
الآية، وهو الصواب.
- وانظر ما يأتي.
(1) في المخطوط «السفياني» .
(4/315)
محمد بن سيماء [1] بن الفتح الحنبلي ثنا
علي بن محمد المصري أنا [2] إسحاق [بن إبراهيم] [3] بن منصور
الصغدي [4] أنا الْعَبَّاسُ بْنُ زُفَرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
الرَّازِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ إِلى
رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) ، قَالَ: «لَا فِكْرَةَ فِي
الرَّبِّ» .
«2071» وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا: «تَفَكَّرُوا فِي الْخَلْقِ وَلَا تَتَفَكَّرُوا
فِي الْخَالِقِ فَإِنَّهُ لَا تُحِيطُ بِهِ الْفِكْرَةُ» .
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) ، فَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ فَبِقَضَائِهِ
وَخَلْقِهِ حَتَّى الضَّحِكُ وَالْبُكَاءُ، قَالَ مُجَاهِدٌ
وَالْكَلْبِيُّ: أَضْحَكَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ،
وَأَبْكَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
أَضْحَكَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ، وَأَبْكَى السَّمَاءَ
بِالْمَطَرِ.
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: يعني فرّح وَأَحْزَنُ،
لِأَنَّ الْفَرَحَ يَجْلِبُ الضَّحِكَ، وَالْحُزْنَ يَجْلِبُ
الْبُكَاءَ.
«2072» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ
أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا
__________
2071- ضعيف بهذا اللفظ، ولمعناه شواهد يحسن بها إن شاء الله.
- أخرجه ابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» 10/ 192 من حديث أبي
هريرة، وفيه مجاهيل، وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي اتهمه
الذهبي.
- وقال ابن كثير في «تفسيره» بعد أن ذكره نقلا عن البغوي: كذا
أورده، وليس بمحفوظ بهذا اللفظ.
- وله شاهد من حديث ابن عباس: «تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا
في ذات الله ... » .
- أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (2) والأصبهاني في «الترغيب»
668 من طريق عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
- وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (5) من طريق الْأَعْمَشُ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عن رجل حدثه عن ابن عباس.
- وإسناده ضعيف في راو مجهول.
- وأخرجه الأصبهاني 670 من طريق الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُرَّةَ عن ابن عباس. وإسناده منقطع.
- وأخرجه الأصبهاني 672 من طريق الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مُرَّةَ مرسلا.
- وله شاهد من حديث ابن عمر «تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا
في الله» .
- أخرجه أبو الشيخ (1) ، والأصبهاني 671 وابن عدي 7/ 95
والبيهقي في «الشعب» 120 والطبراني في «الأوسط» 6456 من طريق
الوازع بن نافع عن سالم عن ابن عمر به وإسناده ضعيف جدا الوازع
بن نافع، متروك.
- وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام وفيه قصة.
- أخرجه أبو الشيخ 21 والأصبهاني 673 وأبو نعيم في «الحلية» 6/
66- 67 من طريق عبد الجليل بن عطية عن شهر ابن حوشب عن عبد
الله بن سلام.
- وإسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب.
- وله شاهد عن يونس بن ميسرة مرسلا أخرجه أبو الشيخ (20) .
- وله شاهد من حديث أبي ذر عند أبي الشيخ (4) وإسناده ضعيف.
- الخلاصة: لمعناه شواهد يحسن بها إن شاء الله، والله الموفق.
2072- حسن. فيه قيس بن الربيع ضعفه قوم، ووثقه آخرون، لكن توبع
ومن دونه، وشيخه سماك، روى له مسلم لكن تغير حفظه بأخرة، فصار
ربما تلقن كما في «التقريب» فحديثه ينحط عن درجة الصحيح، وإن
رواه مسلم.
(1) في المطبوع «سليمان» والمثبت عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع «أبو» .
(3) زيادة عن «الأنساب» للسمعاني 3/ 544.
(4) في المخطوط «المصعدي» وفي المطبوع وط والمخطوط (ب) :
«الصعدي» والتصويب عن المخطوط (أ) و «الأنساب» للسمعاني 3/
544. [.....]
(4/316)
وَأَنَّهُ هُوَ
أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
علي بن الجعد أنا قَيْسٌ هُوَ ابْنُ
الرَّبِيعِ الْأَسَدِيُّ ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكَنْتَ تُجَالِسُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ
وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَجْلِسُونَ فيتناشدون الشِّعْرَ،
وَيَذْكُرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ،
فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ إِذَا ضَحِكُوا، يَعْنِي
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ هَلْ
كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالْإِيمَانُ فِي
قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الْجَبَلِ.
وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44) ، أَيْ أَمَاتَ فِي
الدُّنْيَا وَأَحْيَا لِلْبَعْثِ. وَقِيلَ: أَمَاتَ الْآبَاءَ
وَأَحْيَا الْأَبْنَاءَ.
وَقِيلَ: أَمَاتَ الْكَافِرَ بالنكرة وأحياء الْمُؤْمِنَ
بِالْمَعْرِفَةِ.
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) ،
مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ.
مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46) ، أَيْ تُصَبُّ فِي الرَّحِمِ،
يُقَالُ مَنَى الرَّجُلُ وَأَمْنَى. قَالَهُ الضَّحَّاكُ
وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَ آخَرُونَ [تمنى]
تُقَدَّرُ، يُقَالُ: مَنَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَدَّرْتُهُ.
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47) ، أن الْخَلْقَ
الثَّانِي لِلْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
[سورة النجم (53) : الآيات 48 الى 56]
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ
الشِّعْرى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50)
وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ
إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (53) فَغَشَّاها مَا غَشَّى (54)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ
النُّذُرِ الْأُولى (56)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48) ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ:
أَغْنَى النَّاسَ بِالْأَمْوَالِ وَأَقْنَى أَيْ أَعْطَى
الْقِنْيَةَ وَأُصُولَ الْأَمْوَالِ وَمَا يَدَّخِرُونَهُ
بَعْدَ الْكِفَايَةِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: أَغْنَى بِالذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَصُنُوفِ الْأَمْوَالِ [وَأَقْنَى] [1]
بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ
وَالْحَسَنُ: أَقْنَى أَخْدَمَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أغنى
وأقنى أعطى فأرضى.
__________
- وهو في «شرح السنة» 3245 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البغوي في «الأنوار» 336 من وجه آخر عن عاصم بن علي
عن قيس به.
- وأخرجه الترمذي 4854 وفي «الشمائل» 246 والبغوي في «الأنوار»
335 وفي «شرح السنة» 3304 من طريق علي بن حجر.
- وأخرجه أبو يعلى 7449 من طريق زكريا بن يحيى.
- وأخرجه أحمد 5/ 86 و88 من طريق سليمان بن داود.
- وأخرجه البيهقي 10/ 240 من طريق يحيى بن عبد الحميد.
- وأخرجه أحمد 5/ 91 و105 من طريق أسود بن عامر، وأبي سلمة
الخزاعي.
- كلهم عن شريك بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 5/ 91 وأبو عوانة 2/ 22 من طريق زهير عن سماك
به.
- وأخرجه مسلم 2322 والبغوي في «شرح السنة» 3244 من طريق أبي
خيثمة عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سمرة به مع اختلاف يسير
فيه.
- الخلاصة: رواه غير واحد عن سماك، وحديثه ينحط عن درجة الصحيح
كما تقدم، فهو حسن إن شاء الله، والله الموفق.
(1) زيادة عن [المطبوع] .
(4/317)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ
(57)
قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: أَقْنَى
أَرْضَى بِمَا أَعْطَى وَقَنَعَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
أَغْنَى أَكْثَرَ وَأَقْنَى أَقَلَّ، وَقَرَأَ: يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد: 26، الإسراء: 30،
سبأ: 36، الزمر: 52، الشورى: 12] ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ:
أَقْنَى أَفْقَرَ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: أَوْلَدَ.
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (49) ، وَهُوَ كَوْكَبٌ خَلْفَ
الْجَوْزَاءِ وَهُمَا شِعْرِيَّانِ، يُقَالُ لِإِحْدَاهُمَا
الْعَبُورُ وَلِلْأُخْرَى الْغُمَيْصَاءُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِأَنَّهَا أَخْفَى مِنَ الْأُخْرَى، وَالْمَجَرَّةُ
بَيْنَهُمَا. وَأَرَادَ هَاهُنَا الشِّعْرَى الْعَبُورُ
وَكَانَتْ خُزَاعَةُ تَعْبُدُهَا، وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّ لَهُمْ
ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو كَبْشَةَ
عَبَدَهَا، وَقَالَ: لِأَنَّ النُّجُومَ تَقْطَعُ السماء عرضا،
والشعرى [تقطها] [1] طُولًا فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لَهَا،
فَعَبَدَتْهَا خُزَاعَةُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَافِ الْعَرَبِ
فِي الدِّينِ سَمَّوْهُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ لِخِلَافِهِ
إِيَّاهُمْ كَخِلَافِ أَبِي كَبْشَةِ فِي عِبَادَةِ
الشِّعْرَى.
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولى (50) ، قَرَأَ أَهْلُ
الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ بِلَامٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَ
الدَّالِّ، وَيَهْمِزُ وَاوَهُ قَالُونُ عَنْ نَافِعٍ،
وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَتَقُولُ: قُمْ لَانَ عَنَّا،
تريد: قم الآن عنا، ويكون الوقف عندهم عَادًا، وَالِابْتِدَاءُ
«أولى» ، بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا لَامٌ
مَضْمُومَةٌ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ: لُولَى، بِحَذْفِ
الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ، وقرأ الآخرون: عاداً الْأُولى،
وهو قَوْمُ هُودٍ أُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ وكان لَهُمْ
عَقِبٌ فَكَانُوا عَادًا الْأُخْرَى.
وَثَمُودَ، وهم قَوْمُ صَالِحٍ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ
بِالصَّيْحَةِ، فَما أَبْقى، مِنْهُمْ أَحَدًا.
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ، أَيْ أَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ
قَبْلِ عَادٍ وَثَمُودَ، إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ
وَأَطْغى، لِطُولِ دَعْوَةِ نُوحٍ إِيَّاهُمْ وَعُتُوِّهُمْ
عَلَى اللَّهِ بِالْمَعْصِيَةِ وَالتَّكْذِيبِ.
وَالْمُؤْتَفِكَةَ، يعني قرى قرم لُوطٍ، أَهْوى، أَسْقَطَ أَيْ
أَهْوَاهَا جبريل بعد ما رَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ.
فَغَشَّاها، أَلْبَسَهَا اللَّهُ، مَا غَشَّى، يَعْنِي
الْحِجَارَةَ الْمَنْضُودَةَ الْمُسَوَّمَةَ.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ، نِعَمِ رَبِّكَ أَيُّهَا
الْإِنْسَانُ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةَ،
تَتَمارى، تَشُكُّ وَتُجَادِلُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
تَكْذِبُ.
هَذَا نَذِيرٌ، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مِنَ النُّذُرِ الْأُولى، أَيْ رَسُولٌ مِنَ الرسل
أرسل إِلَيْكُمْ كَمَا أُرْسِلُوا إِلَى أَقْوَامِهِمْ،
وَقَالَ قَتَادَةُ يَقُولُ أَنْذَرَ مُحَمَّدٌ كَمَا أَنْذَرَ
الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ.
[سورة النجم (53) : الآيات 57 الى 62]
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ
كاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (61)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) ، دَنَتِ الْقِيَامَةُ وَاقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ.
لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) ، أي مظهرة
مبينة [2] كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها
إِلَّا هُوَ [الْأَعْرَافِ: 187] ، وَالْهَاءُ فِيهِ
لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ نَفْسٌ كَاشِفَةٌ،
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَاشِفَةُ مَصْدَرًا كَالْخَافِيَةِ
[3] وَالْعَافِيَةِ، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ
اللَّهِ كَاشِفٌ، أَيْ لَا يَكْشِفُ عَنْهَا وَلَا يُظْهِرُهَا
غَيْرُهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهَا رَادٌّ [4] يَعْنِي إِذَا
غَشِيَتِ الخلق أهوالها وشدائدها لم يشكفها ولم يردها عنهم
أحد،
__________
(1) زيادة عن ط والمخطوط.
(2) في المطبوع «مقيمة» والمثبت عن المخطوط.
(3) في المطبوع «كالخيالة» والمثبت عن المخطوط وط.
(4) تصحف في المخطوط إلى «دار» .
(4/318)
وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ
وَالضَّحَّاكِ.
أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، تَعْجَبُونَ
وَتَضْحَكُونَ، يعني الاستهزاء، وَلا تَبْكُونَ، مِمَّا فِيهِ
مِنَ الوعد والوعيد.
وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (61) ، لاهون غافلون، والسمود
الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ وَاللَّهْوُ، يُقَالُ: دع عنّا
سُمُودَكَ أَيْ لَهْوَكَ، هَذَا رِوَايَةُ الْوَالِبِيُّ
وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ
عَنْهُ: هُوَ الْغِنَاءُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَكَانُوا
إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا، وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: أَشِرُونَ بَطِرُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غضاب
[1] متبرطمون [2] فَقِيلَ لَهُ: مَا الْبَرْطَمَةُ؟ قَالَ:
الْإِعْرَاضُ.
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62) ، أَيْ واعبدوه.
«2073» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا مسدد ثنا عبد الوارث ثنا أَيُّوبَ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ
مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ
وَالْإِنْسُ.
«2074» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي أَبُو
أحمد ثنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ
أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ النَّجْمُ، قَالَ فَسَجَدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَجَدَ مَنْ
خَلْفَهُ [3] إِلَّا رجلا رأيته
__________
2073- إسناده صحيح على شرط البخاري.
- مسدّد هو ابن مسرهد، عبد الوارث هو ابن سعيد، أيوب هو ابن
أبي تميمة، عكرمة هو أبو عبد الله البربري مولى ابن عباس.
- وهو في «شرح السنة» 764 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 1071 عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4862 والترمذي 575 وابن حبان 2763 والدارقطني
1/ 409 من طرق عن عبد الوارث بن سعيد به.
- قلت: لم يدرك ابن عباس هذه الحادثة، فهو مرسل صحابي، وهو حجة
عند الجمهور، لكن خالفه ابن مسعود فاستثنى رجلا من المشركين،
وليس فيه ذكر الجن، وحديث ابن مسعود أصح وأرجح، وهو مقدم عليه
لأن ابن مسعود كان في تلك الحادثة بخلاف ابن عباس، فحديث ابن
مسعود هو المحفوظ، وانظر «أحكام القرآن» 2029 و2030 بتخريجي.
2074- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو أحمد هو الزبيري محمد بن عبد الله الزبيري، إسرائيل هو
ابن يونس، أبو إسحق هو السّبيعي.
- وهو في «صحيح البخاري» 48631 عن نصر بن علي بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد 1/ 388 من طريق سفيان عن أبي إسحاق به.
- وأخرجه البخاري 1067 و1070 و3853 و3972 ومسلم 576 وأبو داود
1406 والنسائي 2/ 160 وأحمد 1/ 401 و437 و443 و462 والدارمي 1/
342 وابن خزيمة 553 وابن حبان 2764 من طرق عن شعبة عن أبي
إسحاق به.
(1) في المطبوع «غضاك» والمثبت عن ط والمخطوط.
(2) في المخطوط «متبرطون» وفي ط «مبرطون» .
(3) تصحف في المطبوع إلى «خلقه» .
(4/319)
|